جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وفي‌ خبر السكوني (١) الذي رواه المحمدون الثلاثة عن الصادق عليه‌السلام « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أخرج ميزابا أو كنيفا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة أو حفر بئرا في طريق المسلمين فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن ».

وفي‌ موثق سماعة (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يحفر البئر في داره أو ملكه فقال ما كان حفره في داره أو ملكه فليس عليه ضمان ، وما حفر في الطريق أو في غير ملكه فهو ضامن لما يسقط فيها » ‌بل قيل : « إنه قد روى هذا المتن بأدنى تفاوت في الكتب الثلاثة مضمرا بعدة طرق » (٣).

وفي‌ خبر زرارة (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له : رجل حفر بئرا في غير ملكه فمر عليها رجل فوقع فيها قال : عليه الضمان لأن من حفر بئرا في غير ملكه كان عليه الضمان » وخبره الآخر (٥) عنه أيضا « لو أن رجلا حفرا بئرا في داره ثم دخل رجل فوقع فيها لم يكن عليه شي‌ء ولكن ليغطها ».

وموثق أبي بصير (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن غلام دخل دار قوم يلعب (٧) فوقع في بئر هم هل يضمنون؟ قال : ليس يضمنون وإن كانوا متهمين ضمنوا ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول ، وفيه « شيئا » مكان « بئرا » وهو غلط ظاهرا راجع الكافي ج ٧ ص ٣٥٠ والفقيه ج ٤ ص ١٥٤ والتهذيب ج ١٠ ص ٢٣٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٣ مع اختلاف في بعض ألفاظه.

(٣) قال في مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٢٩١ : « وقد روى هذا المتن إلخ ».

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الرابع.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

(٧) كان في الأصل « فتعثر » مكان « يلعب ».

١٠١

ولعل المراد أن الضمان في الأخير ضمان القسامة لا مطلقا.

كل ذلك مضافا إلى النصوص السابقة.

بل ربما كان مقتضى إطلاق الضمان بالحفر عدوانا في ملك الغير نصا وفتوى عدم الفرق بين كون البئر مغطاة أو مكشوفة ، وبين تردى المالك أو غيره حتى الداخل فيها بغير إذن منه ، خلافا لما عن الفاضل في القواعد ، فإنه صرح بعدم الضمان لو كانت مكشوفة وقد دخل بغير إذن المالك ، وربما احتمل تنزيل إطلاق النص والفتوى عليه. ولكن فيه منع واضح ضرورة عدم داع إليه وتعديه بالدخول لا يسقط احترامه بالنسبة إلى غير من تعدى إليه وإلا لم يكن فرق بين المكشوفة والمستورة بعد فرض عدم تفريطه بالحفظ على وجه يكون أقوى من الحافر تأثيرا فالمتجه حينئذ الضمان مطلقا إلا مع قوة غيره عليه في التأثير ، نعم لو كان ذلك بإذن المالك لم يكن عليه ضمان بلا خلاف ولا إشكال للأصل وغيره إذ هو كما لو حفرها المالك بل لا يبعد إلحاق الإمام بالمالك في ذلك ، بل هو أقوى من المالك في ولايته ( و ) حينئذ فلا ضمان مع إذنه بل صرح المصنف والفاضل وغيرهما هنا بأنه ( لو حفر ) بئرا ( في ملك غيره ) عدوانا ( فرضي المالك سقط الضمان عن الحافر ) كما عن المبسوط لأن الإبقاء كالإحداث ، لكن قد تقدم في كتاب الغصب الإشكال في ذلك كما في التحرير حتى لو صرح بالإبراء فضلا عما لو اقتصر على مجرد الرضا ببقاء الحفر للأصل وغيره فلاحظ وتأمل.

( ولو حفر في الطريق المسلوك لمصلحة المسلمين قيل ) والقائل الشيخ في محكي المبسوط والنهاية والفاضل وثاني الشهيدين وغيره ( لا يضمن لأن الحفر لذلك سائغ ) فلا يستعقب ضمانا ولقاعدة الإحسان ( وهو حسن ) مع إذن الإمام الذي قد عرفت أنه أقوى في ولايته من المالك في ملكه أما مع عدمه فالمتجه الضمان عملا بإطلاق النص وفتوى غير من عرفت ، وكونه سائغا أو محسنا لا ينافي الضمان ، ولعله لذا جزم الفخر به ، قال : « لأن فعل ما فيه‌

١٠٢

مصلحة إنما يجوز إذا لم يتضمن مفسدة والحفر يعرض المسلمين للتردي فكان الحاصل أنه لا بد من خلو ما أساغه الشارع عن جميع المفاسد ووجوه القبح فيكون سائغا بشرط عدم الوقوع لسبق استحقاق الاستطراق ، فالوقوع كاشف عن اشتماله على وجه قبح فيكون مضمونا » (١) وإن كان لا يخلو بعض ما ذكره من نظر.

والعمدة إطلاق الأدلة إلا مع إذن الإمام ، بل لا يبعد سقوط الضمان معها لو حفر لغرض نفسه بل أو عبثا وفرض حصول الإذن له في ذلك لما أشرنا إليه غير مرة من كونه كإذن المالك أو أقوى ، والله العالم.

ولو كان الحفر في ملك مشترك ففي القواعد احتمل الضمان ونصفه إن كان الشريك واحدا والثلثين إن كان اثنين وهكذا ، والنصف مطلقا ، ولكن لا يخفى عليك أن المتجه الأول كما عن الفخر والكركي ، بل والفاضل في التحرير ، ضرورة كونه متعديا بالحفر كله بعد الإشاعة واحتمال ـ عدم تعديه مطلقا بل بالنسبة إلى حصة شريكه فيضمن ما قابل المتعدي فيه أو أن المتردي تلف بالحفر وبعضه غير متعد فيه فيكون قد تلف بسببين ، أحدهما مباح والآخر محرم فيكون عليه النصف إذ لا عبرة بتعدد أحد السببين وكثرته ـ كما ترى ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( لو بنى مسجدا في الطريق قيل ) والقائل الشيخ في محكي المبسوط : ( إن كان ) واسعا و ( بإذن الإمام عليه‌السلام لم يضمن ما يتلف بسببه ) وكذا إن لم يأذن وبناه للمصلحة العامة ، وإن بناه لنفسه ضمن وفي المتن ( والأقرب استبعاد الفرض ).

