جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ومحكي التذكرة وإن كنا لم نجده لغيرهم ، نعم ذكر الشيخ وأبو الصلاح والفاضلان والشهيدان والكركي والكاشاني على ما حكي عن بعضهم اشتراط العلم بالثمن.

بل قيل : إنه لم يذكر هذا فضلا عن الأول في المقنع والمقنعة والنهاية والوسيلة والغنية والمهذب والمراسم وفقه القرآن والسرائر والنافع والتبصرة ، بل في مجمع البرهان لا دليل عليه من عقل ولا نقل إلا أن يكون إجماعا.

قلت : هو كذلك بعد عدم ثبوت عموم النهي عن الغرر أولا ، وعدم ثبوت كونها معاوضة ينافيها الغرر ثانيا.

نعم قد يقال : إن الشفعة على خلاف الأصل والمتيقن من شرعية الأخذ بها إن لم يكن المنساق من نصوصها هو حال العلم بالثمن ، مضافا إلى ما عرفت من اعتبار دفعه في التملك بها ، ومع عدم العلم به لا طريق إلى دفعه ، واحتمال الاجتزاء بدفع ما يعلم فيه الثمن لا يكفي في قطع الأصل المزبور.

لكن ذلك كله لا يقتضي اشتراطه على كيفية اشتراطه في البيع بحيث لا يجدي قول : « أخذت بالشفعة » وإن علم به بعد ذلك ودفعه. اللهم إلا أن يدعى ظهور‌ قوله عليه‌السلام (١) : « فهو أحق بها من غيره بالثمن » و « ليس له إلا الشراء والبيع الأول » (٢) في ذلك.

ولكنه واضح المنع ، ضرورة أن أقصاه اعتبار دفع الثمن لا العلم به حال الأخذ.

وبالجملة فالذي يمكن استفادته من الأدلة عدم الشفعة مع فرض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٨١

الجهل به على وجه لا يتحقق أنه أخذ بالثمن وبالشراء الأول لموت البائع والمشتري ولا بينة أو لغير ذلك ، وهو الذي تسمعه فيما يأتي من المصنف وغيره من كون الجهل مسقطا للشفعة أما غيره فلا.

ولعله لذا ترك اشتراطه من عرفت على وجه يظهر منه عدم اشتراطه ولو بملاحظة ذكره غيره من الشرائط ، وأنه في مقام البيان ، وقاعدة حجية مفهوم اللقب في عبارات الفقهاء ، بل من تعرض لذلك اقتصر أكثرهم على ذكر ذلك في الثمن دون المثمن.

ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه ، خصوصا بعد ما عرفت من أنها على خلاف الأصل ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة )

قد عرفت سابقا أنه ( يجب ) على الشفيع ( تسليم الثمن أولا ، فإن امتنع الشفيع لم يجب على المشتري التسليم حتى يقبض ) لما تقدم سابقا من توقف حصول الملك عليه مع طلب المشتري له ، فلا حق حينئذ للشفيع قبله وإن قال : « أخذت بالشفعة ».

نعم قد يشكل ذلك بناء على حصول الملك بالقول المزبور بأن الشفعة معاوضة أو كالمعاوضة يعتبر فيها التقابض لا تقديم الثمن أولا وإن قيل : إن ذلك لجبر وهنه بالأخذ منه قهرا ، بخلاف البيع المبني على التراضي من الجانبين ، فلم يكن أحد المتعاوضين أولى من الآخر بالبدءة فيتقابضان معا مع أنه قد قيل بوجوب تسليم البائع أولا فيكون هنا أولى.

إلا أن ذلك كله كما ترى لا يوافق أصول الإمامية ، بل مقتضى القول‌

٣٨٢

المزبور تسليم المشتري الشقص أولا ، ضرورة كونه الذي هو بمنزلة البائع للشفيع ، اللهم إلا أن يريد بذلك أصل الابتداء من أحدهما لا التقابض والله العالم.

المسألة ( الرابعة : )

( لو بلغه أن المشتري اثنان فترك ) الشفعة لذلك ( فبان واحدا أو واحد ) كذلك ( فبان اثنين أو بلغه أنه اشترى لنفسه فبان لغيره أو بالعكس لم تبطل الشفعة لـ ) ما عرفت من ( اختلاف الغرض في ذلك ) عند العقلاء ، وقد عرفت الضابط وغيره مما يتعلق بذلك.

وما أدري ما الذي دعا المصنف إلى عدم نظم هذه الأمثلة كما صنع الفاضل في القواعد؟ مع أن كتابه مبني على التهذيب ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة : )

( إذا كانت الأرض مشغولة بزرع ) على وجه شرعي ( يجب ) على الشفيع ( تبقيته ) إلى أوانه مجانا كما في القواعد والتذكرة والتحرير والدروس. قيل : لأنه تصرف بحق ، إذ المفروض أنه تصرف بعد القسمة الشرعية أو بالإذن مع الإشاعة وله أمد ينتظر ، فتكون مدته كالمنفعة المستوفاة للمشتري ولا كذلك الغرس والبناء ، فإنه لا أمد لهما ينتظر فيه القلع.

