جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ذلك ، ينفعك في المقام ونظائره ، والله العالم والهادي.

( ومن حيل الاسقاط ) ولو بمعنى إيجاد ما يمنع رغبة الشفيع بأخذه ، والظاهر عدم الكراهة في ذلك للأصل فضلا عن الحرمة ، اللهم إلا أن يقال بعد التسامح بإشعار الأدلة بها باعتبار مراعاة الشريك ، والأمر سهل. وهي كثيرة ولكن منها ( أن يبيع بزيادة على ( عن خ ل ) الثمن ) الذي يبذل في مثله على وجه لا يرغب فيه معها ( و ) لكن مع المواطاة بينهما على أن ( يدفع ب ) مقابلة ( الثمن ) الزائد ( عوضا قليلا ، فإن أخذ الشفيع لزمه الثمن الذي تضمنه العقد ، وكذا لو باع بثمن زائد فقبض بعضا وأبرأه من الباقي ) للمواطأة على ذلك.

ولكن لا يخفى أن ظاهر المصنف وغيره لزوم الثمن للمشتري مع المواطاة المزبورة على وجه لو فرض خلف البائع في ذلك استحقها على المشتري ، بل كاد يكون ذلك صريح كلامهم.

لكن في التحرير « لو خالف أحدهما ما تواطئا عليه فطالب صاحبه بما ظهر لزمه في ظاهر الحكم ويحرم عليه في الباطن ، لأن صاحبه إنما رضي بالعقد للتواطؤ ».

وهو ـ مع ما فيه من صعوبة تصور خلف المشتري في المواطاة على وجه يلتزم بسببه في الكثير ـ أنه لا يطابق ظاهر الأدلة ، إذ أقصاه مخالفة الوعد أو ما يشبهه ، ولا إثم فيها على الأصح فضلا عن حرمة المال ، وتنزيله على الشرط المضمر على وجه يكون للمشتري دون الشفيع كما ترى ، نعم لو تواطئا على الإقرار في الظاهر فطالبه البائع مثلا بذلك كان حراما عليه في الباطن ، ولكنه غير مفروض المسألة قطعا.

والانصاف أن المسألة محتاجة إلى تنقيح على وجه يظهر منه ما هو‌

٤٤١

المعروف من عدم جواز الصلح عن الحقوق بحيث تؤدي إلى سقوطها بأمثال هذه الحيل ، وله مقام آخر.

( وكذا ) من حيلها على وجه لا يتعلق حقها ( لو نقل الشقص بغير البيع كالهبة أو الصلح ) ونحوهما مما لا يتعلق به حق الشفعة ، لما عرفته سابقا من أن موضوعها انتقال الشقص بالبيع دون غيره من النواقل وهو واضح.

كوضوح تصور أمور كثيرة للرغبة عنها أو غير ذلك مما تقتضي عدم أخذ الشفيع بها وإن أكثر بعضهم في الأمثلة لذلك ، والله العالم.

( ولو ادعى ) الشفيع ( على ) غير ( ه‍ الابتياع فصدقه وقال : نسيت الثمن فالقول قوله مع يمينه ) كما صرح به الفاضل والشهيدان والكركي ، لأنه لا يعلم إلا من قبله ، ولو لم يقبل لزم التخليد في الحبس على تقدير صدقه.

وحينئذ ( فإذا حلفه ) ويأس من العلم ( بطلت الشفعة ) بمعنى عدم ترتب أثر على استحقاقها ، لتعذر العلم بالثمن الذي قد عرفت توقف الأخذ عليه ، لكن إن لم يكن إجماعا أمكن المناقشة في تعجيل القبول منه من دون تبين حاله بأنه مدع ، فإن الأصل عدم النسيان.

وعلى الأول فان لم يحلف وقضينا بالنكول فان كان الشفيع يدعي العلم بقدر معين ثبت وأخذ بالشفعة به ، وإن لم نقض به حلف الشفيع على ما يدعيه وأخذ به.

وإن كان لا يدعي العلم به وإنما يدعي علم المشتري ففي المسالك « احتمل عدم سماع الدعوى بعد ذلك ، لعدم إمكان الحكم بشي‌ء وإحلاف الشفيع على أن المشتري يعلم وحبس المشتري حتى يبين قدره ».

قلت : لا يخفى عليك جريان مسألة النكول السابقة هنا أيضا.

٤٤٢

ولو ادعى الشفيع العلم بالثمن من أول الأمر من غير دعوى العلم به على المشتري وادعى المشتري النسيان فهل يثبت بيمين الشفيع هنا؟ ففي جامع المقاصد فيه نظر. قلت : أقواه العدم. ولعله كذلك لو صادقة على النسيان ، وهو المناسب لإطلاق المصنف وغيره أنه إذا حلف على النسيان بطلت الشفعة سواء ادعى الشفيع العلم به أو لا.

ولو ادعى المشتري أن عدم العلم بالثمن لأنه كان عرضا قيميا وأخذه البائع وتلف في يده ولا أعلم قيمته فالقول قوله مع يمينه بلا خلاف ولا إشكال ، وكذا لو قال : « أخذه وكيلي ولا أعلم به » أو نحو ذلك مما هو غير مناف للأصل ، وهو ممكن ، ولو لم يقبل منه يلزم تخليده في السجن ، والله العالم. هذا كله إذا كان الجواب بنحو ما سمعت.

