شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١١

[ زهد أمير المؤمنين ]

[٧١٧] سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : قسم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام بيت المال حتى ما ترك فيه شيئا.

ثم قال : يا قنبر ، أدخل عليّ الغنم.

فقال : يا أمير المؤمنين وما تريد من الغنم؟

فقال أمير المؤمنين : تشهد لي يوم القيامة أنها لم تجد فيه شيئا تلوه.

ثم قال : تشهد لي هذه البقعة يوم القيامة أني قد أديت الى كل ذي حق حقه.

ثم قال : يا حمراء تحمري ، ويا صفراء تصفري ، ويا بيضاء تبيضي ، وغيري غرّي. ثم تمثل فقال عليه‌السلام :

هذا جناي وخياره فيه

إذ كل جان يده الى فيه

[٧١٨] أبو نعيم ، باسناده ، عن عبد الرحمن الخولاني ، عن عمته ـ وكانت تحت عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليه ـ قالت : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام بالكوفة فأصبته جالسا على البرذعة (١) حماز.

__________________

(١) البرذعة : الذي يلقى تحت الرجل.

٣٦١

ثم دخلت إلى امرأة له من بني سليم ، فأصبت في بيتها متاعا كثيرا ، فلمتها ، وقلت لها : في بيتك مثل هذا المتاع وأمير المؤمنين عليه‌السلام جالس على برذعة حماز؟

فقالت : لا تلوميني فانا لا نخرج إليه ثوبا ينكره إلا بعث به الى بيت المال ، فوضعه فيه.

[٧١٩] أبو نعيم ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام أنه كان يأخذ الجزية (١) من أهل الذمة من كل ذي صنعة ممّا يعمله من صاحب الابر ابرا ، ومن صاحب المال مالا ، فإذا قسم ما في بيت المال قسم ذلك فيقولون لا حاجة لنا به.

فيقول : أخذتم خياره وتتركون عليّ شراره. لا والله لا بدّ لكم من أن تأخذوه.

[٧٢٠] عمر بن عبد الكريم ، باسناده ، عن مالك بن أنس ، قال : سألت الزهري : من كان أزهد الناس في الدنيا؟

قال : علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان يقسم كل ما في بيت المال ، ثم يكنسه ، ويرشه ، ويصلّي فيه ويفرش لبدة ، ثم ينام عليه. ويقول : الآن طاب فيك المقيل لا تخاف مسارقا ولا ثاقبا.

ثم يقول : [ يا بيضاء ] بيضي ، و [ يا صفراء ] صفري ، وغيري غرّي ، والله لا أنال منك إلا الحقير اليسير.

قال : ولقد بلغنا أنه اشتهى كبدا مشوية على خبزة لبنة ، فأقام حولا يشتهيها. ثم ذكر ذلك الحسن عليه‌السلام يوما وهو صائم ،

__________________

(١) ضريبة اسلامية تأخذها الحكومة الاسلامية من غير المسلمين ( أهل الكتاب ) الذين هم في ذمة الاسلام وحمايته. وأهل الكتاب هم : اليهود والنصارى والمجوس.

٣٦٢

فصنعها له. فلما أراد أن يفطر قرّبها إليه ، فوقف سائل بالباب.

فقال : يا بني احملها إليه ، لا تقرأ صحيفتنا غدا ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيَ اوَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها ) الآية (١).

[٧٢١] أبو غسان ، باسناده ، عن الحسن البصري ، أنه ذكر يوما عليا عليه‌السلام فقال :

رحمة الله عليك يا أبا الحسن ومغفرته ورضوانه ، جمعت الدنيا حتى إذا اجتمعت بين يديك نكنتها بقضيبك ، ثم قلت : يا دنيا غرّي غيري.

[٧٢٢] أبو نعيم ، باسناده ، أن عليا عليه‌السلام جمع المال في الرحبة بين جوالق (٢) أبيض وأسود ، وقطيفة (٣) بيضاء وسوداء ، وقوصرة (٤) وجلد. ثم يقول :

هذا جناي وخياره فيه

إذ كل جان يده الى فيه

ثم دعا بامراء الأسباع والعرفاء والمقاتلة فقال : هذا مالكم ، فاحملوه الى مساجدكم واقتسموه بينكم.