__________________

(١) إيضاح الفوائد في شرح القواعد ج ٤ ص ٦٦٢ ولم ينقل المصنف عين عبارته فراجع.

١٠٣

وفي كشف اللثام « هو يعطى الضمان مطلقا لكن يحتمل أن لا يصد الزائد على ما يحتاج إليه المارة أو السبع أذرع من الطريق ».

وفيه أن الظاهر عكس ذلك ضرورة ظهوره في عدم الضمان مع الإذن مطلقا إلا أن الفرض مستبعد باعتبار عدم تصور الإذن من الإمام في بناء المسجد بالطريق على وجه يضر بالمارة لضيقه أو لغير ذلك ضرورة تعلق حق المسلمين كافة به بإحيائه طريقا (١) بل لعله كذلك حتى لو زاد على السبع أذرع ولم يضر بالمارة باعتبار سبق الإحياء طريقا فلا يصح جعله مسجدا وإن كان قد يقال : « إن ولاية الإمام قوية وعامة فله جعله مسجدا وإن تعلق به حق المارة » وحينئذ فالمتجه عدم الضمان لعدم العدوان ولا أصل بعد عدم شمول دليل الضمان للفرض المزبور.

ولكن في قواعد الفاضل « ولو بنى مسجدا في الطريق ضمن ما يتلف بسببه ».

وفي كشف اللثام في شرحها « ولو بنى مسجدا لنفسه أو لمصلحة المسلمين في الطريق الضيق أو الواسع في موضع يضر بالمارة ضمن ما يتلف بسببه وإن بناه فيما زاد على الواجب في الطريق وهو سبع أذرع أو ما تفتقر إليه المارة لنفسه أو بناه للمصلحة العامة فيما لا يضر بالمارة كالزاوية فلا ضمان أذن الإمام فيه أولا ما لم يمنع » (٢).

وكأنه أخذه مما في محكي التحرير قال : « وكذا أى يضمن لو بنى في الطريق الواسع وإن كان مسجدا ثم قال : أما لو كان البناء فيما زاد على القدر الواجب من الطريق وهو سبع أذرع فلا ضمان ، وكذا لو بنى المسجد للمسلمين في‌

__________________

(١) في بعض النسخ هكذا : « باعتبار كونه حينئذ تعلق به حق المسلمين كافة بإحيائه طريقا » مكان « ضرورة ... ».

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٠٧.

١٠٤

طريق واسع وموضع لا يضر كالزاوية فلا ضمان » (١).

قيل : ونحوه ما في الحواشي والروضة ، لكن قال في الأخير : « هو حسن مع عدم الحاجة إليه بحسب العادة في تلك الطريق وإلا فالمنع أحسن ».

وفي المسالك « حكم البناء في الطريق حكم الحفر في الضمان مطلقا لكن لو كان المبنى مسجدا بحيث لا يتضرر به المارة لكون الطريق واسعا بزيادة عما يحتاج إليه المارة أو عن المقدر شرعا فعثر به إنسان أو بهيمة أو سقط جداره عليه أو على مال فأهلكه ففي ضمانه وجهان من الشك في كون ذلك عدوانا وكون الفعل على تقدير جوازه مشروطا بالضمان وقيل إن كان بناؤه بإذن الإمام لم يضمن ما يتلف بسببه وإلا ضمن ، والمصنف استبعد الفرض وهو كون الإمام يأذن في بناء المسجد في الطريق ، وهذا الاستبعاد في محله إن فرض في موضع يضر بالمارة ، أما في المتسع كما ذكرناه فلا بعد فيه وقد جوز جماعة منهم الشهيد في الدروس إحياء الزائد عن المقدر شرعا فجعله مسجدا لمصلحة المسلمين عامة أولا (٢) فإن اتفق إذن الإمام له في ذلك لم يضمن كما قيل ، وإلا فالضمان أقوى إن لم نجوز إحياء الزائد (٣).

إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا تخلو من تشويش في الجملة ، ضرورة كون المدار في البحث على صحة إحياء الزائد على النصاب الشرعي أو على ما يحتاج إليه المارة ، وقد عرفت التحقيق فيه في كتاب إحياء الموات ، وأنه لا يجوز ، أو على جواز (٤) إذن الإمام في ذلك في الطريق ، والحق أن له النظر في أمور المسلمين ، وتظهر الثمرة في نائب الغيبة ، وحينئذ يتجه عدم الضمان مع إذنه دون عدم الإذن كما أن المتجه عدمه أيضا بناء على جواز إحياء الزائد في غير‌

__________________

(١) التحرير ج ٢ ص ٢٦٤.

(٢) أولى ( ن ل ).

(٣) المسالك ج ٢ ص ٤٩٤ ـ ٤٩٥.

(٤) في الأصل : « وعلى جواز ... ».

١٠٥

الاستطراق ضرورة كونه كغيره من أملاكه ، ومما ذكرنا يظهر لك عدم الفرق بين المسجد وغيره.

