جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ولبس الخف ونحوه ، وغلق الباب ، والخروج من الحمام بعد قضاء وطره لو سمع بعد دخوله ، والسلام على المشتري بعد وصوله وتحيته بالمعتاد ، ونحو ذلك مما ذكره الشيخ والفاضل والشهيدان وغيرهم.

بل في جامع المقاصد أن من ذلك تشييع المؤمن والجنازة وقضاء حاجته وعيادة المريض وما جرى هذا المجرى مما لم تجر العادة بالإعراض عنه ، وخصوصا إذا كان موجبا للطعن فيه.

وبالجملة فذلك ونحوه لا يسقط الشفعة حتى لو تمكن من التوكيل معه وتركه ، لأنه زمان قصير ، فان العذر الذي لا تسقط معه الشفعة قسمان : أحدهما ما ينتظر زواله عن قريب ، كالاشتغال بالصلاة والطعام وقضاء الحاجة ونحوها ، وهذا لا يجب عليه التوكيل معه وإن تمكن منه ، لأن انتظار زواله غير مناف للفورية المعتبرة فيها عند القائل بها. والثاني ما لا ينتظر زواله عن قريب ، كالسفر والمرض والحبس على الوجه السابق ، وهذا تجب عليه المبادرة أو التوكيل مع القدرة.

( و ) حينئذ فـ ( ـلو علم بالشفعة مسافرا ) مثلا ( فان ) كان ( قدر على السعي أو التوكيل فأهمل بطلت شفعته ، ولو عجز عنهما لم تسقط وإن لم يشهد بالمطالبة ) وإن تمكن منه كما تقدم الكلام في ذلك وغيره مفصلا في أول المقصد الثاني (١).

لكن في المسالك هنا « هذا كله إذا كان غائبا ، أما مع حضور المشتري فلا يعد شي‌ء من هذه عذرا ، لأن قوله : « أخذت بالشفعة » لا ينافي شيئا من ذلك ».

قلت : إن كلامهم في المقام وفي ثبوت الشفعة للغائب صريح أو كالصريح في عدم وجوب المبادرة إلى القول المزبور ، وإن كان متمكنا‌

__________________

(١) راجع ص ١٨٦ ـ ١٨٨.

٣٤١

بل ليس شي‌ء مما ذكروه عذرا عن الفورية من الحبس وغيره صالحا لأن يكون عذرا عن القول المزبور الذي لا ينافيه حبس ولا غيره.

ومنه يعلم أن الأخذ بالشفعة ليس عبارة عن القول المزبور ، بل هو مع دفع الثمن ، أو أنه لا يثبت حق الشفعة إلا بعد دفعه كما ذكرناه سابقا. وحينئذ فلا يترتب على القول المزبور بدونه أثر من تملك العين أو غيره ، وذلك كله شاهد على خلاف ما سمعته سابقا من الكركي وبعض أتباعه.

بل ذكرهم كيفية فور الشفيع بالنسبة إلى حضوره عند المشتري كالصريح أيضا في ذلك ، ضرورة أنه إذا كان أخذ الشفعة الذي هو فوري هو قول : « أخذت » لا يحتاج معه إلى ذكر كيفية الفور في مشيه إلى المشتري ، بل لا يحتاج إلى أصل حضوره معه ، كما هو واضح بأدنى تأمل.

وكيف كان فظاهر الأصحاب أيضا ـ بل عن الفاضل في التذكرة والكركي في جامعة التصريح به ـ قبول دعواه في وجود الأعذار المزبورة ، من غير فرق بين ما لا يعرف إلا من قبله وغيره. ولعله لما أشرنا إليه سابقا من اقتضاء إطلاق الأدلة ثبوت حقه مطلقا ، ولكن خرج منه صورة الإهمال مع عدم عذر أصلا فما لم تتحقق فهو على حقه ، ومنه يعلم حكم حال الشك.

وليس القائل بالفورية يقول إن الشفعة الثابتة هي التي على جهة الفور على وجه تكون الفورية قيدا لها وأن الأعذار المزبورة كالمستثنى منها ، ضرورة عدم دليل له لا على المستثنى ولا على المستثنى منه ، بل ذكره للأعذار المزبورة غير مشير إلى دليل مخصوص في شي‌ء منها كالصريح فيما قلناه.

٣٤٢

بل ذكر غير واحد من الأصحاب عدم وجوب الاشهاد على العذر بل في المسالك « لا يجب ذلك عندنا » مشعرا بالإجماع عليه يشهد لذلك أيضا ، ضرورة كون مبناه أنه مصدق في حصول العذر ، فلا يحتاج إلى الاشهاد.

وفي القواعد « فإذا بلغه الخبر فلينهض للطلب ، فان منعه مرض أو حبس في باطل فليوكل إن لم يكن فيه مئونة ومنة ثقيلة ، فان لم يجد فليشهد ، فان ترك الإشهاد فالأقرب عدم البطلان ».

وعلله في جامع المقاصد بأن الحق قد ثبت ، والأصل بقاؤه ، ولأن فائدة الإشهاد ثبوت العذر ، وهو يثبت بإقرار المشتري أو يمين الشفيع على نفي التقصير ، لأن الأصل معه ، فلا أثر لتركه ، ولعموم دلائل الشفعة المتناولة لمحل النزاع.

