شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١١

أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتصفحت من في مجلسك هذا فلم أر إلا الطلقاء (١) أصحابي وبقايا الأحزاب أصحابك.

وكان عقيل ممن أسر يوم بدر ، وفيمن اطلق بفكاك فكه به العباس مع نفسه (٢).

فقال له معاوية : وأنت من الطلقاء يا أبا يزيد؟

فقال : إي والله ، ولكني أبت الى الحق ، وخرج منه هؤلاء معك.

قال : فلما ذا جئتنا؟

قال : لطلب الدنيا.

فاراد أن يقطع قوله ، فالتفت الى أهل الشام ، فقال : يا أهل الشام أسمعتم قول الله عزّ وجلّ : ( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ ) (٣).

قالوا : نعم.

قال : فأبو لهب عمّ هذا الشيخ المتكلم يعني عقيل ـ وضحك وضحكوا.

فقال لهم عقيل : فهل سمعتم قول الله عزّ وجلّ : ( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ). هي عمة أميركم معاوية ، هي ابنة حرب بن أميّة زوجة عمي أبي لهب وهما جميعا في النار ، فانظروا أيهما أفضل الراكب أم المركوب؟

فلما نظر معاوية الى جوابه قال : إن كنت إنما جئتنا يا أبا يزيد للدنيا فقد أنلناك منها ما قسم لك ، ونحن نزيدك ، والحق بأخيك ، فحسبنا ما لقينا منك.

__________________

(١) وهم الذين منّ عليهم الرسول الكريم بالصفح عند ما فتح مكة وبعد أن ذاق منهم ألوان العذاب خاطبهم بما مفاده : ما ذا تروني صانع بكم؟ اخ كريم وابن اخ كريم. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : اذهبوا فانتم الطلقاء.

(٢) كما سيذكره المؤلف مفصلا في ج ١٣ من هذا الكتاب.

(٣) المسد : ١.

١٠١

فقال عقيل : والله لقد تركت معه الدين ، واقبلت الى دنياك ، فما أصبت من دينه ، ولا نلت من دنياك عوضا منه ، وما كثير اعطائك إياي ، وقليله عندي إلا سواء ، وإن كل ذلك عندي لقليل في جنب ما تركت من علي.

وانصرف على علي عليه‌السلام.

والأخبار في مثل هذا كثير ، وإن نحن أوردنا ما انتهى إلينا طال الكتاب بها ، وليس أحد يجهل فضل علي عليه‌السلام على معاوية إلا من لا علم له بأخبار الناس وأشرارهم ، ومن الفاضل ومن المفضول منهم ، وقد ذكرت فيما مضى من هذا الكتاب ، وأذكر فيما بقي منه ما في أقل قليل منه ما يبين لمن وفق لفهمه ما لعلي صلوات الله عليه من نهاية الفضل الذي لا يدعي لأحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله.

وأن معاوية ليس يقاس به ، ولا يدانيه في ذلك ، ولا يقارنه (١) ، بل معايبه ومثالبه (٢) أغلب عليه ، واكثر ما فيه ، ولو لم يكن له ما يعيبه ويثلبه إلا محاربته عليا صلوات الله عليه ومعاداته إياه مع قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : حربك حربي وسلمك سلمي ، وقوله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه. فمن عاداه الله عزّ وجلّ ، وكان حربا لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأيّ نصيب له في الإسلام ، فكيف بان يدعى له فضيلة فيه؟

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ : ولا يقاربه.

(٢) مثالب : نقائص.

١٠٢

[ الفضائل المزعومة ]

وأكثر ما ادعى له من الفضل من ادعاه ممن مال إليه وتولاه لدنياه ، ومن تسبب به الى الباطل لنيل حطام الدنيا وإيثاره ذلك على الاخرى.

إنهم قالوا : كان حليما صبورا محتملا. والحلم والصبر والاحتمال إنما يحمد عليها من استعملها في طاعة الله عزّ وجلّ ، فحلم عما يجب في الدنيا الحلم عنه ، وصبر على طاعة الله ، وصبر عن معاصيه ، واحتمل المكروه في ذاته عزّ وجلّ.

فأمّا من حلم وصبر ، واحتمل في معاصيه عزّ وجلّ وما يوجب سخطه ، واستعمل ذلك فيما حادّ الله به ورسوله وأولياءه ليقوى بما استعمله من ذلك على ما ارتكبه من المعصية والعنود ، كما استعمل ذلك معاوية ليستميل به قلوب أهل الباطل إليه ليقوى بهم على مناصبة ولي الله ومحاربته ، فذلك فيما يعدّ من مثالبه ومعايبه وخطاياه ، وليس بأن يكون له في ذلك فضل.

وكذلك قالوا : كان سمحا جوادا وهوبا مفضالا ، وإنما يحمد السماحة والموهبة ، ويعدّ الإفضال ، ويذكر الجود (١) لمن جاد لماله في مرضات الله جلّ ذكره ، وأنفقه في سبيله.