المسألة ( الثالثة : )

( لو سلم ولده ) مثلا ( لمعلم السباحة فغرق بالتفريط ضمنه في ماله لأنه تلف بسببه ) وكذا لو علمه الولي بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك ، ضرورة كونه كتلف الصبي بتأديب من له تأديبه في الضمان من ماله لأنه حينئذ من شبه العمد مضافا إلى فحوى ما ورد من ضمان الطبيب وإن كان حاذقا ومن ضمان الصانع وإن اجتهد وكان حاذقا (١) بل ربما ظهر من إطلاق عبارتي الإرشاد واللمعة ضمانه مطلقا ، بل عن حواشي الشهيد أن المنقول الضمان سواء فرط أو لم يفرط ، ولعله لأنه بتلفه ينكشف تفريطه بناء على عدم غرقه بدونه ، وأولى من ذلك الضمان بدون إذن الولي لأنه حينئذ تفريط ، هذا.

وفي القواعد « ويضمن معلم السباحة الصغير إذا غرق وإن كان وليه أو من أذن له وليه على إشكال ، لأنه إنما يتلف بتفريطه في حفظه وغفلته عنه » وكأنه مبني على ما ذكرنا ، وحينئذ يكون وجه الإشكال إمكان تلفه بدون تفريطه ، ويمكن أن يكون الإشكال في أصل الضمان باعتبار مسيس الحاجة إليه ، والأصل البراءة بعد مشروعية تعليمها فلا يستعقب ضمانا ، لكنه كما ترى مع فرض التفريط.

ومن هنا قال في كشف اللثام : « إلا إذا علم التفريط » فجعل الإشكال حينئذ في الحكم بضمانه مطلقا.

والتحقيق الضمان مطلقا وإن لم يكن بتفريط أى تقصير ولكنه تلف بتعليمه‌

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام الإجارة والباب ـ ٢٤ ـ من أبواب موجبات الضمان.

١٠٦

ولو للخطاء في طريق التعليم كالطبيب والبيطار والمؤدب والصانع ونحوهم إلا أن ذلك يقتضي ضمانه ( ولو كان بالغا رشيدا ) عاقلا ، لكن في المتن والقواعد وغيرهما ( لم يضمن لأن التفريط منه ) باعتبار كونه عاقلا وهو في يد نفسه والفرض أنه أقدم على التعليم الذي قد يتعقبه ذلك ، بل ظاهرهم ما هو صريح بعضهم من عدم الضمان حتى إذا فرط المعلم. نعم في كشف اللثام ومحكي التحرير ومجمع البرهان تقييد ذلك بعدم التفريط وإلا كان كالطبيب إذا فرط ، ومنه علم اعتبار التفريط بمعنى التقصير في ضمان الطبيب ، فالمتجه مع فرض مساواته له ولغيره ممن عرفت الضمان مع التلف بتعليمه مطلقا وإن لم يفرط ، وإقدامه كإقدام المريض والولي مثلا الذي لا يسقط الضمان. نعم لو أخذ البراءة سابقا أمكن فيه ذلك على البحث السابق في الطبيب ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة : )

( لو رمى عشرة ) مثلا ( بالمنجنيق فقتل أحدهم ) مثلا بمعاودة ( الحجر يسقط نصيبه من الدية لمشاركته ) في قتل نفسه ( وضمن الباقون ) أي عاقلتهم ( تسعة أعشار الدية ) ضرورة كونه من الخطأ المحض الذي لم يقصد به الفعل بالنسبة إلى المقتول ولا قتله ، وإن كانوا ثلاثة فعلى عاقلة كل ثلث دية كل من الباقين والثلث هدر ، وإن كانوا أربعة فربعها وهكذا. نعم إن كانا اثنين فعلي عاقلة كل منهما نصف دية الباقي والنصف هدر ، هذا.

ولكن في القواعد « ولو عاد الحجر عليهم فقتل واحدا منهم فهو شريك في قتل نفسه فإن كانوا ثلاثة فعلي عاقلة كل واحد ثلث الدية ويسقط ما قابل فعله ولو هلكوا جمع فعلي عاقلة كل واحد منهم نصف دية الباقين » ولعل المراد أن على عاقلة كل منهم نصف المضمون للباقين من الدية تنزيلا للهدر منزلة‌

١٠٧

العدم ، والأصل في ذلك ما في محكي المبسوط قال : « إذا كانوا عشرة فرموا بالمنجنيق فقتل واحدا منهم فقد مات بجنايته على نفسه وجناية التسعة عليه فما قابل جنايته على نفسه هدر وما قابل جناية التسعة مضمون ، فعلى عاقلة كل واحد من التسعة عشر ديته فيكون لوارثه تسعة أعشار الدية ، ولو قتل الحجر اثنين منهم فعلى عاقلة كل واحد من الباقين عشر دية كل واحد من الميتين (١) عشر دية صاحبه لأن الممات من جنايته على نفسه وجناية التسعة عليه والميت أحد التسعة وعلى عاقلة كل واحد من الباقين عشر دية كل واحد من الميتين فتكون عاقلة كل واحد من الثمانية يعقل خمس الدية ، العشر لوارث هذا الميت والعشر لوارث الميت الآخر ، فيحصل لورثة كل واحد من الميتين تسعة أعشار الدية ، وهكذا على هذا الحساب لو قتل الحجر ثلاثة أو أربعة أو تسعة ، فأما إن رجع الحجر إلى العشرة فقتلهم أجمعين فعلي عاقلة كل واحد منهم تسعة أعشار الدية ، لورثة كل ميت العشر لأن كل واحد منهم مات من جنايته على نفسه وجناية التسعة عليه فما قابل جنايته هدر وما قابل جناية التسعة عليه مضمون ، فيكون على عاقلة كل واحد من الباقين عشر ديته فيكون لورثة كل واحد تسعة أعشار الدية على تسع عواقل » (٢).

