الإمام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ

علي موسى الكعبي

الإمام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-37-9
الصفحات: ٢٣٤

أ ـ تأكيد مبدأ الاخوّة :

حرص الإمام الكاظم عليه‌السلام على تربية أصحابه تربية دينية تعكس روح الإسلام ومبادئه ، وقد مارس الإمام عليه‌السلام دور التربية والتوجيه لإعداد الجماعة الصالحة والقاعدة المؤمنة بمرجعيته الفكرية والروحية.

عن إبراهيم بن هاشم ، قال : « رأيتُ عبد الله بن جندب بالموقف ، فلم أر موقفاً أحسن من موقفه ، ما زال مادّاً يديه إلى السماء ودموعه تسيل على خدّيه حتّى تبلغ الأرض ، فلمّا صدر الناس قلت له : يا أبا محمّد ، ما رأيتُ موقفاً أحسن من موقفك. قال : والله ما دعوت إلاّ لإخواني ، وذلك أنّ أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام أخبرني أنّه من دعا لأخيه بظهر الغيب نُودي من العرش : ولك مائة ألف ضعف ، فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا » (١).

كما أكد الإمام الكاظم عليه‌السلام على مبادئ الإخوّة الإيمانية وإشاعة أجواء المحبة والنصيحة بعيداً عن الأنانية والاستئثار والغش والغيبة والتهمة ، وذلك من خلال جملة تعاليم إنسانية وحضارية راقية أدلى بها لأصحابه.

عن عبد المؤمن الأنصاري قال : « دخلت على الكاظم عليه‌السلام وعنده محمد بن عبد الله الجعفي ، فتبسمت في وجهه ، فقال : أتحبه ؟ فقلت : نعم ، وما أحببته إلاّ فيكم ، فقال : هو أخوك ، المؤمن أخو المؤمن لأبيه ولأمه ، ملعون من اتهم أخاه ، ملعون من غش أخاه ، ملعون ملعون من لم ينصح أخاه ، ملعون ملعون من استأثر على أخيه ، ملعون ملعون من احتجب عن أخيه ، ملعون ملعون من اغتاب أخاه » (٢).

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥٤٠ / ٧٢٣.

(٢) اعلام الدين / الديلمي : ١٢٥.

٨١

ويؤكد الإمام عليه‌السلام ضرورة السعي لقضاء حاجة الأخ المؤمن ومساعدته وإجارته مبيناً ثواب هذا العمل وعقاب من لا يلتزم بما يقتضيه.

عن علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : « سمعته يقول : من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله فلم يجره ، بعد أن يقدر عليه ، فقد قطع ولاية الله عز وجل » (١).

وقال عليه‌السلام : « إن لله حسنة ادخرها لثلاثة : لإمام عادل ، ومؤمن حكم أخاه في ماله ، ومن سعى لأخيه المؤمن في حاجته » (٢).

وكان عليه‌السلام لا يقتصر على إصدار الأحكام القولية ، بل يسعى إلى ذلك من خلال سيرته العملية ، وخير دليل على ذلك أياديه البيضاء التي امتدت بالمساعدة إلى قطاعات واسعة من أبناء المجتمع آنذاك ، بحيث أنهم لا يعرفون من أين يأتيهم المال والطعام إلاّ بعد اعتقاله عليه‌السلام ، كما سعى بنفسه لقضاء حاجة إخوانه ، وغرس هذا المبدأ العظيم في نفوس أصحابه.

عن محمد بن سالم ، قال : « لما حمل سيدي موسى بن جعفر عليهما‌السلام إلى هارون جاء إليه هشام بن إبراهيم العباسي ، فقال له : يا سيدي ، قد كتب لي صك إلى الفضل بن يونس ، فسله أن يروّج أمري. قال : فركب إليه أبو الحسن عليه‌السلام فدخل عليه حاجبه ، فقال : يا سيدي ، أبو الحسن موسى بالباب ، فقال : إن كنت صادقاً فأنت حر ولك كذا وكذا ، فخرج الفضل بن يونس حافياً يعدو حتى خرج إليه فوقع على قدميه يقبلهما ، ثم سأله أن يدخل فدخل ، فقال له : اقض حاجة هشام بن إبراهيم ، فقضاها » (٣).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٦٦ / ٤.

(٢) الكافي ٢ : ١٩٦ / ١٣.

(٣) اختيار معرفة الرجال : ٥٠ / ٩٥٧.

٨٢

وكان نتيجة جهود الإمام عليه‌السلام في هذا المضمار أن وجدنا في هذا الوقت رجالاً من أصحابه يقاسمون إخوانهم المال والثياب ديناراً ديناراً ودرهماً درهماً وثوباً ثوباً (١) ، لأنه عليه‌السلام كان يتابع أعمالهم بدقة في هذا الاتجاه.

ب ـ تحذيرهم من الفتن :

كان الإمام الكاظم عليه‌السلام حريصاً على تحذير أصحابه مما يتعرضون له من دسائس للإطاحة بهم ، وذلك لتفويت الفرصة على رجال السلطة من أن ينالوا من أصحابه ، فقد بعث عبد الرحمن بن الحجاج إلى هشام بن الحكم ، يأمره أن يسكت عن الخوض في الكلام ، فكف هشام عن ذلك حتى مات المهدي العباسي (٢) ، وذلك في أعقاب تشديد المهدي العباسي على أهل الأهواء من الزنادقة وغيرهم (٣).

