شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١١

تؤذه ، وقل لأبي بكر ، فليصلّ بالناس.

فخرج إليه ، فأخبره ، فتقدم ، فسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صوته ، فقال : ما هذا؟

فقالوا : عائشة أمرت أبا بكر أن يصلّي بالناس.

فقال : إنكن صويحبات يوسف عليه‌السلام.

وأخذ بيد علي صلوات الله عليه يتوكأ عليه ، وخرج ، فأخرج أبا بكر من الصلاة ، وصلّى بالناس. ومات من يومه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهذا هو الخبر الصحيح الذي يثبته أوله آخره ، ويثبت نقله بصحته.

فأما ما روته العامة في ذلك ، فقد اختلفوا فيه. ففي خبر عائشة ما قد ذكرناه. وفي خبر أنس بن مالك ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يخرج ، وأن أبا بكر صلّى بالناس دونه. والخبران جميعا عن وقت واحد وصلاة واحدة.

وفي حديث عبد الله بن عمر ، أن أبا بكر صلّى بهم أياما.

وفي حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأبيه عبد الله ـ : قل للناس فليصلّوا ، ولم يأمره بأن يصلّي بهم أحد. وأن عبد الله لقي عمر ، فقال له : صلّ بالناس ، وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنكر صلاة عمر بهم. وقال : يصلّي بالناس أبو بكر.

وفي بعض هذه الأخبار أنه أمر بلالا. وفي بعضها أنه أمر ابن أمّ مكتوم. وفي بعضها أنه أمر عبد الله بن عتبة ، فلم يبق شيء من التناقض إلا دخل هذا الحديث.

ومن قولهم إن الخبر إذا اختلف فيه مثل هذا الاختلاف لم تقم به حجة إذ لا يعلم أيّ الوجوه كان وجهه ، فتقوم الحجة به.

٢٤١

ولو ثبت هذا الخبر ، وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس لم يكن له في ذلك فضل علي عليه‌السلام لأن عليا صلوات الله عليه لم يكن بإجماع منهم في القوم الذين صلّى بهم أبو بكر ، وأنه كان عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومسنده الى صدره ، ولم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن كان كما زعموا أمر أبا بكر بالصلاة أن يدع الصلاة بل قد صلّى ، فصلاة علي عليه‌السلام مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من صلاة أبي بكر بالناس لا يدفع ذلك دافع ، وقد قدّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل على أبي بكر وعمر ، وكان يصلّي بهما ، فلم يقل أحد منهم إن عمرو بن العاص أفضل من أبي بكر وعمر. وكذلك فقد بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعوثا وسرايا ، وأمر عليهم الامراء ، وكانوا يصلّون بهم ، فلم يدع أحد منهم بذلك الإمامة. وقد استخلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام في غزوة تبوك على المدينة ، فأقام يصلّي بالناس مذ خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى أن انصرف. واستخلف أيضا في بعض غزواته أبا لبابة (١) ، وفي بعضها ابن أمّ مكتوم (٢) ، وفي بعضها أبا ذر الغفاري. واستخلف عباد بن أسد بمكة ، فصلّى كل واحد منهم مدة ما غاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الناس بالناس ، وذلك أكثر من صلاة أبي بكر ، لو قد ثبت أنه صلّى.

ولو كانت الصلاة توجب الإمامة كما قالوا لم يكن لأبي بكر أن يقدّم عمر على الناس. وقد أنكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما رووا صلاته

__________________

(١) بشير وقيل اسمه رفاعة بن عبد المنذر الانصاري.

(٢) وهو عمرو بن قيس بن زائدة بن الاصم ( جندب ) بن هرم بن رواحة القرشي العامري المؤذن ، وأمه أمّ مكتوم عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة. وهو ابن خال خديجة أم المؤمنين هاجر الى المدينة واشترك في فتح القادسية ، واشهد بها.

٢٤٢

بهم ، وفيهم جماعة قد قدّمهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الصلاة وأكثر ما تعلقوا به في تقديم أبي بكر بالصلاة. وقد بينا فساد النقل فيها ، واضطرابه وتناقضه ، وأن ذلك ـ لو ثبت وصلح ـ لم يكن فيه حجة توجب الإمامة.

وقد أقام عمر الستة أصحاب الشورى ، وقصر الخلافة عليهم وأخرجهم كلهم من التقدمة ، وجعل الصلاة لصهيب فصلّى بهم أيام الشورى حتى تقدم عثمان ، وأكثرهم يرى الصلاة جائزة خلف البر والفاجر.