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ و ـ د ـ : ويزكو الجود.

١٠٣

فأما من غلّ أموال المسلمين وخانها واقتطعها وأقطعها ، وسمح بها ، ووصل من يستعين به على معصية الله جلّ ذكره ، وحرب وليه الذي أمر الله بطاعته وافترض مودته كما فعل معاوية ، فليس يعدّ من فعل ذلك في أهل (١) السماحة والجود والإفضال ، وإنما يعدّ من كانت هذه حاله في أهل الخيانة والغول والمحاربة لله عزّ وجلّ وللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : يسأل العبد يوم القيامة عن ماله مما جمعه وفيما أنفقه (٢).

فجمع معاوية ما جمعه من الأموال معلوم ، وقد ذكرت ذلك وعطاءه وسخاءه ، فإنما كان على من نزع إليه كما ذكرنا ممن يطلب ذلك عنه.

وقالوا : كان ذا رأي وعقل وسياسة ، جمع بذلك قلوب من كان معه عليه إليه ، وانصلحت به أحوالهم له (٣).

فإنما الرأي المحمود ما اصيب به الحق لا الباطل ، والرأي الذي يصيب به صاحبه الباطل مذموم غير واجب أن يستعمل ، والعاقل من عمل بطاعة الله ، فأما من عمل بمعاصيه فهو الجاهل.

وأما السياسة ، فقد أقام الله عزّ وجلّ منها للعباد في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي سنّته ما إذا فعلوه استقام لهم به أمر دينهم الذي تعبّدهم بإقامته ، فمن جعل الله عزّ وجلّ إليه سياسة الخلق ، فساسهم بأمره ونهيه ، وحملهم على كتابه وسنّة رسوله كما فعل علي عليه‌السلام ، فقد

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ : من فعل.

(٢) وقد مر ذكر الحديث كاملا في الجزء الأول الحديث ١٠٤.

(٣) وهذه الاقوال كلها موجودة في كتاب مناقب معاوية وجدت نسختها الخطية في مكتبه الحرم المكي ، وحاولت مطالعته ولكن منعت من قبل ادارة المكتبة.

١٠٤

استنقذ نفسه واستنقذ من أطاعه منهم من عذاب الله ، وأحرز (١) واحرزوا به ثوابه جلّ ذكره.

ومن تغلب على ما لم يجعله الله عزّ وجلّ له كتغلب معاوية ، وساس من اتبعه بما يحملهم (٢) به على معصية الله ومعصية أوليائه الذين تعبدهم بطاعتهم (٣) كما ساس معاوية وأصحابه بذلك وحملهم عليه ، فقد أهلك نفسه وأهلك من اتبعه ، ولم يكن محمود السياسة عند أهل العلم بكتاب الله وسنّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنما السياسة المحمودة ما جرت على واجب الكتاب والسنّة.

وقالوا : كان عالما بالحرب بصيرا بالمكايد والمكر (٤) والحيل فيه (٥) مع ما جمع إليه من مكر عمرو بن العاص.

فالمكايد والمكر والحيل في الحرب إنما يحمد ذلك لأهل الحق إذا استعملوا منه ما يجب ، ويحل في أهل الباطل.

فأما مكر أهل الباطل واحتيالهم على أهل الحق فغير محمود لهم بل هو زائد في سوء أحوالهم وخطاياهم وآثامهم.

وقد قيل مثل ذلك لعلي صلوات الله عليه ، وأشار عليه كما ذكرنا بعض من رأى المكر والاحتيال على معاوية ، بأن يكتب إليه بعهد على الشام ، فاذا بايع له واستقر ذلك عند الناس عزله.

فقال علي صلوات الله عليه : إن هذا الرأي في أمر الدنيا ، فأما في أمر

__________________

(١) وفي نسخة الأصل : وأحرزوه. وفي نسخة ـ أ ـ : وأحرز وأجزل ثوابه.

(٢) هكذا في جميع النسخ ما عدا نسخة ـ ب ـ : بما لا يحملهم.

(٣) وفي نسخة ـ أ ـ : بطاعته.

(٤) وفي نسخة ـ ج ـ : والمكروه.

(٥) هكذا في نسخة ـ أ ـ وفي بقية النسخ : فيها.

١٠٥

الدين فلا ينساغ ذلك ولا يجوز فيه ( وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) (١). وذلك أنه لو فعل ذلك لكان في توليته إياه وهو يعلم أنه لا يستحق الولاية ، ولا يجوز له الحكم في المسلمين معصية الله عزّ وجلّ ، ومخالف لما أمر به. وإن وزر ما يأتيه من محارم الله عزّ وجلّ ، ويذره من طاعته ، ويلحقه إثمه وإثم ما يرتكب من المسلمين ، وينال من الذنب (٢) مذ توليه الى أن يعزله ، ولأنه إن عزله بعد أن ولاه ، وهو يوم يعزله على ما كان عليه يوم ولاه ، لم يكن له في عزله حجة إلا التوبة من فعله الذي فعل في توليته.

