جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

السابق ظاهر في ما بعد ولوج الروح فلاحظ وتأمل.

هذا كله في الجنين المسلم ( و ) أما ( لو كان ذميا ) حكما ( فـ ) ـديته ( عشر دية أبيه ) كجنين المسلم بلا خلاف أجده فيه ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، بل الظاهر أنه كذلك كما اعترف به غير واحد ، مؤيدا بما عساه يستفاد من النصوص والفتوى من مساواة دية الذمي لدية المسلم في تعلق مثل هذه الأحكام بها على حسب النسبة ، ( و ) لكن‌

في روايت ي مسمع والسكوني (١) عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام « أنه قضى في جنين اليهودية والنصرانية والمجوسية ( عشر دية أمه ) » مؤيدين بمناسبته لجنين المملوكة باعتبار ما ورد (٢) من كونهم مماليك الإمام ، وإن كان هو كما ترى ، ضرورة عدم إرادة الملك الذي يجوز (٣) عليه مثل الحكم المزبور ، فلا مؤيد للخبرين المزبورين كما لا جابر لهما ، كي يصلح معارضا لما عرفت من الإجماع المحكي الذي يشهد له التتبع والمؤيد بما عرفت ، بل في القواعد : والأقرب حمله على ما لو كانت مسلمة أي كانت ذمية فأسلمت قبل الجناية والإسقاط ، وإن كان فيه أن المتجه حينئذ كون ديته تامة لكونه بحكم المسلم إلا على القول بأن دية الأنثى خمسون وربما احتمل القول بالتفصيل هنا ، والفرق في جنين الذمي بين ذكره وأنثاه وحمل الخبر على الأنثى ، وربما احتمل الحمل على حربية الأب ، والأولى إراحها والأنثى خمسون (٤) ( والعمل على الأول ) لما عرفته من ضعفهما وإعراض الأصحاب عنهما أو حملهما على ما لا ينافي إطلاق الحكم المزبور ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ١ و ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد من كتاب النكاح الحديث ٢ وأيضا الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه من كتاب النكاح الحديث الأول. وأيضا الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب العدد من كتاب الطلاق الحديث الأول.

(٣) يجري ن ل.

(٤) كذا في النسخ الثلاثة التي راجعناها والظاهر زيادتها.

٣٦١

والله العالم.

( أما ) الجنين ( المملوك فعشر قيمة أمة المملوكة ) ذكرا كان أو أنثى وفاقا للمشهور ، بل عليه عامة المتأخرين ، بل عن الخلاف والسرائر الإجماع عليه ، لقوي (١) السكوني عن الصادق عليه‌السلام « في جنين الأمة عشر ثمنها ».

خلافا للمحكي عن المبسوط فعشر قيمة الأب إن كان ذكرا وعشر قيمة الأم إن كان أنثى ، وهو مع شذوذه لم نعرف مستنده ، بل المحكي عن موضع منه « وأما إن كان الجنين عبدا فعشر قيمته إن كان ذكرا وكذلك عشر قيمته إن كان أنثى وعندهم نصف عشر قيمة أمه » (٢) وعن موضع آخر « إذا ضرب بطن أمة فألقت جنينا ميتا مملوكا ففيه عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى وعند قوم غرة تامة مثل جنين الحرة وهو الذي رواه أصحابنا » (٣) وعن ابن إدريس أنه حكاه عنه كذلك ، وقال : « هيهنا يحسن قول « اقلب تصب » بل ورواية أصحابنا ما قدمه (٤) ».

وفي المختلف حكاية عبارة المبسوط « وعند قوم اعتباره بأبيه مثل جنين الحرة وهو الذي رواه أصحابنا » ، ثم إنه حكي عن ابن إدريس ما سمعته وقال : هذا تجاهل من ابن إدريس ، وشيخنا أعرف بالروايات منه ، وقد أورد طرفا منها صالحا وتأولها على جاري عادته (٥) ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢.

(٢) حكاه في كشف اللثام ج ٢ ص ٣٣٩ عن المبسوط. وراجع المبسوط ج ٧ ص ١٩٧ و ٢٠٥ وفيه هكذا : ففيه عشر قيمة امه ذكرا كان أو أنثى عند قوم أو غرة تامة إلخ.

(٣) حكاه في كشف اللثام ج ٢ ص ٣٣٩ عن المبسوط. وراجع المبسوط ج ٧ ص ١٩٧ و ٢٠٥ وفيه هكذا : ففيه عشر قيمة امه ذكرا كان أو أنثى عند قوم أو غرة تامة إلخ.

(٤) السرائر باب دية الجنين وفيه هكذا : وعند قوم غرة أمة مثل جنين الحرة إلخ.

(٥) المختلف ج ٧ ص ٢٦١ وفيه هكذا : وعند قوم غرة تامة إلخ وراجع مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٥٠٧ فان السيد ره احتمل التصحيف في العبارة وهو غير بعيد.

٣٦٢

ولا يخفى عليك عدم إنصافه لابن إدريس في ذلك إذ لم نعرف شيئا من النصوص فيما ذكره ، نعم قد روى هو روايات الغرة في مطلق الجنين كما سمعته سابقا وتأولها بما عرفت.

وعلى كل حال فلو كانت أمه حرة بأن أعتقت بعد الحمل أو اشترط الرقية وأجزناه ، ففي القواعد « إن الأقرب عشر قيمة أبيه (١) » « لأن الأصل في الولد أن يتبع الأب وحكم الجنين الحر ذلك خرج ما إذا كانت أمه أمة بالنص والإجماع (٢) » وفيه ما لا يخفى من عدم موقع للأصل المزبور فيما نحن فيه. ثم قال : « ويحتمل عشر قيمة الأم على تقدير الرقية (٣) » « ولعله لعموم النص والفتوى باعتبار قيمتها (٤) » ولكن فيه أنهما فيما إذا كانت الأم أمة لا مطلقا.