فهذه حجتهم بالصلاة وهي آكد حجة عندهم قد بينا فسادها بعد أن أثبتنا كلما بلغنا من روايتهم فيها ، ولم نقتصر على ما اقتصر عليه من ذكرنا قوله ، إذ اقتصر على حديث عائشة وحده وضعفه لئلاّ يأتي من يريد إثبات ذلك بغيره ، ممّا ذكرناه فيشتبه الأمر فيه على من قصر علمه وقلّ فهمه.

فأما ما ذكره القائل الذي قدمنا ذكر قوله عنهم من أنهم قالوا لعل لأبي بكر فضائل لم نقف عليها ، فقد ذكروا له فضائل بزعمهم ، ولسنا نقول إنه لم تكن له فضيلة ولا سابقة ، بل قد ذكرنا أنه قلّ من يذكر من الناس بخبر إلا وله فضيلة يذكر بها ، ولكن قد ذكرنا أن من اجتمعت فيه الفضائل أفضل ممن لم يكن فيه إلا بعضها ، ومن له فضيلة ما لا يجب أن يقاس به أهل النقص منها.

[ اسلام أبي بكر ]

وممّا رووا من فضائل أبي بكر قديم إسلامه ، وأن إسلام علي عليه‌السلام قبله كان وهو غير بالغ. وقد ذكرت فيما تقدم فساد ما احتجوا به من ذلك مختصرا وفيه كفاية من التطويل ، وقد ذكر هذا القائل الذي حكينا قوله في إسلام علي عليه‌السلام ، فقال : قد أجمعوا على أن عليا عليه‌السلام أسلم قبل أبي بكر ، إلاّ أنهم زعموا أن إسلامه كان وهو طفل.

٢٤٣

قال : فقد وجب تصديقنا في أنه أسلم قبل أبي بكر ، ودعواهم في أنه أسلم وهو طفل غير مقبولة إلاّ بحجة.

قال : فان قال قائل : وقولكم إنه أسلم وهو بالغ ، دعوى مردودة (١).

قلنا : أما الإسلام فقد ثبت وحكمه قد وجب له بالدعوة والإقرار ، ولما دعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإسلام وأمره بالإيمان ، وبدأ به قبل الخلق ، علمنا أنه لم يفعل ذلك به وإيمانه لا يجوز (٢).

فإن قيل : قد يكون فعل ذلك به تأديبا.

قلنا : إنما يكون ذلك في دار الإيمان على النشوء والولادة ، فأما في دار الشرك والحرب ، فليس يجوز لا سيما عند بدء الدعوة والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن ليدع ما امر به ، وأرسل إليه ، ويقصر الى دعاء الأطفال ودعاءهم لا يجوز ، والدار دار الشرك ، فليس يجوز أن يشتغل بالتطوع قبل الفريضة ، وما باله ولم يدع غير علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، وليس في سنّة أن يدعى أطفال المشركين إلى الإسلام ، ويفرق بينهم وبين آبائهم.

قال هذا القائل : وللبالغ حدّ وحدود في الناس تفاضل في سرعة البلوغ وكمال العقول ، وذلك معروف فيما عليه الناس من التفاضل في العلم. وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في صغر سنّه يعرف بالوقار والحلم والصدق ورجاحة العقل ، وكانت منزلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك على خلاف ما يتعارف من منازل الاطفال ، وكان علي صلوات الله عليه لا حقا له في ذلك ، ولذلك استحق أن يكون منه بمنزلة هارون من موسى عليه‌السلام. وقد قال الله عزّ وجلّ في يحيى : ( وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) (٣)

__________________

(١) المعيار والموازنة : ص ٦٦.

(٢) هكذا في نسخة ـ ج ـ وفي الأصل : لا يكون.

(٣) مريم : ١٢.

