الشيخ جعفر السبحاني
المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٠
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله في هذا الصدد :
« تزوّجوا فانّي مكاثر بكم الامم غدا في القيامة » (١).
وقال أيضا :
« من أحب أن يلقى الله طاهرا مطهّرا فليلقه بزوجة » (٢).
مشاكل الزواج في العصر الحاضر :
على أن مشاكل الزواج في عصرنا الحاضر لا تنحصر ـ وللاسف ـ في مشكلة واحدة أو مشكلتين.
فالرجال والنساء اليوم يقدمون على الزواج ـ غالبا ـ في ظروف صعبة ، وأوضاع رديئة ، وتنتهي أكثر الزيجات بسبب تلك الظروف والاوضاع وبسبب ، ما يلابسها من مستلزمات قاسية وثقيلة بالطلاق والافتراق بعد سلسلة من الخلافات والمنازعات.
فتلك هي صحف البلاد تحمل في أبوابها الاجتماعية كلّ يوم عشرات الانباء والأخبار عن الجرائم الزوجية وتعالج عشرات المشاكل في مجال العائلة.
ولكن أكثر هذه المشاكل والمصائب تدور حول قضية واحدة ، وهي أن الفتيان والفتيات في مجتمعاتنا الحاضرة ليسوا بصدد تشكيل عائلة تضمن سعادتهم الواقعية.
فالبعض يهمّه من الزواج أن يصل عن طريق إلى المناصب الراقية الحساسة.
والبعض الآخر يهمّه من الزواج الحصول على الثروة والمال.
وقلّما يفكر المقدمون على الزواج ، وتأسيس العائلة في امور هامة وجوهرية كالعفة والطهر ، وإذا لوحظ هذا الجانب فإنما يلاحظ بصورة هامشية ، لا أساسية.
ويدل على ذلك أن الشباب يتنافس غالبا على التزوج بفتيات من العوائل المعروفة ذات المكانة والشهرة الاجتماعية والمالية ، والحال أنه يمكن أن تكون
__________________
(١) و (٢) وسائل الشيعة : ج ١٤ ص ٣ و ٦.
تلك الفتيات غير متصفات بالاخلاق النبيلة ، ولا يكنّ من حيث الجانب المعنوي بالنوع الجيد ، الجدير بالاهتمام ، الصالح للاقتران به.
فما أكثرهن الفتيات الفاضلات ، الطيبات هنا وهناك في زوايا المجتمع اللائي لا يهتم بهن الشباب ، لفقرهنّ ، وقلة ذات ايديهن. او لعدم شهرة عوائلهن.
على أن الأسوأ من ذلك كلّه ما اصبح يكلّفه الزواج في عصرنا الحاضر من نفقات باهضة نتيجة تزايد التقاليد المبتدعة في مجال إقامة الاعراس وحفلات القران والزواج ، الأمر الذي أصبح يرهق كاهل الزوجين ، ويتعب عائلتيهما ، مثل مشكلة المهور الباهضة ، وما شابه ذلك مما هو في تصاعد مستمر في بلادنا ، الأمر الذي دفع بالبعض الى ترك الزواج ، واشباع غرائزهم الجنسيّة بالوسائل غير المشروعة ، ومن ثم شيوع اللاابالية ، والاباحية في المجتمعات.
رسول الاسلام يكافح هذه المشاكل عمليّا :
تلك طائفة من المشاكل الاجتماعية التي كانت ولا تزال موجودة في كل مجتمع بنسب خاصة.
ولم تكن الفترة التي عاصرها رسول الاسلام بمستثناة من هذا الأمر فقد كانت هناك في المجتمع في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله مشاكل مماثلة في الزواج.
فقد كان أشراف العرب لا يزوّجون بناتهم إلاّ لمن كان من قبيلة ذات مال وشوكة ، ومكانة وقوة ، ويردّون كل خاطب لبناتهن يكون على غير هذه الصفة.
وقد كان الأشراف ، يصرّون ـ تبعا لتلك العادة ـ على أن يتزوّجوا بابنة رسول الله صلىاللهعليهوآله السيدة فاطمة لانهم كانوا يتصوّرون أن النبيّ لن يتشدد في هذا الأمر ، بل يكفيه أنهم ذو ثروة ومكانة اجتماعية مرموقة.
وكانوا يتصوّرون أنهم يمتلكون كلّ ما يهمّ الفتاة وأباها من الامكانيات المادية ، كيف لا والنبيّ صلىاللهعليهوآله لم يتشدد في زواج ابنتيه الاوليين :
زينب ورقية.
ولكنهم غفلوا عن أن هذه الفتاة ( أي فاطمة الزهراء سلام الله عليها ) تختلف عن اختيها السابقين.
إنها ـ كما تدل عليه آية المباهلة ـ (١) ذات مقام رفيع ، وشأن كبير.
لقد أخطأ خطّاب فاطمة عليهاالسلام في هذا التصور ، وما كانوا يعلمون أن زوج فاطمة وقرينها لا يمكن أن يكون إلاّ كفؤها في التقوى والفضل ، والايمان والاخلاص ، فاذا كانت فاطمة ـ بحكم آية التطهير ـ معصومة من الذنب وجب أن يكون زوجها هو الآخر معصوما والا لم يكن كفؤها المناسب.
وليس المال وليست الثورة ملاك هذا التكافؤ.
لقد قال الاسلام : « إذا خطب إليكم كفؤ فزوّجوه ».
ويفسر هذا التكافؤ بالمماثلة والتكافؤ في الايمان والتقوى ، والطهارة والعفاف ، لا في المال والثروة (٢).
ولقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآله مأمورا من جانب الله تعالى أن يقول لكل من خطب إليه « فاطمة » من اولئك الرجال : « أمرها بيد الله » وهو بهذه الاجابة يكشف القناع عن الحقيقة إلى درجة ما.
ولقد أدرك أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله أن زواج « فاطمة » ليس أمرا سهلا وبسيطا ، وأنه ليس لمن كان من الرجال وان بلغ من الثراء ، والمكانة الاجتماعيّة أن يحظى بالزواج منها ، فان زوج « فاطمة » ليس إلاّ من يشابهها من حيث الأخلاق والفضائل ، والصدق والايمان ، والطهر ، والاخلاص ، بل ويلي رسول الله صلىاللهعليهوآله في السجايا الكريمة والصفات الرفيعة ،
__________________
(١) آل عمران : ٦١.
في قضية المباهلة اصطحب رسول الله صلىاللهعليهوآله عليا والحسن والحسين وفاطمة دون غيرها من النساء وسيأتي مفصل هذه القصة.
(٢) راجع الوسائل : ج ١٤ ص ٥٠ ـ ٥٢.
والخلق العظيم.
ولا تجتمع هذه الصفات والمواصفات إلاّ في « علي » عليهالسلام لا سواه.
وللتأكد من هذه الحقيقة اقترح بعض الصحابة على ( عليّ ) عليهالسلام أن يخطب الى النبيّ فاطمة صلوات الله عليهما (١).
وكان علي عليهالسلام يريد ذلك في نفسه ، ويرغب إليه من كل قلبه إلاّ أنه كان ينتظر الفرصة المناسبة ليقدم على هذا الأمر.
فاتى علي عليهالسلام بنفسه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ولما رآه رسول الله قال : ما جاء بك يا أبا الحسن ، حاجتك.
فمنع الخجل عليا من البوح بمطلبه وسكت ، وأطرق برأسه الى الارض ، حياء من النبيّ صلىاللهعليهوآله .
فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : لعلك جئت تخطب فاطمة؟ فأجاب علي عليهالسلام بكلمات ضمّنها رغبته في الزواج من فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله .
ولقد كان هذا النمط من الخطبة علامة واضحة لما كان بين رسول الله صلىاللهعليهوآله وبين علي عليهالسلام ، من الاخوة والصفاء ، ولما تحلّى به الجانبان من اخلاص وودّ. وما أروعها من ظاهرة. حقا انّ المبادئ والانظمة التربوية لم تستطع أن تعلّم الشباب الذين يقدمون على الخطبة الى أحد مثل هذه الحرية ، المقرونة بالتقوى ، والايمان والاخلاص.
لقد وافق رسول الله صلىاللهعليهوآله على طلب علي عليهالسلام وقال :
« يا عليّ أنه لقد ذكرها قبلك رجال فذكرت ذلك لها فرأيت الكراهة في وجهها ، ولكن على رسلك حتى أخرج إليك ».
ثم دخل صلىاللهعليهوآله على فاطمة ، فذكر لها الأمر ، وأن عليا عليهالسلام خطبها إليه قائلا :
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٩٣.
« إن علي بن أبي طالب من قد عرفت قرابته ، وفضله واسلامه ، واني قد سألت ربي أن يزوّجك خير خلقه ، وأحبهم إليه ، وقد ذكر من أمرك شيئا فما ترين؟ ».
فسكتت فاطمة سلام الله عليها ، ولم ير رسول الله صلىاللهعليهوآله في وجهها كراهة فقام وهو يقول :
« الله أكبر ، سكوتها إقرارها » (١).
ولكن عليّا عليهالسلام لم يكن يملك آنذاك إلا سيفا ، ودرعا فقط.
فأمره رسول الله صلىاللهعليهوآله بأن يبيع درعه ، ويهيئ بثمنه عدة الزواج وجهاز العروس ، فباع علي عليهالسلام درعه ، وأتى بثمنه الى النبيّ صلىاللهعليهوآله وسكب المال بين يديه (٢).
فقبض صلىاللهعليهوآله قبضة الدراهم ، ودعا بلالا فأعطاه فقال :
« ابتع لفاطمة طيبا ».
ثم أعطى صلىاللهعليهوآله بقية تلك الدراهم إلى أبي بكر وعمّار بن ياسر وأمرهما أن يبتاعا لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت ، وما شاكل ذلك من احتياجات العروسين.
ففعلا ذلك واشتريا ما أمرهما به رسول الله صلىاللهعليهوآله فكان جهاز فاطمة كالتالي :
جهاز فاطمة :
١ ـ قميص بسبعة دراهم.
٢ ـ خمار (٣) بأربعة دراهم.
__________________
(١) نفس المصدر السابق.
(٢) وفي رواية عن عليّ عليهالسلام : فسكبت الدراهم في حجره فلم يسألني كم هي ولا أنا أخبرته.
(٣) الخمار : مقنعة.
٣ ـ قطيفة سوداء لا تكفي لتغطية كلّ البدن.
٤ ـ سرير مزمّل بشريط ( أي مصنوع من جريد النخل واليافه ).
٥ ـ فراشان من خيش (١) مصر ، حشو أحد هماليف ، وحشو الآخر من صوف الغنم.
٦ ـ اربع مرافق (٢) اثنان من الصوف واثنان من الليف.
٧ ـ ستر.
٨ ـ حصير هجري.
٩ ـ رحى لليد.
١٠ ـ مخضب (٣) من نحاس.
١١ ـ سقاء من أدم.
١٢ ـ قعب للبن.
١٣ ـ شنّ (٤) للماء.