( أما لو قال : لم أعلم كمية الثمن ) مقتصرا على ذلك ( لم يكن جوابا صحيحا و ) في القواعد والتحرير وجامع المقاصد والمسالك ( كلف جوابا ) صحيحا ( غيره ) معللا في أول الأخيرين بإجماله واحتماله ، وفي ثانيهما بأنه « مشترك بين أن يكون لا يعلم ابتداء من حين الشراء ، وهو غير مسموع ، لاقتضائه بطلان البيع ، وأن يكون غيره من الوجهين السابقين ، فلا بد من تفصيله ، وحينئذ فيلزم بجواب مسموع فإن أصر حبس حتى يجيب ».

قلت : قد يناقش بأن احتماله للصحة كاف في صحته ، ولا داعي إلى عقوبته بحبسه حتى يجيب معينا له.

( و ) كيف كان ففي المتن وغيره وإن كنا لم نتحققه ( أنه قال الشيخ : يرد اليمين ) حينئذ ( على الشفيع ) ويقضي على المشتري بما يحلف عليه ، أي مع فرض دعوى العلم به ، أما بدونه فلا ، لعدم إمكان حلفه.

نعم في المسالك « لو فرض دعوى الشفيع هنا عدم علمه لكن‌

٤٤٣

ادعى علم المشتري حلف على ذلك وألزم المشتري البيان ، ثم إن عين قدرا وطابقه عليه الشفيع حكم بمقتضاه ، وإلا فإشكال ».

قلت : لا يخفى عليك ما في أصل القول المزبور ضرورة كون المتجه إلزامه بالبيان لا القضاء بيمين الشفيع كما هو واضح ، والله العالم.

( المقصد الخامس )

(في التنازع )

(وفيه مسائل : )

( الأولى : )

( إذا اختلفا ) أي الشفيع والمشتري ( في ) قدر ( الثمن ) بعد اتفاقهما على وقوع الشراء فقال المشتري : ألف مثلا وقال الشفيع :خمس ماءة ( ولا بينة فالقول قول المشتري مع يمينه ) عند الشيخين وسلار وأبي الصلاح والقاضي وبني زهرة وإدريس وسعيد والفاضل والشهيد وغيرهم ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل لا يكاد يوجد فيه خلاف إلا من الإسكافي وظاهر ثاني الشهيدين في المسالك ، بل في الغنية الإجماع عليه ( لأنه الذي ينتزع الشي‌ء من يده ) ولأنه الذي هو أعرف بالعقد ولأنه الغارم ، ولأنه ذو اليد ، ولأنه الذي يترك لو ترك ، ولأن المشتري‌

٤٤٤

لا دعوى له على الشفيع ، إذ لا يدعي شيئا في ذمته ولا تحت يده ، وإنما الشفيع يدعي استحقاق ملكه بالشفعة بالقدر الذي يعترف به الشفيع والمشتري ينكره ، ولا يلزم من قوله اشتريته بالأكثر أن يكون مدعيا عليه وإن كان خلاف الأصل ، لأنه لا يدعي استحقاقه إياه عليه ، ولا يطلب تغريمه إياه.

لكن مع هذا كله مال في المسالك إلى تقديم قول الشفيع وفاقا للإسكافي مناقشا في بعض الأدلة السابقة في الأول ، فمنع ( بمنع خ ل ) كون المالك لا تزال يده عن ملكه إلا بما يدعيه ، فقد يقدم قول المنكر في كثير في البيع وغيره ، خصوصا مع تلف العين ، وتخصيص هذا بما إذا كانت العين باقية ليكون كتقديم قول البائع في الثمن مع بقاء العين فيه ـ مع كونه تخصيصا لمدعي ( لدعوى خ ل ) القائل بغير رضاه ـ أن تقديم قول البائع حينئذ ليس لهذه العلة ؛ بل لرواية (١) وردت في ذلك كما تقرر في بابه ، ومن ثم خالف فيه جماعة وأطرحوا الرواية إما لضعف سندها أو لمخالفتها للأصول وقدموا قول المشتري مطلقا أو حكموا بالتحالف إلى غير ذلك من الاختلاف ، وتعدية الرواية إلى موضع النزاع مع تسليمها في موردها قياس لا يقولون به ».

وفي الثاني بأن « النزاع ليس في العقد ، لاتفاقهما معا على وقوعه صحيحا واستحقاق الشفعة به ، وإنما النزاع في القدر الواجب على الشفيع دفعه إلى المشتري من الثمن ، فالمشتري يدعي زيادته عما يدعيه الشفيع والشفيع ينكره ، فيكون المشتري هو المدعي والشفيع هو المنكر ».

ثم اعترض على نفسه بأن العقد لا يتشخص إلا بالثمن المعين ، فيكون الاختلاف فيه في قوة الاختلاف في العقد ، لأن المتشخص منه بالألف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب أحكام العقود ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

٤٤٥

غير المتشخص منه بالخمسمائة ، فيرجع إلى الاختلاف في العقد ، وهو أعلم به ، لأنه من فعله دون الشفيع.