[٧٢٣] وبآخر ، أن عليا عليه‌السلام استعمل سعد بن عمر الأنصاري ، فبقي عليه من الخراج ، فربطه الى اسطوانة في المسجد حتى وداه.

[٧٢٤] الدغشي ، باسناده ، قال : اشترى علي عليه‌السلام بالكوفة قميصا بسبعة دراهم ، فلما لبسه خرج كمه عن يده ، فأمر بقطع ما خرج عن أطراف أصابعه.

__________________

(١) الاحقاف : ٢٠.

(٢) الجولق : وعاء.

(٣) القطيفة : دثار مخمل.

(٤) القوصرة : وعاء التمر ، وكناية عن التمر.

٣٦٣

وكان اشتراه من غلام ، ومولاه غائب. فجاء مولى الغلام ، فأخبره ، فلحق عليا عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا القميص لي وهو يقوم على ستة دراهم ، وذكر لي غلامي أنه باعه منك بسبعة دراهم. وهذا الدرهم الذي تزيده عليك.

قال : لا آخذه قد اشتريناه بما رضيناه.

[٧٢٥] وبآخر ، أن عليا عليه‌السلام كان يخرج من القصر بالكوفة ، وعليه قميص الى نصف ساقه وإزار ، ورداء قريب منه ، ومعه درة (١) يمشي بها في الأسواق يأمرهم بتقوى الله ، وحسن البيع ، ويقول : اوفوا الكيل والميزان ولا تغشوا ولا تنفخوا في اللحم.

[٧٢٦] وبآخر ، عنه عليه‌السلام أنه استعمل عاملا على عكبرا (٢) ، ثم قال له : بين يدي أهل عمله استوف الذي عليهم ولا يجدوا فيك ضعفا.

ثم قال له : رح الي عند الظهر! فراح إليه.

قال العامل : فدخلت إليه ، فأصبت بين يديه قدحا وكوزا فيها ماء ، وجرابا مختوما. فنظر الى الخاتم ، وأنعم النظر فيه ، ثم فكه. فقلت في نفسي : فيه مال أو جوهر أراد أن يعرضه عليّ ، فأخرج منه وسيقا فصير في القدح منه ، وصبّ عليها ماء ، وشرب ، وسقاني ، ثم ختم (٣) الجراب. فقلت : يا أمير المؤمنين الطعام بالعراق أكثر من أن يختم عليه.

فقال : ما أنا بشيء أحفظ مني لما ترى أني أخاف أن يجعل فيه

__________________

(١) الدرة : بالكسر التي يضرب بها ( مختار الصحاح : ص ٢٠٢ ).

(٢) قال الياقوتي : عكبرا اسم بليدة من نواحي دجيل قرب صريفين بينها وبين بغداد عشرة فراسخ والنسبة إليها عكبري.

(٣) وفي الاصل : الختم الحراب.

٣٦٤

غير ما جعلت ، فأدخل بطني حراما (١).

ثمّ قال لي : إني لم أستطع أن أقول لك بحضرة القوم إلا ما قلت ، فإذا صرت إليهم ـ ولا قوة إلا بالله ـ فخذهم بما آمرك به ، فإن خالفتني فأخذك الله به دوني ، وإن بلغني خلاف ما أمرتك عزلتك. إذا قدمت عليهم ، فلا تبيعن (٢) لهم كسوة شتاء في شتاء ، ولا كسوة صيف في صيف ، ولا دابة يعملون عليها ، ولا تقيمن منهم أحدا على رجليه ، ولا تضربنه سوطا في درهم ، [ إنما أمرنا ] أن نأخذ منهم العفو (٣).

فقلت : يا أمير المؤمنين ، إذا أرجع إليك كما خرجت من عندك؟

قال : وإن رجعت كذلك.

قال العامل : فخرجت في وجهي ذلك ، وقدمت وما بقي عليهم درهم إلا أدوه.

[٧٢٧] محمّد بن عبد النور المسمعي ، باسناده عن عمر بن الخطاب ، أنه ذكر عليا عليه‌السلام فقال :

ذلك صهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نزل جبرائيل عليه‌السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال :

يا محمّد زوج عليا فاطمة صلوات الله عليها ، فزوّجه إياها بوحي الله عزّ وجلّ.

