جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فقريب منه ، ومع ذلك منجبر بما عرفت ـ « في الحرصة شبه الخدش بعير ».

نعم في كشف اللثام وغيره ، مقتضى إطلاقه كالفتاوى عدم الفرق في ذلك بين الذكر والأنثى ، لكن عن الغنية والإصباح والجامع ، التعبير بأن فيه عشر عشر الدية ، قال : وهو يقتضي الفرق بينهما ، وفيه أن الظاهر اتحاد الجميع كما تسمع التصريح به في بعض‌ النصوص (١) في المنقلة التي فيها خمسة عشر من الإبل ، قال : « عشر ونصف عشر » ‌فحينئذ المراد من الدية في كلامهم دية الذكر التي هي الأصل دون الأنثى التي هي نصفها ، فيرتفع الخلاف حينئذ الموهون بعدم دليل عليه يحكم على الإطلاق المزبور.

مضافا إلى عدم مفارقة الأنثى للذكر في الجروح ما لم تبلغ الثلث فصاعدا كما عرفت الكلام فيه سابقا وتعرف إن شاء الله ، ولعل إطلاق الأصحاب هنا اتكالا على ما ذكروه سابقا ويأتي من القاعدة المزبورة ، بل هو صريح‌ خبر العلاء بن الفضيل (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الموضحة خمس من الإبل والسمحاق أربع من الإبل والدامية صلح أو قصاص إذا كان عمدا كان دية أو قصاصا وإذا كان خطاء كان الدية والمنقلة خمسة عشر والجائفة ثلث الدية والمأمومة ثلث الدية وجراحة المرأة والرجل سواء إلى أن تبلغ ثلث الدية فإذا جاز ذلك فالرجل يضعف على المرأة ضعفين ».

بل في كشف اللثام وغيره أيضا أن مقتضاهما أيضا عدم الفرق بين الحر والمملوك خلافا لابن حمزة ففرق بينهما بجعل الأرش في المملوك ، وفيه أن الظاهر اتفاق الجميع على ما ذكره ابن حمزة وإن أطلقوا هنا لكنه اتكال أيضا على ما ذكروه سابقا من كون الحر أصلا للعبد في كل ماله مقدر والعبد أصلا للحر فيما ليس له مقدر وحينئذ يعتبر المقدر المزبور بالنسبة إلى الدية ويثبت في العبد مثله بالنسبة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٦.

٣٢١

إلى قيمته التي هي ديته ما لم يتجاوز دية الحر ، ومن هنا لم يستبعده في الرياض (١) وستسمع ما في‌ خبر حريز (٢) عن الصادق عليه‌السلام « فيمن شج عبدا موضحة قال : عليه نصف عشر قيمة العبد » ‌وهو صريح في ما ذكرناه.

( و ) على كل حال فـ ( ـهل هي الدامية قال الشيخ ) في محكي النهاية والمبسوط والخلاف وابنا زهرة وحمزة والكيدري والقاضي ويحيى بن سعيد على ما حكى عنهم ( نعم ) لقول الصادق عليه‌السلام في خبر السكوني (٣) « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قضي في الدامية بعيرا » وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر مسمع (٤) مثله ، مع ما عرفت من أن في الحارصة بعيرا ، وهو وإن لم يدل إلا على التساوي حكما لا الترادف إلا أن ذلك كاف في المطلوب ، بل لعله المراد ، ( و ) لكن ( الرواية ) المزبورة ( ضعيفة ) ولا جابر لها على وجه تصلح معارضا لما سمعته.

( و ) من هنا كان ( الأكثرون ، ) بل المشهور كما حكاه جماعة ، ( على أن الدامية غيرها وهي ) ‌رواية منصور بن (٥) حازم عن الصادق عليه‌السلام التي ذكر فيها « إن في الحارصة بعيرا ـ كما سمعت ـ وفي الدامية بعيرين » مضافا إلى تغاير مبدأ اشتقاقهما ، وإلى ما دل من النصوص (٦) المعتبرة على أن في الباضعة ثلاثا من الإبل بضميمة أن كل من قال بذلك قال بتغايرهما كما ستعرف.

وحينئذ‌ ( ففي الدامية إذن بعيران ) كما عن المفيد والسيد والديلمي والحلي وغيرهم ( وهي التي تدخل ) (٧) ( في اللحم يسيرا ) وفي القواعد « تسمى‌

__________________

(١) رياض المسائل ج ٢ ص ٦١٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٨.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٦.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٤.

(٦) راجع الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج.

(٧) في الشرائع « تأخذ » مكان « تدخل ».

٣٢٢

بالدامعة بإهمال العين لأنها تخرج منها نقطة من الدم كما يخرج الدمع » لكن في كشف اللثام « المعروف المغايرة بينهما بسيلان الدم وعدمه ، ففي العين (١) « الدامعة سائلة والدامية التي تدمي ولم تدمع بعد » ونحوه في الصحاح عن أبي عبيد ، وعليه الأكثر ، ومنهم ابن فارس في المجمل ، وقال في المقاييس « الأصح أن التي تسيل دما هي الدامية فأما الدامعة فأمرها دون ذلك لأنها هي التي كأنها يخرج منها ماء أحمر رقيق » ، ويوافقه في اعتبار السيلان في الدامية كلام الكليني وأبي علي والمفيد والسيد في الانتصار والناصريات ، وسلار ، وكذا كلام الحلبيين ، مع أنهما جعلاها أول الأقسام (٢) ».

