جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

في نفس المشفوع لا في بعضه ، وإلا لكفى حينئذ عن الطريق برأس الجدار ونحوه مما هو معلوم عدمه ، فلا محيص حينئذ عن القول بأن سبب ثبوت الشفعة في الفرض لدليل خاص غير سبب الشفعة المعهود الذي هو الاشتراك مع عدم القسمة.

بل ظاهر الصحيح المزبور عدم اعتبار كون الطريق قابلا للقسمة لو بيع مع الدار في ثبوت الشفعة فيهما وإن اعتبرنا ذلك لو بيع بانفراده كما عرفته سابقا.

ولعل ذلك لما قيل من الاكتفاء بقبول القسمة في المجموع لا لأبعاضه ، أو لأن هذه القابلية كعدمها ، ضرورة كون الشي‌ء مقسوما ، فلا مدخل لقابليته وعدمها ، إلا أنه كما ترى لا يخلو من غبار ، ولكن العمدة في ثبوت الحكم المزبور الصحيح المذكور الذي بإطلاقه يقتضي عدم اعتبار ذلك ، وبعد كونه صحيحا وأطلقت الفتوى بمضمونه يتجه الخروج به عن كل ما يقتضي عدمها في ذلك.

فما عساه يظهر من الدروس من اعتبار ذلك قال : « ولا مع القسمة إلا مع الاشتراك في الطريق والنهر اللذين يقبلان القسمة على الخلاف » في غير محله وإن كان وجهه الاقتصار على المتيقن في تبعية الدار للطريق الثابتة فيه الشفعة.

وفيه ما عرفت من أن الظاهر كالمتيقن في الحجية ، بل قد عرفت أيضا أن مقتضى إطلاق الحسن المزبور ثبوت الشفعة للاشتراك في الطريق لا للشفعة فيه ، وكأنه قسم آخر مما أثبت الشارع فيه الشفعة.

هذا وفي التذكرة « الأقرب عندي أن الطريق إن كان مما يمكن قسمته والشريك واحد وبيع مع الدار المختصة بالبائع صفقة فللشريك الآخر أخذ الطريق خاصة إن شاء ، وإن شاء أخذ الجميع ، وإن لم يمكن‌

٢٦١

قسمته لم يكن له أخذه خاصة ، بل إما أن يأخذ الجميع أو يترك ».

وهو وإن كان صريحا فيما ذكرناه من عدم اعتبار قابليته القسمة في الطريق في ثبوت الشفعة في الدار مثلا ، لكن قد يناقش بأن المجموع إما أن يكون متعلق الشفعة أو لا ، فان كان الأول وجب أن يأخذ الجميع أو يترك ، وليس له تبعيض الصفقة ، وإن كان الثاني لم يثبت له شفعة في غير الطريق ولا فيه إلا إذا كان واسعا قابلا للقسمة.

وربما أجيب بأن هذا منه ، بناء على المشهور المعروف بينهم من أنه ليس للشفيع أخذ البعض وترك البعض ، بل إما أن يأخذ الجميع أو يترك.

وفيه أن ذلك لا يقتضي التفصيل المزبور ، مضافا إلى ما قيل من أن هذا الشرط ترك ذكره فيما يقرب من عشرين كتابا ، ولا دليل عليه يصح الاستناد اليه ، وإن كان قد يقال : إنه يكفي في الدليل أن ذلك هو المتيقن من دليل الشفعة المخالفة للأصل التي مبنى ثبوتها على رفع الضرر ، فلا وجه لمشروعيتها معه ، فان التبعيض ضرر ، خصوصا في بعض الأفراد ، ولا يزال الضرر بالضرر ، بل ينبغي الجزم بعدمها في مثل الفرض إذا فرض عدم طريق للمشتري إلا الطريق المخصوص الذي يريد أن يشفع فيه الشفيع ، وقابليته للقسمة غير مجد بعد فرض أخذ الشفيع له أجمع وبقاء الدار بلا طريق.

ولعله لذا جزم الشافعية بعدم الشفعة هنا في الطريق وإن كان قابلا للقسمة ، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك ، فإنهم جزموا بالشفعة في الطريق حينئذ دون الدار ، لعدم الشركة فيها ، وإن عرفت أنه مخالف لما عندنا من ثبوت الشفعة فيهما.

ومن ذلك كله يظهر لك أنه لا فرق في ثبوت الشفعة بين قابلية‌

٢٦٢

الطريق للقسمة وعدمها ، لإطلاق الدليل ، وأن الشفيع على كل حال إما أن يأخذ الجميع أو يترك كما سمعته من المشهور ، ودعوى ثبوت شفعتين مع سعة الطريق أصلية وتبعية بخلاف ما إذا لم يكن واسعا فإنه شفعة واحدة في المجموع خالية عن الدليل ، بل ظاهر الأدلة خلافها ، فتأمل جيدا.

هذا وربما ظهر مما سمعته من التذكرة من وحدة الشريك اعتبار ذلك في صحة الشفعة في الفرض بناء على عدم ثبوتها في الكثرة ، ولعله كذلك وإن تردد فيه بعض المعاصرين ، لكنه في غير محله ، لما تسمعه من الأدلة في اعتبار ذلك في الشفعة من غير فرق بين الفرض وغيره.

