جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الذي تقتضيه أصول المذهب ، لأن عين الزيت المغصوب قد استهلك ، لأنه لو طالبه برده بعينه لما قدر على ذلك.

وفيه أنه لا شي‌ء في أصول المذهب يقتضي الخروج بذلك عن الملك وإلا لخرج بالاختلاط أيضا بغير اختيار أو برضا منهما ، كما أنه ليس في شي‌ء منها ( ما ظ ) يقتضي الانتقال عن الملك بمحض التعدي لو غصب رطلا من هذا ورطلا من هذا وخلطهما ، فإنهما يكونان بذلك هالكين ، وانما تقتضي أصول المذهب بقاء كل منهما على ملك مالكه ، ويجري عليهما حكم المشترك بالإتلاف والبيع ونحوهما ، أو يثبت أن مثله سبب شرعي للشركة على وجه يكون الحبة الواحدة مشتركة بينهما وإن كانت في الواقع هي لأحدهما ، كما تقدم ذلك كله وغيره في كتاب الشركة (١).

وحينئذ فلا فرق بين المزج الاختياري والاتفاقي والغصبي في حصولها به ، وليس هو من الهلاك الموجب للضمان ، ضرورة إمكان التأدية ولو في ضمن الجميع ، أقصاه أنه يكون أداه مع غيره ، بل ليس هو من الحيلولة التي بمعنى تعذر إيصال المال إلى مالكه لمانع عن إيصاله ، بخلاف المقام الذي قد تعذر فيه إيصاله منفردا ، لا أصل الإيصال ، فهو حينئذ كالثوب المصبوغ أو كالصبغ الذي صبغ به الثوب ، فإنه لا شي‌ء منهما ينتقل إلى الذمة على وجه الضمان لكونه تالفا أو للحيلولة ، بل هو كباقي تعذر صفات المغصوب من الصحة والعيب ونحوهما.

( و ) بذلك كله يظهر لك الحال فيما ( لو ( إن خ ل ) خلطه بأدون أو أجود ) وقد قالوا في كتاب الشركة بحصولها به في القسمين الأولين على معنى الشركة بالثمن على نسبة القيمة. أما الثالث ففي المتن ( قيل : يضمن المثل ، لتعذر تسليم العين ، وقيل : يكون شريكا في ) ‌

__________________

(١) راجع ج ٢٦ ص ٢٩٠ ـ ٢٩٥.

١٦١

( فضل الجودة ، ويضمن المثل في فضل الرداءة إلا أن يرضى المالك بأخذ العين ) وظاهره عدم الترجيح كالمسالك وغيرها.

لكن في القواعد والتذكرة والإرشاد والمختلف والدروس وجامع المقاصد اختيار الشركة في الثاني ، بل صرح غير واحد منهم بأنه يقسم معه بالسوية مع فرض التساوي ، لأن الزيادة الحاصلة زيادة صفة حصلت بفعل الغاصب أو عنده عدوانا. فلا يسقط حق المالك من العين بسببها كما لو صاغ النقرة وعلف الدابة فسمنت وعلم العبد صنعة ، ودخول الضرر بذلك على الغاصب إنما كان بسوء اختياره.

لكن في محكي المبسوط « أن الغاصب بالخيار بين أن يعطيه من عينه أو مثله من غيره ، فان باعه قسم الثمن بينهما على قدر الزيتين ، والصحيح أن هذا كالمستهلك ، فيسقط حقه من العين ، ويصير في ذمة الغاصب ، لأنه قد تعذر أن يصل إلى عين ملكه بعينها ، فإذا انتقل إلى الذمة يكون الغاصب بالخيار بين أن يعطيه من عينه فيلزمه قبوله ، لأنه قد تطوع خيرا من زيته ، لا لأنه أعطاه عين ماله ، وبين أن يعطيه مثله من غيره » ونحوه عن السرائر ، واختاره في التحرير.

وفيه منع الاستهلاك الملحق بالتلف الموجب للانتقال في الذمة ، وإلا كان المساوي كذلك ، مع أن الشيخ لا يقول به ، بل دعوى كونه مال المالك مستهلكا ليس بأولى من القول بأن مال الغاصب مستهلك فلا شي‌ء له ، وهو واضح الفساد ، فالتحقيق بقاء مال المالك على ملكه.

ولكن الظاهر أن له من الثمن بنسبة ماله ، كالمال المخلوط بغير اختيار ، إذ دعوى كون ذلك كالآثار التي تحصل من فعل الغاصب واضحة الفساد ، ضرورة كون علو قيمته بأجزاء عينية من مال الغاصب الذي بغصبه لم يخرج عن الاحترام ، ولا يدخل في ملك المالك قهرا.

١٦٢

وبذلك يظهر لك ما في كلام الأولين ، ويمكن حمل ما في القواعد والإرشاد والتذكرة وغيرها من إطلاق الشركة على الوجه الذي ذكرناه ، لقاعدة لا ضرر ولا ضرار وغيرها من الاستصحاب ونحوه ، لا أن المراد الشركة حقيقة ، لعدم الدليل ، والضرر على مالك الجيد مع فرض إرادة المساواة على تقدير التساوي في الكم ، ولا دليل على الشركة في العين بحسب القيمة على وجه يكون لمالك الجيد في العين أزيد قدرا مما كان له ، بل لعل ظاهر الأدلة خلافه ، بل هو من الربا بناء على عمومه لمثل ذلك.