وحذر الإمام عليه‌السلام علي بن يقطين أكثر من مرة ، لكونه متهماً بالولاء للإمام عليه‌السلام ومعرضاً لأقوال الوشاة وما يختلقه رجال البلاط من اتهامات ، فحدث مرة أن الرشيد أهدى إليه ثياباً أكرمه بها ، وكان من جملتها دراعة خزّ سوداء موشاة بالذهب ، فأهدى علي بن يقطين الثياب ومعها الدراعة إلى الإمام الكاظم عليه‌السلام ، ولما وصلت إلى الإمام عليه‌السلام ردّ الدراعة إلى علي بن يقطين وأمره أن يحتفظ بها ، وبعد أيام سعى بعض الوشاة إلى الرشيد ، وذكر له أن ابن يقطين يعتقد بإمامة موسى بن جعفر ويحمل إليه خمس ماله ، وأنه قد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها ، فاستشاط الرشيد غيظاً ، فاستدعى علي بن يقطين وطلب منه إحضارها ، فلم يلبث أن جاء بها في سفط مختوم ووضعه بين يدي الرشيد ، فنظر

__________________

(١) راجع الحديث في بحار الأنوار ٤٨ : ١٧٤ عن كتاب قضاء حقوق المؤمنين.

(٢) رجال الكشي : ٢٢٧ / ١٣١.

(٣) بحار الأنوار ٤٨ : ١٩٦.

٨٣

إلى الدراعة كما هي ، فسكن غضبه وأمر أن يُضرب الساعي (١).

وكتب علي بن يقطين إلى موسى بن جعفر عليهما‌السلام : « اختلف في المسح على الرجلين ، فإن رأيت أن تكتب ما يكون عملي عليه فعلت.

فكتب أبو الحسن عليه‌السلام : الذي آمرك به أن تتمضمض ثلاثاً ، وتستنشق ثلاثاً ، وتغسل وجهك ثلاثاً ، وتخلل شعر لحيتك ثلاثاً ، وتغسل يديك ثلاثاً ، وتمسح ظاهر اذنيك وباطنهما ، وتغسل رجليك ثلاثاً ، ولا تخالف ذلك إلى غيره ، فامتثل أمره وعمل عليه ، فقال الرشيد : أحب أن أستبرئ أمر علي بن يقطين فإنهم يقولون إنه رافضي والرافضة يخففون في الوضوء ، فلما دخل وقت الصلاة راقبه الرشيد بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو ، فتوضأ كما أمره الإمام عليه‌السلام ، فقام الرشيد وقال : كذب من زعم أنك رافضي ، فورد على علي ابن يقطين كتاب الإمام عليه‌السلام : توضأ من الآن كما أمر الله ، اغسل وجهك مرة فريضة والاُخرى إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح مقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما يُخاف عليك » (٢).

٥ ـ هداية الخلق :

هنا يسجل الإمام الكاظم عليه‌السلام موقفاً يمثل أحد أهم واجبات الأنبياء وأوصيائهم عليهم‌السلام باعتبارهم قادة الرسالة والمعنيين بتبليغها ، لانقاذ من أغرتهم

__________________

(١) روضة الواعظين / الفتال : ٢١٣ ، اعلام الورى : ٣٠٢ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٣٤ / ٢٥ ، الفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي : ٢١٨ ، نور الأبصار / الشبلنجي : ٢٠١.

(٢) اعلام الورى : ٢٩٣ ، مناقب آل أبي طالب ٤ : ٢٨٨ ، الثاقب في المناقب : ٤٥١ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٣٥ / ٢٦.

٨٤

الدنيا وإخراجهم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم وساحل الأمان ، من خلال التأثر بسيرتهم الصالحة وبكراماتهم التي حباها لهم الله ، أو من خلال الوعظ والإرشاد ، ممّا له بالغ الأثر في هداية واستبصار الكثيرين ، وقد سجلت لنا كتب الحديث والتاريخ بعض آثار الإمام الكاظم عليه‌السلام في دعوته إلى الإصلاح والإرشاد في أوساط الأمّة المختلفة.

فعلى يده عليه‌السلام تاب بشر الحافي لأنه اجتاز على داره ببغداد ، فسمع الملاهي وأصوات الغناء والقصب تخرج من تلك الدار ، فخرجت جارية وبيدها قمامة البقل فرمت بها في الدرب ، فقال لها : « يا جارية ، صاحب هذه الدار حرّ أم عبد ؟ ، فقالت : بل حر. فقال : صدقت ، لو كان عبداً خاف من مولاه. فلما دخلت قال مولاها وهو على مائدة السكر : ما أبطأك علينا ؟ فقالت : حدثني رجل بكذا وكذا ، فخرج حافياً حتى لقي مولانا الكاظم عليه‌السلام فتاب على يده » (١).

ولما انتقل الإمام عليه‌السلام إلى سجن السندي بن شاهك بأمر هارون ، تعرفت عليه أخت السندي وتأثرت بهديه وصلاحه وعبادته ، فكانت إذا نظرت إليه قالت : خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل (٢). فاعتنقت فكره ومذهبه ، ولعل من آثار ذلك أن أصبح كشاجم الشاعر حفيد السندي من أعلام الشيعة في عصره.

ونقل ابن شهر آشوب عن كتاب الأنوار : « أن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر عليهما‌السلام جارية حصيفة لها جمال ووضاءة لتخدمه في السجن ، فقال للخادم : قل له : ( بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ) (٣) لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها. قال : فاستطار هارون غضباً وقال : ارجع إليه وقل له : ليس

__________________

(١) منهاج الكرامة / العلاّمة الحلي : ٥٨.

(٢) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٢ ، تاريخ أبي الفداء ٢ : ١٥.

(٣) سورة النمل : ٢٧ / ٣٦.

٨٥

برضاك حبسناك ، ولا برضاك أخدمناك. واترك الجارية عنده وانصرف ، قال : فمضى ورجع ، ثم قام هارون عن مجلسه ، وأنفذ الخادم إليه ليتفحص عن حالها ، فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها ، تقول : قدوس ، سبحانك سبحانك ! فقال هارون : سحرها والله موسى بن جعفر بسحره عليّ بها » (١).

