جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ببيع نصيبه أو قلنا بعدم السقوط مطلقا ، ويأخذ هو من المشتري الثاني.

( ولو كان الخيار للبائع أو لهما فالشفعة للبائع الأول ) عند الشيخ رحمه‌الله ( بناء ) منه ( على أن الانتقال لا يحصل إلا بانقضاء الخيار ) فالبائع حينئذ هو الشريك.

وعلى ما يحكى عنه في الخلاف من أن الخيار إذا كان للمشتري وحده ينتقل الملك عن البائع ولا يثبت للمشتري يتجه عدم الشفعة لكل منهما وإن كان هو في غاية الضعف ، بل قد عرفت أن الأصح انتقال المبيع إلى المشتري مطلقا ، فالشفعة حينئذ له كذلك على الوجه الذي ذكرناه ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة : )

( لو باع شقصا في مرض الموت من وارث ) أو غيره ( وحابى فيه ) بأن باعه بنصف قيمته مثلا ( فان خرجت ) المحاباة ( من الثلث صح ) بلا خلاف ولا إشكال ( وكان للشريك أخذه بالشفعة ) بما وقع عليه العقد من الثمن ، لإطلاق الأدلة ( وإن لم يخرج ) منه بأن لم يكن له ما عداه مثلا ولم نقل بخروج المنجز من الأصل ، كما هو الأصح ( صح ) البيع ( منه ) في ( ـ ما قابل الثمن وما يحتمله الثلث من المحاباة ) لا غيرهما ( إن لم تجز الورثة ) ويأخذ الشفيع حينئذ ذلك بكل الثمن.

فلو فرض مثلا كون قيمة الشقص مائتين فحابى وباعه بماءة وليس له سواه صح البيع في خمسة أسداسه التي هي النصف والثلث ، وبطل في السدس الذي لم يقابله ثمن ، فيأخذ الشفيع إن شاء خمسة أسداسه بكل‌

٤٠١

الثمن ، لأن الأصل لزوم البيع من الجانبين ، خرج منه ما زاد عن الثلث مما لا عوض عنه ، فيبقى الباقي ، ولأن ذلك بمنزلة بيع وهبة ، فالبيع منه ما قابل الثمن والهبة ما زاد. فتنفذ في الثلث منه وتبطل في الباقي.

نعم لا يتم ذلك في الربوي كما إذا كان جميع تركته كرا من طعام قيمته ستة دنانير فباعه بكر ردي قيمته ثلاثة ، فإن الحكم بصحة ما قابل الثمن منه والثلث والبطلان في السدس يستلزم الربا ، ضرورة كونه حينئذ خمسة أسداس كر بكر.

ومن هنا روعيت المطابقة بين العوضين في المقدار مع إيصال قدر العوض والثلث إلى المشتري ، فيرد على الورثة ثلث كرهم وقيمته ديناران ويردون عليه ثلث كره وقيمته دينار ، فيصح البيع في ثلثي كل واحد منهما بثلثي الآخر.

لكن الفاضل في أكثر كتبه والكركي وثاني الشهيدين قالوا بمثل ذلك في غير الربوي أيضا ، لأن فسخ البيع في بعض المبيع يقتضي فسخه في قدره من الثمن ، لوجوب مقابلة أجزاء المبيع بأجزاء الثمن ، فكما لا يجوز فسخ البيع في جميع المبيع مع بقاء بعض الثمن قطعا فكذا لا يجوز فسخ بعض المبيع مع بقاء جميع الثمن ، وإذا امتنع ذلك وجب الفسخ فيهما ، لأن المانع في الموضعين هو بقاء أحد المتقابلين بدون المقابل الآخر ، كما لو اشترى سلعتين فبطل البيع في إحداهما ، فإن المشتري يأخذ الأخرى بقسطها من الثمن ، فالمتجه حينئذ في مسألة الدار المزبورة صحة البيع في ثلثيها بثلثي المأة فيأخذ الشفيع ذلك به إن شاء.

إلا أنه لما كانت المسألة دورية ـ لأنه لا يعرف قدر ما يصح فيه البيع إلا بعد أن يعرف مقدار التركة لتخرج المحاباة من ثلثها ، ولا يعرف مقدار التركة إلا إذا عرف قدر الثمن ، لأنه محسوب منها ، لانتقاله إلى‌

٤٠٢

ملك المريض بالبيع ـ كان لمعرفة ذلك طريقان :

أحدهما إسقاط الثمن من قيمة المبيع ونسبة الثلث إلى الباقي ، فيصح البيع بقدر تلك النسبة ، ففي المثال تسقط الماءة التي هي الثمن من قيمة المبيع ، وهو المائتان ، فيبقى ماءة ، وينسب ثلث التركة ـ وهو ستة وستون وثلثان ـ إلى الباقي بعد الاسقاط ، وهو الماءة فيكون ثلثين فيصح البيع في ثلثين بثلثي الثمن.

والثاني طريق الجبر والمقابلة كما تقدم ذلك كله في كتاب الوصايا ، فلاحظ وتأمل.

هذا كله على المختار من كون المنجزات من الثلث ( و ) إلا فقد ( قيل ) هنا ( يمضي ) البيع ( في الجميع ) بالثمن ( من الأصل ويأخذه الشفيع ) حينئذ بذلك ( بناء على أن منجزات المريض ماضية من الأصل ) لكن قد بينا فساده في محله ، فلاحظ وتأمل.

