جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

( الثاني العينان )

(وفيهما ) معا ( الدية وفي كل واحدة نصف الدية ) بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل وبين غيرنا كما عن الشيخ وابن زهرة الاعتراف به ، بل في المسالك إجماع المسلمين عليه ، وهو كذلك فضلا عن إجماع المؤمنين المحكي مستفيضا.

أو متواترا ، كالنصوص عموما مثل‌ « ما في الإنسان منه اثنان ففيه نصف الدية » (١) ‌وخصوصا مثل حسن الحلبي (٢) وصحيح ابن سنان (٣).

بل مقتضى إطلاق النص والفتوى ( و ) معقد الإجماع أنها ( تستوي الصحيحة والعمشاء والحولاء والجاحظة ) خارجة المقلة أو عظيمتها ، خلافا لما عن الوسيلة فجعل دية العمشاء ثلث دية النفس ، ولم نعرف له دليلا صالحا لمعارضته ما عرفت ، المقتضى لكون الأخفش والأعشى والأرمد والأجهر كالصحيح.

أما من كان على سواد عينه أو بياضها أو عليهما بياض مثلا ، فإن كان الإبصار باقيا بأن لا يكون ذلك على الناظر فالدية تامة لبقاء العضو وفائدته ، فتشمله الأدلة كاليد ذات الشلول ، وإن لم يكن كذلك أسقط الحاكم من الدية بمقدار الذاهب إن عرف ، وإلا كانت فيه الحكومة.

( وفي الأجفان ) الأربعة ( الدية ) بلا خلاف مطلقا أو في الجملة كما ستعرف ، بل الإجماع بقسميه عليه كذلك ، بل المحكي منهما مستفيض ، ( و ) لكن ( في تقدير كل جفن خلاف قال في المبسوط في كل واحد ربع الدية ) وتبعه الفاضل في جملة من كتبه ، وولده والشهيدان وأبو العباس وغيرهم على ما حكى عن بعضهم ، بل هو المحكي عن العماني أيضا ، لصحيح هشام المضمر‌

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٤.

١٨١

في التهذيب (١) ، المسند إلى الصادق عليه‌السلام في الفقيه ، (٢) « قال كل ما كان في الإنسان منه اثنان ففيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية » ‌ونحوه حسن عبد الله ابن سنان (٣) عنه أيضا ، بتقريب كون كل جفنين بمنزلة واحد فيكونان كالعين ، إلا أنه كما ترى ، ولذا قال في المسالك « هو مجرد عناية » ، وفي كشف اللثام « لا دلالة فيه ».

نعم قد يقال : بإمكان استفادة توزيع الدية على المتعدد الذي تثبت فيه الدية ، والغرض الإجماع على ثبوتها للأربع فتتوزع عليها ، لأن الأصل عدم الزيادة ، مضافا إلى دعوى انسياق التوزيع للتساوي في مثله ، ولعله لذا قال في المسالك : « هو الأظهر » بعد أن اعترف بضعف دلالة الخبرين عليه ، والله العالم.

( و ) قال ( في الخلاف ) ومحكي السرائر ( في الأعلى ثلثا الدية وفي الأسفل الثلث ) من دية العين ، بل عن الأول عليه إجماع الفرقة وأخبارهم ، بل في كشف اللثام حكايته عن المبسوط وإن كنا لم نتحققه ، بل الذي حكاه عنه المصنف وغيره الأول ، نعم وقيل نسبه إلى رواية أصحابنا بعد أن اختار الأول (٤).

وعلى كل حال فلم نقف له على دليل سوى الدعوى المزبورة التي لم نقف فيها على خبر ، كما اعترف به غيرنا أيضا ، بل ولا مفت غيره ممن تقدمه ، بل هو قد خالف نفسه فيما سمعته من المبسوط ، بل وفي الخلاف أيضا ما حكى المصنف عنه قال ( وفي موضع آخر في الأعلى ثلث الدية وفي الأسفل النصف ) ‌

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ ص ٢٥٨.

(٢) الفقيه ج ٤ ص ١٣٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ١ ـ الكافي ج ٧ ص ٣٥١ ، وفيه : « ففي الواحد نصف الدية » وفي الوسائل : « ففيه نصف الدية » وكلاهما بمعنى.

(٤) كشف اللثام ج ٢ ص ٣١٩ ـ المبسوط ج ٧ ص ١٣٠.

١٨٢

منها كما في المقنعة والنهاية والمراسم والوسيلة وعن الغنية وعن القاضي وأبي الصلاح والطبرسي والصهرشتي والكيدري ، بل وأبي علي ( و ) حينئذ فـ ( ـينقص على هذا التقدير سدس الدية ) بل في المتن وغيره ( والقول بهذا كثير ).

بل في كشف اللثام وعن غيره هو المشهور ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، لما في كتاب ظريف بن ناصح عن الصادق عليه‌السلام المشهور في الديات كما في المسالك عن إفتاء‌ أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي رواه المحمدون الثلاثة بطرق عديدة (١).

المنجبر مع ذلك في المقام بما عرفت « قال وإن أصيب شفر العين الأعلى فشتر فديته ثلث دية العين مأة دينار وستة وستون دينارا وثلثا دينار ، وإن أصيب شفر العين الأسفل فشتر فديته نصف دية العين مأتا دينار وخمسون دينارا ،. فما أصيب منه فعلي حساب ذلك ».

وفي كشف اللثام وكذا روى عن الرضا عليه‌السلام (٢) وفي المراسم نسبه إلى رسم النبوي العلوي.