وهدى إلى مذهب أهل البيت عليهم‌السلام الحسن بن عبد الله ، وهو رجل زاهد معني بدينه ، وذلك بعد أن طلب منه أن يتفقّه ويطلب الحديث عن فقهاء أهل المدينة ثم يعرض عليه الحديث ، ثم جاء فقرأه عليه فأسقطه كله ، ثم طلب منه أن يسلك سبيل المعرفة ، وعرفه ما يجب عليه معرفته من منهج أهل البيت عليهم‌السلام وما أوجب الله لهم (٢).

ودخل نفر من اليهود على الإمام الصادق عليه‌السلام ، وكان ولده الكاظم عليه‌السلام طفلاً في الخامسة من عمره ، فسألوا الإمام الكاظم عليه‌السلام عن الآيات التسع التي أوتيها موسى بن عمران عليه‌السلام فذكرها لهم ، وسألوه عما أعطي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من الآيات التي نفت الشك عن قلوب من أرسل إليهم ، فعدد عليه‌السلام نحو ستاً وعشرين آية ودلالة من دلالات نبوة خاتم الأنبياء عليهم‌السلام ، فقالوا : نشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأنكم الأئمة القادة والحجج من عند الله على خلقه ، فوثب أبو عبد الله عليه‌السلام فقبّل بين عينيه ، ثم كساهم أبو عبد الله عليه‌السلام ووهب لهم ، وانصرفوا مسلمين (٣).

وأسلم على يده كثير من رهبان النصارى منهم راهب شامي ومعه جماعة بعد أن سائله ، ومن جملة المسائلة قال : «كيف طوبى أصلها في دار عيسى ،

__________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ٢٩٧.

(٢) الكافي ١ : ٣٥٣ / ٨ ، الإرشاد ٢ : ٢٢٣.

(٣) قرب الاسناد : ١٣٢ ، الخرائج والجرائح ١ : ١١١ / ١٨٦.

٨٦

وعندكم في دار محمد ، وأغصانها في كل دار ؟ فقال عليه‌السلام : الشمس قد وصل ضوؤها إلى كل مكان وكل موضع ، وهي في السماء ، قال : والجنة لا ينفد طعامها وإن أكلوا منه ولا ينقص منه شيء ؟ قال : السراج في الدنيا يقتبس منه ولا ينقص منه شيء ، قال : ما يؤكل ويشرب في الجنة لا يكون بولاً ولا غائطاً ؟ قال : الجنين في بطن اُمّه ، قال : أهل الجنة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر ؟ فقال : إذا احتاج الإنسان إلى شيء عرفت أعضاؤه ذلك ، ويفعلون بمراده من غير أمر ، قال : مفاتيح الجنة من ذهب أو فضة ؟ قال : مفتاح الجنة لسان العبد لا إله إلاّ الله ، قال : صدقت » (١).

وأتاه رجل من أهل نجران من الرهبان ومعه راهبة ، فاستأذن لهما الفضل ابن سوار ، فبدأت الراهبة بالمسائل ، فسألت عن مسائل كثيرة ، كل ذلك يجيبها ، وسألها أبو إبراهيم عليه‌السلام عن أشياء لم يكن عندها فيها شيء فأسلمت ، ثم سأله الراهب عن مسائل كثيرة ، كل ذلك يجيبه فيها ، وسأل الراهب عن أشياء حتى انقطع الراهب ولم يكن عنده فيها شيء ، فأخبره بها ، فأسلم الراهب ، ودعا أبو إبراهيم عليه‌السلام بجبة خز وقميص قوهي وطيلسان وخف وقلنسوة فأعطاه إيّاها (٢).

وأتاه رجل نصراني وهو بالعريض ، فسأله عن عدة مسائل فأجابه حتى قطع زنّاره وصليباً كان في عنقه من ذهب وأسلم فحسن إسلامه ، وتزوج امرأة من بني فهر ، وأصدقها أبو إبراهيم عليه‌السلام خمسين ديناراً من صدقة علي بن أبي طالب عليه‌السلام وأخدمه وبوّأه ، وأقام حتى أخرج أبو إبراهيم إلى البصرة ، فمات بعد

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٣ : ١٨٦ ، بحار الأنوار ٤٨ : ١٠٥.

(٢) الكافي ١ : ٤٨١ / ٥.

٨٧

مخرجه بثمان وعشرين ليلة (١).

وناظر بريهة النصراني هشام بن الحكم ، وكان يطلب الإسلام ويطلب من يحتج عليه ممن يقرأ كتبه ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته ، وعرف بذلك حتى اشتهر في النصارى والمسلمين واليهود والمجوس ، وافتخرت به النصارى ، وكان طالباً للحق والإسلام ، وكانت معه امرأة تخدمه ، فجاب بريهة البلدان حتى جاء إلى دكان هشام في الكرخ فناظره حتى أفحم بريهة ، ثم طلب منه أن يصحبه إلى الصادق عليه‌السلام ، فلقوا موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، فحكى له هشام الحكاية ، فلما فرغ قال عليه‌السلام لبريهة النصراني : « كيف علمك بكتابك ؟ ، قال : أنا عالم به وبتأويله ، قال : فابتدأ موسى عليه‌السلام يقرأ الإنجيل ، فقال بريهة : والمسيح لقد كان يقرأها هكذا ، وما قرأ هكذا إلاّ المسيح ، إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك ، فآمن على يديه وحسن إيمانه ، وآمنت المرأة وحسن إيمانها ، فلزم بريهة أبا عبد الله عليه‌السلام حتى مات أبو عبد الله عليه‌السلام ، ثم لزم موسى بن جعفر عليهما‌السلام حتى مات في زمانه ، فغسله بيده وكفنه بيده ولحده بيده ، وقال : هذا حواري من حواريي المسيح ، يعرف حق الله عليه » (٢).