٢٤٤

فاختصاص الله من يختصه بفضله لا يقاس بالمتعارف في الناس لأن الخصوص غير العموم ، وذكر هذا القائل في مثل هذا حججا كثيرة قد قدمنا قبل هذا ما يغني عنها ، ويكفي من جملتها وغيرها ، ولو لم يكن إسلام علي صلوات الله عليه يعد إسلاما ما كان يفخر به على أهل الشورى ويقروا بفضله ، ويذكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويعده في مناقبه ، وقد تقدم القول بذلك في غير موضع من هذا الكتاب ، وهذا أيضا كما ذكرنا ممّا يدفعه فعل أبي بكر لأنه قد قدم عمر وفي المسلمين الذين قدمه عليهم كثير ممن هو أقدم إسلاما منه ، وممّا رووه من فضائله أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سماه صديقا ، وقد ذكرنا فيما تقدم في روايات كثيرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي صلوات الله عليه : أنت الصديق الأكبر. وقد جاء هذا الاسم في كتاب الله عزّ وجلّ عاما للمؤمنين ، وذلك قول الله عزّ وجلّ : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) (١) وإن كان ذلك الخصوص فلم كانت لأبي بكر خاصة دون أن يكون بها أفضل دون غيره؟ ولذلك قال لهم : وليتكم ولست بخيركم.

[ مصاحبته في الغار ]

وقالوا : من فضائله ، كونه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار وأن الله قد وصفه بصحبته ، فقال : ( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ) (٢).

فقال بعض من ناظرهم في ذلك من الشيعة (٣) : إن الصحبة قد تكون

__________________

(١) الحديد : ١٩.

(٢) التوبة : ٤٠.

(٣) وهو مؤمن الطاق أبو جعفر محمّد بن النعمان مع ابن أبي حذرة عند أبي نعيم النخعي ، راجع احتجاج الطبرسي ٢ / ٣٧٨.

٢٤٥

للبرّ والفاجر ، وقد وصف الله تعالى في كتابه صحبة مؤمن لكافر فقال ) (١) : ( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً. وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً. قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً. لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً ) (٢) قال : وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ) (٣) نهى له عن الحزن الذي كان منه وكراهية له ، ولو لا أنه كان معصية لما نهاه عنه لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ينهى عن الطاعة ، وإنما ينهى عن المعصية.

وقالوا : فيما ادّعوه له من الفضل في قوله ( إِنَّ اللهَ مَعَنا )؟

فإن الله عزّ وجلّ مع كل أحد كما قال سبحانه : ( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ ) (٤). وقال سبحانه : ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ ) (٥). وقال سبحانه : ( إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) (٦). فقد ذكر انه مع البرّ والفاجر.

قال : وقد كان مقام علي عليه‌السلام في اضطجاعه على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حينئذ باذلا نفسه دونه. وقد أخبره أن المشركين تمالئوا عليه ليقتلوه ، وكان في ذلك أفضل من أبي بكر.

وذكروا من فضائل أبي بكر أنه كان أسلم وهو ذو مال ، فأنفقه في سبيل الله وواسى به في حال العسرة ووقت هجرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من نسخة الاصل موجودة في نسخة ـ ب ـ.

(٢) الكهف : ٣٥ ـ ٣٨.

(٣) الحديد : ١٩.

(٤) المجادلة : ٧.

(٥) النساء : ١٠٨.

(٦) النحل : ١٢٨.

٢٤٦

فيقال لهم : ذلك لا يجهل ولا ينكر أن له فيه فضلا ، فأما أن يكون يساوي بذلك الفضل عليا عليه‌السلام فضلا أن يفوقه فلا ، لأن الله عزّ وجلّ فرض على المؤمنين الجهاد في سبيله بأموالهم وأنفسهم.

فالمجاهد بنفسه وبما قدر عليه من ماله وإن قلّ أفضل من المجاهد بماله دون نفسه وإن كثر ، لأن بذل النفس والقليل من المال الذي لا يبقى باذله لنفسه غيره أفضل من بذل بعض المال ، والشح بالنفس. ولم يزل علي عليه‌السلام مذ أسلم يبذل نفسه وما قدر عليه ووجده من المال في سبيل الله عزّ وجلّ ، وليس أبو بكر ولا غيره ممن يقاس به في ذلك ولا يدانيه فيه لأن بذل المال إذا ذهب قد يخلف وليس في ردّ النفس إذا ذهبت حيلة.

[ هجرته مع الرسول ]

وزعموا أن من فضائل أبي بكر هجرته مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة الى المدينة ، وصحبته إياه في هجرته هذه وحده دون سائر الناس غيره ، وفي ذلك فضل.

