جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

من يد الشفيع ، ( وله أجرته ) عليه ( من حين قبضه إلى حين رده ) ‌لعموم « على اليد » (١) وغيره.

( و ) لا خلاف ولا إشكال في أنه ( يرجع بالأجرة ) المزبورة ( على البائع إن شاء ، لأنه سبب الإتلاف ، أو على الشفيع ) بأجرة زمان قبضه ( لأنه المباشر للإتلاف ) وعلى المشتري بما قبل ذلك ، للمباشرة أيضا إن شاء ، بل وعلى المشتري بما كان في يده ويد الشفيع المترتبين عليه‌ لعموم « على اليد » (٢) فإنه كالغاصب.

( و ) من هنا ( إن رجع على مدعي الوكالة لم يرجع الوكيل على الشفيع ) ولا على المشتري ، لاعترافه بكون المنافع لهما ، وأنه ظالم له بأخذ الأجرة منه ، والمظلوم لا يرجع على غير من ظلمه.

( وإن رجع على ) المشتري أو ( الشفيع رجع ) كل من المشتري و ( الشفيع على الوكيل ، لأنه غره ) إذا لم يصدر منهما ما يقتضي تصديق مدعي الوكالة ، وإلا لم يرجع من صدر منه ذلك عليه أيضا ، لاعترافه بظلم المالك ، وذلك كله واضح خصوصا بعد الإحاطة بما ذكرناه في كتاب الغصب (٣).

( و ) لكن ( فيه ) أي المفروض ( قول آخر ) محكي عن المبسوط ، وهو رجوع مدعي الوكالة على الشفيع لو رجع المالك عليه ، لاستقرار التلف في يده و ( هذا ) واضح الفساد ، نعم يتم مع اعترافه بكذب المدعي في دعواه الوكالة ، فيكون كالغاصب الذي يستقر عليه الضمان مع التلف في يده.

وبذلك ظهر لك أن القول الأول ( أشبه ) بأصول المذهب وقواعده‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

(٣) راجع ص ١٧٧ ـ ١٨١.

٤٢١

التي قد عرفتها في كتاب الغصب (١) والله العالم.

ومنه يظهر لك ما عن الدروس ، فإنه بعد أن ذكر نحو ما سمعته من عبارة القواعد قال : « وكذا لو باع ذو اليد مدعيا للوكالة وصدقه الشفيع ، لكن هنا لا يرجع الشفيع على الوكيل لو رجع عليه بخلاف ما لو رجع على الوكيل ، والفرق استقرار التلف في يد الشفيع ، ولو أخذ الشفيع اعتمادا على دعوى الوكالة رجع عليه ، لأنه غره ».

وفيه أنه لا وجه لرجوع الوكيل على الشفيع وإن كان قد استوفى المنافع ، لاعترافه بأنها حق له وأن المالك ظلمه بأخذ عوضها فكيف يرجع بظلامته على غير من ظلمه.

لكن الموجود عندنا في نسختين من الدروس متصلا بما سمعت « والوجه في الأولى عدم رجوع أحدهما على الآخر ، لاعتراف المرجوع بظلم الراجع ».

نعم في التحرير « ولو كان الشريك غائبا فادعى الحاضر على من حصة الغائب في يده أنه اشتراه من الغائب فصدقه احتمل أخذه بالشفعة ، لأن من كانت العين في يده مصدق في تصرفه وعدمه ، لأنه إقرار على غيره ، والأول أقوى ، وكذا لو باع القابض وادعى الشفيع إذن الغائب فإن أوجبنا الشفعة وقدم الغائب فأنكر البيع أو الاذن قدم قوله مع اليمين ويأخذ الشقص ويطالب بالأجرة من شاء منهما ، فان طالب الوكيل رجع على الشفيع ، لتلف المتاع في يده ، وإن طالب الشفيع لم يرجع على أحد » وهو كما ترى لا يطابق ما ذكرناه إلا بتجشم ، والله العالم.

( ولو اشترى شقصا بماءة ) مثلا ( ودفع إليه عرضا يساوي عشرة ) مثلا أو أبرأه من الثمن كلا أو بعضا ( لزم الشفيع تسليم

__________________

(١) راجع ص ١٧٧ ـ ١٨١.

٤٢٢

ماءة أو يدع ، لأنه يأخذ بما تضمنه العقد ) نصا وفتوى وإن وقع بعد ذلك بين البائع والمشتري إبراء أو معاوضة عنه بشي‌ء لا يساويه أو نحو ذلك مما لا مدخلية له في صدق تضمن العقد إياه كما هو واضح ، والله العالم.

( ومن اللواحق )

(البحث في ما تبطل به الشفعة )

( و ) المشهور بين الأصحاب بل في الرياض شهرة عظيمة بل لا خلاف فيه بين المتأخرين عدا ابن إدريس أنه ( تبطل ) الشفعة ( بترك المطالبة مع العلم وعدم العذر ) بل عن الخلاف الإجماع عليه.

( وقيل ) والقائل المرتضى وأبو علي وعلي بن الحسين الصدوق وأبو المكارم وابن إدريس وأبو الصلاح على ما حكي عن بعضهم :( لا تبطل إلا أن يصرح بالإسقاط ولو تطاولت المدة ) بل في الانتصار الإجماع عليه ، بل حكاه الفخر عن سلار أيضا وإن كنا لم نتحققه.

