الإمام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ

علي موسى الكعبي

الإمام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-37-9
الصفحات: ٢٣٤

٣ ـ أحمد : وكان كريماً جليلاً ورعاً ، وكان أبو الحسن موسى عليه‌السلام يحبه ويقدمه ، ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة ، ويقال : ان أحمد بن موسى أعتق ألف مملوك (١). وهو المدفون بشيراز ويعرف بسيد السادات ، ويعرف عند أهل شيراز بشاه جراغ ، وفي عهد المأمون قصد شيراز مع جماعة ، وكان من قصده الوصول إلى أخيه الرضا عليه‌السلام ، فلما سمع به عامل المأمون على شيراز توجه إليه وقاتله خارج البلد في مكان يقال له : خان زينان ، فتفرق عنه أصحابه ، وتوجه نحو شيراز فاتبعوه وقتلوه ، وقيل : إنه لما دخل شيراز اختفى واشتغل بعبادة ربه ، حتى توفي لأجله ، ويعتقد البعض أن مشهد السيد أحمد في بلخ (٢) ، ويعتقد البعض أن الذي بشيراز هو أحمد بن موسى المبرقع.

٤ ـ إسحاق : ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرضا عليه‌السلام ، وكان يلقب بالأمين ، وتوفي سنة ( ٢٤٠ ه‍ ) في المدينة (٣).

٥ ـ إسماعيل : وهو صاحب الجعفريات ، وقبره في مصر ، قال النجاشي : سكن مصر وولده بها ، وله كتب يرويها عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام منها : كتاب الطهارة ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة ، كتاب الصوم ، كتاب الحج ، كتاب

__________________

المسمى بإبراهيم من أولاد أبي الحسن عليه‌السلام رجل واحد ، ولكن عبارة صاحب عمدة الطالب تدل على أن إبراهيم من ولده اثنان : إبراهيم الأكبر وإبراهيم الأصغر ، والأصغر يلقب بالمرتضى والعقب منه ، واُمه أم ولد نوبية اسمها نجية ، ومعلوم أن علماء النسب أعلم من غيرهم بهذا الشأن ، وصرح بحر العلوم أن الأصغر هو جد المرتضى والرضي ، وهو المدفون في الحائر الحسيني خلف ظهر الحسين عليه‌السلام.

(١) الارشاد ٢ : ٢٤٥ ، الفصول المهمة : ٢٣٥ ، ملحقات إحقاق الحق ٣٣ : ٨٣٣.

(٢) بحار الأنوار ٤٨ : ٣٠٨.

(٣) بحار الأنوار ٤٨ : ٢٨٤ و ٣١٤ ، الدرجات الرفيعة / السيد علي خان : ٤٨٨.

١٠١

الجنائز ، كتاب الطلاق ، كتاب النكاح ، كتاب الحدود ، كتاب الدعاء ، كتاب السنن والآداب ، كتاب الرؤيا (١).

٦ ـ جعفر : ويقال له الخواري ، ويقال لولده الخواريون والشجريون لأن أكثرهم بادية حول المدينة يرعون الشجر ، وفي مشجر العميدي : كان جعفر موصوفاً بالشجاعة والفروسية ، وعده أبو نصر البخاري من خلص الموسوية الذين لم يجد أحداً يشك فيهم من النساب (٢).

٧ ـ زيد : وهو الخارج بالبصرة أيام الأمين والمأمون ، عقد له محمد بن محمد ابن زيد بن علي على الأهواز أيام أبي السرايا ، ولما دخل البصرة وغلب عليها أحرق دور بني العباس فقيل له زيد النار ، وحاربه الحسن بن سهل فظفر به ، وأرسله إلى مرو مقيداً ، فعفا عنه المأمون ، ثم سقاه السم وقتله ، وقبره بمرو (٣).

٨ ـ القاسم : وكان أبوه عليه‌السلام يحبه كثيراً ويرأف عليه ، وقبره في ناحية القاسم التابعة لقضاء الهاشمية في الحلّة من العراق ، وهو مزار متبرك به ، يقصده الناس للزيارة وطلب البركة ، وقد ذكر قبره ياقوت في معجم البلدان ، وعبد المؤمن البغدادي في مراصد الاطلاع ، ونص السيد ابن طاوس في مصباح الزائر على استحباب زيارته (٤) ، وله كرامات كثيرة يعرفها جميع العراقيين.

٩ ـ محمد : هو الملقب بالعابد ، وكان من أهل الفضل والصلاح والعبادة

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٨ : ٣١٤.

(٢) بحار الأنوار ٤٨ : ٢٨٤.

(٣) تاريخ الطبري ١٠ : ٢٣١ ، سر السلسلة العلوية : ٣٧ ، عمدة الطالب : ٢٢١ ، تذكرة الخواص : ١٩٧ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٨٥ و ٣١٥.

(٤) عمدة الطالب : ٢٢٩ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٣١٠.

١٠٢

والكرم ، توفي بشيراز ودفن حيث مرقده اليوم مزار متبرك به ، وقيل دخل شيراز من جور العباسيين ، واختفى بمكان فكان يكتب القرآن ، وقد اعتق ألف نسمة من أجرة كتابته (١).

