التقيّة في إطارها الفقهي

علي الشملاوي

التقيّة في إطارها الفقهي

المؤلف:

علي الشملاوي


الموضوع : الفقه
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

|٥|

لا تقية في الدماء والاعراض

مما يدل على ان التقية من التشريعات السامية التي جاء بها الاسلام .. التفاصيل المشتملة عليها والاستثناءات الواردة في مصاديقها.

فانه وان قلنا ـ بأن ميدانها ميدان واسع وتصح في كل شيء الا انها اذا وصلت الى درجة تخرج عن الهدف المراد منها او لم يكن لها موضوع لم يصح استعمالها ... لذلك بحث العلماء في الموارد التي لا يصح استعمال التقية فيها ، واطلقوا عليها مستثنيات التقية وهذه بعضها :

١ ـ عند انتفاء الضرر :

فاننا ذكرنا ان مناط التقية وموردها اذا كان هناك ضرر ، فاذا انتفى الضرر ولم يتوجه للانسان بأي وجه من الوجوه فانه لا يجوز له استعمال التقية لعدم تحقق موضوعها ..

وقد مر في ـ‌موارد تشريع التقية‌ـ كثير من كلمات العلماء التي تدل على ذلك ، وذلك في تقسيم التقية للاحكام الخمسة.

٢ ـ الدماء والاعراض :

وردت روايات كثيرة تنص على انه لا تقية في الدماء ، وبهذا افتى العلماء اعتماداً على ما وردت به الروايات ، واعتماداً على أن رفع الضرر انما يكون اذا لم يتسبب في ضرر الغير اما اذا توصل لاضرار الغير فلا يجوز رفعه على حساب الاخرين.

٨١

ذلك : ان الضررين حينئذ يصبحان في رتبة واحدة .. فلا يصبح ان يقدم الاضرار للغير تقية. ويدفع الضرر عن نفسه .. بل في مثل هذا المورد يتحمل الضرر بنفسه.

وكل ذلك يتضح حينما نصغي لما تقوله الرواية معللة ذلك ..

عن ابي جعفر (ع) : [ إنما جعل التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فليس تقية ] .. (١)

وبلفظ آخر ـ عن ابي حمزة الثمالي ـ عن ابي جعفر (ع) ..

[ إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغت الدم فلا تقية ]. (٢)

وبهذا يتضح لنا قيمة هذه المسألة الفرعية ومدى اهتمامها بالخفاظ على الانسان ـ فانه اذا وصلت لضياع الانسان فلا معنى لتطبيقها واستعمالها ..

ويمكن ان تنطبق بهذه الصورة المحرمة التي لا تجوز فيها ـ على ثلاثة مصاديق :

١ ـ أن يحكم القاضي او يفتي المفتي .. بحكم او فتوى ـ تقية ـ فتؤدي الفتوى الى سفك دم انسان او يؤدي الحكم الى قتل المسلم المحقون دمه فانها عند ذلك لا تجوز ـ كما تقدم كثيرا ـ

٢ ـ أن يأمره من هو اقوى منه بقتل نفس محترمة ـ ويتوعده بالقتل ان لم يفعل ، وهنا لا يجوز له ان يقدم على قتل

__________________

(٢،١) الحر العاملي : وسائل الشيعة : ج ١١ ص ٤٨٣ ، باب ٣١ ، ح ١ ، ٢.

٨٢

هذه النفس المحترمة ـ تقية ـ بل هو يحتمل ذلك ـ ولا مورد للتقية هنا بالمرة اذ يرتفع موضوعها ..

٣ ـ ان تشهد البينة الكاملة على ان فلاناً قتل فلاناً وهو لم يقتله وانما شهدوا خوفاً وتقية ـ او شهدوا على الزنا مع علمهم بانه لم يزن ـ وانما شهدوا تقية ـ فانه هنا لا يجوز لهم هذه الشهادة لما فيه من قتل المسلم وهتك العرض وتعريض الآخرين للضرر المماثل للضرر المتوجه لهم.

وبهذا نعلم : اننا اذا جعلنا الاعراض في رتبة الدماء لا فرق بين الدم والعرض في عدم جواز التقية ... اذ يكون المناط واحداً في توجيه الضرر المساوي للغير.

تنبه :

قد الحق البعض ـ البراءة من علي بن ابي طالب واهل بيته ـ بالمستثنيات وقد اوضحنا ذلك في حاشية على روايات ـ التقية في الاصول.