ولكنه كما ترى لا يرجع إلى دليل معتد به شرعا ، خصوصا إذا كان‌

٣٨٣

الزرع بعد القسمة على الوجه الشرعي فأخذ الشفيع بالشفعة ، فإنه لم يكن إذن من الشفيع بالزرع حتى يكون كالعارية التي قد عرفت البحث فيها سابقا.

ودعوى كونه حينئذ كالمشتري للأرض ذات الزرع يدفعها ـ بعد التسليم ـ إمكان منع الحكم في المشبه به إذا لم يكن عرف يقتضي ذلك على وجه يكون كالشرط المضمر.

على أن مقتضى ما ذكروه من الأمد عدم تسلط الشفيع على فسخ الإجارة لو وقعت من المشتري ، لأن لها أوانا ينتظر.

ولعله لذا قال في جامع المقاصد « لو آجر المشتري إلى مدة فأخذ الشفيع فهل له فسخ الإجارة من دون ترجيح » ولكن لا يخفى عليك ما فيه خصوصا مع فرض طول مدة الإجارة.

وبالجملة فهذه اعتبارات لا توافق أصول الإمامية ، ومن هنا كان المحكي عن جامع الشرائع أنه يجبر المشتري على القلع بعد ضمان الأرش كالغرس.

قلت : بل المتجه بناء على ما ذكرنا عدم الأرش وإن كان لم نجد القائل به ، والله العالم.

وعلى كل حال ( ف ) في الإرشاد وكذا الدروس ومحكي المبسوط وشرح الإرشاد للفخر أن ( الشفيع بالخيار بين الأخذ ) ( بالشفعة في الحال وبين الصبر حتى يحصد ، لأن له في ذلك غرضا ، وهو الانتفاع بالمال و ) الفرض ( تعذر الانتفاع بالأرض المشغولة ) فلا يجب عليه بذل الثمن الموجب للانتفاع به من غير مقابل ، فيجوز له حينئذ تأخير الأخذ ، لأن تعجيله ملزوم لتعجيل الثمن.

وفي المختلف والإيضاح وجامع المقاصد ومحكي التذكرة وظاهر التحرير‌

٣٨٤

لا يجوز له التأخير ، وفي المسالك لا يخلو من قوة ، لأن الشفعة على الفور ومثل ذلك لا يثبت عذرا ، كما لو بيعت الأرض في غير وقت الانتفاع ، فإنه لا يجوز تأخير الأخذ إلى وقته إجماعا.

ولعله لذلك قال المصنف وكذا الفاضل في القواعد ( وفي جواز التأخير مع بقاء الشفعة تردد ).

ولكن لا يخفى عليك قوة الأول ، لأن الشفعة وإن كانت على خلاف الأصل إلا أنه بعد تعلقها يكون مقتضى الأصل بقاؤها بعد عدم دليل على الفورية على وجه ينافي ذلك ، خصوصا بعد ما سمعت ما ذكروه من الأعذار التي لا تنطبق إلا على إرادة سقوطها مع إهمالها رغبة عنها لا مع الغرض المعتد به عند العقلاء.

وكذا الكلام في ذي الثمرة التي يجب بقاؤها أيضا إلى قطافها ، اللهم إلا أن يقال : إن الثمر لا يمنع الانتفاع بالمأخوذ هنا فلا عذر ، والله العالم.

المسألة ( السادسة )

قد عرفت فيما تقدم أيضا أنه ( إذا سأل البائع الشفيع الإقالة ) أو بالعكس ( فأقاله لم يصح ، لأنها إنما تصح بين المتعاقدين ) وهما البائع والمشتري دون الشفيع الذي يأخذ من المشتري ، كما هو واضح ، والله العالم.

٣٨٥

( المقصد الرابع )

(في لواحق الأخذ بالشفعة ) ‌

( وفيه مسائل : )

( الأولى : )

( إذا اشترى المشتري ) ما فيه الشفعة ( بثمن مؤجل قال ) الشيخ ( في المبسوط ) والخلاف وأبو علي والطبرسي فيما حكي عنهما :( للشفيع أخذه بالثمن عاجلا وله التأخير وأخذه بالثمن في محله ) وهو المحكي عن أبي حنيفة والشافعي في الجديد ، لاختلاف الذمم في ذلك ، فيجب إما التعجيل وإما الصبر إلى وقت الحلول ، ولا ينافي ذلك الفورية بعد أن كان التأخير لغرض معتد به عند العقلاء وليس هو للرغبة عن الشفعة.

