جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

يدفعه ( أولا ) أن المسألة عندهم عامة لما إذا كان البائع عالما أو لا وإن فرضت في المقام مخصوصة. ( وثانيا ) مبني الضمان عندهم أن فعل البائع من التسبيب الذي ترتب عليه فعل المشتري ، سواء كان البائع عالما أولا ، كتسبيب حفر البئر للتردي فيها وإن لم يقصد الحافر ذلك ولا علمه.

وفيه إمكان منع التسبيب المقتضي للضمان فضلا عن كون القرار عليه ، خصوصا بعد ملاحظة ما ذكرنا من أن مقتضى الاقدام على المعاوضة ذلك ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

هذا كله بالنسبة إلى الثمن. ( و ) أما ( ما يغترمه ( ما يغرمه خ ل ) المشتري مما لم يحصل له في مقابلته نفع كالنفقة والعمارة ) إذا نقضها المالك ( فله الرجوع به على البائع ) الذي هو الغاصب ، لأنه دخل على أن يكون ذلك له بغير غرم ، وإنما جاء الضرر من تغرير الغاصب ، وكذا القول في أرش نقصانه ، وظاهرهم عدم الخلاف فيه ، معللين له بالغرور الذي هو من السبب المقتضي للضمان مقدما على غيره مما هو أضعف منه.

وهو إن تم إجماعا فذاك ، وإلا كان للنظر فيه مجال لا يخفى عليك وجهه بعد الإحاطة بما ذكرناه من منع مثله سببا يقتضي الضمان على وجه يقدم على مباشرة المشتري ، مضافا إلى اقتضاء معنى كون البيع عقد ضمان على الوجه الذي ذكرناه ذلك أيضا ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

( و ) من ذلك ما ( لو ) كان المبيع جارية فـ ( ـأولدها المشتري كان ) الولد ( حرا ) قطعا ، لأنه ولد شبهة من الحر ، فيلحق بأبيه ( و ) إن ( غرم قيمة الولد ) للمالك باعتبار أنه نماء ملكه وقد أتلفه عليه.

١٨١

( و ) لكن ( يرجع بها على البائع ) الغاصب كما صرح به في الموثق (١) ولأنه أقدم على أن يسلم له الولد حرا من غير غرامة.

والكلام في تخيير المالك كغيره من مسائل الغرور. فقيل : لا يرجع المالك إلا على الغاصب باعتبار كونه الغار. ( وقيل في هذه : له مطالبة أيهما شاء ، لكن لو طالب المشتري ) المغرور ( رجع ) بها ( على البائع ) الغاصب الغار ( ولو طالب البائع لم يرجع ) بها ( على المشتري ) لأن قرار الضمان عليه ، لأنه أقوى.

( وفيه احتمال آخر ) وهو ـ كما في المسالك ـ إلحاق عوض الولد بما حصل له نفع في مقابلته كالمهر ، لأن نفع حرية الولد يعود إليه.

ويمكن أن يريد به احتمال عدم التخيير ، بل يتعين رجوع المالك ابتداء على البائع بناء على كونه الغار ، نحو ما سمعته فيمن قدم إلى غيره طعام الغير وأكله ، والأمر سهل خصوصا بعد ما عرفت من أن الأصح في تلك التخيير.

( أما ما حصل للمشتري في مقابلته نفع كسكنى الدار وثمرة الشجر والصوف واللبن فقد قيل : يضمنه الغاصب لا غير ، لأنه سبب الإتلاف ، ومباشرة المشتري مع الغرور ضعيفة ، فيكون السبب أقوى ، كما لو غصب طعاما وأطعمه المالك ) الذي قد عرفت الكلام فيه سابقا.

( وقيل : له إلزام أيهما شاء ، أما الغاصب فلمكان الحيلولة ، وأما المشتري فلمباشرة الإتلاف ، فإن رجع على الغاصب رجع على المشتري لاستقرار التلف في يده ، وإن رجع على المشتري لم يرجع على الغاصب ) لما عرفت من كون قرار الضمان عليه ، وهو المحكي عن الشيخ وابن إدريس.

( والأول أشبه ) عند المصنف هنا وفي كتاب التجارة ومحكي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء ـ الحديث ٥ من كتاب النكاح.

١٨٢

التنقيح ، لقوة السبب على المباشر ، بل لو قلنا بجواز رجوع المالك على المشتري باعتبار حصول التلف في يده كان له الرجوع على الغاصب للغرور. فإنه أقدم على أن تكون هذه المنافع له مجانا من غير دفع عوض فهو كما لو قدم إليه طعام الغير وأكله فرجع المالك عليه.

لكن لعل خلافهم هنا يومئ الى عدم تحقق قاعدة الغرور في المقام ، وإلا فلا مدخلية لحصول النفع في مقابلته ، إذ ليس هو بأعظم من أكل المغرور الطعام الذي قدم اليه ، ومع ذلك جزموا بكون الضمان أو قراره على الغار.

