جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

نعم عن مالك « أن فيها الحكومة لأنها جمال بلا منفعة » وهو اجتهاد في مقابلة النص.

( وفي بعضها بحساب ديتها ) بلا خلاف أجده فيه أيضا لقول الصادق عليه‌السلام في خبر مسمع (١) « وما قطع منها غير الشحمة فبحساب ذلك » ونحوه في كتاب ظريف (٢) بل يرجع إليه ما في‌ خبر سماعة (٣) عن الصادق عليه‌السلام ومضمره (٤) « وإذا قطع طرفها ففيها قيمة عدل » ‌على معنى إرادة اعتبار الحساب فيه بالمساحة من قيمة العدل ، فإن كان المقطوع نصفها فعليه نصف دية الأذن الواحدة ، وإن كان الثلث فالثلث ( و ) هكذا.

نعم ( في ) خصوص ( شحمتيها ) مقدر وهو ( ثلث ديتها على رواية ) ‌مسمع (٥) عن الصادق عليه‌السلام « أن عليا عليه‌السلام قضى في شحمة الأذن بثلث دية الأذن » ‌وهي وإن كان ( في ) طريق ( ها ضعف ولكن تؤيدها الشهرة ) العظيمة ، بل لا أجد فيه خلافا ، بل عن الخلاف والغنية إجماع الفرقة عليه ، مع زيادة « وأخبارها » في الأول ، وحينئذ ففي قطع بعض الشحمة بحساب ديتها كأصل الأذن ، والله العالم.

و ( قال بعض الأصحاب ) وهو الشيخ في النهاية « وفي شحمة الأذن ثلث دية الأذن ( و ) كذلك ( في خرمها ثلث ديتها (٦) » ) ، وفي محكي الخلاف (٧) في شحمة الأذن ثلث دية الأذن وكذلك في خرمها ، بدليل إجماع‌

__________________

(١) راجع ص ٢٠٠ ج ٤٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٧ و ١٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٧ و ١٠.

(٥) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢.

(٦) النهاية ج ٢ ص ٧٩٠.

(٧) الخلاف ج ٢ ص ٣٨١.

٢٠١

الفرقة وأخبارها ، وظاهرهما خصوصا الثاني إرادة دية الأذن كما صرح به ابن حمزة والفاضل في محكي الوسيلة والتبصرة ، ( و ) لكن ( فسره واحد ) وهو ابن إدريس (١) ( بجزم الشحمة وبثلث دية الشحمة ، ) وفي النافع « في شحمتها ثلث ديتها وفي خرم الشحمة ثلث ديتها » ونحوه عن الجامع ، وفي محكي المختلف (٢) « هو تأويل بلا دليل ».

قلت كذلك إذ معقد الإجماع كما سمعت ، و‌قول الصادق عليه‌السلام في خبر معاوية بن عمار (٣) « في كل فتق ثلث الدية » ‌ظاهر في خلافه ، كقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في كتاب ظريف (٤) « وفي قرحة لا تبرأ ثلث دية ذلك العضو » ‌مؤيدا بما في‌ الخبر (٥) « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في خرم الأنف ثلث دية الأنف » ‌بناء على عدم الفرق بينه وبين الأذن في ذلك لكن في الرياض « وهو أي ما عليه الحلي الأجود لإجمال العبارات والنصوص المتقدمة وعدم ظهور يعتد به في شي‌ء منها فينبغي الأخذ بالأقل المتيقن منها ويدفع الزائد بأصل البراءة ، مضافا إلى التأييد بأن مع اعتباره لم يبق فرق بين قطع الشحمة وخرمها في مقدار الدية أصلا وهو مستبعد جدا ، وبهذا يقرب تنزيل العبارات عليه إلا ما صرح فيه بثلث دية الأذن (٦) ».

ولا يخفى عليك ما فيه من دعوى الإجمال والاستبعاد بعد الإحاطة بما ذكرناه والله العالم.

__________________

(١) السرائر ، باب ديات الأعضاء والجوارح وهذه عبارته : « وفي شحمة الأذن ثلث دية الاذن وفي خرمها ثلث ديتها وفي خرم الشحمة ثلث دية الشحمة وهو ثلث الثلث الذي هو دية الشحمة ».

(٢) المختلف كتاب الحدود ص ٢٥٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج الحديث ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ٢.

(٦) رياض المسائل ج ٢ ص ٦٠٨ مع اختلاف يسير.

٢٠٢

وأذن الأصم كالصحيح بلا خلاف بل ولا إشكال ، إذ الصمم ليس نقصا في الأذن بل في السماع ، ولو ضربها فاستحشفت فهو كشلل العضو الذي فيه ثلثا ديته بلا خلاف أجده فيه أيضا ، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه ، بل عن الخلاف عليه إجماع الفرقة وأخبارها ، وإن لم نظفر بخبر خاص أو عام يدل عليه زائدا على ما عرفت سابقا في الأنف من الضابط وغيره.

وحينئذ فإن قطعها قاطع بعد الشلل فثلث ديتها لما عرفته في الأنف ، ولو قطع الأذن فأوضح العظم وجب عليه مع دية الأذن دية الموضحة ، وكذا إن سرى إلى السمع فأفسده أو نقص منه ، لم يتداخل ديتا العين والمنفعة للأصل وغيره كما هو واضح.

( الخامس الشفتان )

(وفيهما الدية ) بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به غير واحد بل بين المسلمين بل ( إجماعا ) بقسميه ، بل المحكي منهما مستفيض ، بل في كشف اللثام منا ومن العامة ، مضافا إلى ما سمعته من الضابط ، فلا إشكال حينئذ في شي‌ء من ذلك.