هذا وفي الرياض « واعلم أن ما ذكره الأكثر في المقامين أظهر إن أرادوا نفي الخيار للغاصب وإثباته للمالك ، وإن أرادوا لزوم القبول عليه فمشكل ، حيث يعتذر لعدم قبوله بعذر موجه ، ككون ماله حلالا ومال الغاصب الممزوج به مشبوها أو نحوه ، فإن إيجاب القبول عليه ضرر وأي ضرر ، فالتحقيق في المقامين ثبوت الخيار للمالك ».

وفيه ما لا يخفى ، بل هو من غرائب الكلام ، ضرورة اقتضاء المزج المزبور الشركة مع من له المال حتى لو علم كونه للغير ، فان ذلك لا يجعله بمنزلة التالف حتى ينتقل إلى المثل.

وكأن الذي أوقعه في هذا الكلام المقداد في التنقيح ، فإنه في المساوي حكى عن الشيخ في المبسوط قولين : أحدهما ضمان الغاصب ، فيتخير بين الدفع من الممزوج وبين غيره ، وثانيهما الشركة ، لأنه قادر على بعض عين ماله وبدل الباقي ، ولا معنى للتخيير مع وجود بعض العين ، كما لو غصب صاعين فتلف أحدهما ، فإن المالك يأخذ الموجود وبدل التالف ، ولا يلزمه أخذ بدل الكل ، فكذلك في صورة النزاع ، وهو اختيار المصنف والعلامة في المختلف.

وفيه نظر ، لأن العين وإن وجدت لكن يتعذر تسليمها منفردة ،

١٦٣

فليست كالصاعين ، وجاز أن يكون في زيت الغاصب شبهة وإن ساواه في الماهية ، وهو مع أنه كما ترى لا ترجيح فيه.

وقال في المزج بالأجود : « لا خلاف في أن للغاصب الدفع من العين ، ويجب على المالك القبول ، لاشتماله على الزيادة عن حقه مع تبرع الغاصب بها ، وهل للغاصب الدفع من غيرها مما يساوي مال المالك وحينئذ يجب على المالك القبول ، إذ لا تفاوت عليه أم لا؟ يظهر من كلام الشيخ الأول ، وتبعه ابن إدريس ، والأجود أن الخيار للمالك ، فله المطالبة بالعين منه ، لوجود حقه فيها ، والزيادة تبرع من الغاصب ، كما لو علم العبد صنعة ، فإن له أخذ عبده وإن زادت قيمته ، وله المطالبة بالمثل من غيرها ، لما قلناه أولا ولجواز اشتماله على منة لا يجب تحملها ».

وهو ـ مع ما فيه من منافاة ما استجوده لما نفى الخلاف فيه ، مع فرض كون المراد على الإطلاق ، كما سمعته من الرياض ، بل هو ظاهر التعليل أيضا ، ومع منافاة الخيار إذا كان ذلك من قبل تعلم الصنعة ، ضرورة وجوب القبول عليه ـ لا حاصل له ، وكأنه لم يسمع في المقام وفي كتاب الشركة حصولها في ذلك وفي المساوي ، ولم يلحظ كلام الأصحاب وتعبيرهم بالشركة في المقامين وإن كانت على التفصيل الذي ذكرناه.

ومن الغريب نفيه الخلاف ، وقد عرفت المخالف ، وهو القائل بالشركة على معنى كونه في الثمن على النسبة ، فإنه لا يجب عليه القبول حينئذ.

وأما الأول الذي هو الخلط بالأدون ففي القواعد والتذكرة وجامع المقاصد والروضة يتخير المالك بين المثل والعين مع الأرش ، لأنه في حكم المستهلك بالاختلاط المزبور ، إلا أن حق المالك لا يسقط من العين بفعل‌

١٦٤

الغاصب مع إمكان التوصل إلى البعض ، والنقص في الخليط يجب جبره بالأرش إذا كانا غير ربويين ، أو كانا وقلنا بعدم جريان الربا فيه ، باعتبار أنه غرامة عما جناه الغاصب على ماله لا بيع ، بل ولا معاوضة بناء عن عموم الربا لسائر المعاوضات. فما في الرياض من إشكال الأرش في الربويين بذلك لا يخلو من نظر.

هذا وفي المبسوط والسرائر والإرشاد واللمعة والدروس وغيرها أنه يضمن بالمثل ، لأنه مستهلك ، وفي التنقيح لا خلاف في أنه يضمن بالمثل ، ولا يخفى عليك ما في القولين بعد الإحاطة بما ذكرناه ، كما لا يخفى عليك ما في نفي الخلاف.

والتحقيق بقاء المال على ملك مالكه ، ويشتركان في قيمته بالنسبة ، كما لو اختلط المالان بغير اختيار ، وما أدري ما الذي دعاهم إلى الفرق بين المزج الغصبي وبين المزج الاتفاقي؟! فتأمل.

