جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وإذا ذهب سمع الصبي فتعطل نطقه فديتان ، بناء على أن التعطيل كالزوال وإلا فالحكومة في النطق.

( و ) كيف كان فـ ( ـلا يقاس السمع في ) يوم هبوب ( الريح ) ولا في المواضع المختلفة ارتفاعا وانخفاضا لعدم الانضباط حينئذ ( بل يتوخى سكون الهواء ) والمواضع المعتدلة. ولو اشتبه الأمر بعد ذلك كله استظهر بامتحانه مرارا بل عن المفيد واستظهر عليه بالأيمان أيضا ، والله العالم.

( الثالث في ضوء العينين )

( وفيه الدية كاملة ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص عموما وخصوصا من غير فرق بين أفراده المختلفة شدة وضعفا ، حتى الأعشى ، بل والذي على عينيه بياض لا يمنعه من الإبصار ، وإن استشكل به الفاضل للنقص الموجب لنقصان العوض ، وفيه أن الفرض عدم النقص به وإلا فلا إشكال في مراعاته بمقداره من الدية إن علم ، وإلا فالحكومة.

ولو قلع الحدقة فليس عليه إلا دية واحدة كما نص عليه في كشف اللثام من غير نقل خلاف فيه وإن استلزم ذلك إزالة البصر أيضا ، لأن المنفعة تابعة للعين فيه كما هو ظاهر‌ قولهم عليهم‌السلام (١) : « في العينين الدية » ‌مثلا بخلاف قطع الأذنين وإذهاب السمع فإنه ليس من منفعتهما.

وبالجملة ظاهر الأدلة وجوب الدية الواحدة للعينين بقلع حدقتهما المستلزم لإذهاب البصر ، أو بإذهاب ضوئهما دون الحدقة ، ولا ينافي ذلك ثبوت مقدر لحدقة عين الأعمى كما هو واضح. لكن في مجمع البرهان بعد أن ذكر ما قلناه قال : « ويحتمل الدية والحكومة للحدقة ، ويحتمل تعدد الدية لضوء العين والحدقة ، وكذا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٤ و ٦.

٣٠١

الأجفان فتأمل (١) وفيه ما لا يخفى.

وكيف كان ( فإن ادعى ) المجني عليه ( ذهابه ) بالجناية وأنكره الجاني ( وشهد له شاهدان ) عدلان ( من أهل الخبرة ) ثبت القصاص مع العمد إلا أن يصطلحا ( أو رجل وامرأتان إن كانت خطاء أو شبيه عمد فقد ثبت المدعى فإن قالا : لا يرجى عوده فقد استقرت الدية ، ) بل في محكي المبسوط والسرائر ( وكذا لو قالا : يرجى عوده لكن لا تقدير له ) لأنه لو اعتبرناه أدى إلى سقوط الضمان ( أو قالا : بعد مدة معينة فانقضت ولم يعد ) بلا خلاف ولا إشكال في الأخير ، و‌في الصحيح (٢) أن سليمان بن خالد سأل الصادق عليه‌السلام « عن العين يدعى صاحبها أنه لا يبصر بها قال : يؤجل سنة ثم يستحلف بعد السنة أنه لا يبصر ثم يعطي الدية قلت : فإن هو أبصر بعد قال هو شي‌ء أعطاه الله إياه ».

نعم قد يشكل الأول بعدم تحقق الذهاب الدائم الذي هو المنساق من نصوص إثبات الدية فيه فيستظهر حينئذ مدة أو سنة ثم تدفع إليه الدية تامة أو دية بصر يرجى عوده ، إلا أني لم أجد من احتمل ذلك ، فتأمل.

( وكذا ) تستقر الدية ( لو مات ) أو قلع آخر عينه ( قبل ) مضي ( المدة ) بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ، لأن الأصل عدم عوده ، فتثبت الدية بموجبها ، ولكن قد يحتمل العدم للأصل بعد حكم أهل الخبرة بعوده فلم يتحقق الذهاب الدائم الذي هو مناط ثبوت الدية ، فيعطى حينئذ دية بصر حكم أهل الخبرة بعوده.

( أما لو عاد فيها ففيه الأرش ) عوض الجناية الذي أذهبته مدة ، واحتمال العدم في مجمع البرهان لإمكان كونه عطاء ، لا وجه له بعد حكم أهل الخبرة بعوده ، نعم لو عاد بعدها قبل الاستيفاء للدية أو بعده فقد سمعت ما في الصحيح (٣) السابق.

__________________

(١) مجمع البرهان كتاب الديات المقصد الخامس.

(٢) الفقيه ج ٤ ص ١٣٤ وفيه قلت فإنه أبصر بعد ذلك؟.

(٣) يعني رواية سليمان بن خالد. التي مرت آنفا.

٣٠٢

لكن قد تقدم الكلام في نحو ذلك ، ولو عاد مرجو العود لا إلى مدة استعيد من الدية إن استوفاها الفاضل من الحكومة كما عن التحرير النص عليه.

( ولو اختلفا في عوده فالقول قول المجني عليه مع يمينه ) واحدة للأصل ، نعم إن شهد عدلان أو رجل وامرأتان من أهل الخبرة بالعود أو بعدمه قبل ، وكذا لو مات فاختلف وليه الجاني في العود قبل الموت فالقول قول الولي مع يمينه إن لم تكن بينة كما هو واضح.

( وإذا ادعى ذهاب بصره وعينه قائمة ) وليس من أهل الخبرة من يشهد له ( حلف القسامة وقضى له ) بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ، وإن نسبه بعض إلى الأشهر مشعرا بوجود خلاف فيه ، ويدل عليه ما في كتاب ظريف (١) وما عرضه‌ يونس (٢) على الرضا عليه‌السلام المروي في الصحيح وغيره.