* * *

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٧٨ / ٤.

(٢) الكافي ١ : ٢٢٧ / ١ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٢٦ ، التوحيد : ٢٧٠.

٨٨



الفصل الثّالث

الهوية الشخصية للإمام الكاظم عليه‌السلام

نسبه :

هو أبو الحسن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد باقر العلم ابن علي زين العابدين ابن الحسين السبط الشهيد ابن علي أمير المؤمنين وسيد الوصيين ، سابع أئمة أهل البيت الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين (١).

أُمّه :

أُمّه أُم ولد يُقال لها حميدة ابنة صاعد البربرية ، وتلقب أيضاً بالأندلسية ،

__________________

(١) انظر : ترجمة الإمام الكاظم عليه‌السلام في الكافي ١ : ٤٧٦ ـ باب مولد أبي الحسن موسى ابن جعفر عليهما‌السلام ، الارشاد / الشيخ المفيد ٢ : ٢١٥ ، اعلام الورى ٢ : ٥ ـ الباب السادس ، الهداية الكبرى / الخصيبي : ٢٦٣ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤١٤ ، مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب ٣ : ٤٣٧ ، روضة الواعظين ١ : ٢٦٤ ، تاريخ بغداد ١٣ : ٢٧ ، شذرات الذهب / ابن العماد الحنبلي : ٣٠٤ ، وفيات الأعيان ٥ : ٣٠٨ ، عمدة الطالب / ابن عنبة الحسني : ٢٢٥ ، البداية والنهاية / ابن كثير ١٠ : ١٩٧ ، صفة الصفوة / ابن الجوزي ٢ : ١٨٤ ، ميزان الاعتدال / الذهبي ٣ : ٢٠٩ ، مقاتل الطالبيين : ٤٩٩ ، تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ١٩٦ ، تاريخ التراث العربي / سزكين ٣ : ٢٧٩ ، أعيان الشيعة ٤ : ٨٠ ، الاعلام / الزركلي ٨ : ٢٧٠ ، تاج المواليد / الطبرسي : ١٢١ ، كشف الغمة / الإربلي ٢ : ٢١٢ ، دلائل الإمامة / الطبري : ١٤٦ ، كفاية الطالب / الكنجي : ٤٥٧ ، الفصول المهمة / ابن الصباغ : ٢٣٢ ، سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٧٠ ، نور الأبصار / الشبلنجي : ٣٠١ ، مطالب السؤول / ابن طلحة : ٨٣ ، المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم / ابن الجوزي ٩ : ٨٧.

٨٩

وقال الخصيبي : والبربرية أصح ، وقيل : انّها روميّة ، وقال ابن عنبة : حميدة المغربية ، وتعرف بلؤلؤة والمصفاة (١).

وفي رواية أن الإمام الصادق عليه‌السلام هو الذي لقبها بالمصفاة ، بقوله : « حميدة مصفّاة من الأدناس كسبيكة الذهب ، ما زالت الأملاك تحرسها حتى أدّيت إليّ كرامة من الله لي وللحجة من بعدي » (٢).

اشتراها الإمام الباقر عليه‌السلام وأهداها لولده الإمام الصادق عليه‌السلام ، فأولدها الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام وإسحاق ومحمد (٣) ، وقيل : موسى وإسحاق وفاطمة (٤) ، وكانت من التقيات الثقات ، ولها كرامات.

عن ابن عكاشة الأسدي في حديث طويل حاصله أنه لما أراد الباقر عليه‌السلام تزويج ابنه جعفر الصادق عليه‌السلام أمر بشراء حميدة ، فلما اُحضرت قال لها : « ما اسمك ؟ قالت : حميدة ، فقال عليه‌السلام : حميدة في الدنيا ، محمودة في الآخرة ، ثم قال لابنه جعفر عليه‌السلام : يا جعفر ، خذها إليك. فولدت خير أهل الأرض موسى ابن جعفر عليهما‌السلام » (٥).

مولده :

ولد الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام في الأبواء (٦) ، وكانت ولادته عليه‌السلام على أصح

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٧٩ ، الإرشاد ٢ : ٢١٥ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤١٤ ، إكمال الدين / الصدوق ١ : ٣٠٧ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٧ ، الهداية الكبرى : ٢٦٣ ، تذكرة الخواص : ١٩٦ ، صفة الصفوة ٢ : ١٨٤ ، اعلام الورى ٢ : ٥ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٧.

(٢) الكافي ١ : ٤٧٧ / ٢.

(٣) الإرشاد ٢ : ٢٠٩.

(٤) تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام / رواية كبار المحدثين والمؤرخين : ١٢٣.

(٥) الكافي ١ : ٤٧٦ / ١.

(٦) الأبواء : قرية من أعمال الفرع من المدينة ، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً ، وبها قبر آمنة بنت وهب أم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٩٠

الروايات يوم الأحد السابع من صفر سنة ( ١٢٨ ه‍ ) (١) ، في أيام مروان الحمار آخر ملوك بني أمية ، أو يوم الثلاثاء قبل الفجر من نفس التاريخ المتقدم (٢) ، وقيل : كان مولده سنة ( ١٢٩ ه‍ ) (٣).

وفي رواية منسوبة إلى الإمام أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام : ولد بالأبواء بين مكة والمدينة ، في شهر ذي الحجة سنة ( ١٢٧ ه‍ ) (٤).