نعم قيل : لا تعرض له في المراسم كالمقنع والمقنعة وفقه الراوندي فإن كان ذلك ظاهرا في التراخي ـ باعتبار أن الفورية لو كانت معتبرة فيها على وجه تسقط بعدمها لوجب التعرض لها ـ كان ظاهر الجميع أيضا.

بل لعله أيضا ظاهر عدم الترجيح في محكي التحرير والمهذب ومجمع البرهان والكفاية ، بناء على أنه من حيث الشك في أدلة الفور ، وإلا فالأصل التراخي وإن كان هو خلاف الظاهر.

( و ) على كل حال فـ ( ـالأول أظهر ) عند المصنف ، للنبويين‌

٤٢٣

المنجبرين بما عرفت :أحدهما (١) « الشفعة لمن واثبها ». والآخر (٢) « الشفعة كحل العقال ».

بل في الدروس نسبة الأخير منهما إلى الاشتهار ، ولا يقدح عدم وجودهما في طرقنا بعد أن ذكرهما الأصحاب في كتبهم مستدلين بهما على ذلك والإجماع المحكي المعتضد بما سمعته من الشهرة العظيمة وإن تأخرت عن زمان حاكيه ، فإنها على كل حال تفيد قوة الظن بموافقته للواقع.

بل استدل غير واحد بحسن ابن مهزيار (٣) السابق المشتمل على بطلان شفعة من طلب ثم مضى لإحضار الثمن فلم يأت إلى ثلاثة أيام ، إذ لو كانت على التراخي لم تبطل بذلك.

كل ذلك مضافا إلى ما عرفته مكررا من كون الشفعة على خلاف الأصل ، والمتيقن ثبوتها على الفور ، بل لعل ثبوتها في بعض الأشياء دون بعض وفي بعض العقود دون بعض مشعر بذلك أيضا ، وإلى قاعدة الضرر.

بل لعل‌ قوله عليه‌السلام (٤) : « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة بين الشركاء. وقال : لا ضرر ولا ضرار » مشعر بذلك بناء على إرادة الإشارة به إلى الضرر الحاصل من عدم مشروعيتها ومن كونها على التراخي.

بل لعل‌ قوله عليه‌السلام (٥) : « الغائب على شفعته » مشعر بذلك أيضا ضرورة إشعاره بكون ذلك من جهة الغيبة التي هي عذر له.

__________________

(١) نيل الأوطار للشوكاني ج ٦ ص ٨٧.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٠٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١ وفيه « للغائب شفعة ».

٤٢٤

لكن قد يقال في مقابلة ذلك : إن الخبرين المزبورين من طرق العامة ، ولذا ترك غير واحد الاستدلال بهما ، بل من المحتمل إرادة الكناية عن الانتقال بمجرد الأخذ وإن تأخر من الثاني منهما ، لا أن المراد منه بيان قصر زمانها وأنه كحل العقال.

بل في الإسعاد الذي هو من أجل كتب الشافعية « أن إسناده ضعيف » وقال ابن حيان : « لا أصل له » وقال البيهقي : « ليس بثابت » والإجماع معارض بمثله ، بل لعله أقوى منه باعتبار وجود القائل بذلك ممن تقدم على حاكيه بخلاف الآخر الذي لم نعرف أحدا ممن تقدمه قال بذلك.

وحسن ابن مهزيار بناء على أن مورده بعد حصول سبب الشفعة قد اشتمل أيضا على ما ينافي الفورية إذ القائل بها لا يجعل انتظار ثلاثة أيام لإحضار الثمن من جملة العذر فيها ، خصوصا مع دعوى الغيبة في بلد آخر.

بل قد يقال : إن الخبر المزبور الذي مورده إنشاء الأخذ بالشفعة قولا بناء على إرادة ذلك من الطلب فيه أو مطلق طلبها بمعنى إرادتها ثم مضى لإحضار الثمن قد تسالمت الخصوم على العمل بمضمونه في ذلك ، من غير فرق بين القول بالفور والتراخي ، فلا دلالة حينئذ في الخبر على شي‌ء منهما ، إذ محل النزاع هنا تأخير الأخذ بالشفعة مع علمه بها.

هذا كله مع ما فيه من رائحة الموافقة للمحكي عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى من أنها تمتد إلى ثلاثة أيام كالشافعي في أحد أقواله ، والأصل منقطع بإطلاق الأدلة واستصحاب ثبوتها بعد حصول سببه الذي هو البيع بالنص ، وعدم العلم بكونه على الفور وعدمه لا ينافي التمسك به على الثاني كما حقق في محله.

ومن الغريب رد جماعة من الأعيان هنا له بأن المقتضي لثبوت الشفعة‌

٤٢٥

حدوث العلم بالبيع نفسه ، والحدوث يبطل في ذي البقاء ، وإذا بطلت العلة بطل معلولها ، إذ هو كما ترى لا حاصل له ومجرد دعوى لا دليل عليها. بل ظاهر الأدلة خلافها.

