القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي
المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١١
امرأة أبيه من بعده في الجاهلية. وكان الوليد مع هذا العرق الخبيث والأصل السوء ، وما أنزل الله عزّ وجلّ فيه ، وأنه من أهل النار ، وشهادة النبي صلىاللهعليهوآله بالنار ، من سوء الحال بحيث لا يخفى حاله.
ولما ولاه عثمان الكوفة صلّى بالناس ـ وهو سكران ـ فلما سلّم التفت إليهم ، وقال : ازيدكم؟ (١) وشهد بذلك عليه عند عثمان ، فلم يجد بدا من عزله.
[ نعود الى الجواب ]
فهذا الوليد بهذا الحال قد عزل عثمان به سعد بن أبي وقاص على ما ذكرنا من حاله. فما امتنع سعد من أن يعتزل ، ولا قال لعثمان ، ولا لعمر قبله ـ إذ عزلاه ـ : لم تعزلاني؟ وما أحدثت حدثا ، ولا آويت محدثا ، كما قال معاوية ، أو تقول ذلك له ، ولا امتنع ، ولا كان أكثر ما قال في ذلك. إلا أنه لما قدم عليه الوليد بن عقبة عاملا مكانه وجاء بعزله ، قال له : ليت شعري اكست بعدنا أم حمقنا بعدك.
فقال له الوليد : يا أبا إسحاق ، ما كسنا ولا حمقنا ، ولكن القوم استاثروها.
فهذا فعل عثمان الذي يذكر معاوية أنه إمامه ومولاه ، فكان أولى به أن يقتدي بفعله ، ولا يحتج بشيء يخالفه فيه.
وأما قوله : إن عليا صلوات الله عليه لم يأخذ الخلافة من جهة التشاور
__________________
(١) وفيه يقول الخطيئة :
تكلم في الصلاة وزاد فيها |
|
علانية وجاهر بالنفاق |
ومجّ الخمر في سنن المصلي |
|
ونادى والجميع الى افتراق |
ازيدكم على أن تحمدوني |
|
فما لكم ومالي من خلاق |
كما أخذها عثمان ، ولا نصّ عليه عثمان كما نصّ أبو بكر على عمر ، ولا اجتمعت الامة عليه كما اجتمعوا على أبي بكر.
فالإمامة فريضة من الله عزّ وجلّ افترضها على عباده ، وأمرهم بطاعة من افترضها له من ائمة دينه كما افترض عليهم طاعته وطاعة رسوله صلىاللهعليهوآله ، ووصل هذه الطاعات الثلاث بعضها ببعض ، فقال جلّ من قائل : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١). ولم يفوض الطاعة إليهم فيقول لهم : أطيعوا من شئتم فيكون لهم أن ينصبوا إماما لأنفسهم يطيعونه ، وأن يقيموا نبيا أو الها من دونه ، ولكنهم إنما تعبّدوا بطاعة من اصطفاه عليهم ، وأقامه لهم من رسله ، فقال سبحانه : ( اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ ) (٢) ، وقال سبحانه : ( إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) (٣). وقال لإبراهيم : ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٤) ولم يكن النبي صلىاللهعليهوآله جعل للناس في حياته أن يولوا عليهم واليا ، ولا أن يؤمّروا على أنفسهم أميرا ، بل كان هو في أيام حياته الذي يؤمّر عليهم الأمراء ، ويولي الولاة ، وطاعته واجبة على العباد في حياته وبعد وفاته ، وسنّته متبعة من بعده كما كانت متبعه في وقته ، وقد أمّر عليهم عليا عليهالسلام وأخذ عليهم بيعته في غير موطن ، كما ذكرنا ذلك وبيناه في هذا الكتاب (٥) ، فكان علي صلوات الله عليه إمام الامة بنص رسول الله صلىاللهعليهوآله والتوقيف عليه كما يجب أن تكون كذلك الإمامة لا كما زعم هذا القائل : إنها تكون باختيار الناس وإجماعهم كما زعم أنهم أجمعوا على أبي بكر وما أجمعوا عليه كما قال :
__________________
(١) النساء : ٥٩.
(٢) الحج : ٧٥.
(٣) البقرة : ٣٠.
(٤) البقرة : ١٢٤.
(٥) وفي نسخة ـ د ـ : في ذلك الكتاب.