( و ) الأمر واضح كوضوح كونها ( تتعلق ) أي الجناية ( بمن يمد الحبال ) لأنه المباشر دون صاحب المنجنيق و ( دون من أمسك الخشب ) ودون واضع الحجر ( أو ) غيرهم ممن ( ساعد بغير المد ) والجذب إذ هم شرائط ، نحو من وضع السهم في القوس فنزعه آخر ( ولو قصدوا ) أي الجاذبون أن يقتلوا ( أجنبيا بالرمي ) عمدا أو رميه القاتل غالبا ( كان عمدا موجبا

__________________

(١) سقطت من العبارة هذه الجملة : « فيكون على عاقلة كل واحد من الميتين » راجع مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٤١.

(٢) المبسوط ج ٧ ص ١٦٦ ومفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٤١ نقلا عن المبسوط وعبارة الكتاب موافق لما في مفتاح الكرامة لا المبسوط المطبوع حديثا فراجع.

١٠٨

للقصاص ) من الجميع خلافا لأبي حنيفة فخطاء محض ، والشافعي فعمد الخطاء ، بناء على أنه لا يمكن قصد رجل بعينه بالقتل به غالبا بل يتفق وقوعه عليه.

وفيه أنه يكفى في موجب القصاص قصد قتل واحد من الجماعة لا بعينه لصدق عنوانه عليه ، على أن الحكم المزبور مبني على فرضه وإن كنا لم نعرف في هذا الزمان كيفية المنجنيق على التفصيل كما اعترف به الأردبيلي ، وأظنه يقرب من الذي يسمى في زماننا بدولاب الهواء ، يستعملونه في الأعياد للأطفال ونحوهم ( و ) حينئذ فـ ( ـلو لم يقصدوه ) على الوجه الذي ذكرناه بل قصدوا شيئا آخر ( كان خطاء ) محضا نحو غيره وإن قصدوا رميه خاصة الذي لا يقتل غالبا كان من عمد الخطاء ، هذا ( و ) لكن ( في النهاية ) على ما حضرني من نسخ المتن ( لو اشترك في هدم الحائط ثلاثة فوقع على أحدهم ضمن الآخران ديته لأن كل واحد ضامن لصاحبه ) ولعله لخبر أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام « قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في حائط اشترك في هدمه ثلاثة نفر فوقع على أحدهم فمات ، فضمن الباقين ديته لأن كل واحد ضامن لصاحبه » ‌( و ) لكن ( في الرواية بعد ) باعتبار مخالفتها للأصول ، بل لم نجد عاملا بها. نعم في النهاية (٢) التعبير بلفظ روى أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام ، كالصدوق في محكي الفقيه والمقنع (٣) وإن قال في الأخير عقيبها : « ليس في ذلك إلا التسليم » ، ولا يجدى قوة سندها في الفقيه باعتبار روايته لها في الصحيح إلى ابن أبي عمير عن علي بن حمزة البطائني المحكي ، عن العدة « الإجماع على العمل بروايته » (٤)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

(٢) النهاية كتاب الديات باب ضمان النفوس وغيرها. السطر الأخر.

(٣) الفقيه ج ٤ ص ١٥٩ والمختلف للعلامة الجزء الخامس ص ٢٤٦ نقلا عن المقنع. ولم نجده في المقنع المطبوع قديما وحديثا فراجع.

(٤) عدة الأصول ج ١ ص ٥٦.

١٠٩

إذ هي على كل حال شاذة ( فالأشبه ) بأصول المذهب وقواعده ( الأول ) أي ضمان ثلثي الدية وهدر الثلث كغيره من أفراد الاشتراك ، كما صرح به المتأخرون من غير خلاف فيه ، بل هو المستفاد مما سمعته من الشيخ في مسألة المنجنيق ، بل هو المحكي عن أبي علي أيضا ، بل يمكن حمل الرواية عليه أيضا ، إذ لا صراحة فيها ، على أن عليهما كمال الدية ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة : )

( لو اصطدمت سفينتان ) فهلك ما فيهما من النفس والمال الشامل للنفس التي تكون منه كالحيوان المملوك بل والإنسان كذلك ، فإن كان ذلك بتعمد المالكين الكاملين للاصطدام وكان مما يتلف غالبا أو قصد الإتلاف به فهو كاصطدام الراكبين كذلك ضرورة كون السفينة كالدابة والملاح كالراكب فلا ريب في ترتب القصاص على فعلهما لورثة كل قبيل وعلى كل واحد منهما نصف قيمة سفينة صاحبه ونصف ما فيها من المال ونصف دية صاحبه لو تلفا ، لاستناد التلف إلى فعلهما معا فيسقط ما قابل جنايته وهو النصف دون النصف الآخر ، وإن لم يكن ذلك بتعمدهما ولكن ( بتفريط ) هما أي ( القيمين و ) الفرض أن ( هما مالكان ) كاملان إلا أنهما فرطا ، بأن كان يمكنهما الصرف عن السمت وهو الحبس ، ولم يفعلا ، أو أجرياهما مع هبوب الرياح ، أو طغيان الماء ، أو نحو ذلك مما يعد تفريطا ، أو قصد التصادم خاصة ، ولم يكن مما يؤدي إلى التلف غالبا ، أو علما أدائه إلى التلف بعد الإرسال وتعذر عليهما الضبط لخلل في الآلات وقلة في الرجال ونحو ذلك ، فالحكم كما تقدم إلا في القصاص ، وحينئذ ( فلكل منهما على صاحبه نصف قيمة ما أتلف صاحبه ) من المال سفينة أو غيرها ، كما أن على كل منهما نصف الدية لو تلفا أو أتلفا نفسا إذ هو من شبيه العمد ، أو هو من باب الأسباب الموجبة للدية.

١١٠

( وكذا لو اصطدم الحمالان فأتلفا ) ما حملاه ( أو أتلف أحدهما ) فعلي كل منهما نصف قيمة ما أتلف من صاحبه ، ولو صدم أحدهما الآخر فتلف ما حملاه ضمن الجميع ، ومع تلفهما عمدا أو أحدهما فالقصاص بعد رد نصف الدية أو ضمان نصف الدية إذا كان من شبيه العمد على حسب ما عرفته سابقا كما هو واضح.