وفضل علي عليه‌السلام في المقام أياما بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما استخلفه عليه ، وأقام له من الخلافة على أهله وقضاء ديونه وأداء ما كان عنده من الأمانات والودائع الى من كان ذلك له على حنق المشركين عليه لأنهم أرادوه ليلة خروجه ، فاضطجع لهم مضجعه ، وغيرهم بنفسه وستر عنهم أمره ولما يعلمون من محله منه ، فكانوا أشد الناس حنقا عليه ، لكن الله عزّ وجلّ حماه منهم ومنعه وصرف بأسهم عنه.

فكان مدة ما أقام علي صلوات الله عليه بمكة في خوف شديد وتهديد ووعيد ووحشة من فقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفقد ما جرت طباعه عليه من الأنس به والكون معه. وسار أبو بكر الى المدينة في حال أمن ودعة

٢٤٧

وبرّ وسعة ، ففضل علي عليه‌السلام في ذلك على أبي بكر لا يجهل ولا يخفى ولا يستتر.

[ سيّد كهول الجنّة ]

وممّا آثروه من فضائل أبي بكر أنهم زعموا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة.

وذلك لم يثبت. وان ثبت فليس يوجب لهما فضلا على علي عليه‌السلام لأن الجنة لا يدخلها الكهول ولا الشيوخ وإنما يدخلها ( أهلها شبابا ) (١) كما جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . فقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إن كان قال ذلك ، فإنما سودهما على من شهد له بالجنة من كهول أصحابه. وعلي عليه‌السلام يومئذ دون الكهولية ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما.

فهذا أبلغ من الفضل لأن سيادة الحسن والحسين لشباب أهل الجنة قد تكون لجميع من فيها إذ هم شباب كلهم ، وأبان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا صلوات الله عليه بدرجة فوق درجتهما ، فالذي جاء فيه أفضل ممّا جاء في أبي بكر.

[ أصحابي كالنجوم ]

وقالوا من فضائل أبي بكر : قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اقتدوا بالّذين من بعدي أبي بكر وعمر.

وقد روي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّ بهذا جميع أصحابه ،

__________________

(١) ما بين القوسين من نسخة ـ ج ـ.

٢٤٨

فقال : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رضيت لامتي بما رضى لها ابن أمّ عبد ـ يعني ابن مسعود ـ (١). فهذا قول عمّ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يخصّ ، فيكون الفضل فيه لمن خصّ به.

[ قرب مجلسه من مجلس الرسول ]

وقالوا : من فضائل أبي بكر أن رسول الله صلوات الله عليه كان يقرب مجلسه.

وقرب المجلس ليس ممّا يوجب الفضل ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفد عليه من وفود العرب ، فيقرب ذوي الأسنان منهم وأهل التقدمة فيهم ، وبحضرته من أصحابه من هو أفضل عند الله وعنده ممن قربه منهم ، وفرش لأحدهم رداءه (٢) ، وقال : إذا أتاكم كريم قوم ، فأكرموه. ومن المتعارف في الناس أن الرجل يقرب من أتاه ممن يبعد منه دون أهله وخاصته وولده ، مع أنه قد جاء من تقريبه لعلي صلوات الله عليه وقوله فيه ما ذكرناه ممّا لا يجهل فضله على أبي بكر وغيره ( وأشهر ذلك وأفضله ) (٣) سدّه أبوابهم في مسجده وترك باب علي عليه‌السلام معه فيه وهذا هو القرب الحقيقي وأنه دعاه عند موته واستند الى صدره ومات كذلك مستندا إليه.

[ خليفة الرسول ]

وقالوا : من فضائل أبي بكر أن سماه المسلمون خليفة رسول الله صلّى الله

__________________

(١) أي عبد الله بن مسعود.

(٢) كما هو معروف لا سارى طي حينما وفودوا عليه وفيهم بنت حاتم الطائي. ففرش (ص) رداءه لها ، وأجلسها.

(٣) ما بين القوسين سقط من نسخة الاصل موجودة في نسخة ـ ب ـ.

٢٤٩

عليه وآله لما استخلفه على الصلاة.

فقد ذكرنا فساد قولهم في الصلاة ، وأحق بأن يسمّى خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من استخلفه على أهله وعلى امته ، وقد ذكرنا فيما تقدم استخلافه عليا عليه‌السلام ، وقوله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى. وقد كان هارون (١) خليفة موسى في قومه. وحكى الله عزّ وجلّ عنه ذلك بقوله تعالى : ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) (٢).

[ وزير الرسول ]

وقالوا : من فضائل أبي بكر ، قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : وزيراي من أهل السماء جبرائيل وميكائيل ، ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر.