ولا عقد له ذلك إلا نفر منهم ، وهذا ما لا يدفع ولا ينكر.
ولو لم تجب الإمامة للإمام حتى يجتمع الناس عليه ، ما أجمعوا على إنسان أبدا.
وإن كانت كما زعم إنما تجب باجماع الناس ، فلم أقام أبو بكر عمر دونهم ، وأنكروا عليه إقامته ، فلم يلتفت الى إنكارهم إذ اجتمعوا إليه ، فقالوا : نناشدك الله أن تولي علينا رجلا فظا غليظا.
فقال : أبا لله تخوفونني! أقعدوني.
فأقعدوه.
فقال : نعم إذا لقيت الله عزّ وجلّ ، قلت له : إني قد وليت عليهم خير أهلك.
فإن كانت الإمامة لا تجب إلا بإجماع الناس ، فقد أخطأ أبو بكر في توليته عمر عليهم ، وهم له كارهون ، وعمر في ولايته عليهم وهم عليه غير مجتمعين.
وفي اقتصار عمر بها على ستة من بعده جعلهم فيها يتشاورون دون جميع المسلمين. فلا هو اقتدى بفعلهم في أبي بكر ، ليجمعوا كما زعم هذا القائل على من رأوه ، ولا هو نصّ على رجل بعينه كما نصّ أبو بكر عليه.
والإمامة فريضة من فرائض الدين وليس للناس أن يحيلوا فريضة من فرائض دينهم ، ولا أن يزيدوا فيها ولا أن ينقصوا منها ، فالاستحالة إنما كانت في عقد الإمامة من قبل من جعلهم هذا القائل حجة لنفسه بزعمه ، وأخذ علي عليهالسلام الإمامة إنما كان من الذي أوجب الله عزّ وجلّ أخذها منه عن رسول الله صلىاللهعليهوآله .
وقد تقرر (١) القول فيما تقدم من هذا الكتاب بذكر ذلك وما يؤيده
__________________
(١) وفي الأصل : وقد تكرر.
ويشهد له ويثبته (١) ويؤكد صحته.
وأما قوله : إنه لم يكن له أن يسلّم إليه علقا (٢) في الفرقة كان تسلّمه من أهله في الجماعة.
[ الجماعة ]
فالجماعة في المتعارف في اللغة : قوم مجتمعون على أمر ما كان. فإن اجتمعوا على حق كانت جماعتهم جماعة محمودة ، وإن اجتمعوا على باطل كانت جماعتهم جماعة مذمومة.
والقول في الجماعة والاجتماع يخرج من حدّ هذا الكتاب ، وقد أثبتنا منه صدرا كافيا في كتاب اختلاف اصول المذاهب ، فمن أثر علم ذلك وجده فيه إلا أنا نذكر في هذا الكتاب طرفا منه يكتفي به إن شاء الله تعالى.
وذلك إنا إنما وجدنا ذكر الجماعة يجرئ مع قولهم أهل السنّة والجماعة. فالسنّة : سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآله . والجماعة المحمودة : هي الجماعة المجتمعة عليها وعلى القول بكتاب الله عزّ وجلّ ، وبما جاء عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، كما كانت الجماعة التي كانت كذلك مع رسول الله صلىاللهعليهوآله تتبعه وتأخذ عنه ولا تفارقه ، هي الجماعة المحمودة. والمفارقون له ، وإن اجتمعوا وكثروا ، فليسوا بجماعة محمودة. وعلى ذلك تكون الجماعات من بعده ، وقد جاء عنه صلىاللهعليهوآله أنه قال : افترق بنو إسرائيل على اثنين وسبعين فرقة ، وستفترق امتي (٣) على ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة واحدة ناجية وسائرها هالكة في النار.
__________________
(١) وفي نسخة ـ أ ـ : يبينه.
(٢) العلق : الشيء النفيس.
(٣) وفي نسخة ـ ج ـ : على امتي.
قيل : يا رسول الله ، ومن الفرقة الناجية؟
قال : أهل السنّة والجماعة.
قيل : ومن أهل السنّة والجماعة؟
قال : الذين هم على ما أنا اليوم عليه وأصحابي (١).