ثم لا يخفى أنه لا فائدة في تخصيص المصنف الحكم بالوارث إلا ما قيل من التنبيه بذلك على خلاف العامة في المحاباة معه ، فان منهم من حكم بصحة البيع ومنع الشفعة ، ومنهم من منعهما ، ومنهم من أثبتهما ، لكن كان الأولى أن يقول : وارث أو غيره لا الاقتصار عليه خاصة ، والأمر سهل.

المسألة ( السادسة : )

( إذا صالح المشتري ) مثلا الشفيع على ترك الشفعة ( صح وبطلت الشفعة ) كما صرح به الشيخ والحلي والفاضل والشهيدان والكركي‌

٤٠٣

وغيرهم ، بل لا أجد فيه خلافا وإن أشعر به ما في المفاتيح من نسبته إلى القيل.

بل عن ظاهر المبسوط والتذكرة الإجماع عليه حيث قيل فيهما : عندنا ( لأنه حق مالي ) كالخيار ( فينفذ فيه الصلح ) الذي أدلته عامة له ولغيره من إسقاط حق الزوجة وغيره على وجه يكون الصلح هو المسقط فلا يحتاج بعد إلى إنشاء مسقط نحو الصلح القائم مقام الإبراء.

ودعوى الشك في مشروعية الصلح على الوجه المزبور يدفعها ظهور اتفاق الأصحاب على مشروعيته على الوجه المذكور الذي هو عندهم كالصلح النقلي المملك.

ولا يلزم من ذلك مشروعيته على وجه يفيد فائدة الطلاق أو النكاح أو التحرير أو الوقف أو غير ذلك من العقود بعد ظهور الاتفاق على خلافه.

وعموم جوازه بين المسلمين لو سلم اقتضاؤه ذلك لا يجدي بعد ما عرفت الذي هو العمدة في ذلك لا اعتبار الألفاظ المخصوصة فيها ، خصوصا مثل الطلاق الذي‌ ورد (١) فيه « إنما الطلاق أن يقول. أنت طالق » إذ هو ـ مع أنه لا يتم في غير الطلاق مما لم يرد فيه الحصر المزبور ـ لا ينافي المشروعية بالصلح بعد تسليمها ، ضرورة كونه صلحا مفيدا فائدة الطلاق أو الوقف أو التحرير ، لا أنه طلاق ووقف وتحرير فهو عقد مستقل برأسه مفيد فائدة غيره لا أنه فرع على غيره كما قاله الشيخ ، وقد عرفت ضعفه في محله. فالعمدة في المنع حينئذ ما عرفت.

وعلى كل حال فما في المتن وغيره من كتب الأصحاب من الصلح المذكور في المقام يراد منه المعنى المزبور ، وهو الذي يكون مقتضاه السقوط ، من غير حاجة إلى مسقط بعد ذلك.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق ـ الحديث ٣.

٤٠٤

ويمكن تصور وجهين آخرين للصلح : أحدهما وقوعه على أن يوجد المسقط كغيره من الأعمال ، وثانيهما إيقاعه على أن لا يأخذ بالشفعة وإن كانت هي حقا له ، ولعل عموم الصلح مع عدم ظهور اتفاق على العدم يقتضي الجواز.

إلا أن الأول مع فرض عدم وفائه بما عليه من إنشاء المسقط الذي يفرض توقف السقوط عليه لا يحصل به السقوط حينئذ ، لكن لو فعل المصالح ضد ما صولح عليه بأن أنشأ ما يقتضي الأخذ بالحق يترتب على ذلك أثره وإن أثم بعدم الوفاء بالأول أو لا أثر له بعد أن ملك عليه غيره بعقد الصلح؟ وجهان أقواهما الثاني.

وربما يؤيده ما ذكروه في اشتراط عدم العزل في الوكالة وفي اشتراط تحرير العبد فباعه مثلا أو بالعكس ، بل وما ذكروه أيضا في منذور الصدقة مثلا وغير ذلك.

وأما الثاني فلا يبعد أنه على النحو المزبور أيضا ، فلا يؤثر بعد إنشاء الشفعة المستحق عليه تركها نحو استحقاق عدم العزل عن الوكالة على الموكل مثلا بالاشتراط في عقد لازم.

ومنه يعلم صحة شرط ترك الأخذ به فيه أيضا ، فلا يؤثر إنشاؤها بعد ذلك ، وليس ذلك من مخالفة الكتاب والسنة ، فان المراد عدم الأخذ بما يستحقه ، لا إبطال أصل الاستحقاق.

كما أنه لا ينافي ذلك عدم صحة انتقالها من ذي الحق إلى غيره لو صالح عنها أجنبي على وجه يراد إثبات الشفعة له وإن كان قد يحتمل ، لعموم أدلة الصلح ، فهو حينئذ وإن لم يكن ممن حصل له سبب الاستحقاق بالأصالة لكنه بالصلح استحقه من ذي الحق الذي هو مسلط عليه كتسلطه‌

٤٠٥

على ماله ، ولذا ينتقل إلى الزوجة حق ضربها من القسم وينتقل إلى الأجنبي حق الحجر.

