جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بل منه يعلم أيضا قوة القول بالضمان مع انتفاء أحد الأمرين ، كما هو مقتضى اشتراط عدمه بهما في بعض العبارات ، بل هو صريح المحكي عن التحرير واللمعة ، بل والكفاية وإن اعتبر الظن القوي فيها. بل والدروس وإن اعتبر العلم ولم يكتف بالظن.

وكأنه مال إليه في المسالك فيما لو علم التعدي وتركه اختيارا وإن كان فعله بقدر حاجته ، قال : « لأن ترك قطعه مع علم التعدي إلى الغير وقدرته على قطعه تعد محض ، نعم مع عدم العلم ولا الظن قد يشكل الضمان على تقدير تجاوز الحاجة ، لأن فعله مأذون فيه على التقدير ، ولا تفريط ». قلت : قد عرفت صدق الإتلاف عليه وإن كان مأذونا غير مفرط.

وحينئذ فظاهر قول المصنف ( مع علمه أو غلبة ظنه أن ذلك موجب للتعدي إلى الإضرار ) كالفاضل في القواعد والإرشاد لا يخلو من نظر ، ولعل المراد بالظن في كلامهم ما يشمل قضاء العادة بسريانه ، كما لو كان الهواء شديدا بحيث يحمله الى ملك الغير وإن اتفق عدم شعوره بذلك لبلادة أو غيرها.

وفي القواعد في كتاب الديات « وإن كان الهواء عاصفا ولا حائل أو أجج أكثر من قدر الحاجة مع غلبة الظن بالتجاوز ضمن » ونحو ذلك ما عن غصب التذكرة. وظاهره الاكتفاء بعصف الهواء عن غلبة الظن.

والتحقيق ما عرفت من كون المدار على صدق الإتلاف حقيقة ولو بالتوليد إن لم يكن إجماع على خلافه ، من غير فرق بين التجاوز في الحاجة وعدمه ، وبين العلم أو الظن بالتعدي وعدمه ، نعم لو كان ذلك من التسبب لم يكن عليه ضمان ما لم يعلم التعدي أو يغلب على ظنه ولو‌

٦١

لكونه من شأنه ذلك.

وبما ذكرنا يفرق بين تأجيج النار في العاصف وبين تأجيجها بلا ريح ثم يعرض الريح في الأثناء كما أشرنا إليه سابقا.

هذا وفي المسالك « ولو اتفق جفاف شجر جاره بالنار بسبب المجاورة.

فالحكم كما لو سرت إليها ، إلا أن يكون أغصان الشجرة في هواء أرض توقد النار ، فلا ضمان إذا كان عطفها غير ممكن ، وإلا اتجه الضمان ، لأنه ليس له إتلافها مطلقا كما تقرر في موضعه. وفي التذكرة أطلق عدم ضمانها متى كانت في هواء موقد النار ، وضمانها إن لم يكن كذلك من غير تقييد بعلم التعدي أو تجاوز الحاجة ، محتجا بأن ذلك لا يكون إلا من نار كثيرة ، ولا يخفى ما فيه ».

قلت : قد تقدم تحقيق الحال في المسألة سابقا ، والله العالم.

( ويتفرع على السبب فروع : )

( الأول)

لو ألقى صبيا في مسبعة أو حيوانا يضعف عن الفرار ضمن لو قتله السبع ) وإن لم نقل بأن موت الصبي المغصوب سبب يوجب ضمان لغاصب مطلقا ، لأنه أقوى من المباشر الذي لا يحال عليه الضمان.

خلافا للمحكي عن مبسوط الشيخ من عدم الضمان ، لأن الحر لا يدخل تحت اليد ، وفيه عدم انحصار الضمان بذلك ، ضرورة ضمانه بمباشرة الإتلاف وتسبيبه على الوجه الذي قدمناه وإن لم يكن غصبا ، بل لا فرق بين الصغير وغيره كالمجنون ونحوه ممن لا يتمكن من التخلص.

٦٢

نعم لا يضمن الكبير الذي يمكنه التحرز عادة باتفاق إتلاف السبع له ، لأن ذلك لا يعد سببا في حقه ، وإنما وقع بالاتفاق ، كما لو وضع الصبي في غير المسبعة فافترسه السبع اتفاقا ، فإنه لا يضمنه على المشهور خلافا للشيخ ومن عرفت ، وعنه احترز المصنف بقوله : « مسبعة ».

لكن في القواعد « لو نقل صبيا حرا إلى مضيعة فافترسه سبع ففي الضمان إشكال ».

بل في التذكرة « لو نقل صبيا حرا إلى مضيعة فاتفق سبع فافترسه فلا ضمان عليه ، إحالة للهلاك على اختيار الحيوان ومباشرته ، ولم يقصد الناقل بالنقل ذلك ، وفيه إشكال ، أما لو نقله إلى مسبعة فافترسه سبع وجب الضمان ، وبه قال أبو حنيفة ، لأنه قصد الإتلاف بالنقل ، وللشافعية وجهان ، أشهرهما أنه لا ضمان ».