قلت : ولكن المنساق المناسب لترتبها على الحارصة أنها التي تخرج الدم مطلقا وإن كان الغالب حصول السيلان ولو في الجملة مع خروجه ، إذ هي المرتبة التي تزيد على قشر الجلد بدون إدماء ، وحينئذ ففيها بعيران بجميع أفرادها حتى تصل الشجة إلى المرتبة الثالثة التي أشار إليه المصنف بقوله : ( وأما المتلاحمة وهي التي تدخل ) (٣) ( في اللحم كثيرا و ) لكن ( لا تبلغ السمحاقة ) وتتلاحم أي تلتئم سريعا ، وعن الأزهري « أن اللاحمة القاطعة إلا أنها سميت بذلك على ما يؤل إليه وعلى التفأل » وعلى كل حال ( ففيها ثلاثة أبعرة ) كما في محكي النهاية والخلاف والمبسوط والسرائر والكامل والوسيلة وغيرها ، بل لا أجد فيه خلافا ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبري المسمع (٤) و‌السكوني (٥) « في المتلاحمة‌

__________________

(١) العين في اللغة لخليل بن أحمد الشيعي وهو أول من صنف في اللغة.

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٣٤.

(٣) في الشرائع « تأخذ ».

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٦.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٨.

٣٢٣

ثلاثة أبعرة » ‌وهو المراد بما عن الكافي والغنية والإصباح والجامع « إن فيها عشر عشر الدية وخمسه ».

( وهل هي غير الباضعة ) كما هو ظاهر من جعل الحارصة من الأصحاب الدامية ، كالشيخ والقاضي وابني زهرة وحمزة أو اقتصر على إحداهما كالمفيد والصدوق والحلبي ، فإن الجميع يجعلون الباضعة مكان الدامية قبل المتلاحمة ويفرقون بينهما بقلة النفوذ في اللحم وبكثرته ، بل قيل : نحوهم في الفرق الكليني وأكثر كتب أهل اللغة مثل أدب الكاتب ونظام الغريب والسامي ، بل عن تهذيب الأزهري أن أبا عبيد حكاه عن الأصمعي وغيره ، بل والصحاح قال : « الباضعة الشجة التي تقطع الجلد وتشق اللحم وتدمى إلا أنه لا يسيل الدم فإن سال فهي الدامية ، والمتلاحمة التي أخذت في اللحم ولم تبلغ السمحاق ثم رتب الأقسام فقال : القاشرة وهي الحارصة ثم الباضعة ثم الدامية ثم المتلاحمة ثم السمحاق ثم الموضحة ثم الهاشمة ثم المنقلة ثم الأمة ثم الدامغة ».

ونحوه عن فقه الثعالبي إلا في عدد الأقسام فقال : « إذا قشرت الشجة جلد البشرة فهي القاشرة فإذا بضعت اللحم ولم تسل الدم فهي الباضعة فإذا بضعت اللحم وسالت الدم فهي الدامية فإذا عملت في اللحم الذي يلي العظم فهي المتلاحمة فإذا بقي بينها وبين العظم جلد رقيق فهي السمحاق فإذا أوضحت العظم فهي الموضحة فإذا كسرت العظم فهي الهاشمة فإذا نقلت منها العظام فهي المنقلة فإذا بلغت أم الرأس حتى يبقى بينها وبين الدماغ جلد رقيق فهي الدامغة فإذا وصلت إلى جوف الدماغ فهي الجائفة » إلى غير ذلك من كلماتهم التي أطنب في كشف اللثام (١) في نقلها.

أو هي هي كما هو ظاهر من اكتفى بأحدهما من الأصحاب ومن فسرهما بالتي تبلغ اللحم كما عن المجمل أو التي تأخذ فيه كما عن النهاية الأثيرية.

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٣٤ ـ ٣٣٥.

٣٢٤

قولان منشأهما اختلاف النصوص ، فإن المراد من كونها هي أو غيرها اتحادها معها في الحكم وعدمه ففي‌ صحيح ابن سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الباضعة ثلاث من الإبل » ‌وكذا في صحيح الحلبي (٢) ، وخبر زرارة (٣).

وفي‌ خبر منصور (٤) « في الباضعة وهي دون السمحاق ثلاث من الإبل » ‌وفي‌ خبر مسمع (٥) بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إلى أن قال ـ : في الباضعة بعيرين وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة » ‌ونحوه.

في خبر السكوني (٦) ، ولعل الجمع بينهما بدعوى أن الباضعة فردين أحدهما يساوي الدامية والآخر يساوي المتلاحمة وربما كان في خبر منصور إشارة إلى ذلك فإنه فسر الباضعة التي توجب الثلاثة بما سمعته.

وكيف كان ففي المتن وغيره ( فمن قال : الدامية غير الحارصة فالباضعة والمتلاحمة واحدة ومن قال : الدامية والحارصة واحدة فالباضعة غير المتلاحمة ) ولكن قد يناقش بإمكان القول بالأول ومغايرة الباضعة للمتلاحمة ، بأن يقال : الحارصة التي لا تدمى والدامية التي تدمي من غير دخول في اللحم والباضعة التي مع ذلك تدخل في اللحم قليلا والمتلاحمة التي تدخل في اللحم كثيرا ، كما أنه يمكن القول باتحاد الأولين مع اتحاد الباضعة المتلاحمة.