بل قد يحتمل ذلك في الخيار أيضا بناء على أن الفسخ به هو المملك للعين ، نحو ما قيل في الرجوع بالطلاق ، لا أنه معيد للسبب الأول ، فحينئذ ينقل الخيار بالصلح ، ويملك المصالح بالفسخ العين ذات الخيار.

ولكن يدفع ذلك كله ـ مضافا إلى إمكان دعوى الإجماع على خلافه ـ عدم دليل يقتضي تسلط ذي الحق على حقه بحيث ينقله إلى غيره ، وخصوصيات الموارد لا تفيد العموم ، وعمومات الصلح والشرط لا تقتضي ذلك ، خصوصا بعد ملاحظة اتفاق الأصحاب ظاهرا لا أقل من الشك ، فتبقى حينئذ على مقتضى أصالة عدم الانتقال.

وعلى كل حال فلا يشكل أصل الحكم هنا بأنه إذا شرع في عقد الصلح كان ذلك منافيا للفورية ، فتبطل ويبطل الصلح حينئذ ، لإمكان منع منافاة ذلك للفورية ، ولإمكان وقوع الصلح مع الوكيل الذي لا يقدح التراخي منه في حق الموكل ، وإمكان صلح الشفيع قبل العلم بثمن المبيع أو في حال معذوريته عن الفور بعذر من الأعذار السابقة ، فيصح الصلح حينئذ على حسب ما عرفت ، وإن كان عوض الصلح بعض الشقص ، إذ ليس هو من تبعيض الشفعة الممنوع كما هو واضح ، والله العالم.

المسألة ( السابعة : )

(إذا تبايعا شقصا فضمن الشفيع الدرك عن البائع أو ) عهدة الثمن ( عن المشتري ) في نفس العقد ( أو شرط المتبايعان ) أو‌

٤٠٦

أحدهما ( الخيار للشفيع لم تسقط بذلك الشفعة ) مع فرض عدم منافاة الفورية بناء على اعتبارها ، كما عن الشيخ وغيره التصريح به ، لعدم دلالة شي‌ء من ذلك مع عدم قرائن على الإسقاط ، إذ يمكن أن يكون ذلك منه لإرادة إيجاد السبب الذي يستحق به الشفعة.

فما عن التحرير والإرشاد ـ من الإشكال في الأول بل في المختلف أن الأقوى البطلان فيهما لأنه دال على الرضا بالبيع ـ واضح المنع ، بل لو اختار اللزوم قبل أن يشفع ولم نقل باعتباره فيها ـ كما هو الظاهر لإطلاق الأدلة الشامل للبيع المتزلزل ـ لم تسقط شفعته ، كما هو مقتضى إطلاق المحكي عن الخلاف والمبسوط وصريح غيره ، للأصل وغيره.

فما عن الإيضاح ـ من القول به لأن إجازة البيع بعده إسقاط للشفعة بإجماع القائلين بهذا القول ـ لا يخفى عليك ما فيه بعد فرض عدم المنافاة للفورية ، خصوصا مع القول بعدم سقوطها بالمباركة التي هي أولى من ذلك ، فما ذكره رحمه‌الله لا حاصل له.

كما أن ما فيه أيضا ـ من أنه « بقي علينا أن الشفعة هل هي مترتبة على اللزوم أو على العقد؟ يحتمل الأول ، من حيث أنها معلولة للبيع ، فيتوقف لزومها على لزومه ، ومن حيث وقوع البيع ، ومجردة موجب للشفعة ، لعموم النص ، والتحقيق أن إمضاء البيع هل هو شرط السبب أو الحكم؟ » ـ لا حاصل له أيضا.

بل فيه ما فيه وإن أطنب بعض مشايخنا في تفسيره ، لكن لا حاصل له أيضا بعد معلومية كون السبب مطلق البيع الموجب للانتقال إلى المشتري كما عرفته نصا وفتوى عند تحرير كلام الشيخ في شرطية الخيار في البيع.

نعم قد عرفت أنه مع فرض كون الخيار للبائع مثلا له فسخها بفسخ البيع ، فلزومه حينئذ شرط للزومها لا لثبوتها.

٤٠٧

ومن الغريب تسميته له تحقيقا ، وهو مع أنه ليس بشي‌ء لم يذكر فيه ترجيحا ، وأغرب منه كلامه الأول ، والله العالم والهادي.

( وكذا ) لا تسقط الشفعة ( لو كان ) الشفيع ( وكيلا لأحدهما ) كما صرح به غير واحد ، بل في موضع من جامع المقاصد للوكيل في الشراء والبيع أن يأخذ الشفعة قولا واحدا ، وإن حكى هو في موضع آخر عن المختلف السقوط ، لحصول الرضا بالبيع ، وهو مسقط.

وعلى كل حال فالتحقيق عدم السقوط ( و ) إن قال المصنف :( فيه تردد ) كالمحكي عن التذكرة ( لما فيه من أمارة الرضا بالبيع ) بل قد سمعت اختياره في المختلف ، بل هو المحكي عن المبسوط أيضا.

لكنه في غير محله ، ضرورة عدم كون مطلق الرضا بالبيع مسقطا لها ، فان البيع هو السبب في ثبوت الشفعة ، ولا ريب في أن من يتوقعها راض به ، بل لو حاول عدم الرضا لم يكن مقدورا له ، وإنما المسقط رضاه بالبيع ، ليبقى ملكا للمشتري ، وهذا غير لازم للوكيل ، كما هو واضح.