وقد ذكرت أن الذي كان عليه رسول الله صلىاللهعليهوآله وأصحابه ، إنه لم يكن يتقدم عليهم ، ولا يتأمر عليهم إلا من قدمه رسول الله صلىاللهعليهوآله وأمّره ، وهذا ما لا اختلاف فيه بين المسلمين أعلمه. فأصحاب السنّة والجماعة بعده كذلك من اتبع من قدمه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأمن عليهم ، وإن قلّ عددهم ، ومن خالف في ذلك سنّته ، وقدم من لم يقدمه ، وأمرّ من لم يؤمره ، فليسوا من أهل السنّة والجماعة المحمودة وهم أهل جماعة مذمومة.
وقد سئل علي صلوات الله عليه من أهل السنّة ، ومن أهل الجماعة ، ومن أهل البدعة؟
فقال : أما أهل السنّة فالمستمسكون بما سنّه رسول الله صلىاللهعليهوآله وان قلوا ، وأما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلّوا (٢) ، وأما أهل
__________________
(١) رواه الترمذي وحسنه الالباني في صحيح الجامع : ٥٢١٩.
(٢) ونعم ما قاله الشافعي رحمهالله :
ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم |
|
مذاهبهم في أبحر الغي والجهل |
ركبت على اسم الله في سفن النجا |
|
وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل |
وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم |
|
كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل |
إذا افترقت في الدين سبعون فرقة |
|
ونيف كما جاء في محكم النقل |
ولم يك ناج منهم غير فرقة |
|
فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل |
أفي الفرق الهلاك آل محمّد؟! |
|
أم الفرقة اللاتي نجت منهم قل لي |
فإن قلت في الناجين فالقول واحد |
|
وإن قلت في الهلاك حفت عن العدل |
البدعة فالمخالفون لأمر الله عزّ وجلّ وكتابه ورسوله والعاملون بآرائهم ، وأهوائهم في دينه.
المبتدعون ما لم يأت عن الله تعالى ولا عن رسول صلىاللهعليهوآله ، وليس يقع اسم الجماعة على قوم مختلفين في دينهم ، وأحكامهم ، وحلالهم ، وحرامهم يقول كل واحد منهم في ذلك برأيه ، حتى يجتمعوا على ما في كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة رسوله صلىاللهعليهوآله .
فالجماعة المحمودة إنما هي جماعة الحق التي اجتمعت عليه ، والحق جامعها وعلتها. فمن كان عليه فهو من الجماعة المحمودة ولو لم يكن إلا واحدا.
وقد جاء عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنه قال للمؤمن : المؤمن وحده جماعة.
وقال الله عزّ وجلّ : ( إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً ) (١).
وقد جاء عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنه قال ـ في غير واحد ذكره ـ : يبعث يوم القيامة امة وحده ، فليس ينقض صاحب الحق ولا يضعه (٢) عن درجته افتراق الناس عنه ولا يزيده في ذلك اجتماعهم عليه.
[ تقديم المفضول على الفاضل ]
وقد جاء عن بعض المتكلمين ، أنه قال ـ في أهل الفضل الذي تكلمنا عليه بعينه ـ : أكثر الناس يغلطون في حكم الإجماع في هذا المكان ويلحقون
__________________
إذا كان مولى القوم منهم فإنني |
|
رضيت بهم لا زال في ظلهم ظلي |
فخلّ عليا لي إماما ونسله |
|
وأنت من الباقين في اوسع الحل |
(١) النحل : ١٢٠.
(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : ولا يدعه.
بغير شكله ، ويقول : إن الناس إنما اجتمعوا على تفضيل الفاضل لفضيلة وجدوها فيه.
فالاجتماع تبع الفضيلة الموجودة ، وليست الفضيلة تبعا للإجماع الذي كان منهم.
واذا كان الفضل في الفاضل موجودا فعليهم الإجماع عليه ، فإن اختلفوا فلا يبعد الله إلا من ظلم وخالف الحق ، والحق حق الفاضل ولن يصل إليه مع ضعف الموافق ، وقوة المخالف ، فإن وافق صاحب الحق إجماعا عليه ، فعليه الشكر ، والحق حقه. وإن وافق اختلافا فعليه الصبر ، والحق حقه.
