جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

للمالك فسخ استحقاقه ، وينتقل إلى أجرة المثل ، وهذا هو تحقيق هذا المحل ».

قلت : لا يخفى عليك ما فيه من أنه ( أولا ) هو بعينه ما سمعته من بعض الشافعية الذي قد اعترف هو بفساده وأورد عليه ما ذكرناه.

و ( ثانيا ) أن ما ذكره من اقتضاء الشركة قطع سلطنة العامل لا نعرف له وجها يطابق أصول الإمامية.

فمن الغريب قوله : « إن هذا تحقيق هذا المحل » وما كنا لنؤثر أن يقع منه مثل ذلك ، وربما كان التزام سوء تعبير الفاضل وغيره أولى من مخالفة الضوابط الشرعية.

وإذا بيع شقص في شركة مال المضاربة فللعامل الأخذ بها مع الغبطة فإن عفا فللمالك الأخذ ، وهو معنى ما في الدروس من أنها تثبت للعامل فان ترك فللمالك الأخذ.

بل وما في التذكرة من « أن للعامل في المضاربة الأخذ بالشفعة إذا بيع شقص في شركة المضاربة ، فإذا أخذ فإن كان هناك ربح فلا حصة له في ذلك ، بل الجميع للمالك ، لأن العامل لا يملكه بالشفعة ، فالجميع لصاحب المال ، وكذا إن لم يكن ربح ، وللعامل الأجرة ، ولو ترك كان لرب المال الأخذ ، لأن المشتري بمال المضاربة له. هذا إذا لم يظهر في الحصة التي اشتراها المضارب ربح ، ولو كان قد ظهر فيه ربح لم يكن هناك شفعة ، لا للعامل ولا لرب المال ، لزيادة الشركة على اثنين » قلت : ضرورة كون العامل حينئذ شريكا ورب المال والشريك البائع في الأرض المزبورة مثلا.

لكن قد يناقش فيما ذكره ـ من عدم شي‌ء للعامل وإن كان ربح ،

٣٠١

وإنما له الأجرة ـ بأن أخذه بالشفعة إن كان من عمل المضاربة فله ربحه ، وإلا فلا اجرة له.

وقوله : « لأن العامل لا يملك بالشفعة » يدفعه أنه لا يملك بها ولا بغيرها من النواقل ، وإنما يملك بظهور الربح ، ولم يجز له الأخذ بها إلا لأنها من عمل المضاربة وإن كان الملك لرب المال كالشراء.

ولو كان للعامل الشفعة بمعنى أنه اشترى للمضاربة شقصا له فيه الشفعة ـ لأنه الشريك ـ كان له مع عدم الربح الأخذ ، لأن ملك الشقص لغيره ، وكذا مع الربح إذا لم نقل بملكه بالظهور ، أما معه فلا شفعة له به ، لصيرورة بعضه ملكا له بالظهور ، ولا وجه للشفعة بملكه كما سمعته في رب المال ، والشفعة بما يخص رب المال منه تبعيض للشفعة.

لكن في التحرير هنا احتمالان قال : « ولو كان المضارب شفيعه ولا ربح في المال فله الأخذ ، لأن الملك لغيره ، وإن كان فيه ربح وقلنا لا يملك بالظهور فكذلك ، وإن قلنا يملك بالظهور احتمل الشفعة وعدمها كرب المال » ولعله لنحو ما سمعته من الكركي سابقا وتسمعه فيما يأتي من الفروع العشرة.

ثم قال : « وإن باع المضارب شقصا في شركته لم يكن له الأخذ بالشفعة ، لأنه متهم على إشكال » وفيه ما عرفت سابقا من عدم صلاحية التهمة مانعا ، والله العالم.

٣٠٢

( فروع )

(على القول بثبوت الشفعة مع كثرة الشفعاء )

قد جرت العادة بذكرها وإن لم نقل بها تشحيذا للأذهان ، ولأنه قد ينتفع بها على المختار أيضا في حال إرث المتعددين الشفعة ( وهي ) كثيرة ، وقد اختار المصنف منها ( عشرة : )

( الفرع ( الأول : )

( لو كان الشفعاء أربعة ) مثلا ( فباع أحدهم ) نصيبه وقلنا بسقوط حقه من الشفعة بذلك ، للشك في ثبوتها معه ، والأصل عدمه إن لم يكن المنساق من الأدلة خلافه ، خصوصا بعد ملاحظة أن حكمة شرعها قاعدة الضرر ، فلا يجري استصحاب بقائها مع احتماله أيضا ، لكن الأقوى الأول ( و ) حينئذ فإذا ( عفا آخر ) منهم بأن أسقط حقه من الشفعة ( ف ) الذي ذكره غير واحد كالشيخ والفاضل والشهيدين والكركي على ما حكي عن بعضهم بل في المسالك أنه المشهور وإن كنا لم يتحققه قبل المصنف أن ( للآخرين أخذ المبيع و ) لا تسقط الشفعة بفعل الأولين. نعم ( لو اقتصرا في الأخذ على حقهما لم يكن لهما ، لأن الشفعة لإزالة الضرر ، وبأخذ البعض يتأكد ) وفيه ( أولا ) أن الضرر هو الذي أدخله على نفسه بإقدامه على شراء ذي الشفعاء المتعددين إذا قلنا بتوزيع الشفعة عليهم.