( ولو كانا ) أي القيمان ( غير مالكين ) للسفينتين ولا لما فيهما بل الغاصبين أو آجرين لمالكهما ( ضمن كل منهما نصف السفينتين وما فيهما لأن التلف منهما ) والمالك بالخيار بين أن يأخذ جميع قيمة سفينته من أمينه ثم هو يرجع بنصفها على أمين الآخر ، وبين أن يأخذ نصفها منه والنصف الآخر من أمين الآخر ، ( و ) على كل حال فـ ( ـالضمان في أموالهما سواء كان التالف مالا أو نفوسا ) إن كان شبه عمد وإلا كان القصاص عليهما مع العمد على الوجه الذي عرفت إذ لا فرق في ذلك بين المالكين وغيرهما بعد فرض كونهما كاملين.

نعم لو كانا صغيرين أو مجنونين وفي كشف اللثام « إن أجريا السفينة بأنفسهما لم يكن عليهما ضمان المال وعلى عاقلتهما ضمان النفوس وكذا إن أركبهما الولي لمصلحتهما وإن أركبهما الأجنبي ووكل إليهما السفينتين فالضمان عليه وعلى عاقلته كما مر » (١).

ولا يخلو إطلاقه من نظر ضرورة ضمانهما المال بإتلافهما حينئذ مال الغير من دون تسليط منه لهما عليه على وجه يكون هو أقوى في التلف من مباشرتهما كما تقدم نظيره فيمن أودع الطفل والمجنون ماله أو أعارهما إياه فأتلفاه ، على أن ذلك يقتضي عدم ضمانه لو أتلفه أحدهما ، أما إذا أتلفه غيرهما في يدهما ضمنه لصاحبه وإن كان المتلف طفلا أو مجنونا لم يعطه المالك إذ هو حينئذ كمن أتلف ابتداء ، وبذلك بل وبغيره يظهر لك النظر في إطلاقه المزبور ، والله العالم.

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣١٢.

١١١

( و ) كيف كان فـ ( ـلو لم يفرطا ) أي القيمان مثلا ( بأن غلبتهما الرياح فلا ضمان ) بلا خلاف أجده بين من تعرض له منا هنا ، للأصل بعد أن لم يكن فعل منهما ، فهما كما لو غلبتهما دابتاهما ، بل هو أقوى ، لأن ضبط الدابة أسهل من إمساك السفينة في البحر إذا هاج ، فهو مثل من ألقاه الريح على آخر ونحوه ممن لم يكن فعل منه ولا تسبيب ، الذي صرحوا فيه بعدم الضمان.

نعم عن الشافعي قولان هنا ، وفي كشف اللثام « ويحتمل ضمان عاقلتهما ما تلف من الأنفس لأنهما سببان لتلفها كما احتمل في راكبي دابتين » قيل : وربما يؤيده ما عن جماعة « من أنه إذا وقع شخص في البئر أو نزل إليها ثم وقع آخر فوقه بزلق أن على الزالق الضمان أو على عاقلته » وعن الشهيد الفرق ، بأن المباشرة في الزالق حاصلة بخلاف ما هنا إذا التقدير استناده إلى الريح ، قال : « وقضيته أنه لو أسقطت الريح شخصا أمكن مساواته للزالق في الضمان » ولكن لا يخفى عليك ما فيه ، والتحقيق عدم الضمان مع عدم فعل منه ولا تسبيب ولا شرطية استفيد من الأدلة الضمان بها ، للأصل وغيره ، والله العالم.

ولو اختلف حالهما بأن كان أحدهما عامدا أو مفرطا بخلاف الآخر لم يتغير حكم كل واحد منهما باختلاف صاحبه ، بل لكل منهما حكمه ، ( ولا يضمن صاحب السفينة الواقفة ) والسائرة شيئا من السفينتين وما فيهما ( إذا وقعت عليها أخرى ) مع عدم تفريط منه بلا خلاف ولا إشكال ، للأصل وغيره ، إلا مع اختصاصه بالتفريط ، بأن اتفق هيجان البحر فلم يتمكن صاحب الواقفة ضبطها وعلم صاحب الأخرى وأمكنه دفعها والصرف عن جهتها ولم يفعل ، كما لا خلاف ( و ) لا إشكال في أنه ( يضمن صاحب الواقفة لو فرط ) وإن فرط صاحب الأخرى أيضا ، والله العالم.

١١٢

المسألة ( السادسة : )

( لو أصلح سفينة وهي سائرة ) مثلا ( أو أبدل لوحا ) منها ( فغرقت بفعله مثل أن سمر مسمارا فقلع لوحا أو أراد رمم موضع ) أي سد فرجته ( فانهتك فهو ضامن في ماله ما يتلف من مال أو نفس ) بلا خلاف أجده في الثاني ( لأنه شبيه عمد ) باعتبار قصده الفعل دون القتل ، بل والأول مع فرض التفريط ، بل ومع عدمه مع فرض استناد التلف إليه ، وإن قال في المسالك : « هو مبني على ضمان الصانع وإن اجتهد وقد تقدم » وربما فصل بين ما أوجب عليه أو كان لمصلحتهم خاصة فلا ضمان وإلا ضمن ، كان لمصلحة أو بأجرة ونحوها ، وهو كما ترى.

ولو خرقها عمدا في لجة البحر فغرقت فعليه القصاص لما غرق من الأنفس ، لأنه تعمد إتلافها. وإن خرقها خطأ محضا كأن كان في يده فأس أو حجر فسقط فيها فانخرقت فغرق من فيها كانت الدية على العاقلة.