١٠ ـ فاطمة عليها‌السلام : لها منزلة عظيمة ، وكرامات كثيرة وهي فاطمة الكبرى ، المدفونة في قم ، قيل : إن ولادتها في المدينة غرة ذي القعدة سنة ( ١٧٩ ه‍ ) ، أي في نفس السنة التي حمل فيها الرشيد الإمام عليه‌السلام إلى بغداد ، وخرجت فاطمة تقصد أخاها الرضا عليه‌السلام في سنة ( ٢٠١ ه‍ ) ، فلما وصلت إلى ساوة مرضت ، فطلبت حملها إلى قم ، ونزلت في بيت موسى بن خزرج الأشعري ، ثم توفيت فأمر موسى بدفنها في أرض كانت له ، ودفنت إلى جنبها أم محمد بنت موسى بن محمد بن علي الرضا عليه‌السلام ، وميمونة أختها ، وأم القاسم بنت علي الكوكبي ، وجاءت عدة روايات في فضل زيارتها مروية عن أبي الحسن الرضا والجواد عليهما‌السلام (٢).

اُخوته :

كان لأبي الحسن عليه‌السلام ستة أخوة وهم : إسماعيل ، وعبد الله ، وإسحاق ، ومحمد ، والعباس ، وعلي ، وثلاث أخوات وهن : أم فروة ، وأسماء ، وفاطمة (٣).

__________________

(١) الارشاد ٢ : ٢٤٥ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٤٥ و ٢٨٤ و ٢٩٠ و ٣١٦ ، ملحقات إحقاق الحق ٣٣ : ٨٣٣ ، الفصول المهمة : ٢٣٢.

(٢) كامل الزيارات : ٣٢٤ / ١ و ٢ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٦٧ / ١ ، ثواب الأعمال : ٩٨ ، تاريخ قم : ٢١٣ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٨٠.

(٣) الارشاد ٢ : ٢٠٩ ، تاج المواليد : ٤٥ ، الهداية الكبرى : ٢٤٧ ، تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام : ١٠٥ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٩٥.

١٠٣

في سيرة بعضهم :

١ ـ إسحاق : هو ومحمد أخوا الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام لاُمه وأبيه. وكان إسحاق من أهل الفضل والصلاح والورع والاجتهاد ، وروى عنه الناس الحديث والآثار ، وكان ابن كاسب إذا حدث عنه يقول : حدثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر ، وكان إسحاق يقول بإمامة أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، وروى عن أبيه النص بالإمامة على أخيه موسى عليه‌السلام (١).

وقال ابن عنبة : « ويكنى أبا محمد ، ويلقب المؤتمن ، وولد بالعريض ، وكان من أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واُمه أم أخيه موسى الكاظم عليه‌السلام ، وكان محدثاً جليلاً ، وادّعت طائفة من الشيعة فيه الإمامة ، وكان سفيان بن عيينة إذا روى عنه يقول : حدثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام.

وهو زوج السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن السبط عليه‌السلام صاحبة الروضة المعروفة بالقاهرة بالست نفيسة ، سافرا معاً إلى مصر ، وأقاما بالفسطاط (٢).

٢ ـ إسماعيل : وكان أبوه الصادق عليه‌السلام شديد المحبة له والبرّ به والاشفاق عليه ، وكان قوم من الشيعة يظنون أنه القائم بعد أبيه والخليفة له من بعده ، إذ كان أكبر اُخوته سناً ، ولميل أبيه إليه وإكرامه له ، لكنه مات في حياة أبيه بالعريض (٣) سنة ( ١٤٣ ه‍ ) ، وقيل : سنة ( ١٣٣ ه‍ ) ، وحمل على رقاب الرجال ، وتقدم الصادق عليه‌السلام سريره بلا حذاء ولا رداء ، وأمر بوضع سريره على الأرض

__________________

(١) الارشاد ٢ : ٢١١.

(٢) بحار الأنوار ٤٨ : ٢٩٩.

(٣) العريض : واد بالمدينة فيه بساتين نخل.

١٠٤

قبل دفنه مراراً كثيرة ، وكان يكشف عن وجهه يريد عليه‌السلام بذلك تحقيق أمر وفاته عند الظانين خلافته له من بعده ، وإزالة الشبهة عنهم في حياته ، ودفن بالبقيع.

وإسماعيل هو جد الخلفاء الفاطميين في المغرب ومصر (١) ، وكان عالماً فقيهاً ثقة ، ومن رواة الحديث ، له عدة كتب رواها عن أبيه عليه‌السلام (٢).

٣ ـ عبد الله الأفطح : وكان أكبر اُخوته بعد إسماعيل ، وكان متهماً بالخلاف على أبيه في الاعتقاد ، ويقال إنه كان يخالط الحشوية ويميل إلى مذاهب المرجئة ، وادعى بعد أبيه الإمامة ، واحتج بأنه أكبر اُخوته الباقين ، فاتبعه على قوله جماعة من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ، ثم رجعوا بعد ذلك إلى القول بامامة أخيه موسى عليه‌السلام لما تبينوا ضعف دعواه وقوة أمر أبي الحسن عليه‌السلام ودلالة حقه وبراهين إمامته (٣).