٣٠٣

و ( ثانيا ) أن الشفعة حق مالي قابل للتقسيط والانقسام ، بل هو المنساق من‌ قوله عليه‌السلام (١) : « الشفعة على عدد الرجال » ضرورة أن معنى كونها عليهم دون السهام توزيعها عليهم ، ولا معنى للتوزيع إلا بإرادة تبعية شفعة كل واحد نصيبه.

و ( ثالثا ) أن العفو يقتضي استقرار المعفو عنه على ملك المشتري كما لو عفوا جميعا.

و ( رابعا ) قد سمعت سابقا ما حكاه المرتضى رحمه‌الله من أنه في روايات أصحابنا إذا سمع بعض بحقوقهم من الشفعة فمن لم يسمح بحقه على قدر حقه ؛ فالمتجه حينئذ سقوط حق الأولين وبقاء حق الآخرين ، بل ليس لهما أخذ حق الأولين بالشفعة ، لعدم ثبوته لهما ، وهو المحكي عن أبي علي والفاضل في موضع من التذكرة.

ودعوى أن الشفعة كالخيار لو ورث ـ فإنه واحد لا يتبع الحصص فيمضي فسخ الواحد على الجميع وإن لم يرضوا بذلك ـ يدفعها بعد تسليم ذلك وضوح الفرق بينها وبينه بكونه راجعا إلى فسخ العقد ، وهو غير قابل للتبعيض بخلاف الشفعة ، فإن مرجعها إلى نقل ملك المشتري إلى الشفيع من دون فسخ عقد ، ومع فرض تعدد المستحقين وكون الاستحقاق على عددهم لا مناص عن القول بالتوزيع على حسب ما ذكرناه.

وعلى كل حال فمما ذكرنا يعلم حينئذ جريان حكم هذا الفرع على القول بالاتحاد في صورة الإرث التي ذكر في المسالك فيها احتمالا آخر وهو بطلان حق الجميع بعفو البعض ، بناء على أنهم يأخذون الشفعة للمورث ثم يتلقون منه ، فيكون عفو بعضهم بمثابة عفو المورث عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٥.

٣٠٤

بعض حقه ، بل هو المحكي عن ابن شريح في أصل المسألة أيضا وإن كان هو واضح الفساد.

وأوضح فسادا منه احتمال عدم سقوط حق واحد من الأولين في أصل المسألة ، لأن الشفعة لا تتبعض فيغلب جانب الثبوت ، إذ هو مع أنه كما ترى مناف لقاعدة تسلط الناس على حقوقهم كأموالهم ، مضافا إلى ما سمعته من الخبر المزبور ، والله العالم.

( و ) مما ذكرنا يعلم الحال فيما ( لو كان الشفعاء غيبا ) كلهم أو بعضهم ( ف ) ان ( الشفعة لهم ) على الوجه الذي ذكرناه.

إلا أن المصنف بناء على مختاره السابق من عدم تبعيض الشفعة قال ( فإذا حضر واحد فطالب فاما أن يأخذ الجميع أو يترك ، لأنه ) ربما لا يأخذ الغائبان ، فتتفرق الصفقة على المشتري ، فهو حينئذ بمنزلة أن ( لا شفيع الآن غيره. ولو حضر آخر أخذ من الآخر النصف أو ترك ) لأنهما حينئذ بمنزلة أن لا شفيع غيرهما ( فان حضر الثالث أخذ الثلث أو ترك ، وإن حضر الرابع أخذ الربع أو ترك ).

إلا أن ذلك كله مع منافاته لما ذكرناه سابقا من الأدلة قد يناقش فيه ( أولا ) بأن الغيبة لا تسقط حق الشفعة ، فلا وجه لأخذ الأول الجميع على وجه يكون ملكا له ، والفرض أن له الربع وعدم عفو أحد منهم ، واحتمال حصوله بعد ذلك لا يجعل الحق تماما له الآن ، إذ احتمال الكشف لا دليل عليه ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، وخوف التبعيض لا يقتضي ثبوت الحكم المزبور ، كما أن الأخذ منه بعد ذلك كذلك أيضا ، وبعد الإغضاء فاقتضاء احتمال التبعيض إيقاف الحق أولى من أن يقتضي التسلط‌

٣٠٥

على حق غيره على وجه يكون ملكا له ، بل هو مناف لاشتراك الحق بينهم.

