آراء وأصداء حول عبدالله بن سبأ وروايات سيف

السيد مرتضى العسكري

آراء وأصداء حول عبدالله بن سبأ وروايات سيف

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دانشكده اصول دين
المطبعة: شفق
الطبعة: ١
ISBN: 964-5841-65-8
الصفحات: ٣٩٠

وهذا الأمر غير مقبول لأنه يؤدي إلى استيلائه على جهود العسكري والتباني وغيرهم ممن سبقوه بجيل أو جيلين ، فينسخهم ويحل محلهم بدلا من أن يكتب مؤيداً لهم. وقد وقع ههنا في أعظم مما عاب على غيره ، واكتفى بتذكيره بما قاله لأخي الدكتور عبد الله العسكر ، الذي أخذ عدد الروايات من أحد المصادر ، فقال الأستاذ ( وهذا خلاف الأمانة العلمية ) وقال لباحث آخر ( وهذا خلاف الأمانة العلمية في نسبة كل قول إلى قائله ) ( كتاب الرياض ، ٨١ و ١٨١ ). وهو على حق في ذلك كله ، أما هو فيأخذ الآراء الاجتهادية وينشرها تحت اسمه ويقول ( لو صح لما ضر البحث شيئا فالحكمة ضالة المؤمن ).

٢٦١
٢٦٢

د. محمد بن عبد الله العزام

عن القعقاع وسيف بن عمر (٢ / ٣)

صحيفة الرياض ـ ٢ ربيع الآخر ـ ١٤١٨ ه‍

بين العسكري والمالكي :

(١٣) لا يخفى على القارئ الكريم أن المسألة عند مرتضى العسكري لا تقف عند القعقاع ولا حتى عند سيف ، وانما هو فتق واسع أو ثقب أسود نعرف أوله ولا نعرف آخره ، لأن هذه الدعوى تقوم على نظرة مبدئية خاصة إلى التاريخ والمؤرخين ، واتهام واحد منهم بالتزوير الشامل للتاريخ الاسلامي ، واتهام سائر علماء الأمة إلى يومنا هذا بالجهل أو الغفلة أو التستر واشاعة

٢٦٣

الأباطيل والانتصار لها أو ما وراء ذلك من اتهامهم بضعف وسائل التمحيص والنقد ، حتى انهم لم يفطنوا طيلة ثلاثة عشر قرناً إلى اختراع أسماء الصحابه بالجملة.

والأخ المالكي من جهته يتحدث عن انقاذ التاريخ الإسلامي لا عن تصحيح غلطة معينة ، ويضرب المثل بأربع مدن اسطورية لا بمدينة واحدة ، ويقول : ( هذه باختصار قصة سيف بن عمر مع عدد كبير من الشخصيات الذي اختلقها ) ، ويقول : ( عشرات المدن التي لم يسمع بها أحد ولم ينطق بها لسان ولا سمعت بها أذن ولا خطرت على قلب بشر ) وهكذا في سائر مقالاته ، وهو كلام يشبه كلام العسكري من جهات كثيرة ، ولا سيما عدد الاشخاص والأشياء التي يقولان إنها مخترعات سيفية.

ولقد كان العسكري صريحاً بعض الشيء ، فلم يحذف شيئا من المسائل التاريخية التي يرى ان سيف بن عمر قد أفسدها ، ومنها حديث السقيفة وما وقع لفاطمة رضي الله عنها وحروب الردة والشورى. ومعلوم أن هذه المسائل من ضروريات مذهبه ، فلا يستغرب منه بحثها أما الأستاذ المالكي فأخذ من هذه المسائل وترك ، ومن الممكن أن ياخذ غدا ما تركه اليوم فليس في ابحاثه ما يسوغ الجزم بانه يختلف عن العسكري ، ولم يخالفه في شيء ، واضح.

نظرتهم إلى التاريخ

(١٤) وأنا أتحف القارئ الكريم ببحث آخر من هذا النوع ، فقد زعم أحد الكتاب ـ من جماعة العسكري ، وبحثه منشور في مجلة المورد العراقية سنة ١٩٧٧ ـ أن أبا الفتح عثمان بن جني قد كذب على أبي الطيب المتنبي حين زعم

٢٦٤

للناس انه لازمه وقرأ عليه ديوانه واستفسر عن معاني شعره ، فقال أن ذلك نوع من أحلام اليقظة ، وملأ المقالة بتحقير الرواية والطعن في الرواة وهذا الكلام أيضاً فحواه ودوافعه مذهبية واضحة مع الأسف ، ولا يتسع المقام للخوض فيها ولا للإتحاف بأمثلة أخرى.