وفي التحرير « الأقرب عشر دية أمه ما لم تزد على عشر قيمة أمه ولم أقف في ذلك على نص (٥) ».

وفي كشف اللثام « جمعا بين عموم النص والفتوى باعتبار قيمتها ورق الجنين الموجب لعدم زيادة ديته على قيمة أبيه الرقيق » وهو كما ترى.

ولعل المتجه فيما خرج عن مورد النص ملاحظة قيمة جنين المملوك غير الساقط بمعنى أنه يقوم جنينا قبل عروض الجناية ويغرم قيمته ، والله العالم.

( ولو كان الحمل زائدا عن واحد فلكل واحد دية ) على حسب ما عرفته‌

__________________

(١) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٥٠٧.

(٢) قوله : لأن الأصل إلخ من عبارة كشف اللثام لا القواعد.

(٣) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٥٠٧.

(٤) قوله : ولعله إلخ من عبارة كشف اللثام أيضا ج ٢ ص ٣٣٩.

(٥) التحرير ج ٢ ص ٢٧٧.

٣٦٣

في المسلم الحر والذمي والمملوك كما هو واضح.

( و ) كيف كان فـ ( ـلا كفارة على الجاني ) عندنا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لعدم صدق القتل بعد فرض عدم ولوج الروح ، خلافا للمحكي عن الشافعي فأوجبها فيما وجب فيه غرة ومنه الجنين التام خلقة قبل ولوج فيه عنده ، وهو واضح الضعف ، وما عن أبي علي ـ من أنه إن حكم عليه بديات أجنة قتلهم كان عليهم من الكفارة لكل جنين رقبة مؤمنة ـ غير مخالف ، لعدم صدق القتل في الفرض فالأصل حينئذ بحاله.

هذا كله في الجنين قبل ولوج الروح فيه ( و ) أما ( لو ولجت فيه الروح فدية كاملة للذكر ونصف للأنثى ) في الحر المسلم والذمي بلا خلاف ولا إشكال ، لما سمعته من النصوص (١) المعتضدة بالعمومات.

ولو كانت مملوكا فقيمته حين سقوطه ، خلافا للعماني والإسكافي فقالا إن مات الجنين في بطنها ففيه نصف عشر قيمة أمه وإن ألقته حيا ثم مات ففيه عشر قيمة أمه لخبر أبي سيار (٢) كما في الكافي ، وعبد الله بن سنان كما في الفقيه ، وفي التهذيب ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام « في رجل قتل جنين أمة لقوم في بطنها فقال : إن كان مات في بطنها بعد ما ضربها فعليه نصف عشر قيمة أمه ، وإن كان ضربها فألقته حيا فمات فإن عليه عشر قيمة أمه » ‌ولكن ضعفه مع عدم الجابر يمنع من العمل به ، مع احتماله التقويم بذلك.

فالأصح ما عرفته من غير فرق بين الموت في البطن وغيرها وبين المملوك وغيره ،

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء.

(٢) الكافي ج ٧ ص ٣٤٤ الفقيه ج ٤ ص ١٤٦ وفيه « الأمة » مكان « امه » في الموضعين التهذيب ج ١٠ ص ٢٨٨ عن مسمع ، وأما رواية التهذيب عن ابن سنان فلم أجده في كتاب الديات منه ، ولكن أشار إليها في الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب ديات الأعضاء ذيل الحديث الأول.

٣٦٤

بل هو صريح بعض النصوص السابقة أو كصريحها. نعم ظاهر خبر سليمان (١) ابن صالح اعتبار استهلاله في وجوب الدية ، وهو محمول على المثال ، فما عن ابن زهرة والتقي من الفرق بينهما في غير المملوك بنصف الدية في الأول وتمامها في الثاني واضح الضعف ، وإن حكى هو عليه الإجماع ، إلا أنه موهون بعدم موافقة أحد لهما فيما أجد عليه إلا ما سمعته من القديمين في المملوك الخارج عن كلامه.

وربما احتمل إرجاع كلامهما إلى كلام المشهور ، لكنه في غاية البعد.

( و ) كيف كان فـ ( ـلا تجب ) الدية الكاملة ( إلا مع تيقن الحياة ) بالاستهلال ونحوه مما يعلم به ذلك للأصل ( ولا اعتبار بالسكون بعد الحركة لاحتمال كونها عن ريح ) ونحوه مما يكون به الاختلاج كما يتفق للحم إذا عصر شديدا ، والمذبوح بعد زوال روحه ، نعم لو فرض تحركه على وجه يمتاز عن ذلك بحيث يعلم منها حياته اعتبر وكان كغيره مما يدل على حياته.

فما عن الزهري من الاكتفاء بمطلق الحركة لا وجه له ، بل عن ظاهر الأصحاب عدم اعتبار مضي الأربعة أشهر في الحكم بحياته على وجه يترتب عليه الدية ، وإن‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر زرارة (٢) « السقط إذا تم له أربعة أشهر غسل » ‌وأفتى بمضمونه الأصحاب إلا أن ذلك لا يقتضي تحقق العنوان في المقام.

نعم ظاهر‌ خبر أبي شبل (٣) الاكتفاء بالخمسة « قال : حضرت يونس الشيباني وأبو عبد الله عليه‌السلام يخبره بالديات قال : قلت : فإن النطفة خرجت متخضخضة (٤) بالدم ، قال : فقال لي : فقد علقت إن كان دما صافيا ففيها أربعون دينارا وإن كان‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب غسل الميت الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٦ ، وراجع الكافي ج ٧ ص ٢٤٦ والفقيه ج ٤ ص ١٤٤ والتهذيب ج ١٠ ص ٢٨٤ وتفسير القمي ص ٤٤٥.

(٤) في هذه الكلمة احتمالات راجع المصادر المذكورة.