و ( ثانيا ) بأن المعلوم من الأدلة أخذ الشفيع من المشتري لا من الشفيع الذي استحق الملك بالشفعة لا بالشراء ، وتعلق حق الشفيع الغائب فيما شفع فيه إن كان مانعا من الانتقال فلا وجه لأخذ الأول الجميع بها وإن لم يكن مانعا فلا دليل على فسخ ما ملكه الشفيع الأول الذي مقتضى الأصل لزومه ، بل قد يقال : إن أخذ الثاني من الأول تبعيض لما أخذ بالشفعة أيضا ، ولا دليل عليه ، بل هو مقتضى ما ذكروه أنه لا بد للحاضرين من الاجتماع وشفعتهم في الشقص أجمع إذا أرادوا الاشتراك بها من المشتري ، وإلا فمتى ترتبوا لم يحصل ذلك ، لأن كل واحد منهم لا ينتقل إليه مقدار نصيبه للتبعيض ، والأخذ منه خلاف المفروض الذي هو كون الأخذ من المشتري.

و ( ثالثا ) ما ذكره من التعليل بالتبعيض لا يتم إلا بالنسبة إلى الأول ، أما من بعده فاقتصاره على نصيبه لا يضر بالمشتري ، لأن الشقص قد أخذ منه تاما على التقديرين بخلاف اقتصار الأول على حصته ، فإنها تفرق الصفقة على المشتري.

ومن هنا احتمل على هذا في القواعد والدروس وجامع المقاصد تخيير الثاني بين أن يأخذ النصف أو الثلث ، فإذا قدم الثالث ووجدهما قد تساويا في الأخذ أخذ الثلث منهما على السوية ، وإن وجد الثاني قد اقتصر على الثلث تخير بين أن يأخذ من الأول نصف ما في يده ، وهو تمام حقه ولا يتعرض للثاني ، وبين أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده ، لأنه يقول : ما من جزء إلا ولي منه ثلثه ، فان ترك الثاني حقه حيث لم يشاطر الأول فلا يلزمني أن أترك حقي ، ثم له أن يقول للأول ضم ما‌

٣٠٦

معك إلى ما أخذته لنقسمه نصفين ، لأنا متساويان في الحق. وحينئذ فتصح قسمة الشقص من ثمانية عشر ، لأنا نحتاج إلى عدد له ثلث ولثلثه ثلث ، وأقله تسعة يحصل منها ثلاثة في يد الثاني وستة في يد الأول ، ثم ينزع الثالث من يد الثاني واحدا ويضمه إلى الستة التي في يد الأول يكون سبعة ويقتسما بها بينهما ، وهي لا تنقسم على اثنين ، فتضرب اثنين في تسعة تبلغ ثمانية عشر ، للثاني منها أربعة ، وهي مضروب الاثنين اللذين بقيا له في اثنين تبقى منها أربعة عشر ، لكل واحد من الأول والثالث سبعة ، وإذا كان ربع الدار ثمانية عشر كان جملتها اثنين وسبعين.

وفيه ( أولا ) أن عدم حصول التبعيض بأخذه لا يقتضي التخيير المزبور ، بل يقتضي الاقتصار على حقه أو المشاطرة مع الأول ، لاحتمال عدم أخذ الغائب ، كما جزم به في جامع المقاصد وهو ظاهر المصنف.

و ( ثانيا ) أنه مع أخذه مقدار حقه مشاعا لا تسلط للشريك عليه ، إذ لا زيادة له عنده.

كل ذلك بعد البناء على أن الشركاء ثلاثة كما فرضها في القواعد حتى يكون حقه الثلث أو يراد الثلث بعد حق الأول ، فينطبق حينئذ على مثال المتن.

وعلى كل حال هو واضح الضعف لا ينطبق على قواعد الإمامية ، وانما هو مناسب لمذاق العامة.

واحتمل أيضا أن لا يأخذ الثالث من الثاني شيئا بل يأخذ نصف ما في يد الأول فيقسم المشفوع أثلاثا ، بناء على أن فعل الثاني لا يعد عفوا عن السدس ، بل اقتصارا على حقه ، وإلا لاتجه بطلان حقه ، لأن العفو عن البعض عفو عن الكل على قول ، وإنما أخذ كمال حقه مع أنه‌

٣٠٧

قد قال بعضهم بسقوط حقه ، لكونه قد عفا عن بعضه ، ولكنه في غاية الضعف.