فإذا كان ابن جني شيخ العربية يكذب على المستوى ، ثم يروي الجم الغفير من العلماء والأدباء ديوان المتنبي متنا وشرحا عنه ولا يفطنون إلى هذه الأكذوبة الهائلة ، بل يساعدونه على تحقيقها وتخليدها ، ويقع مثل ذلك ، مع اكاذيب سيف كما زعم العسكري والمالكي. ومع الشعر الجاهلي كما زعم الدكتور طه حسين ، وأحاديث أبي هريرة رضي الله عنه كما زعم أبو رية ، وغيرها وغيرها وغيرها ـ فكل شيء يجوز أن يكون مختلقاً ، وقل على العلم السلام. وما الذي يمنع أن يأتي الدور على كبار المفسرين والمحدثين والفقهاء ، فيقال ـ وقد قيل فعلا ـ أنهم كانوا يخترعون المتون والأسانيد فيصححها اللاحقون غفلة وبلاهة ويضعونها في كتب التفسير والقراءات والعقيدة والحديث والفقه والسيرة النبوية وغيرها.

والحق من أطلع على كتابات العسكري وجماعته لن تفاجئه طريقتهم في تكذيب الرواة والعلماء واتهامهم بشتى التهم لأغراض يعرفها الجميع ، وإنما المفاجأة أن يتبنى الأخ الاستاذ حسن المالكي هذه الأفكار وينشرها علينا بهذه الطريقة الملتوية.

(١٥) قد يقول المالكي ولكني لم أتحدث إلا عن سيف بن عمر ! فأقول : ما الذي يمنع أن تتحدث أو غيرك في المستقبل ـ وقد تمدد الطريق واستقرت القاعدة ـ عن غيره ، وهل تستطيع ان تمنع الناس من التصرف في الفكرة أو

٢٦٥

تطبيق نفس القاعدة على مئات المسائل الأخرى ؟ ولا يخفى ان الصعوبة تكمن في تأسيس القاعدة ، ثم ينفخ الباب على مصراعيه ، ويصبح من أيسر الأمور ادعاء أن العلماء انخدعوا بعشرات الأساطير الأخرى أو مئاتها أو آلافها ، وبخاصة الإمام الطبري كما سيأتي فمن حقنا اذن أن نلفت الانظار إلى حقيقة الموضوع من جميع أبعاده. والمالكي قد كفانا المشقة لأنه يتحدث عن أمور لها أول وليس لها آخر مثل انقاذ التاريخ الإسلامي والمناهج والجامعات ، الخ.

إن النتيجة الخطيرة المترتبة على هذه الآراء ما يلي : ان الأمة تعيش منذ أربعة عشر قرنا في عالم الأوهام والأكاذيب ، وليس لديها حصانة مناعية ضد الأساطير الكبرى ، فكان من الممكن أن يأتي قصاص متعصب لا قيمة له في نفسه ، فيختلق من نسج الخيال اسماء عشرات الأسماء والمدن والمعارك والأحداث الخاصة بعصر الصحابة وغيره. مما لم يسمع به إنسان ولم يخطر على قلب بشر قبله ، والبلاد من حوله تمور بالعلماء الغافلين ، ثم تقع هذه الأساطير موقع القبول بعد جيل أو جيلين وتصبح حقائق مقررة يتناقلها كبار العلماء والحفاظ ، ولا تدرك الأمة أنها أكاذيب مختلقة إلا بعد بضعة عشر قرناً ، ربما على أيد المستشرقين والمبتدعة.

وإذا تحقق أن الخط الدفاعي لم يكن موجوداً في تلك القرون الأولى فما أيسر توجيه المطاعن إلى كل شيء حتى إلى القرآن الكريم والسنة النبوية إذا كان العلماء يسكتون على اختراع أسماء الصحابة فلماذا لا يسكتون أيضاً على اختراع أحاديث الصحابة ، ونحن نعلم مثلا أن الدكتور طه حسين ادعى في نفس الكتاب أن ذكر اسماء الأنبياء في القرآن الكريم لا يكفي للجزم بوجودهم التاريخي ، فالفاصل رقيق جداً بين الطعن في الشعر الجاهلي وبين الطعن في

٢٦٦

أركان العقيدة. وما لنا نذهب بعيداً ، فالعسكري طبق نظريته أولاً على قضايا خلافية ذات صبغة عقائدية أخطر بكثير من مسألة القعقاع ، و أهمها بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة.

ولا أدري ماذا يبقى من تاريخ الطبري ـ والتاريخ الإسلامي كله ـ إذا ألقينا سبعمائة وثلاثين خبراً من أخباره في مهملات التاريخ ومنكراته كما طلب الأستاذ ( كتاب الرياض ، ٦٢ ) من غير حاجة للنظر في متونها ومن غير اشتراط وجود روايات أحسن منها ولا أعني النسبة العددية لأنها قليلة بالقياس إلى حجم الكتاب ، بل منزلة الكتاب والثقة به وبصاحبه ، فسيكون كالرجل الشريف ، الذي لحقه العار أو الصدوق الذي جرب عليه الكذب.

ولا يلزم من قولي هذا أن المالكي يرى ذلك كله ، ولا ندري ماذا سيكون موضوع الكتابات القادمة ، ولكنه نتيجة حتمية لكلامه. إنه كما قلت فتق واسع نعرف أوله ونجهل آخره.