ودعوى ظهور سؤال الصحيح المزبور في التعدد مضافا إلى معروفية ذلك في الطرق المرفوعة واضحة الفساد ، إذ يمكن أن يكون ترك التعرض للسؤال المزبور للتقية ، كما في غيره من النصوص الظاهرة في ذلك ، أو على المجاز جمعا بينه وبين ما دل على عدمها مع الكثرة ، وتعارف التعدد في الطرق المرفوعة لا يقتضي ثبوت الشفعة فيها كما هو واضح.

واحتمال خروج الفرض بخصوصه عن حكم الكثرة في غاية البعد ، خصوصا بعد إطلاق الأصحاب من دون إشارة إلى استثنائه كما ستعرف ، والله العالم. هذا كله في بيع الأرض مع الطريق أو الشرب.

( و ) أما ( لو أفردت الأرض المقسومة بالبيع لم تثبت الشفعة في الأرض ) بلا خلاف ولا إشكال ، مضافا إلى الصحيح (١) ( و ) الموثق (٢) المزبورين.

نعم ( تثبت في الطريق أو الشرب إن ) بيعا و ( كان ) كل منهما ( واسعا يمكن قسمته ) بناء على ما عرفته من اعتبار ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٣.

٢٦٣

في الشفعة ، وإلا ثبتت وإن لم يقبلا كما عرفت البحث فيه سابقا.

بقي شي‌ء : وهو أن ظاهر المعظم إلحاق الشرب بالطريق في الحكم المزبور وإن كنا لم نجده في نصوصنا ، بل ولا في نصوص العامة ، فإن كان إجماعا وإلا كان محلا للإشكال ، خصوصا بعد ما عرفت من أصالة عدم الشفعة في غير الفرض فضلا عنه ، وعلى الأول ينبغي الاقتصار على النهر والساقية ، لأنه المتيقن منه ، كما عساه يومئ إليه تعبير المصنف به هنا ، ثم نفاها بعد ذلك عن المقسوم إلا مع الشركة في الطريق والنهر.

كما أنه في التذكرة جعل العنوان النهر والساقية ثم قال : « ولو كانت المزرعة مختصة وبئرها التي الزرع منها مشتركة حتى بيعت المزرعة والبئر ففي ثبوت الشفعة في المزرعة بمجرد الشركة في البئر إشكال ينشأ من الاقتصار على مورد النص فيما يخالف الأصل ، ولا شك في مخالفة الشفعة للأصل ، ومن أنها مشتركة في المستقي ، والشافعي ألحق الشركة في البئر بالشركة في الممر ».

قلت : لا يخفى عليك ما في الوجه الثاني بعد فرض عدم الدليل عليه ، بل مطلق الشرب إن لم يكن إجماعا ، ولم نتحققه ، خصوصا بعد ما سمعته من الاقتصار على الطريق في الكتب السابقة.

ومن ذلك يعلم عدم ثبوتها في الدار بالشركة في أس الجدار ونحوه للأصل المعتضد بظاهر النص والفتوى وإن ثبتت فيه نفسه.

بل لا يخفى عليك أن المتجه بملاحظة ما ذكرنا من أصالة عدم الشفعة وخصوصا في صورة الاشتراك في الطريق الحكم بعدمها في محال الشك حتى لو فرض حصوله ببيع بعض الدار مثلا وبعض الطريق ونحوه من الصور لم يحكم بها ، باعتبار كون المنساق من النص بيع الدار مع تمام‌

٢٦٤

ممرها. اللهم إلا أن يفرض القطع بعدم مدخلية ذلك أو الظن على وجه معتد به.

ومن ذلك أيضا الشركة في الطريق أو النهر مع كون الدار وقفا والأخرى طلقا على البحث الذي تسمعه فيما يأتي إنشاء الله ، والله العالم.

( ولو باع عرصة مقسومة ) مثلا ( وشقصا من أخرى ) غير مقسومة ( صفقة فالشفعة في الشقص خاصة بحصته من الثمن ) وهكذا الحكم في كل بيع مشفوع وغيره صفقة بلا خلاف ولا إشكال ، بل حكي الإجماع عليه صريحا وظاهرا ، لوجود المقتضي فيه على وجه يندرج في إطلاق الأدلة دون غيره ، واتحاد الصفقة لا يخرج كلا منهما عن حكمه.

بل لا خيار للمشتري كما صرح به المصنف وغيره فيما يأتي ، لإقدامه على البعض لو صار ، ولأنه حدث سبب التبعيض في ملكه.

بل مقتضى التعليل الثاني الذي ذكره المصنف وغيره فيما يأتي عدم الفرق في ذلك بين الجاهل والعالم.

فما في بعض الكتب من ثبوت الخيار مع الجهل اشتباه ، منشأه تخيل كون المقام من أفراد خيار تبعيض الصفقة المشروط بالجهل ، لكن ستسمع فيما يأتي عن الأردبيلي احتمال ثبوته مع الجهل قائلا : إنه أشار إليه المحشي.