١٤ ـ مطهرة مزفّته (٥).
١٥ ـ جرّة خضراء.
١٦ ـ كيزان خزف.
فلما عرض المتاع على رسول الله صلىاللهعليهوآله جعل يقلّبه بيده ويقول :
« اللهمّ بارك لقوم جلّ آنيتهم الخزف » (٦).
إن في مهر فاطمة امورا تدعو إلى التأمل حقا ، أبرزها مقدار ذلك المهر.
فمهرها هو مهر السنّة وهو خمسمائة درهم (٧).
إن هذه الزيجة ـ في الحقيقة ـ خير درس للآخرين ، للفتيان والفتيات الذين يئنون من ثقل المهر وبهاضته وربما يئنون من قيود الزواج وشروطه.
__________________
(١) الخيش : نسيج خشن من الكتان.
(٢) المرفقة : الوسادة.
(٣) المخضب : اناء للمسك والطيب.
(٤) الشنّ : القربة.
(٥) مطلية بالزفت.
(٦) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٩٤ ، كشف الغمة : ج ١ ص ٣٥٩.
(٧) وسائل الشيعة : ج ٥ ص ١٨.
ان البيئة الزوجية يجب أن تكون ـ أساسا ـ بيئة دفء وحنان ، بيئة اخلاص مودة. بيئة سلام ووفاق فهذا هو ما يسعد الحياة الزوجية ويوفر للزوجين عيشا هانئا محببا.
أما المهور الثقيلة ، والنفقات الباهضة والجهاز المكلف فلا تؤدي إلاّ إلى تعكير صفو الحياة الزوجية ، والتقليل من بريق الرابطة العائلية ، وبالتالي لا تضمن مستقبل الزواج ودوامه ، والمحافظة عليه من الهزات.
إن أولياء الفتيات ـ في عصرنا الحاضر يعمدون بغية دعم مكانة فتياتهم وتقوية مركزهن وضمان مستقبلهن إلى فرض سلسلة طويلة وثقيلة من الشروط والقيود ومنها المهر الباهض على العريس حنى لا يستطيع أن يقوم بطلاق زوجته تحت دوافع الهوى والشهوة ، أو كلما سولت له نفسه ذلك ، على حين أن هذا الاجراء لا يضمن بقاء الرابطة الزوجية ، ودوامها بل العلاج الحقيقي والناجع هو اصلاح الوضع الاخلاقي للشباب ، ورفع مستواهم المعنوي.
يجب أن تكون بيئتنا الثقافية والاجتماعية من الطهر والنقاوة بحيث لا يوجد في رحابها امثال هذه النوازع الشريرة عند شبابنا ، والا لبلغ الأمر إلى نقطة تستعد فيه الفتاة الى بذل مهرها للنجاة بنفسها من البيت الزوجي.
مراسم الزواج تقام ببساطة :
ثم بعد أن عقد رسول الله صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام على فاطمة عليهاالسلام في رحاب مسجده على مرأى ومسمع من المسلمين وفي جو يسوده الفرح والابتهاج والسرور قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام هيّئ منزلا حتى تحوّل فاطمة إليه ، فأخذوا منزل أحد الصحابة بصورة مؤقتة ، وحوّلت فاطمة إلى علي عليهالسلام في منزل ذلك الصحابي الجليل ، في زفاف جميل مبارك وقد صنع علي طعاما من لحم وتمر وسمن واطعم المسلمون جميعا تقريبا ، وساد الناس فرح عظيم لم يشهد له نظير.
عن ابن بابويه : أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله بنات عبد المطلب ونساء
المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة سلام الله عليها وان يفرحن ، ويرجزن ويكبرن ويحمدن ولا يقولن ما لا يرضى الله.
قال جابر : فأركبها على ناقته ـ وفي رواية على بغلته الشهباء ـ وأخذ سلمان زمامها والنبيّ وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها مشهرين سيوفهم ونساء النبيّ صلىاللهعليهوآله قدامها يرجزن ، فانشأت أم سلمة تقول :
سرن بعون الله جاراتي |
|
واشكرنه في كل حالات |
واذكرن ما أنعم رب العلى |
|
من كشف مكروه وآفات |
فقد هدانا بعد كفر وقد |
|
انعشنا رب السماوات |
وسرن مع خير نساء الورى |
|
تفدى بعمات وخالات |
ثم إن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما دخلوا الدار أنفذ إلى علي عليهالسلام ثم دعا فاطمة سلام الله عليها فأخذ يدها وقد علاها الاستحياء وتصبب منها العرق خجلا ، بل وقد تعثرت من شدة خجلها فقال لها رسول الله : « أقالك الله العثرة » (١).
ووضعها في يده وقال :
« بارك الله في ابنة رسول الله يا علي نعم الزوجة فاطمة ، ويا فاطمة نعم الزوج علي ».
ثم أخذ بيده اناء فيه ماء وصب منه على رأس فاطمة وبدنها ودعا لهما قائلا :
« اللهم اجمع شملهما ، والّف بين قلوبهما ، واجعلهما وذريتهما من ورثة جنة النعيم وارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة ، واجعل في ذريتهما البركة ، واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك ، ويأمرون بما يرضيك.
اللهم انّهما أحبّ خلقك إليّ ، فاحبهما واجعل عليهما منك حافظا ، وانّي اعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم » (٢).
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٩٦.
(٢) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ١١٤ ـ ١١٨.
وبذلك أبدى رسول الله صلىاللهعليهوآله من نفسه في تلك الليلة صفاء واخلاصا لم يعرف له نظير حتى في مجتمعاتنا الحاضرة رغم ما حققته من تكامل ورشد.