( و ) لكن ( في تقدير دية كل واحدة ) لو قطعها المتعدد مثلا ( خلاف قتل في المبسوط : في العليا الثلث وفي السفلى الثلثان وهو خيرة المفيد ) والديلمي وأبي الصلاح وابني زهرة وإدريس في أول كلامه والكيدري وابن سعيد على ما حكي عن بعضهم ، بل عن ظاهر المبسوط والغنية الإجماع عليه ، بل عن المفيد « لأنها تمسك الطعام والشراب وشينها أقبح من شين العليا وبهذا ثبتت الآثار‌

٢٠٣

عن أئمة الهدى عليهم‌السلام (١) ».

( و ) قال ( في الخلاف في العليا أربعمائة دينار وفي السفلى ستمأة ) دينار أي خمسان في الأولى وثلاثة في الثانية ، وهو خيرة المقنع والهداية والنهاية والتهذيب والاستبصار والوسيلة والمهذب والمختلف والطبرسي والصهرشتي على ما حكي عن بعضهم ، بل هو الذي استقر عليه رأيه أخيرا في السرائر ، فإنه بعد أن قوى قول ابن أبي عقيل قال : « إلا أن يكون إجماع على خلافه ولا شك ، أن الإجماع منعقد على تفضيل السفلى ، والاتفاق حاصل على الستمائة دينار ، والأصل برأيه الذمة مما زاد عليه قال وبهذا القول الأخير أعمل وافتي وهو قول شيخنا في الاستبصار » (٢).

يعني القول بالأربعمأة والستمائة ، وقد كان أولا اختار القول بالثلث والثلثين ، بل في محكي الخلاف عليه إجماع الفرقة وأخبارهم ( وهي ) ‌رواية أبي جميلة عن أبان بن تغليب (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال في الشفة السفلى ستة آلاف وفي العليا أربعة آلاف لأن السفلى تمسك الماء » ‌وفي المتن ( و ) محكي التحرير ، ( ذكره الظريف ) (٤) ( في كتابه أيضا ) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وفي الوافي (٥) بعد أن ذكر خبر أبي جميلة ، قال : « وتأتي رواية أخرى في هذا المعنى وأن أمير المؤمنين عليه‌السلام فضل السفلى لأنها تمسك الماء والطعام مع الأسنان (٦) » ( و ) لكن ( في أبي الجميلة ضعف ) فلا يصلح معارضا لغيره ،

__________________

(١) قال في مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٩٧ : « وبهذا ثبتت الآثار عن أئمة الهدى عليهم‌السلام كما في المقنعة وهذه شهادة منه على ثبوت ذلك وهو أبلغ وأثبت مما يرويه ويسنده ».

(٢) السرائر ، باب ديات الأعضاء والجوارح.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ١.

(٥) الوافي الجزء التاسع ص ١٠١.

(٦) الوافي الجزء التاسع ص ١١٥.

٢٠٤

اللهم إلا أن يجبر بما عرفت كما ستسمع.

( وقال ابن بابويه ) (١) ( وهو مأثور عن ظريف أيضا ) في الكتب المشهورة ومروي بعدة طرق ( في العليا نصف الدية وفي السفلى الثلثان ، ) بل حكي عن أبي علي ( و ) لكن ( هو ) قول ( نادر ) لم نعرفه لغيرهما ( وفيه مع ندوره زيادة ) على الدية ( لا معنى لها ) بل اتفاق النص والفتوى على أن فيهما الدية ، إلا أن يختص بما إذا جنى عليهما المتحد دفعة دون المتعدد نحو ما سمعته من المصنف وغيره في المنخرين والروثة وغير ذلك مما فيه زيادة في التفصيل على الجملة دفعة كما تقدم.

( وقال ابن أبي عقيل هما سواء في الدية استنادا إلى قولهم عليهم‌السلام ) في الصحيح (٢) والحسن ( كلما في الجسد من اثنان ففيه نصف الدية ) بل وإلى‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر سماعة كما في الاستبصار (٣) وإن كان مضمرا في التهذيب (٤) « الشفتان العليا والسفلى سواء في الدية » ‌فإن حمله على التساوي في وجوب الدية لا قدرها بعيد ، بل و‌خبر زرارة (٥) عنه أيضا « في الشفتين الدية وفي العينين الدية وفي أحدهما نصف الدية » ‌بناء على إرادة كل منها لا العينين خاصة ، بل وإلى أصلي البراءة والتساوي ، بل لعل الأصل لا يوافق تمام غيره من الأقوال وإن استدل به له بعض ، لكنه في غير محله ( وهذا حسن ) كما في القواعد ، وقوى كما في النافع ، بل هو خيرة التحرير والإرشاد والتبصرة واللمعة والمقتصر‌

__________________

(١) قال في مفتاح الكرامة : « حكاه المحقق والعلامة عن ابن بابويه وقيل أنهما أرادا عليا » أى الصدوق الأول.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٣) الإستبصار ج ٤ ص ٢٨٨.

(٤) التهذيب ج ١٠ ص ٢٤٦.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٦.

٢٠٥

والتنقيح والمسالك ومجمع البرهان والمفاتيح ، وكذا الروضة على ما حكي عن بعضها ، لكن قد يناقش بالخروج عن العام بما عرفت ، وعدم صراحة خبر زرارة ، بل وظهوره ، بل واحتمال خبر سماعة ما سمعت ، مع أنه كغيره مما دل على التسوية موافق للمحكي عن أبي بكر وابن مسعود وأبي حنيفة والشافعي ومالك ، وبذلك يظهر لك قوة الثاني.