وكذلك ـ ألحق أيضاً ـ المسح على الخفين وقد شرحناه في التعليق على التقية في الفروع في نفس المسألة. فليراجع.

٨٣

|٥|

متى نعمل بالتقية ؟

من كلمة للامام الصادق (ع) ـ والتي تقدمت في مبحث تشريع التقية ـ القواعد الثانوية ـ يقول فيها :

ومع ذلك ينظر فيه ، فان كان ليس مما يمكن أن تكون تقية في مثله لم يقبل منه ...

وهذه أجلى صورة تدلنا على أن التقية لها معاييرها الخاصة وشروطها المحددة ، فمن تعداها لم يقبل منه وإن ادعاها.

ونستطيع من خلال هذا البحث الموسع ـ بالاضافة الى خصوص بحث مستثنيات التقية ـ أن نستخلص عدة شروط يتوقف العمل بالتقية على توفرها.

وهي :

١ ـ تحقق موضوع التقية وهو الضرر المتوجه للانسان.

حيث مع عدم تحقق الضرر ينتفي موضوع التقية فينتفي جواز العمل بها لانتفاء موضوعه.

٢ ـ غلبة الظن ـ من المكلف ـ بان هذا الفعل يتوجه من فعله ضرر ، او غلبة الظن ـ إن لم يكن هناك علم ـ بان المتوعد على الفعل يستطيع القيام بما توعد به ـ في مورد الاكراه ـ اذ بدونه لا يصدق اكراه ـ فلا ضرر.

٨٤

٣ ـ ان يكون الضر المتوجه للانسان ضررا معتدا به بحيث لا يتحمل عادة ـ كما تقدم في بحث الضرر النوعي والشخصي.

٤ ـ أن يتوجه الضرر ـ للمتقي ـ للمكره ـ بنفسه أو بماله او بعرضه او يتوجه لاحد اقاربه ومن يحسب عليه ـ بالانحاء الثلاثة السابقة.

حتى عُدي الى عموم الطائفة ... وهذا هو المنطبق على المعنى الثاني الذي ذكرناه للضرر النوعي ـ في البحث المخصوص بهما ـ.

٥ ـ ان لا يمكنه التخلص مما اكره عليه او مما اضطر اليه بحيث يتخلص من الضرر ـ باي وسيلة كانت ـ كالتورية او تاخير الفعل ـ او الانتقال لمكان آخر ـ على الاختلاف المتقدم ـ في بحث المندوحة ـ وهذا الشرط بناءاً على قول من يشترط عدم المندوحة.

٦ ـ ان لا يكون الفعل الذي اكره عليه في مورد الاكراه الفعلي مساوياً ـ للضرر الذي يتوجه اليه ، فمثلا : لو اكرهه شخص على قتل فان لم يقتل قتله فهنا تساوى الضرر المتوجه اليه والفعل المكره عليه.

ولا يجوز للانسان في مثل هذه الصورة الاقدام على قتل الغير ليدفع القتل عن نفسه ن فمن باب اولى لو كان الضرر المتوجه اليه غير القتل مع اكراهه على القتل. وذلك لما تقدم من ان التقية انما جعلت ليحقن بها الدم فاذا وصلت له فلا تقية.

٨٥

هذه جملة من الشروط من البحوث المتقدمة ، ويمكن ان يستفيد الباحث شروطاً اخرى عند التعمق والتدقيق.

٨٦

|٦|

هل أن التقية نفاق ؟

أعتقد انني اسهبت في توضيح هذه المسألة الفرعية ـ مبنىً وتفريعاً وتوابعاً ... وما دعى الى ذلك الا الاهتمام بتوضيح الصورة جلية ، وكشف الستار عن هذه المسألة الفرعية ليتضح ان هذه المسألة لا تستحق الا الاعظام والاكبار ..

وقد حز في نفسي ما قرأته وما زلت أقرأه عن هذه المسألة من تشنيعات توجه لها وللعاملين بها ، وما ذاك الا لأن الصورة ـ لهذه المسألة ـ لم تتضح لهذا الانسان الموجه هذه التشنيعات. والذي في اعتقادي ـ قد تسرع في الحكم عليها وعلى اهلها دون ان يرجع الى واقعها.