فهذا الحديث إن ثبت ، ليس بموجب لهما فضلا على علي صلوات الله عليه بما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيهما ، لأن الوزارة إنما توجب المشاورة والرأي ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي عليه‌السلام : أنت أخي ووليي وأنت كنفسي ، وأنت مني وأنا منك. وهذه أحوال تفرق الوزارة وقد ذكرناها ، وغيرها ممّا هو في مثل حالها فيما تقدم ، وذكرت قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لبني عبد المطلب إذ جمعهم : يا بني عبد المطلب إن الله لم يبعث نبيا إلا جعل له أخا ووزيرا ووارثا ووصيا وخليفة في أهله ، فمن يقوم منكم فيبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أهلي ، وإمساكهم ، وقوله كذلك ثلاثا.

ثم قوله : لئن لم يقم قائمكم لتكونن في غيركم ، ثم لتندمن. وقيام علي عليه‌السلام من بينهم ومبايعته إياه على ما دعاهم إليه.

__________________

(١) أخو موسى الكليم ، وأول أحبار بني إسرائيل أرسله موسى ليتكلم عنه عند فرعون.

(٢) الأعراف : ١٤٢.

٢٥٠

[ أفضل الامّة بعد نبيّها ]

وقالوا : إن من فضائل أبي بكر أن عليا عليه‌السلام قال : أفضل هذه الامة بعد نبيها أبو بكر وعمر ، ولا أجد أحدا يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حدّ المفتري.

فهذا حديث لا يصح لما فيه من الباطل ، والحد لا يجب على من فضل مفضولا على فاضل. ولو قال : أفضل الناس أبو بكر لم يكن ذلك ممّا يوجب فضله عليه ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أقلّت الغبراء ، ولا أظلّت الخضراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر. فلم يكن أبو ذر بهذا القول أصدق من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذا من المتعارف في الكلام أن يقول الرجل : فلان أكرم الناس ، وأجود الناس ، ولا يعني بذلك أنه [ لا ] أكرم ولا أجود منه. ويحلف أنه لا دخل داره أحد من الناس ، ويدخل هو فلا يحنث ، ويقول : ما أجد في الناس أحبّ إليّ من فلان ، ونفسه أحبّ إليه منه.

وقد روى بعضهم هذا الخبر مفسرا ، وأنه قيل له : فأنت؟

قال : نحن أهل بيت لا يقاس بنا غيرنا.

وقد يكون قوله صلوات الله عليه خير هذه الامة بعد نبيها أبو بكر وعمر على معنى أن من ولي مكانهما بعدهما من المتغلبين شر على الامة. وأنهما خير منهم في سيرتهما في الناس.

تمّ الجزء السابع من شرح الأخبار في فضائل الائمة الأطهار ، والحمد لله على نعمه ، وصلواته على رسوله سيّدنا محمّد وعلى آله الائمة الطاهرين وسلامه وتحياته ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

٢٥١
٢٥٢

٢٥٣
٢٥٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[ الأمر بطاعة أمير المؤمنين ]

ما جاء في الأمر بطاعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه واتباعه ، والكون معه.

[٥٥١] الدغشي ، باسناده ، عن عمران بن حصين (١) ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : علي ولي كل مؤمن بعدي.

[٥٥٢] ( عن أبي إسحاق ، أنه قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه ) (٢).

[٥٥٣] وبآخر ، عن عبد الله بن عباس ، أنه قال : علي ولي كل مؤمن.

[٥٥٤] وبآخر ، عن عبد الله بن المسحر ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : علي أولى المؤمنين بالمؤمنين بعدي.

[٥٥٥] وبآخر ، عن البراء بن عازب (٣) ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقام عليا عليه‌السلام للناس ، وقال : هذا وليكم من بعدي.

فقال عمر : ليهنك يا علي أصبحت ـ أو قال : أمسيت ، أو أنت ـ

__________________

(١) وهو عمران بن حصين بن عبيد بن عبد نهم بن حذيفة توفي ٥٢ ه‍.

(٢) ما بين القوسين زيادة من نسخة ـ ج ـ.

(٣) أبو عامر البراء بن عازب بن عدي بن جشم الاوسي الانصاري الخزرجي ولد ١٠ قبل الهجرة من أصحاب الرسول (ص) ومن أصفياء أصحاب أمير المؤمنين (ع) ( رجال الخوئي ٣ / ٢٧٥ ). نزل الكوفة ومات بها أيام مصعب بن الزبير سنة ٧٢ عن عمر يناهز ٨٢ سنة. وهو أخو أنس بن مالك من أمه.