وفي جامع المقاصد بعد أن جعل منشأ الاشكال عدم دخول الحر تحت اليد وحصول السبب قال : « وهذا الاشكال ليس بشي‌ء بعد ما سبق في كلامه من أن الصبي إذا ألقاه في مسبعة فافترسه السبع ضمنه ، وكذا ضمانه لو تلف بسبب لدغ الحية ووقوع الحائط على الرأي. فإن إلقاؤه في مضيعة أقرب إلى توقع علة الهلاك من هذه الأخيرة ، والأصح الضمان فيه وفي المجنون كما سبق ».

قلت : لعل الفرق أنه لا تسبيب باتفاق افتراس الأسد له في المضيعة باعتبار عدم اعتياده فيها ، بخلاف أرض المسبعة ، فيكون الأول كضمانه لو تلف بلدغ حية أو عقرب الذي توقف هو فيه ، ونسب الضمان إلى رأي ، بخلاف أرض المسبعة ، بل كاد يكون ما ذكرناه صريح ما حكيناه عنه في التذكرة ، والله العالم.

٦٣

( الثاني)

لو غصب شاة فمات ولدها جوعا ففي الضمان تردد ، وكذا لو حبس مالك الماشية عن حراستها فاتفق تلفها ، وكذا التردد لو غصب دابة فتبعها الولد ) كما في القواعد والإرشاد والكفاية ، بل والإيضاح باعتبار عدم الترجيح فيه ، بل والتذكرة وإن اقتصر على الثاني ، بل واللمعة وإن اقتصر على الأخير.

نعم قرب في الدروس فيه الضمان ، وفي الروضة أنه أقوى ، وجعل منشأ النظر في غاية المراد في الثلاثة عدم الاستقلال ، فلا يتحقق غصب ومن أنه سبب في الإتلاف ، إذ لولاه لم يتحقق التلف وإن كان لعلة اخرى خارجة.

وفي جامع المقاصد والمسالك الأولى أن يقال : إن منشأ النظر الشك في كونه سببا في التلف وعدمه ، لانتفاء المباشرة للإتلاف والغصب. ثم قال في الأول : « والتحقيق أن يقال : إن قصد توقع العلة في التلف بغصب الشاة والدابة وحبس المالك عن حراسة الماشية حيث يكون التلف متوقعا ثابت ، ومعه فالضمان لازم ، لضعف المباشرة ، ومثله ما لو منع المالك من إمساك دابته المرسلة حيث يتوقع تلفها مع بقائها مرسلة ، ويختلف الأمر في ذلك باختلاف الأحوال ، فربما كان بقاء الدابة المرسلة أياما وشهرا لا يتوقع معه التلف ، فلا ضمان لو حبس المالك فاتفق على سبيل الندرة ـ إلى أن قال ـ : ولو منعه من بيعه فاتفق تلفه فلا ضمان ، لعدم تحقق معنى السببية في التلف بالمنع من البيع ، إذ ليس مما يقصد بمنع البيع توقع حدوث علة التلف ، ولو كان مشرفا على الموت فمنعه من‌

٦٤

بيعه ليذكيه المشتري أو منعه من تذكيته فهنا يحتمل الضمان احتمالا لا يخلو من وجه ، لوجود معنى السببية » إلى آخره.

وكأنه إليه عرض في المسالك ، حيث قال في المسائل الثلاث : « والحق أن منشأ التردد انما يكون من الشك في السببية هنا ، إذ لو سلمت لم يبق إشكال في الضمان ، ومنشأ الشك فيها مبني على تعريف السبب ، فعلى ما ذكره المصنف من تعريفه إذا مات الولد جوعا بحيث لولا غصب الام لما مات عادة فالسببية متحققة فيه ، لكن اتفاق تلف الماشية بعد حبس المالك عن حراستها قد يكون بسبب حبسه وقد لا يكون ، فان فرض فهو سبب أيضا ، وإن فسر السبب بإيجاد ما يحصل التلف عنده لعلة أخرى إذا كان السبب مما يقصد لتوقع تلك العلة كما عرفه جماعة فيتوقف ثبوت سببيته على قصد الغاصب للشاة والحابس للمالك إلى إتلاف الولد والماشية ، والأصح الضمان مع استناد التلف الى فعل الغاصب ، بمعنى أنه لولا الغصب والحبس لما تلفت عادة ، فإن الواقع في العبارة أعم منه لتحقق السببية حينئذ ، والقصد غير معتبر في تحققها وترتب أثرها كما اقتضاه التعريف الذي اخترناه » انتهى.

وفي الإيضاح « منشأ النظر في الأول من أنه مات بسببه ، لصحة إسناده إليه عرفا ، ولأن السبب هو فعل ما يحصل الهلاك عنده لعلة سواه ، وهذا تفسير بعض الفقهاء » إلى آخر ما حكيناه عنه سابقا في شرح قول المصنف : « الثاني التسبيب ».

