شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١١

عليه وآله مسجّى بيننا. فقال :

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إن في الله عزاء من كل مصيبة ، ودركا من كل فائت ، وخلفا من كل هالك ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجو ، وأعلموا أن المصاب من حرم الثواب.

أم هل فيكم من كان يسمع حفيف أجنحة الملائكة غيري؟ أم هل فيكم أحد كان يقاتل بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وملك الموت أمامه غيري؟

قالوا : اللهمّ لا.

[ خلاصة القول ]

فهل يقاس أحد بمن زوّجه الله عزّ وجلّ سيدة نساء العالمين من فوق عرشه ، وأشهد على ذلك وعلى عقده له ملائكته ، وأحضر (١) له الحور العين ونثرت له في ذلك طوبى عن أمره من درها ، وأنزل الله عزّ وجلّ فيه من آي القرآن ما قد أنزل ممّا ذكرناه ، وخصه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالاختصاص الذي وصفناه ، وكلّمته الملائكة ، وراسلته وصحبته وأعانته ، وأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنه خير البشر وخير البرية ، وخير من يخلفه من بعده ، وخليفته على امته ، ووصيه في أهله ، وشبهه بالمسيح عيسى بن مريم روح الله وكلمته ، ووصفه على لسان حواريه وتلامذته ، وذكره الله عزّ وجلّ في التوراة والانجيل والقرآن الكريم ، وكتب اسمه على عرشه ، وجعله خليفة رسوله على حوضه ، وفرق بين الحق والباطل به ، ووسم المؤمنين بمحبته والمنافقين ببغضه ، وعرف بهم بذلك ، ودلّ عليهم به ، وحمله على ظهره حين

__________________

(١) وفي نسخة هـ : احضروا له.

٤٢١

أرقاه الى فوق الكعبة الرسول ، وأنزله عنه ودلاه جبرائيل عليه‌السلام ، وجعله الله عزّ وجلّ باب رسوله المنصوب من دونه الذي منه يؤتى إليه ، ومولى المؤمنين بشهادته الرسول بذلك له ، وأعز به أولياءه ، وقتل به أعداءه ، وجعله ولي المؤمنين بشهادة الرسول. وإمام المتقين ، وقائد الغرّ المحجلين الى جنات النعيم ، وصاحب لواء الحمد ، وأول من يدخل الجنة ، وجعله أخا لرسوله وبمنزلة هارون من موسى منه ، وأشبه الناس بابراهيم خليله ، وأول الناس إيمانا به وبرسوله ، وأحلّه محلّ نفسه ، وجعله وصيه من بعده ، والشاهد على الامة الذي يتلوه ، ومجاهد المنافقين ، والمقاتل على التأويل ، وأمر بسؤاله عما فيه يختلفون والردّ إليه ما لا يعلمون ، وأودعه علمه ، واختصه بسره ، وأخبر أنه مغفور له ، وورثه تراثه من بعده ، وافترض على الامة مودته ، وأخبر أنه ربانيها وحبرها ، والمعصوم منها ، وأودعه علم ما يكون من بعده ، وجعل الإمامة فيه وفي ولده ، وأمره بقتال الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين ، وأخبر أنه أقرب الناس إليه أجمعين ، وأعلم بفضله ، وفضل الائمة من ذريته ، وفضل أهل ولايته وشيعته ، وبما أعده الله عزّ وجلّ لهم من ثوابه وكرامته ، وما شهد له به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا آتاه الله عزّ وجلّ على يديه ، وأصاره بفضله إليه من الحكمة والعلم والمعرفة بالحلال والحرام والقضايا والأحكام ، وأخبر أنه أقضى الامة ، وأعلمهم بالكتاب والسنّة ، وما أمر به من اتباعه وطاعته وافترضه على الامة من ولايته ومودته ومودة أهل بيته ، وما نطق الكتاب به من ذلك وما اجتمعت الامة عليه من فضله وعفافه وزهده وورعه وحسن سيرته وسياسته وعدله ونصرته لأهل الحق ورأفته بهم ورحمته لهم وشدته على أهل الباطل ، وغلظته لا يشك محق في عدله ، ولا يطمع مبطل في ميله. أحب الناس إليه من اتقى الله عزّ وجلّ وعمل بطاعته ، وأبغضهم إليه من تعدى أمره ، وعمل بمعصيته ، لا يطمع من قرب منه في اثرته ، ولا يخاف من بعد عنه