بل ذلك صريح الاستدلال في الرياض وغيره على الحكم في المساوي فضلا عن غيره بأن عين مال المالك موجودة في الجملة ، وغايته أنها بغيرها ممتزجة ، وذلك لا يخرجها عن ملكه ، ولأن في ذلك إيصال المالك إلى بعض حقه بعينه وإلى بدل بعضه من غير زيادة فوت ، فكان أولى من إيصاله إلى بدل الكل.

إذ هو كما ترى أجنبي عن اقتضاء المزج المزبور الشركة ، ولو على الوجه الذي ذكرناه ، كما هو واضح ، والله العالم.

هذا كله في الخلط بالجنس ( أما لو خلط بغير جنسه ) كما إذا خلط الزيت بالشيرج وخلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير ( لكان مستهلكا وضمن المثل ) كما صرح به الفاضل والشهيدان والشيخ فيما حكي عنه وغيرهم ، بل في الكفاية أنه أشهر ، بل لا أجد فيه خلافا ، لأنه‌

١٦٥

تالف ، لبطلان فائدته وخاصيته ، بخلاف الجيد مع الردي المتفقين في الجنس.

نعم احتمل في التذكرة قويا ثبوت الشركة ، كما لو مزجاه بالرضا أو امتزجا بأنفسهما. وفي المسالك « له وجه ، لأن إسقاط حقه من العين مع وجودها بعيد ، إلا أنه يشكل بأنه على تقدير القسمة الإجبارية يكون قد حتمنا على المالك أخذ غير المثل إن كان الطالب هو الغاصب ، أو كلفنا الغاصب بغير المثل في المثلي إن كان الطالب المالك ، وكلاهما خارج عن قواعد الغصب ، لكنه وارد على تقدير امتزاجهما بغير الغصب كما مر. وفيه جمع بين الحقين ».

قلت : ظاهرهما المفروغية من الشركة في مثله إذا كان بغير الغصب وقد تقدم في كتاب الشركة أن ظاهرهم تحققها بمزج المتفقين في الجنس أما غيره فلا ، إلا أنا احتملناه هناك ، لكن على معنى الشركة في الثمن على حسب نسبة قيمة المال ، لا على معنى ملك كل منهما بعض ما للآخر المنافي للأصل بلا دليل. ولا بأس بالقول بمثله في المقام ، ولا منافاة فيه لقواعد الغصب ، إذ ليس هو من التلف الموجب للمثل ، بل هو من مزج المالين الذي لا يمكن تخليص أحدهما من الآخر ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة ) :

لا خلاف في أن ( فوائد المغصوب مضمونة بالغصب ، وهي مملوكة للمغصوب منه ) لأنها نماء ملكه ( وإن ) كان قد ( تجددت في يد ) ‌

١٦٦

( الغاصب أعيانا كانت كاللبن والشعر والولد والثمر أو منافع كسكنى الدار وركوب الدابة ) بل الإجماع بقسميه عليه ، بل وعلى عدم الفرق أيضا في المنافع بين الفوات والتفويت.

( وكذا ) الكلام في ( منفعة كل ما له اجرة بالعادة ) لأن المنافع محسوبة أموالا شرعا ، وقبضها بقبض العين ، أما إذا لم يكن لها اجرة في العادة كالغنم والشجر ونحوهما مما لا تستأجر عادة لذلك وإن قلنا بصحة إجارتها لبعض الانتفاعات إلا أنها ليست أموالا عرفا ، والأصل البراءة ، بل قد يقال بذلك حتى لو استوفاها ، بأن نشر ثيابه على الشجر مثلا أو ربط دابته بأصله ، نعم لو كان قد آجره لذلك كانت الأجرة للمغصوب منه بعد الإجارة ، كما هو واضح.

انما الكلام فيما لو تعددت منافعه كالعبد الخياط الحائك ففي القواعد في موضع منها « والمنافع المباحة مضمونة بالفوات تحت اليد والتفويت ، ولو تعددت المنافع كالعبد الخياط الحائك لزمه أجرة أعلاها ، ولا تجب اجرة الكل » وفي موضع آخر منها « إن الغاصب يضمن الأجرة ، أي للعين المغصوبة وإن لم ينتفع بأجرة المثل عن عمل مطلق مدة الغصب ، ولو انتفع بالأزيد ضمن الأزيد ، وإن انتفع بالأنقص ضمن اجرة المطلق ».

وفي الدروس « لو استعمله بما له اجرة زائدة عن اجرة المثل المطلقة لزمه الزائد ».

لكن في الروضة « لو تعددت المنافع فإن أمكن فعلها جملة أو فعل أكثر من واحدة وجب اجرة ما أمكن ، وإلا كالخياطة والحياكة والكتابة فأعلاها اجرة ، ولو كانت الواحدة أعلى منفردة عن منافع متعددة يمكن جمعها ضمن الأعلى ».

وفي المسالك « إن استعملها في الأعلى ضمنها ، وإن استعملها في‌

١٦٧

الوسطى أو الدنيا أو لم يستعملها ففي ضمان أجرة متوسطة أو الأعلى وجهان ـ ثم قال ـ : وفي القواعد اعتبر في اجرة الصانع الأعلى ، ثم حكم في مطلق المغصوب بضمان اجرة المثل عن عمل مطلق ، ولعل المطلق شامل للأعلى ، لأن المراد بأجرة المطلق أجرته لعمل يليق به عادة من غير تقييد بعمل مخصوص ، كالكتابة مثلا ، أو الخياطة أو ركوب الدابة أو تحميل التراب عليها أو البر ، فيتناول الأعلى حيث يكون قابلا ، وربما فسر المطلق بالمتوسط ، فيختلف الحكم ».