٤ ـ علي بن جعفر العُريضي : كنيته أبو الحسن ، وهو أصغر ولد أبيه ، قيل : مات أبوه عليه‌السلام وهو ابن سنتين ، وسكن العُريض من نواحي المدينة ونسب إليه ، وكان كثير الفضل ، جليل القدر ، شديد الورع ، سديد الطريق ، وهو مُحدِّث ثقة مشهور ، وكان شديد التمسك بأخيه موسى عليه‌السلام والانقطاع إليه ، والتوفر على أخذ معالم الدين منه ، وله مسائل مشهورة عنه ، وجوابات رواها سماعاً منه ، وهي مطبوعة ومتداولة إلى اليوم ، وعمَّر طويلاً حتى أدرك الإمام الجواد عليه‌السلام وقال بإمامته ومن قبله من الأئمة ، له كتب منها كتاب المناسك ، وكتاب في الحلال والحرام ، وله مشاهد ثلاثة ، الأول في قم مشهور ، والثاني في

__________________

(١) الارشاد ٢ : ٢٠٩ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٩٥ ، الاعلام / الزركلي ١ : ٣١١.

(٢) رجال النجاشي : ٢٦ / ٤٨ ، الفهرست / الشيخ الطوسي : ٤٥ / ٣١.

(٣) الارشاد ٢ : ٢١١ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٩٩.

١٠٥

خارج قلعة سمنان ، والثالث في العُريض (١).

٥ ـ محمد : وكان زاهداً عابداً شجاعاً سخياً ، كثير الفضل ، راوية للحديث ، سكن مكة وروى بها الحديث ، وأقام بمرو وروى عن الإمام الرضا عليه‌السلام ، وكان يرى رأي الزيدية في الخروج بالسيف ، خرج على المأمون في سنة ( ١٩٩ ه‍ ) بمكة ، واتبعته الزيدية الجارودية ، فخرج لقتاله عيسى الجلودي ففرق جمعه وأخذه وأنفذه إلى المأمون ، فلما وصل إليه أكرمه وأدنى مجلسه منه وأحسن جائزته ، فكان مقيماً معه بخراسان حتى توفي بها.

وقيل : سافر مع المأمون حين عودته من خراسان إلى العراق ، فلما وصل المأمون جرجان قتله بالسم ، وكان قبره معروفاً بجرجان إلى القرن الرابع (٢).

* * *

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٥١ / ٦٦٢ ، الفهرست / الطوسي : ١١٣ / ٣٧٩ ، رجال الطوسي : ٢٤١ / ٢٨٩ ، رجال الحلي : ٩٢ / ٤ ، تقريب التهذيب ٢ : ٣٣ / ٣٠٤ ، تهذيب التهذيب ٧ : ٢٩٣ / ٥٠٢ ، لسان الميزان ٧ : ٣١٠ / ٤١٠١ ، شذرات الذهب ٢ : ٢٤ ، العبر ١ : ٨٢ ، عمدة الطالب : ١٩٥ و ٢٤١ ، تاريخ قم : ٢٢٤ ، مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ٢٨٠ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٣٠٠ ، معجم رجال الحديث / السيد الخوئي ١١ : ٢٨٨ / ٧٩٦٥ ، مقدمة كتاب مسائل علي بن جعفر : ١٥.

(٢) الارشاد ٢ : ٢١٠ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٣٠٠.

١٠٦



الفصل الرّابع

النص عليه بالإمامة

كل واحد من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام إنما صار إماماً بعهد من الإمام الذي سبقه ، فضلاً عن النصوص الجامعة الواردة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأسمائهم عليهم‌السلام ، وخصال الكمال التي اجتمعت في نفوسهم ، وسبقم في العلم والمعرفة.

قال الشيخ المفيد : « وكان الإمام بعد أبي عبد الله عليه‌السلام ابنه أبا الحسن موسى ابن جعفر العبد الصالح عليه‌السلام ، لاجتماع خلال الفضل فيه والكمال ، ولنص أبيه بالإمامة عليه وإشارته بها إليه.

وكان عليه‌السلام أجلّ ولد أبي عبد الله عليه‌السلام قدراً ، وأعظمهم محلاً ، وأبعدهم في الناس صيتاً ، ولم ير في زمانه أسخى منه ، ولا أكرم نفساً وعشرة ، وكان أعبد أهل زمانه وأورعهم ، وأجلهم وأفقههم ، واجتمع جمهور شيعة أبيه على القول بإمامته ، والتعظيم لحقه ، والتسليم لأمره. ورووا عن أبيه عليه‌السلام نصوصاً كثيرة عليه بالإمامة ، وإشارات إليه بالخلافة ، وأخذوا عنه معالم دينهم ، ورووا عنه من الآيات والمعجزات ما يقطع بها على حجية وصواب القول بإمامته » (١).

وفيما يلي نذكر أهم الأدلة الواردة في إمامته عليه‌السلام وكما يلي :

__________________

(١) الارشاد ٢ : ٢١٤.

١٠٧

أولاً ـ نص آبائه عليه عليه‌السلام :

وردت المزيد من النصوص عن النبي والآل المعصومين عليهم‌السلام تصرح بتعيين أوصياء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلفائه من عترته واحدا بعد واحد بأسمائهم وأوصافهم بشكل يجلو العمى عن البصائر وينفي الشك عن القلوب ، نكتفي هنا بالإشارة إلى أهم مظانّ الأحاديث الواردة عن آبائه المعصومين عليهم‌السلام (١).

ثانياً ـ نص أبيه عليه عليهما‌السلام :

روى صريح النص بالإمامة على أبي الحسن موسى عليه‌السلام عن أبيه الصادق عليه‌السلام من شيوخ أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام وخاصته وبطانته وثقاته : كالمفضل بن عمر الجعفي ، ومعاذ بن كثير ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، والفيض ابن المختار ، ويعقوب السراج ، وسليمان بن خالد ، وصفوان بن مهران الجمال ، وحمران بن أعين ، وأبي بصير ، وداود الرقي ، ويزيد بن سليط ، ويونس بن ظبيان وغيرهم. وروى ذلك من اُخوته : إسحاق وعلي ابنا جعفر ، وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان (٢).

