جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

طعاما فبعثت به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذني الأفكل فكسرت الإناء ، فقلت : يا رسول الله ما كفارة ما صنعت؟ فقال :إناء مثل الإناء وطعام مثل الطعام » وعن أنس (١) « أن امرأة كسرت قصعة أخرى فدفع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قصعة الكاسرة إلى صاحبة المكسورة ، وحبس المكسورة في بيته » ـ ليس حجة عندنا مع إمكان حمل الأخير منهما على علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بحصول الرضا منهما بذلك ، بل وإمكان حمله والأول على تحقق المثلية فيهما ، وغير ذلك.

نعم للأصحاب خلاف في تعيين القيمة ، فعن المقنعة والمراسم وموضع من المبسوط والنهاية وفي النافع وكشف الرموز أنها ( يوم غصبه و ) كأنه مال إليه في الإرشاد ، بل في التحرير ( هو اختيار الأكثر ) لأنه أول وقت دخول العين في ضمان الغاصب ، والضمان انما هو القيمة ، فيضمن بالغصب حالة ابتدائه.

وفيه أن الحكم بضمان العين بمعنى أنه لو تلفت وجب القيمة بدلها ، لا وجوب قيمتها حينئذ ، فان الواجب ما دامت العين باقية ردها ، ولا ينتقل إلى القيمة إلا مع التلف ، فلا يلزم من الحكم بضمانها على هذا الوجه اعتبار ذلك الوقت.

نعم قد يستدل له بما في‌ صحيح أبي ولاد (٢) المتضمن غصب البغل بمخالفته لما وقع بينه وبين صاحبه « أرأيت لو عطب البغل أو أنفق أليس كان يلزمني؟ فقال الصادق عليه‌السلام : نعم قيمة بغل يوم خالفته ».

وفيه احتمال تعلق الظرف بالفعل المدلول عليه بقول : « نعم » ‌

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ٩٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ١.

١٠١

فيكون المراد يلزمك يوم المخالفة قيمة البغل لو عطب ، بمعنى أنها تتعلق بك ذلك اليوم ، وحينئذ فحد القيمة غير مبين فيه ، فلا ينافي ما دل على القيمة يوم التلف الذي ستعرف أنه الأصح.

ودعوى أن الأول أظهر ممنوعة ، بل قيل : إن ما ذكرناه أظهر بشهادة قوله فيه بعد ذلك : « فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر ، قال عليه‌السلام : عليك قيمته ما بين وقت الصحة والعيب يوم ترده عليه ، قلت : فمن يعرف ذلك؟ قال : أنت وهو ، إما أن يحلف على القيمة فيلزمك ، وإن رد اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمك ذلك ، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا فيلزمك ». الظاهر في اعتبار القيمة يوم الرد لا الغصب.

وإن كان فيه ( أولا ) أن الموجود فيما حضرني من نسخة التهذيب الصحيحة المحشاة « ترده عليه » من دون لفظ « يوم » ومعناه أنك ترد الأرش عليه مع البغل. ( وثانيا ) أنه على التقدير المزبور كما يخالف يوم الغصب يخالف يوم التلف ، ضرورة كونه غير يوم الرد ، فلا يوافق المختار ، بل ولا شيئا من الأقوال.

بل إن جعلت الظرف فيه متعلقا بقوله : « عليك » كان منافيا أيضا لما عرفت من أن الضمان المعلق ثابت بالمخالفة ، والمحقق حال حصول العيب ، فالمتجه أن يراد منه أن عليك رد الأرش حين ترد البغل ، لا أن الأرش يتعلق وجوبه بك يوم رد البغل لا يوم حصول العيب ، فيوافق حينئذ المراد من النسخة الساقط فيها لفظ اليوم.

ولقد أطنب بعض الفضلاء في بيان المعنى المزبور ، لعدم وقوفه على النسخة التي ذكرناها ، وحينئذ لا يكون منافيا للمختار ولا مؤيدا له.

نعم ربما قيل : إنه ظاهر فيه. باعتبار أن سؤال الراوي عن الضمان‌

١٠٢

بسبب التلف لا بسبب المخالفة ، فمطابقة الجواب للسؤال يقتضي أن يكون المراد منه : نعم يلزمك يوم خالفته هذا الحكم ، يعني يصير حكمك في هذا اليوم لزوم قيمة البغل إن هلك ، والمتبادر منه بعد معلومية أنه ليس المراد قيمته ميتا هو أقرب زمان حياته إلى الموت ، وهو قبيل التلف ، وهذا معنى قيمته يوم التلف.