وكأنه أشار بما ذكره أخيرا إلى ما في جامع المقاصد من أن المراد بالعمل المطلق المتوسط الذي لا يكون مقيدا بقيد القلة والكثرة ، وفي فهم المتوسط من المطلق خفاء ، إلا أن ما سيذكره في العبارة يرشد إلى ذلك ، ووجه ضمانه أن المتوسط هو الغالب ، فإن إدآب الأجير لنفسه فوق المعتاد نادر ، كما أن الرضا بالتراخي أيضا نادر.

فان قلت : كيف وجب في المنافع أجرة الأعلى ووجب في العمل أجرة الأوسط؟ قلت : لا أولوية بالنسبة إلى المنافع للقادر عليها ، فان كلا منهما ممكن على حد سواء ، بخلاف العمل ، فان في مراتبه تفاوتا.

ثم قال في وجه الآخر بعد تفسيره المطلق بالمتوسط أيضا : « أما الأول فلأنه قد استوفاه ، فيجب بدل ما استوفاه ، وأما الثاني فلأن الزائد على الأنقص قد فات ، وهو محسوب على الغاصب » واختصر في شرح العبارة الأولى على التعليل بعدم استيفاء الكل دفعة والمنفعة العليا من جملة ما فات تحت اليد ، فتجب أجرتها ، والمراد اجرة المثل وكأنه فهم من عبارة « أجرة المثل » ذات العمل المتحد ، فلاحظ الوسط فيه ، إلا أن الإطلاق يقتضي الأعم ، فيمكن أن يقال : إن المراد‌

١٦٨

بمطلق مثل العمل مدة الغصب هو ملاحظة أجرة المثل لتلك العين المغصوبة القابلة للانتفاع بها تلك المنافع المتعددة إن كانت من غير ملاحظة منفعة مخصوصة إن لم تكن قد استوفى الأعلى منها وإلا كان له ، فان استعملت في الأدنى ضمن اجرة المطلق المزبور ، كما إذا لم يستعملها ، ودعوى لزوم ذلك للأعلى ممنوعة ، نعم مقتضاه عدم الفرق بين العبد ذي المنافع المتعددة وغيره.

ولعله لذا أطلق في الدروس ، بل لا يبعد أن يكون ذلك من الفاضل رجوعا عما ذكره أولا من ضمان الأعلى ، ضرورة عدم فوات الأعلى بخصوصها ، إذ هو أحد المنافع الفائتة على البدل ، بل لا يبعد التقويم بما ذكرنا حتى في ذي المنافع المتعددة القابل للإتيان بها أجمع دفعة ، فان ذلك أيضا أحد الأبدال ، فتأمل جيدا ، فإنه دقيق ، وهو الأصح.

نعم يلحظ الوسط من كل منفعة الموافق للمعتاد لا النادر ، كما أنه يلحظ في الدابة وغيرها أجرتها في الوقت المعتاد فعله ، كالنهار دون الليل إلا أن يكون له منفعة معتادة في الليل أيضا ، وبالجملة فالميزان ما عرفت ، والله العالم.

( و ) على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا غير مرة أنه ( لو سمنت الدابة في يد الغاصب أو تعلم المملوك صنعة أو علما فزادت قيمته ضمن الغاصب تلك الزيادة ) على معنى دخولها في ضمانه ، كما لو كانت سمينة كذلك عند المالك.

وحينئذ ( فلو هزلت ) الدابة ( أو نسي ) المملوك ( الصنعة أو ما علمه فنقصت القيمة لذلك ضمن الأرش ) وهو التفاوت ( وإن رد العين ) على المالك ، لما عرفته من ضمانه ذلك ولو للمتجدد من‌

١٦٩

فعله مما يكون أثرا تابعا لعين المالك.

( ولو تلفت ) العين قبل أن يردها ( يضمن قيمة الأصل والزيادة ) التي هي الأرش كما في غير ذلك من الصفات التي كانت عند المالك أو تجددت عند الغاصب ، والله العالم.

( فرعان : )

( الأول : )

( لو زادت القيمة لزيادة صفة ) كانت في يد المالك أو تجددت عند الغاصب ( ثم زالت ) تلك ( الصفة ثم عادت الصفة ) بعينها كما لو كانت كاتبا فنسي ثم تذكر ، أو ذا صنعة كذلك ( و ) عادت ( القيمة ) بعودها ( لم يضمن قيمة الزيادة التالفة ، لأنها انجبرت بالثانية ) فكأنها لم تزل ، على أن ملاحظتها مع الموجودة حال التلف غير معقولة ، ضرورة كونه بمنزلة ملاحظتها مرتين ، إذ ليست هي إلا صفة واحدة ، والمتجددة ليس غيرها على وجه تضم معها. اللهم إلا أن يراد ضم مقدار النقص السابق مع القيمة حال التلف ، كما أنه يدفعه مع العين لو ردها.