بين الحديث والتاريخ

لقد لاحظ العلماء الفوارق بين الحديث والتاريخ منذ العصور الأولى ، فتشددوا في رواية الحديث وتساهلوا بعض الشيء في رواية الأخبار والوقائع ، فقبلوا روايات أمثال سيف بن عمر في التاريخ ، وهشام بن محمد الكلبي في الأنساب ، وأبي عبيدة في أيام العرب ، وكثير من الأدباء واللغويين في مجال اختصاصهم ولا يعقل أن يشترط في رواية فتح الأندلس مثلا ما يشترط في رواية غزوة بدر وليس من الصعب التفريق بين سيف المحدث وبين سيف المؤرخ أو بين هشام المحدث وبين هشام الإخباري النسابة ، فإذا رووا الحوادث

٢٦٧

والأخبار والأنساب واللغة والشعر فلا بأس ، وإذا رووا شيئا من الحديث والأحكام الشرعية فلا.

واليك مثالاً على هذه التفرقة ، فقد ترجم الحافظ ابن عبد البر للقعقاع بن عمرو في الاستيعاب فقال ( القعقاع بن عمرو التميمي قال شهدت وفاة النبي (ص) ، فيما رواه سيف بن عمر عن عمرو بن تميم عن أبيه عنه قال ابن أبي حاتم : سيف متروك الحديث ، فبطل ما جاء من ذلك. قال أبو عمر هو أخو عاصم بن عمرو التميمي ، وكان لهما البلاء الجميل والمقامات المحمودة في القادسية ، لهما ولهاشم بن عتبة وعمرو بن معديكرب ). فمن الواضح أن كلمة « ذلك » في قول ابن أبي حاتم تعني ما مر في أول الكلام من قول القعقاع إنه شهد الوفاة ، واذن فقوله ( سيف متروك الحديث ، فبطل ما جاء في ذلك ) معناه أنه لا يؤخذ بقوله في مسألة الصحبة لأن هذا الأمر يتعلق بالدين والسيرة النبوية. ولم يتعرض ابن أبي حاتم لمسألة وجود القعقاع ولا حضوره لمشاهد الفتوح ، ولا رأى ضعف سيف سببا للتشكيك في هذه الأمور. وقد أوضح ابن عبدالبر هذا غاية الوضوح في تعقيبه على كلام ابن أبي حاتم ، وهو لم يخالفه في شيء ، ولكنه حاصل كلامه أن الشك في الصحبة لا علاقة له باخباره الأخرى. ولو كان يريد التسوية بين التاريخ والحديث ، أو أن يرد رواية سيف ردا شاملا ، أو ان يشكك في وجود القعقاع وأخيه من الأساس ، أو ان سيفا يخترع الأسانيد ، أو ما إلى ذلك من الدعاوى ، فهذا هو المقام المناسب لذلك.

ولقد استغربت قول المالكي « لم يتعقبه بشيء » ، فالتعقيب واضح ( كتاب الرياض. ص ٥٤ ). نعم ، إنه لم يخالفه في نفي الصحبة بناء على ضعف سيف في الحديث ، ولكنه عقب بما يفيد جزمه بوجود القعقاع وأخيه. وهذا التعقيب

٢٦٨

واضح الفائدة في توثيق سيف فيما يتعلق بوجود القعقاع ورواية التاريخ اجمالاً ، وهو موطن النزاع بين القصيد في مقالات الاستاذ.

وأغرب من ذلك قوله عن شهود القعقاع وفاة الرسول (ص) مسألة تاريخية بحتة ( كتاب الرياض ، ص ٩٥ ). والغرض منه التسوية بين التاريخ والحديث ، وادعاء أن قول ابن أبي حاتم رحمه الله « سيف متروك الحديث » معناه « سيف متروك الحديث والتاريخ ». فمن الواضح أن الأستاذ لم يتدبر الفرق بين الحديث والتاريخ. ومن التحامل والاندفاع وضعف الموضوعية ونقص المنهجية أن يأخذ جزءا من قول ابن أبي حاتم لأنه يصلح للغرض المطلوب ، ولا يشير إلى اقراره الضمني بأنه شخص حقيقي ، ولا إلى سكوته عن اتهام سيف بتزييف التاريخ بالجملة !.

وما لنا نذهب بعيداً في الاستدلال ، فمن أوضح الأدلة على تفريق علمائنا بين الأمرين كثرة روايات سيف وأبي مخنف والهيثم وابن الكلبي في كتبهم التاريخية ، وانعدامها في الصحاح والسنن وقد أوضح الأخ المالكي إكثار ابن حجر من الرواية عن سيف في الاصابة ولكنه لم ينقل عنه شيئا في فتح الباري ( كتاب الرياض ، ١٠٥ ـ ١٠٦ ) فالتفسير الواضح لذلك أن الأول كتاب تاريخ والثاني كتاب حديث.