ثم إن رسول الله صلىاللهعليهوآله عدد لفاطمة فضائل علي كما ذكر لعلي فضائل فاطمة وانها « لو لم يخلق علي لما كان لها كفؤ » (١). ثم ذكر لهما وظائفهما وواجباتهما العائلية فأوكل إلى فاطمة ما هو في داخل البيت من شئون وأوكل إلى علي ما هو من شئون الخارج.
ولا بدّ أن نذكر هنا قصة هامة أداء لحق فاطمة ، وبيانا لمقامها.
يقول أنس بن مالك : إن النبيّ صلىاللهعليهوآله كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج الى الفجر فيقول :
« الصلاة يا أهل البيت ، انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا » (٢).
هذا وقد كانت هذه الزيجة أفضل زيجة في الاسلام وأكثرها بركة وخيرا ، فقد عاش هذان القرينان الطاهران جنبا الى جنب في وئام ووداد ، في حياة زوجية طاهرة يسودها الاحترام المتقابل ، والاخلاص الكامل من بدايتها إلى نهايتها.
وقد أنجبا أفضل الاولاد والبنات أبرزهم : الامام الحسن والامام الحسين عليهماالسلام سبطا رسول الله صلىاللهعليهوآله الاثيران لديه ، والمقربان إليه ، وزينب بنت علي التي رافقت أخاها في وقعة كربلاء الدامية وكان لها مواقف عظيمة ومشرفة في الرعاية للحق والعدل ، ونصرة الاسلام ، وغيرهم من الاولاد ذكورا واناثا.
وقد بقي كلا الزوجين ( علي وفاطمة ) حتى آخر اللحظات عارفين بمكانة
__________________
(١) مسند احمد بن حنبل : ج ٢ ص ٢٥٩.
(٢) الدر المنثور : ج ٥ ص ١٩٩.
الآخر ، فكلاهما من أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وكلاهما من القربى الذين أمر بمودتهم ولهذا لم يتزوّج علي عليهالسلام على الزهراء امرأة اخرى الا بعد وفاتها ، كما فعل رسول الله صلىاللهعليهوآله بالنسبة إلى خديجة ، وفاء لحقها ، واحتراما لمقامها.
لكن بعض الايادي دسّت ـ مع الأسف ـ في التاريخ أباطيل للتقليل من شأن هذين الزوجين الطاهرين ، والحط من مكانتهما ، فنسبت إليهما التنازع ، والتشاجر ، أو نسبت إلى فاطمة شكاية عليّ عليهالسلام الى رسول الله صلىاللهعليهوآله وأوردت في هذه المجال روايات مختلقة ، لا أساس لها من الصحة ، تفندها أخلاق علي وفاطمة وتقواهما وزهدهما ، وتكذّبها ما جاء في شأنهما وجلالة قدرهما من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية.
وقد استند أعداء الاسلام التقليديين إلى امثال هذه الروايات لمسخ صورة الاسلام الحنيف وتشويه سمعة رجاله العظماء ونسائه الخالدات الطيبات.
فهذا هو المستشرق النصراني الحاقد الاستاذ اميل درمنغم في كتابه المليء بالاباطيل : « حياة محمّد » ترجمة الاستاذ محمّد عادل زعيتر بعد ان يلصق برسول السلام تهما عجيبة ويصفه بالبدويّ الحمس ، يقع في علي وفاطمة عليهماالسلام!!
فتارة يقول : إن فاطمة كانت عابسة دون رقية جمالا ، ودون زينب ذكاء ، وإنها لم تكن ترغب في عليّ لانها كانت تعدّ عليا دميما محدودا مع عظيم شجاعته!! وان عليا كان غير بهيّ الوجه .. وو .. مع أنه كان تقيا شجاعا صادقا وفيا مخلصا صالحا مع توان وتردد!!
وكان إذا عاد إلى منزله من العمل بشيء من القوت قال لزوجته فاطمة عابسا : كلي واطعمي الاولاد!! وأن عليا كان يحرد بعد كل منافرة ويذهب لينام في المسجد وكان حموه يربّته على كتفه ويعظه ويوفّق بينه وبين فاطمة إلى حين ، وممّا حدث أن رأى النبيّ ابنته في بيته ذات مرة وهي تبكي من لكم عليّ لها!!
ثم يقول : إن محمّدا ـ مع امتداحه قدم علي في الاسلام ارضاء لابنته ـ كان قليل الالتفات إليه وكان صهر النبيّ الامويان : عثمان الكريم وأبو العاصي أكثر مداراة للنبيّ من عليّ ، وكان علي يألم من عدم عمل النبيّ على سعادة ابنته ومن عدّ النبيّ له غير قوّام بجليل الأعمال فالنبيّ وان كان يفوّض إليه ضرب الرقاب كان يتجنب تسليم قيادة إليه!! (١)
إلى غير ذلك من الترهات والسخافات التي الصقها تارة إلى رسول الله الاكرم محمّد صلىاللهعليهوآله ، واخرى إلى حبيبه وابن عمه ووصيه الامام علي بن أبي طالب عليهالسلام.
إن أفضل اجابة على هذه الافتعالات هو ما كتبه العلامة الاميني حيث يقول :
كلّ ما في الكتاب من تلكم الأقوال المختلقة ، والنسب المفتعلة إن هي إلاّ كلم الطائش ، تخالف التاريخ الصحيح ، وتضادّ ما أصفقت عليه الامّة الإسلاميّة ، وما أخبر به نبيّها الأقدس.