( و ) على كل حال فلا ضمان ، للأصل وصدق الأداء لما أخذ حتى على المعنى الذي ذكرناه سابقا ، وقاعدة نفي الضرر وأن الظالم لا يظلم وغير ذلك.

نعم ( لو نقصت الثانية عن قيمة الأولى ضمن التفاوت ) لعدم الجابر حينئذ للنقص الفائت ، بل لعل الأمر كذلك فيما إذا لم يكن العائد‌

١٧٠

عين الأول ، كالسمن الذي تعقبه هزال ثم السمن على وجه عادت القيمة بالسمن الأول ، بحيث لو لوحظ الأول والحادث لم يبلغ ( لم يتجاوز خ ل ) القيمة المزبورة وإن كان السمن المتجدد من الله تعالى شأنه وليس هو السمن الأول ، إلا أنه لما كان فرض ملاحظته مع الأول لا يزيد في قيمة العين ـ بل إما القيمة واحدة أو ينقصها ـ لم يكن وجه لضمان الفائت الذي هو على هذا التقدير ليس بفائت.

لكن في المسالك « فيه قولان : أحدهما أنه ينجبر أيضا ويسقط الغرم كما لو أبق العبد فعاد أو جنى على عينه فابيضت ثم زال ذلك البياض ، والثاني العدم ، لأن السمن الثاني غير الأول ، والأول وقع مضمونا ، والثاني تجدد هبة من الله تعالى شأنه كالأول لو كان متجددا ، فلا يحصل للغاصب بسببه شي‌ء ، وهذا أظهر ».

وفيه ما عرفت ، نعم هو متجه لو فرش زيادة القيمة بملاحظة التالف مع الموجود ، ولا يبعد أن يكون على ذلك المدار في الانجبار وعدمه في سائر الصفات ، فكل صفة ذاهبة يمكن تقديرها مع المتجددة وتزداد القيمة بذلك هي لا تنجبر بالمتجددة ، وكل صفة لا يمكن تقديرها مع المتجددة أو أمكن ولكن لا تزيد بها القيمة عن المتجددة بل هي هي أو تنقص لا تضمن وتنجبر بالثانية.

وحينئذ فكل من المحكي عن صريح المبسوط والإرشاد من إطلاق الانجبار في مثل السمن ، كظاهر المصنف ، لأصالة عدم الضمان ، وصريح محكي التذكرة وجامع المقاصد وظاهر الدروس من إطلاق عدم الانجبار ، لأن الثاني مال متجدد للمالك والأول مال ذاهب ، ولثبوت الضمان بالهزال الأول ، ولا دليل على البراءة منه ، فالأصل يقتضي بقاءه ، لا يخلو من نظر ، لما عرفت من التفصيل المزبور الذي لا يخفى عليك ما في الأصلين‌

١٧١

المزبورين معه خصوصا الأخير الممنوع قرار الضمان فيه ، بل هو متزلزل مراعى ، كضمان الحيلولة وكضمان الصفة الذاهبة المحتمل عودها بعينها ، كالتذكر بعد النسيان الذي لا إشكال في الانجبار فيه.

بل لا يبعد أن يقال بكون التفاوت لو دفعه إليه متزلزلا مراعى بعدم العود كالحيلولة ، فلو رد العبد الذي نسي الصنعة ودفع معه الأرش ثم تذكرها وهو في يد المالك رد إلى الغاصب ما أخذ منه ، فان المدار في ذلك على قاعدة نفي الضرر والضرار التي مقتضاها ما عرفت.

( واحتمال ) أن يقال : إن التالف مال قد ذهب في يد الغاصب وهو مضمون عليه ، وما تجدد نماء مال المالك هبة من الله تعالى شأنه ، فلا وجه لجبره الأول ، بل يأخذ الأرش منه وإن رد العبد إليه بالقيمة السابقة ( يدفعه ) أنه ضرر على الغاصب منفي بالقاعدة المزبورة التي لا ينافيها غصبه ، فان الظالم لا يظلم ، بل ليس الفرض إلا كغصب دابة هزلت وكانت قيمتها هزلة وسمينة واحدة ، فإنه لا شي‌ء على الغاصب بلا خلاف أجده ، كما تسمعه من المصنف ، وقد قدمنا الكلام فيه سابقا ، ضرورة كون الذاهب حينئذ لا قيمة له ، فتأمل جيدا ، فاني لم أجد ما ذكرناه من الضابط محررا في كلام الأصحاب.

بل لا يخلو كلام بعضهم من تشويش ، كالفاضل في التذكرة الذي قد سمعت صريح المحكي عنه من عدم الانجبار في مسألة السمن ، قال في العبد : « إذا مرض عند الغاصب ثم بري‌ء رده من غير شي‌ء » وهو مناف لذلك ، والله العالم.

وكيف كان فهذا كله فيما لو تجددت صفة مثل الأولى ، كالسمن المفروض.