فيما يلي نعرض مختاراً من أهم النصوص الواردة عن أبيه عليه‌السلام في النص عليه والإشارة إليه بالإمامة من بعده :

١ ـ عن الفيض بن المختار ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام خذ بيدي من النار ، من لنا بعدك ؟ فدخل عليه أبو إبراهيم عليه‌السلام ، وهو يومئذ غلام ، فقال : هذا

__________________

(١) اُصول الكافي ١ : ٢٨٦ ـ باب ما نص الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الأئمّة عليهم‌السلام واحداً فواحداً ، إكمال الدين : ٢٥٠ ـ ٣٧٨ ـ الأبواب ٢٣ ـ ٣٦ ، بحار الأنوار ٣٦ : ١٩٢ ـ ٤١٨ ـ باب ٤٠ ـ ٤٨.

(٢) الارشاد ٢ : ٢١٤ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٤.

١٠٨

صاحبكم ، فتمسك به » (١).

٢ ـ عن معاذ بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قلت له : أسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها ، فقال : قد فعل الله ذلك ، قال : قلت : من هو جعلت فداك ؟ فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد فقال : هذا الراقد ، وهو غلام » (٢).

٣ ـ عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : « دخلت على جعفر بن محمد عليهما‌السلام في منزله ، فإذا هو في بيت كذا في داره في مسجد له ، وهو يدعو ، وعلى يمنيه موسى ابن جعفر عليهما‌السلام يؤمّن على دعائه ، فقلت له : جعلني الله فداك ، قد عرفت انقطاعي إليك وخدمتي لك ، فمن ولي الناس بعدك؟ فقال : إن موسى قد لبس الدرع واستوت عليه ، فقلت له : لا أحتاج بعد هذا إلى شيء » (٣).

٤ ـ عن المفضل بن عمر ، قال : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل أبو إبراهيم عليه‌السلام وهو غلام ، فقال : استوص به ، وضع أمره عند من تثق به من أصحابك » (٤).

٥ ـ إسحاق بن جعفر ، قال : « كنت عند أبي يوماً ، فسأله علي بن عمر بن علي ، فقال : جعلت فداك ، إلى من نفزع ويفزع الناس بعدك ؟ فقال : إلى صاحب الثوبين الأصفرين والغديرتين (٥) ، وهو الطالع عليك من هذا الباب ، يفتح البابين بيده جميعاً ، فما لبثنا أن طلعت علينا كفان آخذة بالبابين ففتحهما ، ثم

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٠٧ / ١.

(٢) الكافي ١ : ٣٠٨ / ٢.

(٣) الكافي ١ : ٣٠٨ / ٣.

(٤) الكافي ١ : ٣٠٨ / ٤.

(٥) يعني الذؤابتين.

١٠٩

دخل علينا أبو إبراهيم عليه‌السلام » (١).

٦ ـ عن صفوان الجمال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال له منصور بن حازم : بأبي أنت وأمي ، إن الأنفس يُغدى عليها ويُراح ، فإذا كان ذلك فمن ؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا كان ذلك فهو صاحبكم ، وضرب بيده على منكب أبي الحسن الأيمن ـ في ما أعلم ـ وهو يومئذ خماسي ، وعبد الله بن جعفر جالس معنا » (٢).

٧ ـ عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قلت له : إن كان كون ـ ولا أراني الله ذلك ـ فبمن أئتمّ ؟ قال : فأومأ إلى ابنه موسى عليه‌السلام » (٣).

٨ ـ عن المفضل بن عمر ، قال : « ذكر أبو عبد الله عليه‌السلام أبا الحسن عليه‌السلام وهو يومئذ غلام ، فقال : هذا المولود الذي لم يولد فينا مولود أعظم بركة على شيعتنا منه » (٤).

٩ ـ عن فيض بن المختار ـ في حديث طويل ـ قال أبو عبد الله مشيراً إلى ولده أبي الحسن موسى عليه‌السلام : « هو صاحبك الذي سألت عنه ، فقم إليه فأقرّ له بحقه ، فقمت حتى قبّلت رأسه ويده ، ودعوت الله عزّ وجلّ له » (٥).

١٠ ـ عن طاهر بن محمد ، قال : « كان أبو عبد الله عليه‌السلام يلوم عبد الله ويعاتبه ويعظه ويقول : ما منعك أن تكون مثل أخيك ؟! فوالله إني لأعرف النور في

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٠٨ / ٥.

(٢) الكافي ١ : ٣٠٩ / ٦.

(٣) الكافي ١ : ٣٠٩ / ٧.

(٤) الكافي ١ : ٣٠٩.

(٥) الغيبة / النعماني : ٣٤٤ / ٢.

١١٠

وجهه. فقال عبد الله : لِمَ ؟ أليس أبي وأبوه واحداً ، واُمي واُمه واحدة ؟! (١) ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : انه من نفسي وأنت ابني » (٢).

١١ ـ عن يعقوب السراج ، قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى عليه‌السلام وهو في المهد ، فجعل يساره طويلاً ، فجلست حتى فرغ ، فقمت إليه فقال لي : ادنُ من مولاك فسلم ، فدنوت فسلمت عليه... » (٣).