وأجاب بأن القدر من العقد الواقع على الشقص مع كون الخمسمائة لازمة أمر متفق عليه ، وإنما النزاع فيما زاد على ذلك ، وهو راجع إلى دعوى المشتري وإنكار الشفيع ، على أن هذا لو تم لزم تقديم مدعي الزيادة في كل معاوضة ، سواء كانت العين باقية أم لا ، وهم لا يقولون به.

ثم اعترض على هذا بأن عقد البيع مثلا إنما يقوم بالمتعاقدين فليس أحدهما أولى من الآخر ، فلذا لم يقدم قول مدعي الزيادة مطلقا ، بخلاف الشفيع الذي هو خارج ويريد انتزاع العين بما يدعيه ممن كان لعقد عقده.

وأجاب بفرض وقوع العقد مع البائع ووكيل المشتري أو بالعكس ثم تنازعا من دون حضور الوكيل ، فيلزم تقديم قول من وقع العقد معه ولا يقول به الخصم ، إلى أن قال : وبالجملة فمرجع التقديم إلى كونه منكرا والآخر مدعيا نظرا إلى الخبر (١) أما غيره من الاعتبارات فلا التفات إليها من الشارع ، وإنما هي مناسبات لا تفيد العلة.

وفي الأخير بأنه ـ مع منافاته لظاهر الخبر ـ (٢) لا يتم بعد أخذ الشفيع بالشفعة إما برضا المشتري بتأخير الثمن في ذمته أو مطلقا بناء على أن أخذه المعتبر في التملك بذله الثمن المتفق على لزومه لذمته لا ما يدعيه المشتري ، فإذا أخذ الشفيع بما اعترف به ملك الشقص وبقي النزاع بينه وبين المشتري في القدر الزائد ، ولو كان ملكه متوقفا على إعطاء المشتري‌

__________________

(١) إشارة إلى‌ قوله ( ص ) : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » ‌المروي في الوسائل في الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٣ من كتاب القضاء.

(٢) إشارة إلى‌ قوله ( ص ) : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » ‌المروي في الوسائل في الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٣ من كتاب القضاء.

٤٤٦

ما يدعيه لزم إمكان دفعه عن التملك بسهولة ، كدعوى قدر كثير لا يسمح به الشفيع من غير أن يثبته المشتري ، وعموم الأدلة تنفيه.

ولا يخفى عليك ما في كلامه الأخير ، ضرورة عدم اقتضاء اتفاقهما على لزومه كونه الثمن الذي وقع عليه العقد ، فكيف يتصور تملكه به مع عدم ثبوت كونه ثمنا؟! ومجرد دعواه لا تثبته ، وأصالة عدم الزيادة لا تصلح لإثبات كون الثمن هو الناقص.

نعم لو فرض اتفاقهما على الثمن وأخذ الشفيع برضا المشتري بكونه في ذمته ثم اختلفا فيه بعد ذلك أمكن تصوره حينئذ ، لكنه ـ مع أن فيه ما فيه إذا فرض إبراز كيفية الدعوى بينهما في تشخيص ما اتفقا عليه سابقا من الثمن ـ أيضا خارج عن محل النزاع الذي هو اختلافهما ابتداء فيه.

ومن هنا يعلم أيضا ما في تفصيل صاحب الكفاية ـ الذي تصيده من هذه العبارة وعبارة الكركي ـ بين وقوع النزاع قبل الأخذ وبينه بعده ، فيقدم قول المشتري في الأول والشفيع في الثاني ، مضافا إلى ما في الرياض من أنه خرق للإجماع المركب.

وأما ما ذكر من المنافاة للخبر ففيه أنه لا يقتضي كون الشفيع هو المنكر ، ضرورة أنه إن كان مبناه الرجوع إلى العرف فلا ظهور فيه بأنه المنكر دون المشتري إن لم يكن العكس. ومنه يعلم ما في قوله : وبالجملة إلى آخره.

وأغرب من ذلك قوله في الجواب عن المناقشة الأولى : « القدر في العقد الواقع على الشقص مع كون الخمسمائة لازمة أمر متفق عليه » إلى آخره ، ضرورة أنه لا اتفاق بينهما بعد فرض كون النزاع بينهما في شخصي العقد الذي لا قدر مشترك بينهما ، فان الخمسمائة في ضمن الألف‌

٤٤٧

غيرها مستقلة ثمنا فكيف يمكن حصول قدر متيقن بينهما والنزاع في غيره؟! فليس هما إلا متباينان ، وما بينهما من الاتفاق الانتزاعي لا مدخلية له في تشخيص كونه ثمنا كما هو واضح بأدنى تأمل.

ومنه ينقدح أنه يتوجه كون كل منهما مدع بالنسبة إلى ذلك ، لمخالفتهما للأصل كما ذكرناه فيما لو اختلف المتعاقدان وقد أبرز الدعوى في تشخيص العقد ، فضلا عن المقام الذي عنوان الحكم فيه نصا وفتوى الثمن الذي وقع عليه شخص العقد ، ولا ريب في عدم حجية قول أحد منهما في ذلك.