٤٢٢

نقص حقه ، الأثير عنده من أنصف نفسه ، والحقير لديه من تعدى الى ما ليس له.

فهذه بعض فضائل علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ومناقبه وأخلاقه وخصائصه. وقد ذكرت في هذا الكتاب بيانها وكثير غيرها لم أذكره لكثرتها ، ولئلا يطول الكتاب بها ، فمن ذا يساويه بغيره بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو يفضل منهم أحدا عليه إلا من عمي عن الحق ، وسلك سبيل الضلالة ، أو من تكلف عن العلم وغلبت عليه الجهالة (١) ، أعاذنا الله وجميع المؤمنين والمؤمنات من الضلالة والجهالة ، ووفقنا للهداية والعلم والدراية بمنه وطوله وفضله.

تمّ الجزء التاسع بحمد لله تعالى وفضل نبيه المختار وآله الائمة الأطهار عليهم صلوات الله العزيز الغفّار.

بخط صالح يوم التاسع من شهر شعبان سنة ١١١٦ ه‍.

__________________

(١) رحم الله السيد الهندي حيث قال في قصيدته الكوثرية :

يا من قد أنكر من آيا

ت أبي حسن ما لا ينكر

إن كنت لجهلك بالأيا

م جحدت مقام أبي شبر

فاسأل بدرا واسأل أحدا

وسل الاحزاب وسل خيبر

من دبّر فيها الامر ومن

اردى الابطال ومن دمّر

من هدّ حصون الشرك ومن

شاد الاسلام ومن عمّر

من قدّمه طه وعلى

أهل الايمان له أمّر

قاسوك أبا حسن بسواك

وهل بالطود يقاس الذر

أنّى ساووك بمن ناووك

وهل ساووا نعلّي قنبر

من غيرك من يدعى للحرب

وللمحراب وللمنبر

٤٢٣
٤٢٤

٤٢٥
٤٢٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مصائب أمير المؤمنين (١)

[٧٧١] بكر بن عبد الوهاب ، باسناده ، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه‌السلام ، أنه سئل عن سنّ علي عليه‌السلام يوم اصيب كم كانت؟

فقال : كان يوم اصيب ابن ثلاث وستين سنة.

قيل له : فما كانت صفته؟

قال : كان أدم اللون (٢) شديد الادمة ثقيل العينين عظيمهما ، ذو بطن ، أصلع.

قيل : أكان طويلا أو قصيرا؟

قال : هو إلى القصر. أقرب.

قيل له : فما كانت كنيته؟

قال : أبو الحسن.

قيل [ له ] : فأين دفن؟

قال : بالكوفة ليلا وعمّي قبره.

__________________

(١) هذا العنوان من نسخة و.

(٢) الأدمة لون مشوب بسواده.

٤٢٧

[٧٧٢] إسماعيل بن أبان ، باسناده ، عن محمّد بن الحنفية (١) ، أنه سئل عن صفة علي صلوات الله عليه.

فقال : كان ضخم الهامة ، عريض المنكبين ، عظيم المشاش ، ضخم البطن ، خمش الساقين ، كأنما كسرت عظامه ثم جبرت ، لو أخذ الأسد لافترسه.

[٧٧٣] يحيى بن الحسن ، باسناده ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه صلوات الله عليهما ، أنه سئل عن صفات علي صلوات الله عليه.