( و ) على كل حال فـ ( ـفي قطع بعضها ) أي الشفة بعض ديتها ( بنسبة مساحتها ) إلى المقطوع منها ، ففي النصف ديتها وهكذا ، لما عرفته في نظائرها ، والمساحة تعتبر طولا وعرضا ، فلو قطع نصفها طولا وعرضا كان عليه النصف ، أما لو قطع نصفها طولا وربعها عرضا فليس عليه إلا مضروب طول المقطوع في عرضه وهو الثمن ، ولكن في القواعد « فعليه ثلاثة أثمان ديتها » وهو غير متجة ظاهرا ، ولذا تكلف بعض شراحه توجيهه بأن المراد أنه قطع من إحدى الشفتين نصفها والقطع من جهة الطول لأن (١) النصفية من جهة خاصة ، بل من الجهتين ، ومن الأخرى ربعها ، والقطع عرضا ، فعليه للأول نصف دية كله وهو ربع دية الشفتين ، وللثاني ربع دية كله وهو ثمن ديتها ، فتلك ثلاثة أثمان ديتهما ، وهو مبني على تساويهما في الدية. ولو فرض أنه قطع من شفة واحدة قطعة يكون نصفا لها طولا وعرضا أي طولها نصف طولها وعرضها نصف عرضها ، وقطعة أخرى يكون طولها نصف طولها وعرضها ربع عرضها أو بالعكس كانت عليه ثلاثة أثمان دية تلك الشفة ، لكن لا يمكن تنزيل العبارة عليه.

( وحد الشفة السفلى عرضا ) كما في القواعد ومحكي المبسوط والمراسم أي عرفا هو ( ما تجافى عن اللثة مع طول الفم ) وحد ( العليا ) كذلك هو ( ما تجافى عن اللثة متصلا بالمنخرين والحاجز مع طول الفم وليس حاشية الشدقين منهما ) قطعا وكأن المراد بذلك الرد على من قال من العامة بعدم القصاص فيهما لعدم حد لهما ، ومن قال منهم إن حد هما ما ينبو عند طباق الفم ، ومن قال منهم‌

__________________

(١) كذا في الأصل ، ولكن في كشف اللثام : « لا أن النصفية ... ».

٢٠٦

إنه ما إذا قطع لم ينطبق الباقي على الشفة الأخرى ، ومن قال منهم إنه من حروف الفم إلى ما يستر اللثة أو العمور ـ وهو ما بين الأسنان من اللحم ـ ضرورة منافاة ذلك كله للعرف الذي هو المرجع في مثله.

( ولو ) جنى عليها حتى ( تقلصت ) فلا تنطبق على الأسنان فلا ينتفع بها بحال ( قال الشيخ ) في المبسوط ( فيه ديتها ) لأنه كالإتلاف ( والأقرب الحكومة ) لأنه ليس إتلافا قطعا بل هو عيب لا مقدر له شرعا ففيه الحكومة ، وربما احتمل كونه كالاسترخاء الذي هو الشلل ، وفيه منع كونه منه إما لأنه مقابل للتقلص بإحداثه الاسترخاء أو لأن المراد به عدم الإحساس كما قال الجوهري « أن الشلل فساد العضو ».

ولو لم تحصل التقلص واليبس كذلك بل تقلصت بعض التقلص ، فعن الشيخ الاعتراف هنا بأن فيه الحكومة ، قال : « وقال بعضهم فيه الدية بالحصة » والأول أقوى لأن هذا متعذر الوصول إليه.

( ولو استرختا ) بالجناية على وجه لا ينفصلان عن الأسنان إذا كشر أو ضحك ( فثلثا الدية ) لأنه شللهما وعن المبسوط الدية أيضا لأنه كالإتلاف أيضا وفيه ما عرفت ولو قطعت بعد الشلل فثلث الدية لما عرفته في قطع المشلول غيرها ، وفي كشف اللثام « وعلى قول المبسوط ينبغي أن يكون فيه حكومة لأن فيه شيئا ».

ولو شق الشفتين حتى بدت الأسنان ولم يبن شيئا منهما فعليه ثلث الدية إن لم تبرأ ولم تلتئم ، فإن برئت فخمس الدية. وفي أحدهما إذا شقت ثلث ديتها إن لم تبرأ ولم تلتئم ، فإن برئت فخمس ديتها بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك. وفي كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، و‌في كتاب ظريف (١) « فإن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث الأول. والتهذيب ج ١٠ ص ٢٩٩ والكافي ج ٧ ص ٣٣١ والفقيه ج ٤ ص ٨١ ، ولا يخفى أن في متن الحديث في المصادر الثلاثة اختلافا يغير المعنى فراجع.

٢٠٧

انشقت أي العليا فبدا منها الأسنان ثم دوويت فبرئت والتأمت فدية جرحها والحكومة فيه خمس دية الشفة مأة دينار وإن شترت وشينت شيئا قبيحا فديتها مأة دينار وستة وستون دينارا وثلثا دينار ـ إلى أن قال ـ فإن انشقت أي السفلى حتى تبدوا منه الأسنان ثم برئت والتأمت مأة دينار وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار ، وإن أصيبت فشينت شيئا فاحشا فديتها ثلاثمائة دينار وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار وذلك [ ثلث ن خ ] ديتها.

ولا يخفى عليك أن ذلك لا يوافق ما ذكرناه بناء على إرادة عدم الالتئام من الشين الفاحش ، ضرورة كون ما فيه ثلث الدية لا ثلث دية الشفة بل هو نصفها كما هو صريح الموافق للقول بأن فيها الثلثين ، وعلى كل حال فعند العامة فيه الحكومة إلا أنها إذا لم تبرأ كانت الحكومة أكثر ، وربما يتوهم ذلك مما عن المبسوط (١) لكن الظاهر إرادته حكاية ذلك عنهم ، لأنه قال بعده : « وقد روى أصحابنا المقدر في الحالين » وقال « إنه شرحه في التهذيب (٢) ».