[٧٢٨] علي بن هاشم ، باسناده ، عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه ، أنه

__________________

(١) وفي تاريخ دمشق ٣ / ١٩٩ : أن أدخل بطني إلا طيبا.

(٢) وفي تاريخ دمشق : فلا تبيعن لهم رزقا يأكلونه ولا كسوه ...

(٣) هكذا صححناه وفي الاصل : فإنا لم أن تأخذ منهم إلا العفو.

٣٦٥

قال : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في جماعة من أصحابه ، فناداني ، فأتيته. فقال : يا سلمان ، اشهد أن علي بن أبي طالب خيرهم وأفضلهم.

[٧٢٩] وبآخر ، أنه قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم قبض ، وهو في غمرات الموت ، فأفاق افاقة.

فقال : علي بن أبي طالب أفضل من أترك بعدي (١).

__________________

(١) وفي المناقب لابن مردويه : خير من أخلف بعدي.

٣٦٦

[ خبر الراهب ]

[٧٣٠] أبو الزبير ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام ، لما سار الى معاوية بن أبي سفيان ، وانتهى الى البليخ (١) عن شاطئ الفرات من أرض الجزيرة (٢) نزل بأصحابه بقرب دير فيه راهب يقال له : شمعون بن الصفا بن يحيى.

فلما أن رآه نزل إليه ، وسلّم عليه ، وقال : يا أمير المؤمنين ، إن عندنا كتابا ، يقال إنه من كتب (٣) حواري عيسى بن مريم فان شئت أتيتك به (٤) ، فقرأته.

فقال : قد شئت.

فأتاه بكتاب ، فيه وجدت هذا الحديث مكتوبا عند رحل ـ والله أعلم ـ ولم أسمعه من أحد :

بسم الله الذي قضى فيما قضى وسطر فيها كتب ، إنه يبعث في

__________________

(١) هكذا صححناه وفي الاصل : البلح. والبليخ : نهر بالجزيرة ، والجمع بلخ بالضم كما في القاموس.

(٢) ويسمى الآن بالموصل. ( محافظة نينوى ) العراق.

(٣) هكذا صححناه وفي الاصل : من كنت الحواري.

(٤) هكذا صححناه وفي الاصل : أنبئك به.

٣٦٧

الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة ، ويدلهم على طريق الجنة ، وليس بفظ غليظ (١) ، ولاصحاب (٢) في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة ، ولكن يعفو ويصفح. أمته الحامدون ، يحمدون الله في كل هبوط ، وعلى كل شرف (٣) وصعود ، يذلل ألسنتهم بالتهليل والتكبير ينتصر بهم على من ناواه ، فإذا قبضه الله إليه اختلفت امته ، ثم اجتمعت ، ثم اختلفت. فيقبل في ذلك الزمان رجل هو أولى الناس في الدين والقرابة ، وأولى الناس بالناس حتى ينزل هذا المكان ووصفه [ أنه ] يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويقضي بالحق ، ولا يدلس في الحكم ، ينصح لله في العلانية ، ويخافه في السر ، ولا يخاف في الله لومة لائم ، الدنيا أهون عنده من رماد عصفت به الريح ، والموت عليه في جنب الله ألذ من شرب الماء البارد على الظماء ، فمن أدرك ذلك الزمان فليؤمن بذلك الرسول ، ويتبع هذا العبد الصالح ، ويقاتل معه ، فان القتل معه شهادة.

ثم قال شمعون : قد سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وآمنت به وصدقته ، وأدركتك ورأيت صفتك وما أنت عليه ، ونزلت إليك ، ولست بالذي أفارقك حتى يصيبني ما أصابك.

فبكى علي عليه‌السلام وبكى من [ كان ] حوله لبكائه. وقال : الحمد لله الذي لم يجعلني منسيا (٤) ، الحمد لله الذي ذكرني في كتب

__________________

(١) وفي الاصل : ليس بفظ ولا غليظ.

(٢) وفي نسخة هـ : ولا سحان.

(٣) وفي نسخة ـ هـ : هبوط وسير وصعود.