هل تناسب تقولاته في فاطمة مع قول أبيها صلىاللهعليهوآله : فاطمة حوراء إنسيّة كلّما اشتقت إلى الجنّة قبّلتها؟! (٢)
أو قوله صلىاللهعليهوآله : ابنتي فاطمة حوراء آدميّة؟! (٣)
أو قوله صلىاللهعليهوآله : فاطمة هي الزهرة؟! (٤)
أو قول أمّ أنس بن مالك؟! : كانت فاطمة كالقمر ليلة البدر أو الشمس كفر غماما ، إذا خرج من السحاب بيضاء مشربة حمرة ، لها شعر أسود ، من أشدّ الناس برسول الله صلىاللهعليهوآله شبها ، والله كما قال الشاعر :
بيضاء تسحب من قيام شعرها |
|
وتغيب فيه وهو جثل أسحم (٥) |
__________________
(١) هذه المقتطفات اخذت من كتاب حياة محمّد : ص ١٩٧ ـ ١٩٩.
(٢) تاريخ الخطيب البغدادي : ج ٥ ص ٨٦.
(٣) الصواعق : ص ٩٦ ، اسعاف الراغبين : ص ١٧٢ نقلا عن النسائي.
(٤) نزهة المجالس : ج ٢ ص ٢٢٢.
(٥) جثل الشعر : كثر والتف واسود فهو جثل : سحم فهو اسحم : اسود.
فكأنّها فيه نهار مشرق |
|
وكأنّه ليل عليها مظلم (١) |
ولقبها الزهراء المتسالم عليه يكشف عن جليّة الحال.
وهل يساعد تلك التحكمات في ذكاء فاطمة وخلقها قول أمّ المؤمنين خديجة رضي الله عنها : كانت فاطمة تحدّث في بطن امّها ، ولمّا ولدت فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعة اصبعها؟! (٢).
أو يلائمها قول عائشة : ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا وحديثا برسول الله في قيامه وقعوده من فاطمة ، وكانت إذا دخلت على رسول الله قام إليها فقبّلها ورحّب بها ، وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه؟! (٣)
وفي لفظ البيهقي في السنن ج ٧ ص ١٠١ : ما رأيت أحدا أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله صلىاللهعليهوآله الحديث.
وهل توافق مخاريقه في الامام عليّ صلوات الله عليه ، وعدم بهاء وجهه ، وعدّ فاطمة له دميما وكونه عابسا مع ما جاء في جماله البهيّ : انّه كان حسن الوجه كأنّه قمر ليلة البدر ، وكأنّ عنقه إبريق فضّة (٤) ضحوك السنّ (٥) فإن تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم؟! (٦).
وأين هي من قول أبي الأسود الدؤلي من أبيات له؟! :
إذا استقبلت وجه أبي تراب |
|
رأيت البدر حار الناظرينا (٧) |
__________________
(١) مستدرك الحاكم : ج ٣ ص ١٦١.
(٢) سيرة الملا ، ذخائر العقبى : ص ٤٥ ، نزهة المجالس : ج ٢ ص ٢٢٧.
(٣) اخرجه الحافظ ابن حبان كما في ذخائر العقبى ٤٠ م ، والحافظ الترمذي وحسنه ، والحافظ العراقي في التقريب كما في شرحه له ولابنه ج ١ ص ١٥٠ ، وابن عبد ربه في العقد الفريد : ج ٢ ص ٣ ، وابن طلحة في مطالب السئول : ص ٧ ، اسعاف الراغبين : ص ١٧١.
(٤) كتاب صفين : ص ٢٦٢ ، الاستيعاب : ج ٢ ص ٤٦٩ ، الرياض النضرة : ج ٢ ص ١٥٥ ، نزهة المجالس : ج ٢ ص ٢٠٤.
(٥) تهذيب الاسماء واللغات للامام النووي.
(٦) حلية الأولياء : ج ١ ص ٨٤ ، تاريخ ابن عساكر : ج ٧ ص ٣٥ ، المحاسن والمساوى : ج ١ ص ٣٢.
(٧) تذكرة السبط : ص ١٠٤.
نعم :
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا فضله |
|
فالناس أعداء له وخصوم |
كضرائر الحسناء قلن لوجهها |
|
حسدا وبغضا : إنّه لدميم |
أو يخبرك ضميرك الحرّ في علي ما سلقه الرجل به من ( التواني والتردّد )؟! وعليّ ذلك المتقحم في الأحوال ، والضارب في الأوساط والأعراض في المغازي والحروب ؛ وهو الذي كشف الكرب عن وجه رسول الله في كلّ نازلة وكارسة منذ صدع بالدين الحنيف ، إلى أن بات على فراشه وفداه بنفسه ، إلى أن سكن مقرّه الأخير.
أليس عليّ هو ذلك المجاهد الوحيد الذي نزل فيه قوله تعالى : « أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ ». وقوله تعالى : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ». (١).
فمتى خلى عليّ عن مقارعة الرجال والذبّ عن قدس صاحب الرسالة حتى يصحّ أن يعزى إليه توان أو تردّد في أمر من الامور؟! غير ان القول الباطل لا حدّ له ولا أمد.
وهل يتصوّر في أمير المؤمنين تلك العشرة السيّئة مع حليلته الطاهرة؟! والنبيّ يقول له : أشبهت خلقي وخلقي وأنت من شجرتي التي أنا منها (٢).
وكيف يراه النبيّ صلىاللهعليهوآله أفضل امّته أعظمهم حلما ، وأحسنهم خلقا ، ويقول : عليّ خير أمّتي أعلمهم علما وأفضلهم حلما؟! (٣).