ولا فرق بين كون غير المشفوع من مصالح المشفوع كبقر الضيعة وعدمه ، خلافا لمالك.

والمراد بنسبة قيمته من الثمن أن يقوم المجموع ثم يقوم المشفوع فينسب قيمته إلى مجموع القيمتين ، فيأخذ من الثمن بتلك النسبة ، فإذا قيل قيمة المجموع مثلا ماءة وقيمة المشفوع خمسون أخذه الشفيع بنصف الثمن ، وهكذا. والله العالم.

٢٦٥

( و ) كيف كان فلا خلاف معتد به في أنه ( يشترط ) في ثبوت الشفعة ( انتقال الشقص بالبيع ، فلو جعله صداقا أو صدقة أو هبة أو صلحا فلا شفعة ) بل حكى الإجماع عليه جماعة ، ولعله كذلك ، لأن خلاف ابن الجنيد في ذلك حيث أثبتها في الهبة بعوض وغيره غير قادح في محصل الإجماع فضلا عن محكيه ، وفي محكي المبسوط إجماع الفرقة وأخبارها على عدم الشفعة في الصداق.

ويدل عليه ـ مضافا الى ذلك وإلى الأصل المزبور ـ مفهوم‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسن الغنوي (١) السابق : « الشفعة في البيوع ». بل وقوله عليه‌السلام في مرسل يونس (٢) : « الشفعة جائزة في كل شي‌ء. إذا كان الشي‌ء بين شريكين فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره ». بل وغير ذلك من النصوص الظاهر في القيدية التي هي أقوى من غيرها دلالة.

واحتمال ورود هذه المفاهيم مورد الغالب في بعض والسؤال في آخر فلم تبلغ درجة الحجية يدفعه أنه واضح المنع ، خصوصا بعد ملاحظة الانجبار بما عرفت.

وإلى خصوص‌ صحيح أبي بصير (٣) عنه عليه‌السلام أيضا في خصوص الصداق « سألته عن رجل تزوج امرأة على بيت في دار وله في تلك الدار شركاء ، قال : جائز له ولها ، ولا شفعة لأحد من الشركاء عليها » بناء على ظهور نفيها من حيث كونه صداقا لا من حيث تعدد الشركاء ولو بملاحظة الانجبار.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

٢٦٦

ومن الغريب بعد ذلك ما في المسالك وبعض أتباعها من أنه « لا دليل صريح للمشهور ، وإنما تضمنت الروايات ذكر البيع ، وهو لا ينافي ثبوتها بغيره ، ومن ثم خالف ابن الجنيد ، فأثبتها بمطلق النقل حتى بالهبة بعوض وغيره ، لما أشرنا إليه من عدم دليل يقتضي التخصيص ، ولاشتراك الجميع في الحكمة الباعثة على إثبات الشفعة ، وهو دفع الضرر عن الشريك ، ولو خصها بعقود المعاوضات كما يقوله العامة كان أقعد ، لأن أخذ الشفيع للموهوب بغير عوض بعيد ، وبه خارج عن مقتضى الأخذ » إلى آخره.

إذ هو كما ترى ـ بعد الإغضاء عما فيه من عدم صحة النقل المزبور عن ابن الجنيد ـ يمكن منع الاشتراك في وجه الحكمة ، وعلى تقديره لا يعارض ما سمعته من الأدلة ، كإطلاق ما دل على ثبوتها بعد تسليمه على وجه يشمل الفرض ، لاحتمال كونه مساقا لغير ذلك ، والله العالم.

( ولو كانت الدار ) بعضها ( وقفا وبعضها طلقا فبيع الطلق لم يكن للموقوف عليه شفعة ولو كان واحدا ) كما في النافع والدروس والرياض ومحكي المبسوط ، بل في الأخير نفي الخلاف فيه ، وفي سابقه عن الحلي نسبته إلى الأكثر ، ولعله الأقوى ( لأنه ليس مالكا للرقبة على الخصوص ) وإن كان واحدا حال بيع الشريك ، ضرورة قصد الواقف تمليك الموقوف عليهم في سائر الطبقات ، ولذا يتلقون منه لا من الموقوف عليه الأول ، وخصوصا إذا كان الواحد المزبور من أفراد غير المنحصر ابتداء إلا أنه اتفق الانحصار فيه ، كما لو كان الوقف على بني زيد فاتفق انحصار ذلك في واحد ، فان التمليك للجنس حينئذ.

وعلى كل حال فلا ريب في الشك في الاندراج في إطلاق أدلة الشفعة التي قد عرفت أنها على خلاف الأصل إن لم يكن الأظهر عدم الاندراج ، خصوصا مع ملاحظة القيدية في مرسل يونس التي منها ظهور‌

٢٦٧

كون الشركة بينهما على وجه يكون لكل منهما بيع نصيبه.