(٤) وفي المناقب ٢ / ٢٥٦ : الحمد لله الذي لم يخملني ولم يجعلني عنده منسيا.

٣٦٨

الأبرار عنده.

قال حبة العرني (١) : فكان ذلك الديراني رفيقي. وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا تغدى غذاه معه ، وإذا تعشى عشاه معه ، حتى إذا كانت ليلة الهرير أصبح الناس يطلبون قتلاهم ، وخرج أمير المؤمنين عليه‌السلام فوجد شمعون بن يحيى الديراني بين القتلى قتيلا ، فصلّى عليه ، ودفنه ، وترحم عليه.

وقال : هذا منا أهل البيت.

[٧٣١] عباد بن يعقوب [ الرواجني ] ، عن الحارث بن الخزرج الأنصاري (٢) ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي عليه‌السلام : المتقدم بين يديك كافر ( يعني في الامرة التي ادعوها والبدعة التي شرعوها ) (٣) وإن أهل السماوات يسمونك أمير المؤمنين.

[٧٣٢] أبو مخنف ، باسناده ، عن كميل بن زياد (٤) ، قال : أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وخرج بي نحو الجبانة (٥) ، فلما أصحر ، تنفس الصعداء.

ثم قال : يا كميل إن هذه القلوب أوعية ، وخيرها أوعاها ، احفظ عني ما أقول لك.

__________________

(١) هو حبّة بن جوين ( جوير ) العرني ، وكنية حبّة ( أبو قدامة ) ، وقيل ابن جرير العرني ، من أصحاب علي عليه‌السلام .. من اليمن. ونسب ابن داود إلى الكشي أنه ممدوح من القسم الأول. ( معجم رجال الحديث للسيد الخوئي : ج ٤ ص ٢١٤ تحت رقم ٢٥٤٦ ).

(٢) صاحب راية الأنصار مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٣) ما بين القوسين من نسخة ـ هـ ـ.

(٤) كميل بن زياد بن نهيك النخعي ولد ١٢ هـ من أصحاب أمير المؤمنين وكان شريفا مطاعا في قومه ، شهد صفين مع علي عليه‌السلام ، سكن الكوفة قتله الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي صبرا.

(٥) أي المقابر.

٣٦٩

الناس ثلاثة ، فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع ، أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيؤوا بنور الهدى ، ولم يلجئوا الى ركن وثيق.

يا كميل بن زياد ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك (١) وأنت تحرس المال ، العلم حاكم ، والمال محكوم عليه ، المال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق.

يا كميل ، محبة العلم دين يدان به الله يكسب الطاعة من طلبه في حياته ، وحسن الاحدوثه بعد وفاته ، منفعة المال تزول بزواله ، ومنفعة العلم باقية ببقاء حامله.

يا كميل ، مات خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة.

ثم قال : آه إن هاهنا ـ وأشار الى صدره ـ علما جما لو أصبت له حملة ، بل أصبت لقنا غير مأمون يستعمل آلة الدين للدنيا يستظهر بحجج الله على أوليائه ، وبنعمه على معاصيه ، أو مأمونا غير لقن منقادا لجملة الحق لا بصيرة له يقدح الشك في قلبه بأول عارض من الشبهة لا ذا ولا ذاك ، ورجلا منهمكا في اللذة سلس القياد للشهوة ، مغرما (٢) بالادخار ليسوا من دعاة الدين ، بل هم أقرب شبها بالأنعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حملته.

اللهمّ لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهرا موجودا ، وإما خائفا مغمودا لئلا تبطل حجتك وبيناتك ، [ وان اولئك الاقلون

__________________

(١) وفي نسخة ـ هـ : يحرشك.

(٢) وفي نسخة ـ هـ : معرضا.

٣٧٠

عددا ] (١) الأعظمون قدرا يحفظ الله عزّ وجلّ بهم حججه حتى يودعوها نظرائهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم حتى عرفوا حقائق الامور فباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وآنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنيا بأبدانهم ، وأرواحهم معلقة بالملإ الأعلى ، اولئك أولياء الله من خلقه ، والدعاة الى دينه ، آه شوقا إليهم.