ولعله لذا قال في الرياض : « والقول بعدم الرجوع أوفق بالأصل مع عدم معلومية صلوح المعارض للمعارضة ، بناء على عدم وضوح دليل على ترتب الضمان على الغار بمجرد الغرور وإن لم يلحقه ضرر ، كما فيما نحن فيه بمقتضى الفرض ، لاستيفائه المنفعة في مقابلة ما غرمه ، والإجماع على هذه الكلية غير ثابت بحيث يشمل مفروض المسألة ، نعم ربما يتوجه الرجوع حيث يتصور له الضرر بالغرور ، كما إذا أخذت منه قيمة المنافع أزيد مما يبذله هو في مقابلتها من غير ملكه ونحو ذلك » وإن كان ما ذكره لا يخلو من نظر ، ضرورة عدم مدخلية التضمين بقاعدة الغرور في حصول الضرر وعدمه ، بل هو من باب قوة السبب على غيره ولو المباشرة.

نعم إنما المتجه ما ذكرناه من منع تحقق الغرور الذي يترتب عليه الضمان ، إذا المسلم منه ما يترتب فعل الغير على فعله من حيث المجانية ابتداء ، كالإباحة والهبة والعارية ونحوها ، بخلاف ترتب فعل المشتري هنا على زعم كونه مالكا الحاصل من وقوع عقد البيع مع البائع ، خصوصا مع جهل البائع بالحال كالمشتري ، فتأمل.

١٨٣

ولو كان المغصوب جارية بكرا فافتضها المشتري فرجع عليه بالعوض ففي المسالك في رجوعه به الوجهان ، لحصول نفع في مقابلته ، وأولى بعدم الرجوع هنا لو قيل به ثم ، لأنه بدل جزء فيها أتلفه ، فأشبه ما لو قطع عضوا من أعضائها ، وأما المنافع التي لم يستوفها وفاتت تحت يده فيرجع عليه بها ففي حكم ما لم يحصل له في مقابلته نفع وأولى بالرجوع ، لأنه لم يتلف ولا شرع في العقد على أن يضمنها.

قلت : لا يخفى عليك وجه الكلام في الأخير بعد الإحاطة بما ذكرناه إن لم يكن إجماعا والظن بعدمه ، فإن ملاحظة اختلافهم في مسألة الزيادة ومسألة ما كان له نفع في مقابله ومسألة حرية الولد وعدم خلافهم في الرجوع فيما يغرمه من النفقة والعمارة وفيما لا نفع له في مقابلة ما فات تحت يده وغير ذلك تقتضي عدم تنقيح المسألة عندهم على وجه تكون إجماعية ، وإن أمكن وجه الفرق بين مسألة الزيادة والغرامة بأن الزيادة من مقتضى ضمان المعاوضة الذي أقدم عليه ، فلا رجوع له بها ، بخلاف الغرامة ، فإنه خارجة عن المعاوضة ، وإنما تترتب على إيقاع البائع البيع ، كتقديم الطعام للأكل ، وإن كان فيه ما فيه أيضا كما لا يخفى عليك بعد التأمل فيما ذكرناه ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة : )

التي تقدم في كتاب البيع (١) والنكاح (٢) تفصيل الكلام فيها ، ولكن لا بأس بإعادته على الاجمال هنا ، فنقول ( لو غصب ) ‌

__________________

(١) راجع ج ٢٤ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٨.

(٢) راجع ج ٣٠ ص ٢٢٢.

١٨٤

غاصب ( مملوكة فوطأها فإن كانا ) معا ( جاهلين بالتحريم ) للجهل بتحريم الزنا مطلقا ، أو لتوهم حلها خاصة ، لدخولها بالغصب في ضمانه ، وإن كان لا تقبل دعواهما ذلك إلا مع احتمالها ، للقرب من عهد الإسلام ، أو للتولد في موضع بعيد منه ، أو لقصور في معرفة ذلك أو لظن أنها جاريته وأنه سيدها ، أو لغير ذلك ( لزمه مهر أمثالها ) كما عن المبسوط والسرائر والتحرير وجامع المقاصد وغيرها ( للشبهة ) المقتضية ضمان قيمة منفعة البضع المقدرة بذلك بعد عدم التقدير شرعا.

( وقيل ) كما عن بعض أصحابنا على ما في محكي السرائر :( عشر قيمتها إن كانت بكرا ، ونصف العشر إن كانت ثيبا ) بل هو خيرة الإرشاد والدروس هنا ، بل قد تقدم في كتاب النكاح (١) ما يستفاد منه قوته ، للنصوص المستفيضة حد الاستفاضة أو متواترة التي فيها الصحيح وغيره المشتملة على التعليل المستفاد منه عدم الاختصاص في المورد وعلى التفصيل الذي يحكم به على المطلق منها.

قال ابن سنان في الصحيح (٢) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى جارية لم يعلم بحبلها فوطأها ، قال : يردها على الذي ابتاعها ، ويرد عليه نصف عشر قيمتها ، لنكاحه إياها ».

وفي الكافي وفي رواية اخرى (٣) « إن كانت بكرا فعشر قيمتها وإن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها ».

وفي حسن عبد الملك بن عمر (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) راجع ج ٣٠ ص ٢٢٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ١ من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٤ من كتاب التجارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٣ من كتاب التجارة.

١٨٥

« يرد الحبلى ويرد معها نصف عشر قيمتها » ونحوه خبر فضيل (١) وسعيد بن يسار (٢).

