جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١
٢

٣
٤

٥
٦

بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين الغر الميامين.

كتاب الغصب

( والنظر في السبب والحكم واللواحق ) ‌

( أما الأول ) ‌

( فالغصب هو ) لغة أخذ الشي‌ء ظلما ، كما في القاموس وغيره قال في الأول : « غصبه يغصبه : أخذه ظلما كاغتصب ، وفلانا على الشي‌ء : قهره » وفي الصحاح « الغصب : أخذ الشي‌ء ظلما ، تقول : غصبه منه وغصبه عليه بمعنى ، الاغتصاب مثله ، والشي‌ء غصب ومغصوب » نعم في الإسعاد لبعض الشافعية زيادة « جهارا » لتخرج السرقة ونحوها ، وعن ابن الأثير أنه أخذ مال الغير ظلما وعدوانا.

٧

وإليه يرجع ما في الكتاب والقواعد والنافع والإرشاد والدروس واللمعة والتنقيح من أنه ( الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا ) بل في المسالك نسبته إلى الأكثر ، إذ ليس فيها إلا تبديل الأخذ بالاستقلال نظرا إلى صدق الغصب بذلك وإن لم يكن أخذا ، كما لو كان المال في يده فغصبه ، مع أنه يمكن إرادة ما يشمل ذلك من الأخذ الموافق لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « على اليد ما أخذت ».

وأبدل الاستقلال في التحرير والإيضاح بالاستيلاء على مال الغير بغير حق ، كما أنه في التبصرة والروضة وغيرهما من كتب متأخري المتأخرين تبديل المال بالحق ، فقالوا : « الاستيلاء على حق الغير عدوانا » وفي الكفاية والمفاتيح « الاستيلاء على حق الغير بغير حق » وستعرف الوجه في ذلك كله. وعن الوسيلة « الاحتواء على مال الغير بغير تراض ».

وفي التنقيح « أن الفقهاء يطلقون الغصب على ما في التعريف الأول وعلى ما يشبهه من المفهومات إما بالإتلاف مباشرة أو تسبيبا ، وإما بالقبض بالبيع الفاسد » ونحوه قول بعض الشافعية : « إن كل مضمون على ممسكه مغصوب » وفي المسالك « أن الأظهر إطلاقه على ما يقتضي الإثم وغيره والأغلب الأول ».

قلت : الذي يحضرني من استعمال لفظ الغصب في الكتاب والسنة قوله تعالى (٢) ( يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ) وقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي ولاد (٣) في شأن البغل الذي استأجره حيث قال : « فلي‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

(٢) سورة الكهف : ١٨ ـ الآية ٧٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ١.

٨

عليه علفه؟ قال : لا ، لأنك غاصب » وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) : « إذا اغتصب أمة فاقتضت فعليه عشر قيمتها » و « الحجر المغصوب في الدار رهن على خرابها » (٢) وقول أبي الحسن عليه‌السلام (٣) في ذكر ما يختص بالإمام : « وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم على غير وجه الغصب ، لأن الغصب كله مردود » وفي الخبر (٤) : « من غرس أو زرع في أرض مغصوبة فله الزرع والغرس ، وعليه الأجرة لصاحب الأرض ». وفي آخر (٥) : « عن رجل اغتصب امرأة فرجها ». وفي ثالث (٦) : « أول فرج غصبناه ». وفي النبوي (٧) « من غصب شبرا من أرض طوقه الله من سبع أرضين يوم القيامة ». وفي آخرين (٨) « من غصب أرضا » و « غصب فدك » (٩) و « غصب على عليه‌السلام الخلافة » و « غصب أولاده حقوقهم » (١٠).