لكنه قد حكى فيه قولا آخر بالسقوط معللا له بأن الإشهاد قائم مقام الطلب ، فتركه بمنزلة تركه ، ثم قال : « وفي المقدمتين منع ».

وكأنه أشار بذلك إلى ما ذكره الفخر في محكي الإيضاح من أن الأصح البطلان إذا لم يشهد ، لأن الإشهاد قائم مقام الطلب ، فتركه كتركه وأن الترك أعم من أن يكون لعذر أو لا ، ولا يعلم الأول إلا بالإشهاد ، والشفعة على خلاف الأصل.

إلا أن ذلك كله لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا.

بل من التأمل فيه يعلم أنه لا تجتمع كلماتهم إلا على مدخلية إحضار الثمن في استحقاق الأخذ بالشفعة أو في التملك بالقول أو الفعل اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن.

ودعوى الاكتفاء بإطلاق ما دل على ثبوت الشفعة يدفعها ما عرفته‌

٣٤٣

سابقا من أنه لا إطلاق يوثق به بعد‌ قوله عليه‌السلام في بعضها : « بالثمن » (١) المحتمل لما سمعت ، وبعد ظهور أكثر الكلمات المذكورة في بيان الأعذار وفي كيفية المبادرة في خلاف ذلك ، وفي عدم الاكتفاء بالأخذ القولي.

بل في جامع المقاصد أن القوم مطبقون على وجوب السعي إلى المشتري ، والقائلون بالفور جعلوه على الفور.

لكنه حكي عن التذكرة أنه قال فيها : « لو لم يتمكن من المضي إلى أحدهما أي المشتري أو القاضي ولا من الاشهاد فهل يؤمر أن يقول : تملكت الشقص أو أخذته؟ الأقرب ذلك ، لأن الواجب الطلب عند القاضي أو المشتري ، فإذا فات القيد لم يسقط الآخر ، وللشافعية وجهان ».

قلت : لا يخفى عليك ما فيه من عدم الدليل على وجوب القول المزبور ، بل الظاهر أنه لا أثر له كما عرفت.

وفي المحكي من بعض عباراتها أيضا لا يشترط في تملك الشفيع الشفعة بالشقص حكم الحاكم ولا حضور الثمن أيضا ولا حضور المشتري ولا رضاه عند علمائنا ، ثم أخذ في الاحتجاج على ذلك ، وقال : « إن الأخذ بالشفعة كالرد بالعيب لا يحتاج إلى حضور المشتري ورضاه » وقال أيضا : « لو لم يمض إلى المشتري ومضى إلى الحاكم لم يكن مقصرا في الطلب » وقال فيها أيضا : « إن ذلك ـ أي حضور الشريك أو الحاكم أو العدلين ـ غير شرط عند أصحابنا » إلى غير ذلك مما ذكر فيها مما هو غير منقح ، وفيه احتمالات متعددة.

وكذا ما عن المبسوط ، فإنه قال في مقام : « إذا ثبت أن له المطالبة فهي على ما جرت العادة به ، فمتى بلغه وجوب الشفعة صار إلى المطالبة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٤٤

على حسب العرف والعادة ، فان لم يكن مشغولا بشي‌ء قام من وقته ، وإن كان مشغولا بشي‌ء كالصلاة والطهارة والأكل فحتى يفرغ ، وإن كان وقت الصلاة قد دخل فحتى يؤذن ويقيم ويصلي ، ويتطهر إن كان على غير طهر ، وإن كان البلاغ ليلا فحتى يصبح ، ولا يلزمه أن يجد بسيرة بل يمشي على سجية مشيه ، ولا يستعجل فيه وإن كان قادرا على العجلة ، وإن كان راكبا فلا يركض ولا يعدو بل يسير على سجية مشيه ، لأنه هو العرف والعادة ».

وقال في مقام آخر : « إذا وجبت له الشفعة فسار إلى المطالبة على العادة قال قوم : إن أتى المشتري فطالبه فهو على شفعته ، وإن تركه ومضى إلى الحاكم فطالبه بها عنده فهو على شفعته عند قوم ، وقال قوم : تبطل شفعته ، فان ترك الحاكم والمشتري معا ومضى فأشهد على نفسه أنه على المطالبة بطلت شفعته. وقال أبو حنيفة : لا تبطل ، ويكون على المطالبة بها أبدا ، وقال من خالفه : إنه غلط ، لأنه ترك المطالبة بها مع القدرة عليها ، وقول أبي حنيفة أقوى ، لأنه لا دليل على بطلانها ».

والغرض من نقل هذه العبارات بيان أن المبسوط والتذكرة لا وثوق بما يصدر من بعض العبارات فيهما ، لأنهما مساقان للبحث مع العامة ، فربما وقع فيهما ما يظن أنه على مذهبنا ، وهو بحث منهما مع العامة على أصولهم. وإلا فتحقيق الحال أنه لا أثر في نصوصنا ولا في أصولنا لاعتبار حكم الحاكم أو حضوره في الأخذ بالشفعة ، ولا للإشهاد لا بالنسبة إلى الصحة ولا بالنسبة إلى إثبات ذلك أو إثبات العذر المانع له.