كما أن ظاهر‌ قوله عليه‌السلام (١) : « الغائب على شفعته » إرادة بيان عدم اعتبار الحضور فيها ، وإلا فهو مطلق شامل للمتمكن من المجي‌ء والتوكيل وغيرهما.

وقاعدة الضرر يدفعها أنه الذي أدخله على نفسه باختيار ما فيه الشفعة من العقود غير ملاحظ لما يسقطها من الأمور الكثيرة ، على أنه مجبور بالأرش إذا زرع أو بنى إن قلنا به.

وإن كان المراد من الضرر عدم رغبة المشتري في التعمير مثلا لاحتمال الأخذ منه ففي الانتصار « أنه يمكن أن يتحرز المشتري من هذا الضرر بأن يعرض المبيع على الشفيع ويبذل التسليم إليه فهو بين أمرين : إما أن يتسلم أو يترك الشفعة ، فيزول الضرر عن المشتري بذلك وإذا فرط فيما ذكرنا وتصرف من غير أن يفعل ما أشرنا إليه فهو المدخل للضرر على نفسه ».

ولعل من هذه العبارة قال في الدروس : « إن في كلامه إلماما بالفورية ».

قلت : لكن ما قبله وما بعده صريح في خلاف ذلك ، فوجب حمله على كون ذلك مسقطا لها وإن قلنا بالتراخي وإن كان فيه ما فيه إلا أن يريد حال ظهور ذلك في عدم إرادتها.

ومن هنا وغيره تردد بعض الناس ، بل مال في الرياض إلى التراخي ، ولعله لا يخلو من قوة ما لم يصل إلى حد الضرر ، نحو ما سمعته منهم في انتظار مدعي غيبة الثمن في بلد آخر.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١ وفيه « للغائب شفعة ».

٤٢٦

بل لو وجد قائل بأنه على التراخي ما لم يتضرر المشتري نحو ما سمعته في دعوى غيبة الثمن التي مرجعها إلى ما يقرب من ذلك لكان في غاية القوة.

ودونه القول بأنها على التراخي ما لم يعرض المشتري على الشفيع الشقص مخيرا له بين الشفعة وعدمها ، فيجب الفور حينئذ ، لأنه لا ضرر ولا ضرار ، كما هو مقتضى التدبر فيما سمعته من المرتضى الذي هو الأصل في التراخي ، بل ربما كان في ذلك جمع بين الأدلة جميعها.

وإن أبيت عن ذلك كله فلا ريب في أن الأصل عدم الشفعة بعد الشك الحاصل من تعارض الإجماعين والاستصحابين وغير ذلك مما سمعته ، خصوصا بعد عدم سوق الأدلة لبيان التراخي ، فالرجوع إلى استصحاب بقائها وإطلاق ما دل على ثبوتها بعد أن كان الأول منها بعد تسليم حجيته هنا والثاني الذي قد عرفت أنه مساق لغير ذلك من الأدلة المتعارضة التي حصل منها الشك ، فليس حينئذ إلا الأصل السابق وعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) الذي لم يكن من أدلة الشفعة التي هي الطارئة على مقتضاهما ومع فرض كونهما أيضا من الأدلة على ذلك فلا عمل إلا على الفور الذي هو المتيقن دون غيره ، فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا ، والله العالم.

( و ) كيف كان فعلى الفور والتراخي قد وقع الخلاف في سقوطها بأمور :

الأول ( لو نزل عن الشفعة ) وتركها وعفا عنها ( قبل البيع ) فالاسكافي والشيخ والمصنف في النافع والفاضل في جملة من كتبه وولده والمقداد والكركي وثاني الشهيدين والخراساني والكاشاني على ما حكى عن بعضهم على أنه ( لم تبطل ) الشفعة ( مع البيع ) لإطلاق الأدلة‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

٤٢٧

و ( لأنه إسقاط ما لم يثبت ).

بل قيل : إن ظاهر الانتصار الإجماع على ذلك ، قال : « مما ظن انفراد الإمامية به أن حق الشفيع لا يسقط إلا أن يصرح الشفيع بإسقاط حقه » ثم حكى مذاهب العامة إلى أن قال : « قال الشافعي والشعبي : من بيعت شفعته وهو يشاهد لم ينكر فلا شفعة له ، والذي يدل على صحة مذهبنا الإجماع المتكرر » إلى آخره وإن كان ستعرف الحال فيه إنشاء الله.

( و ) لكنه مع ذلك كله في المتن ( فيه تردد ) بل هو خيرة الإرشاد وإن قال : على رأي ، وظاهر غاية المراد ومجمع البرهان السقوط ، بل قد يلوح الميل إليه في الدروس.

بل في النهاية : « إن عرض البائع الشي‌ء على صاحب الشفعة بثمن معلوم فلم يرده فباعه من غيره بذلك الثمن أو أزيد عليه لم يكن لصاحب الشفعة المطالبة ، وإن باع بأقل من الذي عرض عليه كان له المطالبة ».

وقال فيها أيضا : « وإذا علم الشريك بالبيع ولم يطالب بالشفعة أو شهد على البيع أو بادل للبائع فيما باع أو للمشتري فيما ابتاع لم يكن له المطالبة بعد ذلك بالشفعة ».