( وقال المرتضى ) في الانتصار ما حاصله أنها ( تثبت الشفعة ) للموقوف عليه مطلقا ، قال ما نصه : « مما انفردت الإمامية به القول بأن لإمام المسلمين وخلفائه المطالبة بشفعة الوقوف التي ينظرون فيها على المساكين أو على المساجد أو على مصالح المسلمين ، وكذلك كل ناظر بحق في وقف من وصي وولي » وادعى على ذلك كله الإجماع ، وقال أيضا : « إنه من متفرداتنا ، وإن باقي الفقهاء يخالفون ».

ثم قال : « ويمكن أن يقال للمخالف على سبيل المعارضة له :الشفعة إنما وجبت لدفع الضرر ، فأولى الأشياء بأن يدفع عنها الضرر حقوق الفقراء ووجوه القربات ، فان قالوا : الوقوف لا مالك لها فيدفع الضرر عنه بالمطالبة بشفعته قلنا : إذا سلم أنه لا مالك لها فهاهنا منتفع بها ومستضر يعود إلى المشاركة فيها ، وهم أهل الوقوف ، ومصالح المسلمين إنما يجب دفع الضرر عنها مثل ما يجب من دفع الضرر على الآدميين ».

وفيه لا يخفى بناء على انتقال الموقوف في مثل ذلك إلى الله تعالى شأنه ، ضرورة عدم اندراجه حينئذ في أدلة الشفعة ، بل وعلى القول بكونه ملكا للمسلمين ، بناء على عدم ثبوت الشفعة مع الكثرة الذي قد اعترف هو به في الكتاب المزبور ، بل قد عرفت الشك في الاندراج في إطلاق الشفعة مع الاتحاد ابتداء فضلا عن غيره ، ولعله لذا لم يثبتها العامة وإن قالوا بها مع الكثرة. ومن هنا جزم غيره بخلاف ما ذكره.

ومنه يعلم ما في دعوى إجماعه المزبور الذي لم نجد من وافقه عليه لا قبله ولا من تأخر عنه ، عدا ما يحكى عن التقي تلميذه ، ولم نتحققه. لما قيل من أنه لم نجده في الكافي ، بل عن السرائر أن الأكثرين على‌

٢٦٨

خلافه ، بل قد سمعت ما عن الشيخ من نفي الخلاف عن ذلك ، بل قيل إن ظاهره نفيه بين المسلمين.

نعم في الدروس وغيرها أن المتأخرين على ثبوتها مع كون الموقوف عليه واحدا ، لأنه مالك حينئذ على المشهور ، بل لم يعرف فيه خلاف ، فيندرج في إطلاق الأدلة ، ولا مانع إلا كونه محجورا عليه في التصرف ، وذلك لا ينافي كونه مالكا مقاسما ، ولذلك ثبت لغيره ممن هو محجور عليه في التصرف ، كما لا ينافيه الانتشار بعد ذلك ، كانتشار المملوك بالبيع والموت ونحوهما ، مضافا إلى الاشتراك في الحكمة أو العلة.

إلا أن ذلك كله كما ترى لا ينافي انسياق غيره من الأدلة ، بل قد يشك في ثبوتها لذي الطلق لو فرض بيع الوقف على وجه يصح وإن قال في المسالك : « لا إشكال في ثبوتها حينئذ ، لوجود المقتضى وانتفاء المانع » ضرورة إمكان منع وجود المقتضى عليه بعد انسياق غير ذلك من الأدلة ، وخصوصا في الوقف العام أو الخاص مع تعدد الشركاء.

وكأنه تبع في ذلك ما في جامع المقاصد ومحكي التحرير من التصريح بالجواز ، بل في الدروس القطع بذلك ، ولم يذكر أحد منهم التقييد بالواحد ، بل ظاهر المسالك وجامع المقاصد ثبوتها على كل حال ، وفيه منع واضح ، والله العالم.

٢٦٩

( المقصد الثاني )

(في الشفيع وهو )

مع قيوده المتفق عليها إلا من نادر ( كل شريك ) ولو في الطريق أو النهر ( بحصة مشاعة ) على جهة الطلق ( قادر على الثمن ) فعلا أو قوة دافع له غير مماطل ولا هازل.

( و ) مع ذلك ( يشترط فيه الإسلام إذا كان المشتري مسلما ) وأما قابلية القسمة والاتحاد فلا اتفاق عليهما ، أما الأول فلما عرفت ، وأما الثاني فستعرف الكلام فيه.

وحينئذ ( فلا يثبت الشفعة بالجوار ) عندنا ، وفي المسالك أنه مذهب الأصحاب إلا العماني ، بل في المفاتيح لا خلاف فيه منا ، فلم يعده مخالفا ، ولعله لشذوذه كما في الدروس ، بل عن الخلاف والغنية والسرائر الإجماع عليه. وهو كذلك ، بل يمكن دعوى القطع به أيضا من النصوص (١) المتفقة على اعتبار الشركة في الشفعة ولو في الطريق.

ويمكن حمل كلامه على خصوص ذلك ، فإن المحكي عنه أنه‌ قال : « لا شفعة لجار مع الخليط » وهو بمفهومه يقتضي ثبوتها للجار في الجملة فيمكن إرادته ما ذكرنا ، لا مطلق الجوار المحكي عن أبي حنيفة وجماعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ و ٤ ـ من كتاب الشفعة.