نعم قد سمعت الكلام في‌ قوله عليه‌السلام (١) : « فهو أحق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٤٥

بها من غيره بالثمن » وأما خبر ابن مهزيار (١) فليس فيه إلا إنظار ثلاثة أيام لمن كان في المصر بالنسبة إلى إحضار الثمن ، وأنه إذا ادعى غيبته في بلد آخر ينتظر مع ذلك مقدار ذهابه وإيابه.

نعم بناء على ما ذكرناه من اعتبار إحضار الثمن في أصل استحقاق الأخذ بالشفعة أو في التملك لو فرض غيبة المشتري أو حصول مانع له من المواجهة معه ولا وكيل له فهل يقوم الحاكم مقامه فان تعذر فالإشهاد أو لا يعتبر شي‌ء من ذلك كما هو مقتضى الأصول والقواعد وإطلاق نصوص الباب فتبقى حينئذ الشفعة لصاحبها بحاله مع عدم الإهمال منه؟ قد يحتمل الأول هنا ، بل وكذا فيمن له الخيار وأراد الفسخ وإن كان الأقوى ما عرفته.

ولعل إهمال الأصحاب ذكر الأعذار الحاصلة للشفيع بسبب المشتري اتكالا على ظهور الأمر وأنها أولى من الأعذار المتعلقة بالشفيع فتأمل جيدا ، فإن المسألة لا يخلو من تشويش. ومنه وقع الكركي فيما سمعت ، والله العالم والهادي.

ولقد ظهر لك مما ذكرناه من الأصل المزبور أنه لو جهل استحقاق الشفعة فهو على شفعته ، كما صرح به غير واحد للإطلاق ، نعم قيده بعضهم بما إذا كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ في برية لا يعرفون الأحكام ، مع أن الأصح خلافه ، ضرورة عدم كون ذلك من الضروريات التي لا يعذر فيها إلا من كان كذلك. وكذا الحال فيما لو علم ثبوتها وجهل فوريتها.

ولكن في جامع المقاصد « أن الظاهر السقوط » وفيه أنه لا فرق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٤٦

بينه وبين الأول الذي اعترف فيه بعدم السقوط ، كما هو الموافق لما ذكرناه من الأصل.

بل وكذا الحال في النسيان وإن تردد فيه في محكي التحرير ، بل قال بعض الناس : إن السقوط به ، لأنه معذور.

لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه الذي مرجعه الاقتصار في سقوطها على إهمالها بعد التمكن منها من سائر الوجوه ، وإن أطلق بعضهم على ذلك اعتبار الفورية فيها ، لكن المراد منه بقرينة ما سمعت من الأعذار ذلك ، بل ستعرف تعبير المصنف عن ذلك بالمسقطات ، والله العالم.

( ولا تسقط ( حق خ ) الشفعة بتقايل المتبايعين ) كما صرح به الشيخ وبنوا البراج وحمزة وإدريس والفاضل وولده والشهيدان والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل لا أجد فيه خلافا بينهم ( لأن الاستحقاق ) لها قد ( حصل بالعقد ) الذي صدق معه أن الشريك قد باع نصيبه ، وهو عنوان ثبوتها في النص (١) والفتوى ( فليس ) حينئذ ( للمتبايعين إسقاطه ) بالإقالة.

نعم لما كانت أدلة الإقالة مطلقة أيضا شاملة للفرض حكم بصحتها مع وقوعها وترتب آثارها من النماء وغيره ، إلا أن للشفيع فسخها حينئذ باعتبار سبق حقه ، فيكون حينئذ بقاء صحتها مراعى بعفو الشفيع ، فان حصل استمر وإلا انفسخ من حينه.

لكن عن الشهيد في حواشيه أنه قال : « يفهم من فسخ الإقالة والرد أمران : الأول الفسخ مطلقا بالنسبة إلى الجميع ، فتكون الإقالة والرد نسيا منسيا ، الثاني أنه بالنسبة إلى الشفيع خاصة ، لأنهما مالكان حال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

٣٤٧

التصرف ، فيرتب أثر تصرفهما عليه ـ قال ـ : وتظهر الفائدة في النماء ، فعلى الأول نماء الثمن بعد الإقالة والرد للبائع ، ونماء المبيع للمشتري ، وعلى الثاني بالعكس ».

وفي جامع المقاصد بعد أن حكى ذلك عنه قال : « أقول : إن الإقالة والرد يقتضيان الفسخ ، والفسخ لا يتجزأ ، فإما الصحة مطلقا أو البطلان مطلقا ، وحيث كان حق الشفيع أسبق كان الوجه البطلان مطلقا ».

قلت : لكن من حينه كما هي القاعدة في الفسوخ ، وحينئذ يكون مختاره الشق الأول ، لكن على الوجه الذي ذكره ، لا ما عساه يظهر من الشهيد من ارتفاع الإقالة والفسخ من أصلهما كما عساه يومئ إليه الثمرة المزبورة.

اللهم إلا أن يريد أن نماء الثمن بعد فسخ الإقالة يكون للبائع ونماء المبيع للمشتري ، لا النماء المتخلل بين الإقالة وفسخ الشفيع ، ضرورة أن مرجع ذلك حينئذ إلى عدم تأثير ما وقع من الإقالة والرد.

