جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الشافعي في أحد قوليه أخذ العرصة خاصة بتمام الثمن في وجه أو بما يخصها في آخر.

ولا ريب في أن الأصح ما ذكره المشهور ، لتعلق الحق بها غير منقولة ، و ( لأن لها نصيبا من الثمن ) الذي يأخذ به الشفيع ، فلا يلزم بدفع الثمن لما عداها ، لما فيه من الضرر ودفع ما يخص العرصة خاصة مناف لقوله عليه‌السلام (١) : « فهو أحق بها بالثمن » فتأمل جيدا.

( وإن كان العيب بفعل المشتري بعد المطالبة ) بالشفعة ( ضمنها المشتري ) على المشهور المحكي في كلام جماعة ، بل عن الغنية الإجماع عليه مع العلم بالمطالبة ، بل لا ينبغي الإشكال فيه بناء على إرادة الأخذ من المطالبة ، ضرورة صيرورته حينئذ ملكا للشفيع ، فيضمنه المشتري كغيره بتعيبه.

أما لو أريد من المطالبة إرادة الأخذ بالشفعة كما هو مقتضي قوله ( وقيل : لا يضمنها ، لأنه لا يملك بنفس المطالبة بل بالأخذ ) فهو مشكل إن لم يكن إجماعا وإن قال المصنف وغيره ( والأول أشبه ) ضرورة عدم موجب للضمان.

وما في الإيضاح وجامع المقاصد ـ من توجيهه بأن الشفيع استحق بالمطالبة أخذ المبيع كاملا أو تعلق حقه به ، فإذا نقص بفعل المشتري ضمنه له ـ كما ترى ، بل مقتضاه الضمان في غير هذه الصورة حينئذ التي اعترفوا فيها بعدمه ، لأن استحقاق الشفيع لم يثبت بالمطالبة بل بالبيع ، وإذا كان مضمونا عليه للشفيع فلا فرق بين أن يكون ذلك بفعل المشتري أو غيره.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٦١

وكيف كان فقد حكي الخلاف في ذلك عن الشيخ وأنه إليه أشار المصنف بالقيل ، وقد سمعت عبارته في الخلاف الخالية عن ذكر المطالبة وعدمها.

وأما المبسوط فقال ما نصه : « إذا اشترى شقصا فوجب للشفيع فيه الشفعة فأصابه نقص أو هدم قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة فهو بالخيار بين أن يأخذه ناقصا بكل الثمن أو يدع ، سواء في ذلك كان هدمها المشتري أو غيره أو انهدم من غير فعل أحد ، وكذلك إن احترق بعضهما ، أو كانت أرضا فغرق بعضها ، فللشفيع أن يأخذ ما يبقى بجميع الثمن أو يدع ، لأنه إن هلك بأمر سماوي فما فرط فيه ، وإن هدمه هو فإنما هدم ملك نفسه ، وإذا أخذه بالشفعة أخذ ما اتصل به وما انفصل عنه من آلاته ، لأنه جميع المبيع ، وقيل : إنه بالخيار بين أن يأخذ الموجود بما يخصه من الثمن أو يدع ، والذي يقوى في نفسي أنها إذا انهدمت وكانت آلاتها باقية فإنه يأخذها وآلاتها بجميع الثمن أو يتركها ، وإن كان قد استعمل آلاتها المشتري أخذ العرصة بالقيمة ، وإن احترقت أخذ العرصة بجميع الثمن أو يترك ». ونحوه عن جامع الشرائع.

ولعل نسبة الخلاف إليه باعتبار عدم ذكره المطالبة ، بل جعل العنوان عدم أخذ الشفيع بالشفعة طالب أو لم يطالب ، فبناء على إرادة غير الأخذ من المطالبة في كلامهم يكون مخالفا وإلا فلا ، حتى لو قيل بالملك بها دونه ، ضرورة كونه خلافا فيما يحصل به الملك ، وإلا فالمفروض في كلامه قبل حصول الملك للشفيع.

نعم ظاهره التفصيل في خصوص تلف البعض بين أن يكون بفعله وبين أن يكون بالآفة ، فالأول يأخذه بما يخصه من الثمن ، لأن ذلك هو المراد من القيمة ولو بقرينة ما بعده ، والثاني يأخذه بالثمن ، ومرجعه إلى ما سمعته من ظاهر الخلاف.

٣٦٢

وأما عبارته في النهاية فهي « والغائب إذا قدم وطالب بالشفعة كان له ذلك ، ووجب عليه أن يرد مثل ما وزن من الثمن من غير زيادة ولا نقصان ، فان كان المبيع قد هلك بآفة من جهة الله أو من جهة غير جهة المشتري أو هلك بعضه بشي‌ء من ذلك لم يكن له أن ينقص من الثمن بمقدار ما هلك من المبيع ، ولزمه توفية الثمن على الكمال ، فان امتنع من ذلك بطلت شفعته ». وهي كما ترى أجنبية عن ذلك.