المسألة ( السابعة : )

( لا يضمن صاحب الحائط ما يتلف بوقوعه ) على أحد ( إذا كان ) قد بناه أو مبنيا ( في ملكه أو مكان مباح ) على أساس يثبت مثله عادة فسقط من دون ميل ولا استهدام على خلاف العادة بلا خلاف ولا إشكال للأصل بعد عدم التعدي والتفريط لتسلطه على ماله وعدم ما يستفاد منه الضمان بمثله من النصوص.

( وكذا لو وقع إلى الطريق فمات إنسان بغباره ) لما عرفت من عدم مقتضى الضمان فيه على وجه يقطع الأصل سواء وقع على ملك الغير أو الطريق ، وسواء قتل بسقوطه أو بغباره أو بتطاير شي‌ء منه ، بل في القواعد « لو بناه مائلا إلى ملكه فوقع‌

١١٣

إلى غير ملكه أو إلى ملكه إلا أنه ظفر (١) شي‌ء من الآخر والخشب وآلات البناء إلى الشارع فأصاب إنسانا لم يضمن ، لأنه ممكن من البناء في ملكه كيف شاء ، وما تطاير إلى الشارع لم يكن باختياره » (٢) وهو الموافق لإطلاق المصنف ، ومحكي المبسوط وغيرهما ، لكن قال متصلا بما سمعت : « ولو قيل بالضمان إن عرف حصول التطاير كان موجها » (٣) ولعله لأنه لعلمه صار متعديا كما لو بناه مائلا إلى الشارع ، وعن ولده أنه قواه ، والكركي استجوده ، بل عن ثاني الشهيدين الجزم به ، كما عن أولهما أنه المنقول (٤) ، ( و ) لكن فيه منع واضح.

نعم ( لو بناه مائلا إلى غير ملكه ) ولو الشارع ( ضمن ) بلا خلاف أجده فيه بيننا للتعدي وقاعدة نفي الضرر ولأنه ( كما لو بناه في غير ملكه ) الذي قد عرفت اتفاق النص والفتوى على الضمان به ، ضرورة كون العدوان في الفرض بالميل كالعدوان بالبناء ، وعن أبي حنيفة اعتبار منازعة الجار وإشهاده مع ذلك في الضمان ، ( و ) لا ريب في ضعفه ، بل ( لو بناه في ملكه مستويا فمال إلى الطريق أو إلى غير ملكه ضمن إن تمكن من الإزالة و ) لم يزله أما ( لو وقع قبل التمكن لم يضمن ما يتلف به لعدم التعدي ) بخلاف الأول الذي فيه العدوان بشغل فضاء الغير ، كما لو بناه من أول الأمر كذلك ، من غير فرق بين المطالبة بذلك من الحاكم أو الجائر وعدمها ، خلافا للمحكي عن موضع من المبسوط (٥) فأطلق عدم الضمان لأنه قد بناه في ملكه ومال بغير فعله ، وعن آخر التفصيل بين المطالبة بنقضه والإشهاد عليه فوقع بعد القدرة على نقضه فالضمان ، وإن وقع قبل القدرة فلا ضمان ، ونحوه عن القاضي وهو كما ترى ، وإن علل بأنه حق للغير فمع عدم المطالبة يسقط للأصل ، لكنه واضح الضعف ، ضرورة عدم توقف الحق على المطالبة بعد إطلاق ما يستفاد منه ذلك من النصوص ولو بمعونة الفتوى كالمحكي عن بعض العامة‌

__________________

(١) طفر ، كذا في القواعد المطبوع حديثا.

(٢) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٢٩٧.

(٣) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٢٩٧.

(٤) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٢٩٧.

(٥) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٢٩٧.

١١٤

من عدم الضمان وإن تمكن من الإزالة.

ولو مال بعضه دون بعض ثم سقط جميعه قيل : ضمن ما تلف بما مال دون غيره ، ولو شك فلا ضمان. وفيه بحث مع فرض اقتضاء ميل البعض سقوط الجميع عادة.

ولو كان الحائط لصبي كان الضمان على الولي مع التفريط كما عن التحرير ، بل قيل : وكذا الحاكم بالنسبة إلى جدار الغائب مع العلم بميله وتمكنه لأنه ولي له ، وفيه منع ثبوت ولايته عنه على وجه يقتضي ذلك ، للأصل وغيره.

ولو مال الحائط إلى ملك الغير فأبرأه الغير سقط الضمان كما إذا باعه فإنه حينئذ على المشتري. بخلاف ما إذا وهبه ولم يقبضه فإنه لم يزل الضمان عنه كما عن التحرير التصريح بذلك كله (١).

بقي الكلام فيما في القواعد وبعض ما تأخر عنها من إلحاق بنائها على أساس لا يثبت مثله عليه ببنائه مائلا في الضمان أيضا معللين بالتعدي والتفريط ، وفيه أنه لا تعدي فيه بعد فرض كونه في ملكه مثلا (٢) بل هو كوضع إناء على ملكه فسقط فأتلف الغير ، الذي ستسمع تصريح المصنف وغيره بعدم الضمان فيه للأصل وغيره. اللهم إلا أن يستفاد من فحوى النصوص السابقة (٣) ، وفيه بحث ، ضرورة الفرق بين البناء في ملك الغير والميل إليه المشغل فضائه ، وبين الفرض الذي لم يشغل غير ملكه فلا تعدي فيه ، ولعله لذا أطلق غير واحد عدم الضمان بالبناء في الملك ، ويمكن أن يكون وجهه عدم وجوب إزالة الضرر عن الغير بما يحصل من التصرف في الملك وإنما على الغير دفع الضرر عن نفسه فتأمل جيدا ، والله العالم.

ولعل نحو ذلك لو استهدم الحائط من غير ميل ففي القواعد « هو كالميل » ‌

__________________

(١) التحرير ج ٢ ص ٢٦٥.