ولعل الاحتمال المزبور هو الموافق لما قلناه ، بناء على أن الشركاء ثلاثة أو يأخذ نصفا مما في يده بعد إخراج ربعه حتى ينطبق المختار على مثال المتن ، والله العالم.

( الفرع الثاني : )

( لو امتنع الحاضر أو عفا لم تبطل الشفعة ) للأصل وغيره مما عرفت ( و ) لكن على ما ذكرنا ( كان للغائب ) قدر استحقاقه وعلى ما ذكره المصنف وغيره له ( أخذ الجميع ) أو الترك.

( وكذا لو امتنع ثلاثة أو عفوا كانت الشفعة بأجمعها للرابع إن شاء ) على مختار المصنف والجماعة ، وأما على ما قلناه فله الربع خاصة ، والله العالم.

( الفرع الثالث : )

( إذا حضر أحد الشركاء فأخذ ) الجميع ( بالشفعة ) بناء على ما سمعته من المصنف ( و ) غيره فـ ( ـقاسم ) وكلاء الغائبين فإن له ذلك ، لأن الحق الآن مختص به ( ثم حضر الآخر ) الغائب ( ف ) ان عفا استمرت القسمة ، وإن ( طالب ) وأخذ ففي القواعد وغيرها ( فسخ القسمة ) إن شاء ( وشارك الأول ) ‌

٣٠٨

لأن حقه شائع في المأخوذ وفي باقي السهام.

ولكن قد يناقش بأصالة بقاء القسمة الواقعة بينه وبين الوكلاء ، إذ المستحق هو حينئذ ، والغائب حقه متجدد فيما أخذه الأول ، فلا وجه للتسلط على فسخ القسمة ، ولذا بناء على ما ذكرناه إذا أخذ حصته وقاسم مع وكلاء الغائبين لم يكن لأحد منهم الفسخ.

( وكذا لو رده الشفيع الأول ) أي ما شفع فيه ، وهو الجميع على مختار المصنف ( بعيب ثم حضر الآخر كان له الأخذ ) للجميع ، كما صرح به الفاضل والكركي وثاني الشهيدين ( لأن الرد ) المزبور أبطل الأخذ من أصله فكان ( كالعفو ) الذي قد عرفت أن حكمه ذلك.

وعن محمد بن الحسن الشيباني أنه يختص الثاني بأخذ حصته خاصة لأن الأول أسقط حق الثاني مما زاد على حصته ، ورده بالعيب أحدث ملكا جديدا للمشتري بعد أن خرج عنه ، فلا يكون كالعفو ، بل كعوده إلى المشتري ببيع أو هبة. واحتمله الفاضل في القواعد.

ولكن لا ريب في ضعفه ، ضرورة أن الرد أوجب فسخ الأخذ ولم ينشئ سببا جديدا للملك ، فلا يساوي عوده بالعقد ، وأما على المختار فليس للآخر إلا نصيبه ، كما أنه ليس للأول إلا ذلك ، فإذا فرض رد نصيبه كان كالعفو بالنسبة إليه ، ولا حق للآخر فيه ، كما هو واضح ، والله العالم.

٣٠٩

( الفرع الرابع : )

( لو استغلها الأول ) أي ظهرت الثمرة ظهورا تخرج به عن تبعية الأصل بعد أخذه وقبل أخذ الثاني ( ثم حضر الثاني ) مثلا ( شاركه في الشقص دون الغلة ) التي ملكها الأول بكونها نماء ملكه المنحصر فيه قبل أخذ الثاني ، كما أن الأول لا يملك ما حصل من غلة الشقص بعد الشراء وقبل الأخذ بالشفعة ، بل هو للمشتري.

نعم لو كان الأول وكيلا عن الثاني وأخذ لهما بالوكالة كان شريكا له ، بل لو قبل ذلك فضولا وأجاز ـ بناء على جريان الفضولي في الشفعة ـ كان كذلك أيضا ، كما هو واضح.

فما عن بعض الشافعية ـ من احتمال مشاركة الثاني للأول على كل حال ـ في غاية السقوط ، ولا يخفى عليك حكم ذلك بناء على المختار ، والله العالم.

الفرع ( الخامس : )

( لو قال الحاضر ) ابتداء مثلا ( لا آخذ ) الجميع بالشفعة ( حتى يحضر الغائب لم تبطل شفعته ) قطعا بناء على التراخي.

وأما على الفور فالأقوى كما في المسالك ومحكي المبسوط والتذكرة أنه كذلك أيضا ، وفي الدروس أن فيه قوة ( لأن التأخير لغرض لا يتضمن الترك ) بحيث ينافي الفورية ، إذ قد لا يسلم له الشقص المشفوع ، مع فرض اقتضاء الأخذ دفع جميع الثمن الذي قد يكون كثيرا‌

٣١٠

ويصعب عليه تدبيره في تلك الحال ، بل الأغراض كثيرة في عدم التعجيل مضافا إلى عدم دليل على الفورية من النصوص على وجه ينافيه ذلك ، فيبقى استصحاب بقائها بحاله.