وفي المقنعة اختصاص هذا العضو من بين الأعضاء بذلك ، ومن هنا كان العمل به متعينا.

لكن فيه أنه مخالف لما سمعته من الإجماع ونفي الخلاف على وجوب تمام الدية الأربع ، اللهم إلا أن يقال بما عن المهذب البارع : إن هذا النقص إنما هو على تقدير كون الجناية من اثنين أو من واحد بعد دفع أرش الجناية الأولى وإلا وجب دية كاملة إجماعا ، بل في الروضة « هذا هو الظاهر من الرواية ، لكن فتوى الأصحاب مطلقة ».

قلت : ولعله لذلك توقف غير واحد من الترجيح كالمصنف وغيره ، لكن‌

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٣٣٠ ـ التهذيب ج ١٠ ص ٢٩٨ ـ الفقيه ج ٤ ص ٨٠ ـ الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٣ و ٤ و ٥.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام ص ٤٢.

١٨٣

يمكن منع الإجماع المزبور مطلقا كما لا يخفى على من لاحظ كلام المشهور.

نعم قد يقال : إن الشفر بالضم كما في الصحاح وغيره طرف الجفن ، وبه عبر في المقنعة والمراسم والغنية ، كالخبر المزبور ، لا بالجفن ، فيمكن أن يقال : ان ذلك في أشفار الأجفان لا فيها نفسها لأنها فيها أجمع الدية كاملة أرباعا فتأمل.

( و ) كيف كان فـ ( ـفي الجناية على بعضها بحساب ديتها ) بلا خلاف أجده فيه لما سمعته من الخبر المعتضد بما عرفته سابقا وحينئذ فإن قطع نصف الجفن كان ديته الثمن بناء على أن فيه الربع ( ولو قلعت ) الأجفان ( مع العينين لم تتداخل ديتاهما ) كما صرح به غير واحد للأصل بخلاف الأهداب التي عرفت الحال فيها ، ولا يعتبر وجودها في تمام الدية للأجفان قطعا كما صرح به الفاضل وغيره بل لا يعتبر في ديتها أيضا الإبصار ، فالأعمى فضلا عن غيره بل لا يعتبر في ديتها أيضا الإبصار ، فالأعمى فضلا عن غيره لو قطعت أجفانه الأربعة وجبت الدية لإطلاق الأدلة.

نعم في القواعد وكشف اللثام الحكومة في الأجفان المستحشفة اليابسة المقلية ، لأنها لا تكن العين وتغطيها ، ولعله (١) لانسياق غيرها من الإطلاق ، والله العالم.

( وفي العين الصحيحة من الأعور الدية كاملة إذا كان العور خلفة أو بآفة من الله تعالى ) شأنه بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به في المسالك بل في الخلاف والغنية والمختلف والغاية المراد والتنقيح والمهذب البارع الإجماع عليه على ما حكى عن بعضها.

وفي‌ خبر محمد بن قيس (٢) « قال أبو جعفر عليه‌السلام قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أعور أصيبت عينه الصحيحة ففقأت ، أن تفقأ إحدى عيني صاحبه ويعقل‌

__________________

(١) كذا في الأصل ، وفي بعض النسخ هكذا : « قلت ولانسياق غيرها ».

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢.

١٨٤

له نصف الدية وإن شاء أخذ دية كاملة ويعفو (١) عن عين صاحبه » ‌وفي خبر الحلبي (٢) و‌أبي بصير (٣) عن الصادق عليه‌السلام « في عين الأعور الدية » ‌مع زيادة « كاملة » في أولهما إلى غير ذلك من النصوص التي قدمناها في استحقاقه نصف الدية لو جنى عمدا على الصحيح فاقتص منه فلاحظ وتذكر ، مؤيدا ذلك كله بأن العين الواحد له حينئذ بمنزلة عينين بالنسبة إلى الإبصار بل هو مثل ما لم يكن فيه إلا واحد كالأنف.

نعم ( لو استحق ديتها ) بجناية جان عليه وإن لم يكن قد أخذها ( كان في الصحيحة نصف الدية خمسمائة دينار ) بلا خلاف أجده فيه ، بل عن الغنية والخلاف الإجماع عليه ، بل هو كذلك على الظاهر ، كما اعترف به في كشف اللثام ، وكذلك لو كان عورها قصاصا وإن لم يصرح به جماعة ، بل في كشف اللثام الأكثر ، لكنه مندرج في معقد إجماعي الخلاف والغنية على ذهابها بغير الخلقة والآفة السماوية ، وعلى كل حال بذلك تقيد النصوص المزبورة ، مضافا إلى النصوص والإجماع على أن في إحدى العينين النصف المستثنى منهما ما عرفت خاصة ، بل قد يدعى أنه المراد من الأخبار المزبورة ولو بملاحظة أن أخذه العوض أو استحقاقه أو الذهاب قصاصا لا ينزل عينه الموجودة منزلة العين الواحدة ، بل ينزلها منزلة أحد العينين ، والله العالم.

( وأما العوراء ففي خسفها روايتان إحداهما ربع الدية ) كما في‌ رواية عبد الله بن سليمان (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل فقأ عين رجل ذاهبة وهي قائمة قال عليه ربع دية العين ».

ورواية عبد الله بن أبي جعفر عنه (٥) أيضا « في العين العوراء تكون قائمة فتخسف قال : قضى فيها علي بن أبي طالب عليه‌السلام بنصف الدية في العين الصحيحة » ‌( و ) لكن ( هي متروكة ) وإن حكى العمل بها عن المفيد وسلار ، إلا‌

__________________

(١) في الكافي : « يعفى ».