وما‌ في التهذيب (٣) ـ من رواية حسنة أخرى لعبد الملك عنه عليه‌السلام أيضا « في الرجل يشتري الجارية وهي حبلى فيطؤها ، قال : يردها ويرد عشر ثمنها إذا كانت حبلى » ـ محمول على الغلط من الراوي أو الناسخ بإسقاط لفظ « نصف » ليطابق غيره.

وفي‌ خبر طلحة بن زيد (٤) « إذا اغتصب الرجل أمة فاقتضها فعليه عشر ثمنها ، فان كانت حرة فعليه الصداق ».

وفي الصحيح (٥) سأل الصادق عليه‌السلام « أرأيت إن أحل جارية لأخيه ما دون فرجها فغلبته الشهوة فاقتضها؟ قال : يغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكرا ، وإن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها ».

وفي‌ صحيح ابن صبيح (٦) « في رجل تزوج امرأة فوجدها أمة دلست نفسها ـ إلى أن قال عليه‌السلام ـ : ولمواليها عشر قيمتها إن كانت بكرا ، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها » إلى غير ذلك من النصوص المذكورة في كتاب النكاح (٧) ووطء أحد الشريكين في البيع (٨).

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب ـ الحديث ٨ من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب ـ الحديث ٩ من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب ـ الحديث ٧ من كتاب التجارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب المهور ـ الحديث ٢ من كتاب النكاح.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء ـ الحديث ١ من كتاب النكاح.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء ـ الحديث ١ من كتاب النكاح.

(٧) راجع ج ٣٠ ص ٢١٨ ـ ٢٢٨ و ٣٦٦ ـ ٣٧٢.

(٨) راجع ج ٢٤ ص ٢٤٣ ـ ٢٤٥.

١٨٦

بل حكيت الشهرة على هذا القول مستفيضا فيما إذا ظهر استحقاق الأمة الموطوءة ، بل عن صريح خلاف الشيخ وظاهر إيضاح النافع الإجماع عليه.

فمن الغريب بعد ذلك دعوى أن القول المزبور في غاية الضعف ، وأن دليله في غير مورد البحث ، بل من النصوص المزبورة يستفاد ضعف القول بمهر المثل إن لم يكن المراد به المذكور في النصوص المزبورة.

كما أن منها يستفاد ضعف القول الآخر الذي أشار إليه المصنف بقوله :( وربما قصر بعض الأصحاب هذا الحكم ) أي مهر المثل أو العشر ونصفه ( على الوطء بعقد الشبهة ) دون الوطء بغيره ، لأن منفعة البضع لا تضمن بدونه ، كما يظهر في الزانية ، وكأنه من الاجتهاد في مقابل النص والفتوى بل الإجماع.

كما أن الظاهر من النصوص المزبورة عدم عشر آخر عوض البكارة التي أزيلت بالوطء المشتمل على استيفاء منفعة البضع وجناية زوال البكارة.

ولعله لذا قال بعضهم بوجوب عشر آخر مضافا إلى وجوب العشر لو اقتضها بالإصبع ، فلو اكتفي به في الوطء أيضا كان الانتفاع بالوطء بغير عوض. إلا أن ذلك كما ترى كالاجتهاد في مقابلة النص أو الظاهر كالنص المعتضد بالأصل وغيره.

ومن هنا استظهر في الدروس بالتداخل على تقدير وجوب العشر دون مهر المثل ، قال : « ولو كانت بكرا فعليه مع المهر أرش البكارة إن قلنا بمهر المثل ، وإن قلنا بالعشر فالظاهر التداخل ».

ولعله لظهور نصوص العشر فيه ، بخلاف مهر المثل الذي مستنده على القول به القاعدة التي لا يدخل فيها أرش الجناية.

١٨٧

لكن قد يناقش ( أولا ) بظهور نصوص أخر (١) فيه كالعشر قد تقدمت في المباحث السابقة. و ( ثانيا ) بأن مهر المثل ملحوظ فيه أرش البكارة كما في الحرة التي لا أجد أحدا ـ ممن يعتد به ـ ذكر فيها أرش الجناية مضافا إلى المهر ، وحينئذ ( ف ) يدخل فيه دية البكارة.

نعم ( لو اقتضها بإصبعه لزمه دية البكارة ) وهي العشر أو التفاوت أو أكثر الأمرين ، وهو الأصح كما سمعته سابقا في جناية الغاصب.

( ولو وطأها مع ذلك لزمه الأمران ) لأنهما حينئذ سببان مستقلان ، والأصل عدم تداخلهما ، كما جزم بذلك كله في التحرير وغيره قال : « ولو اقتضها بإصبعه لزمه أرش البكارة ، فإن وطأها بعد ذلك لزمه الأمران ، ولو ذهبت البكارة بالوطء لم يجب أكثر من المهر أو العشر ».