١٢ ـ عن سليمان بن خالد ، قال : « دعا أبو عبد الله عليه‌السلام أبا الحسن عليه‌السلام يوماً ونحن عنده ، فقال لنا : عليكم بهذا ، فهو والله صاحبكم بعدي » (٤).

١٣ ـ عن صفوان الجمال ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صاحب هذا الأمر ، فقال : إن صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب ، وأقبل أبو الحسن موسى عليه‌السلام وهو صغير ومعه عناق مكية ، وهو يقول لها : اسجدي لربك ، فأخذه أبو عبد الله عليه‌السلام وضمّه إليه ، وقال : بأبي وأمي من لا يلهو ولا يلعب » (٥).

١٤ ـ عن فيض بن المختار ، قال : « إني لعند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ أقبل أبو الحسن موسى عليه‌السلام وهو غلام ، فالتزمته وقبلته ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أنتم السفينة وهذا ملاحها ، قال : فحججت من قابل ومعي ألفا دينار ، فبعثت بألف إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ، وألف إليه ، فلما دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يا فيض

__________________

(١) في الارشاد واعلام الورى : أصلي وأصله واحداً.

(٢) الكافي ١ : ٣١٠ / ١٠.

(٣) الكافي ١ : ٣١٠ / ١١.

(٤) الكافي ١ : ٣١٠ / ١٢.

(٥) الكافي ١ : ٣١١ / ١٥.

١١١

عدلته بي ؟ قلت : إنما فعلت ذلك لقولك ، فقال : أما والله ما أنا فعلت ذلك ، بل الله عزوجل فعله به » (١).

١٥ ـ عن محمد بن الوليد ، قال : « سمعت علي بن جعفر الصادق عليه‌السلام يقول : سمعت أبي جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول لجماعة من خاصته وأصحابه : استوصوا بابني موسى خيراً ، فإنه أفضل ولدي ومن أخلف من بعدي ، وهو القائم مقامي ، والحجة لله تعالى على كافة خلقه من بعدي » (٢).

١٦ ـ عن إبراهيم الكرخي ، قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فإني لجالس عنده ، إذ دخل أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام وهو غلام ، فقمت إليه فقبّلته وجلست ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ياإبراهيم ، أما أنه صاحبك من بعدي ، أما ليهلكن فيه قوم ويسعد آخرون ، فلعن الله قاتله وضاعف على روحه العذاب » (٣).

١٧ ـ عن يزيد بن سليط الزيدي ، قال : « لقينا أبا عبد الله جعفر الصادق عليه‌السلام في الطريق قاصداً إلى مكة ونحن جماعة ، فقلت له : بأبي أنت وأمي ، أنتم الأئمة المطهرون ، والموت لا يتعرى منه أحد ، فأحدث إليّ شيئاً ألقيه إلى ما يخلفني. فقال لي : نعم ، هؤلاء ولدي ، وهذا سيدهم ـ وأشار إلى ابنه موسى الكاظم ـ ففيه العلم والحكمة والفهم والسخاء والمعرفة فيما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم ، وفيه حسن الخلق وحسن الجوار ، وهو باب من أبواب الله عزّ وجلّ » (٤).

__________________

(١) الكافي ١ : ٣١١ / ١٦.

(٢) اعلام الورى : ٢٩١ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٠ / ٣٠.

(٣) إكمال الدين : ٣٣٤ / ٥ و ٦٤٧ / ٨ ، الغيبة / النعماني : ٩٠ / ٢١.

(٤) الكافي ١ : ٣١٣ / ١٤ ، عيون أخبار الرضا ١ : ٢٣ / ٩.

١١٢

١٨ ـ وعن سلمة بن محرز ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن رجلاً من العجلية (١) ، قال لي : كم عسى أن يبقى لكم هذا الشيخ ، إنما هو سنة أو سنتين حتى يهلك ، ثم تصيرون ليس لكم أحد تنظرون إليه ؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ألا قلت له : هذا موسى بن جعفر قد أدرك ما يدرك الرجال » (٢).

١٩ ـ يزيد بن أسباط ، قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام في مرضته التي مات فيها ، فقال لي : يا يزيد ، أترى هذا الصبي ؟ إذا رأيت الناس قد اختلفوا فيه فاشهد علي بأني أخبرتك أن يوسف إنما كان ذنبه عند اُخوته حتى طرحوه في الجبّ الحسد له حين أخبرهم أنه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر وهم له ساجدون ، وكذلك لا بدّ لهذا الغلام من أن يُحسد ، ثم دعا موسى عليه‌السلام ، وعبد الله ، وإسحاق ، ومحمداً ، والعباس ، وقال لهم : هذا وصي الأوصياء ، وعالم علم العلماء ، وشهيد على الأموات والأحياء ، ثم قال : يزيد ( سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ) » (٣).

هذه هي بعض أهم النصوص وأوثقها ، وهناك المزيد من النصوص نقتصر فقط على الاشارة إلى مظانها (٤).

وصية الصادق عليه‌السلام :

إن الباحث في نصوص الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام على ابنه موسى الكاظم عليه‌السلام ، والمتصفح لتاريخ الحقبة التي أعقبت وفاة الإمام الصادق عليه‌السلام ،

__________________

(١) وهم طائفة من الغلاة.