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ١.

١٨٥

أنها ضعيفة ولا جابر لها ، بل في المسالك لم يعمل بمضمون الثانية أحد من الأصحاب ( و ) الرواية ( الأخرى ثلث الدية ) وهي‌ صحيحة بريد أو حسنته (١) عن الباقر عليه‌السلام « في لسان الأخرس وعين الأعور وذكر الخصي الحر وأنثييه ثلث الدية » ‌وغيرها ( وهي مشهورة ) في العمل كما اعترف به غير واحد ، بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه.

( و ) على كلا القولين فالحكم هنا كذلك ( سواء كانت ) عوراء ( خلقة أو بجناية جان ) لكن في‌ صحيح أبي بصير (٢) عنه أيضا « وقد سأله بعض آل زرارة عن رجل قطع لسان أخرس فقال : إن كان ولدته أمه وهو أخرس فعليه ثلث الدية وإن كان ذهب بوجع أو آفة بعد ما كان يتكلم فإن على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه ، قال : وكذلك القضاء في العينين والجوارح ، وقال : هكذا وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام » ‌ولم نجد عاملا به كما اعترف به بعض الأساطين مضافا إلى ما فيه من عدم الفرق المزبور في اللسان الذي فيه الدية كاملة ـ نعم ربما يظهر الفرق في نحو العين وغيرها من الجوارح المتعددة ـ وإلى ما فيه من الاضطراب فإن في‌ الكافي والتهذيب (٣) كما سمعت ، وعن الفقيه (٤) « إن كان ولدته أمه وهو أخرس فعليه الدية » ‌ولعله يوافق في الجملة ما تسمعه من ابن إدريس من « أنه لا خلاف في أن العين إن كانت عوراء خلقة ففيها نصف الدية خمسمائة دينار وثلث ديتها إنما يجب في التي جنى عليها » (٥) لكن ليس في الفقيه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول نقلا عن الكافي والتهذيب والفقيه وليس في الكافي والوسائل لفظة « الحر » راجع الفقيه ج ٤ ص ١٣١ والتهذيب ج ١٠ ص ٢٧٠ والكافي ج ٧ ص ٣١٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الثاني.

(٣) الكافي ج ٧ ص ٣١٨ والتهذيب ج ١٠ ص ٢٧٠.

(٤) الفقيه ج ٤ ص ١٤٨.

(٥) السرائر باب ديات الأعضاء والجوارح والقصاص فيها.

١٨٦

قوله : « وكذلك القضاء في العينين والجوارح ».

ثم إن المصنف والفاضل اقتصرا على الخسف كالمحكي عن الشيخ وابن سعيد نحو ما سمعته في خبر عبد الله بن أبي جعفر (١) ، وعن سلار ، التعبير بالإذهاب ، وقال المفيد : « ومن كانت عينه ذاهبة وهي قائمة غير مخسوفة فلطمه إنسان فانخسفت بذلك أو كانت مفتوحة فانطبقت أو كان سوادها باقيا فذهب فعليه ربع الدية العين الصحيحة لذهابه بجمالها » (٢).

وفي‌ خبر عبد الله بن سليمان (٣) ما سمعته ، وعن الحلبي « وفي خسف العين الواقفة العمياء ثلث ديتها وفي طبق المفتوحة أو ذهاب سوادهما مع تقدم العمي ربع ديتها ».

وكذا عن الغنية والإصباح ، بل عن أولهما الإجماع عليه ، وإن كان هو كما ترى ضرورة عدم مظنة الإجماع المزبور ، بل لعل الأمر بالعكس ، إذ رواية الثلث المشهورة عملا لا فرق فيها بين الخسف والقلع وغيرهما ، ومن ذلك يعلم ما في التفصيل المزبور وغيره.

وعن ابن إدريس « وفي العين القائمة إذا خسف بها ثلث ديتها صحيحة وكذلك في العين العوراء التي أخذت ديتها أو استحقها صاحبها ولم يأخذها ثلث ديتها صحيحة على ما قلناه أولا وحررناه ، وشيخنا أبو جعفر فرق في نهايته بينهما ، قال : إذا قلع العين العوراء التي أخذت ديتها أو استحقت الدية ولم يأخذها فنصف الدية يعنى ديتها فإن خسف بها ولم يقلعها ثلث ديتها ، والأولى عندي أن في القلع والخسف ثلث ديتها ، فأما إذا كانت عوراء والعور من الله تعالى فلا خلاف بين أصحابنا أن فيها ديتها كاملة خمسمائة دينار انتهى » (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٢) المقنعة ص ١٢٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢.

(٤) السرائر باب ديات الأعضاء.

١٨٧

والظاهر سقوط لفظ القلع من قلمه أو أقلام النساخ في قوله « وكذلك في العين العوراء » والصحيح « وكذلك في قلع العين العوراء إلى آخره ».