نعم يتوجه اليمين للشفيع على المشتري في نفي ما ادعاه من الثمن ، كما أنه قد يقال بتوجه اليمين للمشتري عليه أيضا في نفي ما ادعاه مع احتمال عدمه ، لأنه لا فائدة فيه بعد وقوع اليمين منه.

ولكن على كل حال لا يثبت بذلك أن الثمن هو ما ذكره أحدهما إلا مع رد اليمين من أحدهما ، وإلا فمع عدمه ينتفي ما ذكره كل واحد منهما ، إلا أنه لا طريق متيقن لتملك الشفيع الشقص إلا بدفع ما يقوله المشتري ، لأصالة عدم الانتقال ، وليس ذلك منهما مؤديا إلى جهالة الثمن التي قد عرفت اقتضاؤها عدم الشفعة ، ضرورة العلم به لكل منهما.

وإن اختلفا في قدره فمع دفع الشفيع ما يدعيه المشتري يتوجه له التملك ، لأنه ثمن على التقديرين ، وليس في الأدلة ما يقتضي منع التملك مع دفع الزيادة على الثمن المعلوم عند الدافع ، نعم حكمها الحرمة على المشتري مع كذبه وحلها له مع صدقه ، وهو أمر آخر ، وهو جيد لكن لم أعثر عليه قولا لأحد منا ، بل ولا احتمالا وإن وافق المشهور في النتيجة ، وهو الأخذ بما يدعيه المشتري ، إلا أنه ليس لثبوت كونه ثمنا بقوله ولكن لا يقين بملك الشفيع بدونه.

وليس في شي‌ء من الأصول بل ولا ما ذكرناه من أدلة المشهور‌

٤٤٨

ما يقتضي كون قول المشتري بيمينه من الطرق الشرعية لإثبات كونه الثمن الذي وقع عليه شخص العقد.

ولكن مع ذلك كله لا محيص عن العمل بالمشهور المحكي عليه الإجماع في الغنية الذي تطمئن النفس هنا بصوابه ، والله العالم.

هذا كله مع عدم البينة لكل منهما ( و ) إلا ففي محكي المبسوط والتذكرة والتحرير أنه ( إن أقام أحدهما بينة قضي له ) وهو كذلك بناء على ما ذكرناه من أن كلا منهما مدع.

أما على المشهور فقد يشكل سماع بينة المشتري الذي هو منكر وفرضه اليمين ، وقد ذكرنا في كتاب القضاء أنه لا تندفع اليمين عنه بإقامة البينة.

وعن حواشي الشهيد أن الأقرب القبول وإن كان في دفع اليمين عن المنكر بالبينة في غير هذه الصورة تردد ، ووجه الفرق أنه يدعي دعوى محضة وقد أقام بها بينة ، فتكون مسموعة.

وفيه شهادة على ما ذكرناه سابقا من كون المشتري مدعيا ، ومن هنا أشكله في جامع المقاصد والمسالك ، بل في الأول منهما أنه لا يخلو من تدافع.

قلت : قد يقال : إن تقديم بينة المشتري عند القائل به ليس لكونه منكرا صرفا بل هو مدع ، إلا أن قوله مقبول فيما ادعاه على وجه يقدم على الشفيع كالودعي الذي يدعي الرد مثلا ، فان قبول قوله بيمينه لا يمنع من قبول بينته لكونه مدعيا ، وليس كل من قبل قوله بيمينه منكرا ، بل لعل بعض ما سمعته من أدلة القائلين بتقديم قول المشتري كالصريح في ذلك.

وبذلك يظهر لك ما في دعوى بعض من أن ما في الخلاف والمبسوط ـ من أنه لو أقام كل منهما بينة حكم ببينة المشتري ـ يوافق ما سمعته من‌

٤٤٩

الإسكافي من أن المنكر الشفيع وإلا لم تقدم بينة المشتري الذي هو الداخل مع أنه يمكن أن يكون ذلك لأن مذهبه تقديم بينة الداخل كما حكي عنه ، إلا أن ما ذكرناه أولا أولى كما يشهد له ما عن الخلاف من تعليل تقديمه بأنه مدعي الزيادة ، فيكون الوجه في تقديم بينته أنه كان يقدم قوله بدونها فمعها أولى ولا أقل من تعارض البينتين من المدعيين إلا أنه يرجح بينة المشتري بتقديم قوله بدونها فيقوى جانبه بذلك.

ومن هنا يظهر لك ضعف ما تسمعه من قول المصنف : « وفيه احتمال للقضاء ببينة الشفيع ، لأنه الخارج » بل في قواعد الفاضل وجامع المقاصد ومحكي السرائر والتذكرة والكفاية أنه الأقرب ، بل عن الفخر الميل إليه.

ولعله لتقديم بينة الخارج بناء على أنه الشفيع والداخل المشتري ، وإن كان فيه ما عرفت من احتمال منع كونه من ذلك ، لأن كلا منهما مدع وإن قدمنا قوله مع عدم البينة على حسب ما عرفت.