ولا يخفى أن هذا المسلك في التفريق غير ممكن إذا كان الذي بين أيدينا إنما هو رواية هؤلاء الضعفاء في الحديث ، وهذا هو الواقع ههنا لأننا لا نجد في الصحيحين مثلاً شيئاً عن القعقاع أما إذا وجدنا في الصحيحين أو غيرهما رواية أقوى من مثيلاتها عند سيف أو غيره فلا شك أنه يجب تقديمها عليها ، ولا أعرف من يخالف في ذلك أو يجادل في اعتبار الروايات الصحيحة في كتب الحديث

٢٦٩

أقوى من غيرها عند الاختلاف ، وان تخلف التطبيق في كثير من الأحيان. وهذه النقطة ـ أعني تخلف التطبيق فقط ـ مهمة جداً يشكر الأخ المالكي عليها ، لأنه قد أوضحها وضرب لها أمثلة جيدة عليها ويلاحظ أن كثيراً من المتخصصين في العلوم التاريخية والأدبية لا يكادون يفقهون شيئاً في مصطلح الحديث ، ولا يعرفون دراسة الأسانيد والترجيح بين الروايات على منهج السلف ، وهذا من آثار مناهج التعليم الغربية من غير شك.

فمن المغالطة إذن أن يلبس العسكري لباس التشدد ، فيقول سيف ضعيف متهم بالكذب وقد قيل فيه كذا وكذا ، ويسرد أقوال المحدثين ويوهم أن المقصود بها رواياته التاريخية التي لا مقابل لها اقوى منها هذا مع أنه في واقع الامر لا يعبأ بالصحيحين !

وقد ذهب الأخ المالكي إلى أن الحديث والتاريخ شيء واحد لا فرق بينهما ( كتاب الرياض ، ٩٧ ـ ١٠١ ) ، وجعل الخلاف بينهما من « باب الأولى » بمعنى أن الذي يكذب في الحديث أحرى به أن يكذب في التاريخ ( كتاب الرياض ، ٩٢ ) ولم يأت بدليل إلا الاستنباط العقلي ، وقد سبق أن انتقد هذا الأمر بعينه على الآخرين ( نفسه ، ٢٢ ) وهذا الاحتجاج العقلي غير مستقيم ، وليس هذا هو التصور الصحيح للمسألة ، فإن رواية حديث الرسول ـ (ص) لا بد فيها من الاحتياط وزيادة الشروط والمواصفات أن الخلل فيها عظيم الأثر في حياة الأمة دينا ودنيا ، ومن المعلوم بالضرورة أن الإنسان قد يوثق به في الأمور الصغرى والمبالغ المالية القليلة ولا يوثق به فيما وراء ذلك ، فالقول بأن الكذب على الرسول في (ص) يعني بالضرورة الكذب على سائر الناس ليس بصحيح ، وما كنت أظن هذا يخفى على الأستاذ فالحاصل أنه يريد أيضاً اعتبار متون سيف

٢٧٠

كالأحاديث النبوية ، ويستشهد بأقوال المحدثين لرد رواياته في التاريخ من غير اشتراط وجود روايات أقوى منها.

بين النقل والتوثيق

من الملاحظ أن الأستاذ المالكي لا يتصور أن احداً يمكن أن يوثق سيف بن عمر سواء في رواية الحديث أو في رواية التاريخ ، وقد بذل غاية جهده في نقل الأقوال في تضعيفه حتى عن بعض أهل عصرنا ، مع الإيهام بأنها تنطبق على التاريخ كما تنطبق على الحديث لأنهما كالشيء الواحد. فاذا وجد شيئا لا يتفق مع المطلوب بذل غاية جهده لازاحته عن الطريق. واكتفى من ذلك بأربعة أمثلة :

قوله : إن الطبري يعتبر ممن ضعف سيف بن عمر ( كتاب الرياض ، ٥٢ ).

قوله : عن شهود القعقاع وفاة الرسول في (ص) « مسألة تاريخية بحتة » ، لتوجيه كلام ابن أبي حاتم بحيث يشمل التاريخ ، ومضى بيانه.

قوله عن الحافظ ابن عبد البر : ( لم يعقب بشيء ) ، ومضى بيانه.

محاولة اسقاط كلمة الحافظ الذهبي « كان اخبارياً عارفاً بأوهى الحجج ( كتاب الرياض ، ٨٤ ) ..

محاولة اسقاط كلمة الحافظ ابن حجر الصريحة « ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ » بشتى الحجج ( كتاب الرياض ، ٥٥ و ١٠٥ ـ ١٠٨ ).

فلما رأى كثرة دوران رواياته التاريخية في كتاب الحفاظ والعلماء الأثبات ، لم يجد من حيلة إلا بتر الصلة بين النقل والتوثيق فهذه النقول الكثيرة لا تعني شيئا ، لا تحسب له بل عليه ، لأنها كأقوال الشياطين والكفار والمنافقين في القرآن الكريم ( كتاب الرياض ، ٨٣ ). وما كان له أن ينحدر في التحامل إلى

٢٧١

هذا الحد ، ولا أعتقد ان انسانا لديه ذرة من عقل يوافقه على أن كلام سيف الموجود في تاريخ الطبري ككلام الشياطين الموجود في القرآن الكريم وفي تاريخ الطبري أيضاً.