ويقول لفاطمة : إنّي زوّجتك أقدم أمّتي سلما ، وأكثرهم علما ، وأعظمهم حلما؟! (٤).
__________________
(١) راجع الجزء الثالث من « الغدير » : ص ٤٧ ، ٥٣ ط ثاني.
(٢) تاريخ بغداد للخطيب : ج ١١ ص ١٧١.
(٣) الطبري ، الخطيب ، الدولابي. كما في كنز العمال : ج ٦ ص ١٥٣ و ٣٩٢ و ٣٩٨.
(٤) مسند احمد : ج ٥ ص ٢٦ ، الرياض النضرة : ج ٢ ص ١٩٤ ، ذخائر العقبى : ص ٧٨ ، مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٠١ ، ١١٤ وصححه ووثق رجاله.
ويقول لها : زوّجتك أقدمهم سلما ، وأحسنهم خلقا؟! (١).
يقول هذه كلّها وعشرته تلك كانت بمرأى منه ومسمع ، أفك الدجّالون ، كان عليّ عليهالسلام كما أخبر به النبيّ الصادق الأمين.
وهل يقبل شعورك ما قذف به الرجل [ فضّ الله فاه ] عليّا بلكم فاطمة بضعة المصطفى؟! وعليّ هو ذاك المقتص أثر الرسول وملأ مسامعه قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لفاطمة : إنّ الله يغضب لغضبك ، ويرضى لرضاك (٢).
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو آخذ بيدها : من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي بضعة منّي ، هي قلبي وروحي التي بين جنبيّ ، فمن آذاها فقد آذاني (٣).
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فاطمة بضعة منّي ، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها (٤).
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها فقد أغضبني (٥).
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فاطمة بضعة منّي ، يقبضني ما يقبضها ، ويبسطني ما يبسطها (٦).
__________________
(١) أخرجه أبو الخير الحاكمي كما في الرياض النضرة : ج ٢ ص ١٨٢.
(٢) مستدرك الحاكم : ج ٣ ص ١٥٤ وصححه ، ذخائر العقبى : ص ٣٩ ، تذكرة السبط : ص ١٧٥ مقتل الخوارزمي : ج ١ ص ٥٢ ، كفاية الطالب : ص ٢١٩ ، شرح المواهب للزرقاني : ج ٣ ص ٢٠٢ ، كنوز الدقائق للمناوي : ص ٣٠ ، أخبار الدول للقرماني هامش الكامل : ج ١ ص ١٨٥ ، كنز العمال : ج ٧ ص ١١١ عن الحاكم وابن النجار ، تهذيب التهذيب : ج ١٢ ص ٤٤٣ ، الاصابة : ج ٤ ص ٣٧٨ ، الصواعق : ص ١٠٥ ، الاسعاف : ص ١٧١ عن الطبراني ، ينابيع المودة : ص ١٧٣.
(٣) الفصول المهمة : ص ١٥٠ ، نزهة المجالس : ج ٢ ص ٢٢٨ ، نور الابصار : ص ٤٥.
(٤) صحاح البخاري ومسلم والترمذي ، مسند أحمد : ج ٤ ص ٣٢٨ ، الخصائص للنسائي : ص ٣٥ ، الاصابة : ج ٤ ص ٣٧٨.
(٥) صحيح البخاري ، خصائص النسائي : ص ٣٥.
(٦) مسند أحمد : ج ٤ ص ٣٢٣ و ٣٣٢ ، الصواعق : ص ١١٢.
وهل يقصر امتداح النبيّ عليّا بقدم إسلامه؟! حتّى يتفلسف في سرّه ويكون ذلك إرضاء لابنته ، على أنّ امتداحه بذلك لو كان لتلك المزعمة لكان يقتصر صلىاللهعليهوآلهوسلم على قوله لفاطمة في ذلك وكان يتأتّى الغرض به ، فلما ذا كان يأخذ صلىاللهعليهوآلهوسلم بيد عليّ في الملأ الصحابي تارة ويقول : إنّ هذا أوّل من آمن بي ، وهذا أوّل من يصافحني يوم القيامة؟ ولما ذا كان يخاطب أصحابه اخرى بقوله : أوّلكم واردا عليّ الحوض أوّلكم اسلاما عليّ بن أبي طالب؟!
وكيف خفي هذا السرّ المختلق على الصحابة الحضور والتابعين لهم باحسان فطفقوا يمدحونه عليهالسلام بهذه الاثارة كما يروى عن سلمان الفارسي ، أنس بن مالك ، زيد بن أرقم ، عبد الله بن عبّاس ، عبد الله بن حجل ، هاشم بن عتبة ، مالك الاشتر ، عبد الله بن هاشم ، محمد بن أبي بكر ، عمرو بن الحمق ، أبو عمرة عديّ بن حاتم ، أبو رافع ، بريدة ، جندب بن زهير ، أمّ الخير بنت الحريش.
وهل القول بقلّة التفات النبيّ إلى عليّ يساعده القرآن الناطق بأنّه نفس النبيّ الطاهر؟! او جعل مودّته أجر رسالته؟!
أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث الطير المشويّ الصحيح المرويّ في الصحاح والمسانيد : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك ليأكل معي؟!
أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعائشة : إنّ عليّا أحبّ الرجال إليّ ، وأكرمهم عليّ ، فاعرفي له حقّه وأكرمي مثواه؟! (١)
أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أحبّ الناس إليّ من الرجال عليّ؟! (٢)
أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليّ خير من أتركه بعدي؟! (٣)
أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : خير رجالكم عليّ بن أبي طالب ، وخير
__________________
(١) أخرجه الحافظ الخجندي كما في الرياض : ج ٢ ص ١٦١ ، وذخائر العقبى : ص ٦٢.