ومما ذكرناه في ذلك المقام وغيره يظهر لك النظر في جملة من هذه الكلمات ، ضرورة أنك قد عرفت كون السبب هو ما دلت عليه النصوص المزبورة أو ألحق به بإجماع ونحوه ، وما عداه فالأصل براءة الذمة من الضمان به ، فالمتجه عدم الضمان حينئذ في المسائل المفروضة بعد فرض‌

٦٥

الشك في السببية الشرعية بالمعنى الذي ذكرناه ، ولا يجدي كونها أسباب عرفية أو مشابهة لما في النصوص مما ذكر فيها الضمان به بعد حرمة القياس عندنا وعدم الإجماع على الإلحاق وعدم دلالة عرفية على وجه يندرج فيها ، فتأمل جيدا فان تحقيق المقام ونظائره مبني على ما قدمناه سابقا ، والله العالم.

( الثالث )

لو فك القيد عن الدابة فشردت أو عن العبد المجنون فأبق ضمن ، لأنه فعل يقصد به الإتلاف ) فيندرج في السبب المنتزع من النصوص السابقة (١) ( وكذا لو فتح قفصا عن طائر فطار مبادرا أو بعد مكث ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل عن الكفاية أنه المعروف من مذهب الأصحاب ، بل عن ظاهر التذكرة الإجماع في الأخير أو في الثلاثة كما عن المبسوط والغنية نفي الخلاف فيها ، وكذا عن المبسوط أنه لو أهاج الدابة فشردت أو الطائر فطار بلا خلاف أي منا ومن العامة ، وعن التذكرة لو أهاج الطائر ضمن قولا واحدا.

بل صرح غير واحد بأنه لو أفسد الطائر مثلا بخروجه ضمنه ، لأن فعل الطائر منسوب اليه ، وإن كان لا يخلو من نظر. خصوصا في مثل إتلاف الدابة بعد الفك بعض الأحوال ، ضرورة إمكان منع السببية الشرعية ، ولو تلفت هذه الثلاثة بغير الجهة التي هي فعل السبب كأن مات الطائر مثلا فلا ضمان ، لعدم مدخلية السبب وعدم وضع اليد الموجب للضمان.

واحترز بالمجنون عن العاقل الذي صرح غير واحد بعدم ضمانه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ و ٩ و ١١ ـ من أبواب موجبات الضمان ـ من كتاب الديات.

٦٦

لقوة المباشر على السبب كفتح الباب ، وقد أشار إليهما المصنف بقوله :( ولا كذلك ) الحكم ( لو فتح بابا على مال فسرق أو أزال قيدا عن عبد عاقل فأبق ) بل لم أجد خلافا في الأول منهما وإن أشعر به نسبته إلى المشهور في الكفاية إلا أنا لم نتحققه ، بل لعل الثاني أيضا كذلك ( لأن التلف بالمباشرة لا بالسبب ).

نعم قيد الأخير في محكي التذكرة وجامع المقاصد والكفاية بما إذا لم يكن آبقا ، لكن في التذكرة في الضمان حينئذ إشكال ، من حيث استناد فعله اليه ، فكان مباشرا ، ومباشرته معتبرة ، لأنه عاقل ، ومن حيث أن المالك قد اعتمد ضبطه ، فإطلاقه إتلاف عليه ، فكان كحل المجنون والدابة ، فلا شك في صدق السببية ، وليس هناك مباشر يمكن أخذ الحق منه ، وكونه قادرا على التحفظ مع عدمه لا ينفع ، وهذا أقوى لمكان التسبيب ، كما يأتي في غصب الحر مع صدق التصرف في مال الغير ، ولأنه بهذه العادة قد أشبه الدابة ونحوها ، وفيه أنه مناف لقاعدة تقديم المباشر على السبب.

هذا وفي الدروس « ولو فتح بابا على عبد محبوس فذهب في الحال ضمنه عند الشيخ ، ونقل عن كل العامة عدم الضمان ، ولا فرق بين كونه عاقلا أو مجنونا ، آبقا أو غير آبق ، بالغا أو صبيا ».

ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، وقد يستأنس للضمان بما ورد من الضمان بإطلاق الغريم (١).

__________________

(١) لم أعثر على ما ادعاه مما ورد من الضمان بإطلاق الغريم ، وقد تعرض هو ( قده ) لهذه المسألة في ج ٢٦ ص ١٩٧ ـ ١٩٨ ولم يستدل بما ذكره هنا ، وانما استند في الحكم بالضمان إلى قاعدة « لا ضرر ولا ضرار » وفحوى ما ورد في القاتل الذي رواه في الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الضمان ـ الحديث ١ ولو كان بذلك المضمون رواية خاصة لتعرض لها هناك بطريق اولى.

٦٧

وعلى كل حال فقد أشار المصنف وغيره بقوله : « فطار مبادرا » الى آخره إلى خلاف بعض الشافعية ، حيث حكم بالضمان في الأول دون الثاني لبعض الوجوه الاعتبارية.

( وكذا ) لا ضمان ( لو دل السارق ) لما عرفت ، لكن الفاضل في الإرشاد هنا قال بالضمان ، ونسبه غير واحد ممن تأخر عنه إلى مخالفة جميع الأصحاب ، وفي غاية المراد « قد تصفحت كتب أصحابنا فلم أجد أحدا قال بالضمان ».