( و ) لكن قال الشيخ ( في النهاية : يأخذه ) أي الشفيع الشقص من المشتري ( عاجلا ويكون الثمن عليه ) إلى وقته حتى لو مات المشتري وحل ما عليه وإن احتمل حلوله على الشفيع حينئذ ، لكنه واضح الضعف لما ستعرف. ( و ) وإنما ( يلزم كفيلا بالمال إن ) أراده المشتري و ( لم يكن ) هو وفيا ( مليا ) ‌

٣٨٦

( وهو أشبه ) عند المصنف وكافة من تأخر عنه ، بل هو المحكي أيضا عن المقنعة والمهذب والغنية والسرائر ، بل في الخلاف نسبته إلى قوم من أصحابنا مشعرا بوجود القائل فيه غير المفيد ممن تقدم ، وأنه قوي ، لأن حق الشفعة على الفور ، فترك الطلب إلى الأجل مناف له ، وأداء الثمن في الحال زيادة صفة في الثمن لا يلزم بها الشفيع.

فالقول الأول حينئذ يستلزم أحد محذورين ، إما إسقاط الشفعة على تقدير ثبوتها أو إلزام المشتري بزيادة لا موجب لها ، وكلاهما باطلان.

بيان الملازمة أنه لو جوزنا له التأخير لزم الأمر الأول ، والمفروض أنها على الفور على ما اعترف به الخصم ، وإن لم نجوز له التأخير ألزمناه بزيادة صفة ، وهي تعجيل الثمن من غير موجب.

بل ظاهر‌ قوله عليه‌السلام (١) : « هو أحق بها من غيره بالثمن » إرادة المماثلة بعد معلومية عدم إرادة نفس الشخص ، ولا تتحقق إلا بالمساواة في الأجل ، وعدم تساوي الذمم الذي ذكره الخصم لا يقتضي ما عرفت من التخيير ، لإمكان التخلص بالكفيل الوفي الملي مع فرض عدم كون الشفيع كذلك ، فتبقى الشفعة حينئذ على الفور بعد سقوط العذر بما عرفت.

هذا ولكن في الرياض المناقشة بأن الخبر المزبور لم يدل إلا على عدم وجوب تعجيل الثمن على الشفيع ، وهو لا يستلزم وجوب الأخذ بالشفعة حالا إلا على تقدير اعتبار الفورية ، والمفروض عدمه ، فالمتجه على هذا التخيير بين الأمرين اللذين ذكرهما في المبسوط والخلاف وبين ما ذكره الأصحاب ، وهو في غاية القوة إن لم يكن إحداث قول ثالث في المسألة.

قلت : لكن فيه أنه لا وجه حينئذ لجواز التأخير بعد فرض مشروعية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٨٧

الشفعة بالآجل ، ضرورة إمكان الفور بالشفعة بلا ضرر على الشفيع.

ولا وقع لقوله : « والمفروض عدمه » ضرورة أن الاشكال على القول بالفورية ، لا على التراخي الذي يمكن معه تأخير الشفعة إلى وقت الحلول ، وما سمعته من الدليل مبني على الفور ، والشيخ رحمه‌الله جعل التأخير للعذر الذي لا ينافي الفورية الذي هو قد اعترف به.

نعم على التراخي يتجه البحث أيضا في أن له الشفعة معجلة مع بقاء الثمن في ذمته إلى الأجل أولا ، بل يؤخرها إلى الأجل ، لأن الذمم غير متساوية. وبالجملة ما ذكره في غاية السقوط على القول بالفورية.

كما أنه قد يناقش المشهور بمنافاته لما سمعته منهم من وجوب دفع الثمن أولا ، لتوقف استحقاق الشفعة عليه ، أو لأنه جزء مملك أو شرط كاشف ، أو لأن ذلك حكم تعبدي للشفعة وإن لم يتوقف عليه الملك.

واحتمال اختصاص ذلك بغير المؤجل مجرد تهجس لا يساعد عليه شي‌ء من الأدلة التي هي ـ مضافا إلى إطلاق أدلة الشفعة ـ قوله عليه‌السلام (١) : « هو أحق بها من غيره بالثمن » وما في المكاتبة (٢) من أنه « ليس للشفيع إلا الشراء والبيع الأول » وخبر علي بن مهزيار (٣) المشتمل على بطلان الشفعة بالتأخير عن الثلاثة أيام في المصر ، وفي غيره بعد مضي مقدار الذهاب والإياب إليه كما عرفته سابقا ، وليس في شي‌ء منها تعرض للثمن المؤجل.