(٢) عيون أخبار الرضا ١ : ٢٤ / ٢٠.

(٣) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٤. والآية من سورة الزخرف : ٤٣ / ١٩.

(٤) غيبة النعماني : ٣٤٢ ، الإمامة والتبصرة / ابن بابويه القمي : ٦٦ ، كفاية الأثر / الخزاز القمي : ٢٥٥ ، اعلام الورى ٢ : ١١ ، بحار الأنوار ٨٤ : ١٢.

١١٣

تواجهه جملة أخبار يصرح بها الإمام عليه‌السلام بالوصية إلى خمسة أو ثلاثة نفر.

منها خبر أبي أيوب النحوي ، قال : بعث إليّ أبو جعفر المنصور في جوف الليل فأتيته ، فدخلت عليه وهو جالس على كرسي ، وبين يديه شمعة وفي يده كتاب ، فقال لي : هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا أن جعفر بن محمد قد مات ، فانا لله وإنا إليه راجعون ، وأين مثل جعفر ؟ ثم قال لي : اكتب ، قال : فكتبت صدر الكتاب ، ثم قال : اكتب إن كان أوصى إلى رجل واحد بعينه فقدمه واضرب عنقه ، قال : فرجع إليه الجواب أنه قد أوصى إلى خمسة ، وأحدهم أبو جعفر المنصور ، ومحمد بن سليمان ، وعبد الله ، وموسى ، وحميدة ، فقال أبو جعفر : ليس إلى قتل هؤلاء سبيل.

ونحوه عن النضر بن سويد إلاّ أنه ذكر أنه أوصى إلى أبي جعفر المنصور ، وعبد الله ، وموسى عليه‌السلام ، ومحمد بن جعفر ، ومولى لأبي عبد الله عليه‌السلام (١).

وفي رواية ابن شهر آشوب أنه أوصى إلى ابنه عبد الله ، وموسى عليه‌السلام ، وأبي جعفر المنصور (٢).

والإمام كما هو معهود لا يوصي إلى أكثر من واحد ، لكن شدة تطلّب الإمام المنصوص عليه بعد الصادق عليه‌السلام من قبل رأس السلطة وإصراره على تصفيته ، كما هو صريح الأخبار ، حدا بالامام الصادق عليه‌السلام إلى أن يتحاشى الصراحة في النص على إمامة ولده الكاظم عليه‌السلام إلاّ للخواص من شيوخ أصحابه وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين ، كما تقدم عن الشيخ المفيد وغيره (٣) ، وشدّد عليه الإمام الصادق عليه‌السلام وهو يوصي المفضل بن عمر ، مشيراً

__________________

(١) الكافي ١ : ٣١٠.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٣.

(٣) الارشاد ٢ : ٢١٤ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٤.

١١٤

إلى الإمام الكاظم عليه‌السلام : « استوص به ، وضع أمره عند من تثق به من أصحابك » (١).

لكن بعد انتشار خبر إمامة أبي الحسن الكاظم عليه‌السلام وتوسع قاعدته والتفاف وجوه أصحاب أبيه عليه‌السلام حوله ، ورجوع من قال بإمامة غيره إليه ، فقد روى النص ونقله ما لا يحصون كثرة من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، قال أمين الإسلام الطبرسي : « إن الجماعة التي نقلت النص عليه من أبيه وجده وآبائه عليهم‌السلام قد بلغوا من الكثرة إلى حد يمتنع معه منهم التواطؤ على الكذب ، إذ لا يحصرهم بلد ومكان ، ولا يضمهم صقع ، ولا يحصيهم إنسان » (٢).

إذن كان النص على أبي الحسن عليه‌السلام خاصاً في أول صدوره ، ولم يصدر بين ليلة وضحاها ، بل استغرق مدة طويلة ، وكان الصادق عليه‌السلام في كل مناسبة يحيط أصحابه علماً بذلك منذ أن أشرقت الدنيا بولادة الكاظم عليه‌السلام ، وحيث كان في المهد ، ويوم كان صبياً صغيراً وخماسياً وغلاماً ، وحين أدرك ما يدرك الرجال ، وأخيراً في مرضته التي مات فيها ، كما صرحت النصوص المتقدمة. والطابع العام في كل تلك النصوص ، هو زيادة التأكيد على ضرورة الكتمان حتى عن عامة الشيعة ريثما يتهيأ الجو المناسب لذلك ، خوفاً من مكائد السلطة الحاكمة التي كانت تتربص بالامام عليه‌السلام وتراقبه أشد المراقبة ، وتبيت الغدر والعدوان على حياته ، سيما في السنين الأخيرة من حياته المباركة.

ولعل رواية هشام بن سالم خير مؤشر على ذلك ، قال حين أومأ إليه رجل هو رسول الإمام الكاظم عليه‌السلام : « رأيت رجلاً شيخاً لا أعرفه ، يومئ إليّ بيده ، فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور ، وذلك أنه كان له بالمدينة

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٠٨ / ٤.

(٢) اعلام الورى ٢ : ١٠.

١١٥

جواسيس ينظرون إلى من اتفقت شيعة جعفر عليه فيضربون عنقه ، فخفت أن يكون منهم » (١).

من هنا فإن هذه الوصية أسهمت في الحفاظ على حياة الإمام عليه‌السلام واخفات الأضواء عليه في أيام المنصور العباسي على الأقل ، لأنه كان عازماً على قتل وصي الصادق عليه‌السلام ، وقد حققت تلك الوصية مراد الإمام الصادق عليه‌السلام ، بما لا يتحقق بقراع الأسنّة.