وقد كان فضل علي عليهالسلام ظاهرا مكشوفا وبينا معروفا ، ونصّ الرسول عليه مذكورا ، والخبر بذلك معروفا مشهورا ، فمن أجمع عليه فقد أصاب حظّه ، وأخطأ المخالف له وحرّم رشده ، وقد أصابه ذلك عليهالسلام فصير لما اختلفوا فيه ، وقلّ ناصروه ، وتابعوه ، وشكر لما أجمع منهم عليه ونصروه. وقام لما وجد الى القيام سبيلا على من خالفه كما يجب ذلك عليه. وكان ثوابه على البلاء والصبر كثوابه على العطاء والشكر. وليس إنما يجب الحق ويكون أحق بالإجماع عليه ، ولكن الحق حق. وعلى الناس أن يجمعوا عليه ، ولا يعيده باطلا إن اختلفوا فيه ، ولم يقبل أحد منهم عليه ، بل الباطل يلزم من فارقه ، وهو نقيضه وضده. ولو كان الحق إنما يكون حقا بالإجماع لكان الباطل أولى أن يكون حقا لأن أكثر الناس قد أجمعوا عليه ، وقد ذكر الله عزّ وجلّ ذلك في غير موضع من كتابه ، فقال تعالى : ( وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) (١) وقال تعالى :
( وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (٢). ( وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) (٣) وقال تعالى :
__________________
(١) يوسف : ١٠٣.
(٢) الانعام : ٣٧.
(٣) الانعام : ١١١.
( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ ) (١).
فهذه جملة من القول في الإجماع والجماعة ، والرد على ما قاله معاوية ، وتقول له بما لا يخفى الحق فيه على من وفق لفهمه وما فيه كفاية من كثير مثله ، والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم.
__________________
(١) ص : ٢٤.
[ حجة الخوارج ]
وأما ما احتجت فيه الخوارج في مفارقتها (١) عليا عليهالسلام ومحاربته ، فقد ذكرت فيما تقدم عنه صلوات الله عليه وعنهم وعمن حكى قولهم ، أنهم إنما نقموا عليه تحكيمه الحكمين.
وقالوا : إن بيعته كانت هدى ، وإنها أكد وأصلح من كل بيعة تقدمتها ، كان الناس أتوه لها طوعا راغبين في بيعته ، مسارعين إليها.
وإن طلحة والزبير نكثا عليه وبغيا ، وكان في قتالهما مصيبا موفقا.
وفي قتال معاوية الى أن حكم الحكمين.
قالوا : فأخطأ في ذلك إذ حكم في دماء المسلمين وفي نفسه عمرو بن العاص ، وهو ممن لا يجوز شهادته ، فكيف حكمه.
وقالوا : وتحكيمه شك في أمره ، فإن كان كذلك ، فلم قاتل وقتل من قتل على الشك ، وإن لم يكن في شك من أمره ، فالتحكيم غير واجب فيما لا شك فيه.
قالوا : وإن كنا نحن وغيرنا من أصحابه قد رأينا ذلك التحكيم لما رفع معاوية وأصحابه المصاحف وأطبقنا في ذلك عليه ، فلم يكن له أن يرجع
__________________
(١) وفي نسخة ـ ج ـ : مفارقها.
إلينا ـ ونحن على الخطأ ـ وكان الواجب عليه أن يمضي على ما هو عليه من الحق والصواب ، فإذ قد فعل ذلك ، فقد زالت إمامته ، وسقطت طاعته ، ووجب جهاده إن أقام على ذلك ، أو ادعاه ولم يرجع عنه.
فهذه جملة (١) من قول الخوارج في علي عليهالسلام.
فيقال لهم : إن عليا عليهالسلام لم يكن في شك من أنه على الحق ، ومن معه ، وإن معاوية ومن معه على الباطل. ولا غاب عنه مكرهم في رفعهم المصاحف ، ولا أن ذلك كان منهم خدعة لما كانت عليهم الدائرة ، وفيهم الهزيمة ، وقد علم أن المصاحف التي رفعوها يشهد له وبحقه ما فيها ، فلم يقبل علي عليهالسلام قولهم ، وأمركم بالجد في قتالهم (٢) فأبيتم ذلك وانصرفتم عنه.
وقلتم له : قد دعوا الى الحق الذي كنا ندعوهم إليه ، وأجابوا الى ما سألناهم إياه من الرجوع الى ما في كتاب الله عزّ وجلّ ، فلسنا نقاتلهم.