وعلى كل حال فظاهره في الكتب الثلاثة عدم الفرق بين فوات الجزء والوصف إذا كان بالآفة ، وهو لا يخلو من قوة ، بل لعل المرسل (١) المزبور دال على ذلك ، خصوصا مع ملاحظة كون المفروض فيه أن السيل خارق ، وهو مستلزم لذهاب بعض الأنقاض ، خصوصا إذا كانت من اللبن ونحوه مما يذهب بالسيل.

بل قد يقال : إن‌ قوله عليه‌السلام فيه : « ليس له » إلى آخره مطلق لا يختص بخصوص مورد السؤال ، فيشمل حينئذ صورة إتلاف المشتري أيضا بإحراق ونحوه.

بل لعل‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « فهو أحق بها من غير ، بالثمن » يقتضي ذلك أيضا ، ضرورة كون المراد منه بيان أحقية الشفيع من غيره بجميع الثمن ، تلف بعضه أو لا ، وليس المراد منه بيان أحقيته في الكل بالكل وفي البعض بالبعض ، وإلا لجاز للشفيع التبعيض اختيارا وهو معلوم العدم.

وكذا لا دليل على كون التلف في يد المشتري بفعله أو بآفة من ضمانه كما ورد مثله في المبيع ، على أنه لا ضرر ولا ظلم على الشفيع بعد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٦٣

عدم إلزامه بذلك ، بل إن شاء أخذ وإن شاء ترك ، ولا أقل من أن يكون ذلك هو المتيقن من مشروعية الشفعة التي عرفت مخالفتها للأصل على أنه لو كان ذلك من ضمانه لاتجه كون الهدم ونحوه أيضا من ضمانه.

ودعوى عدم مقابلة ذلك بالثمن واضحة الفساد ، خصوصا بعد ملاحظة المقابلة لو تعيب المبيع في يد البائع ، بل وفي يد المشتري في زمن خياره المضمون أيضا على البائع ، وفيما لو اشتراه فوجده معيبا وإن ذهب بعض الأصحاب في الأول إلى التخيير بين الأخذ بتمام الثمن والترك ، ولكنه قول مرغوب عنه.

وبذلك يظهر لك النظر فيما وقع من الفاضل والشهيدين والكركي وغيرهم من ضمان المشتري لو كان التالف بعض أجزاء المبيع التي تقابل بالثمن ، سواء كان بآفة سماوية أو بفعله قبل المطالبة أو بعدها ، بل ظاهر بعضهم المفروغية من ذلك.

ولذا فرض محل الكلام في الصور الثلاثة السابقة فيما إذا انهدم أو تعيب مع عدم تلف شي‌ء من أجزاء المبيع التي تقابل بالثمن ، وجعل الخلاف في خصوص ما إذا كان بفعل المشتري بعد المطالبة مع أن جملة من عبارات الأصحاب كعبارة المصنف هنا وفي النافع مطلقة لا أثر فيها لاستثناء خصوص ما لو تلف بعض الأجزاء الذي هو غالب للانهدام المفروض في عباراتهم.

ولقد أجاد في الرياض حيث إنه بعد ذكر الكلام في الصور الثلاثة قال : « ثم إن الحكم بعدم الضمان على المشتري حيث توجه إنما هو إذا لم يتلف من الشقص شي‌ء يقابل بشي‌ء من الثمن وإلا قيل ضمن بحصته من الثمن على الأشهر ، قيل : لأن إيجاب دفع الثمن في مقابلة بعض المبيع ظلم ، وفيه نظر ، ولذا أطلق الحكم في العبارة هنا وفي المبسوط وغيرهما ، ومع‌

٣٦٤

ذلك يدفعه إطلاق ما مر من الخبر ، فتأمل ».

وكأنه أشار إلى ما ذكرناه من إطلاق المرسل (١) المزبور الذي لا إشكال في شموله لتلف بعض الأجزاء بالسيل إن لم يكن ظاهرا فيه ، ويكفي ذلك في الدلالة على المطلوب بعد الإتمام بعدم القول بالفصل ، فيتجه عدم ضمان المشتري مطلقا من غير فرق بين تلف بعض المبيع وغيره وبين كون ذلك بآفة أو بفعل المشتري ، قبل المطالبة بمعنى إرادة الأخذ بالشفعة على وجه لا ينافي الفورية ولو لوجود عذر وبعدها.

اللهم إلا أن يكون إجماعا كما عساه يتخيل في خصوص إتلاف المشتري بعض أجزاء المبيع دون غيره ، لعدم قائل بعدم الضمان فيه.

ولكن قد عرفت إطلاق المصنف وغيره ممن لم يتعرض فيه لذكر تلف بعض الأجزاء.

وأما إجماع الغنية أيضا في التعيب بفعله بعد المطالبة فلم نتحققه ، لأنا لم نتحقق المراد بها هنا في كلامهم هل هي الأخذ بالشفعة أو إرادة ذلك على وجه لا ينافي الفورية ، فإن كان الأول فلا ينبغي الخلاف في الضمان إذا كان بفعل المشتري ، من غير فرق بين التعيب والإتلاف ، فالإجماع حينئذ في محله ، وإن كان الثاني فلا يخفى عليك ما فيه من الاشكال بل المتجه فيه عدم الضمان ، ضرورة عدم أثر لها إلا تأكد الاستحقاق الثابت بالعقد قبلها ، فان كان هو الموجب للضمان ثبت بدونها ، وإلا فلا ضمان معها أيضا كما هو واضح. فهو حينئذ مظنة الإجماع لا الضمان.