واحتفى الإمام الصادق عليه‌السلام بوليده فرحاً وسروراً ، قال أبو بصير : «كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسى عليه‌السلام ، فلما نزلنا الأبواء وضع لنا أبو عبد الله عليه‌السلام الغداء ولأصحابه وأكثره وأطابه ، فبينا نحن نتغدى إذ أتاه رسول حميدة : إن الطلق قد ضربني ، وقد أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا. فقام أبو عبد الله عليه‌السلام فرحاً مسروراً ، فلم يلبث أن عاد إلينا حاسراً عن ذراعيه ضاحكاً سنّه ، فقلنا : أضحك الله سنّك ، وأقرّ عينك ، ما صنعت حميدة ؟ فقال : وهب الله لي غلاماً ، وهو خير من برأ الله ، ولقد خبرتني عنه بأمر كنت أعلم به منها. قلت : جعلت فداك وما خبرتك عنه حميدة ؟ قال : ذكرت أنه لما وقع من بطنها وقع واضعاً يديه على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء ، فأخبرتها أن

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٧٦ ، روضة الواعظين ١ : ٢٦٤ ، الإرشاد ٢ : ٢١٥ ، اعلام الورى ٢ : ٥ ، تاج المواليد / الطبرسي : ١٢١ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٧ ، الهداية الكبرى : ٢٦٣ ، كشف الغمة ٢ : ٢١٢ ، تاريخ بغداد ١٣ : ٢٧ ، دلائل الإمامة : ١٤٦ ، تذكرة الخواص : ١٩٦ ، كفاية الطالب : ٤٥٧ ، الفصول المهمة : ٢٣٢ ، الدروس للشهيد : ١٥٤ ، المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم ٩ : ٨٧.

(٢) تاج المواليد : ٤٥ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٧.

(٣) تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام : ٨٢ ، مطالب السؤول : ٨٣ ، صفة الصفوة ٢ : ١٨٧ ، تذكرة الخواص : ١٩٧ ، نور الأبصار : ٣٠١ ، وراجع المصادر المتقدمة.

(٤) دلائل الإمامة : ٣٠٣.

٩١

تلك أمارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمارة الإمام من بعده » (١).

ولم يقم الصادق عليه‌السلام بعد ولادته في الأبواء طويلاً ، بل عاد إلى يثرب ، فأولم بهذه المناسبة وأطعم ضيوفه ثلاثة أيام ، عن منهال القصاب ، قال : خرجت من مكة وأنا اُريد المدينة ، فمررت بالأبواء وقد ولد لأبي عبد الله عليه‌السلام ، فسبقته إلى المدينة ، ودخل بعدي فأطعم الناس ثلاثاً ، فكنت آكل فيمن يأكل ، فما آكل شيئاً إلى الغد حتى أعود فآكل ، فمكثت بذلك ثلاثاً أُطعم حتى أرتفق ثم لا أطعم شيئاً إلى الغد (٢).

حليته وصفته :

وُصف عليه‌السلام في المصادر التي ترجمت له بأنه أسمر عميق حالك ، أي شديد السمرة ، وكان عليه‌السلام أزهر إلاّ في القيظ لحرارة مزاجه ، ربع (٣) كثّ اللحية (٤).

ووصفه عليه‌السلام شقيق بن إبراهيم البلخي الأزدي (٥) حينما خرج حاجاً في سنة ( ١٤٩ ه‍ ) ، قال : فنظرت إلى فتى حسن الوجه ، شديد السمرة ، ضعيف ، فوق ثيابه ثوب من صوف ، مشتمل بشملة ، في رجليه نعلان (٦).

__________________

(١) الكافي ١ : ٣١٦ / ١ ، المحاسن / البرقي ٢ : ٣١٤ / ٣٢ ، بصائر الدرجات / الصفار : ٤٦٠ / ٤.

(٢) المحاسن ٢ : ٤١٨ / ١٨٧.

(٣) الأزهر : المشرق المتلالئ لا الأبيض ، وقوله : لحرارة ، تعليل لعدم الزهرة في القيظ ، والربع : متوسط القامة.

(٤) الفصول المهمة : ٢٣٢ ، بحار الأنوار ٤٨ : ١١.

(٥) زاهد صوفي ، من مشاهير المشايخ في خراسان ، حدث عن أبي حنيفة ، وقتل في غزاة كولان سنة ( ١٥٣ ه‍ ) ، وقيل : سنة ( ١٩٤ ه‍ ). سير أعلام النبلاء ٩ : ٣١٣ ، حلية الأولياء ٨ : ٥٨.

(٦) كشف الغمة ٣ : ٣ ، نور الأبصار : ١٤٩ ، تذكرة الخواص : ٣٤٨ ، صفة الصفوة ٢ :

٩٢

ووصفه المأمون حين دخوله على الرشيد في موسم الحج : « شيخ مسخد (١) ، قد أنهكته العبادة ، كأنه شنّ بال ، قد كلم السجود وجهه وأنفه » (٢).

ومن صفات نفسه الزكية أنه كان أجل الناس شأناً ، وأعلاهم في الدين مكاناً ، وأسخاهم بناناً ، وأفصحهم لساناً ، وأشجعهم جناناً ، وقد خص بشرف الولاية ، وحاز إرث النبوّة ، وبُوِّأ محلّ الخلافة ، سليل النبوة ، وعقيد الخلافة (٣).

وكان عليه‌السلام عظيم الفضل ، رابط الجأش ، واسع العطاء ، لقب بالكاظم لكظمه الغيظ وحلمه (٤).