ولذلك قال في المختلف بعد أن اختار تقديم بينة المشتري : « وهذا بخلاف الداخل والخارج ، لأن بينة الداخل يمكن أن تستند إلى اليد ؛ فلهذا قدمنا بينة الخارج ، وفي صورة النزاع البينة تشهد على نفس العقد كشهادة بينة الشفيع ».

ومراده في الحقيقة ما ذكرناه من أن كلا منهما مدع وإن قدم قوله مع عدم البينة للإجماع المزبور ونحوه ، بل هو مرجح لبينته لا أنه يكون به منكرا.

وحينئذ فمناقشة الكركي وثاني الشهيدين له بأن تقديم بينة الخارج عند القائل به ليس لذلك فقط ، بل لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٣ من كتاب القضاء.

٤٥٠

« البينة على المدعي واليمين على من أنكر » والخارج مدع في غير محلها بعد ما عرفت.

بل إليه يرجع ما عن الخلاف من تعليل تقديمه بأن المشتري يدعي زيادة الثمن والشفيع ينكره ، أي فهو بحكم المنكر ولو من وجه ، نعم يحكي عن مبسوطة التعليل بأنه داخل فتقدم بينته.

وكيف كان فلا يخفى ما في كلامهم من التشويش ، وسببه عدم تنقيح الأمر أولا ، والتحقيق ما عرفت من كونهما مدعيين على الوجه الذي ذكرناه ، فتأمل جيدا.

ولعله لذا كان المحكي عن جامع الشرائع القول بالقرعة هنا ، إذ ليس إلا لأن تنازعهما في العقد ، ولا داخل ولا خارج ، إذ لا يدلهما ، فصارا كالمتنازعين في عين في يد غيرهما ، فتجب القرعة كما اعترف بذلك في المختلف وإن ناقشه في جامع المقاصد بأن تنازعهما في استحقاق العين بالثمن المخصوص ، وبأن القرعة في الأمر المشكل الذي لم يدل النص على حكمه وما نحن فيه ليس كذلك ، أي باعتبار‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » لكن فيه ما عرفت من احتمال عدم كونه منكرا عنده ، بل مدع قدم قوله ، لكونه أعرف بالعقد أو نحو ذلك ، وأنه باعتبار التنازع في التشخيص صار دعوى كل منهما مباينة للأخرى ليس بينهما قدر مشترك متفق عليه كما أوضحناه سابقا ، نعم يتجه عليه أنه لا إشكال مع الترجيح بما عرفت ، والله العالم.

( و ) كيف كان فقد صرح الشيخ والفاضل والكركي والشهيدان على ما حكي عن بعضهم بأنه ( لا تقبل شهادة البائع لأحدهما ) بل لا أجد فيه خلافا صريحا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٣ من كتاب القضاء.

٤٥١

نعم يحكي عن السرائر أنه اقتصر على عدم قبول شهادته للشفيع ، لأنه يدفع عن نفسه ضرر الدرك ، وربما أشعر بقبولها للمشتري ، لكن لم أجد من حكاه.

وفي قواعد الفاضل والدروس أنه يحتمل القبول على الشفيع مع القبض وله بدونه ، بل قيل قد استحسنه في التذكرة وقواه في الحواشي وكأنه مال إليه في الإيضاح.

وعلى كل حال ففي جامع المقاصد والمسالك تعليل عدم القبول مطلقا بأنها تجر نفعا على التقديرين ، وهو استحقاق الثمن الكثير وبدله إن ظهر مستحقا أو رد العين إن شهد للمشتري ، بل ربما كان له غرض بعود المبيع إليه بفسخ المشتري إذا علم بالعيب أو الغبن ويخشى فوات ذلك بأخذ الشفيع فينفره من الأخذ بكثرة الثمن والتخلص من ضمان درك الزيادة لو شهد للشفيع ، بل ربما حاول بذلك إسقاط خيار الغبن أو قلة الأرش لو ظهر المبيع معيبا ، بل ربما كان عالما بالعيب ويتوقع المطالبة بأرشه وربما خاف رد المشتري له بالعيب أو الغبن دون الشفيع ، فيرغبه في الأخذ بتقليل الثمن إلى غير ذلك مما لا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه في كتاب الشهادات.

بل ذكروا فيها ما يعلم منه عدم كون المقام من رد الشهادة بجر النفع الذي هو عندهم ما يكون الشاهد به مدعيا كشهادة الشريك لشريكه ونحو ذلك ، بل لا جر نفع بعد إقرار المشتري بالثمن.

نعم ما نحن فيه من كون الشاهد متهما ، لكن قد ذكرنا عدم ردها بمطلق التهمة ، بل التهمة المخصوصة المستفادة من الأدلة.

ولعله لذا قال بعض المعاصرين : إن الأقوى القبول مطلقا ، ولكنه مخالف لمن عرفت ، ويمكن الاستدلال له بما عن المبسوط من تعليله بأنها‌

٤٥٢

شهادة على فعله ، والمنساق من إطلاق الأدلة خلافه.

وأما احتمال التفصيل المزبور المستفاد من السرائر فلا وجه معتد به له ، كالتفصيل الذي سمعته من الفاضل ، ولعل الأولى عدم القبول مطلقا ، والله العالم.

وكيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا تفصيل الحال في الصور الأربعة وهي عدم البينة أو البينة للمشتري أو للشفيع ( و ) الرابعة التي هي ( لو أقام كل منهما بينة ) وأن الأولى فيه ما ذكره المصنف من أنه ( حكم ببينة المشتري و ) إن كان ( فيه احتمال للقضاء ببينة الشفيع لأنه الخارج ) لكن قد عرفت تفصيل الحال فيه ، والله العالم.

( ولو كان الاختلاف بين المتبايعين ) في قدر الثمن ( ولأحدهما بينة حكم بها ) بلا خلاف ولا إشكال بناء على التحالف مع عدمها ، أما على القول بتقديم قول المشتري مطلقا فيشكل سماع بينته على وجه يسقط عنه اليمين بما عرفت من أنه منكر ووظيفته اليمين.

بل وعلى المشهور من أن القول قول البائع مع بقاء السلعة والمشتري مع تلفها ، بناء على أن كل من كان القول قوله كان هو المنكر ، فلا تسمع منه البينة ، لأن عليه اليمين ، فيشكل حينئذ سماعها من البائع مع البقاء ومن المشتري مع التلف.

لكن قد عرفت ما يعرف منه الجواب عن ذلك ، كما أنه قد تقدم في كتاب البيع (١) تحقيق الحال في المسألة بجميع أطرافها.

( و ) منه ما ( لو كان لكل منهما بينة ) وإن ( قال الشيخ ) في المبسوط ( الحكم فيها ) حينئذ ( بالقرعة ) عندنا التي هي لكل أمر مشتبه ، ومنه هذا.

__________________

(١) راجع ج ٢٣ ص ١٨٤ ـ ١٨٦.

٤٥٣

( و ) لكن ( فيه إشكال ، لاختصاص القرعة بموضع اشتباه الحكم ) كما اعترف به ( ولا اشتباه مع الفتوى ) من المشهور ( ب ) الخبر المزبور (١) المتضمن ( أن القول قول البائع مع يمينه مع بقاء السلعة ، فتكون البينة ) هنا ( بينة المشتري ) كما صرح به الفاضل والكركي والشهيد في المحكي من حواشيه ، واستحسنه في المسالك ، بل قيل إنه قضية كلام التذكرة والإيضاح ، إذ الفرض بقاء العين التي يأخذها الشفيع ، فيكون هو الخارج الذي تقدم بينته بناء على القول به.

بل ربما تجشم لكون البائع منكرا من غير جهة قبول قوله إنه لما عين السبب وشخصه بوقوع الثمن على الزائد لم يكن معترفا بالملك مطلقا بل على ذلك الوجه الذي إن ثبت ثبت به الثمن المخصوص ، فيكون منكرا لما يدعيه المشتري ، فوجب عندهم تقديم بينة المشتري وإن كان هو كما ترى.

نعم في الإيضاح « أن بينة المشتري مقدمة ولو قلنا بالتحالف مع عدم البينة ، لأنها مخالفة لأصلين : انتقال الملك ورضا البائع بهذا العوض وبينة البائع تخالف أصلا ، وهو عدم رضا المشتري بالزيادة ، أي فيكون المشتري هو الخارج الذي تقبل بينته ».

مع أنه يمكن أن يناقش أيضا بأنه مع اعتبار الأصلين لا معنى للتحالف ، بل يتعين حلف المشتري ، وإلا فلا معنى لترجيح بينته بهما.

بل ناقشه في جامع المقاصد بأن أصالة عدم انتقال الملك إليه قد زالت باعتراف البائع بحصول البيع الناقل للملك وإن كان قد يدفع بإمكان إرادة أصالة عدم انتقال الملك إلا بما يقوله مالكه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب أحكام العقود ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

٤٥٤

لكن التحقيق مع إبرازهما الدعوى على وجه يكون كل منهما مدعيا ومنكرا يتجه قول الشيخ بالقرعة مع عدم الترجيح ، وزيادة مخالفة الأصول على فرض تسليمها لا تقتضي جعله مدعيا بحيث ترجح بينته على الآخر.

وإن أبرزها على وجه يكون البائع مدعيا والمشتري منكرا أو بالعكس إن أمكن فرضه بني على مسألة ترجيح بينة الداخل والخارج ، والله العالم.

( و ) كيف كان فعن قضية كلام المبسوط أنه ( إذا قضي بالثمن تخير الشفيع في الأخذ بذلك وفي الترك ) حتى في صورة عدم البينة لأحدهما ، وحلف البائع باعتبار أن القول قوله ، لقيام العين التي يريد الشفيع أخذها ، فضلا عن صورة ما لو أقام بينة بذلك بناء على قبولها منه.

ووجهه أنه الثمن شرعا ، والشفيع إنما يأخذ به ، بل قيل : إنه لو أوجب الشارع غيره أو أجازه لتضاد الحكمان ، وقد‌ قال عليه‌السلام : « لا يحكم في قضية بحكمين مختلفين » ‌

وإن كان فيه أن ذلك كذلك مع اتحاد الحكم والمحكوم عليه وله ، بخلاف المقام الذي المحكوم عليه المشتري والمحكوم له الشفيع.