بل لعل تنكير « بغل » يومئ إلى ذلك أيضا ، إذ هو إشارة إلى أنه يفرض الميت حيا ، وإلا فلا ريب أنه لا يكفي قيمة أي بغل يكون ، وهو مناسب لكون الظرف لغوا متعلقا بيلزمك ، وإلا فلا يناسب التنكير ، إذ البغل يوم المخالفة حي بالفرض والاستصحاب ، فالأولى تعريفه.

ثم إن الظاهر بناء قوله عليه‌السلام : « حين اكترى » على غلبة عدم التفاوت في هذه المدة القليلة وعلى الاستصحاب ، وإلا فلم يقل أحد باعتبار القيمة حين الكري ، كما هو واضح.

وكيف كان فلا دلالة في الصحيح المزبور على القول المذكور ، ولعله لذا ترك أصحاب القول المزبور الاستدلال به واقتصروا على الوجه الذي قد عرفت ضعفه ، ومن الغريب نسبة المصنف والفاضل في التحرير إياه إلى الأكثر ، مع أنه لم نعرفه لغير من عرفت ، والله العالم.

( وقال في المبسوط ) ومحكي النهاية في موضع منهما ( والخلاف ) والوسيلة والغنية والسرائر والإيضاح واللمعة والمقتصر والتبصرة على إشكال وكذا شرح الإرشاد للفخر على ما حكي عن بعضها : إنه ( يضمن أعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف ) بل في المختلف أنه أشهر ، بل عن بيعه نسبته إلى علمائنا ، وفي المتن ( وهو حسن ) وكأنه قال به أو مال إليه في الكفاية ، وكذا المسالك ، بل فيها « أن في خبر أبي ولاد ما يدل على وجوب أعلى القيم بين الوقتين » وقواه في الروضة أيضا ،

١٠٣

لمكان هذا الخبر الصحيح ، مع أنه ذكر الاستدلال به للقول السابق.

ولكن لا يخفي عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه عدم إشعار في الصحيح المزبور فضلا عن الدلالة ، اللهم إلا أن يقال : إنه بناء على تعلق الظرف بالفعل المستفاد من قول : « نعم » يكون المراد أن ابتداء الضمان من ذلك اليوم إلى يوم التلف ، فيضمن الأعلى منه حينئذ ، بل إن جعل متعلقا بالقيمة يكون المراد منه ذلك أيضا ، لعدم معقولية ضمان القيمة مع وجود العين ، فيكون الحاصل أنه تلزمه القيمة مع العطب من يوم المخالفة.

إلا أن ذلك كله كما ترى تجشم وخلط بين الضمان التقديري المتحقق بالمخالفة والضمان التحقيقي الحاصل يوم التلف كما هو واضح.

نعم قد استدل له بأنه مضمون في جميع حالاته التي من جملتها حالة أعلى القيم ، ولو تلف فيها لزمه ضمانه فكذا بعده ، وأنه يناسب التغليظ على الغاصب الذي يؤخذ بأشق الأحوال.

وفيه أن الزيادة للسوق ما دامت العين باقية غير مضمونة إجماعا ، ولا يلزم من ضمانها لو تلفت في تلك الحال ضمانها مع عدم تلفها فيها ، لأن ضمانها على تقدير تلفها في الحالة العليا ما جاء من قبل الزيادة ، بل من حيث الانتقال من ضمان العين إلى القيمة لفوات العين ، وهو منتف على تقدير عدم تلفها في تلك الحالة العليا ، وأخذه بأشق الأحوال إنما هو بالنسبة إلى رد العين نفسها لا مطلقا ، لعدم الدليل ، بل الأصول تقضى بخلافه.

وأضعف من ذلك ما عن المصنف في أحد قوليه من أنه يضمن الأعلى من حين الغصب إلى حين رد القيمة ، إذ هو كما قيل مبني على أن القيمي يضمن بمثله كالمثلي ، وإنما ينتقل إلى القيمة عند دفعها لتعذر‌

١٠٤

المثل ، فيجب أعلى القيم إلى حين دفع القيمة ، لأن الزائد في كل آن سابق على الدفع من حين التلف مضمون تحت يده ، ولهذا لو دفع العين حال الزيادة كانت للمالك ، فإذا تلفت في يده ضمنها.