كنيته :

كان عليه‌السلام يكنى أبا الحسن وأبا إبراهيم وأبا علي ، أو الخاص أبا علي (٥) ، وقيل : أبو اسماعيل (٦) ، وأشهرها الأول ، وقيل : الأثبت أبو إبراهيم ، لأنه قال عليه‌السلام : « منحني أبي كنيتين » (٧) ، ويقال له أبو الحسن الأول أو الماضي ، وللرضا عليه‌السلام أبو الحسن الثاني ، ولعلي بن محمد النقي عليه‌السلام أبو الحسن الثالث ، فإذا ورد حديث عن أبي الحسن وأطلق أو خصص بالماضي أو الأول ، فالمراد موسى

__________________

١٨٥ ، الفصول المهمة : ٢٣٣ ، إسعاف الراغبين : ٢٤٧ ، دلائل الإمامة : ١٥٢ ، مطالب السؤول : ٨٣.

(١) أي مصفر الوجه.

(٢) عيون أخبار الرضا ١ : ٨٨ / ١١.

(٣) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٧.

(٤) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : ٢٢٦.

(٥) روضة الواعظين : ٢٦٤ ، الهداية الكبرى : ٢٦٣ ، بحار الأنوار ٤٨ : ١١ ، اعلام الورى ٢ : ٥ ، تاج المواليد : ٤٥ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٧.

(٦) مطالب السؤول : ٨٣ ، بحار الأنوار ٤٨ : ١١.

(٧) الارشاد ٢ : ٢١٥.

٩٣

ابن جعفر الكاظم عليه‌السلام (١).

ألقابه ونعوته :

عرف عليه‌السلام بألقاب ونعوت كثيرة تدل على خصال نفسه الكريمة وخلال روحه السامية ، كالكاظم ، والعالم ، والأمين ، والمأمون ، والصابر ، والصالح ، والوفي ، وراهب بني هاشم ، ومنقذ الفقراء ، وأسخى العرب ، وأعبد أهل زمانه ، وأفقه الثقلين ، ومطعم المساكين ، وحليف كتاب الله ، والنفس الزكية ، وزين المجتهدين ، والزاهر ، وسمي بذلك لأنه زهر بأخلاقه الشريفة وكرمه المضيئ التام ، والمصلح ، والمبرهن ، والبيان ، وذو المعجزات ، والرشيد ، والطيب ، والسيد ، والمبارك ، والتابع لمرضاة الله ، والدليل على ذات الله عزّ وجلّ ، والسبط ، والكهف الحصين ، وقوام آل محمد ، ونظام أهل البيت ، ونور أهل بيت الوحي ، ولقبه الله في اللوح بالمنتخب ، وعرف في بعض الأسانيد وغيرها بالعبد الصالح ، لعبادته واجتهاده وقيامه بالليل ، وعرف بعد وفاته بباب الحوائج إلى الله ، لنجح مطالب المتوسلين إلى الله تعالى به (٢).

وأشهر ألقابه عليه‌السلام الكاظم ، والكاظم في اللغة : الممتلئ خوفاً وحزناً ، ومنه : كظم قربته ، إذا شدّ رأسها ، والكاظمة : البئر الضيقة والسقاية المملوءة.

واختلف المؤرخون في سبب اطلاق هذا اللقب ، لكنهم اتفقوا على أنه سمي

__________________

(١) التتمة في تواريخ الأئمّة عليهم‌السلام / تاج الدين العاملي : ١٣٦ ، ألقاب الرسول وعترته / لقدماء المحدثين : ٦.

(٢) روضة الواعظين : ٢٦٤ ، الارشاد ٢ : ٢١٥ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٧ ، تذكرة خواص الأمّة : ١٩٦ ، الغيبة / النعماني : ١٣٠ ، مطالب السؤول : ٨٣ ، تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام : ١٣٨ ، الهداية الكبرى : ٢٦٣ ، بحار الأنوار ٤٨ : ١١ و ١٧٤ ، ملحقات إحقاق الحق / السيد المرعشي ٣٣ : ٨٢٩.

٩٤

الكاظم لكظمه الغيظ ، وسعة حلمه ، وكثرة تجاوزه ، واحسانه إلى من يسيء إليه ، وكان هذا دأبه دائماً.

وقالوا : إنما سمي عليه‌السلام بالكاظم لما كظمه من الغيظ ، واحتمل من الأذى ، وصبر على فعل الظالمين به ، وسقوه السم مراراً حتى مضى عليه‌السلام قتيلاً في حبسهم ووثاقهم (١).

عن ربيع بن عبد الرحمن ، قال : « كان والله موسى بن جعفر عليهما‌السلام من المتوسمين ، يعلم من يقف عليه (٢) بعد موته ، ويجحد الإمام بعده إمامته ، فكان يكظم غيظه عليهم ، ولا يبدي لهم ما يعرفه منهم ، فسمي الكاظم لذلك » (٣).

وقال سبط ابن الجوزي : « كان موسى عليه‌السلام جواداً حليماً ، وإنما سمّي الكاظم لأنه كان إذا بلغه عن أحد شيء بعث إليه بمال » (٤).

نقش خاتمه :

أخرج الصدوق عن الإمام الرضا عليه‌السلام قال : « كان نقش خاتم أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : حسبي الله ، قال الحسين بن خالد : وبسط أبو الحسن الرضا عليه‌السلام كفه وخاتم أبيه في إصبعه حتى أراني النقش » (٥).

وعن يونس والبزنطي ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : « كان نقش خاتم

__________________

(١) تذكرة الخواص : ١٩٦ ، اعلام الورى ٢ : ٣٢ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٧ ، ألقاب الرسول وعترته : ٦٣ ، بحار الأنوار ٤٨ : ١١.

(٢) أي يتوقف عليه ويدعي مهدويته ، ولا يقول بإمامة ولده الرضا عليه‌السلام.

(٣) عيون أخبار الرضا ١ : ١١٢.

(٤) تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ١٩٦.

(٥) أمالي الصدوق : ٥٤٣ / ٧٢٦ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ٥٤ / ٢٠٦.