على أن مقتضى ذلك اختلاف كيفية التملك بالشفعة في المؤجل وغيره والنصوص كادت تكون صريحة في اتحاد كيفيتها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٨٨

وأيضا لو كان المراد من الثمن في النصوص المزبورة ما يشمل المؤجل لكان المتجه اعتبار جميع ما يذكر شرطا فيه بين المشتري والبائع من المكان والرهن والكفيل وغير ذلك ، إذ لا فرق بين اشتراط الزمان لأدائه واشتراط غيره من المكان ونحوه مما يرجع إليه ، ولا أظن أحدا يلتزمه.

وأيضا إذا فرض شمول النصوص المزبورة للمؤجل على أجله فلا وجه للمطالبة بالكفيل بعد عدم ثبوت الحق ، ودعوى اختلاف الذمم في ذلك لا ترجع إلى دليل معتبر يوافق أصول الإمامية بحيث يقطع به إطلاق الأدلة ويسقط الحق الثابت منها مع فرض تعذر الكفيل عليه ، خصوصا مع العلم بحال الشفيع ، وإنما يناسب هذه الاعتبارات مذاق العامة القائلين بذلك ، كأحمد ومالك والشافعي في القديم.

وأيضا يتجه عليه أنه لا يجب على المشتري قبوله فضلا عن البائع لو بذله الشفيع حالا ، لتعذر الكفيل عليه مثلا ، كما لا يجب على البائع قبوله من المشتري كذلك ، إذ الأجل حق لهما ، ويمكن أن يكون للمشتري غرض بالتأخير ، وظاهر المفيد بل صريحه في المقنعة التزامه ذلك.

ولكن لا يخفى ظهور كلامهم في غيره ، واستشكله في الرياض بناء على مذهب المشهور ثم قال : « ولا يبعد اللزوم عليه التفاتا إلى أن الحكم بالتأجيل في حق الشفيع إنما هو مراعاة لحقه واستخلاص له عن لزوم التعجيل به ، فإذا أسقط حقه وتبرع بالتعجيل فلا موجب للمشتري عن عدم قبوله مع دلالة الإطلاقات على لزومه ».

قلت : مع فرض دلالة الإطلاق على ذلك لم يكن وجه لجواز شفعته مؤجلا ، ضرورة أن مبنى ذلك كما عرفت دعوى ظهور قوله عليه‌السلام : « بالثمن » في المماثلة حتى بالتأجيل ، وحينئذ يكون الأجل بالنسبة إليه‌

٣٨٩

كالأجل بالنسبة للمشتري ، وإن كان الأقوى ما عرفت من ظهور الأدلة في اعتبار الحلول في الثمن في مشروعية الشفعة عندنا.

وإنما كلامنا على المشهور الذي مقتضاه أن للمشتري عدم القبول وإن بذله الشفيع وإلزامه بالكفيل.

وفيه ما عرفت ، مضافا إلى منافاته للإرفاق بالشفيع الذي ثبتت له الشفعة مراعاة للضرر عليه ، ولا ريب في حصول كمال الضرر عليه بإلزامه بالكفيل وعدم قبول الثمن حالا منه على وجه تسقط شفعته إن لم يتيسر له ذلك.

وأيضا قد عرفت أن الشفعة على خلاف الأصل ، والمتيقن من ترتب الأثر على الأخذ بها مع دفع الثمن فعلا ، بل إن لم يكن إجماع على كفاية الصبر من المشتري في ثبوته في ذمة الشفيع أمكن المناقشة في ثبوتها فيها على وجه يكون دينا له على الشفيع ويملكه بالإيجاب من الشفيع خاصة.

وعلى كل حال فقد ظهر لك من ذلك كله أن المتجه حينئذ اعتبار الحلول عليه متى أخذ بالشفعة ليتم ملكه للشقص ، ولظاهر‌ قوله عليه‌السلام (١) : « أحق بالثمن » والمراد منه من حيث المقدار ، وخبر ابن مهزيار (٢) وغير ذلك مما أشرنا إليه.

نعم هل يكون التأجيل للمشتري عذرا للشفيع لو أراد التأخير بشفعته من حيث الزيادة له بناء على الفورية؟ وجهان لا يخلو أولهما من قوة بناء على ما تكرر منا غير مرة من أن مقتضى إطلاق الأدلة ثبوت حق الشفعة على الدوام ، والضرر على المشتري بذلك هو الذي أدخله على نفسه بشرائه ما فيه الشفعة غير ملاحظ لما يسقطها ، ولكن للإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٩٠

المحكي أو غيره قلنا بسقوطها مع الإهمال رغبة عنها من حيث كونها كذلك لا لغرض معتد به عند العقلاء ، وبعد تسليم عدم كون ذلك عذرا مجوزا للتأخير لا مدخل له فيما ذكرناه من أن الشفعة على الحلول مطلقا.