(٢) وفي لفظ : أحب أهلي ، من حديث اسامة.
(٣) مواقف الايجي : ج ٣ ص ٢٧٦ ، مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١١٣.
نساءكم فاطمة بنت محمّد؟! (١)
أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليّ خير البشر فمن أبى فقد كفر (٢)
أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من لم يقل عليّ خير الناس فقد كفر؟! (٣)
أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : في حديث الراية المتّفق عليه : لاعطينّ الراية غدا رجلا يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله؟
أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليّ منّي بمنزلة الرأس ( رأسي ) من بدني أو جسدي؟ (٤)
أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليّ منّي بمنزلتي من ربّي؟ (٥).
أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليّ أحبّهم إليّ وأحبّهم إلى الله (٦).
أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ : أنا منك وأنت مني. أو : أنت منّي وأنا منك؟ (٧)
أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليّ منّى وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي؟ (٨)
أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث البعث بسورة البراءة المجمع على
__________________
(١) تاريخ بغداد للخطيب : ج ٤ ص ٣٩٢.
(٢) تاريخ الخطيب عن جابر ، كنوز الحقائق هامش الجامع الصغير : ج ٢ ص ١٦ ، كنز العمال : ج ٦ ص ١٥٩
(٣) تاريخ الخطيب البغدادي : ج ٣ ص ١٩٢ عن ابن مسعود ، كنز العمال : ج ٦ ص ١٥٩.
(٤) تاريخ الخطيب : ج ٧ ص ١٢ ، الرياض النضرة : ج ٢ ص ١٦٢ ، الصواعق : ص ٧٥ م ـ الجامع الصغير للسيوطي ، شرح العزيزي : ج ٢ ص ٤١٧ ، فيض القدير : ج ٤ ص ٣٥٧ ، نور الأبصار : ص ٨٠ ، مصباح الظلام : ج ٢ ص ٥٦.
(٥) الرياض النضرة : ج ٢ ص ١٦٣ ، السيرة الحلبية : ج ٣ ص ٣٩١.
(٦) تاريخ الخطيب : ج ١ ص ١٦٠.
(٧) مسند أحمد : ج ٥ ص ٢٠٤ ، خصائص النسائي : ص ٣٦ و ٥١.
(٨) مسند أحمد : ج ٥ ص ٣٥٦ وأخرجه جمع من الحفاظ باسناد صحيح
صحته : لا يذهب بها إلاّ رجل منّي وأنا منه (١)
أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لحمك لحمي ودمك دمي والحقّ معك؟ (٢)
أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما من نبيّ إلاّ وله نظير في امّته وعليّ نظيري؟ (٣)
أو ما صحّحه الحاكم وأخرجه الطبراني عن أمّ سلمة قالت : كان رسول الله إذا أغضب لم يجترئ أحد أن يكلّمه غير عليّ؟ (٤)
أو قول عائشة : والله ما رأيت أحدا أحبّ إلى رسول الله من عليّ ولا في الأرض امرأة كانت أحبّ إليه من امرأته؟ (٥)
أو قول بريدة وأبيّ : أحبّ الناس إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من النساء فاطمة ومن الرجال عليّ؟! (٦)
أو حديث جميع بن عمير قال : دخلت مع عمّتي على عائشة فسألت أيّ الناس أحبّ إلى رسول الله؟! قالت : فاطمة. فقيل : من الرجال؟ قالت : زوجها ، إن كان ما علمت صوّاما قوّاما؟ (٧)
وكيف كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقدّم الغير على عليّ في الالتفات إليه؟! وهو أوّل رجل اختاره الله بعده من أهل الأرض لمّا اطّلع
__________________
(١) خصائص النسائي : ج ٨.
(٢) المحاسن والمساوى : ج ١ ص ٣١ ، كفاية الطالب : ص ١٣٥ ، مناقب الخوارزمي : ص ٧٦ و ٨٣ و ٨٧ ، فرائد السمطين : في الباب ٢ و ٢٧.
(٣) الرياض النضرة : ج ٢ ص ١٦٤.
(٤) مستدرك الحاكم : ج ٣ ص ١٣٠ ، الصواعق : ص ٧٣ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص ١١٦.
(٥) مستدرك الحاكم : ج ٣ ص ١٥٤ وصححه ، العقد الفريد : ج ٢ ص ٢٧٥ ، خصائص النسائي : ص ٢٩ ، الرياض النضرة : ج ٢ ص ١٦١.
(٦) خصائص النسائي : ص ٢٩ ، مستدرك الحاكم : ج ٣ ص ١٥٥ صححه وهو والذهبي ، جامع الترمذي : ج ٢ ص ٢٢٧.
(٧) جامع الترمذي : ج ٢ ص ٢٢٧ ط هند ، مستدرك الحاكم : ج ٣ ص ١٥٧ ، وجمع آخر.
عليهم كما أخبر به صلىاللهعليهوآلهوسلم لفاطمة بقوله : إنّ الله اطّلع على أهل الأرض فاختار منه أباك فبعثه نبيّا ، ثمّ اطّلع الثانية فاختار بعلك فأوحى إليّ فأنكحته واتّخذته وصيّا (١).
وبقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن الله اختار من أهل الأرض رجلين أحدهما أبوك والآخر زوجك (٢).