بل قد يناقش في الأول أيضا في صورة الحلف بأنه إنما يثبت الثمن في حق المشتري دون غيره ، بل وفي صورة البينة أيضا بعد تكذيب المشتري لها الذي يأخذ الشفيع منه.

ومن هنا كان خيرة الفاضل وولده والشهيدين والكركي الأخذ بما يدعيه المشتري مطلقا ، لأن الشفيع إنما يأخذ منه ويدفع إليه الثمن ، وهو يزعم أن البائع ظالم بأخذ الزائد ، فلا يظلم هو الشفيع فيه بعد الإقرار‌

٤٥٥

منه النافذ في حقه.

بل عن الفاضل والشهيد التصريح بذلك حتى لو رجع إلى قول البائع وقال : « كنت ناسيا » إلا أن يصدقه الشفيع.

ولكن قد يقال بناء على اعتبار دفع الثمن الواقعي من الشفيع في التمليك والفرض عدم علم الشفيع وعدم ثبوت الواقع منه بقول المشتري خاصة : يتجه توقف الحكم بتملك الشفيع على دفع الثمن الواقع ، وليس إلا ما يقوله البائع ، خصوصا مع إقامة البينة التي فرض قبولها منه.

ومجرد اعتراف المشتري بكون الثمن كذلك لا يثبت الواقع ، نعم مع مصادقة الشفيع له على ذلك يتجه الحكم بالتملك ، لا لثبوت ذلك واقعا ، بل لكون الحق منحصرا فيهما ، فمع اتفاقهما عليه يحكم بالملك ، بخلاف ما إذا انفرد المشتري ، فان الإقرار في حقه لا يصير كون الثمن كذلك على وجه يحكم بحصول الملك للشفيع المعتبر فيه دفع الثمن في نفس الأمر على وجه لو رضى الشفيع (١) بالأقل لم يملك بإنشاء الأخذ إلا إذا ثبت في ذمته ثم يبرؤه المشتري منه.

وحينئذ ففي المقام لا يحكم بتملكه الشقص إلا بدفع ما يعلم كونه الثمن وإن كان لا يجوز للمشتري مطالبته بالزائد ، بل ولا يملكه إن كان في نفس الأمر صادقا ، ولعله إلى هذا نظر المصنف والشيخ.

ولكن مع ذلك فيه ما فيه باعتبار أن العين في يد المشتري ، وهو مقر للشفيع باستحقاق انتزاعها منه بكذا ، فلا يلزم بغيره.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في المسألة بين الاختلاف في قدر الثمن وبين الاختلاف في قيمته لو فرضا غرضا وقلنا بالشفعة به وقد تلف ، لجريان‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة والمسودة ، والظاهر أنه سهو من قلمه الشريف والصحيح « المشتري » بدل « الشفيع ».

٤٥٦

جميع ما سمعته فيه.

لكن في القواعد بعد أن جزم بأن القول قول المشتري في الأول قال هنا : « قدم قول المشتري على إشكال » ولم يظهر لنا وجه معتد به له.

ولو اختلفا في الغرس والبناء فقال المشتري : أنا أحدثته وأنكر الشفيع قدم قول المشتري ، لأنه ملكه ، والشفيع يطلب تملكه عليه ، فالأصل عدم تعلق حقه به ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( قال في الخلاف ) ومحكي المبسوط ( إذا ادعى أنه باع نصيبه من أجنبي فأنكر الأجنبي قضي بالشفعة للشريك بظاهر الإقرار ، و ) لكن ( فيه تردد ) وخلاف ( من حيث وقوف الشفعة على ثبوت الابتياع ) ولم يحصل ، بل قد انتفى بيمين الأجنبي.

( ولعل الأول أشبه ) عند المصنف بأصول المذهب التي منها إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، وفاقا للفاضل والشهيدين والكركي ، للإقرار المزبور الذي لا ينافيه عدم نفوذه في حق المشتري بعد إنكاره له والشفعة تتبع البيع ، ولو الحاصل بالإقرار الذي هو أحد الطرق في ثبوته ولو بالنسبة للمقر ، ولذا لو صدقه المشتري ثبتت الشفعة بمجرد الإقرار.

ولكن بالغ الحلي في إنكار ذلك فقال : « إن الذي تقتضيه أصول أصحابنا ومذاهبهم أن الشفعة لا تستحق إلا بعد ثبوت البيع ، ويستحقها ويأخذها من المشتري دون البائع ، والبيع ما صح ولا وقع ظاهرا ، ولا يحل لحاكم أن يحكم بأن البيع حصل وانعقد ، فكيف يستحق الشفعة في بيع لم‌

٤٥٧

يثبت عند الحاكم؟! وكيف يأخذها من البائع؟! وأيضا الأصل أن لا شفعة فمن أثبتها احتاج إلى دليل قاطع ، وهذه المسألة حادثة نظرية لا يرجع فيها إلى قول المخالفين » إلى آخره.