قلت : وإن لم ينص على عدمه من تقدمه غير المصنف إلا أن قاعدة تقديم المباشر على السبب المعلومة عندهم تقتضي كون الضمان على السارق ، وربما نزل ما في الإرشاد على ما إذا كان مستأمنا فدل السارق على أمانته ، ولا بأس به وإن كان خروجا عما نحن فيه. فاتضح بذلك كله أن الضمان على المباشر الذي هو أقوى من السبب.

بل الظاهر عدم الضمان على ذي السبب مع عدم العلم بكون التلف به مجردا عن مباشر أقوى منه ، فلو حصل التلف بمباشرة غيره ولم يعلم كونه ممن يقدم على السبب أو لا لم يضمن ، للأصل وظهور النصوص السابقة (١) في اعتبار التلف به في التضمين به.

وأولى من ذلك بعدم الضمان ما إذا لم يعلم أصل كون التلف به ، كما لو وجد دابة ـ مثلا ـ ميتة في البئر المحفورة عدوانا ولم يعلم أنها ماتت في الخارج ثم رميت به أو بترديها به. أما لو علم مدخليته في التلف ولكن لم يعلم مباشرة غيره معه على وجه يرتفع الضمان معها فقد يتوهم الحكم بضمان ذي السبب حينئذ ، لأصالة عدم الغير.

لكن لا يخفى عليك أنه من الأصول المثبتة بعد ما عرفت من ظهور‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ و ٩ و ١١ ـ من أبواب موجبات الضمان ـ من كتاب الديات.

٦٨

النصوص (١) في اعتبار كون العطب به خاصة في الضمان ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

( ولو أزال وكاء الظرف فسال ما فيه ضمن إذا لم يكن يحبسه إلا الوكاء ) بلا خلاف كما عن المبسوط والسرائر ، بل ولا إشكال مع فرض كونه مطروحا على الأرض ، ضرورة كونه مباشرا للإتلاف أو بحكمه.

( وكذا ) لو سقط بفعله أو بما يستند الى فعله ، كما ( لو سال منه ما ألان الأرض تحته فاندفع ما فيه ضمن ) بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ( لأن فعله سبب مستقل بالإتلاف ) إذ السقوط بالميلان الناشئ من الابتلال الناشئ من الفتح ، وهو مما قد يقصد به ذلك ، ولعله بمعونة فتوى الأصحاب ملحق بالمستفاد من النصوص السابقة (٢) أو يندرج فيها.

( أما لو فتح رأس الظرف فقلبته الريح ) الحادثة أو زلزلة أو وقوع طائر ( أو ذاب بالشمس ففي الضمان تردد ) كما في التحرير والإرشاد.

( ولعل الأشبه أنه لا يضمن ) لا ( لأن الريح والشمس كالمباشر ، فيبطل حكم السبب ) ضرورة قوة السبب بالنسبة إليهما بعد عدم قابليتهما للضمان ، بل للشك في السببية المزبورة شرعا على وجه يترتب عليها الضمان ، خصوصا بعد عدم تعارف قصد الإتلاف بالفتح بتوقع الهبوب ، والأصل البراءة.

خلافا للفخر في المحكي من شرح الإرشاد وغاية المراد والدروس وجامع المقاصد وتعليق الإرشاد والمسالك من الحكم بالضمان ، لأن فعله سبب تلفه ، إذ لولا الفتح لما ضاع ما فيه ، ولم يتخلل بينهما ما يمكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ و ٩ و ١١ ـ من أبواب موجبات الضمان ـ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ و ٩ و ١١ ـ من أبواب موجبات الضمان ـ من كتاب الديات.

٦٩

إحالة الحكم عليه ، فوجب الضمان ، إذ هو كما لو جرح إنسانا فأصابه الحر أو البرد فسرت الجراحة ، فإنه يضمن فكذا هنا ، بل عن مجمع البرهان لا إشكال في الضمان إذا علم كون فعله سببا فقط لا غير ولم يعلم استناده إلى غيره بالكلية.

ولا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه من كون المدار على السبب الشرعي المستفاد من النصوص المزبورة (١) أو ما يلحق به بإجماع ونحوه ، والمقام ليس كذلك ، خصوصا في مثل حدوث الريح الذي جزم بعدم الضمان فيه في محكي المبسوط فارقا بينه وبين إشراق الشمس ، بل عنه وعن الغنية نفي الخلاف في عدم الضمان به ، وفي الكفاية أن عدم الضمان به أقرب.

وعن التذكرة التوقف في الضمان به بخلاف الشمس ، فاستوجه الضمان بها ، قال : « لأنها مما يعلم طلوعها ، فيكون الفاتح له معرضا ما فيه للشمس ، بخلاف هبوب الريح الذي هو غير منتظر ولا متوقع ، فالهلاك حينئذ لم يحصل بفعله ، وليس فعله مما يقصد به تحصيل ذلك العارض ، ففعله غير ملجئ ، والأمر الحادث مباشر ، فلم يتعلق الضمان بفعله ، فكان كما لو فتح الحرز فسرق غيره أو دل سارقا فسرق ».