٢٧٠

من العامة ، للنبوي المروي في طرقهم (١) « أن الجار أحق بالشفعة » أو « بشفعته » الذي أجيب عنه باحتمال كون الإضمار فيه أنه أحق بالعرض عليه لا الأخذ بالشفعة.

وإن كان هو كما ترى يمكن إرادة الشريك من الجار فيه ، خصوصا بعد ملاحظة معارضته لغيره ، وخصوصا بعد ما رووه عن‌ عمر بن الثريد عن أبيه (٢) قال : « بعت حقا من أرض لي فيها شريك ، فقال شريكي :أنا أحق بها ، فرفع ذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : الجار أحق بشفعته » أو « بالشفعة » وخصوصا بعد التوسعة في إطلاق الجار على الزوجة باعتبار الاشتراك في العقد ( و ) إن بعدت عنه في المكان.

بل ( لا ) شفعة ( فيما قسم وميز إلا مع الشركة في طريقه أو نهره ) على الوجه الذي عرفته سابقا ، بلا خلاف أجده إلا منه أيضا ؛ كما اعترف به غير واحد ، بل لعل ما سمعته من الإجماع على نفيها بالجوار يدل عليه ، بل لا ريب في لحوقه بالإجماع إن لم يكن قد سبقه أيضا.

بل لعله كذلك خصوصا بعد ملاحظة المقطوع به من النصوص إن لم يكن المتواتر في اعتبار الشركة وعدم القسمة في الشفعة من‌ قولهم عليهم‌السلام : « لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما » (٣) و « لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم » (٤). و « الشفعة لا تكون إلا لشريك » (٥). و « الشفعة لكل شريك لم يقاسمه » (٦). و « إذا وقعت السهام ارتفعت الشفعة » (٧). و « إذا أرفت الأرف وحدت الحدود فلا شفعة » (٨) وغير ذلك ، والله العالم.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٠٦. وكنز العمال ـ ج ٤ ص ٢ ـ الرقم ١٤ و ١٧.

(٢) ذكر ذيله في سنن البيهقي ج ٦ ص ١٠٥ عن عمرو بن الشريد عن أبيه. وفيه‌ « الجار أحق بسقبه » ‌

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٤.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٥.

٢٧١

( و ) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال بين العامة والخاصة نصا وفتوى في أنها ( تثبت بين شريكين ).

( و ) لكن الكلام في أنها ( هل تثبت لما زاد عن شفيع واحد؟ ) ففي المتن ( فيه أقوال : أحدها : نعم تثبت مطلقا على عدد الرؤوس. والثاني : تثبت في الأرض مع الكثرة ، ولا تثبت في العبد إلا للواحد. والثالث : لا تثبت في شي‌ء مع الزيادة على الواحد ).

( وهو أظهر ) وأشهر ، بل المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا بل هي كذلك كما ستعرف.

بل لم نعرف القول الأول لأحد منا ، إذ المحكي عن ابن الجنيد في الانتصار أنه يوجب الشفعة في العقار فيما زاد على اثنين ، وإنما يعتبر الاثنين في الحيوان خاصة ، نعم في المختلف بعد أن حكى عن الصدوق التفصيل المزبور قال : « وكذا اختار ابن الجنيد ثبوت الشفعة مع الكثرة ، ويمكن أن يريد التفصيل أيضا ، فلا يكون حينئذ قائل منا بالقول المزبور وعلى تقديره فهو أبو علي خاصة ».

وأما الثاني فلا أجد قائلا به أيضا ، إذ الصدوق قد استثنى الحيوان فإنه بعد أن ذكر‌ خبر طلحة بن زيد (١) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « الشفعة على عدد الرجال » قال : « وسئل الصادق عليه‌السلام عن الشفعة لمن هي؟ وفي أي شي‌ء؟ وهل تكون في الحيوان شفعة؟ وكيف هي؟ قال : الشفعة واجبة في كل شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه ، فشريكه أحق به من غيره ، فان زاد على اثنين‌

__________________

(١) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٥ وذكره في الفقيه ج ٣ ص ٤٥ ـ الرقم ١٥٦.

٢٧٢

فلا شفعة لأحد منهم (١) ـ ثم قال ـ : قال مصنف هذا الكتاب : يعني بذلك الشفعة في الحيوان وحده ، فأما في غير الحيوان فالشفعة واجبة للشركاء وإن كانوا أكثر من اثنين ، وتصديق ذلك ما رواه‌ أحمد بن محمد ابن أبي نصر عن عبد الله بن سنان (٢) قال : سألته عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم بيع نصيبه ، قال : يبيعه ، قلت : فإنهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه ، فلما أقدم على البيع قال له شريكه : أعطني ، قال هو أحق به ـ ثم قال ـ : قال عليه‌السلام : لا شفعة في حيوان إلا أن يكون الشريك فيه واحدا » وهو كالصريح فيما حكيناه عنه ، فلم يكن حينئذ قائل منا بالقول المزبور أيضا.

فمن الغريب ما عن صاحب الكفاية من اختيار القول المزبور ، وأغرب منه ما سمعته من الصدوق الذي حمل مرسل يونس (٣) المزبور المشتمل صريحا على الحيوان وغيره على ما عدا الحيوان.