ومن ذلك يعرف النظر فيما في المسالك ، حيث إنه بعد أن ذكر وجه وجوب الأمرين في الاقتضاض بالإصبع ثم الوطء قال : « وذهب جماعة منهم العلامة في التحرير والشهيد في الدروس إلى التداخل ، لأن البكارة ملحوظة على تقدير وجوب المهر أو العشر ، ويزيد باعتبارها الواجب ، ولو وجب أرش البكارة منفردا لزم وجوب مهر ثيب لا بكر كما لو اقتضها بإصبعه ثم وطأها ، فلا وجه للجمع بينهما ، وأجيب بأن ملاحظة البكارة في مهر المثل أو العشر لا يقتضي التداخل ، لأن ملاحظتها من حيث إن وطء البكر خلاف وطء الثيب ، فملاحظتها باعتبار الوطء لا باعتبار الجناية ، فلا بد للبكارة من شي‌ء زائد ، وهو عشر آخر على قول أو أرش نقصان قيمتها عن حالة البكارة إلى الثيبوبة نظرا إلى نقصان ( نقص خ ل ) المالية ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب حد الزنا ـ من كتاب الحدود والتعزيرات.

١٨٨

وفيه ( أولا ) أنك قد سمعت ما في التحرير والدروس من التداخل في الوطء دون الفرض الذي لم يحضرني أحد قال بالتداخل فيه ، بل ولا وجه معتد به له ، ويمكن أن يكون نص المصنف وغيره عليه للتنبيه على خلاف بعض العامة.

و ( ثانيا ) أن ما ذكره من عدم التداخل في صورة الوطء وإن كان هو المحكي عن المبسوط والتذكرة وجامع المقاصد وبيع الروضة ومحتمل السرائر لما ذكره من التعليل إلا أنك عرفت ظهور النصوص على كثرتها في عدم وجوب شي‌ء غير العشر أو مهر المثل ، خصوصا مع ملاحظة أنها في مقام البيان ، بل يمكن أن يكون من قبيل الاجتهاد في مقابلة النص.

نعم بقي شي‌ء في مفروض المسألة ، وهو احتمال استحقاق مهر البكر وإن كان وطؤها بعد الاقتضاض بالإصبع ، بناء على أن المراد من البكر هي التي لم توطأ وإن ذهبت بكارتها بإصبع ونحوه ، إلا أن المنساق إلى الذهن خلافه ، فتستحق حينئذ في الفرض أرش البكارة ومهر الثيب :نصف العشر أو غيره.

وعلى كل حال فقد ظهر لك مما ذكرناه أن القول بالتداخل في زوال البكارة بالوطء لذلك لا يقتضي القول به في مفروض المسألة ، وهو واضح.

كما أن منه يعلم عدم وجوب أكثر الأمرين به من العشر والتفاوت وإن قلنا به في غير ذلك من جناية الغاصب فيما له مقدر ، للنصوص التي منها المشتمل على الغصب وما في معناه المقتصر على وجوب العشر (١) فما في القواعد ـ من احتمال ذلك بل عنه في المختلف الفتوى به ـ لا يخلو من نظر ، نعم هو كذلك فيما لو اقتضها بإصبعه ، كما أشرنا إليه سابقا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب المهور ـ الحديث ٢ والباب ـ ٣٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء ـ الحديث ١ والباب ـ ٦٧ ـ منها ـ الحديث ١ من كتاب النكاح.

١٨٩

بل الظاهر وجوب العشر أيضا لو وطأها بالعقد بزعم الصحة ، لما سمعته من كون المستفاد من النصوص (١) على كثرتها أن ذلك هو المقدر لها في كل وطء محترم لم يثبت له مسمى ، وخصوص خبر المدلسة (٢).

فما في القواعد من احتمال وجوب الأكثر في العقد في غير محله ، قال فيها : « فلو وطأ الجارية جاهلين بالتحريم فعليه مهر أمثالها ، أو عشر قيمتها مع البكارة ونصفه مع الثيبوبة ، ويحتمل مع البكارة الأكثر من الأرش والعشر ، ومع العقد الأكثر من الأرش والعشر ومهر المثل » وإن كان في قراءة « مهر المثل » بالرفع أو الجر إشكال ؛ إلا أن الظاهر الأول ، فيكون احتمالا مستقلا ، لا أنه داخل في الأكثر.

وعلى كل حال فالتحقيق ما ذكرناه من وجوب العشر مطلقا ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

( و ) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أن ( عليه اجرة مثلها من حين غصبها إلى حين عودها )

نعم في جامع المقاصد والمسالك تقييد ذلك بغير زمن الوطء الذي قد ضمن فيه منفعة البضع.

وفيه ـ مع قصور الزمن المزبور بحيث لا يقدح في تقويم اجرة مثلها ـ أنه يمكن أن يكون لها منفعة تجامع الوطء ، فيضمنها أيضا.

ثم الكلام فيما لو تعددت منافعها على وجه يمكن جمعها أو لا يمكن كالكلام السابق ، وربما كان في إطلاق المصنف وغيره هنا اجرة المثل إيماء إلى اعتبار الأعلى إذا لم يكن قد استوفاه ، ودعوى انطباق اجرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب ـ من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء ـ الحديث ١ من كتاب النكاح.

١٩٠

المثل عليه ممنوعة. كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

( ولو أحبلها لحق به الولد ) للشبهة بلا خلاف معتد به ، بل عن الخلاف والمبسوط الإجماع على ذلك في مسألة ظهور استحقاق الأمة الموطوءة في باب البيع.