وقد قيل : ترك الذنب أوجب من طلب التوبة (٣). وكان علي صلوات الله عليه يقول : لو استخرت (٤) المكر ـ يعني في مثل هذا ـ ما كان معاوية أمكر مني (٥).

[ لفتة نظر ]

وممّا أنكروه على علي صلوات الله عليه أنه سمى معاوية وأهل الشام القاسطين.

قالوا : فإن كان سمى طلحة والزبير وأصحابهم الناكثين لأنهم نكثوا بيعته ، والخوارج المارقين لأنهم مرقوا عنه ، فمن أين لزم أهل الشام اسم القاسطين ، ولم يأخذ على معاوية ولا عليهم جورا في حكم؟

فيقال لمن قال ذلك : إن عليا عليه‌السلام لم يسمهم بهذا الاسم ، وإنما

__________________

(١) الكهف : ٥١.

(٢) وفي نسخة ـ أ ـ : من الدين.

(٣) ولذا اشتهر عند الأطباء : الوقاية خير من العلاج.

(٤) وفي نسخة ـ ج ـ : لو استحببت. وفي ـ أ ـ : استجزت.

(٥) وروي عنه عليه‌السلام أيضا ، قوله : لو لا التقى والدين لكنت أدهى العرب.

١٠٦

سماهم به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن كنت معترضا في ذلك فاعترض عليه.

وإنما ذكر علي صلوات الله عليه من ذلك ما سمعه وحكاه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن اتهمته وأسقطت نقله عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأنت أعلم ، ونفسك ، وقد فارقت بذلك جماعة المسلمين ، مع أن ذلك قد رواه كثير من الصحابة (١) ونقله عنهم ثقات الرواة من اصحاب الحديث.

وقد ذكرنا بعض من نقل ذلك عنه من الصحابة ممن آثره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونص بذلك عليهم : أنهم أهل الشام (٢) روى ذلك عمار بن ياسر قدّس الله روحه وهو من الفضل في الموضع الذي لا يدفع عنه. ورواه عبد الله بن عمر ولم يشهد حربهم وتأسف على ذلك ، وندم عليه. ورواه عبد الله بن مسعود ، ومات قبل أن تكون هذه الحرب (٣) في عدد كثير من الصحابة.

فأما جورهم في الحكم ، فأيّ جور أعظم من جور من جار على إمام زمانه ، وحاربه (٤) ، واستحل قتل أفاضل الصحابة الذين شهد لهم رسول الله

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : من أصحابه.

(٢) في الجزء الخامس ، فراجع.

(٣) روى ابن حجر في الاصابة ٢ / ٣١٩ ، قال أبو نعيم وغيره : مات سنة اثنين وثلاثين.

(٤) رحم الله السيّد علي العطاس ، حيث قال في قصيدته :

ومن يحكي عن معا واصابة

بحرب أبي السبطين فهو المحارب

إلى أن قال :

أوالي وليّ الله ناصر دينه

ومن نزل القرآن فيه يخاطب

فويل ابن هند من عداوة مهتد

ينازعه في حقه ويطالب

له الويل ما أجرأه فيما أتى به

على حبر علم قدمته الأطائب

١٠٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنة من أهل بدر ، ومن أهل بيعة الرضوان ، وأخبر عن بعضهم أن الفئة الباغية تقتله (١).

والجور ، إنما هو في اللغة : الميل عن الحق. فأيّ ميل يكون أعظم من هذا ، ومن منع الزكاة من وجب له قبضها ، والصلاة من استحق أن يقيمها ، والأحكام من هو ولي تنفيذها ، وولي ذلك غيره؟ فهل بقي من الميل عن الحق الى الباطل شيء ، لم يدخل فيه من فعل هذا. وقد فعله معاوية ومن اتبعه من أهل الشام وغيرهم؟ ولو كانوا على الحق لكان علي عليه‌السلام ، ومن اتبعه من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان على الباطل ، وإن لم يكن علي عليه‌السلام وأصحابه ممن ( جار عن الحق فالذين جاروا عنه هم ممن ) (٢) حاربهم وخالفهم.

وقول هذا القائل ما حكيناه قول من لم يتعقب ما قاله ، ولا عرف الحق لأهله.

وهذه حجة ، ما علمنا أن معاوية ، ولا أحد من أصحابه احتج بها على علي عليه‌السلام ، ولا على احد ، لعلمهم بأنها لا تثبت لهم ، ولو ثبتت لكانوا أولى بأن يحتجوا بها. وكذلك أكثرها نحكيه من قول المحتجين له والذاكرين يزعمهم فضائله ، وإنما هم نوابت نبتوا بعد ذلك (٣) ، وجاءوا بزخرف القول يبتغون به دنيا من زخرفوه له : من بني أميّة ، ومن تولاهم رغبة في دنياهم.