وهو ـ مع أنه ليس قولا لأحد منا ، بل ولا من العامة عدا ما تسمعه من ابن شريح ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ـ مناف لإطلاق دليلهما الذي لا ينافيه تعلق حق الشفيع بعد أن تسلط به على الخيار ، إذ لا دليل على منافاة تعلق حقه لأصل صحتهما على وجه لا يؤثر سببها ، وإن كان قد يتوهم من نحو عبارة المتن ، إلا أن صحيح النظر فيها وفيما تعقبها يقتضي خلافه ، خصوصا بعد تصريح الفاضل وغيره بأن للشفيع فسخ الإقالة والرد.

قال في القواعد : « فان تقايل المتبايعان أو رد بعيب فللشفيع فسخ الإقالة والرد ، والدرك باق على المشتري » ونحوه غيره ، بل أصرح منه.

٣٤٨

بل قيل إن الإجماع البسيط والمركب على عدم كون ذلك كالفضولي موقوف على الإجازة من الشفيع وإلا كان باطلا من أصله ، وهو كذلك خصوصا في مثل تصرف المشتري مثلا بالوقف ونحوه ، فإن المحكي عن ابن شريح خاصة عدم صحة التصرف ، وقد أطبق العامة والخاصة على خلافه.

وحينئذ فالمراد من قول المصنف وغيره ( والدرك باق على المشتري ) أنه بعد فسخ الشفيع الإقالة والرد بشفعته في الشقص يكون الدرك باقيا على المشتري ، لانفساخ الإقالة والرد السابقين ، لا أن المراد مع فرض بقاء أثرهما من كون الشقص ملكا للبائع للشفيع أن يشفع به ، ويأخذه من ملك البائع بالثمن السابق على الإقالة ، ولكن الدرك يكون على المشتري ، لاستصحاب بقائه وإن احتمله بعض الناس بل ادعى أنه الموافق لقواعد الباب وغيرها ومحكي الإجماع على أن الدرك على المشتري.

وحينئذ فيجمع بين ما دل على بقاء الشفعة وعلى صحة الإقالة والرد وكون الدرك على المشتري ، ولا ينافي ذلك كون الأخذ حينئذ من البائع إذ ليس في نصوص الشفعة ما يقتضي اشتراط صحتها بكون الأخذ من المشتري ، بل صرح الفاضل بأخذ الشفيع من البائع فيما إذا اختلف المتبايعان وتحالفا ، بل في محكي الخلاف أن الشفيع يأخذ من البائع فيما إذا ادعى المالك البيع وأنكر المشتري وحلف.

إلا أنه مخالف لظاهر جماعة وصريح آخرين ، كالفاضل والكركي وثاني الشهيدين وغيرهم ، بل يمكن دعوى القطع بخلافه ، خصوصا بملاحظة عدم الدليل على ضمان درك ما هو ملك الغير من دون سبب من أسباب الضمان ، وخصوصا بملاحظة الإجماع بقسميه فضلا عن ظاهر الأدلة على أخذ الشفيع من المشتري بمعنى الانتقال من ملكه إليه.

٣٤٩

نعم لعل الأولى من ذلك احتمال سقوط الشفعة من أصلها بناء على ظهور‌ قوله عليه‌السلام (١) : « فهو أحق بها من غيره بالثمن ». في عدم رد المبيع إلى المالك الذي هو الشريك الأول ، كما تسمعه عن المروزي في تصرف المشتري بوقف أو بيع أو نحوهما أو القول بعدم تأثير الإقالة ، باعتبار تعلق حق الشفيع في العين نفسها على وجه يكون الدرك على المشتري ، ولا يكون ذلك إلا بعدم تأثير الإقالة والرد كما سمعته من ابن شريح.

إلا أنهما معا يمكن دعوى الإجماع من المسلمين على خلافهما فضلا عن غيره من الأدلة.

وعلى كل حال فالاحتمال مع فرضه إنما هو بهذا المعنى ، لا أنهما مؤثران والشفيع باق على شفعته ، فيأخذ من البائع ويكون مع ذلك الدرك على المشتري الذي قد زال شراؤه بالإقالة ، بل مرجع ذلك إلى تبعض حكمها الذي أشار إليه الشهيد في أحد الوجهين السابقين.

ولقد أطنب هنا بعض الناس بما لا يرجع إلى محصل ، بل لعل التأمل فيه يقضي بتناقض أطرافه ووسطه ، فضلا عن مخالفته لإجماع المسلمين ، فضلا عن الخاصة ، فالمتجه حينئذ ما ذكرناه.

( نعم لو رضى ) الشفيع ( بالبيع ) على وجه تسقط به شفعته ( ثم تقايلا لم يكن له شفعة لأنها ) أي الإقالة ( فسخ ) كالرد بالعيب ( وليست بيعا ) عندنا. خلافا لأبي حنيفة ، وهو واضح البطلان كما تقدم ذلك في محله.