ولكن فيهما « أن القسامة على ستة أجزاء فإن ادعى ذهاب البصر كله حلف ستا أو حلف هو وخمسة رجال معه ، وإن ادعى ذهاب سدس بصره حلف هو واحدة وإن ادعى ذهاب ثلثه حلف هو يمينين أو هو وآخر معه وهكذا » ، وهو خلاف ما سمعته في القسامة للوث الذي منه ما نحن فيه ، ضرورة كون الدعوى عقيب الضرب الذي يحصل معه ذلك غالبا ، كما قيده به الفاضل في القواعد وغيره ، بل في مجمع البرهان « ينبغي أن يكون أيضا بعد عدم القدرة على الإثبات وعدمه بالامتحان والتجربة » (٣) ولعله مناف لإطلاق النص ( و ) الفتوى.

نعم ( في رواية ) الأصبغ (٤) بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام الضعيفة سندا أنه ( يقابل ) بعينه ( بالشمس فإن كان كما قال بقيتا مفتوحتين ) وإلا أكذب « قال سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن رجل ضرب رجلا على هامته فادعى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ١.

(٣) مجمع البرهان كتاب الديات المقصد الخامس.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات المنافع ، الحديث الأول.

٣٠٣

المضروب أنه لا يبصر شيئا وأنه لا يشم الرائحة وأنه قد ذهب لسانه ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن صدق فله ثلاث ديات ، فقيل : يا أمير المؤمنين فكيف يعلم أنه صادق؟ فقال : أما ما ادعاه أنه لا يشم رائحة فإنه يدنى له الحراق فإن كان كما يقول وإلا نحى رأسه ودمعت عينه ، وأما ما ادعاه في عينيه فإنه يقابل بعينيه عين الشمس فإن كان كاذبا لم يتمالك حتى يغمض عينيه وإن كان صادقا بقيتا مفتوحتين ، وأما ما ادعاه في لسانه فإنه يضرب على لسانه بالإبرة فإن خرج الدم أحمر فقد كذب وإن خرج أسود فقد صدق » بل عن الشيخ وسلار العمل بها هنا ، بل عن الأول منهما دعوى الإجماع عليه ، ولكن زاد الاستظهار بالأيمان ، وذكر أنه لا يمكن إقامة البينة عليه ، ونسب الحكم بشهادة رجلين أو رجل وامرأة إلى الشافعي ، بل عن المختلف نفي البأس عن العمل به إن أفاد الحاكم ظنا ، إلا أن ذلك كله لا يكفى جابرا للخبر الضعيف بعد إعراض الأكثر الموهن للإجماع المزبور ، كما أنه لا حاصل لما سمعته من المختلف ، ضرورة عدم حجية كل ظن حاصل للحاكم كما هو واضح ، فلا ريب في أن المتجه ما سمعته من المشهور ، نعم لا بأس باعتبار الشق الأول من الخبر المزبور امتحانا مع الأيمان لزيادة الاستظهار ، والله العالم.

ولو زال الضوء وحكم العارفون بعوده إلى مدة معلومة فقلع آخر عينه قبل مضى المدة فإن اتفق المجني عليه والجانيان على أن الضوء لم يكن قد عاد فقد عرفت سابقا أن على الأول الدية للأصل وعلى الثاني دية العين الفاقدة للضوء ، وهي ثلث الدية الصحيحة ، ويحتمل أن لا يكون على الأول إلا حكومة ، ويكون على الثاني دية العين الصحيحة أو الحكومة لحكم العارفين بعود الضوء كما أشرنا إليه سابقا ، وإن اتفقوا على عوده فعلى الثاني الدية وعلى الأول حكومة ، وإن اختلفوا فادعى الأول عود البصر لأن لا يكون عليه إلا الحكومة وأنكر الثاني لأن لا يكون عليه إلا ثلث دية الصحيحة فإن صدق المجني عليه الأول‌

٣٠٤

حكم عليه في حق الأول فلا يطالبه بأكثر من الحكومة مؤاخذة له بإقراره ، ولا يقبل قوله على الثاني لأن الأصل عدم عود الضوء ، ولأنه إقرار في حق الغير ، وإن كذبه فالقول قوله مع اليمين ، لأنه موافق للأصل ، ويطالبه إذا حلف بالدية ، ويأخذ من الثاني الحكومة ، بل قيل سواء صدق الثاني الأول أو كذبه ، لأنه مع التصديق وإن أقر على نفسه بالدية لكن لا يدعى المجني عليه إلا الحكومة ، فلا يجوز أخذ الزائد منه ، نعم قد يقال بجواز دفعه للأول لأنه مظلوم بزعمه فيأخذه منه مقاصة.

( ولو ادعى نقصان إحداهما قيست إلى الأخرى وفعل كما فعل في السمع ، ولو ادعى النقصان فيهما قيستا إلى عيني من هو من أبناء سنه وألزم الجاني التفاوت بعد الاستظهار بالأيمان ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، كما اعترف به بعض ناسبا له إلى صريح الغنية أيضا ، للمعتبرة المستفيضة كحسن ابن فضال (١) و‌صحيح يونس (٢) قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام « إذا أصيب الرجل في إحدى عينيه بأنها تقاس ببيضة تربط على عينه المصابة ، وينظر ما منتهى بصر عينه الصحيحة ، ثم تغطى عينه الصحيحة وينظر ما منتهى عينه المصابة ، فيعطى ديته على حساب ذلك ، والقسامة مع ذلك من الستة الأجزاء على قدر ما أصيب من عينه ، فإن كان سدس بصره حلف هو وحده وأعطى ، وإن كان ثلث بصره حلف هو ومعه رجل واحد ، وإن كان نصف بصره حلف هو وحلف معه رجلان ، وإن كان ثلثي بصره حلف هو وحلف معه ثلاثة نفر ، وإن كان خمسة أسداس بصره (٣) حلف هو وحلف معه أربعة نفر ، وإن كان بصره كله حلف هو وحلف معه خمسة نفر.