٩٥

أبي الحسن عليه‌السلام : حسبي الله ، وفيه وردة وهلال في أعلاه » (١).

وعن الحسن بن علي بن مهران وعلي بن مهزيار ، قال : « دخلت على أبي الحسن موسى عليه‌السلام وفي اصبعه خاتم فصه فيروزج ، نقشه : اللهُ المَلِكُ » (٢).

وعن ابن الصباغ وغيره : نقش خاتمه : الملك لله وحده (٣).

وعن الإربلي والكفعمي : نقش خاتمه : كن من الله على حذر ، وقيل : من كثرت سلامته دامت علته (٤).

شاعره :

شاعره عليه‌السلام السيد الحميري (٥) ، والظاهر من حديث درست بن أبي منصور أن الكميت بن زيد كان يتردد على الإمام الكاظم (٦).

بوّابه :

بوابه عليه‌السلام : محمد بن المفضّل (٧).

عمره ومدّة إمامته :

تقدم أن الإمام الكاظم عليه‌السلام ولد في سنة ( ١٢٨ ه‍ ) ، وقيل : سنة ( ١٢٩ ه‍ ) ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٧٣ ، بحار الأنوار ٨٤ : ١٠ و ١١.

(٢) الكافي ٦ : ٤٧٢ / ٢ ، ثواب الأعمال / الصدوق : ٢٠٩ ، مكارم الأخلاق : ٨٩ ، عدة الداعي / ابن فهد : ١١٩.

(٣) الفصول المهمة / ابن الصباغ : ٢٣٢.

(٤) مصباح الكفعمي : ٥٢٣ ، كشف الغمة ٢ : ٦٨ ، التتمة في تواريخ الأئمّة عليهم‌السلام : ١٠٦.

(٥) الفصول المهمة : ٢٣٢ ، بحار الأنوار ٤٨ : ١٧٣.

(٦) اختيار معرفة الرجال / الطوسي ٢ : ٤٦٥ / ٣٦٤.

(٧) الفصول المهمة : ٢٣٢ ، تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام : ١٤٨ ، الهداية الكبرى : ١٢٨ ، مصباح الكفعمي : ٥٢٣ ، نور الأبصار : ١٦٤ ، وفي مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٨ : بوابه المفضّل بن عمر ، والظاهر أنه تصحيف محمد بن المفضل بن عمر المتقدم.

٩٦

واستُشهد مسموماً في حبس الرشيد لعنه الله سنة ( ١٨٣ ه‍ ) ، وقيل : سنة ( ١٨٦ ه‍ ) وبناءً على ذلك ، فإن مدة عمره عليه‌السلام على أصح الروايات خمس وخمسين سنة ، عشرون منها مع أبيه عليهما‌السلام ، لشهادة أبيه الصادق عليه‌السلام سنة ( ١٤٨ ه‍ ) ، وهي مدة إمامته (١).

وقال سبط ابن الجوزي : « واختلفوا في سنه على أقوال ، أحدها : خمس وخمسون سنة ، والثاني : أربع وخمسون (٢) ، والثالث : سبع وخمسون ، والرابع : ثمان وخمسون (٣) ، والخامس : ستون » (٤) ، وذكر الخصيبي أنه عليه‌السلام مضى وله تسع وأربعون سنة (٥).

وعن سليمان بن حفص ، أنه عليه‌السلام توفي وهو ابن سبع وأربعين سنة (٦).

أما قوله : أربع وخمسون وسبع وخمسون وثمان وخمسون سنة ، فهو مبني على الخلاف المتقدم في سنة ولادته ووفاته ، وباقي الأقوال لا يوجد ما يؤيدها ، ومعارضة بالمسلم من الروايات في هذا الشأن.

وذكر الخصيبي أن مقامه مع أبيه جعفر الصادق عليهما‌السلام أربع عشرة سنة (٧) ، وهو يستلزم إما تأخر ولادته بأربع سنين ، أو تقدم موت أبيه بهذا القدر ، ولم

__________________

(١) الارشاد ٢ : ٢١٥ ، اعلام الورى ٢ : ٥ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٧ ، تاج المواليد : ١٢١.

(٢) وهو مروي في الكافي ١ : ٤٨٦ عن أبي بصير ، وذكر الشيخ الكليني أنه قبض وهو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة.

(٣) ورد هذا القول أيضاً في تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤١٤.

(٤) تذكرة الخواص : ١٩٦.

(٥) الهداية الكبرى : ٢٦٣.

(٦) عيون أخبار الرضا ٢ : ٩٧ / ٧.

(٧) الهداية الكبرى : ٢٦٣.

٩٧

ترد رواية تؤيد ذلك.

أزواجه :

كل أزواجه أمهات أولاد ، منهن أم الإمام الرضا عليه‌السلام ، وهي السيدة نجمة ، وكنيتها أُمّ البنين ، وهي جارية مولّدة من أشراف العجم ، حيث ولدت في ديار العرب ، ونشأت مع نسائهم وبناتهم وتأدّبت بآدابهم ، ولها أسماء وألقاب أخرى ، وهي سكن ، وأروى ، وسمانة ، وخيزران المرسية ، وشقراء ، وصقر ، وسكينة النوبيّة ، وشهد ، وسُلافة ، ولما ولدت الرضا عليه‌السلام سمّاها الإمام الكاظم عليه‌السلام الطاهرة ، وسمّاها الإمام الكاظم عليه‌السلام تكتم حين ملكها (١) ، قال الشاعر :

ألا أن خير الناس نفسا ووالدا

ورهطا وأجدادا عليُّ المعظم

أتتنا به للعلم والحلم ثامنا

إماما يؤدّي حجّة الله تكتم (٢)

وكانت في غاية العبادة والتقى ، وجاء في فضلها كثير من الأخبار ، ذكر الشيخ الصدوق : « أن الإمام الكاظم عليه‌السلام أمر هشام بن أحمر بشرائها من نخاس كان قد أتى بها من أقصى بلاد المغرب ، وجعلها عند اُمه السيدة حميدة ، وجاء عنها أنها رأت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام فقال لها : ياحميدة ، هبي نجمة لابنك موسى ، فأنّه سيولد له منها خير أهل الأرض ، فوهبتها له » (٣).