لكن بقي شي‌ء : وهو أن مقتضى ما سمعته من عبارة الفاضل السابقة مساواة حكم الرد بالعيب للإقالة ، بل هو المحكي أيضا عن جميع من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

٣٥٠

عرفت ممن صرح بحكمها ، لكن قد يشكل بإمكان الفرق بينهما بسبق حق الشفيع على ما وقع بينهما من الإقالة التي هي كالتصرف من المشتري الذي ستعرف عدم سقوط الشفعة به ، بخلاف الرد بالعيب الثابت بنفس العقد الذي هو إن لم يكن أسبق من حق الشفعة باعتبار تأخره ولو ذاتا عن تمام العقد وإلا فهو مقارن ، فلا ترجيح لحق الشفيع على حقه.

اللهم إلا أن يقال : إن حق الرد بالعيب إنما يثبت حين العلم به ، بخلاف حق الشفيع الثابت بتمام العقد.

ولكن قد يناقش بمنع اعتبار العلم في استحقاق الرد به ، بل هو ثابت بنفس العقد ، ولكن لا يحصل له الأخذ بحقه إن شاء ، إلا بعد العلم به. ومن هنا صرح غير واحد باقتران الحقين وتساويهما في الثبوت إلا أنه ادعى تقديم حق الشفيع على حق المشتري ، باعتبار أن الثمن حاصل له من الشفيع ، فلا ضرر عليه.

ولكنه كما ترى إن لم يكن إجماعا لإمكان منع الاقتران أولا ، ضرورة تأخر حق الشفعة عن تمام العقد ، ولذا كان حق البائع مقدما على حق الشفيع إذا كان له الخيار بالاشتراط في العقد مثلا ، فيفسخ ويرجع المال إليه وإن شفع الشفيع به. وإمكان منع الترجيح ثانيا ، بعدم انحصار الأمر في الثمن ، إذ الدرك عليه ، وهو ضرر آخر عليه.

مضافا إلى ما عرفته سابقا من عدم صلاحية مثل ذلك لإسقاط حق اقتضاه الدليل ، فليس حينئذ إلا الإجماع إن تم.

كما أنه ليس لما ذكروه سابقا من سقوط خيار المشتري بالشفعة بخلاف خيار البائع إلا الإجماع إن تم وإلا فالمتجه بقاؤهما معا وسقوط الشفعة لسبق تعلق حقهما عليه ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فلا خلاف أجده بيننا في أن تصرف المشتري في الشقص‌

٣٥١

قبل الأخذ الصحيح يترتب عليه الأثر ، لإطلاق الأدلة السالم عن معارضة تعلق حق الشفيع بعد أن لم يكن دليل يقتضي أن مثله مانع من التصرف ـ كحق الرهانة ـ إلا القياس الممنوع عندنا ، فيكون حينئذ كحق تعلق الدين بالتركة الذي لا يمنع الوارث من التصرف لو أراده وإن تسلط بعد ذلك على فسخه إن لم يدفع له الدين.

بل لا خلاف أجده في ذلك أيضا بين العامة إلا ما يحكى عن ابن شريح منهم ، فقاس تعلق الحق المزبور على حق الرهانة ، وهو كما ترى.

نعم لا يبطل ذلك حق الشفيع بلا خلاف أجده أيضا بيننا ، لسبق تعلقه وإطلاق ما دل على ثبوته ، بل ولا بين العامة أيضا إلا ما يحكى عن المروزي منهم من سقوطها حينئذ ، وهو واضح الضعف عندنا وعندهم.

لكن تصرف المشتري يقع على نوعين : أحدهما ما تثبت فيه الشفعة أيضا كالبيع ( و ) ثانيهما ما ليس كذلك فان كان الأول كما ( لو باع المشتري كان للشفيع فسخ البيع والأخذ من المشتري الأول ، وله أن يأخذ من الثاني ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل ولا إشكال لأن كلا منهما سبب تام في ثبوت الشفعة ، فالتعيين إلى اختياره.

( وكذا ) لو زادت العقود عن الاثنين ، فان أخذ بالشراء الأول دفع الثمن وبطل المتأخر مطلقا ، وإن أخذ بالأخير أخذ بثمنه وصح السابق مطلقا ، لأن الرضا به يستلزم الرضا بما سبق عليه ، وإن أخذ بالمتوسط أخذ بثمنه وصح ما تقدمه وبطل ما تأخر عنه.

فلو باعه المشتري بعشرة فباعه الآخر بعشرين فباعه الآخر أيضا بثلاثين فإن أخذ من الأول دفع عشرة ورجع الثالث على الثاني بثلاثين والثاني على الأول بعشرين ، لأن الشقص يؤخذ من الثالث ، وقد انفسخ‌

٣٥٢

عقده وكذا الثاني ، ولو أخذ من الثاني صح الأول ودفع عشرين وبطل الثالث ، فيرجع بثلاثين ، ولو أخذ من الثالث صحت العقود ودفع ثلاثين كما هو واضح.

نعم ينبغي أن يعلم أن فسخه يكون بشفعته ، لأنه هو الثابت له من الأدلة ، ويكون انتقاله حينئذ إلى المشتري والشفعة به من الترتب الذاتي ، بل لا يبعد القول بعدم أثر لقوله : « فسخت » متقدما على الشفعة ، لعدم الدليل عليه ، بل لا يبعد بطلان الشفعة حينئذ بناء على منافاة مثل ذلك لفوريتها ، كما تسمعه من بعضهم في مثل ذلك.