فراجع من قال له ذلك منكم وبصرهم ، فلم يرجعوا الى قوله : ولم يستبصروا ، وهو على قولكم إمام مفترض الطاعة ، فعصيتموه ، وخالفتم ما أمركم به حتى تواعده منكم من تواعده بالقتل ، وبالقبض عليه ودفعه الى معاوية إن تمادى على ما هو فيه ، فيمن كان يقاتل معاوية إذ خذلتموه ، وبمن كان يمتنع عنكم لما به تواعدتموه من أثبت الحكومة التي. أنكرتموه ، وكفرتموه من أحلها. أنتم الذين أكرهتموه عليها ، أم هو الذي أتى منها ما لا حرج عليه فيه ، وما لم يجدوا غيره ، إذ عصيتموه وخالفتم أمره ، فقد دفع
__________________
(١) وفي نسخة ـ ج ـ : فهو جملة من.
(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : في قتاله.
الحكومة إذ كان دفعها يمكنه ، وإذ قد علم أنها خدعة ومكيدة من عدوه.
وأجاب إليها إذ لم يجد غير ذلك ولم يمكنه دفعها. وإذ قد علم أنها توجب حقه ، وتثبته على ما شرطه وأكده فيها ، وعلى ما كان دعا القوم إليه من الحكم بكتاب الله عزّ وجلّ.
والله جلّ من قائل يقول : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (١) ( فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (٢) ( فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) (٣). وقال تعالى ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ) (٤).
وإنما قدم علي صلوات الله عليه من قدمه للحكم على أن يحكم بكتاب الله الذي دعوا يومئذ الى الحكم بما فيه ، وقد علم عليهالسلام أن كتاب الله يشهد له ويشهد على معاوية ، فلو حكما بالكتاب لحكما بامامة علي عليهالسلام ، وبعزل معاوية عما عزله عنه.
وهذا هو الذي دعا إليه علي عليهالسلام ، وأراده من معاوية.
وأما ما أنكرتم من أن يحكم بذلك عمرو بن العاص ، فهل يكون عمرو بن العاص عندكم أسوأ حالا من النصارى؟ فقد قال الله عزّ وجلّ :
( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ ) (٥). لأنهم لو حكموا بذلك لدخلوا في الإسلام ، كما أن عمرو بن العاص لو حكم بالكتاب لدخل في إمامة علي صلوات الله عليه لان الكتاب يشهد بتفضيل علي صلوات الله عليه على معاوية.
قال الله عزّ وجلّ ( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ) (٦) وقال تعالى : ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ
__________________
(١) المائدة : ٤٥.
(٢) المائدة : ٤٤.
(٣) المائدة : ٤٧.
(٤) المائدة : ٤٩.
(٥) المائدة : ٤٧.
(٦) المجادلة : ١١.
الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا ) (١) وقال تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (٢). وقال تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٣).
فعلي عليهالسلام أرفع درجة من معاوية في السبق الى الإسلام ، والعلم ، والجهاد ، والنفقة في سبيل الله من قبل الفتح ، وأقرب الى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأحق بالخمس من معاوية ، وعلى معاوية أن يعطيه خمس ما غنمه ، وليس له ممّا غنم علي عليهالسلام شيء ، مع ما ذكرناه (٤) ونذكره في هذا الكتاب من فضائله وما نزل فيه من القرآن ممّا يوجب له الفضل على معاوية وغيره.
وما من فضيلة تذكر لأحد من الصحابة إلا وعلي عليهالسلام له مثلها فقد شاركهم كلهم في فضائلهم ، واجتمع فيه ما قد افترق فيهم ، وانفرد بكثير من الفضائل دونهم ، لم يشركه فيها أحد منهم.
ولما أجاب معاوية عليا عليهالسلام الى حكم الكتاب ، فقد أجاب الى الدخول في طاعته وأقرّ بإمامته من حيث لا يدري ، وإنما أراد علي صلوات الله عليه اجتماع الناس للحكم بكتاب الله عزّ وجلّ لتقرير معاوية على إمامته من الكتاب ، إذ فاته قهره بالغلبة بالسيف لاختلاف أصحابه عليه ، لما أدخله معاوية عليهم من الشبهة بالحيلة التي دفع بها الغلبة عن نفسه.
فأراد علي عليهالسلام انه يرى من شبه بذلك عليه فساد ما شبه به عليهم ، وليعلموا صحيح حقه من باطل معاوية الذي هو عليه ، وان الذي دعاهم إليه من رفع المصاحف إنما كانت خديعة منه ، ومكرا ، وحيلة.