فلا بأس ـ ما دام الأمر يخفى عليه ـ بايضاح هذه المسألة ، راجياً ممن يجد في قولي هذا غلطاً أن يتفضل مشكوراً ببيان الصواب فإن نقل العلماء الأثبات ، أو حتى أهل الصدق من عامة الناس ، للروايات والأخبار وسكوتهم عن تمريضها ، يدل على اقتناعهم بصحتها ، بصرف النظر عن صحتها في ذاتها وسواء أكان ذلك بأسانيد فالطبري مثلا حين يسوق أخبار الفتوح او الفتنة نقلا عن سيف ، فإنه إنما يكتب ما اطمأنت إليه نفسه على وجه الاجمال ، ولقد كانت المصادر وفيرة بين يديه فاختاره لهذا السبب فهذا النقل يحمل معنى التوثيق ، أي الشهادة الضمنية لهذه الأخبار بالصحة.

وإذا كان الطبري يطمئن إلى رواياته بحيث ينقل عنه ثمانمائة رواية كما احصى الأستاذ مشكورا ، فهذا دليل لا يدحض على أنه يراه عمدة في التاريخ ، وهذا بيت القصيد.

ولا يعقل أن يعتقد أنه كذب وضاع وان هذه الأخبار والأسماء مختلقة ، وان كلامه من نوع كلام الشياطين والكفار والمنافقين ، فينقله ويسكت عليه ، ولو فعل ذلك لكان مفرطاً غاشاً للأمة ، وهو ما صنف كتابه إلا لتدوين التاريخ الصحيح على ما وصل إليه علمه واجتهاده وشعوره بالمسؤولية. وهو يعد من أعظم علماء الإسلام وفقهاء الأمة ومؤرخيها.

ولا ينبغي الخلط بين هذا المعني وبين الصحة الأخبار في ذاتها وقاعدة أن العهدة على الرواي ، فإن الطبري لا يجعل نفسه مسؤولا عن صحتها ، وإنما

٢٧٢

أوردها لانه يغلب على ظنه أنها صحيحة ومثله أنك إذا استشهدت ببيت من شعر احمد شوقي مثلاً وأو ضحت مكانه في الديوان ، فلأنك تعتقد بأنه من شعره ، ولكنك لا تضمن ذلك ولا تسأل عنه ، فإن تبين انه مدسوس على الديوان فالعهدة على ناشر الديوان ، ويترتب على ذلك أن كثيرا من فحول العلماء في جميع العصور ـ ولا سيما القريبين من عصر سيف ـ كانوا يعتقدون بصحة رواياته التاريخية على وجه اللاجمال ، كما كانوا يعتقدون ان كلام ابن الكلبي في الأنساب صحيح على وجه الإجمال ، لا من باب التسليم الأعمى ، بل لأنه لم يظهر لهم ما يدعوا إلى الارتياب.

الإعراض عن الطبري

(١٦) وأرى البحث يتكامل إلاّ ببحث حال الإمام محمد بن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ بحثا صريحاً ، لأن روايات سيف ما كانت لتبلغ هذا المبلغ لو لا تفضيله إياها على غيرها من تاريخه الذي أصبح أهم كتب التاريخ. فلا بد من ايضاح السبب الحادي به إلى الاعتماد على مصنع الأكاذيب هذا.

ولم أر لدى الأستاذ المالكي عناية ببحث حاله وبسبب غشه للأمة بهذه الأباطيل الهاذلة ، ولا سيما أنه يراها أكاذيب مكشوفة ليس من الصعب اكتشافها حتى على المستشرقين والمبتدعة ، بل وجدت لديه مراوغة عن بحث هذا الأمر ( كتاب الرياض ، ص ٥٣ ) ، بل إنه ليعتبر الطبري ممن ضعف سيف بن عمر في التاريخ ( كتاب الرياض ، ص ٥٣ ) ، وهذا من العجائب ولكن الإشكال باق على حاله ، فإذا كان سيف من أعظم الوضاعين فلابد أن يكون الطبري من أعظم المغفلين أو من أعظم الغشاشين ، لا محالة ، فلماذا أعرض عن تجريحه كما فعل مع

٢٧٣

أساتذة الجامعات السعودية أليس هو المسؤول ، عن اغراق التاريخ وافساده ، الا ينطبق عليه ما قاله عنهم تعطيل النصوص والعقول !! مراعاة الوضع السائد ، الغش والتدليس واستغفال القارئ وطلاء الباطل بطلاء الحق ، تأسيس الجهل العلمي !! اللغة أهل العلم والتحقيق !! والمضمون لكلام أهل الجهل والتلفيق !! هذا بعض ما قال برموزه ، فما الفرق بين الطبري وبينهم ؟