كوضوح فساد التعليل بالتهمة التي يمكن فرض عدمها ، ولا يتم في الوكيل على مجرد إجراء الصيغة ، والله العالم.

المسألة ( الثامنة : )

( إذا أخذ ) الشفيع ( بالشفعة فوجد فيه عيبا سابقا على البيع فان كان الشفيع والمشتري عالمين ) بذلك ( فلا خيار لأحدهما ) بلا خلاف ولا إشكال.

٤٠٨

( و ) كذا لا خلاف ( إن كانا جاهلين ) واتفقا على رده أو على أخذه مع الأرش أو بدونه ، لكن كان الثمن للشفيع ما بعد الأرش.

وتوهم إشكال الرد للشفيع ـ بأن الشفعة ليست بيعا كي يستحق الرد بالعيب فيها ـ يدفعه عموم دليل الرد في المعيب من غير فرق بين البيع وغيره ، وهو قاعدة الضرر المنجبرة بفتوى الأصحاب هنا ، نعم الظاهر عدم أرش له لا على البائع الذي لم يأخذ منه ولا على المشتري لو تصرف فيه بما يمنع من رده إذا لم يكن المشتري قد أخذه من البائع ، للأصل وكونه يأخذ من المشتري بالثمن.

بل قد يشكل رجوعه به على المشتري لو أخذه هو إن لم يكن إجماعا بأنه استحقاق حصل للمشتري على البائع خارج عن الثمن ، ولذا صح له عفوه عنه ، ولو أنه جزء من الثمن ينفسخ البيع فيه قهرا لفوات ما قابله من وصف الصحة في المبيع نحو تبعض الصفقة لم يصح له العفو ، لاستحقاق الشفيع حينئذ ما قابله من الثمن الذي دفعه إلى المشتري.

على أن احتمال ذلك مناف لما هو المعلوم من عدم مقابلة الثمن شرعا لوصف الصحة ، وعدم استحقاق المشتري عليه عين ما دفعه اليه ، ولغير ذلك مما لا يخفى.

اللهم إلا أن يقال : إن ما دل على استحقاق الشفعة بالثمن ظاهر في غير الفرض ، بل قد يعد عرفا أن الثمن ما بعد الأرش ، ولعل ذلك ونحوه منشأ الاتفاق المزبور ، والله العالم.

وعلى كل حال ( فان رده الشفيع كان المشتري بالخيار في الرد والأرش ) لأنه لم يحدث فيه حدثا وإن انتقل عن ملكه ثم عاد إليه إلا أنه ليس تصرفا له ، واحتمال أن مطلق الانتقال عنه مسقط لاستحقاق رده ( و ) إن عاد إليه لا دليل عليه.

٤٠٩

نعم ( إن اختار ) الشفيع ( الأخذ لم يكن للمشتري الفسخ لخروج الشقص عن يده ) والأصل فيه اللزوم ، فلا تسلط له على فسخ الملك الحاصل للشفيع بالشفعة ؛ هذا.

ومن ذلك يظهر ما أطنب به في المسالك من سوء تأدية الحكم المزبور قال : « فان اختلفت إرادتهما أي الشفيع والمشتري فأراد الشفيع رده دون المشتري فلا منافاة ، فيرجع إلى المشتري ويتخير بين أخذ أرشه وعدمه ، وإن انعكس فأراد الشفيع أخذه والمشتري رده قدمت إرادة الشفيع ، لثبوت حقه وسبقه ، فإنه يثبت بالبيع ، وسيأتي ما في هذا التعليل ، ولأن غرض المشتري استدراك الظلامة وتحصيل الثمن ، وهو حاصل بأخذ الشفيع ، ولأنا لو قدمنا المشتري بطل حق الشفيع رأسا ، وإن قدمنا الشفيع حصل للمشتري مثل الثمن أو قيمته ، فيكون جامعا بين الحقين ، ويحتمل تقديم المشتري ، لأن الشفيع إنما يأخذه إذا استقر العقد ، كما تقدم في البيع المشتمل على الخيار ، وقد تقدم ضعف المبني عليه » إذ هو كما ترى.

بل لعله ألصق بتعارض الإرادتين قبل أخذ الشفيع الشفعة الذي قد عرفت الحال فيه سابقا وأن للمشتري الفسخ ، ولكن إذا فسخ كان للشفيع فسخ فسخه والأخذ بالشفعة من المشتري ، للإجماع إن كان أو لسبق حقه بناء على أن استحقاق المشتري الرد حين العلم لا بالبيع ، بخلاف الشفيع الثابت حقه بتمام العقد ، بل لو قلنا بثبوته بالبيع أيضا سابقا على حق الشفعة أو مقارنا أمكن ترجيح حق الشفيع بما ذكر مؤيدا بشهرة الأصحاب أو إجماعهم وإن كان للمشتري فائدة بالتقديم أيضا ، وهي السلامة من الدرك.