نعم الظاهر اتحاد حكم الباضعة مع الدامية في البعيرين إذا كان الدخول في اللحم قليلا جدا ، وفوق ذلك إلى أن تكون دون السمحاق تتحد مع المتلاحمة في الثلاثة ، كما أشرنا إلى ذلك في الجمع بين النصوص ، وهو المهم في المقام دون الاختلاف في اللفظ.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٦.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٨.

٣٢٥

( وأما السمحاق فهي التي تبلغ السمحاقة وهي جلدة مغشية للعظم ) كما صرح به غير واحد ، فما عن الكليني من أنها التي تبلغ العظم مسامحة ، لنصه على أن السمحاق جلدة رقيقة على العظم ( و ) على كل حال فـ ( ـفيها أربعة أبعرة ، ) للإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه مستفيض كالنصوص ، ففي‌ خبر مسمع بن (١) عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قضي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إلى أن قال ـ : وفي السمحاق أربع من الإبل » ‌ونحوه قوي السكوني (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وخبر أبي بصير (٣) ، وخبر زرارة (٤) وخبر منصور بن (٥) حازم وخبر أبي حمزة (٦) عنه أيضا إلى غير ذلك من النصوص التي لا يعارضها‌ ما أرسله أبو علي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٧) من أن « فيها حقة وجذعة وابنة مخاض » ‌كما لا ينافيه ما عن الكافي والغنية والإصباح والجامع من أن فيها خمس عشر الدية ، لأن المراد به خمس عشر دية الرجل وهي أربعة.

نعم عن المقنع (٨) « أن فيها خمسمائة درهم » ويمكن أن يكون ذلك قيمة الأربعة ، لكن قال : « وإذا كانت في الوجه فالدية على قدر الشين » ونحوه ما عن‌ الكافي (٩) من أن « في السمحاقة وهي من دون الموضحة خمسمائة درهم وفيها إذا كانت‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٤.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٨.

(٧) أورده في المختلف ، الجزء السابع ص ٢٥٩ عن أبى على. وفيه « وابنة لبون » بعد « وابنة مخاض » وكذا أيضا في كشف اللثام ج ٢ ص ٣٣٥ فراجع.

(٨) المقنع للصدوق ص ١٨١.

(٩) الكافي ج ٧ ص ٣٢٨.

٣٢٦

في الوجه ضعف الدية على قدر الشين » ‌ولعله‌ للمرسل عن أبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في السمحاق التي هي دون الموضحة خمسمائة درهم وإذا كانت في الوجه ضعف الدية على قدر الشين » ‌ولكن ستعرف إن شاء الله أن حكم الشجاج في الرأس وفي الوجه سواء.

( وأما الموضحة وهي التي تكشف عن وجه العظم ) بلا خلاف أجده في تفسيره ( وفيها خمسة أبعرة ) بلا خلاف أجده فيه أيضا ، كما عن الخلاف والغنية وغيرهما الاعتراف به ، والنصوص به مستفيضة كخبر مسمع (٢) وخبر أبي بصير (٣) وخبر زرارة (٤) وخبر معاوية (٥) بن وهب وخبر أبي مريم (٦) وخبر منصور (٧) ابن حازم وخبر العلاء (٨) بن الفضيل وخبر أبي حمزة (٩) ، وإليه يرجع‌ ما في كتاب ظريف (١٠) « في مواضح العظم خمسون دينارا » ‌كما أن ما في‌ خبر حريز (١١) عن الصادق عليه‌السلام « فيمن شج عبدا موضحة قال : عليه نصف عشر قيمة العبد » ‌مؤيد لما ذكرناه سابقا ، وأما مما عن الخلاف والغنية والإصباح والكافي والجامع ، من أن فيها نصف عشر الدية فهو على ما ذكرناه سابقا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٣.

(٧) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٤.

(٨) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٦.

(٩) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٨.

(١٠) الفقيه ج ٤ ص ٨٢ وفيه « الرأس » مكان « العظم ».

(١١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٥.

٣٢٧

( فروع ) لكن ينبغي أن يعلم أولا إنك قد عرفت في كتاب القصاص عدم اختلاف أرش الجروح بصغره وكبره في الطول والعرض ، لصدق الاسم والتعليق عليه في النص والفتوى ، بل إنما يختلف باختلافه في النزول إذا خرج به عن الاسم إلى اسم آخر ، كما إذا نزلت الحارصة إلى المتلاحمة والمتلاحمة إلى الموضحة ، وأما إذا لم يخرج إلى اسم آخر فاختلافه نزولا كاختلافه أيضا طولا وعرضا وحينئذ ف ( لو أوضحه اثنتين ففي كل واحدة خمس من الإبل ) بلا خلاف ولا إشكال لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب.

( ولو وصل الجاني بينهما ) ففي المتن والإرشاد ( صارتا واحدة كما لو أوضحه ابتداء ) لصدق الاسم ، وأصالة البراءة وبناء فعل الواحد بعضه على بعض ، كما لو قطع يديه ورجليه ثم قتله فإن الدية واحدة لاتحاد الجاني ( وكذا لو سرتا ) أو سرت إحداهما ( فذهب ما بينهما ) من الحاجز ( لأن السراية من فعله ) فهي من تتمة الجنايتين الأولتين ، ولا يستقر حكمهما ما لم تستقرا وإنما استقرتا بعد السراية مع أصل البراءة.