قلت : لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه ، ضرورة صدق السببية على مذاقهم فيهما ، بل في جامع المقاصد أن وجود الريح كثير موجب لتوقع القلب والانقلاب ، نعم يتوجه عدم الضمان بناء على ما ذكرناه من كون سبب الضمان شرعيا ، وهو ما تضمنته النصوص (٢) المزبورة أو ألحق به بإجماع ونحوه ولو على وجه تنجبر به الدلالة ، كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ و ٩ و ١١ ـ من أبواب موجبات الضمان ـ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ و ٩ و ١١ ـ من أبواب موجبات الضمان ـ من كتاب الديات.

٧٠

وكذا الكلام فيما إذا أزال أوراق الكرم وجرد عناقيدها للشمس حتى أفسدتها ، اللهم إلا أن يقال فيه وفي أمثاله بصدق إسناد التلف إليه حقيقة ، فيخرج حينئذ عما نحن فيه.

ولو فرض مجي‌ء إنسان فأسقطه فلا شبهة في كون الضمان عليه ، لأنه مباشر أو كالمباشر في القوة من الأول ، بل الظاهر ضمان الأخير فيما لو فتح رأسه وأخذ ما فيه في الخروج ثم جاء آخر ونكسه ، وإن احتمل اشتراكهما في ضمان الخارج بعد النكس ، إلا أن الأول أصح ، ضرورة كون الثاني المباشر أو بحكمه.

ولو فرض في الجامد مجي‌ء آخر بعد الفتح فقرب منه نارا حتى ذاب وضاع فالضمان على الثاني ، لكونه مباشرا أو بحكمه ، وربما احتمل عدم ضمانهما معا ، لأن مجرد الفتح لا يقتضي الضمان فيه ، وعدم تصرف الثاني في الظرف ولا في المظروف ، إلا أنه كما ترى.

وأولى من ذلك ما لو كان رأس الزق مفتوحا من المالك فجاء إنسان فقرب منه النار.

هذا ولا يخفى عليك الحال فيما لو حل رباط سفينة فغرقت بالحل أو غرقت بسبب حادث من هبوب ريح أو غيره ، وفي المسالك الجزم بالضمان في الأول ، وفي الثاني الوجهان ، والله العالم.

( ومن الأسباب ) الموجبة للضمان على نحو ضمان الغصب ( القبض بالعقد الفاسد ) كعقد البيع ونحوه من العقود الموجبة لانتقال الضمان إلى القابض ، بلا خلاف أجده فيه ، بل هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل في المسالك هو موضع وفاق ، لعموم « على اليد » (١) ولأن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، كما تقدم الكلام في ذلك مستوفى‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

٧١

في كتاب البيع (١) وغيره ، ولم نجد من تأمل في ذلك سوى المقدس الأردبيلي ، وهو في غير محله.

نعم قد يتأمل في وجه القاعدة المزبورة في صورة العكس ، وهي كل ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وإن كانت مسلمة بينهم أيضا كالأولى ، كما أوضحنا ذلك كله في محله.

ونزيد هنا بأن نقول : لعل الوجه في الإجماع المزبور في الصورتين أما الضمان في الأولى فلعموم « على اليد » ولأن الإقدام منهما قد وقع بعنوان المعاملة التي مقتضاها الضمان من دون نظر إلى صحتها وفسادها ، بل لاحظا مسماها المشترك بين الصحيح والفاسد ، والفرض أن مقتضاها الضمان الذي هو مضمون « على اليد » ولا فرق في ذلك بين العلم بالفساد والجهل به.

وأما الثانية فقد لاحظا مسماها المشترك بين الصحيح والفاسد الذي مقتضاه عدم الضمان ، فمع فرض كونه العنوان يترتب عدم الضمان على تقديري الصحة والفساد مع العلم والجهل به ، إذ عدم الضمان ليس من أحكام الصحيح منه ، ولا أن الاذن مقيدة بالصحيح منه ، ضرورة عدم ملاحظة ذلك لهما ، وإن زعما أو أحدهما الصحة لكنه لا على وجه تقيد الاذن بها ، بل ليس الصادر منهما ولا العنوان لهما إلا المسمى المشترك بين الصحيح والفاسد الذي مقتضاه عدم الضمان ، لعدم كونه من أحكام الصحيح منه فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع ، بل يمكن الجزم بأنه وجه الإجماع ، والله العالم.

( و ) منها أيضا ( القبض بالسوم ، فان القابض يضمن ) ‌

__________________

(١) راجع ج ٢٢ ص ٢٥٧ ـ ٢٦٠.

٧٢

عند الأكثر بل المشهور ، كما في المسالك وغيرها ، لعموم « على اليد ما أخذت » (١) المقتصر في الخروج منها على غير الفرض من الأمانة.

خلافا للمحكي عن موضع من السرائر والمختلف والإيضاح ومجمع البرهان بل في المسالك والكفاية ، وهو متجه للأصل بعد كون القبض المزبور باذن المالك ، فيكون أمانة كالوديعة.