فما عن المقنعة والنهاية ـ من الحكم برقية الولد إلا أن يرضيه الأب عنه بشي‌ء ـ شاذ أو يريدان ما ذكره المصنف ( و ) غيره من أن ( عليه قيمته يوم سقط حيا ) بل لا أجد فيه خلافا ، لا لأنه وقت الحيلولة بين مولى الأمة وبين ما هو من نمائها وتابع لها ، فيقوم حينئذ دقيقا وتدفع قيمته للمولى ، كما علله به غير واحد ، إذ هو كما ترى ، بل للنصوص المستفاد منها ذلك ، ولولاها لأشكل الحال في أصل ضمانه ، لأنه حر ولم يكن مالا للمالك ، وقد حال الغاصب بينه وبين صاحبه.

ودعوى أن المراد بالحيلولة هو أنه لولا أنه مشتبه يلحق به الولد لكان ملكا للمولى واضحة الفساد. نعم قد يقال بضمان الغاصب بتفاوت قيمة الجارية بذلك لا قيمة الولد ، فتأمل جيدا ، فإن المسألة غير محررة ، وتظهر ثمرة ذلك فيما تسمعه من عدم الضمان لو سقط ميتا وغيره ، والله العالم.

( و ) كذا يضمن الغاصب ( أرش ما ينقص من الأمة بالولادة ) بلا خلاف ولا إشكال ، لما عرفت من ضمان ذلك كله على الغاصب ، وهو واضح.

( ولو سقط ميتا قال الشيخ رحمه‌الله ) في محكي المبسوط :( لم يضمنه ) الغاصب ( لعدم العلم بحياته ) وتبعه في التحرير والدروس.

١٩١

( وفيه إشكال ينشأ من تضمين الأجنبي ) لو أسقطه مع أن الأصل أيضا عدم حياته.

( و ) لكن ( فرق الشيخ بين وقوعه بالجناية وبين وقوعه بغير جناية ) قال ما لفظه : « لو أحبلها الغاصب جاهلا بالتحريم ثم ولدته ميتا لم يضمن الغاصب قيمة الولد ، لأنه لا يعلم كونه حيا قبل هذا ، ولأنه ما حال بينه وبين سيده في وقت التصرف ، ولو ضربها أجنبي فألقت الجنين ميتا فعلى الضارب الضمان ، لأن الإلقاء عقيب ضرب بطنها مسقط للولد غالبا ، بخلاف ما إذا سقط لنفسه ، لأن الأصل الموت حتى يعلم غيره ».

وظاهره التردد في الفرق ، بل هو صريح كلامه الآتي ، ومثله الفاضل في القواعد ، بل عن غير واحد الجزم بضعفه ، باعتبار أن عدم العلم بحياته ثابت على التقديرين ، مع أنه لا يتم إطلاقه مع العلم بحياته ولو بولادته بعد الأربعة أشهر أو الخمسة ، بناء على ما في النصوص (١) من ولوج الروح فيه حينئذ ، أو لغير ذلك من ولادته كامل البدن على وجه يظهر منه أنه كان حيا ، خصوصا مع الحركة ونحوها.

كما أنه لا يتم أيضا بالنسبة للجاني ، ضرورة أعمية الجناية من الحياة ، فإنها قد تكون في حال العلم بعدم ولوج الروح فيه ، ولذا كان المحكي عنه في الديات الضمان بها مطلقا على وجه يظهر منه المفروغية من ذلك أو الإجماع عليه ، كنسبة الحلي له إلى الروايات.

ومن ذلك يعلم كون التعليل المزبور منه تقريبا لا تحقيقا ، فلا وجه للإيراد عليه ، بل يحتمل كون مراده تنزيل الجناية منزلة الحياة بالنسبة إلى الضمان ، وإلا فلا فرق بين السقوط من دون جناية ، ومعها بالنسبة‌

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٣.

١٩٢

للحياة والموت ، نعم يتجه الفرق بينهما بثبوت الدليل على الجناية من إجماع أو نصوص أو غيرهما من غير فرق بين العلم بولوج الروح فيه وعدمه ، بل حتى لو علم عدم ولوجها فيه ، بخلاف السقوط.

واحتمال أن ضمانه هنا لأن يد الغاصب يد ضمان يدفعه أنه حر لا يدخل تحت اليد ، ولا يرد ضمان الغاصب إياه بجناية الأجنبي لدليله إن كان ، وإلا أشكل الرجوع على الغاصب ، لعدم كونه جانيا وعدم يد ضمان له عليه ، نحو ما قاله بعضهم من عدم رجوع المالك بالمهر على من غصب جارية وباعها فوطأها المشتري ، لعدم الاستيفاء منه وعدم دخول البضع تحت اليد ، بل هذا اولى.

بل إن لم يكن دليل على ذلك أشكل أصل رجوع المالك ، لأنه انعقد حرا ، فليست ديته إلا للغاصب ، ودعوى أن القاعدة ضمان يد الغاصب كل ما يضمن بجناية جان يدفعها أنه بعد انعقاده حرا ليس من المغصوب في شي‌ء.