وإن كان الثاني كما ( لو وقفه المشتري أو جعله مسجدا فللشفيع إزالة ذلك كله وأخذه بالشفعة ) بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل ولا إشكال ، لسبق حقه ، بل عن المبسوط الإجماع على أن له نقض المسجد إن كان قد بناه مسجدا وأخذه بالشفعة.

فما عن بعض العامة من عدم جواز نقض الوقف واضح الضعف ، نحو ما سمعته سابقا من بعضهم من عدم جواز مطلق التصرف للمشتري ، وآخر من سقوط الشفعة مطلقا.

ومما ذكرنا يظهر لك الحال فيما لو كان قد وهبه المشتري بعوض أو غير عوض هبة جائزة أو لازمة ، ضرورة كونه كغيره من التصرفات التي للشفيع فسخها والأخذ من المشتري بالثمن الذي أخذ به ، فيملكه هو حينئذ دون الموهوب الذي قد انفسخت هبته وصار الدرك على الواهب الذي هو المشتري ، لامتناع صحة الهبة مع ذلك ، كما صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا بينهم.

لكن في قواعد الفاضل « والثمن للواهب أن يأخذه إن لم تكن لازمة‌

٣٥٣

وإلا فإشكال ، فإن قلنا به رجع المتهب بما دفعه عوضا ، وإلا تخير بينه وبين الثمن ».

وهو ـ كما ترى ـ مناف لما عرفت وإن وجه كلامه الأول بأن للواهب أن يرجع في أصل الهبة ، فله أن يرجع في ثمن الموهوب ، ومقتضاه أنه إن لم يرجع يكون الثمن للمتهب.

وفيه ـ مع أن مقتضاه أيضا أن لا يكون إشكال في كون الثمن للمتهب إذا كانت لازمة ـ أن ذلك لا يتم إلا على تقدير كون الأخذ بالشفعة غير مبطل للهبة ، وقد عرفت سابقا أن الأخذ إنما يكون بالبيع السابق الذي يمتنع معه الحكم بصحة التصرف اللاحق ، كما اعترف به هو سابقا في البيوع المترتبة ، مضافا إلى معلومية منافاة كون الأخذ من المشتري والدرك عليه ، لبقاء الهبة وثبوت ملك المتهب.

ونحوه يجري أيضا فيما ذكره من الإشكال الذي قيل إنه ينشأ من بطلان الهبة بالأخذ بالشفعة لسبق حق الشفيع ، ومن إمكان الجمع بين الحقين ، وحق الشفيع إنما هو في العين ، ولا فائدة له في إبطال الهبة من رأس ، فيأخذها وتبقى الهبة بحالها ، ويكون المراد من الابطال إبطال اختصاص المتهب بالعين ، لا إبطال أصل الهبة.

إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من أن الشفيع إنما يأخذ بالبيع الأول من المشتري الذي يكون الدرك عليه والثمن حق له ، فليس حينئذ إلا إبطال الهبة ورجوع الأمر كما كان قبلها.

ودعوى انفساخها في حق الشفيع خاصة دون الآخر يدفعها أن مقتضاها زوال الدرك عن المشتري حينئذ على أن الفسخ لا يقبل التجزي.

كما أن دعوى احتمال كون الدرك عقوبة للمشتري وإن لم يعد الملك له ، والتجزي بالنسبة إلى الأحكام لا ينبغي أن يصغى إليها ، إذ هي‌

٣٥٤

مجرد تهجس في مقابلة الأدلة الشرعية.

ومن الغريب بعد ذلك ما في الإيضاح من اختيار كون الثمن للمتهب في اللازمة وما عن حواشي الشهيد من أن المنقول : أن الهبة إن كانت لازمة يكون الثمن للموهوب له مطلقا ، وكذا إن تصرف ، لأنها قد صارت لازمة ، إذ لم نعرفه قولا لأحد من أصحابنا ، بل صريح كلامهم خلافه كما لا يخفى.

ومن ذلك يظهر لك ضعف ما فرعه الفاضل بقوله : « فإن » إلى آخره الذي معناه أنه إن قلنا بكون الثمن للواهب فان كان المتهب قد دفع عوضا للهبة فقد فات المعوض فيرجع به ، وإن قلنا بأنه للمتهب تخير بين العوض بأن يفسخ الهبة لفوات العين فيرجع به وبين بقائها فيأخذ الثمن ، لأنه حقه ، إذ الفرض لزومها من طرف الواهب ، إلا أن ذلك كله كما ترى لا ينبغي أن يسطر ، ولعله من خرافات العامة ، والله العالم.

( و ) كيف كان فلا إشكال كما لا خلاف في أن ( الشفيع يأخذ من المشتري ) لأنه المتيقن من أدلة الشفعة إن لم يكن المنساق ، خصوصا نحو‌ قوله عليه‌السلام (١) : « فهو أحق بها من غيره بالثمن » ( و ) حينئذ يكون ( دركه عليه ) بلا خلاف أجده فيه أيضا ، بل عن الغنية والسرائر الإجماع على ذلك.