٢٥٥

ولي كل مؤمن.

[٥٥٦] وبآخر ، عن أبي إسحاق ، أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت وليه فعلي وليه.

[٥٥٧] أبو قتادة ، باسناده ، عن أبي إسحاق ، عن جدي العامري ، قال : لما خرج علي عليه‌السلام الى أصحاب الجمل أردت الخروج معه ، فوجدت في نفسي ، فركبت الى المدينة ، فأتيت منزل ميمونة زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاستأذنت ، فأذنت لي ، فقالت : فمن الرجل؟

قلت : من بني عامر.

قالت : فما حاجتك؟

قلت : إن عليا خرج الى الوجه الذي علمت ، فأردت الخروج معه ، فوجدت في نفسي من ذلك ، وجئت أسألك.

قالت : اخرج معه ، فإنه لن يضل ولن يضل.

قال أبو إسحاق : وما شك [ في ] علي إلا فاسق.

[٥٥٨] محمّد بن مخلد ، باسناده ، عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه ، أنه قال : لما بايع الناس أبا بكر قام فيهم سلمان : فحمد الله تعالى ، وأثنى عليه.

ثم قال : أيها الناس اسمعوا مني حديثا واعقلوه ، فإني اوتيت علما كثيرا ، ولا احدثكم إلا بما أعلم ، إن لكم بلايا تتبعها منايا ، وإن عند علي عليه‌السلام علم ذلك ونبأه ، فاتبعوه واسألوه.

[٥٥٩] زياد بن المنذر الهمداني ، عن أبي سخيلة (١) البصري ، قال : حججت

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : عن أبي سهيل البصري.

٢٥٦

مع سليمان بن ربيعة (١) فمررنا بأبي ذر الغفاري رحمة الله عليه بالربذة (٢) ، فأتيته ، فقلت : يا أبا ذر أوصني بما أنتفع به ، فإني أرى أمرا قد حدث ، واختلافا بين الناس قد وقع.

فقال : اوصيك باتباع كتاب الله عزّ وجلّ ، وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإني أشهد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لرايته وسمعته يقول : علي أول من آمن بي ، وأول من يصافحني (٣) يوم القيامة ، وهو يعسوب المؤمنين ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو الفاروق يفرق بين الحق والباطل.

[٥٦٠] حسن بن عطية العوفي ، عن أبيه ، عن عمران بن حصين ، قال : مرض علي عليه‌السلام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعاده وعدناه معه ، ومعنا عمر. فجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند رأس علي عليه‌السلام ، وجلس عمر عند رجليه ، فقال عمر : يا رسول الله ما علي إلا لما به.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده ، يا عمر لا يموت حتى يملأ غيظا ويوسع عذرا ، ويؤخذ من بعدي صابرا.

[٥٦١] الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، قال : كنت عند عمر ـ وأنا غلام ـ فرأيته قد خلا برجل من الأنصار ، وليس معهما أحد غيري.

فقال : إنا نتحدث بأحاديث ونكره أن تذاع عنا.

قال : فرأيته إنما عرض بي ، فقلت : أما أنا فو الله عزّ وجلّ ما اجالس أحدا.

__________________

(١) وفي بشارة المصطفى : مع سلمان الفارسي.

(٢) بالتحريك وإعجام الذال : قرية من قرى المدينة على ثلاثة أيام ( عمدة الأخبار ص ٣٢٢ ).

(٣) وفي نسخة ـ ج ـ : صافحني.

٢٥٧

فقال عمر : لا هذا ، ولا هذا ، عليك بالصفحة الجميلة.

قال : يعني لا تدع مجالستهم ولا تذع السر.

ثم أقبل على الأنصاري فقال : من تحدثون أن يؤمر بعدي؟

فقال الأنصاري : يظن الناس (١) فلانا فلانا ، وعدد رجالا ، ولم يذكر فيهم عليا عليه‌السلام ، أظنه للذي يعلم له في نفس عمر.

فقال عمر : فما ذكروا عليا. فسكت الأنصاري. فقال عمر : أما والله إني لأظن أنه لو ولي من اموركم شيئا لحملكم على الحق.