وحينئذ فكلام الشيخ رحمه‌الله قد تضمن أمرين لا مدخلية لأحدهما في الآخر ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( قال المفيد والمرتضى (رحمهما الله) ) وأبو علي والشيخ في بيع الخلاف وابن إدريس ويحيى بن سعيد والآبي والفاضل والشهيدان والكركي والمقداد وابن فهد والصيمري وغيرهم على ما حكي عن بعضهم :إن ( الشفعة تورث ) ولو للإمام عليه‌السلام سواء طالب المورث أو لا إذا لم يكن ذلك إسقاطا ، بل ظاهر المرتضى وعن صريح السرائر الإجماع عليه ، لعموم الأدلة كتابا (١) وسنة (٢) سيما‌ المرسل (٣) في المسالك وغيرها عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله « ما ترك الميت من حق فهو لوارثه » المندرج فيه حق الخيار بلا خلاف. بل قيل : إنه متفق عليه ،

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٢ وغيرهما ـ من أبواب موجبات الإرث من كتاب المواريث.

(٣) لم نعثر على مصدر لهذا المرسل في كتب الأخبار للخاصة والعامة ، وانما اشتهر على ألسنة الفقهاء وذكر في المجامع الفقهية : والموجود « من مات وترك مالا فلورثته » أو « فللوارث » كما في الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ـ الحديث ٤ و ١٤. ومسند احمد ج ٢ ص ٢٩٠ و ٤٥٣ و ٤٥٦ وج ٣ ص ٢٩٦ و ٣٧١ وج ٤ ص ١٣١.

٣٩١

وكذلك حق القذف وغيره مما هو كالشفعة ، وتجدد ملك الوارث لا ينافي أخذ ما استحقه مورثه.

( و ) لكن مع ذلك ( قال الشيخ ) في النهاية ومحكي الخلاف هنا والمهذب والوسيلة والطبرسي ( لا تورث ) بل عن المبسوط نسبته إلى الأكثر ( تعويلا على رواية ) محمد بن يحيى عن ( طلحة بن زيد ) (١) عن جعفر بن أبيه عن علي عليهم‌السلام أنه قال : « لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم ، وقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا يشفع في الحدود ، وقال : لا تورث الشفعة ».

( و ) لكن ( هو ) أي طلحة بن زيد ( بترى ) بل قيل : إن محمد بن يحيى غير معروف وإن كان فيه أن الظاهر كونه الخزاز ، بل قيل : إن الظاهر عد حديث طلحة من القوي أو الموثق لأن كتابه معتمد وداخل تحت إجماع العدة وأن صفوان يروي عنه ، إلا أن ذلك غير مجد بعد إعراض من عرفت عنه وتحقق خلاف الأكثرية المحكية.

( و ) من هنا كان ( الأول أشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي منها عدم الخروج بمثله عن العمومات ، خصوصا بعد رجوع الشيخ في الخلاف إلى الأول في كتاب البيع المتأخر عن الشفعة ، ومعلومية كون النهاية متون أخبار ورواية الصدوق له أعم من عمله به ، كما لا يخفى على من لاحظ كتابه.

فينحصر الخلاف حينئذ في نادر ، وخصوصا بعد إضماره وموافقته للمحكي عن الثوري وأبي حنيفة وأحمد ، ولذا قال المصنف ( تمسكا بعموم الآية ).

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٩٢

فمن الغريب بعد ذلك كله ميل المقدس الأردبيلي إلى العمل أو قوله به ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة : )

( وهي ) أي الشفعة بناء على أنها ( تورث كالمال ) تقسط على النصيب لا الرؤوس ( فلو ترك زوجة ) مثلا ( وولدا فللزوجة الثمن وللولد الباقي ) بلا خلاف أجده فيه بيننا وإن توهم ذلك من عبارة المبسوط ، قال : « فمن أثبت الميراث في الشفعة ورثه على فرائض الله ، فان خلف زوجة وابنا كان لها الثمن والباقي لابنه ، وعلى هذا أبدا عند من قسمه على الأنصباء ، ومن قسمه على الرؤوس جعله بينهما نصفين » والظاهر أنه أراد العامة.

قال في محكي التذكرة : « اختلفت الشافعية ، فقال بعضهم : إن الشافعي قال : إنها على عدد الرؤوس ، ونقله المزني عنه ، وقال بعضهم :هذا لا يحفظ عن الشافعي ، فإن الجماعة إذا ورثوا أخذوا الشفعة بحسب فروضهم قولا واحدا ، لأنهم يرثون بالشفعة عن الميت ، لا أنهم يأخذونها بالملك ».

لكن في المختلف بعد أن ذكر ما في المبسوط قال : « إن كلامه الأخير يصير المسألة خلافية ».

وعلى كل حال فلا خلاف محقق ولا إشكال ، ضرورة أنه مقتضى ثبوتها بالإرث القسمة على النصيب كغيرها من الموروث ، وليس ثبوتها‌

٣٩٣

بالشركة ، ولذا أثبتها من لم يقل بالشفعة مع الكثرة كما أومأ إليه في الدروس وغيرها.