ولكن قد يشكل ذلك كله بزيادة الجناية وتعددها وأصل بقاء الشغل بديتي موضحتين والجناية والسراية زيادة مضمونة على ذيها فكيف تقلل الدية ، بل الظاهر ثبوت دية مستقلة لها لو كانت موضحة أو غيرها ، كما جزم به في الإيضاح ومجمع البرهان ، وقد استشكل فيه الفاضل في القواعد في الاتحاد في الأولى ولم يستشكل في السراية ( و ) الحق عدم الفرق بعد أن كانت السراية مضمونة أيضا فهي حينئذ كما ( لو وصل بينهما غيره ) إذ لا إشكال ولا خلاف في أنه متى كان كذلك ( لزم الأول ديتان ) بفعله ( والواصل ثالثة لأن فعله لا يبنى على فعل غيره و ) ‌

٣٢٨

هو واضح ، نعم ( لو وصلها المجني عليه فعلى الأول ديتان والواصلة هدر ) لأنه الجاني على نفسه.

( و ) كيف كان فعلى الاتحاد ( لو تخالفا ) وتخاصما ( فقال الجاني أنا شققت بينهما ) أو سرتا أو إحداهما بعد أن اعترف أو ثبت أنه أوضحه موضحتين ( وأنكر المجني عليه ) فقال أنا أو ثالث وصل بينهما ( فالقول قول المجني عليه مع يمينه ) كما في القواعد وغيرها ومحكي المبسوط ( لأن الأصل ) بل الظاهر أيضا من حدوثهما ( ثبوت الديتين ولم يثبت المسقط ) وهو وصل الجاني الأول بالسراية أو جناية ثالثة ، بل الأصل عدم السراية أو جناية ثالثة من الجاني ، وقد يقال بتقديم قول الجاني لأن الأصل البراءة ولا يستقر مقدار الدية إلا باستقرار الجناية ، والأصل عدم تخلل جناية جان آخر وعدم استقرارها قبل الاتصال ، ولعل التحقيق اختلاف الحكم باختلاف الإبراز للدعوى والإنكار.

( وكذا لو قطع يديه ورجليه ثم مات بعد مدة يمكن فيها الاندمال واختلفا ) فادعى الجاني موته بالسراية ، فتدخل دية الطرف في النفس ، فلا يكون عليه إلا دية واحدة ، وأنكر المجني عليه ( فالقول قول الولي مع يمينه ) لمثل ما عرفت ، بل يضعف هذا الاحتمال المزبور لأن الأصل عدم السراية وعدم الدخول في النفس إلا أن يفرض إبراز الدعوى على وجه يقتضي ذلك ، فإن المدار على ذلك كما أشرنا إليه سابقا.

ولو أوضحه موضحات متعددة زادت على عشرين وبينها حواجز ، وجب عليه في كل موضحة خمس من الإبل ، ولو زادت على دية النفس.

ولو أوضحه ثم اندمل فجاء آخر أو الجاني الأول فأوضحه في ذلك الموضع ، كان عليه دية أخرى.

ولو أوضحه موضحة واسعة فاندمل جوانبه وبقي العظم ظاهرا دفع إليه دية موضحة. ولو اندمل الكل والتحم وستر العظم لكن بقي الشين والأثر فكذلك ،

٣٢٩

لعموم النص والفتوى ، بل مقتضاه ذلك وإن لم يبق الأثر ، وإن كان ظاهر الفاضل في القواعد خلافه ، ولعله للحمل على الكسر الذي فرق بين انجباره على عيب ولا عليه ، لكن هو كما ترى قياس لا نقول به ، أو لعدم صدق الموضحة بعد البرء الذي هو محل استقرار الجناية ، وهو أيضا مخالف لإطلاق النص والفتوى.

ولو أوضحه في رأسه في موضعين فانخرق ما بينهما في الباطن خاصة إما بفعله أو بسرايته وبقي ظاهر البشرة سليما ، فالأقرب كما في القواعد لزوم الديتين لبقاء التعدد اسما ، فإن الإيضاح إنما تحقق بوضوح العظم وظهوره ، ويحتمل الاتحاد للاتصال باطنا وتفسير الإيضاح بوصول الجرح إلى العظم وقد وصل ، بل عن التحرير التردد في ذلك كما عن ظاهر المبسوط لكن الأقوى ما عرفت. ولو وصل بينهما في الظاهر دون الباطن بأن قطع بعض اللحم الظاهر ولم يصل إلى العظم فهما موضحتان وما بينهما متلاحمة أو دامية أو سمحاق ، بل لعل الاتحاد هنا غير محتمل.

نعم لو ضربه ضربة واحدة فجرحه جراحة واحدة طرفاها موضحتان دون الوسط فالكل موضحة واحدة.

( ولو شجه واحدة واختلفت مقاديرها ) فأوضح بعضها مثلا دون بعض ( أخذ ) منه ( دية الأبلغ ) عمقا ( لأنها لو كانت كلها كذلك لم تزد على ديتها ) لصدق الاسم مع ما عرفت من عدم الاختلاف بالصغر ( و ) الكبر بعد اتحاد الجناية.