كما أن ضمان القيمة يوم الولادة للنص (١) والفتوى لا يقتضي الضمان مع السقوط ميتا ، والفرض انعقاده حرا. فما في الإرشاد وجامع المقاصد والمسالك من ضمان الغاصب دية جنين أمة لا يخلو من نظر حينئذ ، على أن المتجه حينئذ ضمانه مقدر الحياة ، كما لو ولد مريضا ، وخصوصا إذا كان سقوطه ميتا في زمن الولادة.

ومن هنا قيل : إن الذي صرحت به عباراتهم وأفصحت به رواياتهم في باب الديات أن جنين الأمة إذا لم تلجه الروح أو لم تعلم حياته له مقدر شرعا ، وهو عشر قيمة أمه وقت الجناية ، وإن ولجته الروح فقيمته يوم سقط حيا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء ـ الحديث ٥ من كتاب النكاح.

١٩٣

( و ) حينئذ ففي الفرض ( لو ضربها أجنبي فسقط ) جنينها ( ضمن الضارب للغاصب دية جنين حر ) لأن الولد محكوم بحريته للشبهة ( وضمن الغاصب للمالك دية جنين أمة ) قيل : لأنه ضامن للمالك قيمته على تقدير كونه مملوكا ، كما لو ولد حيا.

وفي المسالك « ولا يتوقف مطالبته بحقه على أخذ الغاصب حقه من الجاني ، بل كل واحد من الحقين متعلق بذمة غريمه من غير تقييد بالآخر ».

وقد يظهر من هذه العبارة بل وعبارة المتن وغيره أنه لا تخيير للمالك في الرجوع هنا على الجاني والغاصب ، وإنما يتعين حقه على الغاصب خاصة ، ولعله لما عرفت من أن مقتضى القواعد اختصاص حق الجناية بالغاصب ، لأنه انعقد حرا ، فلا حق للمالك عليه إلا أن يكون هناك دليل مخصوص فيتبع ، ولعله خاص بالرجوع على الغاصب كما هو ظاهر من عرفت ، لا أقل من أن يكون ذلك هو المتيقن منه إن كان إجماعا أو استظهارا مما ورد (١) في ضمانه لو ولد حيا أو غير ذلك.

بل المتجه بناء على ما سمعته منهم التفصيل بين ولوج الروح وعدمه فيضمن الغاصب في الأول قيمته يوم سقوطه مفروض الحياة ، وفي الثاني دية جنين ، فتأمل جيدا ، فان كلامهم في المقام لا يخلو من تشويش.

ولو كان الجاني هو الغاصب ففي المسالك « ضمن للمالك دية جنين أمة ، وباقي دية جنين الحرة للإمام ؛ لأن القاتل لا يرث ، والأمة رقيقة لا ترث » والله العالم. هذا كله في الجاهلين.

( ولو كانـ ) ـا أي ( الغاصب والأمة عالمين بالتحريم فللمولى المهر ) والولد والأرش ( إن أكرهها الغاصب على الوطء ) بلا خلاف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

١٩٤

ولا إشكال ، بل في المسالك الاتفاق عليه ( وعليه ) أي الغاصب ( الحد ) لكونه زانيا.

( وإن طاوعت حد الواطئ ) بل هما معا ( ولا مهر ) في المشهور ، للأصل والنبوي (١) « لا مهر لبغي » الذي لا وجه للبحث في سنده بعد أخذ الأصحاب له مسلما ، ولا في دلالته على المطلوب بعد العموم اللغوي المحتاج في تقييده بالحرة إلى دليل ، وإطلاق لفظ المهر لا يقتضي ذلك وإن اختصت اسم المهيرة بالحرة ، لكن من الشائع أيضا في النص (٢) والفتوى إطلاقه على عوض بضع الأمة ، فيقال : مهر الأمة ، وأن لها مهر ، أو مهرها عتقها ، وغير ذلك.

وكون اللام للتمليك أو الاختصاص أو الاستحقاق والثلاثة منتفية عن الأمة لا ينافي انسياق إرادة ما ثبت بسبب وطئها ، سواء كان لها أو لغيرها أي مولاها ، نحو ما يقال : الأجرة للدار أو للدابة.

ودعوى أن زناها لا ينافي ثبوت حق المالك من حيث المالية يدفعها أن مالية البضع لا تخلو من شائبة التعبد ، ولذا لا يثبت عوضه على حسب غيره من المنافع ، بل لا بد له من ضابط خاص ، فلا يثبت حينئذ إلا حيث يثبته الشارع.

( وقيل ) وإن كنا لم نعرف القائل قبل المصنف ( يلزمه عوض الوطء ، لأنه للمالك ) نعم هو خيرة الفاضل في التذكرة والمختلف وثاني الشهيدين في بيع الروضة ورهنها ، بل مال إليه أولهما في الدروس ،

__________________

(١) لم نعثر على هذا اللفظ بعد التتبع في مظانه ، وإنما الموجود في سنن البيهقي ج ٦ ص ٦‌ « نهى النبي ( ص ) عن مهر البغي » و‌ « لا يحل. ولا مهر البغي » وأنه « سحت » أو « خبيث ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.

١٩٥

بل هو ظاهر إطلاق بيع اللمعة.