٣٦٥

دما أسود فلا شي‌ء عليه إلا التعزير ، لأنه ما كان من دم صاف فذلك الولد ، وما كان من دم أسود فإن ذلك من الجوف.

قال أبو شبل : فإن العلقة صار فيها شبه العروق من اللحم ، قال : فيها اثنان وأربعون دينارا العشر ، قال : قلت : فإن عشر أربعين أربعة قال : لا إنما هو عشر المضغة ، لأنه إنما ذهب عشرها فكلما زادت زيد حتى تبلغ الستين ، قال : فإني رأيت في المضغة شبه العقدة عظما يابسا ، قال : فذاك عظم كذلك أول ما يبتدأ العظم فيبتدأ بخمسة أشهر ففيه أربعة دنانير فإن زاد فزد أربعة أربعة حتى يتم الثمانين ، قال : قلت وكذلك إذا كسي العظم لحما ، قال : كذلك. قلت : فإذا وكزها فسقط الصبي ولا يدري أحي كان أم لا؟ قال : هيهات يا أبا شبل إذا مضت الخمسة أشهر فقد صارت فيه الحياة وقد استوجب الدية ».

إلا أني لم أجد عاملا به لا ما يحكي عن الصدوق ، ويمكن حمله على العلم بحاله إذا مضت الخمسة ، بالحركة الممتازة عن حركة الاختلاج.

( و ) على كل حال فـ ( ـتجب الكفارة هنا مع مباشرة الجناية ) بلا خلاف ولا إشكال ، لتحقق موجبها ( و ) هو واضح.

هذا كله في الجنين لو تم أما ( لو لم يتم خلقته ففي ديته قولان أحدهما غرة ) عبد أو أمة ( ذكره الشيخ في المبسوط وموضع من الخلاف وفي كتابي الأخبار ) جمعا بين نصوص (١) الغرة وبين غيرها المتقدمة جميعا سابقا ، مستشهدا له بصحيح أبي عبيدة (٢) السابق أيضا.

ولكن هو ـ مع أنه في خصوص العلقة والمضغة ـ مشتمل على التخيير بين الغرة وبين الأربعين دينارا ، على أنك قد عرفت عدم مكافئة نصوص الغرة لغيرها بالموافقة للعامة وكون بعضها قضية في واقعة وغيره مما عرفته سابقا حتى يجمع بينهما‌

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ديات الأعضاء.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

٣٦٦

بالجمع المزبور المقتضى لطرح الأخبار المزبورة المصرحة بالتفصيل المنافي لإطلاق الأخبار الغرة.

واحتمال إرادة غرة تساوي عشرين دينارا في النطفة وأربعين في العلقة وهكذا ـ مع أنه خلاف إطلاق القائل ـ ، لا يوافق تصريح الصحيح بالتخيير بين الأربعين دينارا وبين الغرة في المضغة التي تجب فيها ستون دينارا في النصوص المزبورة. كل ذلك مضافا إلى ما سمعته من النصوص (١) في تعيين قيمة الغرة على وجه لا يوافق الاحتمال المزبور ، بل الشيخ نفسه جعل قيمتها خمسين.

وبذلك كله ظهر لك ضعف القول المزبور الذي اختلف أهل اللغة في تفسير الغرة فيه ، فبين قائل بأنها العبد والأمة ، وعن عمر (٢) بن عبد العلاء أن المراد بها هنا الغلام الأبيض والجارية البيضاء إذ لو أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غير ذلك لقال عبد أو أمة ، وبين مفسر لها بالنفيس المختار ، وعن الشيخ اختياره. ولذا اشترط أن لا يكون معيبا حتى سل الأنثيين وقطع الذكر وأن لا يكون شيخا كبيرا ولا له أقل من سبع سنين أو ثمان فإنه حينئذ ليس من الخيار.

وأما على السن فإن كان جارية فما بين سبع إلى عشرين وإن كان غلاما فما بين سبع إلى خمس عشرة ، وقيمتها نصف عشر دية الحر خمسون دينارا ، وقد سمعت النصوص السابقة الدالة على ذلك وغيره.

( و ) على كل حال فالقول ( الآخر وهو الأشهر ، ) بل المشهور ، بل عن الغنية الإجماع عليه ( توزيع الدية على مراتب النقل ( التنقل ن ل ) ففيه عظما ) قد اكتسى اللحم كما عن الانتصار أو مطلقا كما في غيره ( ثمانون ومضغة ستون وعلقة أربعون ) كما سمعته مفصلا في النصوص السابقة وغيرها.

كصحيح محمد بن مسلم (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يضرب المرأة‌

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ديات الأعضاء.

(٢) في كشف اللثام ومفتاح الكرامة : أبي عمرو بن العلاء.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٤.

٣٦٧

فتطرح النطفة فقال : عليه عشرون دينارا ، قلت : فيضربها فتطرح العلقة قال : عليه أربعون دينارا ، قال : فيضربها فتطرح المضغة ، قال : عليه ستون دينارا ، قلت : يضربها فتطرح وقد صار له عظم فقال : عليه الدية كاملة وبهذا قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قلت : وما صفة النطفة التي تعرف بها؟ قال : النطفة تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة فتمكث في الرحم إذا صارت فيه أربعين يوما ، ثم تصير إلى العلقة ، قلت : فما صفة خلقة العلقة التي تعرف بها؟ قال : هي علقة كعلقة الدم المحجمة الجامدة تمكث في الرحم بعد تحويلها عن النطفة أربعين يوما ثم تصير مضغة ، قلت : فما صفة خلقة المضغة التي تعرف بها؟ قال : هي مضغة لحم حمراء فيها عروق خضر مشبكة ، ثم تصير إلى عظم ، قلت : فما صفة خلقته إذا كان عظما؟ قال : إذا كان عظما شق له السمع والبصر ورتبت جوارحه فإذا كان كذلك فإن فيه الدية كاملة ».