__________________

(١) المبسوط ج ٧ ص ١٣٢ وهذه عبارته : « فان شق الشفة فاندمل ملتاما أو غير ملتام ففيه حكومة الا أنه إذا لم يندمل ملتاما كانت الحكومة أكثر ، وقد روى أصحابنا فيه المقدر في حالين ».

(٢) التهذيب ج ١٠ ص ٢٩٩.

٢٠٨

( السادس اللسان )

( و ) لا خلاف كما اعترف به غير واحد ( في ) اقتضاء ( استيصال الصحيح ) جسما ونطقا ( الدية ) بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض ، كالنصوص التي منها‌ صحيح (١) العلاء بن فضيل « في لسانه الدية كاملة » وموثق (٢) سماعة « في اللسان إذا قطع الدية كاملة » ‌مضافا إلى ما دل على وجوبها فيما كان في الإنسان منه واحد ، ( و ) لا خلاف أيضا في أن ( في لسان الأخرس ثلث الدية ، ) بل عن ظاهر المبسوط والسرائر الإجماع عليه ، بل هو المحكي عن الغنية ، بل عن الخلاف إجماع الفرقة وأخبارها ، وهو الحجة بعد تبينه ، وبعد‌ صحيح بريد أو حسنه (٣).

« في لسان الأخرس وعين الأعمى ثلث الدية » ‌، بل مقتضى الإطلاق المزبور نصا وفتوى عدم الفرق بين الأخرس خلقة أو عرضا ، لكن في‌ صحيح أبي بصير (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إن كان ولدته أمه وهو أخرس فعليه الدية (٥) وإن كان لسانه ذهب لوجع أو آفة بعد ما كان يتكلم فإن على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه » ‌إلا أني لم أجد عاملا به فهو شاذ قاصر عن تقييد غيره ، فما عن بعض متأخري المتأخرين من احتمال ذلك في غير محله.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ١١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الثاني.

(٥) في الفقيه ج ٤ ص ١٤٨ : « فعليه الدية » وفي الكافي ج ٧ ص ٣١٨ والتهذيب ج ١٠ ص ٢٧٠ : « فعليه ثلث الدية ».

٢٠٩

( و ) حينئذ فـ ( ـفيما قطع من لسانه ) أي ( الأخرس بحسابه مساحة ) لما عرفته في نظائره ، بلا خلاف أجده فيه ولا إشكال.

ولو ادعى الجاني البكم ، في كشف اللثام « القول قوله لأصل البراءة وإمكان قيام البينة على النطق لأنه من الأمور الظاهرة » ولكن قد يناقش بمنافاته لأصالة السلامة ولإطلاق النصوص السابقة المقتصر في تقييدها على لسان الأخرس بناء على ما حققناه في الأصول في نظائره فتأمل.

ولو ادعى حدوثه مع تسليمه النطق فالقول قول المجني عليه للأصل.

( أما الصحيح فيعتبر ) قطعه ( بحروف المعجم ) مع فرض ذهابها بذلك لا بالمساحة على ما نص عليه الشيخان في المقنعة والنهاية والديلمي وابن حمزة والفاضلان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل نسبه بعض إلى الأكثر ، بل في المسالك إلى المشهور ، بل عن المبسوط والسرائر ظاهر الإجماع عليه ، بل عن الخلاف إجماع الفرقة وأخبارها عليه ، وفي‌ موثق سماعة أو خبر (١) « قلت للصادق عليه‌السلام : رجل ضرب غلامه ضربة (٢) فقطع بعض لسانه فأفصح ببعض ولم يفصح بآخر فقال : يقرأ المعجم فما أفصح به طرح من الدية وما لم يفصح به ألزم الدية ، قال : قلت كيف هو؟ قال : على حساب الجمل ألف ديته واحد والباء اثنان والجيم ثلاثة والدال أربعة والهاء خمسة والواو ستة والزاء سبعة والحاء ثمانية والطاء تسعة والياء عشرة والكاف عشرون واللام ثلاثون والميم أربعون والنون خمسون والسين ستون والعين سبعون والفاء ثمانون والصاد تسعون والقاف مأة والراء مأتان والشين ثلاثمائة والتاء أربعمائة وكل حرف يزيد بعدها من « ا ب ت ث » زدت له مأة درهم » ‌وهو كالصريح فيما ذكرناه مؤيدا ذلك بما في كشف اللثام من أن فيه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب ديات المنافع ، الحديث ٧ التهذيب ج ١٠ ص ٢٦٣.

(٢) كذا في التهذيب والوسائل ، ولكن في الأصل طرف ( طرق ن ل ) ( ضرب ن ل ) لغلامه طرفة ( طرقة ن ل ) ( ضربة ن ل ).

٢١٠

رواية عن الرضا عليه‌السلام (١).

نعم هو نادر بالنسبة إلى اعتبار الحروف بما فيه ، بل إن أريد بالعدد المذكور الدراهم كما صرح به في الخبر لا يبلغ المجموع الدية ، وإن أريد الدنانير فهو مع أنه خلاف مقتضي الخبر ، يزيد على الدية أضعافا مضاعفة ، مضافا إلى استبعاد الفرق بين الألف مثلا وبين العين مع أن كلا منهما حرف ، مضافا إلى ما عن الشيخ « من أن ما فيه من تفصيل دية الحروف يجوز أن يكون من كلام الرواة من حيث سمعوا أنه قال : يفرق ذلك على حساب الجمل ظنوا انه على ما يتعارفه الحساب من ذلك ولم يكن القصد ذلك ، وإنما كان المراد أن يقسم على الحروف كلها أجزاء متساوية ويجعل لكل حرف جزء من جملتها على ما فصل السكوني في روايته وغيره ، قال ولو كان الأمر على ما تضمنته هذه الرواية لما استكملت الحروف كلها الدية على الكمال ، لأن ذلك لا يبلغ الدية إن حسبناها على الدراهم وإن حسبناها على الدنانير تضاعفت الدية وكل ذلك فاسد » انتهى (٢).