وفي المقنعة « وإن باع إنسان شيئا له فيه شريك على أجنبي والشريك حاضر فأمضى البيع وبادل للمبتاع بطلت شفعته » ثم قال أيضا : « ولو عقد البيع على أجنبي بدون ما عرضه على الشريك كان للشريك الشفعة على المبتاع وقبضه منه ». قيل : وبمعنى عبارة النهاية عبارة الوسيلة وجامع الشرائع.

لكن ستعرف أنها أجمع في غير مسألة السقوط بمعنى إنشاء الإسقاط قبل البيع ، وكذا عن ابن بابويه السقوط بالسكوت وعدم الإنكار مع الحضور.

٤٢٨

وعلى كل حال فأقصى ما يقال للسقوط : دعوى الشك في ثبوت الشفعة في الحال المزبور ، وقد عرفت أن الأصل عدمها ، خصوصا مع ملاحظة أن حكمة مشروعيتها الضرر ، ولا ريب في عدمه مع الفرض المزبور ، بل المنساق من إطلاق الأدلة غير الحال المزبور بعد أن لم يكن فيها عموم لغوي بالنسبة إليه.

مضافا إلى ما رواه في السرائر بعين عبارة النهاية إلى قوله : « وإن باع بأقل » على أن النهاية وغيرها من الكتب السابقة متون أخبار.

بل في‌ النبوي المروي في التذكرة عن جابر (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « الشفعة في كل مشترك في أرض أو ربع أو حائط ، لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع » المراد منه الأخذ بالشراء أو تركه.

وفي الدروس وغيرها من كتب الأصحاب‌ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : « لا يحل أن يبيع حتى يستأذن شريكه ، فان باع ولم يأذن فهو أحق به ».

وفي الإسعاد لبعض الشافعية وفي رواية (٣) « لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه ، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به ».

وفي رواية صحيحة (٤) في غير مسلم « فهو أحق به بالثمن » إلى آخرها.

وعلى كل حال فظاهر تعليق الاستحقاق فيه على عدم الاستئذان يقتضي عدم الاستحقاق معه ، ولا استبعاد في شي‌ء من ذلك بعد ثبوت نظيره من إجازة الوارث ما أوصى به الميت قبل الموت ، بل يمكن أن لا يكون‌

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٠٩.

(٢) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٠٤.

(٣) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٠٤.

(٤) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٠٤.

٤٢٩

ذلك من باب إسقاط الحق قبل ثبوته ، بل هو من المقتضى لعدم ثبوت الحق معه.

بل لعل المعنى المزبور هو المراد مما في نصوصنا المعتبرة (١) من أن الشريك أحق بالشقص إذا أراد الشريك بيعه ، بل في بعضها (٢) التصريح بالأحقية المزبورة قبل صدور البيع منه ، فإنه لا معنى للأحقية حينئذ إلا المعنى الذي ذكرناه وإن كانت الشفعة لا تثبت إلا بالبيع ، على أنه مع استمرار الاذن والرضا بعدم الحق له في البيع يكون كالرضا من المتبايعين أو أحدهما على بيع لا خيار فيه للمجلس مثلا.

وبالجملة لا ينبغي الإشكال في عدمها مع صدور البيع على أنه لا شفعة له باذنه ، وليس هو من باب إنشاء الإسقاط قبل حصول متعلقة.

ومن هنا ينقدح لك تحرير محل البحث في المسألة ، وهو إن كان المراد من النزول عن الشفعة إنشاء إسقاطها قبل حصول متعلقها فلا ريب في أن الأصح عدم السقوط ، بل لا يتصور تأثير الإنشاء قبل حصول متعلقة مع فرض عدم دليل شرعي. نعم ستعرف في آخر البحث توجيه صحته بناء على ثبوت الحق قبل البيع.

وإن كان المراد الاذن القابل للاستمرار فعلا وحكما حتى يتم العقد على مقتضاها فالمتجه حينئذ الصحة.

ويكفي في صحة الإذن تعلق الحق على الوجه الذي سمعته من النصوص المزبورة قبل حصول البيع ، فمع فرض استمرارها فعلا أو حكما لم يكن له شفعة. وعلى هذا يحمل كلام النهاية وغيرها ، لا إنشاء السقوط قبل على وجه يترتب أثره عليه بعد البيع الذي يمكن عدم القائل به.

ولعله لذا كان ظاهر الشهيد أن ما في النهاية غير مسألة الإسقاط ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٧.

٤٣٠

بل يمكن أن يكون هذا هو الوجه في فرق المصنف في النافع بين النزول عن الشفعة قبل البيع بمعنى إنشاء الإسقاط وبين الاذن في الابتياع على وجه يراد منه عدم إرادة الشفعة أو ما دل على ذلك.

ومن ذلك يظهر لك ما في الرياض من شدة الإنكار عليه في فرقه بين المسألة وغيرها من المسائل ، وادعى أنه لم يوافقه عليه أحد ، نعم حكى عن الإرشاد الفرق أيضا ، ولكنه بعكسه ، فجزم بالسقوط في مسألة النزول عن الشفعة بخلاف باقي المسائل.