فقال : كان ضخم الهامة ، عريض ما بين المنكبين ، اذا مشى لا يسرع ، وهو مع ذلك يقطع أصحابه ، له إكليل من شعر ، أشعر الجسد ، أبيض الرأس واللحية ، عظيم البطن ، أخشن من الحجر في الله عزّ وجلّ.

[٧٧٤] وبآخر ، عن المغيرة ، قال : كان علي عليه‌السلام غليظ منه ما استغلظ ، دقيق منه ما استدق ، قال : وكذلك صفة الأسد.

قال المغيرة : وكذلك صفة أشدّ الرجال.

[٧٧٥] وبآخر ، عن الشعبي (٢) ، قال : رأيت عليا عليه‌السلام وكان عريض اللحية قد أخذت ما بين منكبيه ، على رأسه زغيبات (٣).

[٧٧٦] وبآخر ، عن زيد بن وهب ، قال : قدم على علي عليه‌السلام نفر من أهل البصرة منهم رجل يقال له : الجعد [ بن نعجة ] (٤) فرأى خشونة

__________________

(١) وهو ابن أمير المؤمنين من زوجه خولة ، ولد سنة ٢١ وتوفي في المدينة سنة ٨١ هـ سيتعرض المؤلف إليه في الجزء الرابع عشر.

(٢) وهو عامر بن شراحيل بن عبد ، نسبته الى شعب بطن من همدان ولد ونشأ في الكوفة واتصل بعبد الملك بن مروان وكان نديمه وسميره ورسوله الى ملك الروم ، توفي سنة ١١٠ ه‍.

(٣) الزغب : أول ما ينبت من الشعر.

(٤) من رؤساء الخوارج.

٤٢٨

لباسه فكلّمه في ذلك.

فقال : ما لكم وللباسي هو أحصن لصلاتي ، وأجدر أن يقتدي بي المسلمون من بعدي (١).

فقال له : اتق الله يا أمير المؤمنين في نفسك ، ولا تحمل علينا فانك ميت.

فقال له علي عليه‌السلام : بل مقتول [ بضربة ] تخضب هذه ـ وقبض على لحيته ـ من هذا ـ وأومى الى رأسه ـ عهد معهود ، وقضاء مقضيّ ، وقد خاب من افترى.

[٧٧٧] وبآخر ، عن أيوب بن خالد ، أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : من أشقى الأولين؟ ومن أشقى الآخرين؟

قال : الله ورسوله أعلم.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أشقى الأولين عاقر الناقة ، واشقى الآخرين قاتلك.

[٧٧٨] وبآخر ، عن الحكيم بن سعد (٢) ، قال : ذكر لنا علي عليه‌السلام أنه سيقتل. فقلنا : لو علمنا قاتلك لأبدنا (٣) عترته.

قال : مه ، ذلك الظلم [ النفس بالنفس ] ، ولكن اصنعوا به ما يصنع بقاتل نبي أو وصي نبي ، يقتل ثم يحرق [ بالنار ].

[٧٧٩] وبآخر ، عن أبي رافع ، قال : كنت مع علي عليه‌السلام بالكوفة وهو يمشي عند دار الزبير بن العوام (٤) ، وقوم يتبعونه حتى أدموا عقبيه (٥).

__________________

(١) وفي الغارات ١ / ١٠٨ : هذا أبعد لي من الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم :

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : بن سعيد.

(٣) وفي تاريخ دمشق ٣ / ٢٩٣ : لأبرنا.

(٤) هكذا في كلا النسختين ولا اعلم أن للزبير دارا في الكوفة.

(٥) وفي نسخة و: عينيه. والعقب : بكسر القاف مؤخر القدم ( مختار الصحاح / ٤٤٣ ).

٤٢٩

فالتفت إليهم.

فقال : اللهمّ أرحني منهم ، فرق الله بيني وبينكم ، اللهمّ أبدلني بهم خيرا منهم وأبدلهم بي شرا مني.

قال : فما كان إلا يومه حتى قتل صلوات الله عليه.