وكذلك القسامة كلها في الجروح ، فإن لم يكن للمصاب بصره من حلف معه ضوعف عليه الأيمان ، إن كان سدس بصره حلف مرة واحدة ، وإن كان ثلث‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

(٣) في الكافي والفقيه والوسائل : « وان كان أربعة أخماس بصره » ‌وفي التهذيب كما أثبتناه.

٣٠٥

بصره حلف مرتين وإن كان أكثر على هذا الحساب ، وإنما القسامة على مبلغ منتهى بصره ».

وصحيح محمد بن قيس (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أصيبت إحدى عينيه أن تؤخذ بيضة نعامة فيمشي بها وتوثق عينه الصحيحة حتى لا يبصرها وينتهى بصره ، ثم يحسب ما بين منتهى بصر عينه التي أصيبت ومنتهى عينه الصحيحة فيؤدى بحساب ذلك ».

وصحيح معاوية (٢) بن عمار « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يضرب (٣) في أذنه فيذهب بعض بصره ، فأي شي‌ء يعطى؟ قال : يربط إحداهما ثم توضع له بيضة ثم يقال له : انظر ، ما دام يدعى أنه يبصر موضعها حتى إذا انتهى إلى موضع إن جازه قال : لا أبصر قربها حتى يبصر ثم يعلم ذلك الموضع ثم يقاس بذلك القياس من خلفه وعن يمينه وعن شماله ، فإن جاء سواء وإلا قيل له : كذبت حتى يصدق ، قال : قلت : أليس يؤمن؟ قال لا ولا كرامة ويصنع بالعين الأخرى مثل ذلك ، ثم يقاس ذلك على دية العين ».

وخبر كثير (٤) عن علي عليه‌السلام « قال أصيبت عين رجل وهي قائمة فأمر علي عليه‌السلام فربطت عينه الصحيحة ، وأقام رجلا بحذاه بيده بيضة ، يقول هل تراها فإذا قال : نعم ، تأخر قليلا حتى إذا خفيت عليه علم المكان ، قال : وعصبت عينه المصابة فجعل الرجل يتباعد وهو ينظر بعينه الصحيحة إلى البيضة حتى إذا خفيت عليه ثم قيس ما بينهما وأعطى الأرش على ذلك ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

(٣) كذا في التهذيب ولكن في الكافي والوسائل هكذا : « عن الرجل يصاب في عينه فيذهب ... ».

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ٢.

٣٠٦

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن أن يكون المحصل منها اعتبار الامتحان في أصل دعوى حصول النقصان في العين مثلا ، فإن حصل على وجه يعلم صدقه أو كذبه عمل عليه من غير حاجة إلى يمين ، وإن حصل ظن من ذلك أو من كون الضربة مما تؤثر ذلك غالبا أو نحو ذلك مما يكون أمارة على صحة الدعوى كان من اللوث الذي فيه القسامة ، والظاهر أنها القسامة التي تقدمت في النفس وهي الخمسون يمينا أو نصفها ، لا ست أيمان كما سمعته في الخبر (١) ، ولا يمين واحدة كما احتمل ، وأما مقدار النقصان بعد العلم بتحققه ، فالظاهر اعتبار الامتحان فيه حتى يصدق وإن اقتضى ذلك تكريره مرة بعد أخرى ، فإن ظهور كذبه في المقدار بالامتحان لا يقتضي سقوط دعواه بعد العلم بحصول النقص.

نعم لو فرض عدم إمكان ظهوره بالامتحان فهل يثبت ذلك بالقسامة أو يمين واحدة أو يرجع إلى الصلح مع إمكانه وإن اقتصر على المتيقن؟ لا يبعد الأخير فإن ثبوت حكم اللوث في مثله مع عدم أمارة تشهد بصدقه أو ثبوته بيمينه وإن لم يكن لوث لا دليل عليه ، بل قد يشكل إجراء حكم اللوث عليه مع فرض الأمارة التي تشهد بصدقه في المقدار ، وإن ظهر من بعضهم ذلك حتى أنه جعل الامتحان مع ظهور صدقه فيه مقدمة لثبوت اللوث بأن المنساق من النص والفتوى غير الفرض كما تسمعه في دعوى نقص الشم. وما في بعض النصوص (٢) السابقة من اعتبار الإيمان الستة فيه لم أجد عاملا به.

نعم قد يقال باعتبار يمين واحدة بعد ظهور حاله بالامتحان على ما يوافقه مع فرض احتمال المخالفة ، وإلا كما في صورة تكرار الامتحان ومراعاته في الجهات الأربع على وجه ينفي الاحتمال المزبور وإن كان الظاهر عدم اعتبار الجهات الأربع كما عرفته في السمع جمعا بين النصوص ، إلا أنه أولى في الاستظهار ، كما أن الظاهر عدم اعتبار طريق مخصوص للامتحان وإن تضمنت النصوص بعض‌

__________________

(١) يعنى خبر ابن فضال ويونس الذي مر آنفا.

(٢) كخبر ابن فضال ويونس.

٣٠٧

أفراده.

ولذا قال في المختلف (١) بعد أن حكى عن المفيد طريقا وعن غيره آخر « ولا طائل تحت هذه المسألة والضابط فعل ما يحصل للحاكم معه صدق المدعى ».