(٢) كذا في الأصل ويحتمل كونه « مائلا ».

(٣) راجع الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الضمان وغيره.

١١٥

وفي المسالك « في مطالبته بنقضه وجهان من أنه لم يتجاوز ملكه ، ومن لحوق الضرر به كالميل » وهذا أظهر ، وإلى ذلك يرجع ما عن التحرير « من أنه لو لم يمل الحائط ولكنه تشقق ، فان لم يظن سقوطه لكون الشقوق بالطول لم يجب نقضه وكان حكمه حكم الصحيح ، وإن خيف سقوطه بأن تكون الشقوق بالعرض وجب الضمان كالمائل » (١) نحو المحكي عن ابن أبي ليلى « من أنه إن تشقق بالطول فلا ضمان ، وإن كان بالعرض ففيه الضمان » (٢) إذ مرجع الجميع إلى خوف السقوط ، لكن في محكي المبسوط « إذا كان حائطا بين دارين تشقق وتقطع وخيف عليه الوقوع غير أنه مستو لم يمل إلى دار أحدهما لم يملك أحدهما مطالبة جاره بنقضه ، لأنه ما حصل في ملك واحد منهما في هواء ولا غيره ، فان مال إلى دار أحدهما كان لمن مال إلى داره مطالبة شريكه بنقضه ، لأن الحائط إذا مال إلى هواء الجار فقد حصل في ملكه وله المطالبة بإزالته ، كما لو عبر غصن من شجرته إلى دار جاره فإنه يطالب بإزالته بتعريج أو قطع » (٣) ، ونحوه عن المهذب ، وهو كالصريح في كون المدار على التعدي بشغل فضاء الغير ، وهو موافق لما ذكرنا سابقا ، والله العالم.

__________________

(١) التحرير ج ٢ ص ٢٦٥.

(٢) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٢٩٨.

(٣) المبسوط ج ٧ ص ١٨٧ ومفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٢٩٨ نقلا عن المبسوط وعبارة المبسوط المطبوع مغلوطة فلا تغفل.

١١٦

المسألة ( الثامنة : )

( نصب الميازيب إلى الطرق ) النافذة ( جائز وعليه عمل الناس ) في جميع الأعصار والأمصار ، بل حكي الإجماع عليه جماعة منهم المصنف في النافع ، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه بين المسلمين ، وفي المروي مشهورا إنه كان للعباس ميزاب إلى المسجد وكان رخص له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلعه عمر يوما لما قطر عليه منه فخرج العباس فقال له : أتقلع ميزابا نصبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده؟ فقال عمر : والله لا ينصبه إلا من رقى على ظهري فرقى العباس على ظهره فنصبه في الجدار (١) ، وعن الخلاف « وهذا إجماع فإن أحدا لم ينكره ، قال : ولأن هذه الأجنحة والساباطات والسقائف ـ سقيفة بني ساعدة وسقيفة بني النجار وغير ذلك ـ إلى يومنا هذا لم ينقل أن أحدا اعترض فيها ولا أزيلت باعتراض معترض عليها ثبت إن إقرارها جائز إجماعا » (٢) وفي المروي من طرقنا أنه نصبه أمير المؤمنين عليه‌السلام من دون رضا عمر (٣) ، وعلى كل حال فهو دال على المطلوب ، مضافا إلى الأصل وغيره ، بعد فرض عدم الضرر فيه على المارة ، لكن مع ذلك عن الوسيلة « أنه يجوز للمسلمين المنع منه » وفي النهاية عده مما ليس له إحداثه ، وفي كشف اللثام وتبعه غيره « يمكن تخصيصه بالمضر منه » ، ولا بأس به فإنه لا سيرة لنا به تقتضي جواز نصبه على وجه يكون متهيئا للضرر.

نعم لو كان الطريق مرفوعا لم يجز إلا بإذن الشريك وإلا ضمن وإن لم يكن مضرا ، إلا القدر الداخل في ملكه لأنه سائغ. ( و ) كيف كان فـ ( ـهل

__________________

(١) الخلاف ج ٢ ص ٤٠٧ ، مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٢٩٩.

(٢) الخلاف ج ٢ ص ٤٠٧. وكانت عبارة الأصل مغلوطة فصححناها طبقا للمصدر.

(٣) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٠٠.

١١٧

يضمن ) أي الأول ( لو وقعت وأتلفت ) مثلا ( قال المفيد ) وسلار على ما حكي عنهما ( لا يضمن ) ما أحدثه في الطريق مما أباحه الله تعالى إياه وجعله وغيره من الناس فيه سواء ، لأنه لم يتعد واجبا بذلك ، بل هو صريح الحلي والفاضل في بعض كتبه ، والشهيدين في اللمعة والروضة ، والمقداد والأردبيلي على ما حكي عن بعضهم ، ( وقال الشيخ ) في المبسوط والخلاف ( يضمن لأن نصبها مشروط بالسلامة ) بل في الأخير إجماع الأمة عليه ، بل قد قيل : يظهر ذلك من الغنية أيضا ، بل هو خيرة المهذب والجامع على ما حكي عنهما ، والفاضل في بعض كتبه ، وولده ، بل والوسيلة ، إلا أن فيها « من نصب ميزابا جاز للمسلمين المنع فإن نصب ووقع على شي‌ء ضمن » (١) فيحتمل الضمان مع المنع الذي عرفت اختصاصه بالمضر ، بل والنهاية إلا أن فيها « ومن أحدث في طريق المسلمين حدثا ليس له أو في ملك لغيره بغير إذنه من حفر بئر أو بناء حائط أو نصب خشبة أو إقامة جذع أو إخراج ميزاب أو كنيف وما أشبه ذلك فوقع فيه شي‌ء أو زلق به أو أصابه منه شي‌ء من هلاك أو تلف شي‌ء من الأعضاء أو كسر شي‌ء من الأمتعة كان ضامنا لما يصيبه قليلا كان أو كثيرا ، فإن أحدث في الطريق ماله إحداثه لم يكن عليه شي‌ء » (٢) فعلق الضمان بحرمة الإحداث وعد من المحرمات الميزاب ، فإما أن يريد مطلقة أو المضر منه ( و ) لا ريب في أن ( الأول أشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي منها أصل البراءة بعد الإذن شرعا في النصب فهو كمن بني في دار الغير بإذنه ثم ترتب عليه ضرر ، إذ قد عرفت مكررا أن الإذن الشرعية أقوى من الإذن المالكية بالنسبة إلى ذلك وليس ذا من الإباحة الشرعية الصرفة ، بل هو ذلك ، مع الإذن من الولي العام فيما للمسلمين فيه حق ، كما أنك قد عرفت مكررا عدم الضمان‌