وأغرب من ذلك استشهاده على ما تخيله أنه جمع بين النصوص بالصحيح المزبور ، ولعله لذا وافق في المقنع المشهور ، كالمحكي عن أبيه في رسالته وفي الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه‌السلام بناء على أنه له.

وحينئذ فيكون القول الثالث خيرة الصدوقين والشيخين وعلم الهدى وسلار وأبى الصلاح وبني حمزة والبراج وزهرة وإدريس والراوندي والطبرسي والكيدري والفاضلين والشهيدين والكركي والأردبيلي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم.

بل في الانتصار ومحكي الغنية والسرائر والتنقيح الإجماع عليه ، بل في الأول منها ومحكي الخلاف والمبسوط أنه من متفرداتنا ، وأنه لم يوافقنا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

٢٧٣

عليه أحد ، بل في الانتصار أيضا أن الإجماع سبق ابن الجنيد ، فلا اعتبار بخلافه.

ويدل عليه ـ مضافا إلى ذلك وإلى الأصل ومرسل يونس (١) ونصوص (٢) المملوك والحيوان ولو على القول بثبوت الشفعة فيهما وما عن الفقه المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام ـ صحيح عبد الله بن سنان (٣) « لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما ، فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة ».

ولا معارض لذلك إلا خبرا السكوني (٤) وطلحة بن زيد (٥) « الشفعة على عدد الرجال » و « على الرجال » وهما ـ مع الطعن في سنديهما وموافقتهما لإطباق العامة ـ محتملان لما في الانتصار من إرادة وجوبها بالشركة ، سواء زادت السهام أو نقصت ، بعد حمل لفظ « الرجال » و « الشركاء » ـ إن لم نقل بكون الجمع حقيقة في الاثنين فصاعدا ، أو بإرادة المجاز منه ، نحو قوله تعالى (٦) ( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ ) ـ على إرادة الشركة في الأملاك الكثيرة ، لا في الملك الواحد.

ثم قال : « وأما الخبر الذي وجد في روايات أصحابنا أنه إذا سمح بعض بحقوقهم من الشفعة فإن من لم يسمح بحقه على قدر حقه فيمكن أن يكون تأويله أن الوارث لحق الشفعة إذا كانوا جماعة ـ فان الشفعة عندنا تورث ـ متى سمح بعضهم بحقه كانت المطالبة لمن لم يسمح ، وهذا لا يدل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة الحديث ٥.

(٥) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٥ وذكره في الفقيه ج ٣ ص ٤٥ ـ الرقم ١٥٦.

(٦) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١١.

٢٧٤

على أن الشفعة في الأصل لأكثر من شريكين ».

وإلا ما يوهمه خبرا منصور بن حازم (١) المتقدمان المحمولان أيضا على التقية أو غيرها مما عرفت كخبر عقبة بن خالد (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة بين الشركاء ».

ومن الغريب بعد ذلك كله ما في المسالك وبعض أتباعها من الوسوسة في الحكم المزبور ، فإنه بعد أن ذكر في الأولى النصوص للطرفين وأنه يمكن أن يقال : إنه مع تعارض الروايات الصحيحة تتساقط ويرجع إلى حكم الأصل قال : « وفيه نظر ، لمنع التعارض ، لأن هذه الروايات أكثر وأوضح دلالة ، لأن رواية ابن سنان (٣) التي هي عمدة الباب لا صراحة فيها ، حيث إنه أثبت الشفعة للشريكين باللام المفيدة للاستحقاق أو ما في معناه ، والمطلوب لا يتم إلا إذا أريد ثبوتها بين الشريكين لا لهما ، ولا ينافيه قوله : ولا تثبت لثلاثة ، إذ لا قائل بالفرق بين الاثنين والثلاثة ، ولجواز إرادة عدم استحقاق كل واحد من الثلاثة بخصوصه دون الآخر ، وهذا وإن كان خلاف الظاهر إلا أن فيه طريقا للجمع مع أن رواية منصور (٤) أصح طريقا ، ومقيدة لرواية ( ومؤيدة برواية خ ل ) ابن سنان الآتية (٥) ».

وهو من غرائب الكلام ، وكأن الذي أوقعه في ذلك ما في مختلف الفاضل ، فإنه بعد أن ذكر المسألة بتمامها قال : « وقول هؤلاء لا يخلو من قوة لصحة حديث منصور بن حازم (٦) وادعاء ابن إدريس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٢٧٥

الإجماع على سقوطها مع الكثرة خطأ ».

ولا يخفى عليك ما فيه ، خصوصا حكمه بخطإ الإجماع المزبور الذي هو مع شهادة التتبع له قد سبقه إليه من تقدمه ووافقه عليه من تأخر عنه ، وصحيحة منصور لم يذكر فيها حكم الكثرة وإنما فيها ثبوت الشفعة مع اللفظ الموهم لها ، فكيف تصلح معارضة لما ذكر فيه الحكم صريحا ، ولعله لذا جزم في الروضة بموافقة المشهور ، وهو فيها أفقه منه في المسالك كما لا يخفى على من لاحظهما.