وعلى كل حال فهو كما ترى وإليه أشار المصنف بقوله ( ووهم هنا واهم فتوق زلله ) بل ما نسبه إلى النهاية وهم أيضا وإن كانت عبارتها موهمة لذلك ، قال : « وفي العين العوراء الدية كاملة إذا كانت خلقة أو قد ذهبت في آفة من جهة الله تعالى فإن كانت قد ذهبت وأخذ ديتها أو استحق الدية وإن لم يأخذها كان فيها نصف الدية ، والأعور إذا فقأ عين صحيح قلعت عينه وإن عمي فإن الحق أعماه فإن قلعت عينه كان مخيرا بين أن يأخذ الدية كاملة أو يقلع إحدى عيني صاحبه ويأخذ نصف الدية ، وفي العين القائمة إذا خسفت بها ثلث ديتها صحيحة انتهت » (١) وهي صريحة أو كالصريحة في خلاف ما حكاه عنها ولو بقرينة قوله أخيرا : و « في العين القائمة إلى آخره ».

لكن في كشف اللثام بعد أن حكى عبارة النهاية المزبورة قال : « ففهم من العين العوراء ، الذاهبة من عيني الأعور لا الصحيحة كما في نحو عبارة الكتاب ويقويه قوله « ذهبت » مرتين « وأخذ ديتها » فحمل قوله : « الدية كاملة » على دية العين الواحدة ، أي نصف الدية خمسمائة دينار ونصف الدية على نصف ديتها وهو ربع الدية.

ثم لما قال في آخر الكلام : « إن في خسف العين القائمة ثلث ديتها » حمل ما قبله على القلع ، وجعل في قوة أن قال : في العين الذاهبة من عيني الأعور ديتها كاملة وهي خمسمائة دينار قلعت أو خسفت إذا كانت ذهبت خلقة أو في آفة من الله فإن كانت ذهبت وأخذ ديتها أو استحق ديتها كان في قلعها نصف ديتها مأتان وخمسون دينارا ، وإذا فقأ الأعور عين صحيح قلعت عينه الصحيحة وإن عمى فإن الحق أعماه ، فإن قلع قالع عينه الصحيحة كان مخيرا بين أن يأخذ‌

__________________

(١) النهاية ج ٢ ص ٧٨٩.

١٨٨

الدية دية النفس كاملة ألف دينار أو يقلع إحدى عيني الجاني ويأخذ نصف الدية ، وفي عينه الذاهبة القائمة إذا خسف بها وكان ذهابها بالجناية عليها ففيها ثلث ديتها صحيحة » (١).

قلت : ولكنه كما ترى ، بل المراد (٢) ما ذكره المصنف في النكت ـ وتبعه عليه الفاضل والشهيد وغيرهما ـ العين الصحيحة من العوراء من عين الأعور ، قال : « ويوشك أن يكون سماها عوراء لأنه ليس لها أخت من صنفها وفي الحديث إن أبا لهب اعترض على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند إظهاره الدعوة فقال له أبو طالب يا أعور ما أنت وهذا ، قال ابن الأعرابي : ولم يكن أبو لهب أعور ، ولكن العرب تقول للذي ليس له أخ من أبيه وأمه أعور ، وكأن الشيخ استعمل ذلك اتساعا ، وتبعا للفظ رواية رواها‌ محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن سنان ، عن العلاء ابن الفضيل (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال في أنف الرجل الدية تامة ، وذكر الرجل الدية تامة ولسانه الدية تامة ، وأذناه الدية تامة ، والرجلان بتلك المنزلة ، والعينان كذلك ، والعين العوراء الدية تامة » ‌ولم يرد بالعوراء هنا الفاسدة لأن ديتها ليست تامة إذ هو يريد بالتامة دية النفس لأنه عدد ما فيه دية النفس ولم يرد بالدية التامة خمسمائة على ما ظنه بعض المتأخرين ، ثم لم يذهب أحد إلى أن القائمة ولا المطبوقة فيها خمسمائة بحيث ينزل ذلك على هذا التأويل ، وأما قول الشيخ ره « إذا كانت خلقة أو ذهبت في آفة » يريد الذاهبة ، أضمرها ولم يجر لها ذكرا اتساعا ولدلالة اللفظ عليها انتهى » (٤).

وحينئذ قوله فإن قلعت عينه مع جزائه تكرير لما قدمه من إذهاب عينه الصحيحة وإنما كرره للتصريح بالتخيير.

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣١٨ ـ ٣١٩.

(٢) كذا في الأصل ، ولعل الصحيح : « كما ذكره المصنف ».

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ١١.

(٤) نكت النهاية كتاب الديات ورقين قبل آخر الكتاب.

١٨٩

على أنه لو سلمنا دلالة عبارة النهاية على ذلك كيف يسوغ له موافقتها بلا دليل بل ظاهر الأدلة خلافها ، بل والاعتبار ، فإن مساواة الصحيحة للعوراء في الدية أمر منكر وكأن الذي أوقعه في هذا الوهم الشنيع استمراره على الجرأة على العلماء وخصوصا الشيخ الذي هو أس هذا المذهب وقوامه نسأل الله العصمة من الخطأ وغيره ، والله العالم.

( الثالث الأنف )

وفيه الدية كاملة إذا استوصل ) كله ( وكذا إذا قطع مارنه وهو ما لان منه ) وفاقا للشيخ في النهاية وابن إدريس ويحيى بن سعيد والفاضلين والشهيد ، بل والغنية والإصباح وغيرهم على ما حكى عن بعض ، لأنه مما في الإنسان منه واحد وفيه الدية نصا وفتوى ولقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (١) « في الأنف إذا استوصل جدعه الدية ».

وفي الموثق « في الأنف إذا قطع الدية كاملة » وفي حسن الحلبي (٢) وموثق سماعة (٣) وخبري زرارة (٤) و‌العلاء بن الفضيل (٥) « في الأنف إذا قطع المارن الدية » ‌ومقتضاه وجوب الدية لا غير في قطعه أجمع وفي قطع المارن منه.