وعلى كل حال فعلى ما عرفت في مفروض المسألة من بقاء الشقص في يد الشفيع وعدم تسلط المشتري على أخذه منه ليرده على البائع هل له‌

٤١٠

المطالبة بالأرش؟ ( قال الشيخ ) في محكي المبسوط فيما لو كان الشفيع عالما بالعيب ( و ) المشتري جاهلا ( ليس للمشتري المطالبة بالأرش ) قولا واحدا ، ونحوه يأتي في المقام. ولعله لأنه قد استدرك ظلامته برجوع جميع الثمن إليه من الشفيع ، فلم يفت منه شي‌ء فيطالب به ، ولأنه كالنائب عن الشفيع بالشراء فلا يستحق الرجوع.

( و ) لكن ( لو قيل : له الأرش كان حسنا ) بل هو خيرة الفاضل في محكي التذكرة والشهيدين والكركي ، وهو الأصح لإطلاق دليله ، وعود كمال الثمن إليه لا ينافي ذلك ، كما لو باعه بأضعاف ثمنه ، كما أنه لا ينافيه استحقاق الشفيع لما يقابله من الثمن ، فلا فائدة له في أخذه ، إذ لا يجب عليه قبول العوض عنه من الشفيع بعد أن كانت معاملة مع البائع مستقلة لا مدخلية لها فيما وقع بينه وبين الشفيع ، فهو في الحقيقة لم يستدرك ظلامته ممن ظلمه ، كما هو واضح ، وإجماع الشيخ المزبور لم نتحققه ، بل لعل المظنون خلافه.

ومن الغريب ما قيل من أن الشيخ بنى ذلك على أنه لو كان للمشتري الأرش لكان الثمن للشفيع مجهولا ، فيبطل أخذه ، وتأخيره إلى معرفة الأرش المتوقفة على تقويم أهل الخبرة المحتاج إلى زمان ينافي الفورية ، إذ هو كما ترى لا ينبغي أن يسطر ، والله العالم.

( وكذا ) الحكم ( لو علم الشفيع بالعيب دون المشتري ) ضرورة أنه لا رد للشفيع لعلمه ، ولا للمشتري لخروج الشقص من يده وفي استحقاقه الأرش ما عرفت من الأصح له ذلك ، فيسقط حينئذ عن الشفيع بقدره ، ولا يقدح فيه علمه بالحال ، لما عرفت من أنه يأخذ بالثمن وهو ما بعد الأرش عرفا.

( ولو علم المشتري دون الشفيع كان للشفيع الرد ) لجهله‌

٤١١

ولا أرش للمشتري لعلمه.

نعم لو علم الشفيع أن المشتري اشتراه بالبراءة من كل عيب ففي القواعد « هو كالمشتري وإلا فله الرد » وفيه أنه يمكن القول بأن له رد وإن علم بالشرط المزبور ، لعموم دليل الرد ، والشرط إنما هو على المشتري.

وربما احتمل في عبارة القواعد المزبورة أن له الرد وإن لم يظهر عيب ، لأن الشرط المذكور في حكم العيب ، إلا أنه كما ترى ، والله العالم.

المسألة ( التاسعة : )

( إذا باع ) الشريك ( الشقص بعوض معين لا مثل له كالعبد فان قلنا لا شفعة ) في مثل ذلك ( فلا بحث ، وإن أوجبنا الشفعة بالقيمة فأخذه الشفيع ) بها ( و ) ملكه ثم ( ظهر ) للبائع ( في الثمن عيب كان للبائع رده ) على وجه الفسخ ( والمطالبة بقيمة الشقص ) وقت الفسخ ( إذا لم يحدث عنده ) أي البائع في العبد ( ما يمنع ) من ( الرد ، ولا ) تسلط له على أن ( يرتجع الشقص ) من الشفيع ( لأن الفسخ المتعقب للبيع الصحيح لا يبطل الشفعة ) للأصل بعد حصول المقتضي لثبوت الشفعة ، وهو البيع ، مؤيدا بأن فيه جمعا بين الحقين ، لأن رجوع البائع في العين يقتضي سقوط حق الشفيع ، بخلاف ما إذا أخذ القيمة بلا خلاف أجده فيه ، وإن قال في المسالك هنا : « وقيل يقدم حق البائع ، لاستناد الفسخ إلى العيب المقارن للعقد والشفعة تثبت بعد ، فيكون العيب أسبق ، ولأن الشفيع منزل‌

٤١٢

منزلة المشتري ، فرد البائع يتضمن نقض ملكه ، كما يتضمن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه » إلا أنى لم أتحققه.

بل ظاهر كلامهم فيما تقدم من غير خلاف يعرف فيه بينهم أن للشفيع فسخ الرد بالعيب لو حصل قبل الأخذ بالشفعة ، وليس ذلك إلا لتقدم حق الشفيع عليه.

ومن هنا ضعفه في المسالك بعد أن حكاه بأن « مجرد وجود العيب حالة العقد غير كاف في سببية الفسخ ، بل هو مع العقد الناقل للملك ، كما أن الشركة أيضا غير كافية في سببية الشفعة ، بل هي مع العقد ، فهما متساويان من هذا الوجه ، ويبقى مع الشفعة المرجح الذي ذكرناه » أي الجمع بين الحقين.