وليس الامتحان خاصا بنقص إحدى العينين مثلا ، بل يأتي أيضا في نقصهما بمراعاة عيني رجل آخر في سنه ومكانه وأحواله كما أشار إليه في‌ خبر القداح (٢) عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام « قال : أتى أمير المؤمنين عليه‌السلام برجل قد ضرب رجلا حتى نقص من بصره فدعا برجل من أسنانه ثم أراهم شيئا فنظر ما انتقص من بصره فأعطاه ما انتقص من بصره » ‌ومن ذلك كله يظهر لك النظر في بعض الكلمات فلاحظ وتأمل.

( و ) كيف كان فـ ( ـلا تقاس عين في يوم غيم ) لعدم ظهور القياس فيه ، ولخبر محمد بن (٣) الفضيل عن أبي الحسن عليه‌السلام ( ولا في أرض مختلفة الجهات ) حزونة وسهولة وعلوا وهبوطا ، ولا في نحو ذلك مما يمنع من معرفة الحال كما هو واضح ، ولو ضرب عينه فصار أعشى لا يبصر بالليل ، أو أجهر لا يبصر نهارا فالحكومة لأنه نقص لا يعرف قدره ولا مقدر له شرعا.

( ولو قلع عينا وقال كانت قائمة ) لا تبصر ( وقال المجني عليه : كانت صحيحة ، فالقول قول الجاني مع يمينه ) إذا لم يعترف بالصحة زمانا بل أطلق أو ادعى أنها خلقة كذلك ، لأصالة البراءة ، بعد عدم تعذر إقامة البينة على المدعى الذي لا يخفى مثله على المعاشرين له من الجيران وغيرهم ، بل ربما احتمل أن القول قوله أيضا لو اعترف بأنها خلقت صحيحة وادعى الذهاب وإن كان فيه أن الأصل مع المجني عليه ، ولذا كان المحكي عن المبسوط ( و ) التحرير أن‌

__________________

(١) المختلف الجزء السابع ص ٢٥٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات المنافع ، الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ٢.

٣٠٨

القول قوله بل ( ربما خطر ) بالبال ( أن القول قول المجني عليه مع يمينه ) في الأول أيضا ( لأن الأصل الصحة ) والسلامة ( و ) لكن في المتن ( هو ضعيف لأن أصل الصحة معارض لأصل البراءة واستحقاق الدية أو القصاص منوط بتيقن السبب ولا يقين هنا ، لأن الأصل ظن لا قطع ) وفيه أن أصل الصحة مع فرض حجيته لا يعارضه أصل البراءة بعد كونه كالوارد عليه ، والظن الشرعي كاليقين بالحكم ، والله العالم.

( الرابع الشم )

(وفي ) إذهابـ ( ـه ) من المنخرين ( الدية كاملة ) ومن أحدهما نصفها بلا خلاف أجده فيه ، كما عن المبسوط والخلاف والغنية الاعتراف به ، وفي الرياض « وهو الحجة مضافا إلى ما مر في المسائل السابقة من القاعدة » (١) وفيه نظر ضرورة كونها في الأعضاء لا في المنافع ، نعم يدل عليه مضافا إلى ما سمعته فيما تقدم خبر الأصبغ (٢) بن نباتة ( وإذ ادعى ) المجني عليه ( ذهابه عقيب الجناية ) التي يترتب عليها مثله غالبا ( اعتبر بالأشياء الطيبة والمنتنة ) من خلفه مثلا وهو غافل ( ثم ) يعمل عليه إن تحقق حاله بذلك وإلا فال ( يستظهر عليه بالقسامة ) الخمسين لا الست ولا الواحد ، وإن احتمل هنا ، ( ويقضى له لأنه لا طريق إلى البينة ) ولأنه من اللوث ، وربما ظهر من المصنف وغيره اعتبار القسامة مع الامتحان ، ولا بأس به مع فرض عدم ظهور حاله به ، وإلا فلا وجه له.

( وفي رواية ) الأصبغ (٣) بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام المتقدمة‌

__________________

(١) رياض المسائل ج ٢ ص ٦١٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

٣٠٩

( يحرق له حراق ) كخرقة ونحوها ، ( ويقرب منه فإن دمعت عيناه ونحى أنفه فهو كاذب ) وإلا فهو صادق ، بل عن الخلاف الإجماع على ذلك ، بل أفتى به المصنف في النافع هنا ، وإن طرحها في المسألة السابقة ، ولا بأس بها مع فرض تحقق حاله بذلك ، بل لا يحتاج حينئذ معه إلى يمين ، لكن في القواعد « فيحلف الجاني في صورة كذبه » بل في كشف اللثام « ولا بد من الأيمان مع ذلك » ، بل قد عرفت أنه ظاهر المصنف وغيره ، بل في المسالك « الأشهر القسامة » ويمكن حمل الجميع على صورة عدم التحقق ، ولكن ينبغي حينئذ ملاحظة حكم اللوث مع فرض تحقق موضوعه في المدعى والمنكر كما هو واضح.

( ولو ادعى نقص الشم قيل ) كما المبسوط ( يحلف إذ لا طريق إلى البينة ) والامتحان ( ويوجب له الحاكم بما يؤدي إليه اجتهاده ) لعدم التقدير له شرعا ، وتبعه عليه الفاضل ، بل ظاهره كما هو صريح شارحه الأصبهاني أنه من اللوث ، فيعتبر فيه حينئذ الأيمان ، ولكنه لا يخلو من نظر أشرنا إليه سابقا ، ولذا نسبه المصنف إلى القيل ، إذ الأصل براءة الذمة ، وحلف المدعى مخالف للأصل المقتصر فيه على المتيقن ، وهو غير الفرض ، ولكن في كشف اللثام « حلف الجاني هنا أشكل إذ لا طريق إلى العلم بالحال فيتعين تقديم قول المجني عليه » وفيه أن ذلك لا يقتضي شغل ذمة الجاني إذ أقصاه انحصار طريق قبوله بالعلم.