لكن في المبسوط « وفي الأنف الدية بلا خلاف لقوله عليه‌السلام : وفي الأنف الدية‌ وفي الأنف إذا اوعى أي استوعب جدعا مأة من الإبل ، وعن علي عليه‌السلام في الأنف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٦.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٨.

١٩٠

مأة من الإبل ، فإذا ثبت أن فيه الدية فإنما الدية في المارن وهو ما لان منه وهو دون قصبة الأنف وذلك المنخران والحاجز إلى القصبة. فإن كان قطع كل المارن ففيه الدية كاملة فإن قطع بعضه ففيه بالحصة مساحة » (١).

وذكر « أنه إن قطع المارن مع القصبة كان في المارن الدية وفي القصبة حكومة » (٢) وهو خيرة المهذب والوسيلة والتحرير والروضة على ما حكي عن بعضها ، بل عن حواشي الشهيد أنه المنقول ، ولعل وجهه بعد الاتفاق على ثبوت الدية في المارن نصا وفتوى أنه لا بد للجناية على القصبة معه من عوض.

وفيه أنه كذلك مع تعددها بأن قطع القصبة بعد قطع المارن لعدم تقدير فيها بالخصوص فتجب الحكومة ، أما لو كانت جناية واحدة قد استوعبت الأنف كله أو المارن مع بعض القصبة فليس إلا الدية لما سمعته من النصوص صريحها وظاهرها المذكورة لبيان تمام ما في ذلك ، مضافا إلى الأصل ، ولا استبعاد في التداخل في الفرض المزبور.

ويمكن تنزيل كلام الشيخ ومن وافقه على ذلك فيرتفع الخلاف حينئذ الذي قد بان لك ثمرته مما ذكرناه والا كان محجوجا بما عرفت.

( كذا ) تجب الدية ( لو كسر ففسد ) كما صرح به الشيخان والحلبي وابن حمزة والفاضلان والشهيدان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في الرياض لأنه كالإبانة خصوصا على ما عن الروض من كون المراد من فساده سقوطه لا صيرورته أشل الذي يأتي حكمه ودليله ، وإن كان قد يناقش بأعمية الفساد في كلام الأصحاب من ذلك. فالتحقيق أن يقال ولو بمعونة‌

__________________

(١) المبسوط ج ٧ ص ١٣١ وكانت عبارة الأصل ناقصة وأصلحناه طبعا للمصدر. ولا يخفى أن عبارة مفتاح الكرامة هنا ناقصة أيضا.

(٢) المبسوط ج ٧ ص ١٣١ وليست العبارة عين عبارة الشيخ فراجع.

١٩١

فهم الأصحاب : إن‌ قوله (١) : « فيما كان فيه في البدن واحد الدية » ‌كالأنف شامل للقطع ( و ) للإفساد المزبور.

نعم ( لو جبر على غير عيب فمأة دينار ) كما صرح به من عرفت وغيرهم ، بل في الرياض نفي الخلاف فيه ، بل عن الغنية على الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد تبينه مضافا إلى ما عساه يفهم مما في خبر ظريف (٢) من ثبوت المأة في كسر الظهر إذا جبر على غير عيب ، من أن ذلك كذلك في كل ما كان في كسره الدية ، ومنه ما نحن فيه. فوسوسة بعض الأفاضل (٣) في دليل الحكم المزبور حينئذ في غير محله.

ولو نفذت فيه نافذة فخرقت المنخرين والوترة جميعا على وجه لا تنسد فثلث الدية بلا خلاف أجده فيه ، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب ، بل قيل قد يظهر من الغنية الإجماع عليه ، لما‌ في كتاب ظريف (٤) « فان نفذت فيه نافذة لا تنسد بسهم أو رمح فديته ثلاثمائة وثلاث وثلاثون دينارا وثلث دينار » ‌بل في كشف اللثام وروى عن الرضا عليه‌السلام (٥) وإن كان المظنون إرادته ما في الفقه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ١٢ وغيره.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٣) وهو المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٥) كشف اللثام ج ٢ ص ٣١٩ ـ الفقه المنسوب الى الرضا ٧ ص ٤٢ وعبارته هكذا : « فان نفذت منه نافذة فثلثا دية الأرنبة » ‌وراجع المستدرك ج ٣ ص ٢٧٤.

١٩٢

المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام الذي لم يثبت حجيته عندنا (١) ، و‌خبر مسمع (٢) عن الصادق عليه‌السلام قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام « في النافذة تكون في العضو بثلث الدية دية ذلك العضو » ، ونحو ذلك من الأخبار.

وكذا لو خرمه لقول الصادق عليه‌السلام في خبر مسمع (٣) أيضا « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في خرم الأنف ثلث دية الأنف » ‌نعم الظاهر إرادة شق وترة الأنف التي بين المنخرين ، من الخرم.