ومن التأمل فيما ذكرنا يظهر لك التشويش في المقام في جملة من عبارات الأساطين كالفاضل والشهيدين وغيرهم ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

( ولو غرس المشتري أو بنى ) على وجه لا يكون ظالما في ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٦٥

بأن قسمة مع الشفيع غير مخبر له بالشراء بل بإظهار الوكالة عن البائع فيها أو بغير ذلك ( فطالب الشفيع بحقه ) بمعنى أنه أخذ بالشفعة ( فإن رضي المشتري بقلع غراسه أو بنائه فله ذلك ) بلا خلاف أجده فيه من غير حاجة إلى استئذان الشفيع وإن صارت الأرض ملكا له ، إذ هو ملكه ، وله إزالته عن المكان المزبور ، بل هو كتفريغ المبيع للمشتري.

( و ) من هنا ( لا يجب ) عليه ( إصلاح الأرض ) بطم الحفر مثلا ، كما صرح به الفاضل في القواعد وغيرها ومحكي المبسوط ، لأنه لا يضمن العيب الذي فعله قبل الطلب بالتصرف في ملكه ، وبعده لتخليص الشقص للشفيع الذي قدم بأخذه بالشفعة على ذلك.

خلافا للمحكي عن أبي علي من إيجاب الطم ، واحتمله الفاضل وغيره بل عن الأردبيلي الميل إليه ، بل إلى وجوب الأرش لو حصل في الأرض نقص من القلع ، حتى لو كان الطالب للقلع الشفيع ، نعم لا يبعد عدم ذلك مع جهله بالشفعة.

وفي المختلف « المختار أن نقول : إن اختار المشتري القلع كان له ذلك ، وعليه أرش ما نقص من الأرض بذلك ، وطم الحفر ، لأنه يطلب تخليص ملكه من ملك غيره ، قوله : إنه تصرف في ملكه قلنا :إنه ممنوع ، بل تصرف بالقلع في ملك الشفيع ، فكان عليه أرشه ، نعم تصرفه بالغرس صادف ملكه ، فلم يكن عليه غرم من اجرة وغيرها ، ولو اختار الشفيع القلع فالأقرب عدم وجوب الأرش ، لأن التفريط حصل من المشتري حيث غرس في أرض متزلزلة الملك ، ولأنه غرس في حق غيره بغيره إذنه ، فأشبه ما لو بانت الأرض مستحقة ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « لا ضرر ولا ضرار » مشترك بين الشفيع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب إحياء الموات.

٣٦٦

والمشتري ، فلا يختص به أحدهما ».

وقواه في جامع المقاصد والمسالك بعد أن حكيا عنه التفصيل في وجوب الطم عليه بين كون القلع منه ابتداء فيجب ، لأن النقص قد حدث في ملك غيره بفعله لمصلحة من غير إذن من الغير ، فيجب إصلاحه ، وبين كونه لطلب الشفيع فلا يجب ، لأن طلبه القلع يتضمن الاذن في الحفر ، وليس هو كالغاصب ، لأنه غير عاد بفعله.

بل حكاه أولهما أيضا عن صريح التذكرة وإن كنا لم نتحققه ، كما أنه لا صراحة في كلامه بالتفصيل الذي حكياه ، بل ولا ظهور ، بل ربما استظهر منه إلزامه بذلك. اللهم إلا أن يكون قد لاحظا المفهوم في كلامه.

وعلى كل حال فالأقوى الأول وفاقا لمن عرفت ، بل في المسالك نسبته إلى صريح الشيخ والأكثر ، للأصل السالم عن معارضة دليل معتد به يقتضي ذلك ، وقاعدة الضرر يدفعها إدخاله نفسه فيه بشفعته بالأرض التي هي كذلك ، فهو حينئذ كمن أدخل مال غيره في داره مثلا فاحتاج المالك في إخراجها (١) إلى خراب في الدار ، فإنه لا يضمنه له ، لكون الإتلاف المزبور مستحقا له عليه ، نحو ما لو غصب شجر الغير فغرسه في ملكه فقلعه المالك ونقصت الأرض ، فلا ضمان حينئذ بالإتلاف المزبور الذي كان السبب فيه أقوى من المباشر ، ولا أقل من الشك في حصول سبب الضمان معه ، والأصل البراءة.

وأما نقص الأرض الحاصل بالغرس والبناء فغير مضمون عليه ، لما عرفته سابقا في مسألة التعيب والانهدام.

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية : المبيضة والمسودة بقلمه الشريف ، والصحيح « في إخراجه ».

٣٦٧

لكن في المسالك هنا أن فيه قولين : أشهرهما ذلك ، لأن هذا الناقص ليس له قسط من الثمن ، فلا يضمنه المشتري كالنقص بالاستهدام ولأنه تصرف في ملك نفسه ؛ فلا يتعقبه ضمان ، وقيل : يجب الأرش ، خصوصا إذا كان بعد المطالبة.