وفي رواية : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « يا ابن أحمر ، أما انها تلد مولوداً ليس

__________________

(١) إكمال الدين ١ : ٣٠٧ ، الاختصاص / الشيخ المفيد : ١٩٧ ، كشف الغمّة ٢ : ٢٦٧ ، فرق الشيعة / النوبختي : ٩٦ ، تراجم أعلام النساء / الأعلمي ٢ : ٢٠٧ ، بحار الأنوار ٤٩ : ٣ / ٣ و ٦ / ٧ ، و ١٥ و ١٦.

(٢) عيون أخبار الرضا ١ : ١٣ / ٢.

(٣) عيون أخبار الرضا ١ : ١٤ / ٤ ، الاختصاص / المفيد : ١٩٦.

٩٨

بينه وبين الله حجاب » (١).

أولاده :

اختلف المؤرخون في عدد أولاد الإمام الكاظم عليه‌السلام وعدد الاُناث والذكور منهم وأسمائهم ، فأقلّ ما قالوه أنهم ثلاثون : خمسة عشر ولداً وخمس عشرة اُنثى ، وذكروا أنهم سبعة وثلاثون : عشرون أبناً وسبع عشرة بنتاً ، وقيل : ثمان وثلاثون : عشرون ابناً وثماني عشرة بنتاً ، وقيل : تسع وثلاثون ولداً ذكراً واُنثى ، بينما ذكر بعضهم أنهم أربعون : عشرون ذكراً وعشرون اُنثى ، أو واحد وأربعون : ثمانية عشر ذكراً وثلاث وعشرون بنتاً ، وأكثر ما قالوه ستون ، منهم سبع وثلاثون بنتاً وثلاثة وعشرون ابناً.

فالمعدود من الذكور ثمانية عشر وهم : الإمام علي الرضا عليه‌السلام ، وإبراهيم ، والعباس ، والقاسم ، وإسماعيل ، وجعفر ، وهارون ، والحسن ، وأحمد ، ومحمد ، وعبيد الله ، وحمزة ، وزيد ، وعبد الله ، وإسحاق ، والحسين ، والفضل ، وسليمان. وزاد آخرون : إبراهيم الأصغر ، وأبو بكر ، وجعفر الأصغر ، وعمر ، وعبد الرحمن ، ويحيى ، وعقيل ، وداود.

ودرج منهم خمسة لم يعقبوا بغير خلاف وهم : عبد الرحمن ، وعقيل ، والقاسم ، ويحيى ، وداود.

أما الاُناث فالمعدود منهنّ تسع عشرة وهنّ : فاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ورقية الكبرى ، وحكيمة ، وأم أبيها ، ورقية الصغرى ، وكلثم ، وأم جعفر ، ولبابة ، وزينب ، وخديجة ، وعلية ، وآمنة ، وحسنة ، وبريهة ، وعائشة ، وأم سلمة ، وميمونة ، وأم كلثوم. وزاد آخرون : أم فروة ، وأسماء ، وأم عبد الله ،

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٨ : ٩.

٩٩

وزينب الصغرى ، وأم القاسم ، وحواء ، وأسماء الصغرى ، ومحمودة ، واُمامة (١).

في سيرة بعضهم :

لكل واحد من ولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام فضل ومنقبة مشهورة ، وكان أفضل ولد أبي الحسن موسى عليه‌السلام وأنبههم وأعظمهم قدراً ، وأعلمهم وأجمعهم فضلاً ، هو أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، ثامن أئمة الهدى وأعلام التقى من أهل البيت عليهم‌السلام (٢).

وفيما يلي نذكر سيرة بعض أولاد الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام.

١ ـ إبراهيم الأكبر : وكان سخياً شجاعاً كريماً ، تقلد الإمرة على اليمن في أيام المأمون من قبل محمد بن محمد بن زيد بن علي الذي بايعه أبو السرايا بالكوفة ، ومضى إليها ففتحها وأقام بها مدة إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان ، فأخذ له الأمان من المأمون (٣).

٢ ـ إبراهيم الأصغر : وهو المشهور بإبراهيم المجاب ، المدفون بالحائر الحسيني ، وهو جد السيدين الجليلين الشريفين : السيد المرتضى ، والسيد الرضي (٤).

__________________

(١) كفاية الطالب : ٤٥٧ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤١٤ ، الارشاد ٢ : ٢١٥ ، ملحقات إحقاق الحق ٣٣ : ٨٢١ و ٨٣٢ ، الفصول المهمة : ٢٤١ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٨٧ و ٣٠٣ ، تذكرة الخواص : ١٩٧ ، مطالب السؤول : ٨٤ ، المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم ٩ : ٨٧ ، البداية والنهاية ١٠ : ١٩٧ ، كشف الغمة ٢ : ٢١٣ ، عمدة الطالب : ١٩٦ ، سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٧٤.

(٢) الارشاد ٢ : ٢٤٥ ، الفصول المهمة : ٢٣٢.

(٣) الارشاد ٢ : ٢٤٥ ، مقاتل الطالبيين : ٣٥٥ ، الفصول المهمة : ٢٣٢ ، سر السلسلة العلوية / أبو نصر البخاري : ٣٧.

(٤) عمدة الطالب : ٢٠٢ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٣٠٣ ، والظاهر من أغلب المحدثين أن

١٠٠