قال : « ليس هذا مبنيا على الكثرة ، لأن مصدرها واحد ، فتقسم على السهام ـ ثم قال ـ : ولك أن تقول هل الوارث يأخذ بسبب أنه شريك أم يأخذ للمورث ثم يخلفه فيه؟ فعلى الأول يتجه القول بالرؤوس وعلى الثاني لا ».

ومن الغريب بعد ذلك كله ما في الرياض من دعوى « أن الحجة على ذلك غير واضحة عدا ما استدلوا به لإثبات أصل المسألة من عمومات الإرث ، وهو حسن إن بلغ درجة الحجة كما ظنوه ، وإلا ـ كما ذكره بعض الأجلة ، ولعله لا يخلو من قوة ـ ففيه مناقشة ، والأصل يقتضي التسوية ، لكن المخالف لهم غير معروف وإن ذكروه قولا ، والظاهر أنه من العامة كما يستفاد من جماعة ».

وفيه أنه مع فرض عدم تناول أدلة الإرث لذلك لا شفعة أصلا للوارث الذي تجدد ملكه بعد حصول البيع وإن كانت ثابتة للمورث ، لكن الفرض عدم تناول أدلة الإرث لذلك ، فليس حينئذ إلا الشركة المتجددة وهي لا تقتضي الشفعة ، كما هو واضح.

ثم إن ذكر الزوجة في المتن وغيره لبيان أنها لا تحرم من الشفعة وإن حرمت من بعض الأشياء ، بل قد يقال : إنه لبيان أنها ترث الشفعة في العقار وإن لم تكن ترث من الشقص الذي استحق به المورث الشفعة ، فهي تشارك الورثة في الشفعة دون الشقص الذي انتقل إليه من المورث ، فان استحقاقهم الشفعة ليس للشركة ، ضرورة تجدد ملكهم ، بل هو للإرث المشترك بينهم وبينها في سببه المستفاد من الكتاب (١) والسنة (٢).

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٢ وغيرهما ـ من أبواب موجبات الإرث من كتاب المواريث.

٣٩٤

اللهم إلا أن يقال : إنها تمنع من الإرث للعقار وللحق المتعلق به المقتضى لانتقاله أيضا ، خصوصا مع ملاحظة ما رود (١) من حكمة منعها من الإرث منه مؤيدا بأن إرث الشفعة إنما يكون بارث سببه ، والفرض عدم إرثها في الشقص الذي هو سببها. إلا أن الجميع كما ترى.

وعليه قد يتصور إرثها للشفعة بالشركة في الشرب ، فإنها ترث منه ويتبعه إرثها للشفعة حينئذ.

وبالجملة فالمراد أنها حيث ترث الشفعة يكون لها الثمن في المشفوع والباقي للولد إذا لم يكن غيرهما ، لا أنه يكون بينهما بالنصف كالشريكين على القول بثبوتها مع تعدد الشركاء ، كما عرفت الكلام فيه مفصلا.

واحتمال القول به هنا كذلك أيضا لبعض النصوص السابقة يدفعه عدم الجابر له في المقام لما عرفت ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو عفا أحد الوراث عن نصيبه لم تسقط ) الشفعة وإن قلنا بالسقوط لو وقع ذلك عن المورث الذي لا شريك له فيها ، بناء على منافاة مثله للفورية ، والفرض عدم صحة التبعيض منه ، بخلاف الفرض الذي قد اشترك فيه جميع الورثة ، فلا يسقط الحق بعفو البعض نعم لو فرض أن الوارث واحد وعفا عن البعض سقطت بناء على السقوط بمثله في المورث.

( و ) على كل حال فإذا عفا البعض ( كان لمن لم يعف أن يأخذ الجميع ) لأن عفوه إنما يسقط استحقاقه نفسه الأخذ لا الشفعة عن مقدار حقه ، لما عرفت من عدم تبعض الشفعة ، والفرض أن مصدرها هنا واحد ، فليست إلا شفعة واحدة وإن تكثر المستحق لها على وجه توزع عليهم على قدر النصيب لو أخذوا بها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ من كتاب المواريث.

٣٩٥

وبذلك ظهر لك الفرق بين المقام وبين العفو من أحد الشركاء بناء على ثبوتها مع الكثرة ، لأنها باعتبار تعدد مستحقيها أصالة كانت بمنزلة تعدد الشفعات ، فيمكن القول بصحة عفو البعض بالنسبة إلى نصيبه خاصة ، ولا تبعيض في الشفعة كما سمعته من أبي علي سابقا ، بل سمعت ما يقتضي قوته.