ولكن فيه أن ذلك بمجرده لا يصلح مرجحا خصوصا بعد حكمهم من غير خلاف يعرف فيه بينهم أنه لو كان الخيار للبائع مشروطا وشفع الشفيع كان للبائع فسخ البيع والشفعة ، ولا نجد فرقا بين الخيار الحاصل بالعيب والشرط ، إذ هما معا مقارنان للعقد ، فمع فرض كون الخيار بالشرط سابقا على حق الشفعة الحاصل بعد تمام العقد الذي فيه الشرط فكذلك الحاصل بالعيب ، وبعد التسليم فلا أقل من المقارنة المقتضية لتساويهما في الحق ، فكل من سبق كان له ذلك ، كما عساه يظهر من المسالك أنه أحد الأقوال في المسألة.

قال بعد ما سمعت : « وربما فرق بعضهم بين رد البائع قبل أخذ الشفيع وبعده ، فقدم البائع في الأول والشفيع في الثاني ، لتساويهما في ثبوت الحق بالبيع ، فيقدم السابق في الأخذ ».

ولا ريب في أنه متجه إن لم نقل بتقديم البائع مطلقا ـ كما لو شرط الخيار له ـ لو لا اتفاق الأصحاب ظاهرا على تقديم الشفيع مطلقا ، بل‌

٤١٣

لم أتحقق حكاية الخلاف المزبور من غيره.

ويمكن أن يكون منشأ الاتفاق المزبور أن خيار العيب لا يثبت إلا بعد العلم بالعيب ، ولا يكفي فيه وجود العيب حال العقد مع الجهل به ، فيقدم حق الشفعة حينئذ عليه ، ضرورة مقارنته لتمام العقد.

لكن الانصاف عدم خلو دعوى مدخلية العلم في ثبوت الخيار بالعيب من نظر أو منع كما ذكرنا ذلك في محله. كما أن الانصاف عدم حصول إجماع في المسألة.

بل في التحرير تقديم حق البائع قبل أخذ الشفيع ، قال : « ولو كان الثمن غير مثلي فوجد البائع به عيبا فرده قبل أخذ الشفيع احتمل تقديم حقه ، لأن في أخذ الشفعة إبطال حق البائع من الشقص ، والشفعة تثبت لازالة الضرر ، فلا تزال بالضرر ، وتقديم حق الشفيع لسبق حقه والأقرب الأول ، لأن حق البائع أسبق ، لاستناده إلى وجود العيب ، وهو متحقق حال البيع ، والشفعة تثبت بالبيع ».

بل مقتضى جزمه بأسبقية حقه ترتب أحكام أخر كثيرة عليه في غير المقام ، إلا أنه هو وغيره لم يوافقوا عليها ، بل لم أجد ما ذكره في المقام لغيره.

ثم لا يتوهم أن ذلك من تبعض الفسخ باعتبار أن رده العبد يقتضي فسخ البيع الذي تفرعت عليه الشفعة ، ضرورة أنه فسخ من حينه والشفعة حال حصولها قد كانت من المشتري ظاهرا وواقعا ، نعم قد يأتي ذلك إذا كان الرد قبل الأخذ بالشفعة ، كما ستعرف الكلام فيه ، إنشاء الله.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو عاد الشقص إلى المشتري بملك مستأنف كالهبة أو الميراث لم يملك ) المشتري ( رده على البائع ) ليخلص عن دفع القيمة إذا لم يرض بذلك ( و ) أصر على إرادة‌

٤١٤

قيمة الشقص حتى لو كان رد البائع الثمن متعقبا لملك المشتري الشقص كما أنه ( لو طلبه البائع لم يجب على المشتري إجابته ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بين من تعرض له ، كالشيخ والفاضلين والشهيدين ، والكركي ، بل ولا إشكال ، لانقطاع المعاملة الواقعة بينهما بالخروج عن الملك ، ولا يعيدها عوده إليه بسبب آخر ، فالفسخ الحاصل من البائع لا يوجب من أول الأمر غير القيمة ، لكون المفروض خروج العين المنتقلة إليه بالعقد المزبور عن ملكه ، وفسخه إنما يوجب رد العين من حيث انتقالها به لا مع انتقالها بسبب آخر غيره لا تسلط لأحدهما على فسخه.

وحينئذ فلا يستحق بالفسخ المزبور إلا القيمة ، كما لا يستحق على المشتري غيرها أيضا ، فليس لأحدهما على الآخر اقتراح رد العين التي خرجت عن مقتضى المعاملة المفسوخة.

نعم لو عاد إليه بفسخ للمعاملة الجديدة ولم نقل إن الفسخ مملك بل هو مقتض لعود الملك بالسبب الأول الذي قد فرض فسخه أمكن حينئذ ملك المشتري ردها عليه وملك البائع المطالبة بها ، ضرورة كون ملكها حينئذ بالسبب الأول الذي قد فرض انفساخه.

بل لعله كذلك لو فرض أخذ البائع القيمة ثم عادت العين للمشتري بفسخ للمعاملة التي كانت السبب في خروجها أمكن القول بأن للمشتري حينئذ إعادتها عليه وأخذ القيمة منه ، كما أنه يمكن للبائع مطالبته بها ورد القيمة إليه ، لانكشاف رجوع العين إلى ملك البائع بالفسخ المزبور الذي يعاد معه الملك إلى مقتضى السبب السابق الذي قد فرض فسخ البائع له ، وأن به يستحق على المشتري العين التي هي على ملكه بالسبب الحاصل ، فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا ، والله العالم.