وفيه منع اقتضاء ذلك عدم الضمان حتى في مثل الفرض ، خصوصا بعد الشهرة على الضمان فيه ، بل ربما أرسلوه إرسال المسلمات ، بل المحكي عن كثير ـ حتى المختلف والإيضاح والمسالك ومجمع البرهان ـ التصريح بالضمان فيما إذا دفع البائع لعبد كلي موصوف عبدين للمشتري ليتخير فأبق أحدهما إلحاقا له بالمقبوض بالسوم إن لم يكن منه ، لعموم « على اليد » (٢) وقد تقدم الكلام في ذلك كله أيضا.

ومنه يعلم عدم اختصاص الحكم بالمقبوض للشراء المعبر عنه بالسوم ، بل المراد منه الأعم من ذلك ، وهو كل مقبوض ، ليكون مضمونا عليه حينئذ ، فيندرج فيه قبض المرأة المال ليكون مهرا والرجل ليكون عوض خلع ونحو ذلك ، لاتحاد المدرك في الجميع ، والله العالم.

( وكذا استيفاء المنفعة بالإجارة الفاسدة سبب لضمان اجرة المثل ) أو الأقل منها ومن المسمى بلا خلاف أجده فيه ، لقاعدة « ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده » وعموم « على اليد » (٣) و « من أتلف » (٤) وأصالة احترام مال المسلم.

نعم في المسالك أن ضمان ذلك من باب المباشرة للإتلاف ، لا من‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

(٤) راجع التعليقة في ص ٦٠.

٧٣

باب الأسباب ، وإدخالها في السبب تجوز قال : « ومن حكم إتلاف مال الغير مع عدم تسليط المالك أن يلزمه العوض إما بعين إذا كان أو قيمة المثل أو أجرته عينا كان أو منفعة ».

وفيه أن المراد هنا بالسبب كون ذلك من أسباب الضمان ، لا أن المراد الضمان بالتلف السببي ، وفرق واضح بينهما.

وهل العين مضمونة بالاستيفاء؟ قال في جامع المقاصد : « الذي يلوح من كلامهم العدم ، والذي ينساق اليه النظر كونها مضمونة ، لأن التصرف في العين غير جائز ، فهو بغير حق ، فيكون في حال التصرف استيلاؤه عليها بغير حق ، وذلك معنى الغصب ، إلا أن كون الإجارة الفاسدة لا يضمن بها كما لا يضمن بالصحيحة مناف لذلك ، فيقال : إنه دخل معه على عدم الضمان بهذا الاستيلاء وإن لم يكن مستحقا ، والأصل براءة الذمة من الضمان ، فلا تكون العين بذلك مضمونة ، وإنما تضمن المنفعة خاصة ، ولولا ذلك لكان المرتهن ضامنا مع فساد الرهن ، لأن استيلاءه بغير حق ، وهو باطل ».

قلت : قد قدمنا الكلام مستوفى على وجه يعلم منه عدم المنافاة بين ضمان العين وبين القاعدة المزبورة ، ويعلم منه أيضا الفرق بين الرهن وبينهما ، فلاحظ وتأمل. فإنه مع ذلك قد يقوى عدم ضمانها أيضا ، والله العالم.

٧٤

( النظر الثاني)

(في الحكم )

لا خلاف بيننا في أنه ( يجب رد المغصوب ما دام باقيا ) بل الإجماع بقسميه عليه إن لم يكن ضرورة من المذهب ، مضافا إلى‌ قوله عليه‌السلام (١) في النصوص السابقة : « كل مغصوب مردود ».

بل الظاهر كون الحكم كذلك ( ولو تعسر ) واقتضى هدم البناء أو خراب السفينة ( كالخشبة تستدخل ( المستدخلة خ ل ) في البناء و ( أو خ ل ) اللوح في السفينة ) ضرورة بقائها على ملكه ووجوب ردها اليه فورا ، وقد سمعت‌ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) : « إن الحجر المغصوب في الدار رهن على خرابها ».

( و ) حينئذ فـ ( ـلا يلزم المالك أخذ القيمة ) خلافا لأبي حنيفة وتلميذه الشيباني ، فإنهما قالا بملك الغاصب لهما ، فلا يجب عليه ردها ولكن يلزمه قيمتها ، ولا ريب في مخالفة ذلك قواعد الإسلام بل الواجب عليه مع استخراجها رد أجرتها من حين الغصب الى حين الرد والأرش إن نقصت.

( وكذا ) الكلام فيما ( لو مزجه مزجا يشق تمييزه كمزج الحنطة بالشعير أو الدخن بالذرة ) وحينئذ ( يكلف تمييزه وإعادته ) ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٤ من كتاب الخمس ، وفيه‌ « الغصب كله مردود » ‌

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٥.

٧٥

نعم لو بلغت حد الفساد على تقدير الإخراج بحيث لا يبقى لها قيمة فلا خلاف ولا إشكال في وجوب تمام القيمة عليه.

ولكن هل يجبر على إخراجها؟ ظاهر الدروس العدم ، قال فيها : « يجب رد المغصوب إلى مالكه إجماعا ، ول‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « على اليد ما أخذت حتى تؤديه » وإن تعسر ، كالساجة في البناء واللوح في السفينة وإن أدى إلى خراب ملكه ، لأن البناء على المغصوب لا حرمة له ، ويضمن أرش نقصانهما وأجرتهما ، ولو علم تعيبهما وأنه لا ينتفع باخراجهما ضمنهما الغاصب بقيمتهما » بل عن صريح المبسوط ذلك أيضا.