( و ) على الأخذ من المشتري فـ ( ـلا يأخذ من البائع ) بمعنى الانتقال إليه من البائع الذي انقطع سلطانه عن العين بالبيع منه وصار للمشتري.

و ( لكن لو ) فرض أن الشفيع ( طالب ) بشفعته ( و ) ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٥٥

كان ( الشقص في يد البائع قيل له : خذه من البائع أو دعه ) كما صرح به غير واحد.

( ولا يكلف المشتري القبض من البائع مع امتناعه ولو التمس ذلك الشفيع ) بلا خلاف أجده فيه وإن قال في الكفاية : إنه المشهور مشعرا بوجود مخالف ، لكن لم أتحققه.

نعم يحكى عن الشافعية قول بأن له أن يكلفه ذلك ، لأن الشفيع بمنزلة المشتري من المشتري.

وفيه منع واضح ، ضرورة عدم دليل على وجوب ذلك ، خصوصا بعد كون الأخذ منه قهرا بلا معاوضة وتراض بينهما ، وإنما الواجب عليه رفع يده عنه وكل مانع من جهته ، لأن الشقص بالشفعة صار ملكا للشفيع ، يأخذه أينما وجده من يد كل من هو في يده ، ولا حق له على المشتري بحيث يكلفه بقبضه حتى يقبضه منه ، خصوصا بعد أن لم يكن لذلك ثمرة ( و ) ذلك لأنه ( يقوم قبض الشفيع مقام قبضه و ) حينئذ ( يكون الدرك مع ذلك على المشتري ) وإن قبضه الشفيع من البائع ، لما عرفت من أن الأخذ وانتقال الملك إليه منه ، بل لعل المتجه عدم التزام المشتري بتحصيله من البائع لو فرض عصيانه به.

وليس للشفيع منع الثمن الذي رضي المشتري ببقائه في ذمته عند أخذه بالشفعة عليه حتى يسلمه الشقص ، لعدم المعاوضة بينهما الموجبة للتقابض ، كما عرفته سابقا.

( و ) على كل حال فـ ( ـليس للشفيع فسخ البيع ) الواقع بين الشريك والمشتري ولو بالإقالة عن تراض بينه وبين البائع بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال ، لأصالة لزومه وانحصار حقه في الأخذ من المشتري ، بل قيل لو اشتغل بالفسخ بعد علمه بالحال بطلت شفعته ،

٣٥٦

لمنافاة مثله للفورية وإن كان فيه ما فيه.

( و ) حينئذ فـ ( ـلو نوى الفسخ والأخذ من البائع لم يصح ) ولم يترتب عليه أثر وإن كان الشقص في يد البائع وقبضه الشفيع من يده ، لما عرفت من عدم حق له في الفسخ ولو بالإقالة ، فلا يتصور أخذه من البائع بمعنى انتقاله منه إليه ، ضرورة كونه ملكا للمشتري ، بل قيل تبطل شفعته حينئذ لمنافاته الفورية ، وإن عرفت أنه لا يخلو من نظر.

بل قد يقال بحصول ملك الشقص له بقصده تملكه وإن غلط بقصد كونه من البائع ، إذ لا دليل على اعتبار قصد الانتقال من المشتري أو عدم قصد كونه من البائع وإنما الثابت من الأدلة انتقاله من المشتري إليه ، لا أن المعتبر في الشفعة قصد ذلك ، فيكفي قصد تملك الشقص بالثمن ، لصدق الأخذ بالشفعة حينئذ.

ولعل ذلك غير مناف لما في المتن وغيره من عدم صحة ذلك لو نواه ، ضرورة إرادة عدم ترتب أثر لذلك عليه ، لا أن أخذه بالشفعة حينئذ باطل.

ومن ذلك يعلم أن المعتبر في الشفعة قصد تملك الشقص بالثمن من دون ملاحظة كونه من المشتري أو البائع وإن كان هو شرعا ينتقل إليه من المشتري ، فتأمل جيدا ، فإنه ربما دق ، والله العالم.

( ولو انهدم المبيع أو عاب فان كان بغير فعل المشتري ) بل بآفة سماوية قبل المطالبة أو بعدها ( أو بفعله قبل مطالبة الشفيع ) بالشفعة ( فهو بالخيار بين الأخذ بكل الثمن أو الترك ) وفاقا للمشهور ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة.

٣٥٧

مضافا إلى مرسل ابن محبوب (١) السابق وقوله عليه‌السلام في حسن الغنوي (٢) : « فهو أحق بها من غيره بالثمن » وأصالة عدم الضمان حتى لو كان بفعله ، ضرورة أنه تصرف في ملكه تصرفا سائغا ، فلا يكون مضمونا عليه ، والفائت لا يقابل بشي‌ء من الثمن ، فلا يستحق الشفيع في مقابلته شيئا ، كما لو تعيب في يد البائع فإن المشتري يتخير بين الفسخ والإمضاء.