ولو جبرت وصلحت ففيه خمس الدية مأتا دينار كما صرح به الشيخان والديلمي وابنا زهرة وإدريس والفاضلان والشهيدان والتقي والقاضي والكيدري على ما حكي عن بعضهم ، بل قيل قد يظهر من الغنية الإجماع عليه ، إلا أني لم أجد له دليلا ، بل الموجود‌ في كتاب ظريف (٤) « وإن كانت نافذة فبرئت والتأمت فديتها خمس دية روثة الأنف مأة دينار فما أصيب منه فعلى حساب ذلك » ‌كالمحكي عن أبي علي والشيخ في الخلاف ، بل والسرائر وإن حكي عنها الأول أيضا ، (٥) ولعله لا يخلوا من قوة فإن المشهور أيضا على ما قيل عشر ، للأصل والخبر المزبور ، بل لعله متعين بعد فرض الإجماع على انحصار الأمر في القدرين ضرورة‌

__________________

(١) راجع رسالة « الفصل القضاء في الكتاب المشتهر بفقه الرضا » تأليف السيد حسن الصدر الكاظمي ره المطبوع أخيرا بقم في مجموعة تسمى به « آشنائى با چند نسخه خطى » ص ٣٨٩ ـ ٤٤٢.

(٢) التهذيب ج ١٠ ص ٢٩٣ ـ الكافي ج ٧ ص ٣٢٨ ـ الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج والجراح ، الحديث ٧. ولكن في غير الأول « الناقلة » مكان « النافذة » فراجع.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٥) قال في السرائر في باب ديات الشجاج والجراح : « وفي الأنف. فان عولجت فصلحت وانسدت فديتها خمس دية الأنف مأتا دينار ».

١٩٣

كون المقام على هذا التقدير من جزئيات مسألة الترديد بين الأقل والأكثر المعلوم كون الحكم فيه الاقتصار على الأول ونفي الزائد بالأصل بعد فرض عدم دليل عليه غير الشهرة المزبورة ، وهي مع تحققها غير حجة.

نعم يمكن منع الإجماع على الانحصار المزبور ، والمتجه فيه بعد عدم حجية الشهرة والخبر المزبور الذي لا جابر له ، الحكومة التي هي مقتضي الأصل أيضا بعد الإجماع على عدم خلو الجناية عن عوض هذا كله ولكن الاحتياط مع إمكانه لا ينبغي تركه بل يمكن تصحيح الخبر المزبور فلا يحتاج إلى جابر ولكن الشهرة هنا موهنة له.

وكذا الكلام فيما كانت النافذة نفذت في أحد المنخرين إلى الحاجز عشر الدية ، لكن مع تقييد كثير منهم ذلك بما إذا صلحت وبرئت ، بل عن جماعة منهم التصريح بأن فيها السدس إن لم تبرأ ، بل قيل : قد يظهر من الغنية الإجماع عليه ، وعلى كل حال لم أجد له دليلا أيضا وإن نسبه في كشف اللثام إلى الرواية (١) عن الرضا عليه‌السلام من دون نص إلى البرء ، وعن أبي علي « أن فيه عشر دية الروثة خمسون دينارا » ويوافقه ما‌ في كتاب ظريف قال متصلا بما سمعته : « وإن كانت النافذة في إحدى المنخرين إلى الخيشوم وهو الحاجز بين المنخرين فديتها عشر دية روثة الأنف خمسون دينارا » (٢) ‌ولكن البحث فيه كما تقدم ضرورة عدم دليل للمشهور ، وعدم جابر للخبر المزبور أو موهون بالشهرة ، فالتحقيق الاقتصار على الأقل مع فرض الإجماع على الانحصار وإلا فالحكومة ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

( و ) كيف كان فـ ( ـفي شلله ثلثا ديته ) بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد ، بل عن ظاهر المبسوط وصريح الخلاف الإجماع عليه ، نحو شلل‌

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣١٩ ـ فقه الرضا عليه‌السلام ص ٤٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

١٩٤

سائر الأعضاء التي وضع الأصحاب ـ كما في كشف اللثام ـ ضابطا لشللها وهو ثلثا دية ذلك العضو المشلول ، بل عن الخلاف والغنية إجماع الفرقة عليه مع زيادة « واخبارهم » في الأول ولعل منها‌ صحيح الفضيل بن يسار (١) عن الصادق عليه‌السلام « إن في شلل كل الأصابع ثلثي دية اليد أو القدم وفي شلل بعضها ثلثي ديتها » ‌مؤيدا ذلك بما ذكروه أيضا من غير خلاف يعرف فيه بينهم كما اعترف به غير واحد ، من أن في قطع الأشل أنف أو غيره ثلث الدية ، لخبر الحكم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « كل ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح » ‌فتتم بذلك الدية حينئذ وإن كان الظاهر الثلث أيضا في الأشل خلقة كما صرح به بعضهم لإطلاق النص والفتوى إلا أنه لا ينافي ظهور ذلك في ثبوت ثلثي الدية بالجناية الموجبة للشلل. والله العالم.

( وفي الروثة ) إذا استوصلت كما هو صريح بعض وظاهر آخر ( وهي الحاجز بين المنخرين ) كما في جملة من كتب الفاضل ومحكي النهاية والجامع وغيرها ( نصف الدية ) وفاقا للشيخين والديلمي وابني حمزة وسعيد والفاضل وثاني الشهيدين وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، ولذا نسبه في كشف اللثام إلى الأكثر ، بل في المسالك إلى المشهور لما‌ في كتاب ظريف ـ الذي روى صحيحا ـ (٣) « أنه عرض على الرضا عليه‌السلام فقال : هو حق » ، « فإن قطعت روث الأنف فديتها خمسمائة دينار نصف الدية (٤) ».

ولكن عن الكافي (٥) زيادة « وهي طرفه » فإن كانت من الخبر نافت التفسير‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٥ ، وليس المنقول عين ألفاظ الرواية.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٣) راجع الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الأعضاء.

(٤) الفقيه ج ٤ ص ٨١.

(٥) الكافي ج ٧ ص ٣٣١.