نعم ( لو شجه في عضوين ) اختلفت ديتاهما أو اتفقتا كاليدين مثلا ( كان لكل عضو دية على انفراده ولو كان بضربة واحدة ) فإن اختص الأبلغ كالموضحة بأحدهما كان فيه دية وفي الآخر دية ما دون ، وإن عمهما الموضحة مثلا كان له دية موضحتين لعضويه ( ولو شجه في رأسه وجبهته ) شجة واحدة متصلة كذلك ( فالأقرب أنها واحدة لأنهما عضو واحد ) عرفا إذ الرأس يشملهما ، والأصل البراءة ، وإن استشكل فيه في القواعد ومحكي المبسوط من ذلك ومن‌

٣٣٠

تغايرهما عرفا ولانتفاء التكرار في قولهم له رأسه ووجهه ، وفيه أن الأصل البراءة ولو مع الشك.

( وأما الهاشمة فهي التي تهشم العظم ) وتكسره وإن لم يكن جرح ، ومنه قيل للنبات المنكسر هشيما ( وديتها عشر من الإبل ) عشر الدية ، بلا خلاف أجده فيه كما عن الغنية ، بل الظاهر الاتفاق عليه كما اعترف به في كشف اللثام ، لخبر السكوني (١) المنجبر بذلك « قال : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في الهاشمة بعشر من الإبل » ‌إلا أنه كما ترى مطلق لكن في المتن والقواعد ومحكي المبسوط ( أرباعا ) أى إن كان خطأ على حسبما توزع عليه الدية الكاملة فيكون في المقام ( إن كان خطأ ) بنتا مخاض وابنا لبون وثلاث بنات لبون وثلاث حقق ( وأثلاثا إن كان شبيه العمد ) ثلاث بنات لبون وثلاث حقق وأربع خلف على ما دلت عليه صحيحة ابن سنان (٢) في التوزيع ، بل عن ظاهر المبسوط الاتفاق عليه ، ولا ريب في أنه أحوط وإن لم نقف على نص عليه هنا بالخصوص ، ويمكن أن يكون حملوه على النفس.

( و ) على كل حال فـ ( ـلا قصاص فيها ) للتغرير ، وعدم إمكان استيفائه كما عرفته سابقا في القصاص ، وعرفت الخلاف فيه فلاحظ.

( ويتعلق الحكم بالكسر ) الذي به يتحقق اسمها ( وإن لم يكن جرح ) خلافا للعامة فجعلوا فيها الحكومة مع عدمه في وجه ، وخمسا من الإبل في آخر ، وهما معا كما ترى.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

٣٣١

( ولو أوضحه اثنتين وهشمه فيهما واتصل الهشم باطنا قال في المبسوط : هما هاشمتان ) لأن الهاشمة تابعة للموضحة وإلا لم تتأخر عنها في مراتب الشجاج فهي المشتملة على الإيضاح وانكسار العظم جميعا ، ولا يكفى فيها الانكسار والموضحة في الفرض متعددة ( و ) لكن ( فيه تردد ) لإمكان منع التبعية المزبورة لعدم الدخول في المفهوم لغة ولذا ثبت الحكم في الكسر وإن لم يكن جرح فهي حينئذ هاشمة متحدة باعتبار إيصالها وإن تعددت الموضحة.

( وأما المنقلة فهي ) بصيغة اسم الفاعل مع تشديد القاف فهي كما في النهاية والقواعد والنافع والنزهة ومحكي الجامع ( التي تحوج إلى نقل العظم ) من موضعه إلى غيره باعتبار حصول الهشم فيه ، وحينئذ فيرجع إليه ما في المقنعة والمراسم والناصريات من أنها « التي تكسر العظم كسرا يفسده فيحتاج معه الإنسان إلى نقله من مكانه » بل وما في الوسيلة « ما تكسر العظم وتحوج إلى نقل العظم من موضع إلى موضع » بل وما في الغنية ومحكي الإصباح « التي تحوج مع كسر العظم إلى نقله من موضع إلى آخر » ، بل وما في المقنع من أنها « هي التي قد صارت قرحة تنقل منها العظام (١) » لكن عن التهذيب والفقيه (٢) عن الأصمعي هي التي يخرج منها فراش العظام وهو قشرة تكون على العظم دون اللحم ، ومنه قول النابغة : « ويتبعها منهم فراش الحواجب » ونحوه عن تهذيب الأزهري عن أبي عبيد عن الأصمعي ، ولم يوافقه أحد من أهل اللغة على ذلك ، بل ظاهرهم كالفقهاء خلافه الذي هو المنساق‌

__________________

(١) المقنع ص ١٨١.

(٢) التهذيب ج ١٠ ص ٢٨٩ الفقيه ج ٤ ص ١٦٦.

٣٣٢

أيضا (١).

نعم عن السرائر « أنها هي التي يخرج منها فراش العظام وفراش الرأس بفتح الفاء والراء غير المعجمة المفتوحة والشين المعجمة وهي عظام رقاق تلي القحف وتحوج إلى نقلها من موضع إلى موضع » (٢) وعن العين والمحيط « أنها التي ينقل منها فراش العظام أي صغارها » ونحوه عن المغرب (٣) والمعرب والنهاية الأثيرية ، وعن المجمل والمقاييس وشمس العلوم « أنها التي ينقل منها فراش العظام وإن فراش الرأس طرائق تلي القحف » وفي الصحاح « هي التي تنقل العظم أي تكسره حتى يخرج منها فراش العظام » « وإن فراش الرأس عظام رقاق تلي القحف » و‌في الكافي (٤) « هي التي تنقل العظم من الموضع الذي خلقه الله ».