ثم إنه حيث تعتبر القيمة ( و ) دفعها المشتري أو لم يدفعها‌

٤١٥

( لو كانت قيمة الشقص والحال هذه أقل من قيمة العبد ) مثلا فـ ( ـهل يرجع الشفيع بالتفاوت؟ فيه تردد ، والأشبه ) بأصول المذهب وقواعده أنه ( لا ) يرجع وفاقا للفاضل والكركي وثاني الشهيدين ( لأنه ) إنما يأخذ ب ( الثمن ) والفرض أن ( الذي اقتضاه العقد ) حال الأخذ بالشفعة ذلك ، وليست قيمة الشقص التي أخذها البائع من الثمن في شي‌ء ، وإنما هو شي‌ء استحقه البائع على المشتري بالفسخ حال انتقال العين عن ملكه الحاصل بالسبب المزبور ، فلا حق للشفيع فيه.

كما لا حق للمشتري على الشفيع لو فرض زيادة قيمة الشقص التي دفعها للبائع على قيمة العبد ، ضرورة أنه لا يستحق عليه إلا قيمة الثمن الذي وقع عليه العقد ، وما غرمه بالفسخ المزبور لا مدخلية له في الثمن كما هو واضح.

وحينئذ فدعوى أن الثمن الذي استقر على المشتري قيمة الشقص والشفيع إنما يأخذ بالثمن الذي استقر نحو ما سمعته في الأرش واضحة الفساد ، كوضوح الفرق بين المقام والأرش الذي قد عرفت تحقيق الحال فيه ، فتأمل جيدا.

وكذا دعوى بطلان العقد ، فلم يعتبر ما وقع عليه ، بل المعتبر ما استقر وجوبه على المشتري وهو القيمة ، ضرورة أن الفسخ لم يبطل العقد من أصله ، بل كان صحيحا إلى حين الفسخ ، فلا يزول مقتضاه بالفسخ الطاري.

فالمتجه حينئذ عدم الرجوع من كل منهما ، خلافا للمحكي عن الشيخ من الرجوع فيهما وإن كنا لم نتحققه ، إذ المحكي من عبارته يقتضي التردد من غير ترجيح. وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه لما عرفت ، والله العالم.

٤١٦

هذا كله لو كان الفسخ من البائع بعد أخذ الشفيع.

( و ) أما ( لو كان الشقص في يد المشتري ) لم يأخذه الشفيع ( فرد البائع الثمن بالعيب لم يملك منع الشفيع ، لأن حقه أسبق ) بناء على ما عرفت من اعتبار العلم في استحقاق خيار العيب ، فيفسخ الفسخ الحاصل من رد البائع ، ويعيد المبيع إلى ملك المشتري على مقتضى العقد الأول ( ويأخذه ) منه ( بقيمة الثمن ) سليما ( لأنه الذي اقتضاه العقد ) الأول ( وللبائع ) على المشتري ( قيمة الشقص وإن زادت عن قيمة الثمن ) لأنه مقتضى فسخه برد الثمن ، ولا يرجع بها على الشفيع كما عرفت الحال فيه ، ولعل هذا ونحوه من تبعيض آثار الفسخ لا تبعيض الفسخ الذي سمعته في فسخ الشفيع الإقالة أو نلتزمه فيها ، كما سمعت احتماله من الشهيد بناء على أنه كالمقام ، هذا كله مع رد البائع الثمن.

( و ) أما ( لو حدث عند البائع ) فيه ( ما يمنع من رد الثمن ) كعيب أو تصرف ( رجع بالأرش على المشتري ) لأنه المتعين له حينئذ على نحو ما سمعته في المبيع ( ولا يرجع ) المشتري ( على الشفيع بالأرش إن كان ) قد ( أخذه بقيمة العوض الصحيح ) لعدم ظلامة له.

نعم إن كان قد أخذ منه بقيمته معيبا رجع عليه بباقي قيمة الصحيح لنحو ما سمعته في رجوع الشفيع عليه بالأرش ، ضرورة استقرار الشقص حينئذ بالعبد والأرش الذي هو من مقتضى العقد المقتضي للسلامة ، فالثمن عرفا ذلك ، وكذا القول فيما لو رضي البائع به ولم يرده مع المانع من رده واختار الأرش.

٤١٧

أما لو عفا ولم يطالب فالظاهر عدم استحقاقه على الشفيع ، كما أن الظاهر عدم استحقاق الشفيع له على المشتري لو كان في المبيع ، والله العالم.

المسألة ( العاشرة : )

لو كانت دار لحاضر وغائب وحصة الغائب في يد آخر فباع الحصة وادعى أن ذلك بإذن الغائب قال ) الشيخ ( في الخلاف : تثبت الشفعة ) وفيه أن دعوى الاذن ممن في يده المال ليس طريفا شرعيا لثبوت ذلك وإن جاز الأخذ منه والتصرف وغيره باعتبار كونه ذا يد ولا معارض له.

( و ) حينئذ فـ ( ـلعل المنع أشبه ) بأصول المذهب وقواعده إن كان المراد الثبوت في نفس الأمر على وجه لو جاء المالك وأنكر لم يكن له الانتزاع من يد الشفيع ، وذلك ( لأن الشفعة تابعة لثبوت البيع ) وقد عرفت أن مجرد دعوى من في يده المال الاذن ليس طريقا شرعيا لثبوت ذلك.