ومن جملة ما يعتمد عليه في التشنيع على هذه المسألة ـ عدم التفريق بينها وبين النفاق. اذ حكموا بأنها نفاق .. وحكموا على من يعمل بها انه منافق .. وبالتالي فهو خارج عن صفات المؤمنين.

وما نريده هنا هو الاشارة الى نقطة الافتراق ـ الجوهرية ـ بينهما. وما ربما تسبق للفهم بمجرد الالتفات الى حقيقة كل منهما ..

فان النفاق الذي ذمه الله سبحانه وتعالى انما هو نقيض للتقية تماماً.

٨٧

ذلك ان الله لم يذم الاضمار والاظهار مطلقاً بل ذم اظهار الحق مع اضمار الباطل ، بأن يظهر الانسان الحق وانه من معتقديه مع ان قلبه ينطوي على الباطل وعدم الاعتراف بالحق ..

[ إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ] (١)

ثم يعقب :

[ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ] (٢)

ثم يوضح انهم يدخلون تحت قائمة اهل الباطل ..

[ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ .. ] (٣).

ويقرر واقعهم المذموم بقوله :

[ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ] (٤)

ويضيف في اية اخرى ـ موضحاً ما تنطوي عليه نفوسهم من خوف الكشف لواقعهم وفضحهم ..

[ يَحْذَرُ المُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ] (٥)

فأوضح القرآن الكريم هذه الحقيقة في المنافق ـ وهي

__________________

(١) الآية : ١ المنافقون.

(٢) الآية : ٢ المنافقون.

(٣) الآية : ٣ المنافقون.

(٤) الآية : ١٤٢ النساء.

(٥) الآية : ٦٤ التوبة.

٨٨

اظهار الايمان ـ لاجل المخادعة والغرر بالمؤمنين واخفاء الكفر والالحاد ..

هذه هي صورة النفاق والمنافق.

اما التقية فهي بعيدة عن هذه الصورة تماماً بل نقيضة لها ..

ذلك ان التقية هي :

اظهار خلاف الحق وكتمان الحق .. كما يتضح من هذا المبحث.

فالمتقي ـ العامل بالتقية ـ يظهر ما لا يعتقده حقاً ـ خلاصاً من الاذى ويخفي ويضمر في نفسه الحق.

كما وصفها الله سبحانه وتعالى ...

[ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ]

[ إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ] ...

فالتقية انما يعمل بها معتقد الحق المطمئن قلبه بالايمان والحق ، ولكن يظهر خلاف الحق ...

هذا بالنسبة الى حقيقتهما.

اما من حيث الدواعي .. فأيضا هناك فروق واضحة في دواعي كل منهما.

اذ دواعي ـ المنافق ـ كثيرة ، منها ..

مخادعة المسلمين واظهار أنه منهم ليؤمن منهم ثم يكيد لهم ما يضعفهم ... فهدفه من اخفاء هويته الواقعية هو هدم الحق واضعافه ..

أما الداعي للمتقي ...

٨٩

فهو حفظ نفسه ودفع الضرر عنها ، فالداعي لإخفاء هويته ، هي دفع الضرر عن نفسه والحفاظ عليها الذي هو مطلوب شرعاً ، بل قد أوجبه الشارع في بعض الحالات .. ـ كما تقدم في طيات هذا البحث.

بالاضافة الى أنه بواسطة التقية نكون قد حفظنا شخصاً يُعز به الاسلام ...

فشتان بين التقية والنفاق وبين المتقي والمنافق ..

فهما خطان متوازيان لا يلتقيان في نقطة ابداً.

فهل ـ بعد هذا ـ يمكن لعاقل ان يتصور انهما من ميدان واحد ويحكم عليهما بحكم واحد ...

هذا ما لا اتصوره ولا يتصوره كل باحث عن الحقيقة الكاشف لواقعها.

٩٠

|٧|

تقية الشيعة

وبنهاية هذا المبحث نكون قد اعطينا التقية صورتها الواقعية التي لا يشوبها أدنى تشويه ..

التقية التي تعمل بها الشيعة.

التقية التي تعظمها الشيعة بما هي حكم من احكام الله التكليفية.

التقية التي يعتبرها الامام الصادق من الدين.

التقية من ديني ودين آبائي ..