[٥٦٢] السري بن عبد الله ، باسناده ، عن عمران بن حصين الخزاعي (٢) ، أن بريدة دخل عليه [ في منزله ] (٣) لما بايع الناس أبا بكر ، فقال : يا عمران ، أترى القوم نسوا ما سمعوه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حائط بني فلان من الأنصار إذ كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فجعل لا يدخل عليه أحد يسلم عليه [ إلا ردّ ] ، ثم قال له : سلّم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

فلم يرد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحد إلا عمر ، فانه قال : أعن أمر الله أم أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عن أمر الله وأمر رسوله.

فقال له عمران : بلى والله إني لأذكر ذلك وأعرفه ، ولا أظنهم نسوه.

فقال له بريدة : أفلا تنطلق بنا الى أبي بكر ، فنسأله عن هذا

__________________

(١) هكذا في نسخة ـ ج ـ وفي الأصل : يذكر الناس.

(٢) أبو نجيد عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي ، أسلم عام خيبر وكانت معه راية خزاعة ولاه زياد قضاء البصرة وتوفي بها ٥٢ ه‍.

(٣) كل ما بين المعقوفات من كتاب اليقين ص ٧٥.

٢٥٨

الأمر ، فإن كان عنده عهد من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عهده إليه بعد ما كان منه في علي ، فإنه لا يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال عمران : فانطلقنا حتى دخلنا على أبي بكر ، فذكرنا ذلك له.

وقلنا : قد كنت أنت يومئذ فيمن سلّم على علي عليه‌السلام بامرة المؤمنين. فهل تذكر ذلك أم نسيته؟

فقال أبو بكر : بل أذكره ، وما نسيته.

فقال له بريدة : فهل ينبغي لأحد من المسلمين أن يتأمر على أمير المؤمنين؟ أو هل عندك بعد ذلك عهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عهده إليك ، وأمرك به؟ فإن كان ذلك فعرفناه ، فإنا نعلم أنك لا تقول على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا ما قال لك ، وعهده إليك.

فقال أبو بكر : لا والله ما عندي عهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أمر أمرني به ولكن المسلمين رأوا رأيا فتابعتهم على رأيهم.

فقال له بريدة : والله ما ذلك لك وللمسلمين أن يخالفوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال أبو بكر : أرسل الى عمر ، فلعل عنده من هذا علما.

فأرسل الى عمر ، فجاء.

فقال له أبو بكر : إن هذين سألاني عن أمر قد شهدته كما علمته.

وقصّ عليه القصة.

فقال عمر : قد سمعت ذلك وعندي المخرج منه.

فقال : وما هو؟

قال : إن النبوة والإمامة لا يجتمع في [ أهل ] بيت واحد.

٢٥٩

فقال له بريدة (١) ـ وكان رجلا مفوها جريا على الكلام ـ : يا عمر ، قد أبى الله ذلك عليك ، أما سمعته يقول في كتابه : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ) (٢) فقد جمع الله عزّ وجلّ لهم النبوة والملك.

قال : فغضب عمر حتى رأيت عينيه توقدتا ، وقال : لا أراكما جئتما إلا لتفرقا جماعة هذه الامة وتشتتا أمرها.

فقمنا ، وما زلنا نعرف في وجهه الغضب حتى مات.

[٥٦٣] سليمان [ بن ] أبي الورد ، باسناده ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، أنه قال : قلت لعلي عليه‌السلام : يا أمير المؤمنين ، أسألك لأحمل عنك ، وقد انتظرت أن تقول شيئا من أمرك فلم تقله ، أفلا تحدثني عن أمرك هذا؟ أكان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منه ذكر ، أم كان منه إليك فيه عهد ، أم هو شيء رأيته؟ فإنا قد أكثرنا فيك الأقاويل ، وأوثقها ما سمعناه منك ، ونحن نقول : إن الأمر لو كان لك بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينازعك فيه أحد ، فان كان هذا الرجلان أحق بما ولياه منك سلّمنا لهما ما مضى من فعلهما ، وأعطيناك بقدر ما انتهيت إليه ، والله ما أدري إذا سئلت ما أقول؟ أزعم أنهما أولى بما كانا فيه منك مع ما نصبك له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ

__________________

(١) وهو بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحرث بن الاعرج الأسلمي. وقيل : ان اسمه عامر ولقبه بريدة. سكن مرو ومات بها ٦٣ ه‍.

(٢) النساء : ٥٤.

٢٦٠