ولعله إليه أشار المصنف بقوله ( ولا عبرة بزيادة القيمة ولا بنقصانها بعد ذلك على تردد ) إذ منشأ التردد في ذلك كون الواجب في القيمي المثل أو القيمة ، وإلا فلا إشكال في عدم اعتبار زيادة القيمة ونقصانها بعد يوم التلف على جميع الأقوال عدا القول المزبور.

وهو كما ترى مع ضعف المبني عليه ينبغي تقييده بما إذا تعذر المثل ، وحينئذ يتجه ضمان المثل يوم الإقباض كما عرفته في المثلي. على أنه لا يتم بالنسبة إلى ضمان العليا حال وجود العين.

ولعله لذا قيل : إن وجه القول قاعدة الضرر ، وذلك لأن عدم تمكينه منها حين ارتفاع القيمة ضرر عليه وتفويت لتلك المنفعة العليا ، ومن هنا كان هو خيرة العلامة الأكبر الآغا محمد باقر البهبهاني فيما حكي عنه ، إلا أنك قد عرفت فيما تقدم اقتضاء القاعدة المزبورة ضمان الأعلى مع فواته وإن رد العين نفسها ، وهو مخالف للإجماع بقسميه ، بل قد عرفت عدم الضمان فيما لو منعه من بيع ماله بقيمة عالية ، كما تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا.

وبذلك كله يظهر لك أن الأقوى وجوب القيمة حين التلف وفاقا للفاضل في جملة من كتبه والشهيد والسوري والكركي والأردبيلي ، بل هو المحكي عن القاضي ، بل في الدروس وكذا الروضة نسبته إلى الأكثر ، وذلك لأنه وقت الانتقال إلى القيمة ، وإلا فقبله مكلف برد العين من غير ضمان للنقص السوقي إجماعا ، واحتمال منع الانتقال إلى القيمة حين‌

١٠٥

التلف وإن كان هو وقت الانتقال إلا أنه ينتقل إلى الأعلى حينه يدفعه عدم الدليل.

ودعوى أنه قاعدة الاشتغال باعتبار اقتضاء التلف الانتقال إلى القيمة ، والفرض أنها ذات أفراد ، فتتوقف البراءة على دفع أعلاها يدفعها ما تحقق في الأصول من أن مثله يجري فيه أصل البراءة ، ضرورة رجوعه إلى الشك في التكليف بين الأقل والأكثر.

واحتمال الإجمال في التأدية المجعول غاية لضمان ما في اليد واضح الفساد ، ضرورة صدق التأدية على الأقل ، وإنما الشك في التكليف في متعلق التأدية أنه قيمة يوم التلف أو الأعلى ، والأصل براءة الذمة من الثاني.

واحتمال ترجيحه بمناسبته لأخذ الغاصب بالأشق مع أنه لا دليل على اعتبار مثل هذا الظن الحاصل من مثله ليس بأولى من ترجيح الأول بانسياق بدلية قيمة يوم التلف عن العين التي لو ردها في ذلك اليوم لبرأ ، إذ هو معنى البدلية لا القيمة السابقة.

ودعوى أن القيمة بدل شرعي والفرض عدم العلم من الشارع أن البدل قيمة يوم التلف أو العليا يدفعها الانسياق المزبور من كل ما دل على الضمان.

وبه يدفع ما عساه يقال من معارضة أصل البراءة الذي قدمناه بأصالة عدم وصول الحق إلى مستحقه ، وعدم براءة الظالم من ظلامته.

بل وبه يندفع ما يقال أيضا من أن أصل البراءة لا يشخص قيمة يوم التلف ، إذ لعله يوافق قيمة يوم الغصب إذا فرض كونها أقل ، اللهم إلا أن يمنع الانسياق المزبور على وجه يكون دليلا شرعيا ، فيشكل الحال حينئذ.

١٠٦

ولعله لذا كان المعروف بين الأصحاب ضمان الأعلى ، بل لم يذكر بعضهم قيمة يوم التلف قولا بل ولا وجها ، بل لم نتحققه ممن تقدم على الفاضل وإن حكي عن القاضي ، بل سمعت نسبته في الدروس إلى الأكثر.

ولكن لا ريب في أن الاحتياط لا ينبغي تركه ، بل الظاهر أنه لا بد من ملاحظة أعلى القيم في التقويم يوم التلف على معنى إلزام الغاصب بقيمة العين المعتورة عليها أوقات في يده قد اختلفت قيمتها فيها مع فرض مدخلية ذلك في القيمة.