والتحقيق ما عرفته من أن المتبادر منها ما عن أدب الكاتب من أنها « التي يخرج منها العظام » وعن نظام الغريب « أنها التي خرجت منها عظام صغار » ولعله المراد مما في خبر أبي بصير (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام على ما رواه في الكافي ـ إلى أن قال ـ: « وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وهي التي قد صارت قرحة تنقل منها العظام ».

( و ) على كل حال فـ ( ـديتها خمسة عشر بعيرا ) بلا خلاف معتد به أجده فيه نصا وفتوى ، بل عن الخلاف والمبسوط والغنية الاعتراف به ، نعم عن الحسن إيجاب عشرين بعيرا فيها وهو مع ندرته لا مستند له ، فضلا عن أن يعارض المعتبرة المستفيضة‌

__________________

(١) كذا في الأصل.

(٢) السرائر ، باب القصاص وديات الشجاج.

(٣) المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي وفيه : فراش العظام وهو دقاقها في الرأس.

(٤) الكافي ج ٧ ص ٣٢٩.

(٥) الكافي ج ٧ ص ٣٢٧.

٣٣٣

المعتضدة بما سمعت ، منها‌ خبر أبي حمزة « في الموضحة خمس من الإبل ـ إلى أن قال ـ : وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل عشر ونصف عشر (١) » ‌ومنه يعلم الوجه فيما ذكرناه سابقا من عدم الخلاف في عبارات الأصحاب.

( و ) على كل حال ( لا قصاص فيها ) أيضا كالهاشمة لتعذره غالبا ، وللتغرير ، ولما دل على عدم القصاص في كسر العظام كما تقدم الكلام في ذلك والخلاف فيه مفصلا. بل ( و ) في أن ( للمجنى عليه أن يقتص في قدر الموضحة ) منها (٢) فرض الإيضاح ( ويأخذ دية ما زاد وهو عشر من الإبل ) كما في القواعد ومحكي المبسوط لوجود المقتضى وانتفاء المانع ، أو ليس له ذلك لعدم صدق القصاص عرفا كما عن الشيخ في محكي الخلاف (٣) مدعيا عليه الإجماع والأخبار ، وقد عرفت التحقيق فيه سابقا ، فلاحظ وتأمل.

( وأما المأمومة ) والأمة على معنى ذات أم الرأس ( فهي التي تبلغ أم الرأس وهي الخريطة التي تجمع الدماغ و ) فيها ثلث الدية كما في أخبار (٤) أبي بصير ومعاوية بن وهب ومسمع والشحام وأبي الصباح والعلاء بن الفضيل عن الصادق عليه‌السلام ، ومحكي الخلاف والمراسم والمقنع والغنية وغيرها ، أي ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٨.

(٢) كذا في الأصل ولعل الصحيح « منها مع فرض الإيضاح » راجع مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٤٨٥.

(٣) الخلاف ج ٢ ص ٣٦٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج ، الحديث ٩ و ١٠ و ١٢ و ٦ و ٥ و ١٦.

٣٣٤

كما في كتاب ظريف (١) ، أو ثلاثة وثلاثون بعيرا وثلث بعير كما عن صريح المبسوط (٢) ، بل في الوسيلة ديتها على الثلث من دية النفس مغلظة في العمد ومخففة في الخطاء وبين بين في عمد الخطاء.

ولكن في المقنعة كما في المتن ( فيها ثلث الدية ثلاثة وثلاثون بعيرا ) أو ثلث الدية من العين كالورق على السواء ، لأن ذلك يحدد فيه الثلث ولا يحدد في الإبل والبقر والغنم على السلامة في العدد ، ونحوه في الناصريات ، وفي النهاية أيضا فيها ثلث الدية ثلاثة وثلاثون بعيرا أو ثلث الدية من الغنم أو البقر أو الفضة أو الحلة ، وهؤلاء مع تصريحهم بالثلث لم يعتبروا ثلث البعير ولعله لحملهم أخبار الثلث على التقريب في الإبل كما عساه يشهد له‌ صحيح (٣) الحلبي أو حسنه عن الصادق عليه‌السلام « قال : في المأمومة ثلاث وثلاثون من الإبل ».

ونحوه خبر زرارة (٤) عنه عليه‌السلام ، بل و‌خبر أبي بصير (٥) عنه أيضا « وفي الجائفة ثلث الدية ثلاث وثلاثون من الإبل وفي المأمومة ثلث الدية » ‌وعن ابن إدريس (٦) « في الثامنة ثلث الدية دية النفس وهي ثلاث وثلاثون بعيرا فحسب بلا زيادة ونقصان إن كان من أصحاب الإبل ، ولم يلزم أصحابنا ثلث البعير الذي يكمل به ثلث المأة بعير التي هي دية النفس لأن رواياتهم هكذا مطلقة ، وكذلك مصنفاتهم وقول مشايخهم وفتاواهم ، وإجماعهم منعقد على هذا الإطلاق ، أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء لأن ذلك يحدد (٧) فيه الثلث ولا يحدد في الإبل‌

__________________

(١) الفقيه ج ٤ ص ٨٢.

(٢) راجع المبسوط ج ٧ ص ١٢٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٠.

(٦) السرائر باب القصاص وديات الشجاج.

(٧) في الأصل « يتحدد » في جميع الموارد ، وفي السرائر يتجدد بالجيم.

٣٣٥

والبقر والغنم ».