ولم نتحقق القول المزبور حتى من الكركي الذي قد سمعت كلامه في المسألة السابقة ، فإنه وافق هنا ، لكن قال : « نعم لو كان ذلك بعد المطالبة اتجه القول بضمانه على ما سبق في مسألة الاستهدام والتعيب » وإن كان لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما سمعته منه هناك.

كما أنه لا يخفى عليك ما في إطلاق الفاضل هنا والتفصيل هناك ، بل ( و ) إطلاق المصنف هنا أيضا أن ( للشفيع أن يأخذ بكل الثمن أو يدع ) مع تفصيله السابق.

بل في المسالك أن ظاهر إطلاق العبارة يقتضي عدم ضمان النقص الحاصل بالقلع أيضا ، لحكمه بأنه يأخذ بكل الثمن الشامل لحالة النقص بالغرس والقلع وعدمه.

وفيه أن الأرش الحاصل بالقلع لا مدخلية له في الأخذ بكل الثمن بل هو غرامة حاصلة له بعد الشفعة بفعله في ملك غيره الذي قد أخذ منه بكل الثمن ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( ـان امتنع المشتري من الإزالة كان الشفيع مخيرا بين إزالته ودفع الأرش ، وبين بذل قيمة الغراس والبناء ويكون له مع رضا المشتري ، وبين النزول عن الشفعة ) كما صرح به غير واحد.

نعم في قواعد الفاضل تخير الشفيع بين قلعه مع دفع الأرش على‌

٣٦٨

إشكال ، وبين بذل قيمة البناء والغرس إن رضي المشتري ، ومع عدمه نظر ، وبين النزول عن الشفعة.

بل في إيضاح ولده « أن الاشكال الأول في موضعين : الأول في القلع ، وينشأ من أن حق الشفيع أسبق من بنائه فصار كالاستحقاق بالغصب ، ومن أن المشتري تام الملك قبل أخذ الشقص ، ولهذا ملك النماء ، ومن بنى في ملكه لم يتعد كالذي لا شفعة عليه ، وجواز انتزاعه من يده ليس موجبا لتعديه ونقض بنائه ، وإلا لثبت في الموهوب إذا غرس أو بني ، ورجع الواهب على القول بالجواز ، ولأن الشفعة موضوعة لازالة الضرر فلا يزال بالضرر ، الثاني في وجوب الأرش مع القلع ، وينشأ من أنه نقص دخل على ملك المشتري لمصلحة الشفيع ، وإلى هذا ذهب الشيخ في المبسوط ، ومن أن التفريط حصل من المشتري حيث زرع في أرض متزلزلة الملك ، واختاره المصنف في المختلف ».

وفيه أن الاشكال الأول واضح الفساد ، ضرورة عدم تصور وجوب إبقاء ملك الشفيع مشغولا بملك المشتري على الدوام بعد انقطاع حقه من الأرض إلا أن يتخيل وجوب قبول الأجرة على الشفيع أو بذل القيمة وإن لم يرض ، ولكنهما معا كما ترى.

ولذا جزم الكركي بأنه وهم وأن بطلانه أظهر من أن يحتاج إلى بيان ، وهو كذلك ، إذ وجوب الإبقاء بالأجرة مما لا يحتمله أحد في المقام ، ولعله لما ستعرفه من كون صاحب الأرض كالمغصوب بعد امتناع المشتري من الإزالة ، فلا يجبر مع كونه مظلوما ومغصوبا ، لأنه لم يرض بالإبقاء الذي هو غير الابتداء على القبول بالأجرة ، كما هو واضح.

نعم ما ذكره من الإشكال الثاني في محله وإن كان وجوب الأرش هو الذي صرح به الشيخ وابنا زهرة وإدريس والفاضل في جملة من كتبه‌

٣٦٩

والشهيدان والكركي على ما حكي عن بعضهم.

لكن الإنصاف قوة ما في المختلف من عدم وجوب الأرش ، بل مال إليه في محكي التذكرة ، لوجوب الإزالة عليه بعد طلبها من الشفيع ، والضرر هو الذي أدخله على نفسه بفعله في الأرض المستحقة الانتزاع منه ، بل الظاهر كونه ظالما بإبقائه البناء والغرس في أرض الغير وامتناعه من القلع ، وكون الابتداء بحق لا يقتضي كون الاستدامة كذلك ، إذ لم يحصل من المالك ما يقتضي الإذن فيها ، كما في العارية التي تقدم الكلام فيها في محله. وحينئذ فيندرج في‌ قوله عليه‌السلام (١) : « لا حق لعرق ظالم » ولذا كان له جبره على القلع ، ضرورة كونه المتصرف في مال الغير دون صاحب الأرض ، فتأمل جيدا فإنه ربما دق.

على أنه لو كان المالك مستحقا لأرشه لاتجه وجوبه له حتى لو قلعه هو مع طلب الشفيع ، إذ مع فرض استحقاقه له لا تفاوت فيه بين الامتناع وعدمه ، بل لعله في الثاني أولى.

ثم إن الأرش الذي يجب دفعه على الشفيع ، إن كان هو تفاوت ما بين كونه مقلوعا وباقيا ففيه ما عرفت من أنه غير مستحق للبقاء عليه ، فلا وجه لدفع عوض عما لا يستحقه.