ثم إن المنساق من الأدلة والفتاوى عدم الشفعة مع الكثرة السابقة على عقد البيع ، كما لو كان الشي‌ء مشتركا بين ثلاثة فيبيع أحدهم نصيبه.

أما إذا كانت لاحقة كما لو كان الشي‌ء مشتركا بين اثنين فباع أحدهما نصيبه على اثنين دفعة أو ترتيبا ثم على الشريك بذلك فالظاهر ثبوتها كما عن الشهيد في حواشيه.

وفي الدروس « لو باع أحد الشريكين بعض نصيبه من رجل ثم باع الباقي من آخر فعلى المشهور للشريك الأخذ منهما أو يترك ، وعلى الكثرة له أخذ نصيب الأول والثاني ، وفي مشاركة الأول له أوجه : المشاركة لأنه كان شريكا عند العقد ، وعدمها لأن ملكه مستحق للشفعة ، والتفصيل إن عفي عنه شارك ، لقرار ملكه ، ويشكل بأن القرار إنما حصل بعد استحقاق الشريك الشفعة ، فلا يكون مقاوما للقار أولا ، ويضعف بأن حقيقة الملك سابقه » وكلامه الأول صريح في ثبوتها على القول بالاتحاد.

بل ظاهر الفاضل في القواعد المفروغية من ذلك ، قال فيها في التفريع على القول بالكثرة : « ولو باع الشريك نصف الشقص لرجل ثم الباقي لآخر ثم علم الشفيع فله أخذ الأول والثاني وأحدهما ، فإن أخذ الأول لم يشاركه الثاني ، وإن أخذ الثاني احتمل مشاركة الأول ، وعلى ما‌

٢٧٦

اخترناه من سقوط الشفعة مع الكثرة للشفيع أخذ الجميع وتركه ».

وكأنه لما ذكرناه من اندراج الفرض في إطلاق الأدلة ، ضرورة صدق اتحاد الشريك ، بل لو كان مثله مسقطا للشفعة لما أغفلوه ، إذ ليس هو من النادر.

بل لعل الاتحاد المزبور هو وجه تخييره بين أخذ الجميع وتركه ، ضرورة كونه كالشفعة الواحدة التي لا تتبعض ، وبيع الشريك من شخصين ولو على التعاقب لا يرفع ظهور الأدلة في عدم التبعيض المزبور.

والمراد توجيه كلامه بما ذكرناه ، وإلا فللمانع أن يمنع التبعيض في الفرض باعتبار تعدد البيع المقتضي لتعدد الاستحقاق ، كما يظهر لك فيما لو فرض علم الشريك ببيع بعض نصيبه من المشتري الأول فشفع فيه ، ثم بعد ذلك باع شريكه ما بقي من نصيبه لآخر مثلا ، فان لشريكه عدم الشفعة ، ولا يكون ذلك تبعيضا.

واحتمال الفرق بين ذلك وبين محل البحث لصدق التبعيض فيه دون الفرض المزبور لا منشأ له على وجه يرجع إلى محصل بعد فرض ثبوت الاستحقاق للشريك بالبيع الأول ، سواء حصل الثاني أو لم يحصل ، فهما حينئذ سببان لا مدخلية لأحدهما في الآخر.

واحتمال عدم ثبوت الشفعة إلا مع بيع تمام النصيب ولو من اثنين فلا يتحقق شفعة ببيع بعض النصيب خاصة لا أظن أحدا يلتزمه ، فتأمل جيدا ، فإن الأمر لا يخلو من خفاء ، وإن كان القول بأن له أخذ الجميع والبعض وليس هو من التبعيض ـ خلاف ما سمعته من الفاضل ـ لا يخلو من قوة.

ولكن على كل حال من التأمل فيما ذكرنا يظهر النظر فيما في جامع المقاصد ، حيث إنه وجه كلام الفاضل بأنه « إذا أخذ الجميع لم تتكثر‌

٢٧٧

الشفعاء ، فلم يتحقق المنافي ، بخلاف ما إذا أخذ البعض ».

إذ لا يخفى عليك ما فيه كما اعترف هو به من أنه إنما يجي‌ء هذا المحذور لو أخذ من الثاني ، أما إذا أخذ من الأول خاصة فلا يتكثر الشفعاء حينئذ لعدم شفعة للثاني.

بل قد يقال : إنه لو أخذ الجميع فللأول الشفعة في نصيب الثاني على الاحتمال الذي ذكر ، لأنه كان شريكا ومستحقا في وقت البيع للثاني فلا يزول استحقاقه بأخذ ملكه ، فلا يتم ما ذكره.

وأيضا فإنه في وقت البيع الثاني كان المشتري الأول مالكا قطعا ، فان استحق الشفعة بملكه ثبت مع تعدد الشركاء والشفعاء ، وإن لم يستحق مع كونه شريكا تخلف الأثر.