١٩٥

المزبور ، بل وإن لم تكن منه ، لأن الموجود فيما حضرني من كتب اللغة أنها « الأرنبة » أي طرف الأنف أو طرفيها ، بل في كشف اللثام بعد أن حكاه عن بعض من عرفت قال : « ولم أعرف لهم موافقا من أهل اللغة فإن المعروف عندهم أنها الأرنبة أو طرفها حيث يقطر الرعاف ، والأرنبة عندهم طرف الأنف ويسمون الحاجز بالوترة ، وفي كتاب ظريف بالخيشوم ، وكذا روى عن الرضا عليه‌السلام » ، (١) بل في المتن بعد أن ذكر ما سمعت ( وقال ابن بابويه ) (٢) ( هي مجمع المارن ، وقال أهل اللغة هي طرف المارن ) وعن الكنز والإيضاح أنها مجمع المارن والأنف ، وفي كشف اللثام « ومراد الصدوق بمجمعه إما رأسه فيوافق كتب اللغة ، أو الحاجز فإنه موصل كما أنه مفصل ».

وقد تكلف بعض الناس (٣) للجمع بين كلام أهل اللغة وبين ما سمعته من الأصحاب بما لا يرجع إلى حاصل ، بل ولا يرضى به الأصحاب الذين اعترفوا بأن ما ذكروه غير ما عند أهل اللغة كما هو ظاهر المصنف وغيره.

ومن هنا يشكل الحكم بأن في قطعها بالمعنى المزبور النصف فإن خبر ظريف ليس فيه إلا النصف فيها من دون تفسير لها ، فيتجه حينئذ بناء على العمل به ثبوت النصف بقطع الأرنبة كما عن الغنية والإصباح وأبي علي المفسرة بها في أكثر كتب أهل اللغة ، وفي بعضها بطرفيها ، إلا أن الأول أشهر وأوفق بالأصل ، بل قيل إنه قد يظهر من الغنية الإجماع فتأمل جيدا ، فإنه يمكن أن يقال بحصول الظن بما ذكره الأصحاب دون أهل اللغة مع إمكان كون المراد منها هنا ذلك وإن كان معناها لغة الأرنبة أو طرفها كما هو مقتضى اعترافهم بأنها لغة‌

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣١٩ ـ الفقه المنسوب الى الرضا عليه‌السلام ص ٤٢.

(٢) قال في الفقيه ج ٤ ص ٨١ : « قال مصنف هذا الكتاب رحمه‌الله : الروثة من الأنف مجتمع مارنه ».

(٣) راجع مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٨٩ ـ ٣٩٠.

١٩٦

كذلك مع تفسيرهم لها بما عرفت ، وبذلك يظهر قوة للقول المشهور والاحتياط لا ينبغي تركه.

وقيل ـ وإن قال في كشف اللثام لم نعرف القائل ـ بل هو كذلك قبل (١) الشهيد في اللمعة : إن في الروثة بالمعنى المزبور الثلث ، وتبعه بعض من تأخر عنه ولعله بعد أصل البراءة من الزائد ، لقاعدة تقسيط الدية على أجزاء العضو الذي ثبت فيه الدية بالنسبة ، لأن المارن الذي قد عرفت وجوبها بقطعه مشتمل عليها وعلى المنخرين ، بل في الرياض « يمكن أن يكون القائل به ابن إدريس فإنه قال بعد حكمه بأن في الأنف الدية ، وفي مارنه الدية ، ما لفظه : « وما نقص منه بحساب ذلك » وهو ظاهر في رجوعه إلى القاعدة » وإن كان قد يناقش بأن مقتضى ذلك ثبوت الثلث في أحد المنخرين مع إن المحكي عن ابن إدريس وغيره النصف كما ستسمع ، بل مقتضى ذلك ثبوت الربع بناء على أنه أربعة : المنخران والحاجز والروثة ، كما ستسمعه من جماعة ، بل ويمنعه القاعدة المزبورة ضرورة أعمية ثبوت الدية في المارن من ذلك كما هو واضح.

( وفي أحد المنخرين نصف الدية لأنه إذهاب نصف ) الجمال و ( المنفعة وهو اختياره في المبسوط ) معللا له بما عرفت كالمحكي عن السرائر ، بل قال فيه « هو مذهبنا » مشعرا بالإجماع عليه وتبعه ابن إدريس والمصنف في النافع والفاضل في بعض كتبه وقد أيد بأنهما اثنان فيعمهما ما مر من الحكم العام فيما كان اثنين وإن كان قد يناقش بمنع شموله لمثل ذلك وإلا لاقتضى قطعهما من دون قطع الحاجز وغيره من الأنف تمام الدية ، كما أنه يقتضي ثبوتها أيضا بقطع إحداهما مع الحاجز بناء على ما سمعته من أنه الروثة ، وهو مناف لثبوتها بقطعه أجمع.

وقيل كما عن الكيدري والتقي وابن زهرة فيه ربع الدية ، بل ربما استظهر من الأخير الإجماع عليه ، ولعله ـ كما عن الشهيد ـ لأن المارن الذي فيه الدية‌

__________________

(١) كان في الأصل « قيل » مكان « قبل » وصححناه بعد مراجعة مفتاح الكرامة فراجع ج ١٠ ص ٣٩٠.

١٩٧

أربعة أجزاء المنخران والحاجز والروثة فتقسط الدية عليها ، مضافا إلى أصالة البراءة من الزائد ، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه ولذا كان المشهور كما اعترف به غير واحد على أن فيه الثلث.