ولا ينافي ذلك أيضا ما عن كتاب‌ فقه الرضا عليه‌السلام (٣) يقرأ حروف المعجم فما أفصح به طرح من الدية وما لم يفصح به ألزم الدية : وقيل : كيف ذلك؟ قال بحساب الجمل وهو حروف أبي جاد من واحد إلى الألف ، وعدد حروفه ثمانية وعشرون حرفا ، فيقسم لكل حرف جزء من الدية الكاملة ثم يحط من ذلك ما يبين عنه ويلزم الباقي » إذ هو مع أنه غير ثابت النسبة إليه ، لا تصريح فيه على أن التقسيم عليه على وفق ما يتضمنه كل حرف من العدد ، فيمكن أن يكون على السوية كما هو المفتي به.

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢١ ـ الفقه المنسوب الى الرضا عليه‌السلام ص ٤٣.

(٢) التهذيب ج ١٠ ص ٢٦٤.

(٣) فقه الرضا ص ٤٣.

٢١١

ومعنى سؤال السائل كيف ذلك سؤالا عن العلة في تقسيم الألف دينار على الحروف ، فأجاب عليه‌السلام بما أقنعه من أن الحروف أيضا تتضمن من الأعداد الواحد إلى الألف ، ثم نص عليه‌السلام على اعتبار عدد أنفسها وهو ثمانية وعشرون حرفا.

وكيف كان فما عن الكافي والإصباح والغنية من أنه إذا قطع بعض اللسان ففيه بحساب الواجب في جميعه ، ويعتبر بالميل ، إذا ذهب بعض اللسان ـ ويعنون الكلام ـ اعتبر بحروف المعجم ، يمكن حمله على ما إذا لم يذهب من الكلام شي‌ء وإلا اعتبر به فلا يكون مخالفا.

نعم إن أرادوا اعتبار مساحة اللسان مطلقا حتى أنه إذا ذهب مع ذلك الكلام أو بعضه كان على الجاني (١) دية أو بعضها لجسم اللسان وأخرى أو بعضها الكلام ، كان مخالفا لما عرفت ومحجوجا بما سمعت ، وإن كان يؤيده أنه الموافق لوجوب الدية بذهاب النطق وباستيصال اللسان ، إذ الأصل عدم التداخل ، بل في مجمع البرهان « أن الأخبار إنما دلت على كون المدار على المنفعة فيما إذا ذهبت المنفعة فقط ولم يذهب من الجرم شي‌ء ، وليس في الأدلة ما يشتمل على قطع بعض اللسان مع كون المدار على نقصان الحروف والحال أنه قد يسقط من اللسان ولا يحصل قصوره في صدور الحروف فالمناسب أن يكون المدار على المنفعة إذا كان النقص فيها فقط ، وعلى المساحة والمقدار على تقدير النقص فيه فقط ، وعلى تقدير الاجتماع يحتمل جعل المدار على المساحة فإنها المدار فيما له مقدر وليس للنقص مقدر ويبعد جعل المدار على المنفعة كما هو ظاهر المتن والأكثر ، ويحتمل أكثر الأمرين للاحتياط والعمل بدليل المساحة والمنفعة ، ويحتمل عدم وجوب ذلك لاختصاص دليل المنفعة بما إذا لم يسقط من الجرم شي‌ء فلا دليل للأكثر إلا القياس » (٢).

__________________

(١) في الأصل « ديته ».

(٢) شرح الإرشاد للأردبيلي كتاب الديات ، المقصد الرابع مع اختلاف في بعض الألفاظ.

٢١٢

وإن كان فيه أن الموثق (١) المزبور المؤيد بالمرسل عن الرضا عليه‌السلام والمعتضد بما سمعت من محكي الإجماع الذي يشهد له التتبع كاف في إثبات ذلك ، اللهم إلا أن يناقش في دلالة الموثق باحتمال حمل قطع بعض اللسان فيه على النطق والكلام لإطلاق اللسان عليه كثيرا وهو وإن كان مجازا إلا أن القرينة قائمة عليه فيه وهو عطف « فقطع » على « طرف » والطرف في الأصل الضرب على طرف العين ، ثم نقل إلى الضرب على الرأس ، كما عن النهاية الأثيرية (٢).

وظاهر أن الضرب على الرأس لا يوجب قطع اللسان الحقيقي بل المجازي ، وحينئذ يكون الموثق كغيره من الأخبار في الاختصاص بجناية المنفعة لا الجارحة ، وفيه أن ذلك كان ينافي الظهور المستفاد منها ، وخصوصا بعد الاعتضاد بما عرفت ، وسيما بعد إمكان قطع لسانه بالضرب على رأسه فيما لو كان لسانه بين أسنانه.

فالمتجه حينئذ العمل به مع فرض مقارنته لقطع النطق أو بعضه من دون اعتبار مساحة الجرم كما إذا لم يذهب إلا النطق خاصة الذي ستعرف اتفاق النص والفتوى حينئذ على اعتبار الحروف فيه.

أما إذا قطع شي‌ء منه ولم يذهب شي‌ء من الحروف فالمتجه الحكومة كما جزم به الفاضل في القواعد ، بل هو ظاهر المحكي عن أول الشهيدين حاكيا له عن السيد لعدم استفادة تقدير له من النصوص بعد ظهور ما دل منها على أن فيه الدية كاملة في استيصاله المقتضى لذهاب النطق معه عادة ، كظهور الموثق في المقطوع من بعض الجرم مع بعض النطق أو جميعه.