وإن كان المراد به النقص الذي قد يحصل عليه بنفس القلع لا من حيث بقائه ففيه أنه بعد أن كان مستحقا عليه على وجه لو باشره لم يتبع به الشفيع لا معنى لاتباعه به بعد الامتناع ، خصوصا إذا كان ذلك بمباشرة الحاكم ، فتأمل جيدا. على أن الأرش المزبور قد لا يحصل ، كما إذا فرض عدم تفاوتها حال قلعها وحال قيامها ، لأنها قلعت على وجه لم يحصل فيها عيب ، وظاهرهم لزوم الأرش للقلع.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ١.

٣٧٠

وإن أريد به تفاوت ما بين كونها مقلوعة فعلا ومستحقة القلع واقفة ففيه أن ذلك متصور في قلع غير المستحق لاحتمال عفو المستحق مثلا ، فتزيد قيمتها بذلك حينئذ ، أما مع قلع المستحق الذي تفوت معه جميع احتمالات البقاء الحاصلة من احتمال رضاه فلا وجه لفرض التفاوت فيه ، نعم لو فرض أن للمالك الإبقاء بأجرة قهرا على الشفيع اتجه حينئذ الأرش المزبور ، والمفروض عدم ذكر أحد له وجها فضلا عن القول به ، فتأمل جيدا.

وأما النظر الذي ذكره الفاضل في الثاني مع عدم رضا المشتري بالقيمة فلا ريب في أن الأقوى توقف ذلك على الرضا ، وليس له أخذ البناء والغرس بالقيمة قهرا على المالك.

ولكن في الإيضاح أن جمهور أصحابنا على ذلك ، وفي جامع المقاصد نسبته إلى الأكثر وإن كنا لم نتحقق ذلك ، نعم في المبسوط « قلنا للشفيع أنت بالخيار بين ثلاثة أشياء : بين أن تدع الشفعة ، أو تأخذ وتعطيه قيمة الغرس والبناء ، أو تجبره على القلع ، وعليك قيمة ما نقص » وعن أبي علي « كان الشفيع مخيرا بين أن يعطي قيمة ما أخذ من المشتري وبين أن يترك الشفعة » ولم نجد غيرهما.

وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه ، بل هو مناف لأصول المذهب وقواعده ، بل يمكن إرادة الشيخ أن ذلك مع الرضا.

وعلى كل حال فحيث تبذل القيمة باتفاقهما أو قهرا على المالك فعلى المختار يقوم غير مستحق للبقاء بأجرة ، بل مستحق القلع بلا أرش ، وتدفع إلى المالك.

وعلى غيره ففي القواعد لم يقوم مستحقا للبقاء في الأرض ولا مقلوعا ، لأنه إنما يملك قلعه مع الأرش ، بل إما أن يقوم الأرض وفيها الغرس‌

٣٧١

ثم تقوم خالية ، فالتفاوت قيمة الغرس ، فيدفعه الشفيع أو ما نقص منه ، أو يقوم الغرس مستحقا للترك بالأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه.

ونحوه في الدروس ، ولكن قال : « وهذا لا يتم إلا على قول الشيخ بأن الشفيع لا يملك قلعه ، وأنه يجاب إلى القيمة لو طلب تملكه ، وهو مشكل ».

قلت : مضافا إلى أنه لا يقهر على الثاني منهما أيضا ، فكل منهما غير مستحق إلا مع الرضا به ، فلا وجه لملاحظته في التقويم ، بل قد ينقدح من ذلك الإشكال في جعل الثاني من أحد وجوه التخيير ، ضرورة عدم انحصار وجوه التراضي فيه.

بل قد يشكل الوجه الأول من وجهي التقويم أيضا بأنه قد يكون لضميمة كل من الغرس والأرض إلى الآخر باعتبار الهيئة الاجتماعية دخل في زيادة القيمة ، وذلك بتمامه لا يستحقه المشتري ، فكيف يكون ما عدا قيمة الأرض خالية من مجموع القيمتين حقا للمشتري.

بل قد يشكل الثاني أيضا بأنه لا يتم على القول بوجوب دفع الأرش مع القلع ، لأنه لا يملك طلب الأجرة على الإبقاء ، إذ القلع لا يسوغ إلا مع ضمان الأرش ، فما دام لا يبذله فالإبقاء واجب عليه ، ولا اجرة له عليه.

وفي المسالك « أنه لا يقوم مستحقا للبقاء في الأرض مجانا ولا مقلوعا مطلقا ، لأنه إنما ملك قلعه مع الأرش فيقوم كذلك ، بأن يقوم قائما غير مستحق للقلع إلا بعد بذل الأرش أو باقيا في الأرض بأجرة إن رضي المالك ، فيدفع قيمته كذلك إلى المشتري ، وإن اختار القلع فالأرش هو ما نقص من قيمته كذلك بعد قلعه » ولعله لا يخلو من شي‌ء مع‌

٣٧٢

التأمل فيما ذكرناه من أنه لا استحقاق له في البقاء.