( و ) لكن ( فيه تردد ) وإشكال كما في القواعد ، لما تسمعه من الإجماع المحكي على الفورية التي ينافيها ذلك ، لتمكنه من الأخذ ولا أقل من الشك في كون ذلك عذرا ، فان ضرره لا يدفع بضرر المشتري.

على أنك قد عرفت مخالفة الشفعة للأصل ، فينبغي الاقتصار فيها على اليقين ، ولعله لذا ربما مال إليه بعض المحققين وإن كان الأقوى الأول ، ولا يخفى عليك عدم جريان الفرع المزبور على المختار ، والله العالم.

الفرع ( السادس )

لو أخذ الحاضر ودفع الثمن ثم حضر الغائب فشاركه ودفع إليه النصف مما دفع إلى المشتري ( البائع خ ل ) ) وهكذا ( ثم خرج الشقص مستحقا ) بعد أن ترتبوا في الأخذ فالمشهور كما في المسالك ( كان دركه على المشتري دون الشفيع الأول ، لأنه كالنائب عنه ) أي المشتري ( في الأخذ ) من الثاني ، إذ الشفيع إنما يأخذ من المشتري لهم وإن أخذ بعضهم من بعض ظاهرا ، أو كالنائب عن غيره من الشفعاء في الأخذ من المشتري.

وعلى كل حال فلا درك عليه ، لاستحقاقهم جميعا الشفعة على المشتري وإن ترتبوا في الأخذ ، فإن الترتب الذي قد عرفت كونه كالنيابة لا يغير هذا الحكم.

٣١١

ولكن قد يناقش بأن ذلك لا ينطبق على قواعد الإمامية ، إذ هو اعتبار محض ، ضرورة أن أخذ الثاني ليس مبنيا عندهم على أخذ الأول بل يفتقر إلى أخذ جديد وصيغة خاصة كالأول ، وملك الأول للجميع لا يرتفع من أصله بأخذ من بعده ، بل من حين الأخذ ، ومن ثم كان مجموع النماء المنفصل له ، فكونه كالنائب في محل المنع ، وخصوصا في عهدة الثمن ، فإن المشتري لم يتسلم من غير الأول شيئا ، وإنما الأول أخذ من الثاني نصفه ، فلا وجه لرجوعه به على المشتري.

ومن هنا حكي عن بعض الشافعية أن هذا الخلاف في الرجوع بالمغروم من أجرة ونقص قيمة الشقص ، وأما الثمن فكل يسترد ما سلمه ممن سلمه إليه بلا خلاف ، بل عن التذكرة أنه المعقد ، كما عن الكركي أنه استجوده ، وفي المسالك استحسنه.

ولكن الإنصاف أن التفصيل المزبور لا يخلو من نظر أيضا ، ضرورة كون المفروض مع ملاحظة ملك كل منهم من الآخر حقيقة يكون كترتب المشترين بعضهم من بعض من غير فرق بين الثمن وغيره ، وإلا كان كالنائب فيهما.

ولا يخفى عليك أن الأول أوفق بالقواعد ، كما لا يخفى عليك سقوط الفرع المزبور على المختار ، والله العالم.

٣١٢

الفرع ( السابع : )

( لو كانت الدار بين ثلاثة ) مثلا ( فباع أحدهم من شريكه ) ففي محكي الخلاف في موضع منه والدروس ( استحق الشفعة الثالث دون المشتري ، لأنه لا ) يعقل أن ( يستحق ) الإنسان ( شيئا على نفسه ) ولظهور أدلة الشفعة في غيره أو صراحتها ، فان‌ قوله عليه‌السلام (١) : « فشريكه أحق من غيره بالثمن » صريح في غير المشتري ، إذ لا يصدق عليه نفسه أنه غيره.

مضافا إلى ظهورها أجمع في تعدد المشتري والشفيع والبائع على وجه يقتضي أن ذلك هو موضوع الشفعة الثابت من الشرع ، لاشتمالها على ذكر ذلك في مقام الضابط والبيان على نحو القيود التي تذكر في التعريف ، وحينئذ فاما أن يأخذ الجميع بها أو يترك لئلا تتبعض الشفعة.

( وقيل ) والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطة وموضع من خلافه :( يكون بينهما ) وحينئذ فهو أي الشريك مخير بين أخذ نصف المبيع أو تركه لا جميعه كما في المسالك وغيرها.