أما ذهاب شي‌ء منه مع بقاء النطق تاما فلا دلالة في شي‌ء من النصوص عليه‌

__________________

(١) أى موثق سماعة وخبر فقه الرضا عليه‌السلام وقد تقدما آنفا.

(٢) نهاية اللغة ج ٣ ص ١٢١.

٢١٣

فليس إلا الحكومة. ودعوى استفادة تقديره مما دل على الدية في الجميع الذي قد عرفت ذهاب النطق معه عادة كما ترى.

وحينئذ فما عن المختلف والتحرير « من أنه إذا قطع نصفه ولم يذهب من الحروف شي‌ء فعليه نصف الدية » بل جزم به في كشف اللثام أيضا لا يخلو من نظر أو منع بعد حرمة القياس عندنا على غيره ، خصوصا بعد عدم اعتبار الشارع الجرم حال ذهاب النطق معه ، بل لو لا الإجماع والضرورة لأمكن القول بعدم شي‌ء فيه في الفرض غير التعزير في حال العمد ، بدعوى ظهور الموثق وغيره في دوران الغرامة فيه على ذهاب النطق ، وبذلك اتضح لك أن المدار في صورة قطع بعض الجرم وبعض الكلام أو كله على الحروف لا الجرم خاصة ولا أكثر الأمرين كما ستعرف الحال فيه إن شاء الله.

( و ) كيف كان فـ ( ـهي ) أي حروف المعجم ( ثمانية وعشرون حرفا ) على المشهور بين الأصحاب كما اعترف به غير واحد ، بل المروي عن الخليل أيضا ، بل عن ظاهر المبسوط والخلاف والسرائر الإجماع عليه ، بل قيل : إنه ظاهر جماعة حتى المصنف هنا وفي النافع لقوله ( وفي رواية تسعة وعشرون حرفا وهي مطرحة ) وحينئذ فالهمزة والألف حرف واحد لا اثنين كما هو مقتضى الرواية المطرحة وينص عليه ـ مضافا إلى ما عرفت وإلى ما في كشف اللثام من أنه روى عن الرضا عليه‌السلام (١).

خبر السكوني (٢) عن الصادق عليه‌السلام « قال : أتي أمير المؤمنين عليه‌السلام برجل ضرب فذهب بعض كلامه وبقي بعض كلامه فجعل ديته على حروف المعجم كلها ثم قال : تكلم بالمعجم فما نقص من كلامه فبحساب ذلك والمعجم ثمانية وعشرون حرفا فجعل ثمانية وعشرين جزا فما نقص من ذلك فبحساب ذلك » ‌واحتمال أن العدد المزبور من غير الإمام بعيد أو ممتنع ، بل في كشف اللثام وينص‌

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ٦.

٢١٤

عليه‌ صريح ابن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل ضرب رجلا بعصا على رأسه فثقل لسانه فقال يعرض عليه حروف المعجم فما أفصح منها فلا شي‌ء فيه وما لم يفصح به كان عليه الدية وهي ثمانية وعشرون حرفا » ‌وتبعه عليه غيره (٢) ، ولكن الموجود عندنا في النسخ المعتبرة من الكافي (٣) والتهذيب (٤).

بل والمحكي منها لنا تسعة وعشرون حرفا » وهي الرواية التي أشار إليها المصنف وغيره ، وذكروا أنها مطرحة وإن كانت صحيحة ، بل حكي العمل بها عن يحيى بن سعيد ، بل عن الأردبيلي « أنه مقتضى الوجدان » ، بل في كشف اللثام « أنه المشهور عند أهل العربية ، ثم حكى منهم الاختلاف في اتحاد مخرج الهمزة والألف وتعدده ، فعلى الثاني لا مجال لاتحادهما وعلى الأول يحتمل الأمران » ولكن ذلك لا يصلح معارضا لما عرفت ، خصوصا بعد احتمال أنه من الراوي أيضا ، والتعدد في الوجدان لا يقتضي التقسيط في الدية.

وحينئذ فلا بأس بالقول بكونها تسعة وعشرين نطقا وثمانية وعشرون دية ، وبذلك يجمع بين كلام أهل العربية والفقهاء ، وبما عن الكشاف « من أن حروف المعجم تسعة وعشرون حرفا واسمها ثمانية وعشرون » ، وفسروه « بأن اسم الألف والهمزة إنما هو الألف يسقط ولا يكتب في بسم الله ولا في الابن إذا وقع بين علمين ونحو ذلك » (٥) ولا يخفى عليك عدم الحاصل لذلك فيما نحن فيه من توزيع الدية.

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢١.

(٢) كصاحب الرياض ره.

(٣) الكافي ج ٧ ص ٣٢٢ وفيه « تسعة وعشرون ».

(٤) التهذيب ج ١٠ ص ٢٦٣ وفيه تسعة وعشرون ولكن في الفقيه ج ٤ ص ١١٢ « ثمانية وعشرون » فراجع.

(٥) راجع مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٤٠٢.

٢١٥

نعم المتجه بناء على ما ذكرناه أن تقسم الدية على ثمانية وعشرين جزءا مع فرض ذهابها أجمع ، أما إذا بقي بين النطق بالهمزة منها دون الألف أو بالعكس فيمكن أن يقال بالحكومة فيه أو بتوزيع ما يخص هذا الحرف بينهما فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فلا يعد « لا » حرفا واحدا منها كما نص عليه غير واحد ضرورة ذكر الألف واللام فيها وهو واضح.