وماذاك الا انها حكم من احكام الشريعة ، وله الشأن العظيم ، فالعمل به يكون عملاً بالدين .. عملاً بالحق ... وبالتالي من يستهتر بهذا الحكم ولا يعمل به يكون قد استهتر بالدين. ولذلك اصبح ـ من لا تقية له لا دين له ... ويكون قد اهدر دمه بنفسه.

ولذلك اعطيت هذه الاهمية.

هذه هي التقية بصورتها الواضحة عند الشيعة الامامية ..

انها مبدأ تحيى بواسطته نفوس ... وتدوم انفاس ... وتحفظ اديان وعقائد واحكام.

هذه هي تقية الشيعة.

٩١
٩٢

٩٣
٩٤

استشراف

|١|

ليس من الغريب أن يوجد الخلاف بين فرقتين ، ولا بين عدة فرق إذ هو دليل على قوة إرادة رائدي كل فرقة من هذه الفرق ، بل هو دليل على الإستقلال الفكري لكل عنصر من عناصر المجموعة وجميع أفرادها.

كما أنه في حد ذاته مرتكز أساسي لتطور علوم الإنسانية.

ولكن الغريب أن لا يكون هذا الخلاف في إطاره الواقعي ، وان يخلو ـ هذا الخلاف ـ من دواعيه واسبابه ... والذي هو اغرب من هذا وذاك ... هو أن يسمى الاتفاق خلافاً ... دون معرفة الواقع لأيهما هو ... وخصوصاً ممن يكون له قدرة معرفة مثل ذلك ... او ممن يعرف الواقع ومع ذلك يصفه ـ وهو خلال من الخلاف ـ بالخلاف.

إذ ربما كان الخلاف مما يزول بأدنى تأمل ... وقليل إمعان ممن يتصوره ليتبين له أن ذلك إنما كان تصوراً خاطئاً.

والأمر الأهم في ذلك ... أننا نعلم المعايير في ذلك ... ونعرف الاسباب ... ومع ذلك نتركها جانباً معولين على مرتكزاتنا الأولية ، والتي لم يبنها كل واحد منا على ما ينبغي أن يبنى عليه العلم والحقيقة.

٩٥

وفي مثل هذا الخلاف ـ المتصور بيننا الشيعة واهل السنة والجماعة ... والذي يتصوره البعض أنه كالقضبان الحديدية ـ لا يمكن تجاوزه ـ ... هو في الواقع هباء منثور ، ذلك أنه لو بحث قليلاً عن دواعي الإختلاف .. وعن واقع كل واحد منا. لرأى أن هذه القضبان الحديدية ـ التي نسجها خياله ـ ما هي إلا ورقة شفافة لا يكلف الإستشفاف لما خلفها اكثر من لمحة بيسطة أو نظرة خاطفة.

وفي الواقع .. أن الإنسان ـ الباحث ـ يجد أن الكتابة في بيان الواقع بات مملاً ، ذلك لكثرة ما يتوصل اليه وما قد توصل اليه .. في كشف الواقع ـ أي واقع كان ـ ..

لكن ـ مع ذلك ـ يجد الباحث لزاما عليه ـ زيادة في الإيضاح .. وامعاناً في كشف الواقع المجهول ـ أن يخوض في مثل هذه الأمور.

ومن خلال البحث في هذه المسألة ... أو المسائل الأخرى الخلافية التي تجلت واضحة على مر العصور ـ وجدت أن جدار الخلاف قد تهدم ـ « كما تهدم جدار برلين » ـ بسبب كثرة المعاول الكاسحة لرثاثه .. وطبعاً ... لمن يريد الواقع لا لمن يُغمض عينيه عنه ... فاذا كان كذلك ... فلماذا كلما أراد أن ينقض أقمناه .. أفي هذا مأرب لنا نقضيه من ذلك ... ام هو لأعدائنا السلاح الفتاك الذي طالما حصن نفسه به ... كما قيل ...؟!

وفي هذه المسألة ـ بالخصوص ـ مسألة التقية ـ لا أقول أنني توصلت الى شيء من خلال دراستي لأساسيات هذه

٩٦

المسألة ـ لم يكن مطروحاً ... وإنما هو مخزون مودع استخرجته من كنوزه.

|٢|

اوضحنا في هذه الدراسة السريعة ـ السابقة ـ صورة التقية عند الشيعة ...