ثم إنه قد يناقش في دعوى الحكم بما يؤدي إليه اجتهاده بأن المتجه فيه الاقتصار على المتيقن إذ لم يحصل بينهما صلح ، ولعل المراد من الحكم باجتهاده ذلك أو دفع ما يحصل به يقين البراءة كما عساه يتوهم.

وقد يقال هنا بالامتحان نحو ما سمعته في البصر والسمع بأن يقرب إليه ذو رائحة ثم يبعد عنه إلى أن يقول لا أدرك رائحته في جهتين أو جهات إلى آخر ما مر ، والله العالم.

٣١٠

( ولو أخذ دية الشم ) لحكم أهل الخبرة باليأس من عوده ( ثم عاد لم تعد الدية ) لأنه حينئذ هبة من الله تعالى شأنه ، إلا أن يظهر خطاء أهل الخبرة بالحكم المزبور ، وأما لو حكموا بعوده في مدة معينة فعاد فيها فالحكومة ، ولو مات قبل انقضائها فالدية على حسب ما سمعته في نظائره ، ولعل إطلاق المصنف كالمحكي عن المبسوط اتكالا على ما تقدم.

( ولو قطع الأنف فذهب الشم فديتان ) بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال.

لأن الأصل عدم التداخل بعد أن كانا جنايتين ذاتا ومحلا ، والله العالم.

( الخامس الذوق : )

( ويمكن أن يقال فيه الدية لـ ) ـ‌قولهم (١) عليهم‌السلام : « كل ما في الإنسان منه واحد ففيه الدية » ‌بل جزم به الحلي وابن حمزة ويحيى بن سعيد والفاضل على ما حكى عن بعضهم ، لكن قد يشكل بما أسلفناه سابقا من تبادر العضو الواحد منه لا المنفعة ، والأصل البراءة ، فيتجه حينئذ فيه الحكومة ( و ) على كل حال فـ ( ـيرجع فيه عقيب الجناية ) التي يترتب عليها مثله غالبا ( إلى دعوى المجني عليه مع الاستظهار بالأيمان ) كما صرح به الفاضل وغيره ، لأنه من اللوث فيجري عليه حكمه ، نعم لو لم يكن ثمة لوث لعدم أمارة تقتضيه ، ولا أمكن امتحانه بالأشياء المرة جدا كان القول قول الجاني في إنكاره للأصل ، ( ومع ) تحقق ( النقصان يقضي الحاكم بما يحسم المنازعة تقريبا ) لعدم تقدير له شرعا وعدم إمكان معرفة النسبة فيه ، وفي الرجوع إليه في أصل ثبوت النقصان ما عرفته سابقا في الشم ، والله العالم.

وإذا أصيبت مغرس لحييه فلم يستطع المضغ فالحكومة على الأقوى ،

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء.

٣١١

لعدم النص ، لكن في القواعد « عليه الدية على إشكال » ولعله من ذلك ومن كونه منفعة واحدة ، فيدخل في العموم كما سمعته في الذوق ، وفيه ما عرفت.

( السادس : )

( لو أصيب ) أحد بجناية ( فتعذر عليه الإنزال في حال الجماع ، كان فيه الدية ) كما صرح به الشيخ ويحيى بن سعيد والفاضلان وغيرهم على ما حكى عن الأولين ، بل في الرياض نفي الخلاف فيه ، للقاعدة التي قد عرفت النظر في شمولها لغير الأعضاء ، ولقول الصادق عليه‌السلام في خبر سماعة (١) « في الظهر إذا كسر حتى لا ينزل صاحبه الماء الدية كاملة » ‌إلا أنه لا يقتضي وجوبها لعدم الإنزال وإن لم يكسر ظهره ، اللهم إلا أن يكون المراد ذلك بقرينة نفي الخلاف المزبور إن لم يتم إجماعا ، وإلا كان حجة مستقلة ، ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه فيه.

وأولى منه بذلك فيمن أصيب فتعذر عليه الإحبال وإن كان ينزل ، الذي أوجب الفاضل فيه الدية أيضا للقاعدة التي مر الكلام فيها.

ولخبر سليمان (٢) بن خالد « سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل وقع بجارية فأفضاها وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد ، قال : الدية كاملة » ‌الذي لا يخفى عليك ما في الاستدلال به ، ضرورة كونه غير المفروض ، مع أنه‌ في الصحيح « سأل أبو بصير (٣) أبا جعفر عليه‌السلام ما ترى في رجل ضرب امرأة شابة على بطنها فعقر رحمها فأفسد طمثها وذكرت أنها قد ارتفع طمثها عنها لذلك وقد كان طمثها مستقيما ، قال : ينظر بها سنة فإن رجع بها طمثها إلى ما كان وإلا استحلفت‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

٣١٢

وغرم ضاربها ثلث ديتها لفساد رحمها وانقطاع طمثها » ‌كل ذلك مع أنه في الحبل لا الإحبال ، ومن هنا قلنا بأولويته في الاحتياط ، خصوصا مع عدم تحقق شهرة فيه.

وأما ذهاب قوة الرضاع فقد وافق الفاضل في القواعد على الحكومة فيها لعدم التقدير مع أنها منفعة واحدة كقوة الإمناء ، اللهم إلا أن يفرق بأن الأخيرة صفة لازمة للفحولة بخلاف الإرضاع فإنه يطرأ في بعض الأوقات ، إلا أنه كما ترى.