( و ) حينئذ فـ ( ـتبسط الدية على الحروف ) الثمانية والعشرين ( بالسوية ويأخذ ) المجني عليه ( نصيب ما يعدم منها ) بالجناية بعد توزيع الدية عليها بلا خلاف أجده فيه بل عن ظاهر الخلاف أو صريحه الإجماع عليه ، وفي كشف اللثام « هو فتوى الأصحاب » ويدل عليه خبر السكوني (١) وغيره من النصوص على وجه لا يعارضه ما سمعته في خبر سماعة (٢) من اعتبار حساب الجمل الذي لم نجد به قائلا كما اعترف غير واحد ، مضافا إلى ما مضى من الكلام فيه.

( وتتساوى اللينة وغيرها ثقليها وخفيفها ) بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل عن الخلاف نسبته إلى إجماع الفرقة وأخبارهم ، بل قيل إن الإجماع ظاهر المبسوط والسرائر ، وفي كشف اللثام « عليه فتوى الأصحاب » ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك ما سمعته من النصوص وغيرها.

نعم عن بعض العامة اعتبار اللينة خاصة بناء على إنه لاحظ للسان في غيرها ، وهو مع أنه اجتهاد في مقابلة النص قد أجيب عنه بأن غيرها وإن لم يكن من حروفه لكن لا ينتفع بها بدون اللسان والله العالم.

( و ) حيث قد عرفت أن الاعتبار بها فـ ( ـلو ذهبت أجمع وجبت الدية كاملة ) وإن كان المقطوع بعض اللسان ( ولو صار ) بالجناية ( سريع

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات المنافع ، الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات المنافع ، الحديث ٧.

٢١٦

المنطق ) (١) سرعة يكون عيبا ( أو ازداد سرعة ، أو كان ثقيلا فزاد ) بها ( ثقلا ) أو صار ثقيلا بها ( فلا تقدير فيه و ) حينئذ فـ ( ـفيه الحكومة ) كما في القواعد وغيرها من كتب الفاضل ومحكي المبسوط وغيره.

( وكذا لو نقص ) بأن كان يأتي بالحرف صحيحا ( فصار ) يأتي ناقصا أو صار ( ينقل الحرف الفاسد إلى الصحيح ) كما لو كان يأتي بالراء شبيهة بالغين فصار يأتي بها غنيا صحيحة أو ازداد فساده ، وإن لم يبلغ الحد المزبور ضررورة اتحاد الجميع في كونه نقصا غير مقدر ، وربما احتمل لزوم دية الحرف في صورة بقائه غير صحيح ، وفيه أن الحكومة أعدل منه كما أنها كذلك لو صار بالجناية ناقصا عن الإتيان بالمرتبة العليا منها هذا.

وفي كشف اللثام « ويحتمل قصر الحكم على ما إذا جنى بغير قطع اللسان فأما إذا قطع منه فحصل النقص بأحد ما ذكر كان عليه أرش القطع باعتبار المساحة خاصة أو أرشه والحكومة قصرا لاعتبار الحروف على اليقين ، وخصوصا في السرعة والثقل (٢) » قلت : لعل الحكومة في كلامهم تشمل ذلك كله ، والله العالم.

( و ) كيف كان فقد عرفت مما ذكرناه أنه ( لا اعتبار بقدر المقطوع من ) اللسان ( الصحيح بل الاعتبار بما يذهب من الحروف ، فلو قطع نصفه فذهب ربع الحروف فربع الدية وكذا لو قطع ربع لسانه فذهب نصف كلامه فنصف الدية ) وفاقا للمشهور نقلا وتحصيلا ، بل عن الإيضاح نسبته إلى إطلاق الأصحاب ، مشعرا بالإجماع عليه لإطلاق النصوص السابقة المقتضى كما عرفت عدم اعتبار غير الحروف في الفرض ونحوه حتى الحكومة في الجسم وإن اعتبرت في قطعة مع عدم ذهاب شي‌ء من الحروف أو الدية كما تقدم الكلام فيه.

خلافا للشيخ والفاضل وثاني الشهيدين وفاضل الرياض ، فاعتبروا أكثر‌

__________________

(١) في الأصل : « النطق ».

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢٢.

٢١٧

الأمرين مع الاختلاف ، بل هو المحكي عن ابن فهد والكركي ، وقد سمعت احتماله في كلام الشيخ وابن زهرة والكيدري ، بل عن الشيخ نفى الخلاف فيه وإن كان الظاهر إرادته بين العامة ، لقوله متصلا به : « واختلفوا في تعلية فمنهم من قال : الجناية إذا كانت على عضو ذي منفعة أوجبت الدية في أغلظ الأمرين فإن كانت دية المنفعة أكثر أوجبتها وإن كانت دية ما تلف أكثر أوجبتها ، قال : وقال بعضهم : إن قطع ربع لسانه وذهب نصف كلامه أوجبت نصف الدية اعتبارا باللسان وذلك أنه قطع الربع اللسان وشل الربع الآخر بعد قطعه لأنا اعتبرنا ذلك بالحروف ووجدناها نصف الكلام فعلمنا انه قطع الربع وشل الربع الآخر فأوجبنا نصف الدية ، ربعها بقطع ربعه ، وربعها بشلل ربعه (١) ».

وزيد له في محكي التحرير والمختلف « أن الدية تجب باستيصال اللسان وحده وإن لم يذهب شي‌ء من الحروف ، وكذا تجب الدية إذا ذهب الكلام كله وإن لم يقطع شي‌ء من اللسان ، وتجب نصف الدية بذهاب نصف الكلام وحده فلم لا يجب النصف لنصف اللسان أو لنصف الكلام مع انضمام ذهاب الربع الآخر؟ » (٢).