وغيره من النصوص المعتضدة بما عرفت التي لا ريب في رجحانها على نصوص الغرة من وجوه قد عرفت جملة منها ، فلا ريب في أنه الأصح.

بقي الكلام في اعتبار هذه المراتب في جنين الأمة كما عساه يقتضيه تعقيبهم الحكم المزبور لمطلق الجنين ، لكن يبعده ثبوت المقدار المزبور في النطفة والعلقة كالجنين الحر إذا فرض زيادة ذلك على قدر عشر الأم الذي هو ديته تاما ، كما أنه من المستبعد ثبوت عشر قيمة الأم فيه مطلقا في جميع المراتب. نعم قد يحتمل التوزيع خمسة أجزاء حتى يكون في النطفة خمس عشر قيمة الأم وفي العلقة خمساه وهكذا. ونحو ذلك القول في جنين الذمي.

( و ) كيف كان فـ ( ـتتعلق بكل واحدة من هذه ) المراتب عدا النطفة ( أمور ثلاثة : وجوب الدية وانقضاء العدة ) للمطلقة ، ضرورة صدق وضع الحمل بسقوطه ( وصيرورة الأمة أم ولد ) بناء على أن المراد من الولد فيها ما يشمل ذلك كما حققناه في محله ( ولو قيل : ما الفائدة ) في اتصافها بذلك ( وهي ) ‌

٣٦٨

بموت الولد ( تخرج عن حكم المستولدة؟ قلنا : الفائدة هي التسلط على إبطال التصرفات السابقة التي يمنع منها الاستيلاد ) المراد منه ما يشمل الحمل كما حررناه في مقامه.

( أما النطفة فلا يتعلق بها إلا الدية وهي عشرون دينارا بعد إلقائها في الرحم ) فجنى عليها الجاني وأسقطها دون العدة لعدم صدق وضع الحمل معها ودون الاستيلاد أيضا ( و ) لكن ( قال ) الشيخ ( في النهاية : تصير بذلك في حكم المستولدة وهو بعيد ) إن أراد مجرد وضعها في الرحم كما حققنا ذلك في كتاب الاستيلاد وغيره فلاحظ وتأمل.

( و ) كيف كان فقد ( قال بعض الأصحاب ) وهو الشيخ في النهاية : ( و ) تجب الدية ( فيما بين كل مرتبة بحساب ذلك ) ولفظ عبارته : « الجنين أول ما يكون نطفة وفيه عشرون دينارا ثم يصير علقة وفيه أربعون دينارا وفيما بينهما بحساب ذلك ، ثم يصير مضغة وفيها ستون دينارا وفيما بين ذلك بحسابه ، ثم يصير عظما وفيه ثمانون دينارا وفيما بين ذلك بحسابه ، ثم يصير مكسوا عليه خلقا سويا شق له العين والأذن والأنف قبل أن تلجه الروح وفيه مأة دينار ، وفيما بين ذلك بحسابه ، ثم تلجه الروح وفيه الدية كاملة (١) ».

( وفسره واحد ) هو ابن إدريس ( بـ ) ـما حاصله ( أن النطفة تمكث عشرين يوما ثم تصير علقة ) في عشرين يوما أخرى فابتداء تحولها إلى العلقة من اليوم الحادي والعشرين ( وكذا ما بين العلقة والمضغة ) وكذا بين العظم والكمال فإذا مكثت النطفة أحد ( أظ ) وعشرين يوما كان فيها أحد وعشرون دينارا ، وإذا مكثت اثنين وعشرين كان فيها اثنان وعشرون وإذا مكثت عشرة أيام بعد عشرين كان فيها ثلاثون وعلى هذا القياس ، ( فيكون لكل يوم دينار ).

قال في محكي السرائر : « الجنين ما دام في البطن فأول ما يكون نطفة وفيها بعد وضعها في الرحم إلى عشرين يوما عشرون دينارا ثم بعد العشرين يوم لكل‌

__________________

(١) النهاية ج ٢ ص ٨٠٣.

٣٦٩

يوم دينار إلى أربعين يوما أربعون دينارا وهي دية العلقة ، فهذا معنى قولهم : وفيما بينهما بحساب ذلك (١) ».

وأورد عليه المصنف فقال ( ونحن نطالبه بصحة ما ادعاه الأول ) أي الشيخ فإنه لا دليل على ما ذكره ( ثم بالدلالة على أن تفسيره مراد ) الشيخ ، إذ هو كما يحتمل ذلك يحتمل غيره مما ستعرف ( على أن المروي في المكث بين النطفة والعلقة أربعون يوما وكذا بين العلقة والمضغة. وروى ذلك سعيد بن ) (٢) ( المسيب عن علي بن الحسين عليه‌السلام ومحمد بن مسلم ) (٣) ( عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وأبو جرير ) (٤) ( القمي عن موسى عليه‌السلام وأما العشرون فلم نقف لها على رواية ).

قال الأول : « سألت علي بن الحسين عليه‌السلام عن رجل ضرب امرأة حاملا برجله فطرحت ما في بطنها ميتا ، فقال : إن كان نطفة فإن عليه عشرين دينارا ، قلت : فما حد النطفة؟ قال : هي التي وقعت في الرحم فاستقرت فيه أربعين يوما ، قال : وإن طرحته علقة فإن عليه أربعين دينارا ، قلت : فما حد العلقة؟ قال : هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه ثمانين يوما ، قال : فإن طرحت وهي مضغة فإن عليه ستين دينارا ، قلت : فما حد المضغة؟ قال : هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه مأة وعشرين يوما ، قال : فإن طرحته وهي نسمة مخلقة له عظم ولحم مرتب الجوارح قد نفخ فيه روح العقل فان عليه دية كاملة ، قلت له : أرأيت تحوله في بطنها من حال إلى حال أبروح كان ذلك أم بغير روح؟ قال : بروح غذاء الحياة القديمة المنقولة في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، ولو لا أنه كان فيه روح غذاء الحياة ما تحول من حال بعد حال في الرحم ، وما كان إذن على قتله دية‌

__________________

(١) السرائر باب دية الجنين.