[٧٨٠] وبآخر ، عن الحسين عليه‌السلام ، أنه قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : رأيت حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البارحة في المنام (١) فشكوت إليه ما لقيته بعده من أهل العراق ، فوعدني بالراحة منهم عن قريب.

قال : فما لبث بعد ذلك إلا جمعة حتى قتل صلوات الله عليه.

[٧٨١] وبآخر ، عن عثمان بن المغيرة ، قال : لما دخل شهر رمضان جعل علي عليه‌السلام يتعشى ليلة عند الحسن ، وليلة عند الحسين [ وليلة عند ابن عباس ] (٢) ، ولا يزيد على ثلاث لقم ، فيقولان له في ذلك ، فيقول : إنما هي أيام قائل يأتي أمر الله عزّ وجلّ.

وأنا خميص البطن أحب إليّ [ فقتل من ليلته ] (٣).

[ ليلة الشهادة ]

[٧٨٢] وبآخر ، عن الحسن ، أنه قال : سهر علي عليه‌السلام [ في الليلة التي قتل في صبيحتها ولم يخرج الى المسجد لصلاة الليل على عادته. فقالت أمّ كلثوم : ما هذا الذي قد أسهرك؟ ] (٤). فقال : اني مقتول لو

__________________

(١) وفي نسخة و: في النوم.

(٢) ما بين المعقوفتين من مناقب الخوارزمي ص ٢٨٣ ، وقيل عند عبد الله بن جعفر.

(٣) ما بين المعقوفتين من كنز العمال ٦ / ٤١١.

(٤) ما بين المعقوفتين زيادة من بحار الأنوار ٤٢ / ٢٢٦ الحديث ٣٨.

٤٣٠

قد اصبحت.

قال : فجاءه مؤذنه للصلاة ، فقام ثم رجع.

فقالت له ابنته : مر جعدة (١) فليصلّ بالناس؟

فقال : لا مفرّ من الأجل.

ثم قام ، فخرج ، فمرّ على صاحبه ، وقد سهر ليلته ينتظره ، فغلبته عيناه ، فنام فضربه برجله. وقال له : الصلاة. فقام ، فلما رآه ضربه.

[٧٨٣] وبآخر ، عن الحسن بن كثير (٢) ، عن أبيه ، قال : قام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام يريد الى صلاة الفجر ليلة قتله ، فاستقبله إوزّ كنّ في الدار عنده يصحن. قال : فجعلنا نطردهن عنه.

فقال : دعوهن فإنهن نوائح.

وخرج فأصيب صلوات الله عليه.

[ عاملوا قاتلي بالحسنى ]

[٧٨٤] وبآخر ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليه‌السلام ، أنه قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يخرج الى صلاة الفجر ، وبيده درة يوقظ بها النوام في المسجد. فألفى ابن ملجم نائما قد سهر ليلته لانتظاره ، فخفقه (٣) بالدرة ، وقال له : قم للصلاة.

فقام وضربه ، فأخذ ، فأتي به إليه.

فقال : أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره. فان عشت أعفو إن شئت ، وإن شئت استقدت.

__________________

(١) جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي. وهو ابن اخت أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

(٢) وفي نسخة و: الحسين بن كثير.

(٣) خفقه : أي ضربه.

٤٣١

[٧٨٥] وبآخر ، عن الحسن عليه‌السلام ، أنه قال : أمر أمير المؤمنين علي عليه‌السلام بالمرادي أن يوثق. وقال : كفوا عنه ، فإن أعش فالحق حقي ، أرى فيه رأيي ، وإن مت فرأيكم في حقكم.

[ دناءة القاتل ]

[٧٨٦] وبآخر ، عن أبي عبد الله السلمي ، قال : كلّمت الحسن بن علي عليه‌السلام في رجل من قومي ، وكان أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه قد بعث حبيب بن مالك (١) يحشر الناس من السواد ، فقال لي : تغدو إن شاء الله إليّ تجد كتابك ، وقد ختم ، وفرغ منه.