وعلى كل حال فليس للغصب حقيقة شرعية قطعا ، كما أنه ليس له أحكام مخصوصة زائدة على المضمون بقاعدة اليد‌ و « من أتلف » كي يحتاج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الغصب وهو نقل بالمعنى.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب النكاح المحرم ـ الحديث ١ من كتاب النكاح.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر ـ الحديث ٢ من كتاب النكاح ، وفيه‌ « إن ذلك فرج غصبناه » ‌

(٧) لم أعثر على مصدره من كتب الاخبار مع التتبع التام في مظانه ، وإنما ذكره ابن قدامه في المغني ج ٥ ص ٣٧٨ والسرخسي في كتاب المبسوط ج ١١ ـ ص ٤٩.

(٨) كنز العمال ج ٥ ص ٣٢٨ الرقم ٥٧٤١ وهو نبوي واحد ، وفيه‌ « من غصب رجلا أرضا » ‌

(٩) ورد في الزيارة المخصوصة لأمير المؤمنين ٧ يوم الغدير : « غصب الصديقة. فدكا » ‌

(١٠) جاء في البحار ـ ج ٨ ص ٣٨٨ من طبعة الكمباني « الذين غصبوا آل محمد ( ص ) حقهم ».

٩

إلى المتعبة في تنقيح معناه ، وقولهم : « إن الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال فيضمن القيمة وإن زادت عن دية الحر ، ويكلف إذا أتلف المثلي بالمثل وإن تضاعفت قيمته » ستعرف تحقيق الحال فيه.

وعلى تقديره فالمتجه ملاحظة المعنى اللغوي لا الاصطلاحي بين الفقهاء الذي مبناه ملاحظة الضمان لا خصوص كونه غصبا ، وإلا فليس المأخوذ غلطا أو نسيانا مغصوبا قطعا.

ومن هنا يظهر لك الحال فيما أطنبوا فيه في المقام من المناقشة في التعريف الأول بعد أن ذكروا أن المراد بالاستقلال فيه الإقلال : أي الاستبداد به ، وأنه احترز به عما لو أزعج المالك عن ماله ولم يستول عليه ، فإنه لا يضمن لو تلف المال ، وكذا لو هد مقود الدابة المركوبة لمالكها مع قوته على دفعه.

وبالمال عن إثبات اليد على ما ليس بمال كالحر ، فإنه لا يضمن ، نعم يشمل المال العين والمنفعة المجردة عنها ، كما لو آجر داره ثم استولى عليها ، فإنه يكون غاصبا للمنفعة ، ويخرج منه منفعة البضع ، فإنها وإن دخلت في المنفعة لكن لا تدخل في المال الذي ينقسم اليه العين والمنفعة ، فالداخل هنا في المال منفعة خاصة ، وهي منفعة المال لا مطلق المنفعة ، كما أن المراد بالعين عين خاصة ، وهي عين المال لا مطلق العين.

وبإضافة المال الى الغير عن مال نفسه ، كما لو أثبت يده على ماله عدوانا ، كالمرهون المشروط كونه في يد المرتهن مثلا ، فإنه ليس بغاصب.

وبالعدوان عن إثبات يد المرتهن والولي والوكيل والمستأجر وغيرهم مما لا يكون عدوانا.

فأوردوا عليه ـ وإن كان لا يخفى عليك ما في بعضه أو جميعه ـ بأنه ينتقض في عكسه بما لو سكن مع المالك قهرا أو بغير إذنه وإن قدر‌

١٠

المالك على دفعه فلم يفعل ، فإنه غير مستقل بإثبات اليد ، لمشاركة المالك له في اليد ، بل ربما كان المستقل بها في الثاني هو المالك.

بل ينتقض بما لو اشترك اثنان في غصب مال بحيث يعجز كل واحد عن الاستقلال به منفردا ، فإنه لا استقلال لكل واحد بالمال ، وإنما هو مركب منهما ، مع أن كل واحد منهما محكوم بكونه غاصبا ، ومن ثم تخير المالك في تضمين من شاء منهما. وإلى ذلك نظر من بدل الاستقلال بالاستيلاء.