( و ) لا ريب في أن ( الأول أشبه ) بأصول المذهب التي منها أصل البراءة المعتضد بما سمعت السالم عن معارضة ما عرفت ، إلا أنه قد يستفاد من الصحيحتين السابقتين (١) ثبوته للمولى ولو من ترك الاستفصال ونحوه.

( إلا أن تكون بكرا ، فيلزمه أرش البكارة ) بلا خلاف أجده فيه ، بل عن فخر الإسلام الإجماع عليه ، لأنها جناية ، وكل جناية مضمونة على الغاصب ، بل لو زالت بكارتها في يده بغير ذلك ضمنها أيضا ، ونفي المهر لها لا ينافي ثبوت ذلك لها ، وإن كان لم يظهر له فائدة بناء على أن أرش البكارة عشر قيمتها ، وهو المقدر لها مهر ، فمع فرض زناها وقلنا لا مهر لمولاها لأنها بغي كان له أخذ العشر من حيث الجناية بزوال البكارة.

ولكن قد يشكل ذلك بما سمعته سابقا من ظهور النصوص (٢) في دخول أرش البكارة في المهر بناء على أنه العشر ، فمع فرض إسقاطه من الشارع لكونها زانية يتبعه هو أيضا في السقوط ، فتأمل جيدا.

( ولو حملت لم يلحق به الولد وكان رقا لمولاها ) بلا خلاف بل ولا إشكال ، لأن الفرض كونه زانيا ، فليس له إلا الحجر وكذلك هي ، إلا أنه يبقى كونه نماء للمالك فيملكه حينئذ من هذه الجهة كولد البهيمة من حيث النسبة.

كما أنه لا خلاف ( و ) لا إشكال في أنه ( يضمن الغاصب ما ينقص بالولادة ) كما في كل عين مغصوبة.

__________________

(١) في ص ١٨٦.

(٢) المتقدمة في ص ١٨٥ و ١٨٦.

١٩٦

( ولو مات ولدها في يد الغاصب ضمنه ) ضرورة كونه مغصوبا كأمه.

( ولو وضعته ميتا ) ففي ما حضرنا من نسخ المتن ( قيل : ) ( لا يضمن ، لأنا لا نعلم حياته قبل ذلك ، وفيه تردد ) لكن في المسالك « أن المصنف جزم هنا بضمانه » ولعله عثر على نسخة اخرى ، بل لعلها هي الأصح ، ضرورة كون الجنين في الفرض مملوك كحمل البهيمة ، فيكون مضمونا على الغاصب ، والحمل الذي لم تلجه الروح أو لم نعلم حياته له قيمة شرعا ، وهو العشر فيضمنه.

هذا ولكن في القواعد « ولو وضعته ميتا فالإشكال كما تقدم » ومقتضاه اتحاد المسألتين ، وفي جامع المقاصد « وربما رجح الضمان هنا بأن التقويم في الأول إنما هو بعد وضعه حيا بخلافه هنا ، ولا أثر له ، لأن المراد التقويم المخصوص ، لا وجوب دية الجنين الذي يراد وجوبه في الموضعين ».

قلت : ولا يخفى عليك وضوح الفرق بين المسألتين ، ومن الغريب ما في التحرير والدروس ومحكي المبسوط من الجزم بأنه لا شي‌ء عليه ، إذ هو كما ترى.

( و ) على كل حال فـ ( ـلو كان سقوطه بجناية جان لزمه دية جنين الأمة على ما يذكر في الجنايات ).

( ولو كان الغاصب عالما وهي جاهلة لم يلحق به الولد ) لكونه زانيا ( ووجب ) عليه ( الحد والمهر ) بلا خلاف ولا إشكال.

( ولو كان بالعكس ) أي هو جاهل وهي عالمة ( لحق به الولد وسقط عنه الحد. و ) أما ( المهر ) ففيه البحث السابق ( وعليها الحد ) لأنها زانية ، والله العالم.

١٩٧

المسألة ( السادسة : )

( إذا غصب حبا فزرعه أو بيضا فاستفرخه قيل ) والقائل الشيخ في المحكي من غصب خلافه ومبسوطة وابن حمزة في الوسيلة ( الزرع والفرخ للغاصب ) محتجا عليه بأن عين المغصوب قد تلفت ، فلا يلزم الغاصب سوى قيمتها أو مثلها ، بل عنه في الخلاف من يقول : إن الفرخ عين البيض وأن الزرع هو عين الحب مكابر ، بل المعلوم خلافه.

( وقيل ) والقائل الأكثر ، بل في الدروس أنه فتوى من سبق الشيخ : إنه ( للمغصوب منه ) بل عن الناصرية نفي الخلاف فيه ، بل عنها وعن السرائر الإجماع عليه ، بل عن الخلاف في باب الدعاوي والمبسوط في باب العارية التصريح بما عليه الأصحاب ، ومن هنا أساء الأدب ابن إدريس بقوله : « فقد دخل رحمه‌الله في جملة من يكابر ».