وإن كان المراد جواز أخذ الشفيع من يد المشتري الشقص بها على نحو أخذ المشتري له من يد مدعي الاذن ثم الغائب على حجته فقد يقال بالجواز.

لكن في القواعد « ولو ادعى الحاضر من الشريكين على من في يده حصة الغائب الشراء من الغائب فصدقه احتمل ثبوت الشفعة ، لأنه إقرار من ذي اليد ، وعدمه لأنه إقرار على الغير » من دون ترجيح كالمحكي عن التذكرة والدروس. نعم عن التحرير « أن الأول أقوى ».

٤١٨

وفيه أنه بعد العلم بكونه مالا للغير لا إشكال في أنه إقرار على الغير ، إلا أنه قد عرفت جواز الأخذ منه والتصرف باعتبار كونه ذا يد ولا معارض له ، كما تقدم تحرير ذلك في محله على وجه لا ينبغي التردد المزبور من الجماعة فضلا عن اختيار العدم ، كما في المتن بعد أن حكى عن الشيخ الثبوت المحتمل لإرادة المعنى الذي ذكرناه.

اللهم إلا أن يقال : إن عنوان الشفعة نصا وفتوى تحقق صدق « باع الشريك » وهو غير متحقق هنا ، فلا تثبت الشفعة على وجه إن لم يبادر إليها تبطل بناء على الفور ، وجواز أخذ المشتري منه لا يحقق الصدق المزبور ، فليس للشفيع الأخذ ، لعدم تحقق عنوان ثبوت الشفعة ، بخلاف جواز الشراء ظاهرا منه ، فإنه لا عنوان له على الوجه المزبور.

على أن السيرة التي هي العمدة في الحكم المزبور إنما هي في التصرف باذنه ، لا مطلق التصرف حتى القهري الذي لا يرجع إلى إذنه ، بل هو تابع للحكم الشرعي المعلق على عنوان خاص ، والفرض عدم تحققه.

ومن ذلك يظهر لك ما في جامع المقاصد ، فإنه بعد أن ضعف الأول بأنه إقرار في حق الغير قال : « لكن يشكل بشي‌ء وهو أن من بيده مال الغير مصدق في دعوى الوكالة بغير خلاف ، ويجوز الشراء منه والتصرف تعويلا على قوله ، وكذا لو ادعى الشراء من المالك يسمع فلم لا تثبت الشفعة بدعواه الشراء مع الحكم بنفوذه ، وقوى في التحرير ثبوت الشفعة. والذي يخطر بالبال أنه إن كان المراد بثبوت الشفعة انتزاع الحاكم الشقص وتسليمه إلى المدعي كما هو المتبادر من ذكر الدعوى فهو مشكل ، والظاهر العدم ، لأن مجرد دعوى الشراء ممن في يده مال الغير لا يقتضي الثبوت شرعا ، وليس المراد بجواز الشراء منه لو ادعى الوكالة الحكم بالوكالة ، وإن كان المراد جواز أخذ المدعي ذلك بدعوى من بيده‌

٤١٩

المال الشراء فليس ببعيد ، كما يجوز له الشراء والاتهاب ونحوهما من التصرفات ، ثم يكون الغائب على حجته ».

إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد التأمل فيما ذكرناه ، وحكم الحاكم على من في يده المال بعد اعترافه بالشراء وبانتزاعه منه مؤاخذا له بإقراره المتعلق به ليس حكما على الغائب الذي هو على حجته ، بل لا وجه لعدم الانتزاع منه بعد إيجاد سبب الأخذ بالشفعة مع فرض جواز الأخذ منه بالدعوى المزبورة التي هي إقرار في حقه ودعوى في حق الغير ، نحو الحكم بالانتزاع ممن في يده المال المدعي للوكالة ثم امتنع بعد أن جرت صيغة البيع بينه وبين المشتري.

نعم لو قلنا بعدم جواز الأخذ على وجه يتصرف بالشقص اتجه عدم جواز الانتزاع ، وإن كان لو أخذ بالشفعة قولا مع دفع الثمن وصادف صدق المدعي ترتب عليه حكم الملك من حين الأخذ وإن لم يكن عنوانها ثابتا في الظاهر ولكن يكفي فيه كونه كذلك في نفس الأمر.

إنما الكلام في جريان أحكام الشفعة من التصرف به بغير رضاه وانتزاعه منه قهرا وبطلان الشفعة مع عدم الفور بها وغير ذلك من أحكامها بمجرد دعوى الوكالة ، والفرض أن جميعها أحكام شرعية مترتبة على موضوع لم يتحقق ، ولا أقل من الشك ، والأصل عدم ترتب هذه الآثار ، فلا ريب في أن الأحوط عدم ذلك كله.

والمراد أنه إلى هذا نظر المصنف وغيره ممن تردد. ولكن الانصاف مع ذلك كله أن الجواز لا يخلو من وجه ، والله العالم.

وعلى كل حال ( فلو قضي بها ) للشفيع بشفعته عملا بإقرار ذي اليد ( و ) بعد ذلك ( حضر الغائب فإن صدق فلا بحث ، وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه ، و ) حينئذ ( ينتزع الشقص ) ‌

٤٢٠