وبما لو أذن غير المالك لغيره في سكنى داره والساكن جاهل بالحال ، فإنه ليس بغاصب ، لأنه غير متعد ، والآذن وإن كان متعديا بالاذن إلا أنه غير مستقل بإثبات اليد ، مع أنه الغاصب شرعا ، والضمان راجع عليه.

وبما لو استقل بإثبات اليد على حر صغير أو مجنون فتلف بسبب ، كلدغ حية أو وقوع حائط عند الشيخ كما سيأتي.

وبأن منفعة البضع قد تضمن ، كما لو تعمدت الرضاع المحرم ، أو رجع الشاهدان بالطلاق عنه.

وبما لو استولى المالك على ماله المرهون عدوانا ، فإنه يضمنه مع التلف بالمثل أو القيمة ، ويكون رهنا ، وحق المرتهن لا يسمى مالا.

وبما لو استقل باليد على حق الغير في نحو المدرسة والرباط والمسجد والتحجير ، فإنه في جميع ذلك غاصب مع أنه لم يستول على ماله.

وبما لو غصب الوقف العام ، فإنه ليس ملكا للغير أو الخاص على القول بانتقال ملكه إلى الله تعالى ، وإليه نظر من بدل المال بالحق.

وبما سيأتي من الصور التي يضمن فيها المال بالتسبيب من دون أن تستقل يده ، كما لو فتح قفص الطائر أو حل قيد الدابة ونحو ذلك.

وبمن ترتبت يده على يد الغاصب جاهلا ، فقد سموه غاصبا ،

١١

وجوزوا الرجوع عليه ، مع أنه غير عاد ، وكذا من سكن دار غيره أو لبس ثوبه غلطا.

ومن هنا عدلوا عن التعريف المزبور إلى ما سمعت ، وإن اختلفت عباراتهم في المعدول إليه أيضا.

وفي المسالك « ومن تعريفاته أنه الاستيلاء على مال الغير بغير حق ، وهو أعم من الأول ، وسالم من كثير مما يرد عليه ، ومتناول لهذه الأسباب الأخيرة الموجبة للضمان مع عدم العدوان ، فان عدم الحق أعم من العدوان لأن المستولي على مال الغير جهلا أو غلطا غير عاد وإن كان ذلك بغير حق ، كما لا يخفى ـ إلى أن قال ـ : وعذر الأول أن الثابت في هذه المواضع حكم الغصب ، لا حقيقته التي لا تتم إلا بالتحريم ، ويبقى فيه مشاركته للأول في الاستيلاء على حق الغير مما ليس بمال ، فكان الأجود على هذا عبارة ثالثة ، وهي الاستيلاء يتناول مشاركة المالك في الانتفاع بماله وإن لم يكن مستقلا ، وكذا المشارك في الغصب لغيره من غير أن يكون أحدهما مستقلا ، والحق يشمل المال من عين أو منفعة وغيره ، كما ذكر في الأمثلة وغيرها ، وبغير حق يشمل باقي أفراد الضمان الذي لم يتحقق معه العدوان ، والأظهر في الاستعمال إطلاق الغصب على ما يشمل المقتضى للإثم وغيره وإن كان الأغلب الأول ».

قلت : ومنه ما في الدروس وغيرها من « أن تحريم الغصب عقلي وإجماعي وكتابي وسني ، قال الله تعالى ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) (١). ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ) (٢). ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ الآية ١٨٨.

(٢) سورة المطففين : ٨٣ الآية ١.

١٢

الْيَتامى ظُلْماً ) (١). وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : « إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام. لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيب نفسه ». إلى آخره ونحوه غيره.

ومنه يعلم عدم كون ما ذكر أخيرا من الجاهل والناسي غاصبا ، ضرورة عدم الإثم فيه ، وإن ثبت له حكم الغصب الذي هو الضمان الناشئ من قاعدة « على اليد » الشاملة للغصب وغيره.

كما أنه من الجميع يعلم عدم الغصب في المتلف مباشرة أو تسبيبا من دون استيلاء وإن ضمنه بقاعدة الإتلاف أو الضرار.