ولو كانت هذه الحجج (٤) قد احتج بها معاوية ، أو أحد من أصحابه

__________________

(١) يشير الى الصحابيّ الكبير عمّار بن ياسر رحمة الله عليه.

(٢) ما بين القوسين زيادة من نسخة ـ ج ـ لم تكن في الأصل. وكذا ـ أ ـ و ـ د ـ.

(٣) وفي نسخة ـ أ ـ : وإنما هم تواسوا بذلك.

(٤) وفي نسخة ـ ج ـ : هذه الحجة.

١٠٨

لذكرت في أخبارهم ، فلم نردها مذكورة في شيء منها (١) ولكني اثبتها في هذا الكتاب ونقضتها لئلاّ يلتبس الحق بالباطل على من سمعها ممّن يقصر فهمه ، ويقل تمييزه ، وبالله أستعين على مادة وليه وفي ذلك أعول ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ( العلي العظيم ) (٢).

وقالوا : خال المؤمنين (٣) ، لأنه أخو رملة (٤) بنت أبي سفيان زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولقول الله عزّ وجلّ : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ) (٥) فتركوا أن ينزعوا بهذه الآية فيما نزع به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ولاية علي عليه‌السلام في قوله : ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟ لقول الله عزّ وجلّ : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ). فقالوا : اللهمّ نعم. قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه. فنزعوا بها فيما لا يوجب شيئا ممّا ذكروه (٦) لأن قول الله عزّ وجلّ : ( وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ). إنما أوجب به تحريم نكاحهن على غيره ، كما قال جلّ من قائل : ( وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ) (٧).

__________________

(١) ولا يخفى انها مذكورة في كتاب مناقب معاوية المخطوطة في مكتبة الحرم المكي.

(٢) ما بين القوسين زيادة من نسخة ـ أ ـ.

(٣) واول من سماه بهذا الاسم عمرو بن أوس في قصة طويلة ، راجع وقعة صفين : ص ٥١٨.

(٤) هكذا في نسخة ـ أ ـ وفي نسختي الأصل و ـ ج ـ ميمونة بنت أبي سفيان وهو غلط لان ميمونة بنت الحارث ، والاصح ما نقلناه ، وكنيتها أم حبيبة. وكانت تحت عبيد الله بن جحش الأسدي ، فهاجر بها الى الحبشة وتنصر بها ، ومات هناك ، فتزوجها رسول الله بعده. ( راجع اعلام الورى : ص ١٤١ ).

(٥) الأحزاب : ٦.

(٦) وفي نسخة ـ ج ـ : لما ذكره.

(٧) الأحزاب : ٥٣.

١٠٩

وما علمنا أن أحدا من قرابة أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ادعى بذلك فضيلة لنفسه ، ولا تسبب به ، بذكر قرابة للمؤمنين إذ لم يرد الله عزّ وجلّ بذلك القرابة ولا النسب فتستحقه أقاربهن ، ولا استحققن ( بذلك ) (١) ميراثا من المؤمنين ، ولا حجبن به أحدا عن ميراث كما تحجب الام (٢) ، وقد قال الله عزّ وجلّ : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) (٣). فلم يتقرب بعضهم الى بعض تقرب القرابة بالأنساب ولا تقرب غيرهم بهم ممن ليس من أهل الإيمان ، وقد كان لأزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قرابات من المسلمين ومن المشركين ، فما تقرب أحد منهم ولا تقرب له بهذه القرابة ، ولا قال أحد إن أبا بكر ولا عمر ولا أبا سفيان أجداد المؤمنين (٤) ولا عبد الله بن عمر ولا يزيد بن أبي سفيان ولا محمّد بن أبي بكر أخوال المؤمنين ، ولا غيرهم من أقارب أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ممن علمناه تقرب الى المؤمنين بقرابته منهن.

وهذا القول من قائليه (٥) سخف وضعف ، وما لا يوجب فضيلة لمن أراد أن يجعلها له به ، ولو كانت فضيلة لعدت لغيره من أمثاله ولأبيه ولأخيه من قبله ، ولأبي بكر ولعمر وغيرهم من قرابات أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا نعلم أحدا نسب أحدا منهم الى ذلك غير من نسب معاوية إليه لافتقاره الى ما يوجب الفضل وعدمه وذلك.

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة من نسخة ـ أ ـ.

(٢) الطبقات التالية من الارث مثل الاخوة والأعمام.

(٣) الحجرات : ١٠.