وقد يحتمل العكس بحمل ما دل على العدد من دون ذكر الثلث عليه تحقيقا في اللفظ وتجوزا في العدد بالاقتصار على الأعداد الصحيحة والإيماء إلى كمال الثلث من إيجابه ، بل هو خيرة الفاضل وثاني الشهيدين وغيرهما ، وفيه أنه لا مرجح لهذا التجوز على الأول ، والمناسبة لمراعاة النسبة إلى أصل الدية في المسائل السابقة في المسألة أيضا بالإضافة إلى النقدين والحلة لا تصلح للترجيح ، خصوصا مع ملاحظة ما عرفت من إجماع الحلي وغيره ، بل لو سلم تكافؤ المرجحين كان المتجه عدم اعتبار ثلث البعير للأصل ، وإن كان دفعه أو العدول إلى النقدين ونحوهما أحوط ، والله العالم.

( والدامغة )

(هي التي تفتق الخريطة ) التي هي أم الدماغ فهي حينئذ بعد المأمومة كما عن الصحاح والمغرب (١) والمعرب وغيرهما بل هو معنى قول أهل اللغة أنها التي تبلغ الدماغ ، بل لعل ذلك هو المنساق من مبدأ اشتقاقها عرفا ، بل يرجع إليه ما عن العين والمحيط من « أن الدمغ كسر الصاقورة من الدماغ ، والصاقورة باطن القحف المشرف على الدماغ » نعم ما عن الثعالبي من ذكرها مكان الأمة وتفسيره بمعناها يقتضي الترادف معها.

( و ) على كل حال فبناء على ما ذكرنا تكون ( السلامة معها بعيدة ) فهي حينئذ توجب القصاص أو الدية ، وعلى تقديرها فتزيد على المأمومة حكومة لعدم التقدير لها شرعا ( ولا قصاص ) فيها لتعذر الاستيفاء وللتغرير ، بل ولا‌

__________________

(١) كذا في الأصل والصحيح « المغرب في ترتيب المعرب » وضمير التثنية بعده يشهد لكونه كتابا واحدا.

٣٣٦

( في المأمومة لأن السلامة معها غير غالبة ) فيتعذر القصاص للتغرير.

( و ) لكن ( لو أراد المجني عليه ) بها أو بالدامغة أو بالمنقلة أو بالهاشمة ( أن يقتص في الموضحة ) مع فرض حصولها معها ( ويطالب بدية الزائد جاز ) كما في القواعد ومحكي المبسوط ، لعموم الأدلة ، خلافا للمحكي عن الخلاف تمسكا بالأخبار والإجماع كما عرفت الكلام فيه سابقا.

( والزيادة ) بعد إسقاط الخمسة للموضحة ( ثمانية وعشرون بعيرا ) لما عرفت من أن فيها ثلاثة وثلاثين بعيرا ( و ) لكن ( قال في المبسوط ) (١) ثمانية وعشرون ( وثلث بعير وهو بناء على أن في المأمومة ثلاثة وثلاثين بعيرا وثلثا ) لإطلاق النصوص أن فيها ثلث الدية ، وهو ذلك ( ونحن ) قد قدمنا الكلام فيه وقلنا إن الأقوى أن ( نقتصر على ثلاثة وثلاثين ) بعيرا ( تبعا للنقل ) في الصحيح وغيره المصرح بأن فيها ذلك ، وحمله على مجاز الحذف ليس بأولى من حمل الثلث على المجاز ، بل هو أولى لما عرفت ، بل مع فرض تعارض المرجحين يتجه العمل بأصل البراءة من الزائد.

( ولو جنى عليه موضحة فأتمها آخرها شمة وثالث منقلة ورابع مأمومة فعلى الأول خمسة ) للإيضاح بلا خلاف ولا إشكال ( وعلى الثاني ما بين الموضحة والهاشمة خمسة أيضا ) لا عشرة ، فإنها إنما تجب بالهشم مع الإيضاح إذ لو أوضح ثم هشم لم يكن عليه إلا العشرة ، فخمسة بإزاء الإيضاح ، وفيه أنه مناف لما دل على أن في الهشم عشرة ، الذي قد عرفت تعلق حكمه بالكسر وإن لم يكن جرح ( و ) كذا الكلام في ما ذكره أيضا من أن ( على الثالث ما بين الهاشمة والمنقلة خمسة أيضا ، وعلى الرابع تمام دية المأمومة ثمانية عشر بعيرا ) الذي وجهه ما سمعت وفيه ما عرفت اللهم إلا أن يدعى أن المنساق من نصوص التقدير غير الفرض والأصل البراءة ، والله العالم.

__________________

(١) المبسوط ج ٧ ص ١٢٢.

٣٣٧

( ومن لواحق هذا الباب مسائل ) ‌

( الأولى )

قد تقدم الكلام في الأنف في أن ( دية النافذة ) فيه أي ( في الأنف ثلث الدية فإن صلحت فخمس الدية مأتا دينار ، ولو كانت في أحد المنخرين إلى الحاجز فعشر الدية ) فلاحظ وتأمل ، وكذا قد تقدم الكلام في :

المسألة ( الثانية : )

التي هي ( في شق الشفتين حتى تبدو الأسنان ثلث ديتهما ولو برئتا فخمس ديتهما ولو كان في إحداهما فثلث ديتها ومع البرء خمس ديتها ) في بحث الشفتين فلاحظ وتأمل.