( و ) على كل حال فـ ( ـهو أشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي منها استصحاب الملك لهما وإن تغيرت الصورة التي هي ليست عنوان الملكية ، ولذا لا إشكال في بقائهما على الملك لو فرض استحالتهما إلى ذلك من دون غصب ، ضرورة كون الاستحالة بالنسبة إلى ذلك كتغيير صفات الشي‌ء من السمن ونحوه.

بل من القطعيات عندهم عدم خروج الثوب مثلا عن الملك بقطع الغاصب له قطعا متعددة ، حتى قيل : إن الشيخ نفسه من المصرحين بذلك ، مع أنه أولى بصدق اسم التلف عليه.

وكون البيضة تصير علقة ونحوها إذا صارت فرخا فتخرج بذلك عن الملك ، فيملكها الغاصب حينئذ بوضع اليد نحو ما سمعته في الخمر‌

١٩٨

إذا تخللت ـ مع أنه لا يتم في الزرع ، ومبني على خروجها عن الملك بذلك ـ لم يحك عن الشيخ مثله في العصير إذا انقلب خمرا في يد الغاصب ثم صار خلا في يده ، بل ظاهره كغيره أن للمالك فيه حقا يقتضي تملكه له وإن لم يكن في يده وإن كان هو مطالبا بدليله في الخمر كما ستعرف.

وبالجملة لا يخرج المال عن الملك بمثل الاستحالة المزبورة ، ولا يرد النقض بملكية صاحب الأنثى ما يتكون من عسب الفحل فيها الذي أقصاه أن يكون استحالة بعد أن عرفت الدليل على ذلك.

على أنه ربما فرق بعدم ملكية النطفة ، بخلاف الحب والبيض ، وبعدم معلومية كيفية التكون أنه من نطفة الفحل على وجه تكون نطفة الأنثى من المعدات لها أو بالعكس أو أنه منهما ، وإن كان هو على كل تقدير خارج بدليله ، بخلاف مفروض البحث الباقي على أصالة الملكية التي لا دليل على الخروج عنها بلباس الصور المتعددة التي من المعلوم عدم صيرورة الشي‌ء بها تالفا ، إذ التلف العدم ، لا تغيير الصورة التي لا وجه لملك الغاصب بها ، مع أنها ليست من فعله ، إذ لم يصدر منه إلا الإحضان ووضع البذر في الأرض ونحو ذلك من فعل المعدات لصيرورة الحب زرعا مما هي غير صالحة لنقل الملك عن مالكه ، ضرورة كون ذلك من النماء التابع للملك وإن اختلف مع نماء النخلة مثلا بالحصول مع بقاء الأصل ، بخلافه فإن الأجزاء الأصلية باقية معه.

وكيف كان فالمسألة مفروغ منها ، وإن أطنب فيها بعض الناس برد ما ذكره الفاضل في المختلف عليه ، إلا أنه في غير محله ، بل لعل إكثار الكلام فيها من اللغو المنهي عنه ، والله العالم.

( ولو غصب عصيرا فصار خمرا ثم صار خلا ) في يد الغاصب قبل أن يدفع بدله بل وبعده إذا كان على وجه كدفع الحيلولة ( كان ) ‌

١٩٩

( للمالك ) على ما صرح به غير واحد ، بل عن رهن غاية المرام والمسالك نفي الخلاف فيه ، لأنه عين ماله.

( و ) حينئذ فـ ( ـلو نقصت قيمة الخل عن قيمة العصير ضمن الأرش ) لوجوب رده تاما ، كما صرح به غير واحد ، بل في مفتاح الكرامة به صرح الأصحاب كالشيخ وابن إدريس ومن تأخر عنه.

قلت : إن تم الإجماع في ذلك كله وإلا فلا يخلو من إشكال ، ضرورة أنه بصيرورته خمرا خرج عن ملك المالك وصار في ذمة الغاصب المثل ، لأنه تلف أو بمنزلته ، فإذا صار خلا لا دليل على عوده إلى ملك المالك ، بل يمكن أن يكون من المباح ، يملكه من يسبق إليه ، أو يكون من هو في يده أولى به.

وعلى كل حال فلا دليل على عوده إلى ملك المالك. ولعله لذا حكي عن الفاضل وولده والشهيد والكركي الإشكال في رده إلى المالك في باب الهبة ، بل ستسمع الاشكال فيه أيضا في القواعد.

بل قال فيها هنا أيضا : « ولو غصب خمرا فتخلل في يده حكم بها للغاصب ، ويحتمل المالك » بل عن ولده في شرح الإرشاد أنه قواه بل في الإيضاح صححه ، بل عنه في الكتابين أن وجه الاحتمال الثاني ثبوت الأولوية للمالك باليد للتخليل ، ومقتضاه كون موضوع المسألة الخمر المتخذة للتخليل ، بل قد يؤيده أنها التي يتصور فيها الغصب دون غير المحترمة.

ولعل وجهه أن فائدة احترامها جواز إبقائها في يده ، وعدم وجوب إراقتها ، لا أنها تكون ملكا له إذا صارت خمرا في يد غيره وإن أثم بأخذها منه ، اللهم إلا أن يكون إجماعا على ذلك ، كما يحكى عن الخلاف نفي الخلاف عن وجوب ردها للمالك ، وعن التذكرة أنه مذهبنا ، فان‌

٢٠٠