(٤) من جهة بنتيهما : عائشة ، وحفصة. أو أن حي بن أخطب اليهودي جدّ المؤمنين ، وان بنات أبي سفيان وأبي بكر وعمر كيف تزوجن بأبناء اخواتهن. ان هذا والله لهو التلاعب بكتاب الله وأحكامه.

(٥) وفي نسخة الأصل : من قائله.

١١٠

وقالوا : كان معاوية كاتب الوحي ، وقد كتب الوحي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وهو ما كان ينزل عليه من القرآن ـ جماعة ممن كان يومئذ يحسن الكتابة ، وكانوا قليلا (١) كعلي عليه‌السلام ، وقد كان يكتب ذلك وكتب ذلك قبل معاوية عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ثم ارتد كافرا ، ولحق بمكة (٢) قبل الفتح ، ونذر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دمه يوم فتح مكة. وقد ذكرنا فيما تقدم خبره (٣) واستنقاذ عثمان بن عفان إياه.

وما علمنا أحدا جعل كتابة الوحي فضيلة يتوسل بها الى أن يكون إماما بذلك ، والناس يكتبون القرآن الى اليوم. والتماس مثل هذا لمن يراد تفضيله ممّا يبيّن تخلفه عن الفضائل (٤).

__________________

(١) منهم زيد بن ارقم وزيد بن ثابت وحنظلة بن الربيع وعبد الله بن حنظل.

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : ولحق بمعاوية.

(٣) في الجزء الثالث. فراجع.

(٤) هذا وقال المدائني : كان زيد بن ثابت يكتب الوحي ، وكان معاوية يكتب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما بينه وبين العرب. وقال السيد محمّد بن عقيل في النصائح : اما كتابة معاوية للوحي والتنزيل فلم تصلح ، ومن ادعى ذلك فليثبت أية نزلت فكتبها معاوية ، اللهم إلا أن يأتينا بالحديث الموضوع انه كتب آية الكرسي بقلم من ذهب جاء به جبرائيل هدية لمعاوية من فوق العرش نعوذ بالله من الفرية على الله وعلى أمينه وعلى رسوله. ذلك وأيم الله العار والشنار ( قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ ).

١١١

[ طلب الدم وسيلة ]

وأما تسبب معاوية الى الخلاف على علي عليه‌السلام ومناصبته له لما عزله من (١) العمل الذي كان عليه ، وانتحاله الطلب بزعمه بدم عثمان امتثالا منه لما سبق به من ذلك طلحة والزبير ، إذ لم يجدوا شيئا يتوسلون به الى القيام بأنفسهم يوجب عند العامة لهم ما أرادوا التوثب عليه بالتغلب من أمر الامة ، فجعلوا القيام بدم عثمان سببا لذلك.

فقد ذكرنا ما لم يختلف فيه الناس من قيام المهاجرين والأنصار وسائر المسلمين على عثمان في إحداثه ، وما أرادوه منه من الرجوع عما كان منه ، أو الاعتزال ، فأبى عليهم. فأجمعوا (٢) عليه بين خاذل وقاتل. وقد ذكرنا خبره (٣) ، وما كان من جواب من كان مع علي عليه‌السلام لأهل الشام لما قالوا : ادفعوا إلينا قتلة عثمان. فقالوا ـ بلسان واحد ـ : كلنا قتلته. وهم مائة الف أو يزيدون.

ولو كان الأمر الى الطلب بدم عثمان لكان ذلك إنما يكون لأولاده ، فقد خلف أولادا ، وأعقابهم الى اليوم كثيرة. وما علمنا أن أحدا منهم طلب بدمه ، ولو طلبوا لما جاز لهم أن يطلبوه إلا عند إمام المسلمين ، أو من أقامه

__________________

(١) هكذا في نسخة ـ أ ـ وفي الأصل : عن.

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : وأجمعوا.

(٣) في الجزء الخامس ، فراجع.

١١٢

الإمام لتنفيذ الأحكام في القود والقصاص. فأما طلب معاوية بذلك وأهل الشام فليسوا بأولياء الدم ، ولا ممن يستحق الطلب به والقيام فيه ولذلك أعرض عنهم علي صلوات الله عليه ، كما أن طالبا لو طلب عند حاكم من الحكام ما ليس له ؛ لم يكن لقوله جواب عنده.

ولو كان المدعى عليهم دم عثمان قوم معروفون ممن كان مع علي عليه‌السلام ، ووجب عليهم القصاص ، فما جاز أن يدفعوا الى معاوية وأهل الشام ، وليسوا بأولياء الدم ، ولا ممن يجوز لهم القود ، أو العفو ، أو أخذ الدية ، ولأنهم مع ذلك غير مأمونين عليهم لو دفعوا إليهم.