قلت : يمكن أن يكون وجهه أن ذلك تصريح منه بالاعراض وعدم الإرادة على وجه قد استمر حتى وقع العقد ، بخلاف المسائل الأخر ، فإنه لا تصريح فيها ، إذ يمكن الجمع بين الشهادة والمباركة والاذن في الابتياع وبين إرادة الشفعة من أول الأمر. وحينئذ يكون نزاعا في موضوع.

وتفصيل الحال فيه أنه يختلف باختلاف المقامات والقرائن وإلا فكل منها من حيث نفسه لا دلالة فيه ، وقد اتضح بذلك والحمد لله الحال في المقام وفي غيره من المسائل الآتية.

نعم بقي شي‌ء : وهو أنه قد يقال : إن مقتضى ما في غير واحد من النصوص (١) ـ من كون الشريك أحق متى أراد شريكه البيع ـ ثبوت الحق له قبل البيع ، بحيث لو باع كان له انتزاعه من المشتري ، فحق الشفعة حينئذ الثابت له بعد البيع مترتب على الأحقية السابقة على البيع وإن كان لا يأثم بالمخالفة ـ خلافا لبعض الشافعية ـ فضلا عن صحة بيعه ، فان حق الشفعة بعد البيع لا يفسد معه التصرف وإن كان للشفيع فسخه ، وحينئذ فيتجه صحة إنشاء الإسقاط قبل البيع.

ولعله إلى ذلك نظر العلامة وغيره ممن قال بصحته ، مضافا إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة.

٤٣١

النصوص السابقة ، وهذا شي‌ء دقيق وجيد جدا.

كل ذلك مع إمكان أن يقال ـ مع قطع النظر عن هذا كله ـ يكفي في ثبوت الحكم ما سمعته من أنه لا ريب في حصول الشك في ثبوت الشفعة في الحال المزبور ، والأصل عدمها.

ودعوى أن العموم في المبيع يستلزم العموم في الأحوال وإلا لما بقي عموم على حاله لاختلاف أحوال أفراد العام بلا إشكال واضحة المنع إذا أريد منها العموم بالنسبة إلى الأحوال على وجه يحكم بها على مقتضى العموم حتى مع الشك ، كالعموم اللغوي بالنسبة إلى الأفراد ، بل لو فرض حصول الشك في إرادة بعض الأفراد من العموم اللغوي أمكن القول بعدم حجية العموم فيه حينئذ فضلا عن الأحوال.

ومن الغريب بعد ذلك كله دعوى دلالة عبارة الانتصار المزبورة على الإجماع على المسألة ، وهي مع أنها أجنبية (١) لأنها مساقة لبيان التراخي في مقابل القول بالفور على أنه أطلق فيها السقوط مع التصريح بالإسقاط.

كما أنك قد عرفت الحال في مسألة الإسقاط ، وأنه إن أريد به إنشاؤه قبل البيع على وجه يؤثر في البيع بعد وقوعه فيمكن دعوى الضرورة ـ فضلا عن الإجماع ـ على عدمه ، وإن أريد به إرادة عدم الشفعة المستمرة ولو حكما إلى وقوع البيع فقد عرفت أن الأقوى حينئذ عدم الشفعة ، والله العالم.

( وكذا لو شهد على البيع أو بارك للمشتري أو للبائع أو أذن للمشتري في الابتياع ) أو للبائع في البيع ( فيه التردد ) المزبور ، ولكن قد‌

__________________

(١) هكذا في النسختين الأصليتين : المسودة والمبيضة وفي العبارة تشويش ، حيث إن خبر قوله : « وهي » غير مذكور ، فاما قوله : « مع أنها » زائد حتى يكون « أجنبية » خبر « وهي » أو.

٤٣٢

عرفت الفرق بينها وبينه.

ومن الغريب قوله ( لأن ذلك ليس بأبلغ من الاسقاط قبل البيع ) ضرورة عدم مدخلية شي‌ء منها في مسألة الإسقاط بمعنى إنشائه نعم لو أريد منه إرادة عدم الشفعة المستمرة موضوعا أو حكما كان حكم الجميع واحدا إن كان المراد منها ذلك أيضا.

وعلى كل حال فقد سمعت ما في المقنعة والنهاية ومحكي الوسيلة وجامع الشرائع ، وعن كشف الرموز السقوط أيضا ، بل حكاه في الأخير عن الصدوقين ، وفي جامع المقاصد عن ابن البراج.

بل في النافع هنا اختياره كالثالث مع جزمه بعدم السقوط في الأول وإن قال في الرياض : « لم أفهم وجها لفرق الماتن بين هذه المواضع ولم أر من قال به ، بل أطلق أرباب القولين الحكم فيها عدا الفاضل في الإرشاد ، ففرق كالماتن ، لكن حكم بالبطلان في الموضع الأول عكسه ، وتنظر في باقي المواضع ، ووجهه أيضا غير واضح وإن كان أنسب من فرق الماتن ، لأنه في غاية البعد ، فان عدم الإبطال بالإسقاط قبل البيع يستلزم عدمه فيما عداه بطريق أولى ، إذ ليس بأبلغ في الدلالة على الابطال من الاسقاط قبل البيع ، بل هو أبلغ ، فكيف يفرق بينهما بالعدم في الأول والسقوط في الباقي؟! بل العكس أولى ، وقد نبه على الأولوية في المسالك ». وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه.