لكن عن التذكرة هنا « الوجه أن حق العافي للمشتري ، لأنهما لو عفوا معا لكان الشقص له فكذا إذا عفا أحدهما يكون نصيبه له ، بخلاف حد القذف ، فإنه وضع للزجر ، فلله تعالى فيه حق » بل قد سمعت سابقا ما في الانتصار أيضا ، بل تأمل في ذلك أيضا المقدس الأردبيلي هنا.

وهو وإن كان مؤيدا لما ذكرناه سابقا على القول بالكثرة إلا أن الانصاف إمكان الفرق بين المقامين بما عرفت.

وكيف كان فقول المصنف ( وفيه تردد ضعيف ) محتمل لإرادة بيان احتمال سقوط أصل الشفعة بعفو البعض كالمورث ، ولإرادة بيان صحة عفو العافي في نصيبه ، فيأخذ غيره من شركائه ما عداه ، وقد عرفت وجه ضعفه على كلا التقديرين.

نعم لو عفا أحد الوراث وطالب الآخر فمات المطالب وورثه العافي فله الأخذ بالشفعة ، لاستحقاق المطالب الجميع بعد عفو العافي ، فبموته؟ انتقل استحقاقه إلى وارثه الذي هو العافي ، ولا يضر عفوه السابق ، لأن هذا حق آخر بسبب آخر غير الأول.

فما في القواعد والمحكي من حواشيها للشهيد من الإشكال في ذلك غير محله.

ولو مات مفلس وله شقص فباع شريكه كان لوارثه الشفعة ، بناء‌

٣٩٦

على المختار من انتقال التركة للوارث وإن استغرقها الدين ، أما على القول ببقائها على حكم مال الميت ففي ثبوت الشفعة إشكال ، وعلى تقديره ففي الأخذ بها له إشكال.

ولو بيع بعض ملك الميت في الدين لم يكن لوارثه المطالبة بالشفعة بناء على أن التركة ملك له ، بل وعلى القول بأنها على حكم مال الميت وأنه لا يملك شيئا منها إلا بعد قضاء الدين ، ضرورة تجدد ملكه حينئذ بعد البيع ، فلا يستحق شفعة ، نعم لو قلنا بأنه يملك الزائد عن قدر الدين اتجه احتمال ثبوتها له ، لأنه شريك حينئذ.

وكذا الكلام فيما لو كان الوارث شريكا للمورث فبيع نصيب المورث في الدين.

ولو اشترى شقصا مشفوعا وأوصى به ثم مات فللشفيع أخذه بالشفعة لسبق حقه ، ويدفع الثمن إلى الورثة ، وبطلت الوصية التي هي ليست أولى من الوقف ، لتعلقها بالعين لا البدل.

ولو أوصى لإنسان بشقص فباع الشريك بعد الموت قبل القبول استحق الشفعة الوارث ، بناء على أن القبول ناقل ، لأنه المالك حينئذ دون الموصى له ، نعم بناء على أن القبول كاشف عن ملكه بالموت تكون الشفعة له إذا قبل وشفع فورا ، ولا يستحقها قبل القبول ، لعدم العلم بكونه مالكا قبله ، وحينئذ يتجه كونه عذرا له.

لكن في الدروس « هل يكون ذلك عذرا له؟ الأقرب لا » وفيه ما عرفت.

بل في القواعد « ولا يستحق الوارث أي المطالبة لأنا لا نعلم أن الملك له قبل الرد ـ ثم قال ـ : ويحتمل مطالبة الوارث ، لأن الأصل عدم القبول ، وبقاء الحق ».

٣٩٧

وفيه أنه ـ مع اعتبار الرد في تملكه أيضا مقتضى ـ الأصل عدمه ، فهو حينئذ مملوك لمالك في الواقع غير معين ، وعدم القبول الذي يدعى أصالة عدمه مرجعه إلى أمر وجودي ، وهو إنشاء عدم إرادته لا السكوت فإذا مات انتقل إلى وارثه ، وهكذا تملك كل منهما في الحقيقة متوقف على أمر وجودي مقتضى الأصل عدمه ، لأن الموت صالح لتمليك الموصى له ولتمليك الوارث لمكان الوصية المستعقبة للقبول والرد ، فليس هناك حق لأحدهما يستصحب بقاؤه.