فلما أن كان من الغد خرجت من عند أهلي حتى إذا كنت عند أصحاب الرمان (٢) ، استقبلني الناس يقولون : قتل أمير المؤمنين.

فقلت لغلامي : اسرع. فدخلنا القصر (٣) فإذا حجرة فيها الحسن بن علي عليه‌السلام. فقال لي : ادن مني ، فدنوت منه. فإذا أمير المؤمنين عليه‌السلام متكئ ، فأتيته ، فسلّمت عليه ، وهو يحدّث الناس ، ويقول :

[ يا بني ] إني بتّ الليلة اوقظ أهلي للصلاة ـ وكانت ليلة الجمعة [ صبيحة بدر ] لتسع عشرة مضت من رمضان ـ فغلبتني عيناي ، وأنا جالس ، فسنح لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت : يا رسول الله ما لقيت من امتك من التفرق بعدك. فقال لي : ادع الله عليهم. فقلت : اللهمّ أبدلهم بي شرا مني ، وأبدلني بهم خيرا منهم.

__________________

(١) وفي تاريخ دمشق ٣ / ٢٩٦ : حبيب بن مرة.

(٢) وفي نسخة و: أصحاب الزمان.

(٣) وفي نسخة الاصل : فدخلت القصر.

٤٣٢

قال : وجاء ابن النباح (١) ، فأذن بالصلاة ، وخرج أمامي وخرجت ، فلقيني الرجل ، وضربني.

قال : وجيء بابن ملجم الى علي عليه‌السلام.

فقالت له : أم كلثوم : يا عدو الله ، قتلت أمير المؤمنين؟

قال : لا ، ولكني قتلت أباك! قالت : أرجو أن لا يكون عليه من بأس.

قال ابن ملجم : أفعليّ تبكين إذا ، أما والله (٢) لقد سممته أربعين ليلة ـ يعني سيفه الذي ضربه به ـ فإن أخلفني فأبعده الله.

فقالت : أما والله لتقتلن.

قال : لا والله إلا أن يموت أبوك.

قالت : أما والله ، ما عليه من بأس.

قال : أما والله لقد ضربته ضربة لو كانت بجميع أهل المصر ما أفاقوا منها (٣).

[٧٨٧] وبآخر ، عن عمر بن دينار ، قال : لما ضرب عدو الله ابن ملجم عليا عليه‌السلام وأخذ ، وجعل الناس يقولون : الحمد لله الذي أخزاك ، يا عدو الله ، وسلم أمير المؤمنين.

وقال : فعلى من تبكي رقية؟ ـ يعني ابنة علي عليه‌السلام ، وهي

__________________

(١) هكذا صححناه وفي الاصل : ابن الصباح.

(٢) يعني حقا والله.

(٣) قال الفرزدق :

فلا غرو للأشراف إن ظفرت بها

ذئاب الأعادي من فصيح وأعجمي

فحربة وحشيّ سقت حمزة الردى

وحتيف عليّ من حسام ابن ملجم

٤٣٣

أخت عمر بن علي لامه ـ (١).

[ ثم قال : والله لقد سممته شهرا ـ يعني سيفه ـ فإن أخلفني فأبعده الله وأسحقه ].

[٧٨٨] وبآخر ، عن الحسن بن عمران (٢) ، عن أبيه ، قال : رأيت الناس لما اخذ ابن ملجم ، وقد أحاطوا به لو استطاعوا لنشهوه بأسنانهم ، وهم يقولون له : يا عدو الله قتلت خير الناس. يا عدو الله أهلكت الامة.

قال : وهو ساكت لا يجيب أحدا منهم.

[ لحظات حاسمة ]

[٧٨٩] وبآخر ، عن عمر بن ذمر (٣) ، قال : لما ضرب علي عليه‌السلام دخلت عليه ، وقد عصب رأسه بعصابة. فقلت : يا أمير المؤمنين ، أرني الضربة ، فحلّ العصابة ، فنظرت إليها ، فقلت : ليست بشيء ، والله يا أمير المؤمنين ، وما هي إلا خدش.