بل مما ذكرنا يعلم الخبط في كثير ، ضرورة عدم حقيقة شرعية للغصب ، بل هو باق على المعنى اللغوي الموافق للعرفي الذي يمكن عدم اندراج السرقة فيه ، وإليه نظر من اعتبر الجهار فيه ، بل لا بد فيه من قهر واستعلاء ونحوهما.

وكأن الأكثر لم يلحظوا فيما سمعته من تعريفهم إلا كشف المعنى المزبور من حيث كونه سببا للضمان الذي يتعلق بالمال ، وإن ذكروا غيره من أسباب الضمان معه في كتاب الغصب ، ولم يختلط عليهم المعنى المزبور وإن اختلفت عباراتهم في تأديته نحو اختلاف عبارات أهل اللغة في تأدية المعنى اللغوي التي ربما يكون بعضها أوضح من الأخرى.

والذي يسهل الخطب عدم أحكام شرعية معلومة زائدة على الضمان عنوانها الغصب كي يحتاج إلى التعب في تحقيق معناه إلا نادرا ، كتكليف الغاصب بالرد وإن استلزم المشقة الشديدة بتلف المال وغيره.

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٣ من كتاب القصاص.

١٣

وحينئذ لا ريب في الرجوع فيه إلى المعنى اللغوي الموافق للعرفي دون الاصطلاحي الذي سمعت نسبته في التنقيح إلى الفقهاء بعد تسليمه كما هو واضح.

( و ) على كل حال فـ ( ـلا يكفي ) في تحقق كون المال مغصوبا ( رفع يد المالك ما لم يثبت الغاصب يده ) كما صرح به الفاضل وغيره ، بل عن التذكرة نفي الشك فيه ، لما عرفت من كونه الأخذ أو الاستقلال أو الاستيلاء ، والجميع غير صادق وإن أطلق على الشخص نفسه أنه مغصوب بمعنى كونه مقهورا.

وحينئذ ( فلو منع غيره من إمساك دابته المرسلة فتلفت لم يضمن. وكذا لو منعه من القعود على بساطه أو منعه من بيع متاعه فنقصت قيمته السوقية أو تلفت عينه ) كما في النافع ومحكي التحرير والتبصرة وشرح الإرشاد للفخر وإن لم يذكر في بعضها تمام الأمثلة ، بل في المسالك وغيرها نسبته إلى المشهور ، للأصل بعد عدم تحقق الغصب بعدم إثبات اليد.

لكن عن التذكرة بعد أن نفى الشك عن عدم تحقق الغصب في الدابة المزبورة قال : « وهل يضمن؟ قال بعض علمائنا : لا يضمن ، وفيه إشكال ».

ومنه يعلم أنه لا يلزم من عدم كونه غاصبا عدم كونه ضامنا ، لإمكان سبب آخر غير الغصب.

ولعله لذا قال في المسالك وتبعه عليه غيره : « إنه ينبغي أن يختص ما ذكروه بما لا يكون المانع سببا في تلف العين بذلك بأن اتفق تلفها مع كون السكنى غير معتبرة في حفظها والمالك غير معتبر في مراعاة الدابة ، كما يتفق لكثير من الدور والدواب ، أما لو كان متوقفا على‌

١٤

سكنى الدار ومراعاة الدابة لضعفها أو كون أرضها مسبعة مثلا فان المتجه الضمان ، نظرا إلى كونه سببا قويا مع ضعف المباشر » وهو المحكي عن الشهيد في بعض فتاواه والكركي ، واستحسنه في الرياض ، لعموم « لا ضرر ولا ضرار » (١).

قال : « ومن هنا يتوجه الحكم بضمان نقص القيمة السوقية للمتاع إذا حصل بمنع المالك عن بيعه ولو مع بقاء العين وصفاتها ، وذكر القائل المتقدم أنه لم يضمن قطعا ، لأن الفائت ليس بمال بل اكتسابه ، وهو كما ترى ، لاتحاد وجه الحكم بالضمان هنا وفيما مضى ، وهو صدق الإضرار المنفي شرعا ، وليس فيه ما يقتضي تخصيص الضرر المنفي بما يكون متعلقة مالا ، ولعله لذا اختار الشهيد في بعض فتاواه الضمان هنا ، وإن قوى في الدروس عدم الضمان مطلقا وفاقا للمشهور ، كما في المسالك والكفاية ».