بل في المسالك « ظاهرهم عدم وجوب ردها وأنها تنزل منزلة المعدومة » وإن قال بعد ذلك : « ولو قيل بوجوب إعطائها المالك إذا طلبها كان حسنا وإن جمع بين القيمة والعين ».

قلت : لكنه مناف‌ لقاعدة « لا ضرر ولا ضرار » ومناف أيضا لملك القيمة التي هي عوض شرعي يقتضي ملك معوضه للدافع ، اللهم إلا أن يقال : إنها عوض مالية وإن بقي هو مملوكا ، لكنه كما ترى ، وستسمع إنشاء الله تحقيق الحال في المسألة الآتية.

ولعل احتمال وجوب بقائها وأخذ الأجرة عنها خاصة أو مع القيمة للعين للحيلولة لتعذر إيصالها كما هي لكن مع ملاحظة سلب المنفعة الخاصة أيضا أولى وإن لم أجد من احتمله هنا.

وعلى كل حال فقد ظهر لك أنه لو أدرج لوحا مغصوبا في سفينة وجب قلعه إن لم يخف من نزعه هلاك نفس محترمة أو مال كذلك ، بأن كانت على وجه الأرض مثلا أو أدرجه في أعلاها على وجه لم يخش من‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤. وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

٧٦

نزعه الغرق ، وخلاف أبي حنيفة آت هنا.

وإن كانت في اللجة وخيف من النزع غرق حيوان محترم ـ آدمي أو غيره ـ أو مال كذلك لغير الغاصب الجاهل بالغصب ففي القواعد والتذكرة وجامع المقاصد والمسالك والروضة وظاهر غيرها عدم وجوب النزع ، بل في مجمع البرهان لا خلاف فيه ، جمعا بين الحقين ، ولاحترام روح الحيوان ، سواء كان الغاصب أو للغاصب أو غيره.

وفيه إمكان إلزام الغاصب ومن بحكمه بذبح الحيوان مقدمة لإيصال مال الغير الواجب عليه فورا ، ودعوى حرمة ذبحه لغير الأكل ممنوعة.

ولو كان المال للغاصب أو من بحكمه وهو العالم بأن فيها لوحا مغصوبا فالظاهر وجوب النزع ، وفاقا للفاضل في القواعد والتحرير وولده والشهيد والكركي ، بل هو قضية إطلاق المصنف وغيره ، بل في المسالك نسبته إلى صريح الأكثر ، لأن دفع المغصوب واجب فورا ، ولا يتم إلا به ، والضرر هو الذي أدخله على نفسه بعدوانه الذي لا يناسبه التخفيف.

وعن المبسوط والتذكرة وظاهر السرائر عدم وجوب النزع ، لأن السفينة لا تدوم في البحر ، فيسهل الصبر إلى انتهائها إلى الشط ، فتؤخذ القيمة للحيلولة إلى أن يتيسر الفصل ورد اللوح مع أرش النقص إن نقص جمعا بين الحقين ، بخلاف الساجة في البناء الذي لا أمد له ينتظر.

وهو كما ترى مجرد اعتبار لا يرجع إلى محصل ، ودعوى سقوط المقدمة لقاعدة الضرر ونفي الحرج واضحة السقوط بعد أن كان هو السبب في إدخالهما عليه.

بل لو اختلطت السفينة بسفن كثيرة للغاصب ولم يوقف على اللوح إلا بفصل الكل فالظاهر ذلك أيضا للمقدمة ، وإن حكي عن الشافعية احتمال العدم ، لكنه في غير محله ، لما عرفت من تطابق النص والفتوى‌

٧٧

على إلزام (١) الغاصب هنا بالأشق على وجه يقدم على نفي الضرر والحرج ، كما أومأ عليه‌السلام إليه بقوله (٢) : « الحجر المغصوب في الدار رهن على خرابها » ضرورة اقتضائه رده على مالكه وإن استلزم خراب الدار أجمع ، كما هو واضح.

بل قد يقال : إن للمالك أخذ ماله من الغاصب الممتنع عن دفعه في كل حال وإن استلزم ذلك تلف نفس الغاصب مع فرض عدم التمكن منه إلا في الحال المزبور ، وخصوصا مع حاجة المالك له في تلك الحال لحفظ نفسه مثلا ، فان احترام نفس الغاصب في الفرض غير معلوم ، ولعل قوله تعالى (٣) ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) يشعر بذلك ، ضرورة ظهوره في سقوط احترامه بالبغي والعدوان وإن كان في غير المفروض كما قدمنا الكلام فيه سابقا.

بل قد يشعر به في الجملة سقوط احترامه في الدفاع عن المال ولو يسيرا ، اللهم إلا أن يفرق بينهما بأن ذلك حيث يمكن رفع الغاصب يده عن الغصب ، فمع امتناعه يسقط احترامه ، بخلاف الفرض الذي يجب فيه على الغاصب حفظ نفسه المفروض توقفه على بقاء العين المغصوبة في يده ، بل له أخذ مال الغير قهرا ابتداء مقدمة للحفظ.