فقال عليه‌السلام : إني مفارقكم ، إني مفارقكم ـ مرتين ـ.

فبكت أمّ كلثوم من وراء الحجاب.

فقال لها : امسكي لو ترين ما أرى ما بكيت.

فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما ذا ترى؟

فقال : هذه الملائكة وقوف والنبيون. وهذا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يا علي ، ابشر فما تصير إليه خير ممّا أنت فيه.

__________________

(١) هكذا في الأصل وفي نسخة و. واغلب الظن أن في الرواية سقط ولم أعثر على الرواية رغم البحث الحثيث عنها في المصادر المتوفرة لدي.

(٢) هكذا في نسخة و، وفي الأصل : الحسن بن عمر.

(٣) وفي بحار الانوار ٤٢ / ٢٢٣ : عن عمرو بن الحمق.

٤٣٤

[٧٩٠] وبآخر ، عن الأصبغ بن نباتة : كنا نسمر عند علي عليه‌السلام ، فيتحدث منا عنده نفر كل ليلة ، ثم يتبعهم غيرهم حتى تدور الدولة ، فكانت ليلة سمري ليلة الجمعة ، ليلة تسع عشرة مضت من شهر رمضان. فلم أزل عنده وأصحاب لي حتى ذهبت ساعات من الليل ، فانصرفنا إلى منازلنا ، ولم تكن تفوتنا صلاة الفجر والعشاء الآخرة معه.

قال : فخرجت حين السحر لاصليّ معه ، فإذا المصابيح تتوقده ، وإذا هم يقولون : قتل أمير المؤمنين علي عليه‌السلام.

قال : فمكثنا ثلاثا لا نصل إليه ، ثم دخلنا عليه ليله إحدى وعشرين من شهر رمضان زمرة بعد زمرة نسلّم عليه ، وندعو له ، فدخلت في عشرة نفر فسلّمنا عليه ، ودعونا له. وقلت : والله يا أمير المؤمنين إني لاحبك.

فقال : الله الذي لا إله إلا هو.

فحلفت.

فقال : أما والذي أنزل التوراة على موسى ، والإنجيل على عيسى ، والقرآن على محمّد أبي القاسم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقد ضربت في الليلة التي قبض فيها يوشع بن نون (١) ، ولاقبض في الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم عليه‌السلام.

قال الأصبغ : وهي ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان.

[٧٩١] وبآخر ، عن سويد بن غفلة (٢) ، قال : قتل أمير المؤمنين علي

__________________

(١) وهو وصي النبي موسى بن عمران عليه‌السلام.

(٢) وهو سويد بن غفلة ( بالغين المعجمة والفاء ) بن عوسجة بن عامر الجعفي ، ولد عام الفيل

٤٣٥

عليه‌السلام في شهر رمضان سنة أربعين ، أول ليلة من العشر الأواخر. وصلّى عليه الحسن ابنه ، وكبّر عليه خمسا.

[٧٩٢] وبآخر ، عن هبيرة بن مريم (١) ، قال : لما دفن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام صعد الحسن بن علي عليه‌السلام المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي وآله.

قال : أما بعد ، أيها الناس ، فانه قد اصيب فيكم الليلة رجل لم يسبقه الأولون ، ولا يدركه الآخرون ، ما ترك صفراء ولا بيضاء (٢) إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله ، ولقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يبعثه البعث فتكتنفه الملائكة ، جبرائيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وملك الموت أمامه ، فما ينثني حتى يفتح الله على يديه ، ولقد صعد بروحه في الليلة التي صعد فيها بروح يحيى بن زكريا عليه‌السلام (٣).