وزاد في الرياض الاستدلال بالأصل المقتضي للزوم ديتي الجارحة والمنفعة وأبعاضهما بالنسبة ، خرج منهما القدر المتداخل فيه بشبهه الإجماع والأولوية المستفاد من ثبوت التداخل باستيصال الجارحة اتفاقا وفتوى ورواية ففي البعض أولى ، فتأمل جيدا. ويبقى الزائد عنه مندرجا تحته ، مضافا إلى التأيد بعدم نقل (٣) الخلاف المتقدم إلى آخره (٤).

__________________

(١) المبسوط ج ٧ ص ١٣٤ ـ ١٣٥.

(٢) التحرير ج ٢ ص ٢٧٠ في الهامش ، المختلف الجزء السابع ص ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، ولم ينقل المؤلف عين عبارتهما بل معناها.

(٣) كذا في الأصل ولكن في الرياض : « بنقل عدم الخلاف المتقدم ».

(٤) رياض المسائل ، ج ٢ ص ٦١٠.

٢١٨

ولكن الجميع كما ترى بعد ظهور الموثق ومحكي الإجماع وغير ذلك مما عرفته سابقا ، ضرورة عدم حاصل معتد به للأول والأخير ، كظهور منع زيادة التحرير ، وذلك لأن المساحة إنما تعتبر حكومة أو دية إذا لم يذهب شي‌ء من الكلام ، وأما إذ أذهب فلا عبرة بها مع أصل البراءة ، ومن ذلك يعلم ما في الأصل الذي سمعته من الرياض ، مع أنه يكفي في قطعه ما عرفت. ونفى الخلاف المحكي بعد الإغضاء عما في دعواه ، قد عرفت ظهور كون المراد نفيه من العامة.

وأغرب من ذلك كله ما عن أبي العباس من زيادة « أن في اللسان منفعة غير النطق وهي جمع الطعام ودفعه من الثنايا إلى مطاحنه وهي الأضراس ثم جمعه بعد طحنه من الأضراس وتلويثه بالرطوبة اللعابية اللزجة ليسهل دفعه وجريانه في المري‌ء » (١) إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص ، خصوصا بعد المفروغية من تداخل الديتين في استيصاله ، بل ومنه في المقام وإن اختلفوا في وجوب الأكثر أو اعتبار النطق ، وخصوصا بعد ملاحظتها في لسان الأخرس الذي قد عرفت وجوب ثلث الدية فيه وستعرف أن المقطوع منه بحسابه أيضا المقتضى ذلك لوجوب سدس الدية بفوات نصفه مع أن الفائت على ما ذكره نصف هذه المنافع ، فالمدار حينئذ على الكلام ففي صورة ذهاب ربع الحروف ونصف اللسان ينبغي الاقتصار على الربع لأنه أكثر من السدس فكيف يجب النصف. وبذلك كله ظهر لك أن الأقوى اعتبار الحروف في المفروض ، والله العالم.

فحينئذ فـ ( ـلو ) أذهب بعض كلامه فعل (٢) جان ( فجنى عليه آخر اعتبر بما بقي ) من الحروف ( وأخذ بنسبته ما ذهب بعد جناية الأول ) إلى ما بقي بعدها ، فلو أذهب الأول نصف الحروف مثلا والثاني نصف الباقي وجب عليه الربع بناء على المختار. نعم القول الآخر يعتبر أكثر الأمرين من المقطوع والذاهب‌

__________________

(١) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٤٠٤ ـ ٤٠٥ وليس عندي كتاب مهذب البارع.

(٢) في الأصل « فعلا ».

٢١٩

من الكلام مع اختلافهما ، فلو قطع الأول ربع اللسان فذهب نصف الكلام كان عليه نصف الدية فإن قطع آخر بقيته فذهب ربع الكلام فعليه ثلاثة أرباعها وهكذا.

( ولو أعدم واحد ) مثلا ( كلامه ) كله من غير قطع ( ثم قطعه آخر كان على الأول الدية ) تامة عوضا عن الكلام ( وعلى الثاني الثلث ) لأنه قطع لسان أخرس يجب فيه ذلك كما عرفت بلا خلاف أجده في شي‌ء منهما ، ومن هنا‌ « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام بست ديات للمضروب بعصا فذهب سمعه وبصره ولسانه وعقله وفرجه وانقطع جماعه » (١) ‌مضافا إلى ما سمعته سابقا من بعض النصوص الدالة على وجوب الدية بذهاب النطق وإن لم يقطع شي‌ء من لسانه ، بل في القواعد وغيرها ذلك وإن بقيت في اللسان فائدة الذوق والحروف الشفوية والحلقية فإنها ليست من منفعة اللسان وإن اعتبرت في قطعه للنص والإجماع كما عرفته سابقا.

نعم لو نقص الكلام ولم يذهب رأسا وزعت الدية على ثمانية وعشرين حرفا كما عرفته في قطع بعض اللسان وتدخل الشفوية والحلقية في التوزيع للنصوص ، قال الصادق عليه‌السلام في‌ صحيح الحلبي (٢) : « إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل لسانه عرض عليه حروف المعجم فما لم يفصح به الكلام كانت الدية بالقصاص من ذلك » ‌وفي‌ صحيح ابن سنان (٣) : « إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل لسانه عرضت عليه حروف المعجم فما لم يفصح به منها يؤدي بقدر ذلك من المعجم يقام أصل الدية على المعجم كله يعطي بحساب ما لم يفصح به منها » ‌إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المطلوب.

لكن قد يشكل ذلك بأنه مناقض للحكم بالدية كاملة إذا ذهب النطق وإن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ديات المنافع ، الحديث الأول.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ٥.

٢٢٠