(٢) الكافي ج ٧ ص ٣٤٧ التهذيب ج ١٠ ص ٢٨١ الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٨ ولكن في الأخير لم يورد تماما.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٩.

٣٧٠

وهو في تلك الحال ».

وقد سمعت صحيح محمد بن مسلم.

وأما‌ خبر أبي جرير فقال : « سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن النطفة ما فيها من الدية وما في العلقة وما في المضغة وما يقر في الأرحام؟ قال : إنه يخلق في بطن أمه خلقا بعد خلق يكون نطفة أربعين يوما ، ثم يكون علقة أربعين يوما ، ثم مضغة أربعين يوما ، ففي النطفة أربعون دينارا ، وفي العلقة ستون دينارا ، وفي المضغة ثمانون دينارا ، فإذا اكتسى العظام لحما ففيه مأة دينار ، قال الله تعالى : ( ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) » (١).

وفيه أنه يمكن موافقة كلام ابن إدريس بناء على ما سمعته في ذكر حاصله للروايات المزبورة ، في أن بين كل مرتبتين أربعين يوما. بل جزم به في كشف اللثام حتى قال : فما في الشرائع ونكت النهاية والتحرير والمختلف من مخالفة الروايات لا وجه له ، وإن كان في جزمه بذلك ما لا يخفى.

نعم هو احتمال كما أشار إليه المصنف بقوله ( ولو سلمنا المكث الذي ذكره فمن أين ) استظهر أن الأخذ في المرتبة المتأخرة في اليوم الحادي والعشرين؟ بل ومن أين استظهر أيضا ( أن التفاوت في الدية مقسوم على الأيام؟ غايته الاحتمال وليس كل محتمل واقعا ) وهو كذلك ( مع أنه يحتمل أن يكون الإشارة بذلك إلى ما رواه ) ‌يونس الشيباني (٢) عن الصادق عليه‌السلام ( « أن لكل قطرة تظهر في النطفة دينارين وكذا كل ما صار في العلقة شبه العروق من اللحم يزاد دينارين » ،) بل في نكت النهاية للمصنف : « الذي يغلب أنه لم يرد الأيام ، بل يريد ما رواه‌ يونس الشيباني ، قال :

__________________

(١) المؤمنون : ١٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٥.

٣٧١

قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام فإن خرجت في النطفة قطرة دم ، قال : القطرة عشر الدية (١) فيها اثنان وعشرون دينارا ، وفي القطرتين أربعة وعشرون دينارا ، وفي الثلاث ست وعشرون دينارا ، وفي الأربع ثمانية وعشرون دينارا ، وفي الخمس ثلاثون دينارا ، وما زاد على النصف فبحساب ذلك ، حتى يصير علقة فإذا صار علقة ففيها أربعون دينارا ، فقال له أبو شبل : فإن العلقة صار فيها شبه العروق من لحم فقال : اثنين وأربعين دينارا العشر ، قلت : إن عشر أربعين أربعة ، قال : إنما هو عشر المضغة ، وكلما زادت زيد حتى يبلغ الستين ، قلت : فإن رأيت في المضغة شبه العقدة عظما يابسا قال : فذاك عظم أول ما يبتدئ فيه العظم فيبتدأ بخمسة أشهر ففيه أربعة دنانير ، فإن زاد فزد أربعة أربعة حتى تتم الثمانين ، قال : قلت : وكذلك إذا كسي العظم لحما؟ قال : كذلك ... » ‌

وهذا القدر هو المنقول ، وبعض المتأخرين قسم في كتابه ما لا يعلم أصله بأن قسم التفاوت على الأيام وزعم أن بين النطفة والعلقة عشرين يوما ، وبين العلقة والمضغة عشرين يوما فتكلف ما لم تنطق به دلالة ولا أشار في دعواه إلى مستند ، وقد نقل عن علماء أهل البيت عليهم‌السلام أن بين كل حالة من هذه الحال التي بعدها أربعين يوما انتهى » (٢).

وعن الصدوق في المقنع الفتوى بما ذكره ، وتبعه الفاضل في ذلك كله ، واستحسنه في الرياض ( و ) لكن لا يخفى عليك أن الإنصاف يقتضي كون ما ذكره ابن إدريس أوفق بعبارة الشيخ من ذلك.

نعم ( هذه الأخبار ) وأن تعددت إلا أنه ( قد يتوقف فيها لاضطراب ) ها في ( النقل ) المزبور ( أو لضعف الناقل ) في بعضها ، فالمتجه إيكال علمها‌

__________________

(١) في الوسائل : عشر النطفة.

(٢) راجع نكت النهاية ، آخر كتاب الديات. مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٥١١ ـ ٥١٢ ، الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٥ و ٦.

٣٧٢

إليهم عليهم‌السلام.

( وكذا ) ينبغي أن ( يتوقف عن التفسير الذي مر بخيال ذلك القائل ) بعد أن عدم الدليل عليه وإن كان محتملا ، فتثبت الدية المزبورة حينئذ في مسمى كل واحدة من غير ملاحظة للمراتب المزبورة كما هو مقتضى ما سمعته من النص والفتوى ، والله العالم.

( ولو قتلت المرأة فمات معها ) أو قبلها أو بعدها ولدها الذي ولجه الروح ( فدية للمرئة ) بلا خلاف ولا إشكال ( ونصف الديتين ) أي دية الذكر والأنثى ( للجنين إن جهل حاله وإن علم ذكرا فديته أو أنثى فديتها ) على المشهور بين الأصحاب ، بل لا أجد فيه خلافا إلا من الحلي الذي أشار إليه المصنف بقوله : ( وقيل : مع الجهالة يستخرج بالقرعة لأنه مشكل و ) فيه أنه ( لا إشكال مع وجود ما يصار إليه من النقل المشهور ) من قضاء أمير المؤمنين عليه‌السلام بذلك الذي عرضه يونس وابن فضال على أبي الحسن (١) عليه‌السلام ، فهو من الصحيح معتضدا بالإجماع السابق.