ولو دفع الأجرة فلا أرش له من حيث البقاء ، نعم قد يحصل فيه نقص بالقلع وقد لا يحصل ، كما لو فرض قلعه على وجه لا نقصان فيه فيه عن حال قيامه ، وحينئذ فلا أرش محقق بالقلع على القول به ، وأما على المختار فلا يحتاج إلى شي‌ء من ذلك. وقد تقدم تحقيق القول في الأرش في الغرس في الأرض المستعارة (١) وفيما لو جاء السيل بنخلة شخص فغرسها في ملك الغير (٢) فلاحظ ما تقدم لنا في الكتب السابقة ، والله العالم.

وعلى كل حال فلو اختلف الوقت فاختار الشفيع قلعه في وقت أسبق تقصر قيمته عن قلعه في وقت آخر ليخف الأرش عليه فله ذلك إذ لا يجب عليه الإبقاء إلى أن يجي‌ء الزمان الذي تكثر فيه قيمته ، كما هو واضح.

ولو غرس المشتري أو بنى مع الشفيع أو وكيله في المشاع على وجه يكون الغرس والبناء بالاذن المعتبر بأن كان الشفيع لا يعتقد الشفعة له ، أو يتوهم كثرة الثمن ثم تبين له الخلاف فأخذ الشفيع بالشفعة فالحكم كما إذا غرس أو بنى بعد القسمة.

وأما الثالث وهو النزول عن الشفعة الذي حكي عن المبسوط أنه قال : « لا كلام فيه » وفي جامع المقاصد « لا بحث فيه » وفي المسالك « هو واضح » فقد يشكل بأنه لا دليل على تسلط الشفيع على فسخ شفعته بعد أن أخذ بها. كما هو المفروض في موضوع المسألة.

نعم لو كان هذا التخيير قبل الأخذ لكان جواز النزول بمعنى ترك‌

__________________

(١) راجع ج ٢٧ ص ١٧٥ ـ ١٧٨.

(٢) راجع ص ٢٠٩.

٣٧٣

الأخذ بالشفعة واضحا لا بعد الأخذ ، خصوصا لو رضي المشتري ببذل الغرس والبناء له مجانا وإن كان لا يجب عليه القبول ، لما فيه من المنة. ولكن أقصى ذلك أنه يجبره الحاكم على قلعه وعلى دفع الأجرة مدة الامتناع بل وعلى اجرة القلع إن احتاج ، والله العالم.

( وإذا زاد ما يدخل في الشفعة تبعا كالودي المبتاع مع الأرض فيصير نخلة أو الغرس من الشجر يعظم ) وكزيادة أغصان الشجر ونحو ذلك مما هو نماء متصل بالعين التي تعلقت الشفعة بها ( فالزيادة للشفيع ) بلا خلاف أجده فيه كما عن المبسوط ، بل قيل : مراده نفيه بين المسلمين بل ولا إشكال ، ضرورة تبعية ذلك للعين التي تعلق بها حق الشفعة.

نعم في المسالك « الودي بكسر الدال المهملة بعد الواو المفتوحة والياء المشددة أخيرا بوزن « غني » فسيل النخل ، وزاد بعضهم قبل أن يغرس ، ولكن المراد هنا المغروس ليكون تابعا للأرض ، أما غير المغروس فلا شبهة في عدم تبعيته للأرض في الشفعة ».

قلت : هو كذلك إذا كان مطروحا على وجه الأرض ، أما إذا كان نابتا في أسفل النخلة مثلا ولكن لا يكون نخلة حتى يقلع منها ثم يغرس فدعوى عدم تبعيته للأرض في الشفعة محل منع ، خصوصا مع فرض كون عنوان الشفعة البستان والحائط ، كما في بعض نصوص الجمهور (١) الذي انجبر بعمل الأصحاب. ضرورة دخول ذلك ونحوه فيه ، نعم لو تجدد فسيل بعد البيع لم يكن للشريك الشفعة فيه ، لعدم دخوله في المبيع.

وأما ما يبس من أغصان الشجر أو سعف النخل بعد الابتياع وتعلق حق الشفعة به فلا يبعد بقاؤها فيه حتى لو قطع منها ، للأصل ،

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٠٤ و ١٠٩.

٣٧٤

ولأنه كالأحجار المنقضة من الدار ، وكذا كل ما كان كذلك من الكرب ونحوه.

وتوهم كونه من النماء المنفصل فيختص به المشتري يدفعه فرض تعلق حق الشفعة به حال الابتياع ولا دليل على زواله ، نعم لو كان كذلك حال الابتياع أمكن منع الشفعة فيه لكونه منقولا أو بحكمه حال الابتياع ، فلا يتعلق به حق الشفعة ، بل يكون حينئذ من ضم المشفوع إلى غير المشفوع ، والله العالم.

هذا كله في النماء المتصل على الوجه المزبور.

( أما النماء المنفصل ) المتخلل بين العقد والشفعة ( كسكنى الدار وثمرة ) غير النخل بل و ( النخل ) بعد التأبير ( فهو للمشتري ) بلا خلاف بل ولا إشكال ، ضرورة أنه نماء ملكه وإن كان متزلزلا ، على أنه ليس من متعلق البيع الذي ثبت فيه حق الشفعة ، فهي حينئذ للمشتري ( و ) إن بقيت على الشجرة ، لأنها بحكم المنفصل.