وهو في غاية الجودة ، خصوصا بعد ما سمعته منا من عدم ثبوت البيع بإقرار المشتري مع البائع ، فضلا عن البائع خاصة ، ومن مخالفة الشفعة للأصل التي ينبغي الاقتصار فيها على المتيقن فضلا عما كان المنساق من الأدلة خلافه ، ومن الإجماع بقسميه على أن الشفيع يأخذ من المشتري على وجه يكون دفع الثمن جزء مملك.

ومعلومية عدم ثبوت الموضوع بالإقرار الذي هو حجة على المقر نفسه لا أنه يثبت موضوعا علق الشارع عليه حكما ، والأخذ بالشفعة مع التصادق بين الشفيع والمشتري ليس لثبوت الموضوع ، بل لأن الحق منحصر فيهما ، وقد اعترفا به ، ولا يبعد هنا مع فرض تصادق الشفيع مع البائع أن يكون له الأخذ مع دفع الثمن للحاكم بناء على عموم ولايته لمثل هذا.

ودعوى ثبوت البيع في حق الشفيع لو صدق البائع المشتري قد عرفت ما فيها سابقا.

ومن الغريب ما في المسالك وغيرها من أنه « إن أقر البائع بقبض الثمن دفعه الشفيع للحاكم ، لأنه مستحق عليه ولا يدعيه أحد ، وإلا كان للبائع أخذه قصاصا » ضرورة عدم تماميته بناء على مدخليته في التملك ، والمقاصة التي ذكرها لا وجه لها بعد عدم ملك المشتري له ، وخصوصا بعد إحلافه المشتري.

ثم قال : « ولا يثبت الدرك على المشتري ، لعدم ثبوت البيع بالنسبة إليه ، بل يبقى على البائع » وفيه أنه لا وجه لكون دركه عليه بعد إقراره بكون الشقص ملكا لغيره.

٤٥٨

وبالجملة فإن كان المراد ثبوت الشفعة بالإقرار المزبور على وجه يترتب عليه حكمها الذي منه بطلانها مع عدم الفور ونحوه فلا ريب في عدم ثبوت ذلك بإقراره مع المشتري فضلا عن أحدهما خاصة ، وإن كان المراد أن للشفيع الأخذ مؤاخذة للمقر بإقراره فلا بأس به ، ولكن في المقام لا درك على أحد ، والثمن يقبضه الحاكم بناء على عموم ولايته لمثل ذلك وإن كان فيه منع واضح.

نعم لو رضي المدعى عليه الشراء بالقبض أمكن القول بحصول تمام المملك على مقتضى إقرار البائع وإلا فهو مشكل.

وعلى كل حال فلا إشكال في أن للبائع إحلافه إذا لم يكن قد قبض الثمن ، بل ومع قبضه من الشفيع وإن استشكل فيه في القواعد ، بل هو مقتضى عدم الترجيح في غيرها ، لانتفاء فائدتها بعد قبضه الثمن.

لكن فيه أن دفع الدرك أمر مطلوب ، على أن ما قبضه من الشفيع ليس هو عين حقه ، فله الإحلاف لأجل تحصيل حقه ، بل له ثمرات أخر غير ذلك. مضافا إلى صدق كونه مدعيا وهو منكر.

وأما الشفيع فله إحلافه أيضا كما صرح به غير واحد بناء على قبول الدعوى منه وإن لم يكن جازما بها تحصيلا لإقراره وضمانه الدرك وغير ذلك ، مضافا إلى الصدق المزبور ، ولعله لذا نفى الشك عنه في محكي الإيضاح على القولين لإثبات الشفعة أو الدرك ، والله العالم.

٤٥٩

المسألة ( الثالثة : )

( إذا ادعى أن شريكه ابتاع بعده ) على وجه يستحق الشفعة عليه ( فأنكر فالقول قول المنكر مع يمينه ) بلا خلاف أجده بين من تعرض له ، كالشيخ والقاضي والحلي والفاضل والكركي وثاني الشهيدين وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل ولا إشكال ، لأصالة عدم تحقق شرط الشفعة.

ولا ينافي ذلك أصالة عدم تقدم شرائه ، فإن ذلك لا يرفع الشك في تحقق الشرط بعد تعارض الأصول حتى أصل عدم الاقتران ، فمع فرض جهالة التاريخ أو مطلقا على ما تكرر منا يحصل الشك في تحقق الشرط ، فعلى مدعيه الإثبات.

وحينئذ ( فإن حلف أنه لا يستحق عليه شفعة جاز ، ولا يكلف اليمين أنه لم يشتر بعده ) وإن كان قد أجاب به بلا خلاف أجده أيضا بين المتعرضين له ، ولعله للاكتفاء بذلك في بطلان دعواه.

لكن قد يناقش بأن ظاهر‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » كون كيفية اليمين على ما وقع منه من الإنكار.

ولذا كان المحكي عن بعض وجوه الشافعية وجوب الحلف على نفي الأخص إن أجاب به ، لأنه لم يجب به إلا ويمكنه الحلف عليه ، ولأنه مع الجواب له ينحصر سقوط حقه بما ذكره ، نعم لو أجاب من أول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٣ من كتاب القضاء.

٤٦٠