ثم قال فيها : « فان قال المشتري : خذ الكل أو اترك الكل وقد تركت أنا حقي لم يلزمه الإجابة ، ولم يصح إسقاط المشتري الشفعة ، لأن ملكه مستقر على النصف بالشراء ، فأشبه ما إذا كان للشقص شفيعان حاضر وغائب فأخذ الحاضر الجميع ثم عاد الغائب ، فإن له أن يأخذ نصفه ، وليس للحاضر أن يقول اترك الكل أو خذ الكل وأنا تركت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

٣١٣

حقي ، ولا نظر إلى تبعض الصفقة عليه ، فإنه لزم من دخوله في هذا العقد ».

قلت : قد يناقش بأن الشفعة من الأسباب الاختيارية في نقل الملك لا القهرية ، وحينئذ فمع فرض عدم اختيارها لا مانع من سقوطها ، واستقرار ملكه على المشفوع من حيث الشراء لا ينافي سقوط استحقاقه إياه من جهة الشفعة ، وحينئذ يكون بمنزلة عفو أحد الشفيعين ، فيلزم الثالث بأخذ الجميع أو تركه حذرا من تبعض الشفعة ، إذ لا شفيع حينئذ غيره.

وعلى كل حال فقد مال إلى القول المزبور المصنف بقوله ( ولعله أقرب ) ونحوه الفاضل في المختلف ، بل في جامع المقاصد أنه أصح ، بل قيل إنه الظاهر من التذكرة أيضا.

وكأنه لاشتراكهما في العلة الموجبة للاستحقاق ، ولا يمتنع أن يستحق تملك الشقص بسببين : البيع والشفعة ، لأن علل الشرع وأسبابه معرفات فلا يمتنع أن يجتمع اثنان منها على معلول واحد ، ولأن للشفعة أثرا آخر غير استحقاق الملك ، وهو منع الشريك الآخر من تملك مقدار مشفوعه بالشفعة ، وهذا الأثر لا مانع منه.

إلا أن الجميع كما ترى بعد أن عرفت قصور أدلة الشفعة عن ثبوتها في الفرض ، بل قيل : إن سبب الاستحقاق بالشفعة مترتب على سببه بالشراء ومتفرع عليه ، فليسا معلولي علة واحدة حتى يقال : إنه لا يمتنع تملك الشقص بسببين ، وإن علل الشرع لا يمتنع اجتماعها ، بل إنما ملكه أولا بسبب الشراء ، وبعد الشراء استحقه بالشفعة ، فيعود المحذور من كونه يستحق تملك ملكه.

بل قيل : إنه على تقدير اجتماع العلتين بعد الشراء فأثرهما مختلف‌

٣١٤

لأن الشراء علة في نقل الملك إليه من غيره ، والاستحقاق بالشفعة أثره قرار ملكه عليه ، فأحدهما غير الآخر وجودا وأثرا.

وإن كان ذلك كله لا يخلو من نظر ، ضرورة عدم المنع من ترتب الملك على الشراء وترتب الشفعة عليه ، نحو الانعتاق للقريب المترتب على ملكه الحاصل بالشراء ، لأن استحقاق الشفعة أمر غير الملك الحاصل من الشراء.

ثم إن الثمرات المترتبة على ذلك كثيرة ، فإن للشفعة أحكاما حتى مع الإقالة عن عقد البيع. فالعمدة في الجواب ما ذكرناه ، ولولاه لاتجه ما ذكره الشيخ والجماعة ، وكأنهم غفلوا عن أن مفاد النصوص ما ذكرنا فلا موضوع للشفعة شرعا ، لأن الفرض مشمول لنصوصها ، ولكن المانع عدم تعقل استحقاق ذلك على ملكه حتى يتجه الجواب عنه بأنها معرفات لا علل تامة.

ومن الغريب تسالمهم على ما ذكرناه فيما تقدم من أنه لو اشترى العامل ما فيه شفعة للمالك ، معللين له بأن المالك يملكه بالشراء لا بالشفعة وقولهم هنا : إن الأقرب والأصح والأقوى صحة الشفعة للمشتري نفسه.

ومما ذكرنا يعلم أنه لا وقع لما أجيب عما ذكره المستدل بأن للشفعة أثرا آخر إلى آخره بأن استحقاق الملك ومنع الشريك معلولا علة واحدة ، وهو استحقاق الشفعة ، فيمتنع تخلف أحدهما عن الآخر ، وقد امتنع أحدهما من جهة استلزامه المحال ، فينبغي أن يمتنع الآخر إلا مع الدليل المقتضي لذلك.

وكيف كان فقد ظهر لك أن القول المزبور في غاية السقوط وإن كان لما ذكرناه لا لما ذكروه مما هو واضح الاندفاع ، والله العالم.