نعم ( لو حمل النخل ) بأن حصل فيه الطلع ( بعد الابتياع فأخذ الشفيع قبل التأبير قال الشيخ رحمه‌الله ) في محكي المبسوط :فيه قولان : أولاهما أن ( الطلع للشفيع لأنه بحكم السعف ) كما يومئ إليه اندراجه في بيع البستان ، ولعله لذا يحكي عن الفاضل في التذكرة أنه قوى الدخول في الشفعة فيما إذا كان الطلع غير مؤبر وقت الشراء ثم أخذه الشفيع قبل التأبير.

( و ) لكن ( الأشبه ) بأصول المذهب وقواعده ( اختصاص هذا الحكم بالبيع ) لدليله الذي قد عرفت الحال فيه في محله ، فلا يلحق به الشفعة.

٣٧٥

وأبعد من ذلك ما يحكى عنه أيضا فيه وفي الخلاف من أنه إذا باع النخل منضما إلى الأرض وهو مثمر وشرط الثمرة في البيع كان للشفيع أخذ ذلك أجمع ، لعموم الأخبار ، ونحوه ما سمعته من التذكرة في غير المؤبر.

وفيه أن الفرض تخصيص عمومها بغير المنقول الذي منه الثمرة وإن بقيت عليه إلى أوان بلوغها ، وحينئذ فهو من بيع المشفوع وغير المشفوع الذي قد عرفت أخذ الشفيع له بما يخصه من القيمة ، وكذا الحال في كل ما كان نحو الثمرة في الاستعداد للنقل.

وعلى كل حال فالمشتري يستحق بقاء الثمرة إلى وقت أخذها مجانا بلا خلاف أجده ، وهو إن تم إجماعا كان الحجة ، لا ما ذكروه من أن له أمدا ينتظر ، وستعرف الكلام في الزرع الذي هو نحو ذلك ، والله العالم والهادي.

( ولو باع شقصين من دارين ) مثلا ( فان كان الشفيع واحدا فأخذ منهما أو ترك جاز ، وكذا إن أخذ من إحداهما وعفا عن شفعته من ) الدار ( الأخرى ).

( وليس كذلك لو عفا عن بعض شفعته من الدار الواحدة ) ضرورة وضوح الفرق بينهما وإن كان الداران ملكا لواحد والمشتري واحدا ، بأن الشركة في أحد الشقصين سبب غير الشركة في الآخر فلا تكون الشفعة فيهما واحدة بخلاف الدار ، فان سبب الشركة فيها واحد كما أشرنا إلى ذلك عند البحث في عدم جواز تبعض الشفعة ، فلاحظ ، والله العالم.

( ولو بان الثمن ) الذي دفعه المشتري ( مستحقا ) للغير ( فان كان الشراء بالعين ) ولم يجز المالك ( فلا شفعة ، لتحقق

٣٧٦

البطلان ) بالبيع الذي هو سبب استحقاق الشفعة. ( وإن كان ) الثمن ( في الذمة ثبتت الشفعة ، لثبوت الابتياع ) وإن فسد الوفاء بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ولا إشكال ، والله العالم.

( ولو دفع الشفيع الثمن ) للمشتري ( فبان مستحقا ) بعد أن كان الشفيع جاهلا به ( لم تبطل شفعته على التقديرين ) أي كون ثمن المشتري معينا أو مطلقا ، ضرورة كون البيع صحيحا وهو سبب الشفعة ، إذ المستحق هو ما دفعه الشفيع لا المشتري ، أو أن المراد تقديري أخذ الشفيع الشفعة بالثمن المستحق بأن قال مثلا : تملكت الشقص بهذه الدراهم أو المطلق الذي رضى المشتري به في ذمته ، فقال : تملكته بعشرة دراهم ، ثم دفع المستحق وفاء.

ولعله أولى ليوافق ما في غيره من كتب الأصحاب ، والأمر سهل بعد وضوح الحكم ، وهو عدم البطلان ، لأن المفروض جهله ، فلا ينافي ذلك الفورية على كل تقدير ، وإنما يجب عليه الفور بعد العلم.

نعم في الدروس « إنها تبطل إذا علم الشفيع باستحقاق الثمن إذا جعلناها فورية » ولا بأس به بناء على ما ذكرناه من كون الأخذ بالشفعة لا يكون إلا بعد دفع الثمن ، أو أنه جزء المملك.

لكن في المسالك « ولو كان عالما ففي بطلانها وجهان مبنيان على أن الملك يحصل بقوله : أخذت أو به وبدفع الثمن ، فعلى الأول لا يضر لحصول الملك ، وعلى الثاني يحتمل البطلان ، لمنافاته الفور ، والصحة لأن المعتبر فورية الصيغة ، والأصل عدم اعتبار غيرها ».

ولا يخفى عليك ما في الأخير ، ضرورة كون المراد فورية نفس الشفعة لا الصيغة المفروض كونها جزء مملك ، ولذا جزم بالبطلان مع ذلك الكركي.