قلت : لا ينبغي التأمل في عدم ضمان نقصان القيمة السوقية ، لعدم تفويت مال عليه بمباشرة أو تسبيب ، ومن هنا لم تضمن منافع الحر إجماعا ، مع أن‌ قاعدة « لا ضرر ولا ضرار » تأتي فيه.

على أن استفادة الضمان من القاعدة المزبورة متوقفة على الانجبار بفتوى الأصحاب ، إذ لا اقتضاء لها إلا عدم مشروعية ما فيه الضرر والضرار في الإسلام على معنى النهي عن إيجاده ، وهو إنما يقتضي حرمة ذلك ، لا الجبر بالضمان المتوقف على إرادة انتفاء وجوده في الدين المنزل على إرادة جبر ما يحصل منه فيه بالغرامة ، لأنه أقرب المجازات إلى نفيه ، بل يمكن دعوى إرادة ذلك حقيقة من النفي بلا تجوز.

إلا أن ذلك كله كما ترى لا يصلح دليلا لذلك من دون انجبار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب إحياء الموات.

١٥

بفتوى الأصحاب فضلا عن الفتوى بخلافه ، بل في الدروس وجامع المقاصد والروضة لم يضمن في الفرض قطعا ، مع حكمهم بالضمان في الأول مع فرض التسبيب.

وما يحكى عن الشهيد في بعض فتاواه مع أنه لم نتحققه من الفتاوى المهجورة ، خصوصا بعد اتفاقهم ظاهرا في أسباب الضمان الثلاثة على انحصار اقتضائها الضمان في تلف المال عينا أو منفعة ، كما هو واضح.

نعم ما استحسنه من الضمان في الأول تبعا لمن عرفت في محله ، مع فرض تحقق معنى السببية المقتضية للضمان في الصورة المفروضة ، والأصل فيه ما سمعته من الفاضل في محكي التذكرة وإليه أشار في الدروس بقوله : « وللفاضل وجه بالضمان وإن لم يسم غاصبا » ولكن ظاهرهما احتمال الضمان مطلقا ، لا في خصوص صورة التسبيب التي قيد بها كلامهم من عرفت.

على أنه إن كان منشأه قاعدة نفي الضرر كما سمعته من الرياض يتجه إطلاق الضمان حتى في صورة عدم كونه سببا ، ضرورة حصول الضرر بمنع إمساكه الذي اتفق تلف الدابة معه بأكل سبع في أرض غير مسبعة على وجه يكون سببا ، ولا أظن أنه يلتزمه سيد الرياض ، ومنه يظهر ضعف كلامه زيادة على ما سمعت.

وعلى كل حال فعلى القول بالضمان في صورة التسبيب خاصة فالظاهر عدم اندراجها في إطلاق المشهور عدم الضمان المراد منه ـ بقرينة التفريع على ما ذكروا في معنى الغصب ـ عدمه من حيث الغصب الذي هو سبب في ضمان المغصوب وإن تلف بآفة سماوية ، لكون اليد يد ضمان ، فالغرض أنه بمجرد رفع يد المالك لا يدخل في ضمانه دخول المغصوب الذي لا يتحقق إلا بإثبات اليد مع ذلك.

١٦

بل يؤكد ذلك ما تسمعه من المشهور حتى المصنف من الجزم بالضمان أو التردد فيه فيما لو منعه من حراسة ماشيته حتى تلفت ، فلا يتوجه ما وقع من هؤلاء الجماعة من دعوى تقييد المشهور بما ذكروه ، فان مقتضاه قول المشهور بعدم الضمان في صورة الإتلاف التسبيبي المجمع على الضمان به كما ستعرف. واحتمال استثناء خصوص السبب المزبور منه واضح الفساد.