أستغفر الله لي ولك ، انصرف إذا شئت.

[٧٣٣] الأعمش (٢) ، باسناده ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال لجابر بن عبد الله : يا جابر ما تقول في شجرة أنا أصلها وعلي فرعها والحسن والحسين ثمارها ، من تعلق بشيء منها اورده الجنة.

__________________

(١) هكذا صححناه من أمالي المفيد : ١٥٥ وفي الاصل : وكم وأين اولئك الأعظمون.

(٢) وهو أبو محمّد سليمان بن مهران الأسدي الملقب الاعمش ولد ٦١ هـ أصله من بلاد الري ومنشأه ووفاته في الكوفة ١٤٨ ه‍.

٣٧١

[ الأعمش والمنصور ]

[٧٣٤] سليمان الأعمش قال : وجّه في طلبي أبو الدوانيق (١) في جوف الليل. فقلت في نفسي : والله ما وجه في طلبي في هذا الوقت إلا ليسألني عن فضائل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإن أنا صدقته قتلني ، وإن أنا كتمته وكذبته خرجت من ديني. والله لئن أموت على الحق خير من أن أعيش على الباطل.

قال : فاغتسلت ولبست ثيابا نقية ، وتحنطت بحنوط الموتى ، ومضيت مع الرسول ، فأدخلني عليه ، فسلّمت. فردّ عليّ ، وأدناني من مجلسه وأمرني بالجلوس ، فجلست ، فوجد رائحة الحنوط.

فقال لي : يا سليمان ما هذه الرائحة؟

قلت : اصدّقك؟

قال : نعم. قلت : لما جاءني رسولك في هذه الساعة ، قلت في نفسي : ما وجّه إليّ إلا ليسألني عن فضائل علي ، فان أنا صدقته قتلني.

__________________

(١) وهو أبو جعفر ، عبد الله بن محمّد بن علي بن العباس المنصور ثاني خلفاء بني العباس ولد في الحميمة من أرض الشراة قرب معان ٩٥ هـ ، وتولى الخلافة بعد أخيه السفاح ١٣٦ هـ ، بنى بغداد ١٤٥ هـ وجعلها دار ملكه بدلا من الهاشمية ، عرف بالبخل وسفك الدماء ، توفي بمكة ودفن بالحجون ١٥٨ ه‍.

٣٧٢

فاغتسلت وتكفنت وتحنطت موطنا على ذلك نفسي.

فقال لي : يا سليمان كم رويت من فضائل علي عليه‌السلام؟

قلت : أكثر من ستة وثلاثين ألف فضيلة (١).

فقال لي : يا سليمان لاحدّثنك بفضيلة ما أحسبك رويتها فيما رويته! قلت : حدّثني.

قال : كنت هاربا من بني مروان في أطراف البلاد مختفيا في الخلق أتوسل الى الناس بما رويت من فضائل علي عليه‌السلام فكنت بحلوان ، فمررت يوما بمسجد من مساجدها ، فدخلت أصلّي وفي نفسي أن أسأل القوم في قوت أتقوت به ، فلما قضى الإمام صلاته ، استدبر القبلة وتوجه إلينا (٢) ، وإذا نحن بغلامين قد دخلا من باب المسجد ما رأيت أجمل منهما ، فوثب الإمام من موضعه ، فقبّل ما بين أعينهما.

وقال : مرحبا بكما وبسميكما ، وكان الى جانبي شاب جالس.

فقلت : ما هذا الغلامان من الشيخ؟

فقال : هما ابنا ابنته ، وليس في هذه المدينة أحد يتشيع غيره ، وإنسان آخر.

فقلت : ومن أراد بتسميتها؟

قال : الحسن والحسين.

قال : فأقبلت على الشيخ ، وقلت : هل لك في حديث فيقرّ الله به عينك؟

__________________

(١) وفي مناقب الخوارزمي ص ٢٠١ : قلت : عشرة آلاف حديث وما يزداد.

(٢) وفي مناقب الخوارزمي ص ٢٠٢ : فلم أر أحدا منهم يتكلم توقيرا لامامهم.

٣٧٣

قال : إن أقررت عيني أقررت عينيك.