ولو فرض بطلان الالتذاذ بالطعام أو بالجماع ففي القواعد الدية ، بناء على القاعدة المزبورة ، بل في كشف اللثام « الالتذاذ بالطعام ملازم للذوق وإبطاله ملازم لإبطاله » وفيه أن الفرض إذهاب الالتذاذ خاصة والمتجه الحكومة.

ولو جنى على عنقه فتعذر إنزال الطعام لارتتاق منفذه وبقي معه حياة مستقرة فقطع آخر رقبته ، ففي القواعد « على الأول كمال الدية » لمثل ما مر وفيه ما عرفت ، وقد يستدل له بخبر مسمع (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في القلب إذا أرعد فطار الدية ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في الصعر الدية ، والصعر أن يثنى عنقه فيصير في ناحية » ‌بل منه يستفاد وجوبها في الإرعاد المزبور ، إلا أنه جابر له (٢) في ذلك وفي سابقه ، نعم على الثاني القصاص أو الدية ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

(٢) كذا في الأصل ، والصحيح‌ « لا جابر له ... ».

٣١٣

( السابع )

( قيل ) ( والقائل المشهور على ما في المسالك ( في سلس البول الدية ) كاملة للقاعدة التي مضى البحث فيها و ( لخبر غياث بن إبراهيم (١) ) عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام « إن عليا عليه‌السلام قضى في رجل ضرب رجلا حتى سلس بوله بالدية كاملة » ‌ونحوه المروي عن قرب الاسناد (٢) وهما ( و ) إن كان ( فيهما ضعف ) إلا أنه منجبران بما سمعت ومؤيدان بما تقدم من النصوص المشتملة على الدية في كسر (٣) البعصوص فلا يملك استه ، وضرب (٤) العجان فلا يستمسك بوله وغائطه.

( وقيل ) والقائل الشيخ وبنو حمزة وسعيد وإدريس على ما حكى ( إن دام إلى الليل ففيه الدية وإن كان إلى الزوال فثلثا الدية و ) إن كان ( إلى ارتفاع النهار فثلث الدية ، ) وعن بعضهم ثم على هذا الحساب ، بل في الرياض الظاهر ثبوت الشهرة القديمة عليه ، بل حكى عن الكركي حكايتها عليه ، واختاره من المتأخرين المقداد ، ومن متأخريهم فاضل الرياض ، لخبر إسحاق المنجبر بما عرفت‌ « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عن رجل ضرب رجلا فلم ينقطع بوله قال إن كان البول يمر إلى الليل فعليه الدية وإن كان إلى نصف النهار فعليه ثلثا الدية وإن كان إلى ارتفاع النهار فعليه ثلث الدية » ‌كذا عن الفقيه والمقنع (٥) ، و‌عن الكافي والتهذيب (٦) « قال سأله رجل وأنا عنده عن رجل ضرب رجلا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

(٤) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ٢.

(٥) الفقيه ج ٤ ص ١٤٢ والمقنع ص ١٨٨.

(٦) الكافي ج ٧ ص ٣١٥ والتهذيب ج ١٠ ص ٢٥١.

٣١٤

فقطع بوله فقال : إن كان البول يمر إلى الليل فعليه الدية ، لأنه قد منعه المعيشة ، وإن كان إلى آخر النهار فعليه الدية ، وإن كان إلى نصف النهار فعليه ثلثا الدية وإن كان إلى ارتفاع النهار فعليه ثلث الدية ».

وكأن قطع البول فيه بمعنى قطع مجراه أو شي‌ء منه حتى لا يستمسك ، أو من التقطيع بمعنى التفريق الموجب للسلس ودوام الخروج شيئا فشيئا ، والشرطيتان الأولتان يحتملان الاتحاد معنى والتأكيد ، والاختلاف بأن يراد بالثانية الاستمرار إلى قريب من الليل لا إليه.

مؤيدا بالأصل ، لأن لزوم الدية على الإطلاق مما ينفيه أصالة البراءة ، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن الذي هو الصورة الأولى ، وأما الصور الباقية فالأصل عدم لزومها فيها أيضا ، وإثبات الثلث والثلثين وإن كان خلاف الأصل حيث يزيدان عن الحكومة ، إلا أنه جاء من قبل الإجماع وعدم قائل بها مطلقا فإن كل من نفى كمال الدية على الإطلاق قال بالقول الثاني المفصل على الإطلاق ، وعليه فليطرح الخبران (١) المطلقان للدية مع كونهما قضية في واقعة ، أو يحملان على الصورة الأولى خاصة التي هي أظهر الأفراد ، بل لعل الأخيرتين نادرتان.

لكن قد يناقش بعدم إجماع محقق خصوصا بعد ما حكي الفاضل في القواعد وغيرها القول بالدية إلى الليل ونصفها إلى الظهر وثلثها إلى الضحوة ، وإن كنا لم نعرف قائله كما اعترف به غير واحد ، بل لا شهرة محققة غير الخبر المزبور في ذلك خصوصا مع ضعف سنده بصالح بن عقبة الذي قيل فيه إنه غال كذاب لا يلتفت إلى روايته (٢) ، مضافا إلى ما فيها من الاغتشاش في المتن على رواية التهذيب والكافي (٣)

__________________

(١) يعني خبر غياث وقرب الاسناد.

(٢) مجمع الرجال ج ٣ ص ٣٠٦ نقلا عن ابن الغضائري. ولكن قال في معجم رجال الحديث : هو من رواة كامل الزيارات وتفسير القمي ولا يعارض التضعيف المنسوب الى ابن الغضائري توثيق ابن قولويه وعلى بن إبراهيم ، لان نسبة الكتاب الى ابن الغضائري لم تثبت فالرجل من الثقات ج ٩ ص ٨٢ ـ ٨٣.

(٣) الكافي ج ٧ ص ٣١٥ والتهذيب ج ١٠ ص ٢٥١.