نعم قد يشك في حصول التسبيب في الصورة المزبورة ونظائرها من دعوى احتمال كون الثابت من السبب المقتضي للضمان ما لا يشمل الفرض المزبور ، كما ستعرف تحقيق ذلك فيما يأتي إنشاء الله تعالى. هذا كله فيما إذا لم يحصل إلا منع المالك عن ماله.

( أما لو قعد على بساط غيره أو ركب دابته ضمن ) لتحقق معنى الغصب الذي هو الاستقلال أو الاستيلاء أو الاحتواء بل أو الأخذ بذلك فيهما ، بل في القواعد « ويتحقق إثبات اليد في المنقول بالنقل إلا في الدابة ، فيكفي الركوب ، وفي الفراش الجلوس عليه » وهو صريح في استثنائهما من المنقول ، وإن كان هو كما ترى.

فلا إشكال في تحقق الغصب مع الجلوس على البساط وركوب الدابة ، سواء قصده أم لا ، وسواء كان المالك حاضرا وأزعجه أم لا ، لتحقق الاستيلاء عليه على وجه العدوان حيث نعتبره ، أو مطلقا حيث يكتفى به في الضمان.

وربما قيل باشتراط نقل المنقول في ضمانه ، فلا يكفي مجرد ركوب الدابة من غير أن تنتقل به والجلوس على البساط كذلك ، نظرا إلى أن ذلك هو القبض في البيع وغيره لأمثاله من المنقولات.

وجوابه منع عدم تحقق القبض مطلقا بذلك ، فان القبض له حكمان :

١٧

أحدهما دخوله في ضمانه ، وهو حاصل بالركوب والجلوس من غير نقل ، والثاني تمكينه من التصرف ، وهذا يشترط في الركوب ، ونحوه إذن المالك فيه ، ولا فرق في هذا بين أن ينقله وعدمه ، فلا وجه لإخراج التصرف بغير النقل من القبض على هذا التقدير.

وكأنه لا حاصل له ، وإن كان الفاضل في محكي التذكرة قد ذكر أيضا « أن للقبض في البيع حكمين على ما سمعته من التفصيل إلا أن ذلك لا مدخل له في رد بعض الشافعية القائل بأن القبض هنا كالبيع لا يتحقق في المنقول إلا بنقله ، حتى أن الكركي في باب تسليم المبيع أشكله بأنه لو أخذه المشتري بيده ولم ينقله بل تسلمه في موضعه الذي كان فيه ثم تلف لا يكون في ضمانه ، مع أنه في يده ، وخبر عقبة بن خالد (١) يدل على ذلك ، إلا أن ما دل على ثبوت الضمان بإثبات اليد ينافيه ، والجواب يحتاج الى فضل تأمل ، وتحقيق هذا موقوف على تحقيق معنى إثبات اليد » انتهى.

فكون القبض له حكمان لا مدخل له في ذلك ، على أن مرجع الحكمين المزبورين إلى القبض والإقباض ، لا إلى اختلاف معنى القبض في المقام وفي البيع.

فالتحقيق في الجواب عدم اعتبار النقل في قبض المنقول في المقامين بل في كل مقام اعتبر الشارع فيه القبض ، لتحققه عرفا بإثبات اليد بتصرف بل وبدونه وإن لم يحصل فيه نقل ، كما حققنا ذلك في كتاب البيع ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

ومن الغريب ما يظهر من الفاضل في المقام من التفصيل في المنقول بين الدابة والفراش وبين غيرهما. فيتحقق القبض في الأولين بالركوب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الخيار ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

١٨

والجلوس وإن لم يكن نقل ، بخلاف غيرهما. ولا نعرف له وجها إلا دعوى العرف المردودة على مدعيها ، ضرورة اتحاد الجميع فيه.