أبعاد الوصية ورمزيتها :

عرفنا أن الوصية لأكثر من واحد ، ما هي إلاّ تدبير من قبل الإمام الصادق عليه‌السلام للحفاظ على حياة وصيه ، وعلى الرغم من صراحة ذكر الأسماء فيها إلاّ أنه كان بعض الأصحاب يدرك المغزى الحقيقي وراءها ، لأن الإمام لا يوصى إلاّ إلى واحد ، كما هو معهود ، فلما أوصى إلى أكثر من واحد ، تأملوا معنىً رمزياً وبعداً موحياً من خلال النص.

فقد روى داود بن كثير الرقي قال : « أتى أعرابي إلى أبي حمزة ، وكان جالساً في لمّة من أصحابه ، فسأله خبراً ، فقال : توفي جعفر الصادق عليه‌السلام ، فشهق شهقة وأغمي ، فلما أفاق قال : هل أوصى إلى أحد ؟ قال : نعم ، أوصى إلى ابنه عبد الله وموسى وأبي جعفر المنصور ، فضحك أبو حمزة وقال : الحمد لله الذي هدانا ولم يضلنا ، بيّن لنا عن الكبير ، ودلّنا على الصغير ، وأخفى عن أمر عظيم ، فسئل عن قوله فقال : بيّن عيوب الكبير ، ودلّ على الصغير بأن أدخل يده مع الكبير ، وستر الأمر الخطير بالمنصور ، لأنه لو سأل المنصور عن الوصي لقيل : أنت » (٢).

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٥١.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٣.

١١٦

وأشار الشيخ المفيد إلى بعض أبعاد الوصية ومعناها الرمزي بقوله : « قد تظاهر الخبر فيما كان عن تدبير أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، وحراسته ابنه موسى بن جعفر عليهما‌السلام بعد وفاته من ضرر بوصيته إليه ، وأشاع الخبر عند الشيعة إذ ذاك باعتقاد إمامته من بعده ، والاعتماد في حجتهم على إفراده بوصيته مع نصه عليه بنقل خواصه. فعدل عن إقراره بالوصية عند وفاته ، وجعلها إلى خمسة نفر : أولهم المنصور وقدمه على جماعتهم إذ هو سلطان الوقت ومدبر أهله ، ثم صاحبه الربيع من بعده ، ثم قاضي وقته ، ثم جاريته وأم ولده حميدة البربرية ، وختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر عليهما‌السلام يستر أمره ويحرس بذلك نفسه. ولم يذكر مع ولده موسى أحداً من أولاده ، لعلمه بأن منهم من يدعي مقامه من بعده ، ويتعلق بادخاله في وصيته. ولو لم يكن موسى عليه‌السلام ظاهراً مشهوراً في أولاده معروف المكان منه وصحة نسبه واشتهار فضله وعلمه وحكمته وامتثاله وكماله ، بل كان مثل ستر الحسن عليه‌السلام ولده ، لما ذكره في وصيته ، ولاقتصر على ذكر غيره ممن سميناه ، لكنه ختمهم في الذكر به كما بيناه » (١).

إمامة الكاظم عليه‌السلام :

استقبل الإمام الكاظم عليه‌السلام إمامته في جو محفوف بالمخاطر ، فمن جهة يواجه سلطة تراقبه وتذكي عيونها لتبطش به ، فهو يضطر إلى الاستمرار في اتباع اُسلوب الحذر والكتمان من إبداء أي نشاط يدل على إمامته لشدة طلب المنصور لصاحب الوصية من أهل البيت عليهم‌السلام بعد الإمام الصادق عليه‌السلام ، ومن جانب آخر هو مطالب برفع الحيرة عن شيعته ، الذين قال بعضهم بإمامة غيره ، وذلك يستوجب إظهار النص ونشره إلى أوسع قاعدة من أصحابه.

__________________

(١) المسائل العشر في الغيبة : ٧٠ ـ ٧١.

١١٧

كان الإمام الكاظم عليه‌السلام في تباشير إمامته لا يباشر النص حتى لأصحابه ، ففي رواية هشام بن سالم الذي جاء متحرياً عنه ، قال : « فقلت له : جعلت فداك ، مضى أبوك ؟ قال : نعم. قال : جعلت فداك ، مضى في موت ؟ قال : نعم (١). قلت : جعلت فداك ، فمن لنا بعده ؟ فقال : إن شاء الله يهديك هُداك. قلت : جعلت فداك ، إن عبد الله يزعم أنه من بعد أبيه؟ فقال : يريد عبد الله أن لا يعبد الله ، قال : قلت له : جعلت فداك ، فمن لنا بعده؟ فقال : إن شاء الله أن يهديك هداك أيضاً. قلت : جعلت فداك ، أنت هو ؟ قال : ما أقول ذلك. قلت في نفسي : لم أصب طريق المسألة. قال : قلت : جعلت فداك ، عليك إمام ؟ قال : لا ، فدخلني شيء لا يعلمه إلاّ الله إعظاماً له وهيبة ، أكثر ما كان يحل بي من أبيه إذا دخلت عليه » (٢).

يتبين من خلال مقاطع هذا الحوار مدى الحذر الذي يبديه الإمام عليه‌السلام حتى مع أقرب أصحابه ، خشية من أن يشيع الخبر ولو من غير قصد.