قلت : حدثني أبي ، عن جدي (١) ، قال : بينا أنا جالس في مجلس النبي ، فإذا نحن بفاطمة صلوات الله عليها قد أقبلت ، فقالت : يا رسول الله ، إن الحسن والحسين خرجا من عندي وقد بطيا عني ، ولا أدري أين هما.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة ، إن الله أرأف بهما مني ومنك.

ثم رفع يديه نحو السماء ، فقال : اللهمّ احفظهما بعينك التي لا تنام حيث كانا ، وأين كانا.

فهبط جبرائيل عليه‌السلام ، فقال : يا محمّد إن الله يقرئ السّلام عليك ، ويقول لك : يا محمّد لا تحزن عليهما ، فإنهما في حفظي ، وهما نائمان في حظيرة بني النجار ، وقد وكلت بهما ملكين يحفظانهما.

فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقمنا معه حتى [ أتى ] الحظيرة. فوجدهما نائمين ، فأكبّ عليهما ، وجعل يقبّل بين عيني كل واحد منهما حتى استيقظا ، فحملهما على عاتقيه ، وجعل يسرع في مشيته ويقول : نعم المطي مطيكما ، ونعم الراكبان أنتما ، وأبوكما خير منكما حتى دخل بهما المسجد.

ثم قال : والله لاشرفنكما اليوم كما شرفكما الله عزّ وجلّ. ثم أقبل على جماعة أصحابه ، ثم قال :

أيها الناس ألا انبئكم بخير الناس أبا وأما؟

قالوا : بلى يا رسول الله.

__________________

(١) وفي المناقب للخوارزمي : قال : من والدك وجدك؟ قلت : محمّد بن علي بن عبد الله بن العباس.

٣٧٤

قال : هذان الحسن والحسين أبوهما علي بن أبي طالب ، وأمهما فاطمة الزهراء سيدة النساء العالمين.

ألا انبئكم بخير الناس جدّا وجدة؟

قالوا : بلى يا رسول الله.

قال : هذان الحسن والحسين جدهما رسول الله ، وجدتهما خديجة أول من آمن بالله ورسوله (١).

ألا أخبركم بخير الناس عما وعمة؟

قالوا : بلى يا رسول الله.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذان الحسن والحسين عمهما جعفر ذو الجناحين ، وعمتهما أم هاني بنت أبي طالب ، ما أشركت بالله طرفة عين.

ألا أخبركم بخير الناس خالا وخالة؟

قالوا : بلى يا رسول الله.

قال : هذان الحسن والحسين خالهما قاسم بن رسول الله ، وخالتهما زينب [ بنت ] رسول الله.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله عزّ وجلّ ليعلم أن أباهما وأمهما وجدهما وجدتهما وخالهما وعمهما وعمتهما في الجنة.

قال : فلما سمع الشيخ مني هذا الحديث ، نظر ، وقال : من أين أنت يا فتى؟

قلت : من أرض الكوفة.

قال : أعربي أم مولى؟

__________________

(١) وفي بشارة المصطفى ص ١١٥ : وجدتهما خديجة الكبرى بنت خويلد سيدة نساء الجنة.

٣٧٥

قلت : عربي.

قال : أنت تحسن مثل هذا الكلام وتكون في مثل هذه الحال. فخلع عليّ خلعة وحملني على بغلة ورفع إليّ نفقة.

ثم قال لي : إن في مدينتا هذه أخا من إخوانك ، فإذا أنت خرجت من هذا الدرب الذي بين يديك ، فستراه جالسا على مسطبة له. فتقدم إليه ، وارو له من فضائل علي عليه‌السلام شيئا فانه سيغنيك عن جميع الناس.

فركبت البغلة ، فلما خرجت من الدرب الذي وصف لي بصرت بالرجل على ما وصفه لي فقصدت إليه ، ونزلت فسلّمت عليه.

فقال لي : إني لأعرف البغلة وأعرف الخلعة وما كساك وحملك من كساك إلا وأنت تحب أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقلت : أجل! قال : فحدثنا ممّا حدثته به.

فقلت : حدثني أبي عن جدي ، أنه قال : بينا نحن جلوس مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ دخلت فاطمة عليها‌السلام فقالت ـ وهي تبكي ـ : يا رسول الله ، إن نساء قريش يقلن لي إن أباك قد زوّجك رجلا فقيرا لا شيء له وقد خطبك أكابر قريش.