وعلى كل حال فالحلي والفاضل والمقداد والكركي وثاني الشهيدين وغيرهم على ما حكي عن بعض على عدم السقوط بهما ، وإليه يرجع ما في المختلف من التفصيل بوجود الامارة على الرضا وعدم وجودها ، فإنه قول بالعدم.

وأما الثالث فالفاضل في بعض كتبه وولده والمقداد والتنقيح وثاني‌

٤٣٣

الشهيدين وغيرهم على عدم السقوط ، وفي النافع أن الأشبه السقوط ، وعن أبي العباس حكايته عن الشيخ في النهاية ويحيى بن سعيد ، وقد عرفت تحقيق الحال في الجميع.

نعم الظاهر عدم دلالة شي‌ء منها من حيث هي ما لم تقترن بقرائن على ذلك ، خصوصا مع قيام احتمال إرادة التمهيد لوقوع البيع ، بخلاف ما لو وقع منه الاذن لهما أو لأحدهما في البيع والابتياع بعنوان الاعراض عنها على الوجه الذي قد عرفت الحال فيه ، فإنه حينئذ لا شفعة له ، كما تقدم لك تحقيقه ، وكذا كل ما كان من هذه المذكورات أو غيرها دالا على ذلك ولو بقرائن الأحوال ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو بلغه البيع بما يمكن إثباته به كالتواتر أو شهادة شاهدي عدل فلم يطالب وقال : لم اصدق بطلت شفعته ) بناء على الفور ( ولم يقبل عذره ) الذي مرجعه المكابرة ، ضرورة كون المفروض طريقا شرعا لثبوته ، فهو حينئذ كالمعاينة أو العلم بذلك.

نعم لو أخبره عدد لا يبلغ التواتر لكن حصل به الاستفاضة الموجبة للظن الغالب فلم يشفع لم تبطل شفعته ، لعدم الدليل على ثبوت البيع بذلك ما لم يصل إلى حد العلم فيجب حينئذ.

بل في المسالك « الأقوى كونه عذرا وإن قلنا بثبوته بها ، للخلاف في ذلك ، فكان عذرا ، هذا إذا اعترف بحصول العدد الموجب لها ولم يكن مذهبه ثبوتها بذلك بالاجتهاد أو التقليد وإلا لم يعذر كالشاهدين ». وفيه ما لا يخفى.

بل فيها أيضا « أنه لو قال : لم يحصل لي بأخبارهم الظن الغالب فهو عذر وإن حصل لغيره ، لأن ذلك أمر نفساني لا يمكن معرفته إلا من قبله » ( و ) لا يخفى ما فيه أيضا.

٤٣٤

نعم ( لو أخبره صبي أو فاسق لم تبطل وصدق ) في العذر (١) لعدم ثبوته شرعا بذلك ولو كانوا جماعة غير عدول ما لم يصل إلى حد الاستفاضة التي عرفت الحال فيها.

ولو صدق الخبر ففي المسالك « في عذره بالتأخير بعده وجهان ، من أن التصديق لا يستند إلى علم ولا سند شرعي فلا عبرة به ، ومن إمكان استناده إلى القرائن ، فإن الخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم لا ينحصر في العدل ولعل هذا أوجه ».

قلت : بل لا وجه لغيره ، ضرورة أنه ليس وراء العلم شي‌ء من أين ما حصل.

( وكذا لو أخبره واحد عدل لم تبطل شفعته ، وقبل عذره ، لأن الواحد ليس حجة ) واحتمال قبول عذره حتى مع حصول العلم معه ولو من القرائن المفيدة له واضح الفساد ، وما أبعد ما بين ذلك وبين احتمال الاكتفاء به ما يعلم كذبه ، لعموم حجية العدل.

والذي يقوى اعتبار التعدد في مثل المقام المشتمل على خصوصية يندرج بها في الشهادة كما حررنا ذلك في محله.

ثم إن ظاهر المسالك ثبوت البيع على وجه تسقط الشفعة مع عدم الفور بها لغير عذر باعتراف المتبايعين ، وفيه أن اعترافهما إنما هو حجة عليهما لا أنه مثبت للموضوع واقعا بحيث يترتب عليه الحكم المتعلق بغيرهما ، فتأمل ، والله العالم.

هذا ( و ) عرفت فيما سبق أنه ( لو جهلا ) أي الشفيع والمشتري ( قدر الثمن ) وتصادقا على ذلك لنسيان أو شراء وكيل‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة ، وفي النسخة المخطوطة بقلمه الشريف « وصدق في العذر عن الفور بها ».

٤٣٥

وقد مات أو غير ذلك ( بطلت الشفعة لتعذر تسليم الثمن ) المعتبر في الشفعة على الوجه الذي قد عرفته.

بل لعله كذلك وإن دفع الشفيع قدرا يشتمل عليه مع فرض عدم قبول المشتري التبرع المزبور ، لما فيه من المنة ، بل وإن قبله في وجه قوي مع احتمال الاجتزاء ، لصدق تسليم الثمن وزيادة.