المسألة ( الثالثة : )

( الجائفة ) و ( هي التي تصل إلى الجوف من أي الجهات كان ) بطن أو ظهر أو صدر أو جنب أو غير ذلك ( ولو من ثغرة النحر ) بإبرة ، ولذا كانت من الجراح لا الشجاج المختص بالرأس أو الوجه ، نعم لو فرض حصولها في الرأس كانت دامغة ، قال في محكي الفقيه : « ومن الشجاج والجراحات الجائفة ، وهي التي تبلغ في الجسد الجوف وفي الرأس الدماغ (١) ».

ولكن في المقنع « إن المأمومة التي قد نفذت في العظم ولم تصل إلى الجوف‌

__________________

(١) الفقيه ج ٤ ص ١٦٧.

٣٣٨

فهي ما بينهما والجائفة هي التي قد بلغت جوف الدماغ (١) » وهو لفظ‌ خبر أبي بصير (٢) عن الصادق عليه‌السلام « قال : وفي المأمومة ثلث الدية وهي التي قد نفذت ولم تصل إلى الجوف فهي فيما بينهما وفي الجائفة ثلث الدية وهي التي قد بلغت جوف الدماغ » ‌وقال الكليني : « والمأمومة وهي التي تبلغ أم الدماغ ، ثم الجائفة وهي التي تصير في جوف الدماغ (٣) » وظاهرهما اختصاصها بالرأس كالمحكي عن ظاهر الثعالبي ، إلا أنه يمكن حمل الجميع على إرادة ما إذا كانت في الرأس ، فلا خلاف حينئذ ، وستسمع المراد بالجوف.

( و ) على كل حال فـ ( ـفيها ثلث الدية ) بلا خلاف أجده فيه ، كما عن المبسوط والخلاف والغنية الاعتراف به ، مضافا إلى النصوص ، منها صحيح أبي بصير (٤) السابق ، ومنها خبر ابن وهب (٥) وخبر أبي مريم (٦) وخبر العلاء (٧) وخبر المفضل (٨) بن صالح وزيد عنه عليه‌السلام أيضا ، لكن في‌ حسن الحلبي (٩) عن الصادق عليه‌السلام « فيها ثلاث وثلاثون من الإبل » ‌وفي‌ خبر أبي بصير (١٠) عنه عليه‌السلام أيضا « وفي الجائفة ثلث الدية ثلاث وثلاثون من الإبل » ‌بل في‌ مقطوع أبي حمزة (١١) « وفي الجائفة ما وقعت في الجوف ليس فيها قصاص إلا الحكومة » ‌إلا أنه قاصر عن معارضة غيره من وجوه.

ويمكن حمله على إرادة ثلث الدية حكومة ، كما أنه يمكن حمل الأولين على مجاز الحذف ، وأما احتمال التجوز في الثلث هنا نحو ما سمعته في المأمومة‌

__________________

(١) المقنع ص ١٨١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٩.

(٣) الكافي ج ٧ ص ٣٢٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٩.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٣.

(٧) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٦.

(٨) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٥.

(٩) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٤.

(١٠) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٠.

(١١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٨.

٣٣٩

فكلام الأصحاب يأباه ، بل لم أجد من احتمله هنا ، بل صرح بعدمه بعضهم.

نعم ربما كان في تعليل بعضهم سقوطه في المأمومة لعدم التحديد وبالنص إيماء إلى احتماله هنا فيتجوز حينئذ بالثلث ، إلا أنه كما ترى بعد عدم نص أحد منهم عليه مع إطلاقهم فيها الثلث ، والله العالم.

وكذا لم أجد من احتمل اختصاص الثلث بما إذا كانت في الرأس إلا الأردبيلي ، وإن كان ربما يشهد له في الجملة ذكرها في النصوص مع الشجاج المختص بالرأس ، بل قد يستبعد ثبوت ثلث الدية في ثقب الخد مثلا بالإبرة ، اللهم إلا أن يمنع كون ذلك من الجائفة (١) كما صرح به في التحرير والقواعد وغيرهما ومحكي الخلاف ، قال في الأول : « وتتحقق الجائفة بالوصول إلى الجوف ولو بغرز إبرة ، ولو خرق شدقه فوصل إلى باطن الفم فليس بجائفة ، لأن داخل الفم كالظاهر ، وكذا لو طعنه في وجنته فكسر العظم ووصل إلى فيه ، ولو جرحه في ذكره فوصل إلى مجرى البول من الذكر فليس بجائفة (٢) » وهو صريح فيما ذكرناه ، ولعله لأن المنساق من نصوص الجائفة غير ذلك مع أن الأصل البراءة.

نعم قال في القواعد : لو جرح رقبته فأنفذها إلى حلقه فعليه دية الجائفة وكذا لو طعنه في عانته فوصل إلى المثانة (٣) » ولكن لعله كما في كشف اللثام لصدق الاسم عليهما ، ولعله لا يخلو من نظر في الجملة ، كل ذلك مضافا إلى ما تسمعه في المسألة الرابعة في النافذة.

( و ) كيف كان فـ ( ـلا قصاص فيها ) بلا خلاف أجده فيه ، بل في كشف اللثام اتفاقا ، كما هو الظاهر للتغرير ، وللمقطوع (٤) المنجبر بما عرفت ، فلا يقدح إمكانه في بعض الأفراد ، خصوصا في مثل الخد بناء على أنه من‌

__________________

(١) في بعض النسخ هكذا : « الا أن يدعى كون ذلك في الجائفة ».

(٢) التحرير ج ٢ ص ٢٧٧.

(٣) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٥٠٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٨.

٣٤٠