__________________

وقدم المدينة وقد تمّ دفن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله توفي بالكوفة سنة ٨١ هـ ، قال البرقي : انه من أولياء أمير المؤمنين. وفي شذرات الذهب : كان ففيها عابدا قانعا كبير القدر.

(١) واظنه هبيرة بن يريم الخارفي الشبامي ، توفي ٦٦ ه‍.

(٢) كناية عن الذهب والفضة.

(٣) وفي اثبات الوصية : التي رفع فيها عيسى بن مريم عليه‌السلام.

٤٣٦

[ التخطيط للجريمة ]

[٧٩٣] موسى بن عبد الحميد بن مسروق ، باسناده ، عن إسماعيل بن راشد ، أنه ذكر قصة قتل علي عليه‌السلام ، فقال :

كان من خبر ابن ملجم لعنه الله وأصحابه أن عبد الرحمن بن ملجم ، والحارث بن عبيد الله (١) ، وعمرو بن بكر التميمي اجتمعوا في جماعة من الخوارج بمكة ، فذكروا أمر الناس ، فأعابوا الولاة. ثم ذكروا أهل النهروان وأصحابهم ، فترحموا عليهم. وقالوا : والله ما في البقاء بعدهم خير. فقد كانوا دعاة المسلمين الى عبادة ربهم ، وكانوا لا يخافون في الله لومة لائم ، فلو شرينا أنفسنا من الله عزّ وجلّ ، وأتينا ائمة الضلال ، فالتمسنا قتلهم وأرحنا منهم البلاد ، وأدركنا ثأر إخواننا.

فقال ابن ملجم لعنه الله : أنا اكفيكم علي بن أبي طالب ـ وكان من أهل المصر ـ (٢).

وقال الحارث : أنا اكفيكم معاوية.

وقال عمرو بن بكر : أنا اكفيكم عمرو بن العاص.

__________________

(١) وفي كفاية الطالب ص ٤٦٠ : البرك بن عبد الله التميمي.

(٢) أهل المصر : أي من سكنة الكوفة.

٤٣٧

فتعاهدوا وتواثقوا أن لا ينكص (١) رجل منهم عن صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه ، وأخذوا أهبتهم ( وأخذوا أسيافهم فسموها ، واتعدوا لتسع عشر ليلة يمضين من شهر رمضان ثبت كل واحد منهم على صاحبه يقتله أو يموت دونه ) (٢).

وتوجه كل واحد منهم إلى صاحبه. وصار عبد الرحمن بن ملجم الى الكوفة ، ولقي بها من [ بقي ] (٣) من أصحابه. فكاتمهم أمره كراهة أن يظهروا شيئا منه ، إلى أن رأى ذات يوم أصحابا له من تيم الرباب ـ وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام قد قتل منهم يوم النهروان عدة ـ فذكروا قتلاهم ورأى يومئذ معهم امرأة من تيم الرباب ، يقال لها : قطام (٤) ـ قد كان أمير المؤمنين عليه‌السلام قتل أباها وكانت فائقة الجمال ـ فلما رآها علقها قلبه ، وخطبها ، فقالت : لا أتزوجك حتى تشفي قلبي.

قال لها : وما يشفي قلبك؟

قالت : قتل علي بن أبي طالب (٥).

قال : ما قلت هذا وأنت تريدينني.

قالت : بلى ، إن قتلته وسلمت تزوجتك وانتفعت بي ، وإن هلكت فلك عند الله ما هو خير مني.

__________________

(١) أن لا يتراجع عن صاحبه.

(٢) ما بين القوسين زيادة من نسخة و.

(٣) وفي كلا النسختين : لقي.

(٤) قيل هي بنت الاضبع التميمي وقيل بنت علقمة ( الامامة والسياسة : ص ١٥٩ ).

(٥) ونعم ما قال فرزدق :

فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة

كمهر قطام من فصيح وأعجم

٤٣٨

قال لها : والله ما جئت الى هذا الموضع إلا لألتمس قتله! فإذا قلت ما قلت ، فهل عندك من معونة؟

قالت : نعم ، آخذ لك من يشد ظهرك ويساعدك على ذلك.