اختلاق الأشخاص

(١٧) لقد كان يجب عليه ـ وقد صح عزمه على سلوك هذا الطريق أن يبدأ بتأصيل القواعد بالأسلوب العلمي الصحيح ، وطرحها على أصحاب الاختصاص ليقولوا رأيهم فيها ، ثم يبدأ بالتطبيق بعد ذلك ، أما قبل ذلك فلو كتب مائة مقالة تطبيقية فلا قيمة لها ، إلا إذا تمكن من اقناع ، القرّاء بصحة المبادىء العامة فلا بد من اثبات ان سيف بن عمر كان « يختلق » أسماء الصحابة والتابعين والمعارك والأشعار والبلدان ، وايضاح أسباب هذا الأمر ودوافعه والشواهد عليه من حياته وسيرته وأهوائه وأقوال أهل عصره فيه ، وهل ثبت ثبوتا أكيدا وقوع ذلك منه أم أنه ظنون مجردة واحتمالات نظرية وشيق صدر برواياته. وهذا هو زمام المسألة كلها.

واختلاق الشخصيات أمر غريب في ذاته ، ويحتاج إلى شرح وبيان واثبات ، وهو أصعب بكثير مما يوهم كلامه. فهل من اليسير مثلا على أحد رواة الشعر النبطي أن يخترع أسماء عشرات الشعراء ويزعهم أنهم عاشوا قبل قرن أو قرنين الجواب بطبيعة الحال أنه أمر غير ميسور لأسباب كثيرة ، ومن أراد فليجرب اختراع شاعرا واحدا وليس من السهل على أحد ان يخدع جميع

٢٧٤

الناس ، فكيف إذا كان الكذب والتلفيق بهذا المقدار ، فلابد رابعا من اثبات أن باب اختلاق الأشخاص بهذا المقدار المزعوم أمر ممكن ، وأنهم تمكنوا من خديعة العلماء بذلك.

لقد كان من الواجب اعتبار التهمة من جميع جوانبها ، والنظر في جميع روايات الرجل عن القعقاع وغيره ، وهل تابعه أحد على ذكر بعض الأشخاص الذين له مصلحة في اختلاقهم ، واعتبار جيمع آراء العلماء القولية والعملية فيه ، إلى آخر الأمور التي لا بد من اعتبارها. فتكون النقاط سلبية وايجابية ، ثم يحكم له أو عليه. وقد فعل القدماء ذلك بهدوء ، وانتهى كثير منهم إلى قبول رواياته في التاريخ دون الحديث كما هو معلوم.

ثم لا بد من اثبات ان المسأبة التي يدور البحث حولها ـ القعقاع الآن وغيره في المستقبل ـ من ضمن تلك المخترعات ، وايضاح ان أخباره تتضمن من المبالغات غير المعقولة ما يستوجب الجزم بأنه اسطورة ، مع الأخذ في الاعتبار أن المبالغة قد تقع في أخبار الأشخاص الحقيقيين. أما جمهور الناس عبر القرون فلم يقرأوا في أخباره شيئاً يتجاوز الحدود ولقد كان من الافضل أن يفترض الاستاذ أن الأصل فيه أنه شخص حقيقي ، لانه مذكور في كثير من الكتب ، والإثبات مقدم على النفي ، ويعترف بأنه يسبح ضد التيار ، ثم يوضح بالدليل القوي والحجة القاهرة لماذا يجب ان يكون الأمر على العكس. فهذا هو مقتضى الانصاف ، وهكذا يصنع الباحثون وتبرز الجهود.

(١٨) هب أن أحد الرواة أورد كلمة أو خبرا فيه اسم ما ، وليكن القول المنسوب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ( سيف القعقاع خير من ألف رجل ) ، ثم اتضح أن الإسناد لا يوثق به لأي سبب ، فهل يعني ذلك أن ذلك

٢٧٥

الاسم مخترع لا وجود له أصلا أم أنهما مسألتان مختلفتان ولا بد من إثبات مسألة الاختراع على حده الواقع انهما مسألتان مختلفتان جداً ، وكون الأخبار لا يوثق بها لا يعني ان الإنسان اسطورة. وقد قرر الأستاذ ذلك وهو يتكلم عن الزير سالم وعنترة وحمزة البهلوان وسيف بن ذي يزن ، فقال ( هؤلاء لهم حقيقة ، لكن بولغ فيها جدا ) ، فهل القعقاع في أسوأ الأحوال إلا كذلك هل فرق بين المسألتين وأثبت الثانية بمعزل عن الأولى كلا ، بكل تأكيد.

واقع الأمر أنه لا يخلو مجتمع من شخصيات شعبية يقال إنهم عاشوا منذ قرون ، وينسب إليهم الناس كثيرا من الأخبار والأشعار والبطولات والطرائف التي لا يمكن اثبات شيء منها ، ومع ذلك لا يوجد مسوغ في الغالب للشك ، في اصل وجودهم فمن المغالطة أن يخلط بين انفراد سيف برواية أخبار القعقاع وبين كونه رجلا من نسج الخيال ، ويوهم القرّاء بان ضعف الأسانيد يعني بالضرورة انه ـ ومن سيأتي عليه الدور من الصحابة وغيرهم ـ أسطورة مختلقة تماماً كمدينة الحشرة.