وفيه إمكان منع الرخصة له في بقاء المغصوب في يده حفظا لنفسه باعتبار كونه باغيا وعاديا قبل حال الاضطرار ، فلا رخصة له ، وفرق بينه وبين الاضطرار ابتداء لأخذ مال الغير لحفظ نفسه ، لعدم البغي‌

__________________

(١) في النسخة الأصلية المبيضة « التزام » والصحيح ما أثبتناه كما هو كذلك في النسخة المخطوطة بقلمه الشريف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٥.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٣.

٧٨

والعدوان قبل حال الضرورة ، مع أنه يمكن منع الرخصة فيه إذا فرض توقف حياة المالك على بقائه ، لأنه لا تقية في الدماء ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

( ولو خاط ثوبه ) مثلا ( بخيوط مغصوبة فإن أمكن نزعها ) على وجه تصل إلى مالكها ( الزم ) الغاصب ( ذلك ) وإن استلزم فساد الثوب ( وضمن ما يحدث من نقص ).

( ولو خشي تلفها بانتزاعها لضعفها ضمن القيمة ) كما في القواعد والدروس وغيرهما (١) لكونه كالمعدوم باعتبار تعذر رده ، وظاهرهم عدم وجوب الإخراج حينئذ ، كما اعترف به في المسالك ، ولكن في جامع المقاصد في شرح عبارة القواعد التي هي كعبارة المصنف « ولو طلب المالك نزعها وإن أفضى إلى التلف وجب ، ثم يضمن الغاصب النقص ، ولو لم يبق لها قيمة غرم جميع القيمة ، ولا يوجب ذلك خروجها عن ملك المالك ، كما سبق من أن جناية الغاصب توجب أكثر الأمرين ولو استوعبت القيمة أخذها ولم تدفع العين ».

ونحوه في المسالك ، قال : « الخيط المغصوب إن خيط به ثوب ونحوه فالحكم كما في البناء على الخشبة ، فللمالك طلب نزعه وإن أفضى إلى التلف ، ويضمن الغاصب النقص إن اتفق ، وإن لم يبق له قيمة ضمن جميع القيمة ، ولا يخرج بذلك عن ملك المالك كما سبق ، فيجمع بين العين والقيمة ».

وهو كما ترى مناف لظاهرهم الذي اعترف به في المسالك سابقا ، ومن هنا جزم في مجمع البرهان بعدم وجوب النزع في مثل الفرض ؛ بل قال : « يمكن أنه لا يجوز ، وتتعين القيمة لأنه بمنزلة التلف ، فتلزمه‌

__________________

(١) وفي النسختين الأصليتين المسودة والمبيضة « وغيرها ».

٧٩

القيمة فقط ، وحينئذ يمكن جواز الصلاة في ذلك الثوب المخاط ، إذ لا غصب فيه يجب رده ، كما قيل بجواز المسح بالرطوبة من الماء المغصوب الذي حصل العلم بحاله بعد الغسل وقبل المسح ».

وهو جيد موافق لما قلناه سابقا من اقتضاء ملك المالك القيمة خروج المغصوب عن ملكه ، لكونها عوضا شرعيا عنه ، وقد تقدم سابقا في وطء حيوان الغير الموجب لدفع القيمة عنه ما يؤكد ذلك في الجملة.

بل قد تقدم أيضا أن من كان في يده المغصوب لو رجع المالك عليه وغرمه كان له الرجوع على من استقر التلف في يده ، على وجه يملك ما كان في ذمته للمالك عوض ما أداه.

بل ستسمع ملك الغاصب المغصوب إذا أدى قيمته للحيلولة وإن كان متزلزلا ، بل كان ذلك مفروغ منه عند التأمل في كلماتهم في مقامات متعددة ظاهرة أو صريحة في أن المؤدي عن المضمون عوض شرعي عنه على وجه يقتضي الملك للطرفين ، من غير فرق بين الموجود من العين مما لا قيمة له وبينها إذا كانت كذلك لو انتزعت ، كما في الفرض الذي يتعذر فيه الرد لنفس العين المغصوبة.

بل لعل قول المصنف وغيره ( وكذا لو خاط بها جرح حيوان له حرمة لم تنتزع إلا مع الأمن عليه تلفا وشينا ، و ) إلا ( ضمنها ) مؤيد لذلك ، ضرورة اقتضائه جواز التصرف للآدمي مثلا بما خيط به جرحه ، وليس ذلك إلا للخروج عن ملكه بضمان القيمة له بتعذر الرد لاحترام الحيوان ، وإن كان لنا نظر وتأمل في أصل ما ذكروه هنا.

قالوا واللفظ لثاني الشهيدين منهم في المسالك : « إن خيط به جرح حيوان فهو إما محترم أو غيره ، والمحترم إما آدمي أو غيره ، فالآدمي إن خيف من نزعه تلفه أو غيره من المحذور المجوز للعدول إلى التيمم‌

٨٠