فقال لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة والذي بعث أباك بالحق واصطفاه بالرسالة ما زوّجتك عليا حتى زوّجتك الله إياه من فوق عرشه. اعلمي يا فاطمة إنه لما أراد الله عزّ وجلّ تزويجك عليا ، اوحى الى جبرائيل أن ناد في السماوات السبع.

فنادى جبرائيل عليه‌السلام ، فاجتمع الملائكة الى السماء الرابعة بازاء البيت المعمور. ثم أمر جبرائيل فنصب منبرا من نور عرشه وأمره

٣٧٦

أن يخطب ، ويزوجك عليا ، فكان الخاطب جبرائيل عليه‌السلام ، والولي الله ، والشاهد الملائكة.

ثم أوحى جلّ ثناؤه الى رضوان ـ خازن الجنان ـ أن زخرف الجنان ، وزين الحور. وأمر الله عزّ وجلّ شجرة طوبى أن احملي ، فحملت ، وأمرها أن تنثر على الحور من عجائب ما انتثر عليهم ، فكل حورية خلقت بعد ذلك ، فالتي خلقت قبلها تفتخر عليها بما عندها من نثار ملاكك.

يا فاطمة إن الله عزّ وجلّ نظر الى الأرض نظرة فاختار منها عليا فجعله لك بعلا.

يا فاطمة إن عليا وشيعته هم الفائزون.

قال : فلما سمع الرجل هذا الحديث ، قال لي : ممن تكون؟

قلت : رجل من أهل الكوفة.

قال : أعربي أم مولى؟

قلت : عربي.

فدفع لي ألف درهم وعشرين ثوبا (١) ، وقال لي : يا فتى قد وجب حقك وأراك محبا لعلي عليه‌السلام ومن شيعته ، وأنا أطرفك بشيء تحدث به من فضله فيه عبرة لمن سمعه.

قلت : وما هو؟

قال لي : إذا كان غدا ، فانطلق الغداة الى مسجد بني فلان لترى شيئا ما رأيت ولا سمعت مثله.

فو الله ما تمت ليلتي تلك ، ولقد طالت عليّ ، فلما أتيت المسجد ،

__________________

(١) وفي مناقب الخوارزمي ص ٢٠٧ : أمر لي بعشرة آلاف درهم وكساني ثلاثين ثوبا.

٣٧٧

فوجدت الإمام يقيم الصلاة ، فنظر إليّ رجل ، فكأنه عرفني. فأخذ بيدي وتقدم معي الى الصف الأول ، فزحم بي ، فأدخلني بين رجلين.

فلما صلّينا أخذ بيدي وبيد أحد الرجلين ، ومال بنا الى ركن من أركان المسجد ، وتفرق الناس ، فنظرت الى الرجل الذي صلّيت الى جانبه متلثما ما يبين منه غير عينيه.

فقال له الرجل : هذا الرجل الذي بعث به إليك فلان.

فأقبل إليّ وسلّم عليّ ورحب بي ، وحدثني حتى آنست به ، ثم حسر اللثام عن وجهه. فنظرت الى وجهه وجه خنزير لا أشك فيه أنه كذلك ، فراعني ما رأيت.

فقال لي : يا بني أخبرك بما أرسلت إليّ أن أخبرك به. كنت من أجمل الناس وجها وأحسنهم خلقا ، وكنت أرى رأي الخوارج ، فغلوت في ذلك ، وكنت كلما أذنت لصلاة ، أسبّ عليا عليه‌السلام وألعنه ـ ما بين أذاني وإقامتي للصلاة ـ مائة مرة ، حتى كان بيوم جمعة ، فلعنته خمسمائة مرة ، ثم صلّيت.

فلما قضيت الصلاة انصرفت الى منزلي (١) ، فوضعت جنبي ، فنمت ، فرأيت من منامي روضة خضراء مزخرفة وفيها نفر جلوس لم أر أحسن منهم ، معهم شبابان بأيديهما إبريق وكأس من فضة ، ورجل هو أفضل الجماعة فيما يرى ، وأحسنهم وجها ، وهيئة. يقول للشابين : اسقياني. فسقياه. ثم قال : اسقيا أباكما. فسقيا رجلا الى جانبه. ثم قال : اسقيا عم أبيكما حمزة. فسقيا رجلا (٢). ثم قال : اسقيا

__________________

(١) وفي الاصل : منزلتي.