فلو قال العسكري والمالكي عن القعقاع وأمثاله انهم مجاهيل إنفرد بهم سيف بن عمر لكان لهما بعض الحجة والعذر ، أصابا أو خطئا ولكن كلمة « مجهول » المنهجية الموضوعية الهادئة لا تخدم الغرض ، لأن المطلوب إثبات ان الأكاذيب الكبرى موجودة في تاريخنا الفاسد الهالك الغريق.

أسانيد سيف :

(١٩) من المعلوم بديهاً ـ حتى لغير المتخصصين ـ أنه ليس هناك صلة حتمية بين الأخبار الباطلة وبين الراوي الذي ذكرها في كتابه ، فلو كان القعقاع

٢٧٦

أسطورة حقاً فليس من الضروري أن يكون سيف ـ من بين الرجال المذكورين في الإسناد ـ هو الذي اختلقه إلاّ ببرهان واضح. هذا محمد بن إسحاق مثلا ، شحن السيرة بكثير من الأشعار المنحولة كما قال محمد بن سلام الجمحي وغيره ، فهل نقول : يجب بالضروة أن يكون هو الذي نظم تلك الأشعار وهل الغزالي هو مؤلف الأحاديث الباطلة الموجودة في احياء علوم الدين وهذه الأكاذيب التي تقال في المجالس هل من الضروري أن يكون المتكلم هو الذي اخترعها الواقع ان أكثر رواة الأخبار الباطلة لم يختلقوها بأنفسهم. وهذا لا يعفي أحدا من المسئولية ، ولكنه شيء آخر غير ما نحن فيه.

وقد أسند سيف أخباره إلى رواة سماهم بأسمائهم ، فيقول الطبري مثلاً ( كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن مجالد عن الشعبي ) ، أو ( السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد عن قدامة الكاهلي ) أو ( السري عن شعيب عن سيف عن النضر عن ابن الرفيل عن أبيه عن حميد بن أبي شجّار ) ، إلى آخر هذه الأسانيد المتفرعة بعد سيف وهي كثيرة جدا. فمن الجائز في منطق العقل والانصاف ـ إذا افترضنا بطلان هذه الأخبار أو وجود مبالغات فيها ـ أن يكون البلاء من الرواة السابقين عليه. وقد أوضح الأستاذ كثرة الضعف والجهالة فيهم وفي بعض الرواة عنه أيضاً ( كتاب الرياض ، ٦٧ ـ ٦٩ ). فاذا كان يرى أن هذه الأسانيد اسطورية وأن بعض الأسماء المذكورة فيها اسطورية ، فهذان فرضان جديدان لا بد من بحثهما واثباتهما قبل البحث في مسألة القعقاع ، ومن الممكن نظريا أن تكون الأسانيد حقيقية والمتون باطلة او العكس.

ولقد قال ( استخرجت روايات سيف بنفسي وبحثها رواية سنداً ومتناً ) ، ولا أجادله في هذا ، ولكني لم أر ما يدل على أنه درسها بالتفصيل اللازم

٢٧٧

وأثبت بالدليل القوي أن هذا الجمع والبحث قد أثبت أن الأسانيد مخترعة كالمتون أو مركبة ، ولا أن الرجال المذكورين فيها من الثقات الأثبات أو أنهم لا وجود لهم أصلا ، بحيث يجب أن تتجه التهمة إليه. وتحتاج هذه الدراسة إلى جهد كبير لاستقصاء الروايات المنسوبة إليهم في جيمع الكتب عن سيف وغيره ، والمقارنة بين الأسانيد والمتون لإثبات أن أسانيده اسطورية أو مركبة. ولم أر أثرا لذلك في مقالاته ولا منهجاً واضحاً في دراسة هذا الجانب المهم. ولا أرى فائدة من جهد هذا ، لأنه يريد الحكم على التاريخ بمقاييس الحديث ، ومعلوم سلفاً أنه ضعيف في الحديث ، ويغني عنه قول ابن أبي حاتم « متروك الحديث » وقد نادى بإلقاء هذه الروايات في مهملات التاريخ بعد أن استخرجها واحصاها ، وبإلقاء كتاب سيف المطبوع في مهملات التاريخ قبل الاستخراج والاحصاء وإنما يكون ذلك مفيداً لو أنه بحث المتون وقارنها بالروايات الأخرى وأوضح كم المعلول منها والمعارض بما هو أقوى منه وكم منها يمكن قبوله.