٣١٥

فالمتجه الحكومة فيما لا يندرج في الإطلاق المزبور ، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالصلح ونحوه ، والله العالم.

ثم من المعلوم إن المراد بالدوام إلى الليل أو الظهر أو الضحوة في كل يوم لا في يوم أو أيام ، لأن المعهود أن ثبوت الدية وبعضها المقدر إنما هو في ذهاب العضو أو المنفعة رأسا ، وإلا فالحكومة ، لأصالة البراءة من التقدير.

ولو دام إلى الليل فزائدا أو إلى الظهر فزائدا بحيث لا يدوم إلى الظهر ففي التنقيح « احتمل الحكومة ، والأولى نسبة ذلك الزائد إلى ما تقدم عليه ووجوب نسبته من دية ذلك » (١) قلت قد عرفت أن المختار دوران الحكم على صدق السلس عندنا إلا ما كان من الأفراد النادرة ، وأما على القول الآخر فيأتي ما ذكره من احتمال عدم اعتبار الزيادة ، والله العالم.

وكيف كان فبما ذكرنا ظهر لك الحال في حكم المنافع التي لم يذكروا حكمها كالنوم واللمس والجوع والعطش وغيرها وإن كان المتجه بناء على القاعدة المزبورة ثبوت الدية لو ذهب بالجناية ، إلا أنك قد عرفت النظر فيها أو منعها ، فتجب الحكومة التي قد عرفت ثبوتها لكل ما لم يثبت له مقدر شرعي ، والله العالم.

( وفي الصوت الدية كاملة ) بلا خلاف أجده فيه كما‌ في كتاب ظريف وفيما عرضه يونس على الرضا عليه‌السلام وفيهما « أن في الغنن والبحح الدية (٢) » ‌بل الظاهر ثبوت ديتين لو أدى ذلك إلى ذهاب نطقه ، لأنهما منفعتان متباينتان ذاتا ومحلا ، فإن الصوت ينشأ من الهواء الخارج من الجوف لا مدخل فيه للسان ، ولكل منهما نص على حكمه.

لكن في القواعد الإشكال فيه من ذلك ، ومن أن معظم منفعة الصوت النطق وإنما يجب في ذهابه الدية لذهاب النطق ، إلا أنه كما ترى بعد ما عرفت من أن لكل‌

__________________

(١) التنقيح ص ٨٣٧ من مخطوط عندنا.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

٣١٦

منهما نصا بخصوصه.

وأضعف منه ما عن التحرير « من أن في الصوت الدية فإن أبطل مع حركة اللسان فدية وثلثا دية اللسان إن لحقه حكم الشلل (١) » ضرورة عدم اندراج ذلك في الشلل ، بل هو مندرج في ذهاب النطق ، فتكون الجناية في الفرض حينئذ كغيرها من الجنايات التي يترتب عليه أثران لكل منهما مقدر ، والله العالم.

( المقصد الثالث )

( في الشجاج والجراح )

( والشجاج ) بكسر الشين جمع شجة بفتحها ، وهي الجرح المختص بالرأس والوجه ويسمى في غيرها جرحا ، وهي على المشهور ( ثمان : الحارصة والدامية والمتلاحمة والسمحاق والموضحة والهاشمة والمنقلة والمأمومة ) نعم من الجامع نحو المحكي عن النهاية والغنية والإصباح ، أن الحارصة هي الدامية ، ولكن ذكر بعدها الباضعة.

وعن المقنعة والناصريات والمراسم إبدال المتلاحمة بالباضعة ، كما عن الفقيه والتهذيب وأدب الكاتب إبدال الدامية بها ، وعن الكافي (٢) إبدال الحارصة بها.

وعن فقه (٣) الثعالبي أنها تسعة والتاسعة الجائفة ، مفسرا لها بالتي وصلت إلى جوف الدماغ ، والثامنة الدامية ، ولم يتعرض للأمة ووسط الباضعة بين القاشرة‌

__________________

(١) التحرير ج ٢ ص ٢٧٥.

(٢) للكليني كما في كشف اللثام لا الحلبي كما قد يتوهم.

(٣) فقه اللغة للثعالبي.

٣١٧

التي هي الحارصة والدامية ، وعن نظام الغريب ، التسعة أيضا ، إلا أنه لم يتعرض للدامغة ، وجعل التاسعة الأمة ، والباضعة بين الدامية والمتلاحمة.

وفي الصحاح أنها عشرة تاسعها الأمة وعاشرها الدامغة (١) ، وجعل الباضعة بين الحارصة والدامية كالثعالبي ، قال : وزاد أبو عبيد الدامعة بالعين المهملة بعد الدامية ، وفي القاموس أنه زادها قبلها (٢).

وعن السامي « أنها ثلاثة عشر ، فارقا بين القاشرة والحارصة بأن الأولى هي التي تذهب بالجلد والثانية التي تقطعه ، وبعدها الدامية ثم الباضعة ثم المتلاحمة والعاشرة الأمة ثم الدامغة (٣) وزاد المفروشة وهي الصادعة للعظم غير الهاشمة ، والجائفة التي تذهب بالجلد مع اللحم (٤) ، وعن الكامل (٥) أنها سبعة بإسقاط الموضحة وأن الحارصة هي الدامية ثم الباضعة ثم المتلاحمة ثم كما في الكتاب.