ولو كان معاوية وأهل الشام أولياء للطلب بدم عثمان ـ كما زعموا ـ لم يكن لهم أن ينصبوا الحرب لإمام المسلمين قبل أن يطلبوا بحقهم عنده ، ويخاصموا إليه من ادعوا ذلك عليه. ثم يقولون له : إن لم تدفع إلينا من اتهمناه بدم ولينا قاتلناك ، وقتلناك إن قدرنا عليك ، ومن قدرنا عليه من أصحابك (١).

هذا هو الخروج والبغي على الأئمة وأهل الحق بعينه ، وليس سبيله سبيل الطلب بالحقوق. فإظهار معاوية وأصحابه الطلب والقيام بدم عثمان فاسد ومحال من جميع الجهات ، وفي كل المقالات ، ولم يكن معاوية يومئذ يدعي الإمامة ولا يدعها أحد له ممن كان معه ، ولا تسمى أمير المؤمنين إلا بعد أن تغلب على ظاهر أمر الحسن عليه‌السلام بعد أن قتل علي عليه‌السلام ، ولم ينته إلينا ولا سمعنا أن أحدا من أولياء دم عثمان قام عند معاوية فيه بعد تغلبه. ولا أنه أقاد أحدا منهم ـ من أحد ممن اتهم بقتله ـ بل قد أعولت ابنته ـ عائشة ـ لما دخل داره بالمدينة في حين تغلبه ، وذكرت مصاب أبيها.

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ : عليه منكم.

١١٣

فقال لها : يا ابنة أخي إن هؤلاء أعطونا سلطانا ، فأعطينا لهم أمانا ، وأظهرنا لهم حلما تحته غضب ، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد ، وابتعنا منهم هذا بهذا ، ومعهم سيوفهم ، وهم يرون مكان شيعتهم ، فإن نكثنا بهم نكثوا بنا ، ولا ندري أعلينا تكون الدائرة أم لنا ، ( ولئن تكوني بنت عم أمير المؤمنين ) (١) خير لك من أن تكوني امرأة من عرض الناس.

فهلا أعداها (٢) على قتلة أبيها الذين قام عليهم ( قبيلة ) (٣) بالأمس بدمه؟ أو قال لها : اطلبي بحقك واحضري خصمائك. وهلا طلب هو بذلك إن كان ولي الدم ـ كما زعم ـ وليس بوليه بإجماع الامة؟ ولو عفا عنه ولد عثمان ، لما كان له ولغيره أن يطلب به ، وكذلك إذا لم يطلبوا لم يجز الطلب لغيرهم.

وهذا قول جميع أهل القبلة في الطلب بالدم ، وقد قال الله عزّ من قائل : ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) (٤). يعني يطلب عنده بحقه (٥) ، فيبلغه الواجب له ، ولم يجعل للناس أن يقتصوا ويحكموا لأنفسهم ، ولا أن يأخذوا حقوقهم ممن كانت عليه عنوة بأيديهم ، ولا أن يطلب بذلك لهم غيرهم ممن لم يوكلوه لطلبه ، ولا أن يحكم لهم في ذلك إلا من جعل الله عزّ وجلّ الحكم إليه ، وهذا الذي لا يجوز غيره ، ولا يجزي الأحكام إلا به.

[ أقوى حجة عند الامويين ]

فالوجوه محيطة بفساد دعوى معاوية وغيره ممن ادعى دم عثمان والقيام

__________________

(١) وفي نسخة الاصل : ولا تكوني بنت أمير المؤمنين.

(٢) اعداها : حثها.

(٣) ما بين القوسين زيادة من نسخة ـ ج و ـ أ ـ.

(٤) الإسراء : ٣٣.

(٥) من القصاص وهو القتل ، أو الدية ، أو العفو.

١١٤

فيه فضلا عن سفك الدماء ، وقتال المسلمين ، وإمامهم ، وقتلهم دون ذلك ، وما شك ذو عقل ولا تمييز علم أمر معاوية وما كان منه في ذلك أن مدافعته وقتاله علي بن أبي طالب عليه‌السلام ومن معه إنما كان دون أن يعتزل له إذا أعزله.

وممّا يؤيد ذلك ما رووه عنه أنه احتج على علي إذ أراد عزله ، واحتج به له غيره من بعده إذ رأى أنه من حجته بزعمه أن قال :

هذا موضع وضعني (١) به عمر بن الخطاب ولم يعزلني منه مذ ولاني إياه. وكان لا يدع أميرا إلا استبدل به أو غضب عليه لبعض ما يكون منه ، وربما أمر بإشخاصه إليه ، ولم يغضب عليّ مذ رضي عني ، ولا عزلني بعد إذ ولاني. ثم جمع إليّ الأرباع بعد أن قد كان ولاني ربعا ، وقوى أمري وثبت وطأتي. ثم أكد ذلك عثمان وشدده وقواه ومكنه ، ثم أمرتني بالاعتزال من غير أن أخون أو أحدثت (٢) حدثا ولا أويت محدثا ، وأنت لم تأخذها (٣) من جهة التشاور كما أخذها عثمان ، ولا نص عثمان عليك كما نص أبو بكر على عمر ، ولا أجمعت عليك الامة كما أجمعت على أبي بكر. فلم يكن لي أن اسلم إليك علقا في الضرعة (٤) كنت تسلمته من أهله في الجماعة ، فإن حاربتني على ما في يدي منعتك منه ، وإن تركتني سلمته الى من يجتمع عليه الناس إن أمروني بتسليمه إليه ، ولي أن أمنعك بالسلاح إن شهرت عليّ السلاح وبالحجة إن طلبته مني بالحجة.