وعلى تقدير استحقاقه المطالبة لو طالب ثم قبل الموصى له افتقر إلى الطلب ثانيا ، لظهور عدم استحقاق المطالب ، ولو لم يطالب الوارث حتى قبل الموصى له فلا شفعة للموصى له ، بناء على النقل ، وفي الوارث وجهان مبنيان على ثبوتها لمن باع قبل العلم ببيع شريكه وعدمه ، أقواهما الثبوت ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة : )

( إذا باع الشفيع نصيبه بعد العلم بالشفعة ) على وجه لا ينافي الفورية ( قال الشيخ ) والقاضي وابن حمزة ويحيى بن سعيد والفاضل والشهيد والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ( سقطت شفعته ) بل لا خلاف فيه محقق كما ستعرف ، لأن البيع بعد العلم يؤذن بالإعراض عنها ، كما إذا بارك أو ضمن الدرك و ( لأن الاستحقاق ) لها ( بسبب النصيب ) مع البيع ، للضرر المنفي حال البيع ، وقد زال بزوال أحد جزئية ، فيزول المسبب ، ولا يكفي وجوده حال الشراء ، لظهور‌

٣٩٨

قوله عليه‌السلام (١) : « لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم » في اعتبار حصولها حال الشفعة وإلا لثبت لغير شريك ، مؤيدا بما سمعته من كون العلة في ثبوتها الضرر الممتنع مع البيع.

ولكن قد يناقش بمنع الإيذان المزبور ، ضرورة أعمية البيع منه ، وبأن المسلم من جزئية الشركة للسبب حصولها حال البيع ، لا بقاؤها إلى حال الأخذ ، فإن النصوص إنما هي في بيان موضوع استحقاق الشفعة لا أخذها.

ودعوى ظهورها في اعتبار بقاء وصف الشريك الغير المقاسم حال الأخذ واضحة المنع ، بل صريح كلامهم في استحقاق الشفعة للشريك وإن حصلت القسمة الشرعية مع الوكيل أو غيره.

والضرر إنما هو حكمة لا علة ، والظهور من الخبر المزبور قد عرفت أنه حين تعلقها للعين الأخذ بها ، وليس ذلك إثباتا لها لغير شريك بل هو استدامة لثبوتها حال الشركة ، هذا كله مع العلم.

( أما لو باع قبل العلم ) فعن الشيخ ويحيى بن سعيد وظاهر ابن حمزة ( لم تسقط ، لأن الاستحقاق سابق على البيع ) وفي القواعد ففي البطلان إشكال ينشأ من زوال السبب ومن ثبوته قبل البيع ، قيل ونحوها ما في التحرير والحواشي والدروس من عدم الترجيح مع الميل في الأخير إلى البطلان الذي هو خيرة الإرشاد والمختلف وجامع المقاصد ومجمع البرهان ، وفي المسالك لا يخلو من قوة.

لكن لا يخفى عليك ما في التعليل المزبور المقتضي للصحة أيضا في الصورة السابقة ، فمن الغريب الاشكال هنا من جهته مع الجزم بالسقوط في الأول فضلا عن الجزم بعدم السقوط هنا ، ولعله لذا جزم من عرفت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

٣٩٩

بالبطلان كالأولى ، إلا أنه قد عرفت الإشكال في ذلك.

وأما المتن فالموجود عندنا في نسختين وحكي أيضا عن ثلاث نسخ مصححة محشاة ( ولو قيل ليس له الأخذ في الصورتين كان حسنا ) بل في الدروس حكاية البطلان عنه أيضا ، وحينئذ يكون من القائلين بالسقوط فيهما.

لكن في المسالك « أن الذي اختاره المصنف عدم البطلان مطلقا ، لأن الاستحقاق ثبت بالشراء سابقا على بيعه ، فيستصحب لأصالة عدم السقوط ، ولقيام السبب المقتضي له ، وهو الشراء ، فيجب أن يحصل المسبب ».

ولعله عثر على نسخة خالية عن لفظ « ليس » ومن هنا جعل الأقوال في المسألة ثلاثة : السقوط مطلقا ، وعدمه كذلك ، والتفصيل بين حالي العلم والجهل ، وحينئذ يكون موافقا لما ذكرناه من أن الأقوى عدم السقوط مطلقا ، مع أنه لا وحشة من الانفراد مع الحق ، كما لا انس بالكثرة مع الباطل.

وعلى كل حال فلا إشكال في أن للمشتري الأول الشفعة على الثاني إذا لم يشفع الشفيع بنصيبه بناء على ثبوت الشفعة له ، ضرورة كونه حينئذ شريكا قديما ، وقد حدث عليه ملك المشتري الثاني ، بل وإن شفع في أقوى الوجهين ، كما قدمنا ذلك سابقا ، والله العالم.

ومنه يعلم الوجه في قول المصنف‌ ( تفريع على قوله ) أي الشيخ رحمه‌الله ( لو باع الشريك وشرط الخيار للمشتري ثم باع الشفيع نصيبه قال الشيخ : الشفعة للمشتري الأول ، فإن ( لأن خ ل ) الانتقال تحقق ( يتحقق خ ل ) بالعقد ) وحينئذ يكون شريكا قديما قد حدث عليه ملك المشتري الثاني ، فيأخذ الشفيع منه حيث لا تسقط شفعته‌

٤٠٠