٣١٥

الفرع ( الثامن : )

( لو باع اثنان من ) الشركاء مثلا ( ثلاثة ) مثلا ( صفقة فللشفيع أخذ الجميع وأن يأخذ من اثنين ومن واحد ، لأن هذه الصفقة ) وإن كانت واحدة في الصورة إلا أنها بسبب تعدد البائع والمشتري ( بمنزلة عقود متعددة ) فلا تبعيض للشفعة لو اقتصر على الأخذ من واحد فضلا عن الاثنين ، إذ هي شفعات متعددة ، كما لو باع كل واحد من كل واحد بصيغة مستقلة.

( و ) كذا ( لو كان البائع واحدا من اثنين كان له ) أي الشفيع ( أن يأخذ منهما أو من أحدهما ) لما عرفت.

ومثله ما لو كان البائع اثنين من واحد أو من اثنين كما قال المصنف :( ولو باع اثنان ) مثلا ( من اثنين كان ذلك بمنزلة عقود أربعة ) ضرورة أن كل واحد منهما باعتبار بيعه لاثنين كان عقده بمنزلة عقدين.

وحينئذ ( فللشفيع أن يأخذ الكل وأن يعفو وأن يأخذ الربع أو النصف أو ثلاثة الأرباع ) ولا يشاركه الأول في شفعة الثاني ولا هما في شفعة الثالث فيما لو أخذ الجميع دفعة أو ترتيبا على وجه لا ينافي الفورية أو قلنا بعدم اعتبارها ، بناء على اعتبار بقاء الملك في استحقاقها كما قدمناه سابقا ، وإلا شاركه الأول فيهما وهما في الرابع ، وهو واضح.

كوضوح كون المسألة من أربعة وعشرين لو أخذ من الثاني خاصة وقلنا بقسمة الشفعة على السهام ، ومن اثني عشر على القول بقسمتها على الرؤوس.

٣١٦

ومن ثلاثين إن أخذ من الثالث وقلنا بالقسمة على السهام ، ومن ثمانية عشر على القسمة على الرؤوس.

وتصح من ماءة وعشرين ـ بناء على احتمال مشاركة الأول للشفيع وإن زال ملكه ـ في صورة ما لو كان للشفيع نصف العقار المشفوع ولشريكه الآخر الذي باع من الثلاثة نصفه ، فباع من كل واحد منهم سدسا ، وقلنا بكون الشفعة على حسب السهام.

أما على القول بأنها على عدد الرؤوس تصح من ستة وثلاثين كما أطنب في بيان ذلك في المسالك لما أجمله الفاضل والكركي في ضابط ذلك.

إلا أنه لا فائدة مهمة فيه ، وإنما المراد هنا بيان أنه لا تبعيض في الشفعة مع تعددها بتعدد البائع والمشتري ، بل قد يقال بتعددها أيضا بتعدد الثمن (١) وإن كان البائع والمشتري والمبيع واحدا في الظاهر.

وأولى من ذلك بالتعدد بيع الشقصين من دارين وإن كان البائع والمشتري واحدا.

وعلى كل حال فلا تبعيض في ملك كل واحد من المشتريين الذي ملكه بعقد واحد حقيقة ، بل هي في الجميع شفعات متعددة وإن كان لا يخلو بعض الأفراد من نظر ، خصوصا مع ملاحظة مخالفة الشفعة للأصل.

اللهم إلا أن يقال : إن الأدلة مطلقة والمتيقن من تبعيض الشفعة الممتنع هو ما اقتضت الشفعة تفريق ملك الشخص الواحد الذي ملكه بجهة واحدة دون غيره ، وكأنه المراد من تبعض الصفقة هنا ولو بمعونة اتفاقهم ظاهرا على تعددها بالتعدد المزبور ، فلا ينافي ذلك جريان حكم الصفقة الواحدة في غير الشفعة في بعض الأفراد إن كان ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( ـليس ) للمشترين ولا ( لبعضهم

__________________

(١) وفي النسخة الأصلية المبيضة « الثمنين ».

٣١٧

مع الشفيع شفعة ، ل ) أن ( انتقال الملك إليهم دفعة ، فيتساوى الآخذ والمأخوذ منه ) ومن المعلوم نصا وفتوى أنه يشترط في ثبوت الشفعة لأحد الشريكين على الآخر تقدم ملك المستحق على المستحق عليه ( و ) هو منتف هنا في المشترين بعقد واحد.

نعم لو كانوا مترتبين ثبت لبعضهم في الجملة كما ( لو باع الشريك حصته من ثلاثة في عقود متعاقبة ، فله ) أي الشفيع ( أن يأخذ الكل وأن يعفو وأن يأخذ من البعض ) دون الآخر ، لما عرفته من تعدد الشفعة بتعدد المشترين. ( ف ) لا تبعيض.