وقيل : إنه قال ، أو قال ذلك من تقوله له :

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : وضعنا.

(٢) وفي نسخة ـ أ ـ : ولا احدث.

(٣) الضمير إشارة الى الخلافة.

(٤) وفي الاصل : الفرقة. وفي نسخة ـ أ ـ : الضرقة.

١١٥

احسبوا أن هذا العلق الذي صار في يدي كان لقطة التقطتها ثم طلبها مني علي ، وزعم أنها له ، أليس لي أن أمنعه منها ، حتى يتبين أنها له بعلامة أو دلالة؟ فإن قاتلني على ذلك قاتلته ، وإن كفّ عني حتى يتبين لي ذلك كففت عنه ، وأنا في منعي إياه إياها (١) محق ، وهو في طلب أخذها مني قبل البيان مبطل.

فهذه آكد حجة لمعاوية عند السفيانية وعند من تسبب بأسبابهم من المروانية (٢) ، وقلّ من يعرفها منهم ، ومن عرف من حجة خصمه ما لا يعرفه الخصم من حجته ، كان أجدر بأن يكون أقوم بالحجة منه. ومن ضرب عن حجة خصمه عند الاحتجاج عليه كان جديرا بأن يجد من يقوم بها عليه.

وهذه الحجج وما قدمنا قبلها مما وضعه من أراد التقرب به الى المتغلبين من آل أبي سفيان ، وآل مروان ، يدل على ذلك ويبينه ، أنها لم تذكر في شيء من أخبار صفين ، ولا فيما جرى بين علي عليه‌السلام وبين معاوية. وقد صنف ذلك أهل الأهواء للفريقين وأهل الصدق في نقلهم ، وترك الميل في ذلك الى أحد دون أحد وهبه ، قال ذلك واحتج به فحججه بذلك أدحض وأفسد من أن يعبأ بها ، ويلتفت إليها. والحق بحمد الله معنا يدمغها ويدحضها ، ويبين لمن نظر بعين الإنصاف عوارها.

فأما قوله : إن عمر كان ولاه ولم يعزله ولا غضب عليه ، وإن عثمان

__________________

(١) بمعنى : انا في منعي عليا عليه‌السلام ولاية الشام.

(٢) ولله در الشيخ الحفظي حيث يقول :

وما جري فقد مضى وإنما

يا ويل من والى لمن قد طلبا

وكل من يسكت أو يلبس

ومن لعذر فاسد يلتمس

فذاك مفتون بكل حال

قد خسر الربح ورأس المال

واستبدل الأذى بكل خير

وباع دينه بدنيا الغير

١١٦

أقره على ما كان في يده وأكد ذلك له ، وإن ذلك مما رأى أنه لا ينبغي لعلي عليه‌السلام أن يزيله عنه.

فلو شئنا أن نقول في تولية من ولاه وإثبات من أثبته لقلنا ، ولكن لا أقل من أن يكون ما قال من توليته وإثباته وأن ذلك بحق واجب كما ذكر له أن يلي ما ولي عليه ويثبت فيما أثبت فيه ، فهل بين المسلمين اختلاف أن لمن ولاه أن يعزله ، وأنه إن عزله لم يكن له أن يعترض عليه في ذلك ، ولا أن يمتنع من العزل ، بأن يقول كما قال معاوية : إنه لم يحدث حدثا ولا آوى محدثا.

فإن أقرّ بذلك من احتج بهذه الحجة له قيل له : أو ليس ذلك كذلك يجب لمن ولي الأمر بعد الذي ولاه. والذي أثبته كما فعل ذلك أبو بكر وعمر وعثمان في توليتهم كثيرا ممن ولوه ، إذا أرادوا توليته ، وعزلهم لما أرادوا عزله. وولاه بعضهم وعزله من بعدهم لأنه إذا كان للأول أن يعزل من ولاه وارتضاه إذا رأى عزله كان ذلك أجوز لمن بعده إذا كان لم يرضه.

وهذا ممّا لا اختلاف فيه ـ فيما أعلمه ـ بينهم ، لأنه كثير موجود فيهم ، ولو ذكرنا من ولوه وعزلوه لطال ذكرهم ، وهو ما لا فائدة في ذكره لإجماعهم عليه ، ولكننا نذكر طرفا منه ليسمعه من قد لعله خفي ذلك عنه.