و‌بخبر عبد الله بن مسكان (٢) عن الصادق عليه‌السلام المنجبر بالشهرة والإجماع المزبورين. « قال : فإن قتلت المرأة وهي حبلى فلم يدر أذكرا كان ولدها أم أنثى فديته للولد نصفين ، نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى ، وديتها كاملة » ‌ومؤيدا بالنصوص (٣) الحاكمة بمثل ذلك في ميراث الخنثى المشكل ، فلا إشكال حينئذ بناء على العمل بمثل ذلك.

نعم قد يتجه الإشكال بناء على طريقته من عدم العمل بأخبار الآحاد وإن صحت ، مع أنه قد يشكل أولا بإمكان إخراج المكان المقام (٤) منها باعتبار‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب ديات النفس ، الحديث الأول.

(٣) راجع الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبه.

(٤) كذا في النسخ الثلاثة التي راجعناها والظاهر زيادة كلمة « مكان ».

٣٧٣

الإجماع المزبور المعتضد بالتتبع وتعدد النصوص وغير ذلك ، فيكون الخبر حينئذ من المحفوف بالقرائن التي تعمل بمثلها ، وثانيا بأن المتجه العمل بأصل البراءة ، فيقتصر على الأقل ، وبذلك يظهر لك الحال فيما في المسالك (١) من انتصاره لابن إدريس في مقابلة ما ذكره الفاضل من شدة النكير عليه ، والله العالم.

( ولو ألقت المرأة حملها مباشرة أو تسبيبا فعليها دية ما ألقته ولا نصيب لها من هذه الدية ) بلا خلاف ولا إشكال في ثبوت الدية عليها ، بل وفي عدم إرثها أيضا مع العمد ، وقد سمعت التصريح به في صحيح أبي عبيدة (٢) عن الصادق عليه‌السلام فيمن شربت ما أسقطت به ونحوه غيره ، مضافا إلى العمومات.

وأما الخطاء فقد عرفت الكلام فيه في كتاب المواريث.

( ولو أفزعها مفزع فألقته ) أي الجنين ( فالدية على المفزع ) بلا خلاف ولا إشكال أيضا للعمومات وللنصوص المتقدمة المشتملة على غرامة الغرة ، ومنها‌ خبر ابن فرقد (٣) عن الصادق عليه‌السلام « جائت امرأة فاستعدت على أعرابي قد أفزعها فألقت جنينا ، فقال الأعرابي : لم يهل ولم يصح ومثله يطل ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : اسكت سجاعة ، عليك غرة عبد أو أمة ».

وإن أخطأ فعلى العاقلة كما مر من الخبر (٤) المشتمل على قضية امرأة أفزعها عمر فأسقطت وغيره.

( ويرث دية الجنين من يرث المال ) منه لو كان حيا مالكا ثم مات ( الأقرب فالأقرب ) على حسب ما عرفت في كتاب المواريث من طبقات الإرث‌

__________________

(١) المسالك ج ٢ ص ٥٠٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢ ، وفيه : عليك غرة وصيف عبد أو أمة.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الثاني.

٣٧٤

بلا خلاف أجده فيه ، بل عن ظاهر المبسوط وصريح الخلاف الإجماع عليه ، مضافا إلى النصوص التي مر بعضها ، خلافا لليث بن سعيد فلا ترثه إلا الأم لأنه بمنزلة عضو منها.

( ودية أعضائه وجراحاته بنسبة ديته ) ففي يده خمسون ، وفي يديه كمال الدية ، وفي حارصته مثلا دينار عشر العشر ، وهكذا بلا خلاف أجده فيه ، وفيما عرضه‌ يونس وابن فضال علي أبي الحسن عليه‌السلام من كتاب ظريف المشتمل على قضاء أمير المؤمنين عليه‌السلام « وقضى في دية جراح الجنين من حساب المأة على ما يكون من جراح الذكر والأنثى الرجل والمرأة كاملة وجعل له في قصاص جراحته ومعقلته على قدر ديته وهي مأة دينار » (١) ‌لكن هذا إذا كان تام الخلقة وله أعضاء متمايزة.

أما إذا كان قبل تمامها فجنى عليه الجاني فنقص منه شي‌ء حتى إذا تمت خلقته كان ناقصا عضوا مع فرض العلم بتسبب الجناية لذلك ، فقد يقال : باعتبار النسبة إلى ديته أيضا ، ففي يده إذا كان له عظم أربعون دينارا ، وإن كان فرض العلم بذلك متعذرا أو متعسرا ، مع أن الأصل البراءة ، خصوصا بعد أن لم نجد فيه نصا ولا فتوى ، فيمكن أن يكون نحو ما يشبه الجرح فيه من أنه لا حكم فيه ، أو أن فيه الحكومة (٢).

( ومن أفزع مجامعا فعزل فعلى المفزع عشرة دنانير ) دية ضياع النطفة بلا خلاف أجده ، بل عن الانتصار والخلاف والغنية الإجماع عليه ، و‌في كتاب ظريف الذي عرضه يونس وابن فضال علي أبي الحسن عليه‌السلام « أفتى ـ أي أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ في منى الرجل يفرغ عن عرسه فعزل عنها الماء ولم يرد ذلك نصف خمس المأة عشر دنانير وإن أفزع فيها عشرين دينارا إلى آخره (٣) ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول. الكافي ج ٧ ص ٣٤٣.