ومن خلال هذا البحث الذي نسوقه ـ الآن ـ نحاول ان نتوصل لإثبات هذه الصورة ـ التي باتت ممزقة عدة قرون ـ نفسها عند اهل السنة عامة ... وأن التمزيق الذي مزق صورتها ... دون واقعها ـ مزق فرعا عاما مشتركاً بيننا ـ فلماذا هذا التمزيق ..؟!..

ومن الواضح أن الطريق الأنجع لاثبات ذلك .. هو ان نطوف عبر الأدلة التي يعتمد عليها ـ أهل السنة ـ في استدلالاتهم على الأحكام الفرعية التشريعية.

وقد حاولنا ـ قدر الإمكان ـ أن نتتبع جميع ذلك من التفاسير وكتب الحديث ونصوص الفقهاء ..

وأيضا ... قد اتبعنا في ذلك ـ نفس الطريقة التي اعتمدناها في البحث السابق ـ التقية عند الشيعة .. لتتجلى المطابقة التامة بين الفئتين ـ إن صح التعبير ـ حتى في مستند التقية .. راسمين ذلك في عدة نقاط ..

٩٧
٩٨

|١|

تعريف التقية

أ ـ لغة:

[ ( إتقيت الشيء ، وتقيته أتَّقيه ، واتقيه تُقى ) كهُدىً ( وتقية ) كغنية ، ( و تِقَاءاً ككساء ) ـ وهذه عن اللحياني ـ اي ( حذرته ) ] (١).

[ وأصل تُقاة : وُقَيَة على وزن فُعَلَة مثل تُؤَدَة وتُهَمَة .. قلبت الواو تاءاً والتاء الفاً .. ] (٢).

و [ تقيته ... تُقَاة وتُقَىً وتَقيِّة وتقوى ، فإذا قلت اتقيت كان مصدره الاتقاء ... وانما قال تتقوا ولم يقل إتقاء .. اسم وضع موضع المصدر ] (٣).

ب ـ اصطلاحاً :

أود ان اشير هنا ـ قبل تعريف التقية اصطلاحاً ـ الى الدهشة التي اعترتني عندما لاحظت أن تعريف التقية ـ

__________________

(١) الزبيدي : تاج العروس ج ١ ص ٣٦٩ ط مصر.

(٢) القرطبي : الجامع لاحكام القرآن ج ٤ ص ٣٨.

(٣) الرازي : التفسير ج ٨ ص ١٢.

ويراجع : الجوهري : الصحاح : ج ٦ ص ٢٥٢٦.

ط دار الكتاب العربي مصر. ومعجم مقاييس اللغة ج ٦ ص ١٣١. ط مصر ١٣٧١ ه‍ دار إحياء الكتب العربية ..

٩٩

اصطلاحاً ـ عند الفقهاء والمفسرين كان من المسلمات التي طالما خاض فيها .. الفقهاء والمفسرون وشراح كتب الحديث ...

ذلك أن من يسمع ويقرأ ما يكتب عن التقية ـ عند الشيعة ـ يقطع بأنها من مخترعات الإمامية ، ولا يمكن أن يحصل عنده ادنى شك بأنها لم تكن لِتُطرح في كتاب ولا سنة ولا مؤلف ... بل يقطع بأنها لم تخطر على قلب مفكر من مفكري اهل السنة والجماعة ...

لكنه عندما يراجع أدنى كتاب في موضوع الاكراه ـ الذي تبانت كتب الحديث والفقه على جعله أحد العناوين التي تطرق فيها ... فإنه يصاب بدهشة وينقلب رأساً على عقب ... فكيف بمن سبر غور الكُتب وطاف بأبوابها ...؟!!

وعلى كل حال ... فلا غرابة في ذلك إذ اصبح هذا النحو من التعمية والإخفاء وقلب الموازين من البديهيات لنا ـ نحن المسلمين ـ :

وبعد هذا كله ...

هذه نبذة من تعريفات التقية في الاحاديث وفي كتب العلماء ـ من أهل السنة والحديث ـ والتي استفادوها من صريح الآيات والروايات .. والتي تُمثل ـ في اعتقادي الصورة الواضحة التي تكشف عن ـ ان تعريف التقية ـ عند الشيعة إنما أخذ من مصادر أخواننا السنة على جميع تشعباتهم واهوائهم.

ذلك أنني وجدت ان تعريف التقية من أوضح التعاريف التي اتفق فيها الفريقان وإن اختلفت تعابيرهم في ذلك ، سواء

١٠٠