لكن ( إن أخذ من الأول لم يشاركه الثاني والثالث ) لعدم شركة لهما في وقت شراء الأول ، فلا شفعة لهما.

( وكذا لو أخذ من الأول والثاني لم يشاركه الثالث و ) ذلك لعدم شركة له وقت شرائهما. نعم ( لو عفا عن الأول وأخذ من الثاني شاركه الأول ) لسبق شركته واستقرار ملكه بالعفو.

( وكذا لو أخذ من الثالث ) وعفا عن الأولين ( شاركه الأول والثاني ، لاستقرار ملكهما بالعفو ).

واحتمال عدم مشاركة السابق في شفعة اللاحق ـ لأن ملكه حال شراء الثاني وإن كان حاصلا قبل شراء اللاحق ومستقرا عند الأخذ بالعفو المفروض إلا أن ملكه حال شراء اللاحق كان مستحقا لأن يؤخذ بالشفعة ، فلا يكون سببا في استحقاقه إياها ـ يدفعه أن ذلك لا يخرجه عن كونه مالكا وشريكا على وجه يندرج في إطلاق الأدلة ، بل لعل مقتضاه ثبوتها له أو لهما وإن لم يعف ، لعدم الدليل على اعتبار استقرار الملك حال أخذ الشفعة ، بل إطلاق الأدلة ينافيه ، فتثبت لمن كان ملكه مشتملا على خيار لغيره قبل أن يفسخ ذو الخيار.

٣١٨

اللهم إلا أن يقال : إن الشفعة على خلاف الأصل ، والمتيقن ثبوتها لمن لم يكن حال حقه متعلق الشفعة ، ومن هنا اعتبر المصنف العفو.

هذا وقد تقدم لنا في بحث ثبوت الشفعة مع الكثرة (١) ما له نفع في المقام عند تعرضنا لمانعية الكثرة اللاحقة ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

الفرع ( التاسع : )

( لو باع أحد الحاضرين ولهما شريكان غائبان ف ) قد عرفت في المسألة الأولى ما اختاره المصنف والجماعة من أن ( الحاضر هو الشفيع في الحال ، إذ ليس غيره ) حاضرا ( فإذا أخذ وقدم أحد الغائبين شاركه فيما أخذ الحاضر بالسوية ) لأنهما لا شفيع غيرهما ، أو يأخذ مقدار حصته على حسب ما عرفته سابقا.

( ولو قدم الآخر شاركهما فيما أخذا فيكون له ثلث ما حصل لكل واحد منهما ) كما تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا. والله العالم.

الفرع ( العاشر : )

( لو كانت الدار بين أخوين ) مثلا ( فمات أحدهما وورثه ابنان ) ( له خ ) ( فباع أحد الوارثين ) نصيبه ( كانت الشفعة بين العم وابن الأخ ، لتساويهما في الاستحقاق ) على وجه كانا شريكين بالسوية وإن اختلف سبب الملك الذي لا مدخل له في استحقاق الشفعة.

__________________

(١) المتقدم في ص ٢٧٢ ـ ٢٧٩.

٣١٩

خلافا لبعض العامة فجعلها مختصة بابن الأخ ، لأن ملكه أقرب باعتبار اتحادهما في سبب الملك الذي هو الإرث ، ولهذا لو ظهر دين على أبيهما بيع ملكهما فيه دون العم.

وهو كما ترى ، ضرورة عدم مدخلية ذلك في استحقاق الشفعة التي عنوان ثبوتها تحقق الشركة الثابتة هنا بين العم وابن الأخ وإن اختلف السبب. ( وكذا ) الحكم ( لو كان وارث الميت جماعة ) إذ لا فرق على التقديرين بين الواحد والجماعة ، كما هو واضح ، والله العالم.

( المقصد الثالث)

(في كيفية الأخذ )

( و ) إشكال كما لا خلاف في أنه ( يستحق الشفيع الأخذ ) من المشتري ( بالعقد وانقضاء الخيار ) لهما أو لأحدهما أو لأجنبي ( لأنه وقت اللزوم ) المتيقن من ثبوت الشفعة المخالفة للأصل ، بل عن الخلاف والمبسوط والمهذب والغنية لا شفعة في البيع الذي فيه الخيار للبائع أو لهما ، لأن الملك لم يزل عن البائع ، أما ما لا خيار فيه أو فيه الخيار للمشتري وحده ففيه الشفعة ، لأن الملك قد انتقل عن البائع وصار للمشتري ، وهو المحكي عن أبي علي ، بل في التحرير فيه قوة ، لأن في‌

٣٢٠