( أما لو تجددت صفة غيرها مثل أن سمنت فزادت قيمتها ثم ) ‌

١٧٢

( هزلت فنقصت قيمتها ثم تعلمت صنعة ) مثلا ( فزادت قيمتها ردها وما نقص بفوات الأولى ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه بل هو مقتضى الضابط الذي ذكرناه ، ضرورة زيادة القيمة بتقدير السمن الفائت مع الصفة المتجددة ، فيضمنه الغاصب الذي قد فات تحت يده.

بل لو تكرر النقصان وكان في كل مرة مغايرا بالنوع للناقص في المرة الأخرى ضمن الكل ، حتى لو غصب جارية قيمتها ماءة فسمنت وبلغت القيمة ألفا وتعلمت صنعة فبلغت ألفين ثم هزلت ونسيت الصنعة فعادت قيمتها إلى ماءة ردها وغرم ألفا وتسعمأة ، وكذا لو علم المغصوب سورة من القرآن أو حرفة فنسيها ثم علمه حرفة أو سورة أخرى فنسيها أيضا ضمنهما.

نعم إن لم تكن مغايرة بأن كانت سورة واحدة أو حرفة واحدة مرارا وهو ينساها في كل مرة لم يضمن إلا أكثر المراتب نقصانا. وإن قال في المسالك : فيه الوجهان ، كما قال في العبد : « إذا مرض ثم بري‌ء فزال أثر المرض ففي جبر الصحة للفائت منها وجهان : نعم ، لأن الصحة الثابتة هي الأولى ، وبه قطع في التذكرة ، والثاني العدم ، لمنع كونها الأولى ، بل يكفي الشك فيستصحب حكم الضمان ، وكذا الحكم فيما لو رده مريضا ثم بري‌ء وزال الأثر ».

وقال أيضا : « لو غصب شجرة فتحات ورقها ثم أورقت ، أو شاة فجز صوفها ثم نبت يغرم الأول ، ولا يجبر بالثاني ، لأنه غيره ، بخلاف ما لو سقط سن الجارية المغصوبة ثم نبت شعرها أو امتعط ( تمعط خ ل ) شعرها ثم نبت ، فإنه يحصل الانجبار ، والفرق أن الورق والصوف متقومان فيغرمهما ، وسن الجارية وشعرها غير متقومين ، وانما يغرم أرش‌

١٧٣

النقص الحاصل بفقدانهما وقد زال هكذا ، قيل : وهذا يتم في الشعر ، أما في السن فلا ، لأن لها مقدرا في الحر ، فيكون حكمها في الرق بنسبته من القيمة ».

قلت : لا يخفى عليك الحال في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه من الضابط المزبور ، كما أنه لا يخفى عليك خروج ضمان نحو الصوف والورق عما نحن فيه ، ضرورة كونها أعيانا مملوكة لا مدخلية للمتجدد منها في مالية الذاهب ، بل ولا إطلاقه الفرق بين الشعر والسن كما تعرفه في محله إنشاء الله تعالى ، فتأمل جيدا.

ولو زادت قيمة الجارية بتعلم صنعة محرمة كالغناء ثم نسيته ففي المسالك « قيل : لم يضمن النقصان ، لأنه محرم والمضمون الزيادة المحترمة ، وربما احتمل هنا الغرم ، لأن الواجب على الغاصب قيمتها كذلك ، ولهذا لو غصب عبدا مغنيا يغرم تمام قيمته ».

قلت : ينبغي الجزم بالاحتمال المزبور ، ولا ينافي ذلك ما سمعته من عبارة القواعد من تقييد المنافع المضمونة بالمباحة ، لأن الظاهر إرادة إخراج المنافع المحرمة كالغناء واللعب بآلات اللهو ونحو ذلك مما هو غير زيادة القيمة بتعلم العلوم التي استعمالها محرم كالسحر والموسيقى وغيرهما مما يزيد في القيمة معرفته وإن لم يستعمله ، ولو لأنه قد يحتاج اليه على وجه لا حرمة فيه ، كما هو واضح.

١٧٤

الفرع ( الثاني : )

( لا يضمن من الزيادة المتصلة ما لم تزد به القيمة كالسمن المفرط ) في الحيوان الذي لا يراد فيه ذلك ( إذا زال والقيمة على حالها أو زائدة ) بلا خلاف ولا إشكال ، إذ المعتبر من هذه الصفات ماله أثر في القيمة دون غيره ، من غير فرق بين الموجود حال الغصب والمتجدد ، بل قد عرفت أن المدار على قاعدة « لا ضرر ولا ضرار » مضافا إلى قاعدة « على اليد ».

وكأنه احترز بقوله : « والقيمة بحالها » عما لو كان بعض السمن لا أثر له في القيمة وبعضه له أثر فزال الجميع ، فإنه يضمن قيمة ما له أثر فيها دون ما زاد عليه ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة : )

لا خلاف ولا إشكال في أنه ( لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد ) الذي معناه عدم ترتب الأثر عليه ، فيبقى حينئذ على ملك المالك ، وتسميته شراء مع فساده لأعمية البيع من الصحيح والفاسد ، أو مجازا بناء على أنه حقيقة في الصحيح وإن كان هو واضح الفساد ، بل مقتضاه الإجمال المقتضي لبطلان الاستدلال على نفي ما شك فيه من الشرائط والموانع بناء على احتماله.