(٢) راجع كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

٣٧٥

( ولو عزل المجامع اختيارا ) عن الزوجة الحرة ( ولم تأذن قيل ) والقائل الشيخ والقاضي وأبو الصلاح وابنا حمزة وزهرة والكيدري على ما حكي عنهم ، بل والمصنف في كتاب النكاح والفاضل وغيره ( يلزمه عشرة دنانير ، ) لكونه مفوتا كغيره ، بل عن الغنية وظاهر الخلاف الإجماع عليه ، بل عن الجامع والسرائر نسبته إلى رواية وإن حكم الأخير بشذوذها وعدم الالتفات إليها للأصل وكراهة العزل لا حرمته ، ( و ) من هنا قال المصنف ( فيه تردد أشبه أنه لا يجب ) وقد سمعت في كتاب النكاح البحث عن حرمة العزل وكراهته ، وعن بناء ثبوت الدية على ذلك وعدمه ، فلاحظ وتأمل.

( وأما العزل عن الأمة فجائز ولا دية وإن كرهت ) كالحرة الاذنة ، بلا خلاف ، بل الظاهر الإجماع عليه كما اعترف به بعض الأفاضل ، وقد تقدم تحقيقه في كتاب النكاح أيضا.

( و ) كيف كان فـ ( ـيعتبر قيمة الأمة المجهضة ) إذا كانت أسقطت بالجناية حتى يلاحظ غيرها ( عند الجناية ) كما صرح به الفاضل وغيره ، بل والشيخ في محكي الخلاف والمبسوط ، لأنها حال إثبات دية الجنين في الذمة ( لا وقت الإلقاء ) لأنه وقت الاستقرار ، وإن احتمل لكنه بعيد جدا ، والله العالم.

( فروع )

لو خفي على القوابل وأهل المعرفة كون الساقط مبدأ نشو إنسان ، ففي القواعد الأقرب أن للأم حكومة باعتبار الألم بالضرب ، وهو جيد مع فرض حصول نقص فيها بذلك يوجب نقصا في القيمة لو كانت أمة ، وإلا فلا ، للأصل الذي مقتضاه أيضا عدم وجوب شي‌ء في الملقى الذي لم يعلم كونه مبدأ إنسان ولو بحكم أهل الخبرة‌

٣٧٦

وحينئذ فلا يجب بضرب المرأة شي‌ء غير القصاص على قول ، ودية الجنين ، إلا أن تموت هي بالضرب ، أو يخرج شيئا من جسدها ، أو يؤثر أثرا يوجب أرشا ، كإحالة اللون ، إذ قد عرفت أنه لا شي‌ء في الإيلام المجرد سوى التعزير ، وخصوصا الألم الحاصل عند الإسقاط إن حصل ، فإنه لا يمكن اقتصاصه كما هو واضح.

و ( لو ضرب النصرانية حاملا ) مثلا ( فأسلمت وألقته ) بعد إسلامها ( لزم الجاني دية جنين مسلم ، لأن الجناية وقعت مضمونة والاعتبار بها حال الاستقرار ) لا وقت الضرب كما عرفت الكلام فيه في القصاص فيما إذا جرح النصراني فأسلم ثم مات.

( ولو ضرب الحربية ) مثلا ( فأسلمت وألقته لم يضمن لأن الجناية لم تقع مضمونة فلم تضمن سرايتها ).

( ولو كانت أمة فأعتقت وألقته ) قبل أن تلجه الروح وقلنا بتبعية الحمل للعتق ( قال الشيخ ) في محكي المبسوط ( للمولى أقل الأمرين من عشر قيمتها وقت الجناية أو الدية ، لأن عشر القيمة إن كانت أقل فالزيادة بالحرية فلا يستحقها المولى ، فتكون لوارث الجنين ، وإذا كانت دية الجنين أقل ) من عشر قيمة الأم ( كان له الدية لأن حقه نقص بالعتق ) الذي هو من فعله ، نحو ما سمعته فيمن جرح عبدا فأعتق فسرى فمات.

ولكن أورد عليه المصنف ( و ) تبعه الفاضل بأن ( ما ذكره بناء على القول بـ ) ـأن الواجب ( الغرة ) مطلقا ليمكن كون قيمة الغرة أكثر من الدية ( أو على جواز أن تكون دية جنين الأمة أكثر من دية جنين الحرة وكلا التقديرين ممنوع ، فإذن له عشر قيمة أمه يوم الجناية على التقديرين ) مطلقا والزائد بالحرية إن كان لورثة الجنين.

قلت : قد عرفت سابقا البحث فيما إذا جرح عبدا ثم أعتق فسرت فمات ، وأن على القاتل دية الحر ويستحق منها السيد ما يساوي قيمة عبده حال الجناية ،

٣٧٧

فإن استوعبت أخذها وإن زادت إلى دية الحر وإن كانت الدية زائدة فالزائد لوارث العبد الحر الذي لا مدخلية للملك فيه ، لأنه شي‌ء جعل بسبب الحرية ، وما نحن فيه قريب من تلك المسألة ، ومراد الشيخ بالأقل ، ذلك خصوصا بعد أن كان ظاهر المحكي عن الشيخ عدم القول بأحد الأمرين.

قال في المبسوط :

« إذا ضرب بطن نصرانية ثم أسلمت ثم ألقت جنينا ميتا فكان الضرب هي نصرانية وهو نصراني ، والإسقاط وهي وجنينها مسلمان ، أو ضرب بطن أمة ثم اعتقت ثم ألقت الجنين فكان الضرب وهما مملوكان ، والإسقاط وهما حران فالواجب فيه غرة عبد أو أمة قيمتها خمسون دينارا ، وعندنا مأة دينار ، لأن الجناية إذا وقعت مضمونة ثم سرت إلى النفس كان اعتبار الدية بحال الاستقرار ، ثم قال : فإذا تقرر أن الواجب فيه غرة عبد أو أمة أو مأة دينار على مذهبنا كما يجب في المسلم الأصلي والحر الأصلي فإن للسيد من ذلك أقل الأمرين من عشر قيمة أمه أو الغرة فإن كان عشر قيمة أمه أقل من الدية فليس له إلا عشر قيمة أمه ، لأن الزيادة عليها بالعتق والحرية ولا حق له فيما زاد بالحرية لأنها زيادة في غير ملكه ، وإن كانت دية الجنين أقل من عشر القيمة كان له الدية كلها لأنه نقص حقه بالعتق فكأنه قد جنى بالعتق على حقه فنقص فلهذا كان له الدية (١) ».