بل وكذا الكلام في جهل خصوصية وإن دارت بين أمرين وسمح بهما الشفيع ، والله العالم.

( ولو كان المبيع في بلد ناء ) والفرض أنه معلوم للشفيع ( فأخر المطالبة ) بالشفعة والأخذ بها مع حضور المشتري وعدم عذر بل لم يمكن ذلك منه إلا ( توقعا للوصول ) حتى يقبض الشقص ( بطلت الشفعة ) بناء على الفور بلا خلاف أجده بين من تعرض له ، لعدم ثبوت كون ذلك عذرا ، فعليه أن يأخذ حينئذ ويدفع الثمن وإن تأخر قبض الشقص ، لما عرفت من وجوب تسليم الشفيع الثمن أولا لكونه جزء مملك أولا.

بل لو قلنا باعتبار التقابض فيها فالظاهر وجوب الفور فيها أيضا وإن كان هو حينئذ الأخذ القولي ، ويبقى تسليم الثمن موقوفا على تسلم الشقص ، وهو حكم آخر غير الشفعة.

لكن قد عرفت سابقا جعل بعضهم انتظار بلوغ الثمرة والزرع عذرا معللا له بالضرر على الشفيع بتعجيل دفع الثمن مع مشغولية الشقص ، ولعل نحوه يأتي في مثل المقام.

اللهم إلا أن يفرق بكون المانع في الأول بقاء يد المشتري على الشقص بخلافه هنا ، فإنه ليس إلا عدم وصول الشفيع إلى ماله الذي قد خلي بينه وبينه ، والفرض معلوميته له ، والله العالم.

٤٣٦

( ولو بان الثمن ) المعين ( مستحقا ) للغير ولم يجز ( بطلت الشفعة ، لبطلان العقد ) الذي هو عنوانها ( وكذا لو تصادق الشفيع والمشتري على غصبية الثمن ) المزبور ( أو ) عدم قابليته ثمنا وإن لم يكن مثبتا للبطلان في نفس الأمر بحيث يمضي في حق البائع إلا أن الحق منحصر فيهما فيقبل ذلك في حقهما.

بل لو ( أقر الشفيع ) خاصة ( بغصبيته ) مثلا قبل الأخذ بها ( منع من المطالبة ) لعموم « إقرار العقلاء » (١) وإن لم يكن ذلك مثبتا للبطلان في حق غيره.

( وكذا ) تبطل الشفعة ( لو تلف الثمن المعين قبل قبضه ) عند الشيخ والفاضل في محكي المبسوط والتذكرة ( لتحقق البطلان ) في البيع الذي هو عنوان الشفعة.

ولعله كذلك لكن ( على تردد في هذا ) ينشأ مما عرفته سابقا في الإقالة والرد بالعيب : من أن حق الشفعة ثابت بالبيع ، فلا يقدح فيه طرو الفسخ ، سواء كان سابقا أو لاحقا بعد أن كان من حينه لا من أصله. ومن هنا جزم ثاني الشهيدين ببقائها كالمحكي عن الفاضل في المختلف وولده والشهيد.

لكن قال في القواعد : « ولو تلف الثمن المعين قبل قبضه فان كان الشفيع قد أخذ الشقص رجع البائع بقيمته وإلا بطلت الشفعة على إشكال ».

قلت : لعل منشأه ما عرفت ، وكأنه أراده في الدروس والمسالك في حكاية القول بالتفصيل وإن تركا حكاية ذكر الاشكال فيه ، وإلا فلم نعرفه قولا لأحد منا ولا من العامة.

وعلى كل حال فقد يدفع الاشكال المزبور بأن حق الشفعة مع سبقه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار ـ الحديث ٢.

٤٣٧

يقدم على غيره من التصرفات الواقعة من البائع والمشتري وإن كانت فسخا بإقالة أو رد بعيب ، لا أنه يقدم على المبطل الشرعي الذي لا يتصور فسخ حق الشفعة له على نحو فسخ الإقالة والرد بالعيب.

وثبوته مع البطلان المقتضي لكون الشقص ملكا للبائع والشفيع إنما يأخذ من المشتري لا يطابق الأدلة الشرعية ، كما لا يطابقها أيضا ضمان المشتري قيمة الشقص ، خصوصا بعد أن لم يكن في يده ، وقد شفع به الشفيع ، وهو في يد البائع.

واحتمال أن للشفيع باعتبار سبق حصول سببه وهو البيع الصحيح فسخ الانفساخ المزبور تحكيما لدليل الشفعة عليه يدفعه أنه ترجيح لما دل على الشفعة المقتضي لذلك على ما دل على البطلان الشرعي المقتضي لبطلان حق الشفعة ، مع أن الترجيح للأخير من وجوه.

فالتحقيق حينئذ عدم استحقاق الشفيع الأخذ مع كون التلف قبله ، بل قيل خصوصا إذا قلنا بأن تلف الثمن قبل القبض من مال المشتري كما أن تلف المبيع قبل القبض من مال البائع ، على معنى تقدير رجوع كل منهما إلى مالكه قبل التلف آنا ما ، وحينئذ فلا ثمن للبائع على المشتري حتى يأخذه الشفيع به وإن كان فيه ما فيه.