لكن في جامع المقاصد بعد أن جعل الصور أربعة : والأولى منها ما كان ذلك بفعل المشتري قبل المطالبة ، واقتصر في الاستدلال لها بالأخير قال : « وفيه نظر ، لأن المشتري وإن تصرف في ملكه إلا أن حق الشفيع قد تعلق به ، فيكون ما فات منه محسوبا ، كما يحسب عليه عين المبيع ، ولا استبعاد في تضمين المالك ما يجني على ملكه إذا تعلق به حق الغير ، كالرهن إذا جنى عليه الراهن ، وقد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش على البائع إذا تعبب المبيع في يده ، فينبغي أن يكون هنا كذلك وقد نبه كلام المصنف في التذكرة على ذلك ».

ثم قال : « الثانية والثالثة أن يكون ذلك بغير فعل المشتري مطلقا أي سواء طالب الشفيع بالشفعة أم لا ، فإنه لا شي‌ء على المشتري بل يتخير الشفيع بين الأخذ بمجموع الثمن والترك ، وتقريبه مع ما سبق أن ذلك ليس بفعل المشتري ، وملكه غير مضمون عليه ، وجوابه جوابه مع النقض بما إذا تلف بعض المبيع ، والذي يقتضيه النظر ثبوت الأرش في الصورتين أيضا ، وكلام المصنف في التذكرة مطابق لذلك ، فإنه فرض المسألة فيما إذا تعيب الشقص من غير تلف شي‌ء من العين من غير تقييد بكون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٥٨

ذلك بفعل المشتري ، وكونه بعد المطالبة وعدمه ».

ثم حكى قول بعض الأصحاب بوجوب الأرش بمثل هذا التعيب في المبيع لو كان في يد البائع ، ثم قال : « فينبغي أن يكون هنا كذلك ، وهو متجه ».

قلت : لا يخفى عليك ما في ذلك من منافاته لما سمعت من المرسل (١) المنجبر بما عرفت والإجماع المحكي المؤيد بالحسن (٢) المزبور ، وأصالة عدم الضمان التي منها يعلم الفرق بين المقام وبين المبيع في يد البائع المعلوم ضمانه عليه بدليله.

بل يمكن دعوى إجماع الأصحاب على خلافه في الجملة ، فإني لم أجد من وافقه على تمام ما ذكره حتى الفاضل في التذكرة ، قال فيها : « إذا اشترى شقصا من دار فانهدمت إما بفعل المشتري أو بغير فعله فلها أحوال :الأول أن تتعيب من غير تلف شي‌ء ولا انفصال بعضها عن بعض ، بأن يتشقق جدارها أو تميل اسطوانتها أو ينكسر جذعها أو يضطرب سقفها ، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكل الثمن وبين الترك ، ويكون تعيبه في يد المشتري كتعب المبيع في يد البائع ، فإنه يخير بين الفسخ وبين الأخذ بجميع الثمن عند بعض علمائنا ، وبه قال الشافعي ، وعند بعضهم لا يسقط الأرش ، فينبغي أن يكون هنا كذلك ».

وهي كما ترى لا صراحة فيها ، بل ولا ظهور ، بل ظاهرها موافقة المشهور ، وقوله : « فينبغي » من تتمة القول الذي حكاه.

نعم في الخلاف كما في المختلف « إن كان ذلك بأمر سماوي فالشفيع بالخيار بين أن يأخذ بجميع الثمن أو يترك ، وإن كان بفعل آدمي كان له‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٥٩

أن يأخذ العرصة بحصتها من الثمن » بناء على شمول الآدمي للمشتري فيه ، فيكون بإطلاقه موافقا له في بعض الصور.

وهو مع أنه لم يفرق فيه بين المطالبة وغيرها يمكن أن يكون مراده عدم دخول الأنقاض بالشفعة ، لصيرورتها منقولة حينئذ بالانهدام ، فيأخذ العرصة حينئذ خاصة بما يخصها من الثمن كما هو المحكي عن أحد قولي الشافعي ، وهذه مسألة أخرى غير ما نحن فيه.

كل ذلك مع أن قوله : « حق الشفيع متعلق به » إن أراد حق المطالبة فمسلم ولكن بمجرده لا يوجب الضمان على المشتري ، فلا بد من دليل يقطع الأصل ، والقياس على الرهن ليس من مذهبنا ، وضمان المبيع في يد البائع ـ مع أنه خارج عما نحن فيه ، لأنه ملك المشتري دون البائع ـ مستند لدليله من‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « كل مبيع » وغيره كما تقدم في محله.

وإن أراد به الملكية فممنوع ، إذ لا ملك قبل الأخذ ، بل لو قلنا به فلا ضمان أيضا إذا كان بآفة سماوية للأصل ، خصوصا إذا لم يقبضه المشتري ، إذ لا موجب لضمانه ولو قلنا بكونه ملكا للشفيع ، خصوصا بعد ما ذكرناه من أن الأخذ بالشفعة ليس من المعاوضات.

واستبعاد جواز ذلك للمشتري لتمكنه حينئذ من عدم رغبة الشفيع فيه باهدامه وتعيبه لا يرجع إلى محصل على وجه يكون دليلا شرعيا موافقا لأصول الإمامية وقواعدهم ، والله العالم.

( و ) على كل حال فـ ( ـالأنقاض للشفيع باقية كانت في المبيع أو منقولة عنه ) بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل في المسالك ما يشعر بالإجماع عليه ، نعم قد سمعت ما احتملناه في عبارة الخلاف ويحكي عن‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الخيار ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

٣٦٠