( و ) كذا لا خلاف ولا إشكال في أنه أي المشتري ( يضمنه ) ‌

١٧٥

( وما يتجدد من منافعه ) أعيانا وغيرها ، لأصالة الضمان المستفاد من‌ عموم « على اليد » (١) وغيرها ، وهو مبنى قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، مضافا إلى إقدامه على كونه مضمونا عليه لو صح البيع بمعنى أن تلفه من ماله ، فيكون في فاسده كذلك. بل لا غرور فيه بالنسبة إلى ذلك في صورة علم البائع بالفساد فضلا عن غيرها.

ومن هنا لم يفرقوا في الضمان المزبور بين العالمين والجاهلين والمختلفين ، ووسوسة بعض الناس في صورة العالمين أو علم البائع في غير محلها.

( و ) كذا يضمن ( ما يزداد من قيمته لزيادة صفة فيه ) ولو متجددة في يده ثم ذهبت فنقصت قيمته. ( ف ) يرده حينئذ مع الأرش ، إذ هو حينئذ كالعين المغصوبة في هذه الأحكام.

بل في المتن وغيره ( إن تلف في يده ضمن العين بأعلى القيم من حين قبضه إلى حين تلفه إن لم يكن مثليا ) لأنه من المغصوب الذي عرفت حكمه كذلك عند المصنف وغيره ، باعتبار أن المالك لم يأذن في قبضه إلا على تقدير صحة البيع ، فبدونه يكون موضوعا بيده بغير حق.

لكن في المسالك « هذا يتم على تفسير الغصب بأنه الاستيلاء على مال الغير بغير حق ، أما لو اعتبرنا العدوان لم يتم كونه غاصبا إلا بتقدير علمه بالفساد وجهل البائع ، أما مع جهلهما أو جهل المشتري فليست يده يد عدوان ، والوجه حينئذ أنه يضمن القيمة يوم التلف إن لم نقل في الغاصب مطلقا كذلك ، وإلا كان الحكم فيه كذلك مطلقا بطريق أولى ».

وفيه أنه على تقدير العلم ليس بغاصب أيضا ، لما عرفت من أنه‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

١٧٦

القاهر غيره ، كما عرفت أن الوجه في ضمان الأعلى إن كان صحيح أبي ولاد (١) اختص بالغاصب ، وإلا فما ذكرناه من الوجه له لا يخصه خصوصا إذا قلنا : إن وجهه الدخول في الضمان بمجرد القبض على معنى كونه مخاطبا برده أو قيمته لو تلف في كل آن ، فإذا فرض حصول العليا في ذمته في آن من الآنات لا دليل على سقوطها إلا إذا رد العين نفسها ، والأمر سهل بعد ما عرفت من تحقيق الحال في المغصوب فضلا عن مفروض المقام.

وكيف كان فلا يخفى عليك أن المقام ـ حيث يكون الفساد من جهة كون المبيع مستحقا للغير ـ من مسألة تعاقب الأيدي على المغصوب التي قد عرفت تحقيق الحال فيها ، كما أنه تقدم في كتاب البيع (٢) جملة من أحكام المسألة.

إلا أن المصنف وغيره ذكروا ذلك منها هنا باعتبار بعض الأحكام الخاصة بها من حيث الشراء من الغاصب ، فقال ( ولو اشترى من غاصب ) ولم يجز بناء على جريان الفضولي فيه ( ضمن العين والمنافع ) على حسب ما عرفت ( ولا يرجع على الغاصب ) بشي‌ء إذا غرم منهما ( إن كان عالما ) ضرورة كونه كالغاصب حكما ، إذا لا غرور منه.

( و ) لكن ( للمالك الرجوع على أيهما شاء ) في المطالبة بالعين أو بدلها ومنافعها وصفاتها حتى المتجدد في يد المشتري منها ، لأن كلا منهما مصداق‌ « على اليد ما أخذت » (٣) و « المغصوب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ١.

(٢) راجع ج ٢٢ ص ٤١٣ ـ ٤١٦.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤. وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

١٧٧

مردود » (١) وغير ذلك من الأدلة كتابا (٢) وسنة (٣) وإجماعا بقسميه.

( فان رجع على الغاصب ) بالبدل ( رجع الغاصب على المشتري ) الذي استقر الضمان عليه بالتلف في يده ، لعدم الغرور.

( و ) لذلك ( إن رجع ) المالك ( علي ) ه‍ أي ( المشتري لم يرجع على الغاصب ) بشي‌ء ( لاستقرار التلف في يده ) الموجب للرجوع عليه ، كما أوضحناه في مسألة تعاقب الأيدي.

نعم لو كان قبل بيعه قد استوفى شيئا من المنافع أو مضى زمان يمكن استيفاء شي‌ء منها فيه أو نقصت في يده نقصانا مضمونا اختص بضمانه من غير أن يرجع به على المشتري ابتداء أو عودا ، بل لا رجوع للمشترى على الغاصب مع علمه حتى بالثمن مع تلفه إجماعا عقوبة له.