__________________
(١) الحديد : ١٠.
(٢) الواقعة : ١٠.
(٣) الشورى : ٢٣.
(٤) وفي نسخة ـ ج ـ : مع ذكره وذكره.
وقد قال الله عزّ وجلّ لمحمّد صلىاللهعليهوآله لما نازعه المشركون :
( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (١) وقد علم أن المشركين هم الكاذبون.
وهذا من التحاكم الى الله عزّ وجلّ وما فيه إنصاف المتنازعين فيما بينهم ، وكذلك قال الله تعالى وهو أصدق القائلين ( قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) (٢).
أراد بذلك إنصافهم في ظاهر الأمر ، وهو يعلم أن رسول الله صلىاللهعليهوآله على الحق.
وكذلك لم يكن علي عليهالسلام شك في أمره كما زعمتم ، وإنما أراد تقرير خصمه على ما أنكره من حقه وفضله بكتاب الله جلّ ذكره الذي دعا إليه لما أراده من المكر والخديعة بدعائه إليه ، وليعلم ذلك من شبه عليهم به.
فلما ترك الحكم بالكتاب من اقيم لذلك ، وحكم بالهوى دون الكتاب لم يجز حكمه بإجماع ، لأن من وكّل على شيء بعينه لم يكن له أن يتجاوزه الى غيره ، وقد مرّ فيما تقدم ذكر تحكيم الله عزّ وجلّ العباد في جزاء الصيد ، وفي شقاق ما بين الزوجين ، وتحكيم رسول الله صلىاللهعليهوآله سعدا في بني قريظة مع ما قدمناه (٣) أيضا من احتجاج علي عليهالسلام واحتجاج عبد الله بن عباس عليهم فيما أنكروه من التحكيم ورجوع من رجع منهم لما سمع ذلك الى الحق ، وفي ذلك كفاية لمن وفق لفهمه ، وهدي لرشده.
__________________
(١) آل عمران : ٦١.
(٢) القصص : ٤٩.
(٣) في أواخر الجزء الخامس ، عدة روايات.
[ بحث حول وثيقة التحكيم ]
وحكاية ما قيل إنه كان في كتاب القضية الذي كتب بين علي عليهالسلام وبين معاوية ، واختلف فيه ، ولم يأت برواية صحيحة تثبت بنقلها صحته ، وأثبت ما جاء في ذلك ما أوقف عليه الزهري ، وعلي بن إسحاق ، ولم يلحق واحد منهما زمن ذلك. فلم يكن أيضا ما جاء عنهما من ذلك بثابت.
وطعن فيه لضعف ألفاظه ، وسخافة معانيه ، وأن فيه ما يضارع العجمة.
فقال الطاعنون في ذلك : إن كلام القوم كان معروفا ، وجوهره معلوما ، متى تكلفه (١) مولده لم يستطعه ، وما داخله من كلام غيره عرف فيه.
ونحن نذكر ما رووه من ذلك ، ولا أقل من أن يكون كذلك ، ونبيّن الحجة فيه على ما جاء مرويا عن الزهري وعن محمّد بن إسحاق انهما قالا كانت القضية بين علي عليهالسلام وبين معاوية :
بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تقاضى عليه (٢) علي أمير المؤمنين ومعاوية.
فقال معاوية : لو أقررت أنك أمير المؤمنين ما حاربتك ، ولو لا أنك أسن مني ما قدمتك ، فاكتب : هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ، ودع ذكر أمير المؤمنين.
فأبى علي عليهالسلام من أن يدع ذلك مدة من نهار ، ثم سمح بأن يدعه.
فهذا مثل ما دار بين رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم الحديبية ، وبين
__________________
(١) وفي نسخة ـ ج ـ : تكلف.
(٢) هكذا في نسخة ـ ج ـ وفي الأصل : علي.
مشركي قريش لما قاضاهم ، وكتب الكتاب بينه وبينهم. كتب : هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله صلىاللهعليهوآله .
فقال المشركون : لو نعلم انك رسول الله ما صددناك ، ولكن اكتب ـ إن شئت ـ : هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبد الله.
وكان الذي كتب القضية بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.
فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : امح : رسول الله ، فالله يعلم أني رسوله ، وأكتب : محمّد بن عبد الله.
فتوقف علي صلوات الله عليه تهيبا لذلك.
فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : أرني مكانه؟ فأراه إياه ، فمحاه.
( وقد ذكرنا (١) احتجاج الخوارج على ابن عباس بهذا ، وقولهم : لم محا اسمه من إمرة المؤمنين؟ فاحتج عليهم ابن عباس بما صنعه رسول الله صلىاللهعليهوآله من ذلك. وان ذلك لم يمح اسمه من الرسالة ، وكذلك ذلك لم يمح اسم علي عليهالسلام من الإمامة ) (٢) ، فكتب فيما رووه (٣).
[ وثيقة التحكيم ]
هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. قاضى علي على أهل العراق ومن كان معه من المؤمنين والمسلمين ، وقاضى معاوية على أهل الشام ومن كان معه من المؤمنين والمسلمين ، إنا ننزل عند حكم
__________________
(١) في الجزء الخامس ، الحديث ١٤١٣.
(٢) ما بين القوسين زيادة من كلام المؤلف ، وليست من الرواية.
(٣) ورواه نصر بن مزاحم في وقعة صفين عن عمر بن سعد عن أبي إسحاق عن بريد باختلاف يسير وتقديم وتأخير.
الله في كتابه فيما اختلفنا فيه من فاتحته الى خاتمته ، نحيي ما أحياه ونميت ما أمات.
فما وجدنا في كتاب الله عزّ وجلّ مسمى أخذنا به ، وما لم نجده في كتاب الله مسمى فالسنّة العادلة الجامعة غير المفرقة فيما اختلفنا فيه.
والحكمان ، عبد الله بن قيس الأشعري. وعمرو بن العاص.
وأخذ علي ومعاوية على الحكمين عهد الله ، وميثاقه للحكمين بما وجدا في كتاب الله مسمى ، وما لم يجدا في كتاب الله مسمى فالسنّة العادلة الجامعة غير المفرقة.
وأخذ الحكمان من علي بن أبي طالب ، ومعاوية بن أبي سفيان الذي يرضيان من العهد والميثاق ليقبلا ما قضيا به لهما وعليهما من خلع من خلعا منهما ، وتأمير من أمّرا منهما.
وأخذا لأنفسهما من علي ، ومعاوية ، والجندين كليهما الذي ، يرضيانه من العهد والميثاق إنهما مأمونان على أنفسهما وأبدانهما وأموالهما ، والأمة لهما أنصار على ما يقضيان به لهما وعليهما ، وأعوان على من بدّل وغيّر منهما.
وان القضية قد أوجبت بين المؤمنين الأمن ووضع السلاح أينما ساروا ، وكانوا [ آمنين ] على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وأرضيهم شاهدهم وغائبهم.
وعلى عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه ليقضيان بين الأمة [ بالحق ] ولا يذرانها (١) في الفرقة من الحرب (٢) حتى يقضيان.
وآخر أجل القضية بين الناس انسلاخ (٣) شهر رمضان ، وإن أحبا أن يعجلا ذلك عجلاه ، وإن أحبا أن يؤخرا ذلك أو رأيا ذلك عن
__________________
(١) وفي الاصل : لا يذرانهم.
(٢) وفي نسخة ـ أ ـ : في الفرقة والحوب.
(٣) انسلاخ : نهاية.
تراض منهما أخراه.
وان هلك أحد الحكمين قبل القضاء ، فإن أمير الشيعة والشيعة يختارون مكانه رجلا ، لا يألون في اختياره من أهل المعدلة والاقتصاد.
وأن ميعاد القضية أن يقضيا (١) بمكان يكون بين أهل الكوفة وأهل الحجاز وأهل الشام سواء ، لا يحضرهما فيه إلا من أراد ، وإن أراد أن يكون ذلك بدومة الجندل (٢) كان ، وإن رضيا مكانا غيره حيث أحبا فليقضيان.
وعلى علي ومعاوية أن يجمعا على الحكمين. [ ونحن براء من حكم بغير ما نزل الله. اللهمّ إنا نستعينك على من ترك ما في هذه الصحيفة ، وأراد فيها إلحادا وظلما ].
شهد [ على ما في الصحيفة ] عبد الله بن عباس وشهد الأشعث بن قيس.
وسعيد بن قيس.
وورقاء بن سمي البكري ـ ويقال الحارثي ـ.
وعبد الله بن الطفيل البكاوي (٣).