وفي رواية غياث (١) المنجبرة بالشهرة المزبورة عن أبي جعفر عليه‌السلام عن أبيه عن علي عليه‌السلام « أنه قضى في كل جانب من الأنف ( ثلث الدية » ) ‌( وكذا ) ثلث الدية‌ في رواية عبد الرحمن (٢) العزرمي عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام « أنه جعل في خشاش الأنف ثلث الدية » ‌والخشاش ـ بكسر الخاء المعجمة ـ عويد يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع (٣) ولانقياده ، كشف اللثام « الحشاش ـ بإهمال الحاء وفتحها أو كسرها ـ الجانب » ، وعلى كل حال فهي ظاهرة في المطلوب ( و ) لكن ( في ) كل من ( الروايت ) ين ( ضعف غير أن العمل بمضمونها أشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي منها العمل بمثلها بعد انجبارهما بالشهرة المزبورة واعتضادهما بالأصل.

ولكن في القواعد « فتقسط الدية على الحاجزة والمنخرين أثلاثا » وفيه أنه مناف لما ذكرناه سابقا من النصف في الحاجز ، ولا يرد مثله على المصنف وإن كان مقتضى ما ذكره لزوم دية وسدس في الثلاثة لكن لا بأس بالتزام ذلك مع تعدد الجناية أو الجاني.

نعم لو قطع المارن دفعة لم يكن فيه إلا الدية فتأمل جيدا ، والله العالم.

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ ص ٢٦١ ـ الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ١٢٧.

(٣) في مفتاح الكرامة هكذا : « ليكون أسرع لانقياده » بدون الواو.

١٩٨

ولو قطع مع المارن لحما تحته متصلا بالشفتين فعليه الدية مع زيادة حكومة للحم إذ لا مقدر له.

ولو قطع أحد المنخرين والحاجز فثلثا الدية بناء على التوزيع أثلاثا. ولو قطع أحدهما مع نصف حاجز أو بالعكس فنصف الدية بناء عليه أيضا.

وفي كشف اللثام « وعلى القول بأن في الحاجز نصف الدية كان في كل من المنخرين ربعها ، وعلى القول بأن في كل من المنخرين نصف الدية كان الحاجز.

حكومة ، وعلى قول الحلبيين والكيدري كان في كل منهما ومن الحاجز والروثة ربع الدية ، وقطع أحد المنخرين مع تمام الحاجز يوجب قطع الروثة ».

وفيه أن مبنى ذلك عدم لزوم أزيد من الدية ، وفيه منع ، لما عرفت من إمكان التزام ذلك في التفصيل بتعدد الجناية أو الجاني أو نحو ذلك ، وإن لم يكن في قطع الجملة دفعة إلا الدية.

وفي قطع بعض المنخر جزء من الثلث أو الربع أو النصف بنسبة المقطوع إلى الجميع ، وكذا في قطع بعض الحاجز وإن لم نقل إن فيه حكومة.

ولو ضربه فعوجه أو تغير لونه فالحكومة صلح بعد ذلك أولا إلا أن الحكومة في الأخير أكثر.

فإن قطعه بعد الاعوجاج أو تغير اللون آخر أو الأول فالدية كاملة ، إذ لا تنقص بنقصانه شكلا أو لونا كما لو كان كذلك خلقة.

ولو شق ما بين المنخرين ففيه حكومة كما عن المبسوط والسرائر ، بقي منفرجا أو التأم ، إلا إن الحكومة في الأول أكثر ، وعن الوسيلة أن في شقه خمسين دينارا فإن بقي منفرجا ففيه زيادة حكومة ، ولم نقف له على ما يدل عليه.

ولو قطعه إلا جلده وبقي معلقا بها فإن احتيج إلى الإبانة بأن لم يمكن‌

١٩٩

الرد والالزاق فعليه الدية كاملة ، لأنه قطع الأنف بعضه بالمباشرة وبعضه بالتسبيب أو كله به ، ولو أبانه فرده هو أو المجني عليه فالتحم ، احتمل الحكومة ، لأنه بمنزلة عدم الإبانة لبقائه الآن كما كان ، واحتمل الدية كما عن المبسوط والتحرير لصدق الإبانة ، والالتحام ثانيا نعمة متجددة ، قيل : ولإنه يجبر على الإبانة لأنه نجس لا تصح الصلاة معه ولو لم يبنه فرده فالتحم فالحكومة قطعا لأنه يبنه ولا أضطره إلى الإبانة للالتحام والطهارة. والله العالم.

( الرابع الأذنان )

(وفيهما الدية وفي كل واحدة نصف الدية ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا نصا وفتوى ، عموما كالضابط المزبور المحكي عليه الاتفاق و‌المروي عن الصادق عليه‌السلام (١) « قال : كل ما كان في الإنسان اثنين ففيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية وما كان واحدا ففيه الدية » ، وخصوصا كصحيح الحلبي أو حسنته (٢) وحسنة العلاء بن الفضيل (٣) وصحيحة عبد الله بن سنان (٤) وخبري سماعة (٥) وخبر مسمع (٦) ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل والمحكي منه مستفيض.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ١٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٨.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٧ و ٩ و ١٠.

(٦) قال في كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢٠ : « وفي بعضها ( أي الأذنان ) بحساب ديتها كما‌ قال الصادق ٧ في خبر مسمع : « وما قطع منها فبحساب ذلك ».

أقول : لم أجده في كتاب الديات من الوسائل.

٢٠٠