بل في المسالك أن الأشهر عدم الرجوع به مع وجود عينه ، بل ادعى عليه في التذكرة الإجماع وإن كان لا يخلو من نظر قد تقدم في كتاب البيع (٤). بل عن المصنف في بعض رسائله قول بجواز الرجوع به حينئذ ، بل في الروضة حكايته عنه مطلقا ، بل قواه هو فيها مصرحا بأن الواقع خلاف الإجماع المزبور ، بل الشهيد في اللمعة أيضا صرح بالرجوع مع بقاء العين مع العلم والجهل ، ولا ريب في قوته من حيث القواعد. هذا كله مع علمه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٤ من كتاب الخمس ، وفيه‌ « الغصب كله مردود » ‌

. (٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٤ وسورة الشورى : ٤٢ ـ الآية ٤٠ وسورة النحل : ١٦ ـ الآية ١٢٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب.

(٤) راجع ج ٢٢ ص ٣٠٥.

١٧٨

( وإن كان المشتري جاهلا بالغصب رجع على البائع بما دفع من الثمن ) إن باقيا وبدله إن كان تالفا ، لظهور فساد العقد الموجب لتراد العوضين.

ثم إن كانت قيمة العين بقدر الثمن فذاك ، وإن كانت أزيد ففي رجوعه على الغاصب بالزيادة عن الثمن وجهان ، من أن الشراء عقد ضمان ، وقد شرع فيه على أن يكون العين من ضمانه وإن كان الشراء صحيحا ، ومن دخوله على أن يكون المجموع في مقابلة الثمن ، وهو يقتضي كون الزائد عليه في معنى التبرع به وإعطائه إياه بغير عوض ، فأخذ ( فإذا أخذ خ ل ) منه عوضه فيرجع ( رجع خ ل ) به.

وفي المسالك « وهذا قوى ، ولا يمنع من ذلك كون البيع عقد ضمان ، لأنه إن كان المراد من كونه عقد ضمان أنه إذا تلف المبيع عنده تلف من ماله واستقر عليه الثمن فهذا مسلم ، ولكن لم يكن شارعا فيه على أن يضمن القيمة ، ومعلوم أنه لو لم يكن المبيع مغصوبا لم يلزمه شي‌ء بالتلف ، غايته أن يكون ما قابل الثمن من المبيع مأخوذا بعوضه والباقي سالم له بغير عوض ، فكان الغاصب غارا موقعا إياه في خطر الضمان ، فليرجع عليه ، وإن كان المراد غيره فلم قلتم : إن الشراء عقد ضمان مطلقا ، وحينئذ فإن رجع المالك على المشتري جاهلا بعوض المبيع لم يرجع به على الغاصب البائع إن لم تزد قيمته عن الثمن ، وإن رجع به على الغاصب رجع به على المشتري ، وإن رجع بالزيادة على المشتري رجع بها على الغاصب ، وإن رجع بها على الغاصب لم يرجع بها على المشتري ، ويظهر من إطلاق المصنف عدم رجوع المشتري بالدرك مثلا أو قيمة ، ومن تعليله بكون قبضه مضمونا عدم رجوعه بالزائد ، وقد عرفت جواب التعليل ».

قلت : الظاهر صحة إطلاق المصنف ( وللمالك مطالبته بالدرك ) ‌

١٧٩

( إما مثلا أو قيمة ، ولا يرجع بذلك على الغاصب ، لأنه قبض ذلك مضمونا ، ولو طالب الغاصب بذلك رجع الغاصب على المشتري ) الذي هو غير مغرور بالنسبة إلى ذلك ، ويده يد ضمان للشي‌ء مثلا أو قيمة لو فسد البيع بفساد صيغة ونحوها ، كما لا إشكال في عدم رجوعه به ، وهذا معنى إقدامه على كون العين مضمونة عليه ، لا ما ذكره.

وما في الروضة ـ من أن ضمانه للمثل والقيمة أمر زائد على فوات العين الذي قد قدم على ضمانه وهو مغرور من البائع بكون المجموع له بالثمن ، فالزائد بمنزلة ما رجع عليه به ، وقد حصل في مقابلته نفع بل أولى ـ لا محصل له ، خصوصا قوله : « فالزائد » إلى آخره. بناء على عدم رجوعه بمثله.

ثم قال : « هذا إذا كانت الزيادة على الثمن موجودة حال البيع ، أما لو تجددت بعده فحكمها حكم الثمرة ، فيرجع بها أيضا كغيرها مما حصل له نفع في مقابله على الأقوى ، لغروره ودخوله على أن يكون ذلك له بغير عوض ».

وهو مثل سابقه أيضا ، ضرورة كون الاقدام المزبور إنما هو على تقدير صحة البيع لا مطلقا ، إذ هو معنى كون البيع عقد ضمان كما عرفت ، ودعوى أن الفعل نفسه غرور ممنوعة بعد ما عرفت من كون مبناه كذلك نحو الفساد بغير ذلك من الخلل في الشرائط الذي لا كلام عندهم في ضمان المشتري المبيع بزيادة قيمته حتى مع علم البائع بالفساد دون المشتري وإن وسوس فيه بعض الناس لكنه في غير محله.

واحتمال الفرق بأن ذلك إنما نشأ من الجهل بالحكم الشرعي الذي لا مدخلية فيه للبائع بخلاف المقام الذي منشأه الجهل بالموضوع ، والفرض علم البائع به دونه.

١٨٠