ولا أدري ماذا يقول الأستاذ في روايات سيف المقبولة متونها. هل يقول : إن المتون صحيحة والأسانيد اسطورية ؟ أم يقول : عقلي هو الفيصل والحكم ؟ فإن ورد في شيء منها اسم القعقاع ـ أو اسم إي انسان مختلق في رأيي ـ فالسند مختلق أيضاً ، وإذا لم يذكر فيه فالسند صحيح فهذا كله تعسف وتحامل ، لأنه ليس بيده دليل خارجي مستقل على أن الاسماء المذكورة في المتون أسطورية والذي أظنه انه جمع هذه الروايات وقرر أن متونها غير مقبولة لديه. ورأى أن اسم سيف موجود في جميعها ، فانتهى إلى اتهامه باختلاق المتون والأسانيد ، ولم يعتبر شيئا من الاحتمالات الكثيرة الأخرى.

وهذا الجانب يمكن أن يعصف بدعوى الاختلاق عصفاً ، لأن القعقاع

٢٧٨

مذكور في أسانيد متعددة من روايات سيف عن الشعبي وغيره بحيث يشهد بعضها لبعض ، ولا سبيل إلى ابطاها جميعاً إلاّ بإثبات أن الأسانيد اسطورية ايضاً ، بمعنى انه ـ بعد ان اختلق اسم القعقاع وصنع الاخبار اللازمة ـ صنع لها أسانيد لا أصل لها باستخدام اسماء حقيقية أو خيالية فدعوى الاختلاق يجب أن تكون مزدوجة ذات شقين وتبحث على هذا الأساس : أن المتون وما فيها من الأسماء مخترعة ، وأن الأسانيد المصاحبة لها مخترعة. والذي أراه أن اختراع الأسانيد ما كان ليخفى على جهابذة الحديث من معاصريه أو من تلاميذهم كالطبري وابن أبي حاتم.

وفي كلام الأستاذ في هذا الباب تناقض من أغرب ما يكون فقد قال : « من علامات ضعف الراوي أنه يروي عن كثير من المجهولين ، مما قد يسبق إلى الظن انه يختلق الرواة وينسب إليهم أقوالاً مما عنده » ، فأوضح مشكورا أنه خاطر وقع له وسبق إلى ظنه ولكن هذا الظن سرعان ما انقلب إلى يقين ، إذ قال بعد قليل : « وقد اتهم سيف باختلاق أسماء للرواة الذين ليس لهم وجود أصلاً بينما تكون الروايات من إنشائه !! » ، هكذا بصيغة المبني للمجهول ( كتاب الرياض ، ٦٣ و ٦٨ ) ولقد بحثت عبثاً في لائحة الاتهامات عن هذا الفاعل المجهول فلم أجد أحداً من القدماء ذكر أنه يختلق الأسماء المذكورة في الأسانيد ، فلم يبق إلا أن الأستاذ يعني بذلك نفسه ، وتذكرت قاضي واسط الذي تعرض للمأمون في الطريق للثناء على قاضي واسط !.

فقول الأستاذ : « مما قد يسبق إلى الظن انه يختلق الرواة » يشبه قول العسكري « واذا بي أهتدي إلى حقيقة كان التاريخ قد نسيها » ، كلاهما ظنون لم يهتم أصحابها بإخراجها إلى عالم الحقائق فنقول لكل منهما : شكراً لهما على هذا

٢٧٩

الإقرار غير المقصود !

إشكالات أخرى لم يتعرض لها :

(٢٠) ولقد قصر المالكي ـ والعسكري من قبله ـ غاية التقصير أيضا في استيعاب الإشكالات الأخرى التي تنشأ من تهمة الاختلاق ، وفي الصبر على ما يتطلبه توجيه هذه التهمة الخطيرة من اعتبار كافة جوانب القضية واشباعها بحثاً. ومن ذلك ما يلي :

ـ ما حاجة سيف إلى اختراع عدد كبير من الشخصيات ، ومنهم عشرات الصحابة هل بلغ به التهاون في أمر دينه إلى حيث يخترع ويكذب متعمداً على الرسول (ص) بدعوى أنهم كانوا من أصحابه ، ألا يخشى الرجل العاقل من تعريض نفسه لضربة قاضية من علماء عصره هل بلغ به جنون التعصب القبلي إلى هذه الدرجة التي لا يرضاها عاقل لنفسه ؟

ـ وإذا افترضنا أنه يخترع أسماء الناس ، فما حاجته إلى اختراع أسماء المعارك والبلدان هل وصل به الجنون إلى هذا الحد ، هب أن إنسانا مشهور بالكذب ، فهل يقول للناس قضيت الاجازة الصيفية في جزر الواق واق.

ـ لماذا سكت علماء الحديث عن اتهامه بهذه التهمة الخطيرة أعن جهل ، أم غفلة ، أم نسيان ، أم مجاملة ، أم تستر أم لأنهم يرون أن اختراع الأسماء خير وبركة فلا ضرر منه وهل سكتوا أيضاً عن امثاله لقد أوضح المالكي حرصهم على مناقشة صحبة الصحابة واحدا فواحدا ، وعدم ترددهم في نفي الصحبة عند اللزوم فمن الغريب أن « يختلق » مئات الصحابة ، ويدعي انهم من كبارهم وأخيارهم ، فلا يلتفتون بكلمة واضحة صريحة إلى هذا القصاص المجنون.

٢٨٠