(٢) هكذا في نسخة هـ وفي الاصل : اخرف.

٣٧٨

عمكما (١) جعفر. فسقياه آخر. فكأني قد لغبت (٢) عطشا.

فسألت الرجل أن يأمرهما أن يسقياني. فقال لهما : اسقيا هذا.

فقالا : لا يا رسول الله ، إنه يلعن أبانا كل يوم مائة مرة ، وقد لعنه اليوم خمسمائة مرة (٣).

فقال : نعم لا تسقياه ، لا سقاه الله بل لعنه بكل لعنة ألف لعنة. ثم قال : اللهمّ شوّه خلقه في الدنيا ، واجعله آية لمن رآه من عبادك.

فانتبهت من نومي ، وقد أنكرت نفسي ، وضربت بيدي الى وجهي ، فإذا هو على ما تراه ، فأنا منذ ذلك الوقت أترحم على علي عليه‌السلام واصلّي عليه أضعاف ما كنت ألعنه. فلعل الله أن يكفّر عني ما سلف.

قال الأعمش : ثم قال لي أبو جعفر ، فهل سمعت بهذا الحديث يا سليمان؟

قلت : لا (٤).

ثم جعل يحدثني بفضائل علي عليه‌السلام ويسألني واحدثه حتى

__________________

(١) وفي الاصل : اسقيا عمك.

(٢) أي ضعفت.

(٣) وفي مناقب الخوارزمي : كل يوم الف مرّة ولعنه اليوم أربعة آلاف مرّة.

(٤) واضاف في مناقب الخوارزمي : قال : يا سليمان حب علي إيمان وبغضه نفاق لا يحب عليا إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر.

فقلت : يا أمير المؤمنين لي الأمان؟

فقال : لك الأمان.

فقلت : ما تقول فيمن يقتل هؤلاء؟

قال : في النار ولا أشك في ذلك. قلت : فما تقول فيمن قتل أولادهم وأولاد أولادهم؟

قال : فنكس رأسه ثم قال : يا سليمان الملك عقيم ، ولكن حدّث عن فضائل ...

٣٧٩

أصبح.

[٧٣٥] علي بن إبراهيم بن الهاشم ، باسناده ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي الحمراء ـ خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ.

قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : رأيت ـ ليلة اسري بي ـ على العرش مكتوبا لا إله إلا أنا وحدي ، خلقت جنة عدن بيدي ، محمّد صفوتي من خلقي ، أيدته بعلي.

[٧٣٦] إسحاق بن أحمد البخاري ، باسناده ، عن أنس بن مالك ، أنه قال : نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى علي عليه‌السلام ، فقال :

سيد في الدنيا وسيد في الآخرة ، يا علي حبيبك حبيبي ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوك عدوي ، وعدوي عدو الله. [ فطوبى لمن أحبك من بعدي ] (١).

[٧٣٧] محمّد بن الحسين ، باسناده ، عن أبي علقمة ، قال : صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما صلاة الفجر ، فلما سلّم ، التفت إلينا.

فقال : ألا أخبركم برؤيا رأيتها البارحة في منامي؟

قلنا : بلى يا رسول الله.

قال : رأيت عمي حمزة وابن عمي جعفر رضوان الله عليهما وبين أيديهما طبق فيه نبق ، فأكلا منه مليّا ، ثم تحول النبق عنبا ، فأكلا منه مليا ، ثم تحول العنب رطبا ، فأكلا منه مليا. فقلت لهما بأبي وأمي قد صرتما الى الآخرة وعملتما ، فأي الأعمال في الدنيا أفضل؟ فأخبراني أيها وجدتما أفضل؟

فقالا : فديناك بالآباء والامهات وجدنا أفضل الأعمال : الصلاة

__________________

(١) ما بين المعقوفتين زيادة موجودة في بشارة المصطفى ص ١٦٠.

٣٨٠