وعن أبي علي « أولاها الحارصة وثانيها الدامية والثالثة الباضعة والرابعة المتلاحمة والخامسة السمحاق والسادسة الموضحة والسابعة الهاشمة والثامنة المنقلة ، ثم قال : والعود من الشجاج وهي التي تعود في العظم ولا تخرقه وفيها عشرون من الإبل ، والأمة وهي التي تخرق عظم الرأس وتصل إلى الدماغ ، وفيها ثلث الدية ، وفي الجوف الجائفة ، وهي التي تصل إلى جوف الرجل ولا تقتله ، وفيها أيضا ثلث الدية ومنه (٦) النافذة وهي الجائفة إذا نفذت إلى الجانب الآخر من البدن وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام في كتابه في الديات : إن فيها أربعمائة وثلاثة وثلاثين دينار‌

__________________

(١) بالمعجمة كما في مختار الصحاح.

(٢) قال في القاموس : ووهم الجوهري فقال بعد الدامية.

(٣) بالمعجمة كما في السامي.

(٤) راجع السامي في الأسامي للميداني ص ٦٨ وفيه « الجالفة » مكان « الجائفة » وقال في مصباح المنير : الجالفة الشجة تقشر الجلد ولا تصل الى الجوف.

(٥) الكامل في الفقه للقاضي ابن براج ، راجع مفتاح الكرامة والذريعة.

(٦) في المختلف « فيه » مكان « منه ».

٣١٨

وثلث دينار (١) » وفي المختلف « وزاد ابن الجنيد على المشهور العود التي تعود في العظم ولا تخرقه وجعل ديتها عشرين من الإبل ولم يصل إلينا في ذلك حديث يعتمد عليه (٢) ».

قلت : ومن ذلك يظهر لك أنه لا طائل لهم في الاختلاف المزبور ، ضرورة أن المعتمد الدليل على اختلاف أحكامها ، خصوصا في الألفاظ الأربعة التي هي الحارصة والدامية والباضعة والمتلاحمة التي اتفق الفقهاء ـ كما في المسالك ـ على أنها موضوعة لثلاث معان لا غير.

« وهي التي تقشر الجلد وتدخل في اللحم يسيرا وتدخل فيه كثيرا ولكن اختلفوا في أي الألفاظ المترادف فقيل : إن الدامية ترادف الحارصة ، فتكون الباضعة غير المتلاحمة ، فالباضعة هي التي تبضع اللحم بعد الجلد أي تقطعه ، وهي الداخلة في اللحم يسيرا ، وهي الدامية على القول الآخر ، والمتلاحمة هي الداخلة فيه كثيرا بحيث لا تبلغ الجلدة التي بين اللحم والعظم ، وقيل : إن الدامية تغاير الحارصة فتكون الباضعة مرادفة للمتلاحمة ، ولا خلاف في مقادير الديات الثلاث ، ولا في انحصارها فيها فالنزاع حينئذ في مجرد اللفظ (٣) ».

ولا يقال : إن تحت كل اسم منها أفراد مختلفة في العمق وغيره ، فتناسبه الزيادة في الدية إذ هو كالاجتهاد في مقابلة الدليل على ديتها بأفرادها المختلفة التي يجمعها اسم واحد ، والمدار عليه ، وإلا فلا فائدة في زيادة الألفاظ ، وهي الناشرة (٤) والعامغة بالعين المهملة والغين المعجمة والمفروشة والعود ، كل ذلك مضافا إلى ذكر مثل الجائفة والنافذة التي لا تختص الرأس الذي هو محل البحث المسمى جرحه بالشجاج ، وكيف كان فالكلام في تفاصيل أحكامها.

__________________

(١) المختلف الجزء السابع ص ٢٥٩ ملخصا.

(٢) المختلف الجزء السابع ص ٢٥٩.

(٣) الى هنا من المسالك ج ٢ ص ٥٠٥ ملخصا.

(٤) كذا في الأصل ولعل الصحيح « القاشرة » بالقاف.

٣١٩

فنقول : ( أما الحارصة ) بإهمال الحروف ( فهي التي تقشر الجلد ) وتخدشه كما في القواعد والنافع ومحكي المحيط وأدب الكاتب ونظام الغريب (١) ، وعن الأزهري « أصل الحرص القشر وبه سميت الشجة حارصة وقيل للشره حريص ، لأنه يقشر بحرصه وجوه الناس بمسألتهم ».

وفي كشف اللثام « في أكثر الكتب أنها التي تشق الجلد من قولهم : حرص القصار الثوب إذا شقه ، وفي المحكم (٢) هي التي تحرص الجلد أي تشقه قليلا يقال حرص رأسه بفتح الراء يحرصه بكسرها حرصا بإسكانها أي شق وقشر جلده ، ويظهر منه كون الشق والقشر بمعنى واحد ، وقد عرفت أن الميداني في السامي فرق بينهما وسمي التي تقشر ، القاشرة ، والتي تشق ، الحارصة والثعالبي في فقه اللغة لم يذكر الحارصة وإنما جعل أول الشجاج القاشرة (٣) ».

الذي يظهر لي أن الحارصة هي التي تقشر الجلد من دون إدماء وإن كان لها أفراد مختلفة ( و ) لكن ( فيها ) أجمع ( بعير ) كما عن المشهور ، بل عليه عامة المتأخرين بل لم أجد فيه خلافا ، إلا ما يحكى عن الإسكافي ، من أن فيها نصف بعير ، وهو مع شذوذه لم نعرف له مستندا ، فضلا عن كونه صالحا لمعارضة‌ خبر منصور (٤) بن حازم عن الصادق عليه‌السلام ـ الذي هو إن لم يكن صحيحا‌

__________________

(١) لعيسى بن إبراهيم الربعي اليمنى في اللغة وأفرد فيها ذكر لغات الاشعار واقتصر عليها كما في معجم المطبوعات ج ١ ص ٩٢٧.

(٢) كذا في الأصل وفي كشف اللثام ، وهو اسم كتاب ظاهرا ويحتمل تصحيفه.

(٣) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٣٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ١٤.

٣٢٠