وأغرب منه دعوى كون القبض هنا كالقبض في البيع الذي ذكروا فيه أنه في المكيل والموزون لا يحصل إلا بكيله ووزنه ، فيقتضي حينئذ توقف الغصب على ذلك ، وهو معلوم الفساد.

( و ) على كل حال فلا خلاف ولا إشكال عندنا في أنه ( يصح غصب العقار ويضمنه الغاصب ) بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى ما سمعته من النصوص (١) وإلى صحة بيعه وغيره مما يتوقف على تحقق القبض.

فما عن أبي حنيفة وتلميذه أبي يوسف ـ من عدم تصور غصبه لعدم تصور إثبات اليد فيه ـ واضح الضعف ، بل ( و ) الفساد ، ضرورة كونه ( يتحقق ) عرفا ( غصبه بإثبات اليد عليه مستقلا من دون إذن المالك ) من غير فرق بين أن يزعج المالك فيخرجه ويدخلها بقصد السكنى وعدمه بأن يستولي عليها ويتسلم مفاتيحها وإن لم يدخلها أصلا.

لكن في القواعد « أنه يتحقق الغصب في العقار بالدخول وإزعاج المالك ، فإن أزعج ولم يدخل أو دخل لا بقصد الاستيلاء ولم يزعج لم يضمن ».

ويمكن حمله على إرادة تحقق الغصب بذلك ، خصوصا مع ملاحظة كلامه في التذكرة ، لا توقفه عليه كما فهمه منه في المسالك ، وأورد عليه بالساكن مع المالك ، وبغصب العقار مع غيبة المالك.

ثم الظاهر أن تقييده بقصد الاستيلاء للاحتراز عن الداخل لا بقصده بل لينظر إليه ليتخذ مثله مثلا ، فإنه ليس بغاصب عرفا قطعا.

__________________

(١) المتقدمة في ص ٩.

١٩

لكن لو انهدمت في تلك الحال فعن التذكرة في الضمان إشكال ينشأ من أنه قد حصل التلف في يده ، كما لو أخذ منقولا من بين يدي مالكه لينظر إليه فتلف ، فإنه يضمنه ، ومن الفرق بينهما بأن اليد على العقار حكمية لا حقيقة كاليد على المنقول ، فلا بد في ثبوت اليد على العقار من أمر آخر ، وهو قصد الاستيلاء.

وفي جامع المقاصد بعد أن ذكر كلاما يوهم اعتبار الأمرين في غصب العقار ، قال : « وينبغي أن يقال : المزاحم للمالك في العقار إما أن يدخل عليه مستوليا أو لا ، وعلى كل من التقديرين إما أن يزعجه أو لا ، وعلى كل تقدير إما أن يكون الغير قويا والمالك ضعيفا أو بالعكس أو يكونان قويين ، هذه عدة صور » :

من يدخل على المالك مستوليا ويزعجه أو لا يزعجه ولكل منهما قوة فيضمن النصف ، لأن الإزعاج للمالك غير معتبر في الغصب للعقار كما ذكره في التذكرة.

ولا يعتبر قصد الاستيلاء إذا تحقق الاستيلاء وإن اعتبره هنا وفي التحرير ، لحصول اليد والاستيلاء حقيقة ، فهذه صورتان.

ولو دخل الضعيف على القوي بقصد الاستيلاء فليس بغاصب ، إذ لا أثر لقصد شي‌ء لا يتمكن من تحقيقه ، ولو دخل القوي على الضعيف مستوليا ( بحيث خ ) اضمحلت يده ، فالمتجه كونه غاصبا للجميع ، ولا فرق في هذين الموضعين بين الإزعاج وعدمه ، فهذه أربع صور اخرى.

ولو أزعج القوي لمثله ولم يدخل أو القوي الضعيف كذلك ففي تحقق الغصب إشكال ، ينشأ من أن قبض العقار يكفي فيه التمكن من التصرف والتخلية وتسليم المفتاح كما سبق في البيع ، وبذلك يدخل تحت‌

٢٠