__________________

(١) الوسيلة فصل في بيان من يفعل فعلا يهلك بسببه إنسان أو حيوان أو يتلف بسببه شي‌ء.

(٢) النهاية ص ٧٨٤.

١١٨

بالشرائط إلا ما استفيد من النصوص ، والمتيقن منها إن لم يكن المنساق غير المفروض ، كما سمعته سابقا في الحفر ووضع الحجر ونحوهما.

ولعله إلى هذا يرجع ما وقع من غير واحد من تعليل عدم الضمان بأنه مأذون فيه فلا يستعقب ضمانا فلا وجه لرده بأنه لا منافاة بين الجواز شرعا والضمان كما في الطبيب والمؤدب ونحوهما ، إذ قد عرفت أن المراد اختصاص الضمان بغير المأذون فيه باعتبار الأدلة ، سيما مع إمكان تأييده بما عرفت من عدم الضمان في بناء الحائط في ملكه مستويا ثم وقع على خلاف العادة ، إذ الفرض هنا أن الوضع قد كان على وجه لا يضر بالمارة فاتفق وقوعه ، ومن المعلوم جواز كل ما لا يضر بالمارة في الطريق الباقية على أصل الإباحة بالنسبة إلى ذلك فهو حينئذ كالبناء في مباح أو في ملكه ، ضرورة أن له التملك بالحيازة والإحياء لما لم يحيه المسلمون بالاستطراق.

وإجماع الخلاف إن كان المراد به ما يشمل الفرض ، واضح المنع ، بل يمكن دعواه بالعكس.

وصحيحة أبي الصباح (١) عن الصادق عليه‌السلام « من أضر بشي‌ء من طريق المسلمين فهو له ضامن » ‌كقوله في صحيح الحلبي (٢) : « كل شي‌ء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن » ‌إنما هو في المضر لا في محل البحث المفروض كونه غير مضر ولكن اتفق ترتب الضرر عليه كالبناء المستوي إلى الشارع.

ودعوى الفرق بين الخبرين بإمكان ذلك في الأول دون الثاني المشتمل على صيغة المضارعة الشاملة للحال والمآل واضحة الفساد ، ضرورة إرادة التهيؤ للضرر فعلا منهما كما هو واضح.

وأما‌ خبر السكوني أو قويه أو موثقه (٣) عن الصادق عليه‌السلام « قال‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

١١٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أخرج ميزابا أو كنيفا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة أو حفر بئرا في طريق المسلمين فأصاب شيئا فهو له ضامن ».

فهو وإن قال جماعة إنه نص في الباب ومنجبر إن كان محتاجا إلى الانجبار بما سمعته من إجماع الخلاف ، لكنه ليس كذلك ضرورة احتماله التخصيص بالمضر خصوصا مع ملاحظة قوله : « فأصاب » الظاهر في الضرر به وهو مثبت في الحائط ، لا أنه سقط فأضر ، وخصوصا مع ملاحظة مفهوم الصحيحين (١) ولو بمعونة الاعتضاد بما عرفت من فتوى المشهور القاضي بعدم الضمان في غير المضر ، وقد عرفت أن إجماع الخلاف إنما يتم في المضر لا في غيره الذي هو مظنة العكس ، بل قد سمعت مخالفة نفسه له في النهاية التي جعل مدار الضمان فيها على الجواز وعدمه.

( وكذا ) الكلام ( لو أخرج الرواشن ) والأجنحة والسباطات ونحوها ( في الطريق المسلوكة إذا لم يضر بالمارة ) فإنه لا فرق بين الميزاب وغيره ( و ) لذا قال المصنف في المتن ( لو قتلت خشبة ) مثلا ( بسقوطها قال الشيخ : )

( يضمن نصف الدية لأنه هلك عن مباح ) وهو ما كان منها في ملكه ( ومحظور ) وهو ما كان منها في الهواء من غير فرق بين كثرة الداخل والخارج ، كمن قتل بجرح من شخص وجروح من آخر ، بل قال الشيخ فيما حكي عنه : « لا فرق بين ان يقع الطرف الخارج عليه وبين أن يقع ما كان في ملكه عليه لأن الخشبة إنما تقتل بثقلها وإذا وقع أحد طرفيها عليه ناله ثقل الطرفين » (٢).

نعم لو كان الساقط بأجمعه في الهواء بأن انكسر الميزاب أو الخشبة مثلا فوقع منها ما هو في الهواء فأتلف ، ضمن الجميع لتلفه حينئذ بسبب مضمون. وربما احتمل ضمان الجميع على كل حال لإطلاق النصوص.

ولا بين سقوط ما في الملك بتبعية الخارج بل في المسالك احتمال التوزيع على‌

__________________

(١) أى صحيحة أبي الصباح الكناني وصحيحة الحلبي.

(٢) المبسوط ج ٧ ص ١٨٨.

١٢٠