نعم لو كان الأخذ قبله اتجهت الصحة ، للأصل الذي لا ينافيه بطلان البيع من حينه الذي هو بمعنى استحقاق قيمة الشقص على المشتري باعتبار تنزيل أخذ الشفيع له منزلة التلف.

اللهم إلا أن يقال : إن البطلان هنا أولى من بطلانها بفسخ البائع فإن الحكم الشرعي بكون ملك المشتري له مراعى بعدم تلف الثمن قبل قبضه أولى بتبعية الشفعة له من تبعيتها لفسخ البائع ، فتأمل جيدا.

بل قد يقال بسقوطها أيضا بالانفساخ الحاصل بالتحالف بين البائع‌

٤٣٨

والمشتري مع عدم علم الشفيع بالحال ، لكونه أيضا انفساخا شرعيا لا وجه لفسخ الشفيع له المقتضي لرده إلى المشتري حتى يأخذه منه بالثمن الذي حلف البائع على نفيه كما حلف المشتري على نفي ما ادعاه البائع ، فصار كأنه مبيع بلا ثمن ، فلا وجه لأخذ الشفيع له بعد انفساخه بما عرفت. أو قلنا بأن للبائع فسخه بذلك وإن لم ينفسخ قهرا.

لكن في موضع من القواعد بعد أن ذكر أن للشفيع فسخ الإقالة والرد بالعيب قال : « ولو قلنا بالتحالف عند التخالف في قدر الثمن وفسخنا البيع فللشفيع أخذه بما حلف عليه البائع لأخذه منه هنا ».

وقال فيها في موضع آخر : « ولو اختلف المتبايعان في الثمن وأوجبنا التحالف أخذه بما حلف عليه البائع ، لأن للبائع فسخ البيع ، فإذا أخذه بما قاله المشتري منع منه ، فإن رضي المشتري بأخذه بما قال البائع جاز ، وملك الشفيع أخذه بما قال المشتري ، فان عاد المشتري وصدق البائع وقال : كنت غالطا فهل للشفيع أخذه بما حلف عليه؟ الأقرب ذلك ».

قلت : قد ينساق في بادئ النظر أن المتجه بناء على الانفساخ قهرا بذلك وفرض حصول تمام التحالف بينهما عدم الأخذ بالشفعة ، لعدم إمكان فسخ الانفساخ المزبور ورد العين إلى المشتري على وجه يكون دركها عليه ، لاقتضاء بطلان ما أفاده القضاء الأول بالتحالف.

ودعوى أن الأخذ حينئذ يكون من البائع على وجه يكون الدرك عليه خلاف المستفاد من أدلة الشفعة التي مقتضاها الأخذ من المشتري والدرك عليه.

لكن فيه أن التخالف المزبور إنما يقتضي الفسخ من حينه بين البائع والمشتري ، والفرض سبق تعلق حق الشفعة ، فيتجه حينئذ القول بأنه يأخذ بما يقتضيه البيع الأول قبل الفسخ ، فيضمن حينئذ المشتري قيمة‌

٤٣٩

الشقص للبائع ، كما إذا رد البائع الثمن بالعيب بعد أن أخذ الشفيع الشقص بشفعته ، ولكن مقتضى ذلك الأخذ بما يقوله المشتري حينئذ ، لا ما يقوله البائع ، بل مقتضاه حينئذ كون الأخذ منه دون البائع ، ضرورة استحقاق الشفيع الانتزاع منه ، فلا مدخلية للبائع ، وفائدة تحالفه تكون لضمان المشتري له الشقص لا ما ادعاه من الثمن الذي حلف المشتري على نفيه.

ومن ذلك يظهر لك أنه لا وجه لما في جامع المقاصد من أن المتجه على التحالف بقاء الدعوى بين الشفيع والبائع ، ويكون كالدعوى بين الشفيع والمشتري ، ضرورة أنك قد عرفت أخذ الشفيع من المشتري المعترف بكون الثمن كذلك ، فلا دخل للبائع الذي يرجع في الفرض إلى قيمة الشقص لا إلى الثمن.

كما أنه يظهر لك النظر فيما سمعته من القواعد فتأمل جيدا ، فإن المسألة من المشكلات.

ولا يسهل الخطب فيها أن المشهور بين أصحابنا عدم التحالف ، بل القول قول البائع مع قيام العين والقول قول المشتري مع تلفها ، إذ يمكن فرضها في صورة التحالف عند الأصحاب ، كما إذا كان الاختلاف في جنس الثمن ، بأن قال البائع : أنه كذا حنطة مثلا وقال المشتري : إنه كذا شعيرا ، فإنه لا ريب في كون الحكم هنا التحالف ، ويأتي البحث السابق.

ولتكن عند التأمل مستحضرا لمدخلية دفع الثمن في تملك الشقص وأن الأخذ من المشتري والدرك عليه ، وأن التحالف إنما هو في حق المتحالفين ، وأن الشفيع حقه على المشتري دون البائع ، وأن الفسخ الطاري على البيع الصحيح بسبب من المتعاملين أو مطلقا لا يبطل الشفعة وغير‌

٤٤٠