وفي مقطع آخر يشير إلى تربص السلطة به وبأصحابه ، ويأخذ على صاحبه بالسرية إلاّ لمن يطمئن له ، ويكرر محذراً كلمة الذبح مرتين ، قال : « قلت : جعلت فداك ، أسألك عما كان يسأل أبوك ؟ قال : سل تخبر ولا تذع ، فان أذعت فهو الذبح. قال : فسألته فإذا هو بحر. قال : قلت : جعلت فداك ، شيعتك وشيعة أبيك ضلال فالقي إليهم وأدعوهم إليك ، فقد أخذت عليّ الكتمان ؟ قال : من آنست منهم رشداً فألق إليهم ، وخذ عليهم الكتمان ، فإن أذاعوا فهو الذبح. وأشار بيده إلى حلقه » (٣).

__________________

(١) فيه إشارة إلى التأثر بادعاء البعض غيبته ، وهم الناووسية.

(٢) الكافي ١ : ٣٥١.

(٣) الكافي ١ : ٣٥١.

١١٨

وكان لأصحاب الأئمة دور في تمييز الحق بطرق ألفوها مع سائر الأئمة عليهم‌السلام عند ضبابية النص لظروف خاصة ، وذلك من خلال تفوق الإمام بالعلم ، وظهور الكرامات على يده ، والأمارات التي تساعدهم في المعرفة على أنـّه صاحب الملكة النفسانية الرادعة عن المعاصي المسمّاة بالعصمة من بين سائر أولاد الإمام ، ومن بين الطرق التي تميز المدعي من غيره الاختبار العلمي ، وأخيراً لا يقطعون عليه إلاّ بعد تحري النص.

وهناك عدة روايات تدل على تشخيص خلص أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام للإمام الحق ، وإسقاطهم المدعين للإمامة ، من خلال دقة تحريهم في هذا الأمر الخطير ، منها رواية هشام بن سالم المتقدمة ، التي يذهب بها إلى اُسلوب اختبار المقدرة العلمية فضلاً عن النص ، قال : « كنا في المدينة أنا ومحمد ابن النعمان صاحب الطاق والناس مجتمعون على عبد الله بن جعفر على أنه صاحب الأمر بعد أبيه ، فدخلنا عليه والناس عنده ، فسألناه عن الزكاة في كم تجب ، فقال : في مائتي درهم خمسة دراهم ، فقلنا له : ففي مائة ؟ قال : درهمان ونصف ، قلنا : والله ما تقول المرجئة هذا. فقال : والله ما أدري ما تقول المرجئة.

من هنا أسقطوا عبد الله من الإمامة ، فتوجهوا إلى أبي الحسن عليه‌السلام ، فقال هشام قلت : جعلت فداك ، أسألك عما كان يُسأل أبوك ؟ قال : سل تخبر ولا تذع ، فإن أذعت فهو الذبح. قال : فسألته فإذا هو بحر. إلى أن قال : ثم لقينا الناس أفواجاً ، فكان كل من دخل عليه قطع عليه ، وفي كل ذلك يوصي أصحابه بالكتمان » (١).

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٥١.

١١٩

ومنها حديث محمد بن أبي عمير ، وحديث أبي جعفر محمد بن إبراهيم النيسابوري (١) ، إذ توجّها إلى عبد الله بن جعفر بمسائل عرفا من خلالها أنه ليس بصاحبهما.

وأخيراً استطاع أبو الحسن الكاظم عليه‌السلام التوفيق بين حالة الكتمان والإعلان ، عن طريق التصريح بالوصية لخاصته وخلص أصحابه ، وأخذ الحيطة والحذر عليهم ريثما تتوفر الفرصة المناسبة لذلك ، وفي أيام المهدي العباسي اشتهر الإمام عليه‌السلام وتوسعت قاعدة مرجعيته ، بعد أن تساقط المدعين للإمامة واهتدى إليه أكثر من لم يقل بإمامته ، ورجعوا إليه في أمور دينهم.

حجتهم داحضة :

ذكرنا أن الظروف القاهرة جعلت الإمام الصادق عليه‌السلام يوصى إلى أكثر من واحد ، وجعلت الإمام بعده يضطر إلى اُسلوب الكتمان ، حتى أن الرواة من خلص أصحابه كانوا إذا أسندوا الحديث إليه لا يصرحون باسمه تقية عليه ، من هنا استغل بعض الطامعين تلك الظروف ، فتقمصوا المنصب الإلهي الخطير ، وارتدوا غير ردائهم ، وأعلنوا إمامتهم ، كما أن الشيعة ممن لم يصلهم النص الذي اقتصر على الخواص مع أمر الكتمان اختلفوا بعد وفاة أبي عبد الله عليه‌السلام على أقوال سرعان ما انتهت جميعاً إلى القول بإمامة موسى عليه‌السلام.

فقائل يقول : إن الصادق عليه‌السلام لم يمت ولا يموت حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً لأنه القائم المهدي ، وهم الناووسية (٢) ،

__________________

(١) الثاقب في المناقب / محمّد الطوسي : ٤٤٢ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٢٨.

(٢) وهم فرقة من الغُلاة ، منسوبون إلى عبد الله بن ناووس المصري ـ أو البصري ـ ، وقيل عجلان بن ناووس ، نسبة إلى ناووسا. المقالات والفرق / الأشعري : ٢١٢.

١٢٠