وإنّي لا يسعني المجال لتحليل كلمة الرجل : وكان صهرا النبيّ الامويّان. إلخ : وحسبك في مداراة عثمان الكريم حديث أنس عن رسول الله لمّا شهد دفن رقيّة ابنته العزيزة وقعد على قبرها ودمعت عيناه فقال : أيّكم لم يقارف الليلة أهله؟! فقال أبو طلحة : أنا. فأمره أن ينزل في قبرها.
قال ابن بطّال : أراد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يحرم عثمان النزول في قبرها وقد كان أحقّ الناس بذلك لأنّه كان بعلها وفقد منها علقا لا عوض منه لأنّه حين قال عليهالسلام : أيّكم لم يقارف الليلة أهله؟! سكت عثمان ولم يقل : أنا. لأنّه قد قارف ليلة ماتت بعض نسائه ، ولم يشغله الهمّ بالمصيبة وانقطاع صهره من النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم عن المقارفة فحرم بذلك ما كان حقّا له وكان أولى به من أبي طلحة وغيره. وهذا بيّن في معنى الحديث ولعلّ النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قد كان علم ذلك بالوحي فلم يقل له شيئا لأنّه فعل فعلا حلالا غير أنّ المصيبة لم تبلغ منه مبلغا يشغله حتّى حرم ما حرم من ذلك بتعريض غير صريح (٣).
وما عساني أن أقول في أبي العاص الذي كان على شركه إلى عام الحديبيّة ، واسر مع المشركين مرّتين ، وفرّق الإسلام بينه وبين زوجته زينب بنت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ستّ سنين ، وهاجرت مسلمة وتركته لشركه ، ولم ترد
__________________
(١) اخرجه الطبراني عن أبي ايوب الأنصاري كما في اكمال كنز العمال : ج ٦ ص ١٥٣ ، واخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٦٥ عن علي الهلالي.
(٢) المواقف للايجي : ص ٨
(٣) الروض الانف : ج ٢ ص ١٠٧.
قطّ بعد إسلامه كلمة تعرب عن صلته مع النبيّ ومداراته له فضلا عن مقايسته بعليّ أبي ذرّيّته وسيّد عترته.
وقد اتّهم الرجل نبيّ الإسلام بعد العمل على سعادة ابنته الطاهرة المطهّرة بنصّ الكتاب العزيز ، ويقذف عليّا بالتألّم من ذلك ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا أصبح أتى باب عليّ وفاطمة وهو يقول : يرحمكم الله إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا. وكان لم يزل يقول : فاطمة أحبّ الناس إليّ.
ويقول : أحبّ الناس إليّ من النساء فاطمة.
ويقول : أحبّ أهلي إليّ فاطمة.
وكان عمر يقول لفاطمة : والله ما رأيت أحدا أحبّ إلى رسول الله منك (١).
وما أقبح الرجل في تقوّله على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعدّه لعليّ غير قوّام بجليل الأعمال. وقد وازره وناصره وعاضده بتمام معنى الكلمة بكلّ حول وطول من بدء دعوته إلى آخر نفس لفظه ، فصار بذلك له نفسا وأخا ووزيرا ووصيّا وخليفة ووارثا ووليّا بعده ، وكان قائده الوحيد في حروبه ومغازيه ، وهو ذلك الملقّب بقائد الغرّ المحجّلين وحيا من الله العزيز في ليلة أسرى بنبيّه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (٢).
وممّا يعجّب بل ويؤسف أن نجد العقاد كاتب النيل الكبير يذهب هذا المذهب ، وينحو هذا المنحى ذاته من سيدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله وأمّ الامامين الهمامين الحسن والحسين عليهماالسلام ، فيسطر في كتابه « فاطمة الزهراء والفاطميّون » (٣) شيئا من هذه العبارات والمقالات التافهة التي لا يليق بكاتب مثله عرف بالتحقيق والفهم ، ان يدرجها في مؤلفه.
__________________
(١) مستدرك الحاكم : ج ٣ ص ١٥٠ وصححه.
(٢) مستدرك الحاكم : ج ٣ ص ١٣٨ وصححه ، الرياض النضرة : ج ٢ ص ١٧٧ ، شمس الاخبار : ص ٣٩ ، أسد الغابة : ج ١ ص ٦٩ ، مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٢١.
(٣) راجع ص ٣٢ و ٣٣.
ولا يجاب على ما كتبه العقاد ومن حذى حذوه إلا بما مرّ في كلام العلاّمة والمحقق الخبير الاميني رحمهالله. ففيه كفاية لمن تحرّى الحقيقة عن أهل البيت عليهمالسلام.
هذا وينبغي ان نذكّر القارئ الكريم بنفس ما كتبه العقاد في كتابه ومما يعتبر شهادة دامغة تفند ما بدر منه من قول غير لائق في شأن علي والزهراء ، فهو يقول : في كل دين صورة للانوثة الكاملة المقدسة يتخشع بتقديسها المؤمنون كأنّما هي آية الله فيما خلق من ذكر وانثى.
فاذا تقدست في المسيحية مريم العذراء ففي الاسلام لا جرم تتقدس صورة فاطمة البتول.
ثم يقول : من الواضح البين ان الزهراء اخذت مكانها الرفيع بين اعلام النساء في التاريخ لانها بنت نبي وزوجة امام وأم شهداء (١).
فاذا كانت هذه هي صورة الزهراء البتول ، فكيف يصدّق العقل ما حاكته أيدي الدسّ في تاريخ هاتين القمتين الطاهرتين من قمم الاسلام الشامخة؟!
__________________
(١) راجع : ص ٥١ و ٥٢.