٣٧٧

ثم قال : « وربما فرق مع العلم بين كون الثمن معينا ومطلقا ، لأنه مع التعيين يلغو الأخذ فينافي الفورية ، بخلاف المطلق ، فإن الأخذ صحيح ، ثم ينفذ الواجب بعد ذلك ».

قلت : لا ينبغي التأمل في الصحة مع الإطلاق إذا رضي المشتري بكونه في ذمته ثم دفع المستحق للغير ، أما الإطلاق بمعنى أنه قال في مجلس الشفعة : أخذت بعشرة دراهم مثلا ثم دفعها في المجلس فالظاهر البطلان معه أيضا ، لفوات الفورية بالمعنى الذي ذكرناه.

ثم قال : « والوجهان آتيان في بطلان الأخذ ، ويفتقر إلى تمليك جديد أم يصح والثمن دين عليه ، والأظهر الثاني مع الإطلاق ». وفيه ما عرفت ، والله العالم.

( ولو ظهر في المبيع عيب ) حال البيع ( فأخذ المشتري أرشه ) لاختياره ذلك أو لانحصار الحق فيه لإحداثه في المبيع حدثا يمنع الرد ( أخذه الشفيع بما بعد الأرش ) الذي هو كالجزء منه ، فالثمن حينئذ هو الباقي بعد الأرش فيأخذ به الشفيع.

( وإن أمسكه المشتري معيبا ولم يطالب بالأرش أخذه الشفيع بالثمن أو ترك ) لأن الثمن هو ما جرى عليه العقد ، كما ذكر ذلك غير واحد ، لكنه لا يخلو من نظر تعرفه عند تحقيق المسألة فيما يأتي إنشاء الله تعالى ، والله العالم.

٣٧٨

( مسائل ست : )

( الأولى )

قد عرفت فيما سبق أن من الأعذار التي لا تسقط معها الشفعة على القول بفوريتها ما ( لو قال ) المشتري مثلا ( اشتريت النصف بماءة فترك ) الشفيع الأخذ بها ( ثم بان أنه اشترى الربع بخمسين ) فإنه إذا كان كذلك ( لم تبطل الشفعة ) وإن كان هو مقتضى التقسيط الموافق للاخبار المفروض كذبه ، لأصالة بقائها بعد عدم دليل على بطلانها بغير الإهمال رغبة عنها بعد معرفة الواقع.

( وكذا لو قال : « اشتريت الربع بخمسين » فترك ثم بان أنه اشترى النصف بماءة لم تبطل شفعته ، لأنه قد لا يكون معه الثمن الزائد وقد لا يرغب في المبيع الناقص ) فلم يتحقق الإهمال المزبور الذي هو عنوان سقوطها ، فيبقى أصالة بقائها بحاله ، كما تقدم تحقيق ذلك كله وبيان الضابط فيه وأصل الحكم بذلك ، فلاحظ وتأمل.

نعم لو علم أن عدم الأخذ بها لا من حيث كثرة الثمن أو قلة المبيع بل رغبة عنها على كل حال فالظاهر السقوط. ومن هنا يتجه للمشتري اليمين على الشفيع لو ادعاه بذلك.

كما يتجه بقاؤها مع الشك في الحال لموت الشفيع مثلا ، ضرورة أنه بناء على ما ذكرنا متى قام احتمال العذر لوجود الغرض المعتد به عند‌

٣٧٩

العقلاء ويمكن استناد الترك إليه كفى في استصحاب بقائها. ولعل عبارة المصنف وغيره موافقة لذلك وإن كان قد يحتمل القول بأن الشفعة على خلاف الأصل ، والمتيقن ثبوتها مع كون الترك لعذر وإلا سقطت ، لكن الأول أقوى وأوفق بإطلاق الأدلة ، والله العالم.

المسألة ( الثانية )

إذا بلغه البيع فقال : « أخذت بالشفعة » فإن كان عالما بالثمن صح ) وترتب الأثر عليه وإن قلنا بتوقف الملك على دفع الثمن أو الرضا بالصبر به ، إذ المراد بالصحة ما يشمل التأهل لترتب الأثر كصحة الأجزاء.

( وإن كان جاهلا لم يصح و ) إن علم بعد ذلك ودفع فـ ( ـلو قال ) حينئذ ( « أخذت بالثمن بالغا ما بلغ » لم يصح مع الجهالة تفصيا من الغرر ) كما لو قدم المشتري مثلا على الشراء بالثمن المجهول ورضي به ، فان الدخول على تحمل الغرر لا يرفع حكم المترتب عليه من بطلان المعاوضة مع وجوده ، والفرض أن الشفعة بمعنى المعاوضة ، لأنه يأخذ بالثمن الذي بيع به. ومن هنا اشترط علمه به حين الأخذ حذرا من الغرر اللازم على تقدير الجهل ، لأن الثمن يزيد وينقص ، والأغراض تختلف فيه قلة وكثرة.

هذا خلاصة ما في المسالك والروضة وجامع المقاصد ، بل والمصنف وغيره ممن علل الحكم بالغرر.

بل لعله لذلك اشترط أيضا العلم بالمثمن في جامع المقاصد والروضة‌

٣٨٠