قال : افعلي.

فأتت رجلا من قومها يقال له : وردان. فأخبرته بالخبر ، وكلّمته في ذلك ، وذكرته مصاب من اصيب من قومه ، فأجابها الى ذلك. واجتمع مع عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله. ( ولقي ابن ملجم ) (١) أيضا رجلا من النخع يقال له : شبيب (٢) وكان يثق به ، فأطلعه على أمره ، ورغبه في معونته ومؤازرته على قتل علي عليه‌السلام إذ قد علم عدو الله شدته وجلده وخافه على نفسه ، وجبن من الإقدام عليه وحده. وأخبر شبيبا بخبر وردان بأنه قد أجابه الى ذلك وعاهده عليه ، وبما كان من قصة قطام. فتعاظم ذلك شبيب ، وقال : يا عبد الرحمن ، ويحك قد علمت سوابق علي عليه‌السلام في الاسلام ومكانه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وشدته وشجاعته.

قال له : أفما تعلم من قتل من إخواننا ، ونحن ، فإنما نحتال في أن نفتك به ، ولسنا نبارزه ولا ننازله ، ولم يزل به حتى أجابه. فاجتمعوا ثلاثتهم ، وعرّفهما عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله بالليلة التي واعد فيها أصحابه ، وقال : انظرا كيف يكون الرأي والعمل فيه ، وأتوا بها الى قطام. وكانت لها جزالة ورأي وحزم وتقشف ، وكانت تلزم المسجد مع النساء وتعتكف فيه. فأخبروها بما اجتمع أمرهم عليه ، وقالوا لها : هل عندك من حيلة في الوصول إليه في منزله.

__________________

(١) ما بين القوسين من نسخة و.

(٢) وهو شبيب بن بجرة.

٤٣٩

قالت : لا ، ولكن أمكن من ذلك وقت خروجه الى صلاة الفجر ، فانه يغلس بالخروج فتكمنون له عند باب المسجد ، فاذا دخل ، وثبتم عليه ، وضربتموه ضربة رجل واحد ، وخرجتم وافترقتم في الغلس (١) ، فتعاقدوا على ذلك ، واشتمل كل واحد منهم على سيفه ، وأتوا المسجد ليلا. فباتوا فيه مع من يبيت من الناس مقابل سدة الباب التي يخرج منها علي عليه‌السلام ، فلما خرج شدّ عليه شبيب فضربه بالسيف ، فوقع سيفه في عضادة الباب ، وضربه ابن ملجم لعنه الله على أمّ راسه ، وخرج وردان فهرب خوفا من أن يدركه الناس ، وصرخ بهم الناس.

فأما وردان (٢) ، فهرب حتى دخل عليه بعض من رآه ، فقتله في منزله.

وأما شبيب (٣) ، فخرج نحو باب كندة في الغلس وتصارخ الناس به ، فلحقه رجل من حضر موت ، وشبيب بيده السيف ، فرماه به ، فأخذه الحضرمي ، فلما رأى الناس قد لحقوه خاف أن يظنوا أنه في القتلة ، فرمى السيف ، ونجا شبيب في غمار الناس (٤).

[ وأما عبد الرحمن ] وشدوا على ابن ملجم ، فأخذوه بعد أن ضربه رجل من همدان على رجله ، فصرعه.

وحضر وقت الصلاة ، فدفع علي عليه‌السلام في ظهر جعدة بن

__________________

(١) الغلس : آخر الليل.

(٢) وهو وردان بن مجالد بن علقة بن القريش التيمي من تيم الرباب ، قتله عبد الله بن نجبة بن عبيد الكاهلي من بني تيم بن عبد مناة ، غضبا لأمير المؤمنين عليه‌السلام ٤٠ ه‍.

(٣) هو شبيب بن بجرة الأشجعي الخارجي.

(٤) واختفى اثره.

٤٤٠