وهو كالصريح في اتحاد كلامه هنا ومسألة العبد المجروح ، وإنما ذكر الأقل من العشر والغرة تفريعا على قول المخالف.

وكيف كان فالتحقيق ما عرفت من أن للمولي عشر قيمة أمه يوم الجناية ما لم تزد على دية الحر وإلا ردت إليها والزائد بالحرية لوارث الجنين إن زادت ديته بالحرية وإلا فلا شي‌ء للوارث نحو ما سمعته في القصاص في نظير المسألة ،

__________________

(١) المبسوط ج ٧ ص ١٩٧ ـ ١٩٨. وصححنا العبارة طبقا للمصدر.

٣٧٨

فلاحظ وتأمل.

ومنه يعلم أن الخلاف مع الشيخ هنا لفظي ، ضرورة كون المراد من أقل الأمرين المعنى المزبور ، فلا ينافي كون دية الجنين مأة لا تزيد ولا تنقص فلا يناسب التعبير عنها بأقل الأمرين ، إذ المراد من أقليتها زيادة عشر قيمة الأم عليها إلا أنها هي تنقص ، وإلا فالظاهر اتفاق الجميع على أن دية جنين المملوك عشر قيمة أمه ما لم تزد على دية الجنين الحر وإلا ردت إليها ، لأن الحر أصل للمملوك بالنسبة إلى ذلك. وقول المصنف عشر قيمة الأم على التقديرين لا يراد به تقدير الزيادة على دية الحر وعدمه كما في بعض القيود ، بل المراد أن له عشر قيمة الأم التي لا تزيد على دية الحر مطلقا ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فالتحقيق ما عرفت ، وعن بعض الشافعية عدم استحقاق المولى من جهة الملك شيئا لأن الإجهاض وقع في حال الحرية ، وما يجب إنما تجب بالإجهاض ، فأشبه ما إذا حفر بئرا فتردى فيه حر كان رقيقا حال الحفر فإنه لا يستحق السيد من الضمان شيئا.

وفيه إن من الواضح الفرق بين الأمرين بأن الحفر لا تأثير له في البدن قبل الوقوع بخلاف الضرب.

ولو لم تتم خلقة الجنين ففي كشف اللثام ، « فإن كان فيه العشر أيضا كان على الجاني ما في جنين الحر ، وهو قد يزيد على العشر وقد ينقص وربما يتساويان ، فعلى الأولين للمولى أقل الأمرين من العشر أو عشرين دينارا مثلا ، وإن وزعناه على المراتب الخمس فللمولى في النطفة مثلا خمس عشر قيمة أمه الأمة ، وما زاد من تتمة العشرين دينارا إن زادت عليه لورثة الجنين ، ولا يصح القول بأقل الأمرين حينئذ إلا على القول بالغرة أو عدم رد القيمة إلى دية الحرة (١) ».

قلت : قد عرفت إمكان القول بأقل الأمرين بدون ذلك ، لكن على المعنى‌

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤١.

٣٧٩

الذي ذكرناه والأمر سهل بعد وضوح الحال.

ولو كان أحد الأبوين ذميا والآخر وثنيا فإن كان الذمي هو الأب ففي القواعد وشرحها للأصبهاني : « هو مضمون لما (١) مر قطعا ، وإلا فإشكال من أصل البراءة وانتساب الأولاد للآباء وكون الكفر ملة واحدة ، ومن احتمال تبعية الولد لأشرف الأبوين » (٢) بل إن لم يكن الضمان في الأول قطعيا أمكن الإشكال فيه من الأصل وغيره.

ولو ضرب بطن مرتدة فألقت جنينا فإن كان الأب مسلما وجب الضمان كما يضمن الجنين المسلم حكما ، لأنه كذلك ، وكذا لو كان أحدهما مسلما حال خلقة نطفته أو بعدها وإن تجدد الحمل بعد ارتدادهما فلا ضمان إن كان الجاني مسلما ، وإن كان حربيا أو ذميا ضمن لأنه محقون الدم بالنسبة إليه كما عرفت البحث فيه في القصاص.

( ولو ضرب حاملا خطاء فألقت ) الجنين ( وقال الولي ) للدم ( كان حيا فاعترف الجاني ) بذلك ( ضمن العاقلة دية الجنين غير الحي ، وضمن المعترف ما زاد ، لأن العاقلة لا تضمن إقرارا ) لأنه إقرار في حق الغير ، ولأن الأصل عدم ولوج الروح فيه. ( و ) كذا ( لو أنكر ) الجاني ذلك كان القول قوله بيمينه.

( و ) لو ( أقام كل واحد ) منهما ( بينة ) ففي القواعد وغيرها ومحكي المبسوط ( قدمنا بينة الولي ) الوارث ( لأنها تتضمن زيادة ) الحياة التي قد تخفى على بينة الضارب مع كونها بمنزلة بينة الخارج.

ولو اعترف الجاني بأنه انفصل حيا وادعى موته بسبب آخر ، فان كان الزمان قصيرا قدم قول الوارث للظاهر وأصل عدم جناية جان آخر ، وإلا فعليه البينة بأنه بقي ضمنا حتى مات.

ولو اتفقا على انفصاله لدون ستة أشهر ولم يدع الجاني جناية جان آخر‌

__________________

(١) في كشف اللثام : هو مضمون بما مر قطعا.

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤١.

٣٨٠