١١٧

[ سعد بن أبي وقاص ]

وقد كان سعد بن أبي وقاص من قريش ـ هو سعد بن مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ـ يجتمع مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أربعة آباء.

وكان سعد هذا فيما رووه أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنة ، ودعا له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : اللهمّ أجب دعوته وسدد رميته ، وكان منه أرمى الناس.

وكان على الناس يوم القادسية (١) فدعا على رجل ، فقال : اللهمّ اكفنا يده ولسانه. فقطعت يده واخرس لسانه ، لدعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأن يستجيب الله عزّ وجلّ دعوته.

وقد ذكرت فيما تقدم أنه تخلف عن الخروج مع علي عليه‌السلام لعذر ـ إذ ليس مثله يتخلف عنه إلا لذلك ـ ، وأن معاوية قال له بعد ذلك بالمدينة : أنت يا سعد الذي لم تعرف حقنا من باطل غيرنا فتكون معنا أو علينا.

فقال له ـ فيما جرى بينهما ـ : أما إذا أبيت ، فإني سمعت رسول الله صلّى

__________________

(١) موضع من ارض العراق وقع فيه حرب المسلمين مع المجوس ، وكان النصر للمسلمين على دولة كسرى.

١١٨

الله عليه وآله يقول لعلي عليه‌السلام : أنت مع الحق ، والحق معك.

فكذبه معاوية في ذلك وتواعده ، إن لم يأت بمن سمع ذلك معه ، واستشهد بام سلمة رضوان الله عليها.

فقالت : نعم ، في بيتي قال ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد ذكرت الخبر بتمامه فيما تقدم (١).

وكان سعد من أفاضل الصحابة عندهم ، وكان أحد الستة الذين أقامهم عمر للشورى ، واستعمله عمر على الكوفة ، ثم عزله ، ورضيه للخلافة.

واستعمله بعد ذلك عثمان على الكوفة ، ثمّ عزله عنها.

[ الوليد بن عقبة ]

وولي مكانه الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أميّة (٢).

وكان أميّة بن عبد شمس (٣) ـ فيما ذكر الكلبي ـ قد خرج الى الشام فوقع على أمة للخم (٤) يهودية من أهل صفورية ، ولها زوج يهودي من أهل الصفورية ، فولدت ولدا سمي ذكوان ، فادعاه أمية ، وأخذه من أمه. وسلمه زوجها اليهودي الذي كان ولد على فراشه إليه ، وأتى به أمية الى مكة ، وكناه : أبا عمر. ولذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لما أمر بقتل عقبة بن أبي معيط ـ هذا الذي استعمله عثمان مكان سعد بن أبي وقاص ـ لما

__________________

(١) في الجزء الخامس ، فراجع.

(٢) أبو وهب ، أخو عثمان لأمه ، رثى عثمانا توفي بالرقة ٦١ ه‍.

(٣) وهو أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي جد الامويين جاهلي ، عاش الى ما بعد مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٤) لخم : حي من اليمن. والصفورية قرية في فلسطين شمال غرب مدينة الناصرة. فيها آثار يونانية ورومانية.

١١٩

استعطفه بالقرابة. فقال له رسول الله :

وأي قرابة لك ، إنما أنت يهودي من أهل صفورية. فقال : فمن للصبية (١)؟

قال : النار.

وكان معه من صبيته الوليد هذا. وهو ممن شهد له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنار.

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد استعمل الوليد على صدقات بني المصطلق.

وأتى فقال : منعوني الصدقة ـ وهو كاذب ـ.

فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالسلاح إليهم ، فأنزل الله عزّ وجلّ ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (٢).

وقد وقع بينه وبين علي صلوات الله عليه كلام. فقال : لأنا ارد للكتيبة ، واضرب لهامة (٣) البطل المشيح منك. فأنزل الله عزّ وجلّ فيها : ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً ) الآية (٤).

وكان الوليد هذا أخا عثمان لامه (٥) ، وكان جده ـ أبو عمر ـ قد تزوج

__________________

(١) أي للبنين. وبنوه يومئذ : الوليد وعمارة وخالد وهشام.

(٢) الحجرات : ٦.

(٣) وفي نسخة ـ ب ـ : نهامة.

(٤) السجدة : ١٨. وبهذا الصدد يقول حسان بن ثابت :

أنزل الله في الكتاب عزيز

في على وفي الوليد قرآنا

فتبوأ الوليد من ذاك فسقا

وعلي مبوأ ايمانا

ليس من كان مؤمنا عرف الله

كمن كان فاسقا خوانا

فعلي يلقى لدى الله عزا

ووليد يلقى هناك هوانا

سوف يجزى الوليد خزيا ونارا

وعلي لا شك يجزى جنانا

(٥) أم عثمان أوى بنت كريز بن حبيب.

١٢٠