ويقال عبد الله بن طليق.
ويقال عقبة بن زيد.
ويقال زياد بن كعب.
وحجر بن يزيد الكلبي.
وعبد الله بن جحفل العجلي (٤).
وعقبة بن زياد المدحجي ـ أو الأنصاري ـ.
__________________
(١) وفي نسخة الاصل : ان يقضي.
(٢) دومة الجندل بضم اوله وفتحه : بلدة في جوف سرحان.
(٣) وفي نسخة ـ أ ـ : البكاري.
(٤) وفي نسخة ـ ج ـ : العجلي والهمداني عقبة ...
ومالك بن كعب البجلي ـ أو الهمداني ـ.
[ وكتب عميرة يوم الاربعاء لثلاث عشرة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين ] (١).
فهذا معنى ما جاء في القضية وما روي عن الزهري ، ومحمّد بن إسحاق فيهما.
وان كان ذلك لا يثبت عند أهل العلم بالحديث ، لأنه مقطوع ، ولكن لا أقل من أن يكون الأمر على مثل ذلك.
فالذي وقع عليه التحكيم وعقدت عليه القضية أن يكون الحكم بكتاب الله جلّ ذكره ، وسنّة محمّد رسوله صلىاللهعليهوآله ، ولو لم يقع الحكم ، وتعقد القضية على ذلك لما وجبت لأن الله عزّ وجلّ يقول وهو أصدق القائلين : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (٢) والظالمون والفاسقون. وقال تعالى : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ) (٣) فمن حكم بخلاف ذلك لم يجز حكمه.
ووجه آخر : إن التحكيم والقضية إنما عقد بين علي عليهالسلام ، وبين معاوية فيما تنازعا فيه من الأمر ، وعلى ذلك حكما الحكمين بأن يتفقا على الحكم فيما تشاجرا فيه ، ويكون حكمها بكتاب الله عزّ وجلّ ، وسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآله .
فاتفق أن كان أحد الحكمين وهو عمرو بن العاص من أدهى العرب ، وأشدهم مكرا وحيلة وخديعة ، وهو عدوّ لعلي عليهالسلام مباين بعداوته.
__________________
(١) وقعة صفين : ص ٥١١. ولا يخفى ان نصر بن مزاحم نقل صورة اخرى للوثيقة مفصلة : عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن زيد بن حسن. فراجع ص ٥٠٤ منه.
(٢) المائدة : ٤٤.
(٣) المائدة : ٤٩.
واتفق أن كانت في الآخر وهو أبو موسى الأشعري خلال غلبت عليه استمالته الى ما حاوله عمرو بن العاص من المكر به ، والحيلة عليه ، والخديعة له.
[ مواقف الأشعري ]
منها : ما قدمناه ذكره من أن رأيه كان الكفّ والقعود عن الفريقين.
وقد ذكرت أمره أهل الكوفة بالقعود لما جاءهم الحسن عليهالسلام. وعمار بن ياسر بكتاب علي عليهالسلام.
ومنها : أنه كان شديد الميل والمحبة لعبد الله بن عمر ، كما ذكرنا ، وقد آثر التخلف عن علي عليهالسلام أولا ، ثم ندم على ذلك آخرا.
وقد ذكرنا ندامته على التخلف عن جهاد أصحاب الجمل و [ أصحاب ] معاوية و [ هم ] أهل الشام وأهل النهروان.
ومنها : أنه كان مائلا عن علي عليهالسلام وعن ناحيته (١) ، وأنه كان يميل بعض الميل الى معاوية ، وقد وصفه بذلك علي عليهالسلام ، وتقدم القول بذلك عنه فيه.
ومنها : أنه كان مائلا عن العدنانية الى القحطانية (٢). ومن ذلك قوله يومئذ : لو كان الأمر لا ينال إلاّ بالقدم والشرف لكان رجل من ولد أبرهة
__________________
(١) وفي نسخة الأصل : عن ناحية.
(٢) العدنانية : هي القبيلة التي ينتمي إليها أمير المؤمنين ، والقحطانية : وهي القبيلة التي ينتمي إليها هو وعبد الله بن عمر. والاحرى ان نقول : العصبية القبيلة هي الحاكمة على نفس أبي موسى لا الشرط الذي شرطه على أمير المؤمنين من احياء ما احياه القرآن ، واماتة ما اماته القرآن.