نعم على القول بأن كون ملكه مشفوعا ينافي استحقاقه لا إشكال ، كما أنه لا إشكال في الأول أيضا بناء على اعتبار بقاء الملك للشفيع في الشفعة ، فمع فرض أخذ الشريك الأول الجميع لم تكن شفعة للمشتري الأول لانتقال ملكه عنه.

بل لعل صحيح النظر يقتضي عدم الشفعة له أصلا ، لوجود المانع بالنسبة إليه ، وهو الكثرة ، بخلاف الأول الصادق عليه الاتحاد بملاحظة شركته مع البائع التي بها اندرج في إطلاق الأدلة ، بخلاف المشتري الأول الذي تحقق معه كثرة الشركاء بشركة البائع وشريكه الأول.

وأما المناقشة في أصل ثبوت الشفعة للشريك الأول ـ بأن‌ قوله عليه‌السلام في صحيح عبد الله بن سنان (١) السابق : « فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة » يقتضي منع الكثرة اللاحقة كالسابقة ـ فيدفعها ظهور إرادة معنى الكون من الصيرورة في المقام ولو بملاحظة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٢٧٨

غيره من النصوص إن لم يكن ذلك هو المنساق ، فتأمل جيدا. وربما يأتي إنشاء الله تعالى لذلك تتمة.

وكيف كان فالمتجه على القول بثبوت الشفعة مع الكثرة أن تكون على الرؤوس لا السهام ، كما عن الصدوق ، لما سمعته من خبري طلحة (١) والسكوني (٢) ولأن سبب الاستحقاق الشركة في الجملة ولو بأقل جزء ولذا لو انفرد ذو الحصة القليلة أخذ الكل كذي الحصة الكثيرة ، وليس ذلك إلا من جهة كون السبب الشركة ، والأصل عدم التفاضل.

ولا ينافي ذلك التوزيع في تعلق الديون على قدرها دون الرؤوس بعد اختصاصه بالدليل الكاشف عن كون التعلق من جهتها ، لا أصل الدينية المشتركة بين القليل والكثير ، بخلاف المقام.

خلافا للمحكي عن أبي علي فجعلها على قدر السهام ، ولكن قال : « ويجوز قسمتها على عدد الرؤوس » ومقتضاه التخيير.

واحتجوا له بأن المقتضي للشفعة الشركة ، والمعلول يتزايد بتزايد علته وينقص بنقصها إذا كانت قابلة للقوة والضعف.

وفيه ( أولا ) أنه لا يقتضي التخيير ، و ( ثانيا ) منع التزايد إذا لم يظهر من الأدلة ، إذ لعل أصل الشركة هي العلة ، من غير فرق بين قلة النصيب وكثرته ، ومن هنا كان القول الأول أصح كما اعترف به غير واحد ، والله العالم.

( و ) كيف كان فلا خلاف كما عن غير واحد الاعتراف به في أنه ( تبطل الشفعة بعجز الشفيع عن ) دفع ( الثمن ) مع عدم رضا المشتري بالصبر ، وأنه لا يكفي بذل الضامن والرهن والعوض ، بل ربما كان ظاهر المسالك في أول تعريف الشفيع أو صريحها الاتفاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٥.

٢٧٩

على اعتبار القدرة عليه فيه الذي لا ريب في منافاة العجز لها ، وفي مجمع البرهان « دليل اشتراط القدرة في الشفعة على الثمن ولو بالقرض وبيع شي‌ء وسقوطها مع العجز يمكن أن يكون إجماعا ».

قلت : وقد يدل عليه في الجملة ـ مضافا إلى ذلك وإلى الأصل ـ فحوى‌ حسن علي بن مهزيار (١) « سألت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام عن رجل طلب شفعة أرض فذهب على أن يحضر المال فلم ينض ، فكيف يصنع صاحب الأرض إذا أراد بيعها ، أيبيعها أو ينتظر مجي‌ء شريكه صاحب الشفعة؟ قال : إن كان معه في المصر فلينتظر به إلى ثلاثة أيام ، فإن أتاه بالمال ، وإلا فليبع وبطلت شفعته في الأرض ، وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف وزيادة ثلاثة أيام ، فإن وفاه وإلا فلا شفعة له ».

وإن قيل : هو ظاهر في الشفعة قبل البيع ، لأن المراد بصاحب الأرض الشريك الأصلي الذي هو البائع إلا أن الأصحاب قاسوا حال المشتري عليه ، لكن قد يمنع ظهوره في ذلك كما عساه يشهد له قوله : « طلب شفعة أرض » فإن الشفعة حقيقة لغة وعرفا : الاستحقاق بعد البيع ، بل قيل : المراد حينئذ بالطلب الأخذ بها ، بل لعل البطلان أيضا ظاهر في ذلك ، وحينئذ يكون المراد بصاحب الأرض المشتري.

بل لو قلنا بإرادة المعنى الحقيقي من الطلب فيه لا الأخذ كان المراد أنه أرادها ومضى ليحضر الثمن ليحصل استحقاق الأخذ بها أو التملك على حسب ما سمعته في اعتبار سبق دفع الثمن كان أيضا دالا على المطلوب ، فتأمل جيدا.

بل في الرياض « هذا مع احتمال أن يكون الإلحاق على تقدير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٢٨٠