هذا ولا يخفى عليك أن محل الخلاف كما صرح به غير واحد ما إذا كان نقصان القيمة مستندا إلى السوق ، أما إذا استند إلى حدوث نقص في العين ثم تلفت فإن الأعلى مضمون إجماعا ، كما في المسالك والروضة ولو على معنى ضمان أرش النقصان وقيمة العين حال التلف ، والله العالم.

( و ) كيف كان فقد عرفت مما ذكرناه في تحقيق المثلي أن ( الذهب والفضة ) مضروبين أو غير مضروبين إذا لم يكن فيهما صنعة محللة ( يضمنان بمثلهما ) كما صرح به غير واحد ، بل في المسالك نسبته إلى المشهور ، ضرورة إمكان الحكم بالمساواة في الصنف على الوجه الذي ذكرناه ، ودعوى أن الصحاح من الدراهم والدنانير مختلفة في الوزن والاستدارة والاعوجاج ووضوح السكة وخفائها على وجه يؤثر في القيمة يدفعها بعد تسليمها ما عرفت من أن المدار على المساواة في الصنف ، والفرض حصوله ، فلا يقدح اختلاف البعض.

( و ) لكن مع ذلك ( قال الشيخ ) : هما قيميان فـ ( ـيضمنان بنقد البلد ، كما لو أتلف ما لا مثل له ) وفي المسالك « ولعله نظر إلى الاختلاف ، فإنه لا يجرى عليه تعريف المثلي بأنه ما تساوى أجزاؤه ،

١٠٧

لأنه اختار في المبسوط هذا التعريف من غير أن يعتبر تقاربها في الصفات ولا يدخل فيه بدونه ، ولكن لا بد من مراعاة ذلك في التعريف ، وإلا لم يدخل فيه شي‌ء من المثليات ، لاختلاف صفات أصنافها الموجب لاختلاف قيمتها من الحبوب والأدهان وغيرهما ».

وفيه ـ مع إطلاق الشيخ قيمة الذهب والفضة لا خصوص الدراهم والدنانير منهما ـ أنه لا ريب في حصول التساوي في أجزاء أصنافهما على الوجه الذي ذكرناه. ( و ) على كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور ، فيضمن بالمثل حينئذ.

نعم ( لو تعذر المثل ) ضمنه حينئذ بالنقد كما عرفته في كل مثلي تعذر مثله ( فان كان نقد البلد مخالفا للمضمون في الجنس ) بأن كان أحدهما ذهبا والآخر فضة ( ضمنه بالنقد ) وإن اختلفا في الوزن ، لعدم الربا فيه.

( و ) كذا ( إن كان من جنسه واتفق المضمون والنقد وزنا صح ) أيضا ، لما عرفت.

( وإن كان أحدهما أكثر قوم بغير جنسه ) ويؤخذ قيمته ( ليسلم من الربا ) فيأخذ كمال حقه ، ورده ابن إدريس بمنع ثبوت الربا هنا ، لأنه مختص بالبيع ، فلا يضر اختلافهما في الوزن ، وكذا لو غاب فرده مع أرش النقص من جنسه.

وإلى رده أشار المصنف بقوله. ( ولا يظن أن الربا يختص بالبيع ، بل هو ثابت في كل معاوضة على ربويين متفقي الجنس ) وزنا وقد عرفت في كتاب البيع (١) تحقيق الحال في ذلك.

نعم يمكن أن يمنع كون المقام من المعاوضات ، بل هو من الغرامات‌

__________________

(١) راجع ج ٢٣ ص ٣٣٦ ـ ٣٣٧.

١٠٨

التي لا تندرج في أدلة الربا المراد منها الإرباء الحاصل بفعل المتعاملين ، بل لو سلم تناول أدلته لمثل ذلك كان بينه وبين ما دل على أداء القيمة العموم من وجه ويمكن الترجيح لما هنا بإطلاق الفتاوى.

اللهم إلا أن يقال : إن المقام من المعاوضة بعد فرض كونه مثليا ، لما عرفت من كون الثابت في الذمة المثل ، والقيمة عوض عنه مع التعذر ، خصوصا إذا قلنا بتوقف ذلك على رضا المالك ، وإنما يتجه ذلك على قول الشيخ بكونه قيميا. مع إمكان منع كونه معاوضة مصطلحة على التقدير المزبور ، حتى مع اعتبار رضا المالك الذي لا ينافي كونه غرامة برضاه ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

( ولو كان في المغصوب صنعة محللة لها قيمة غالبا كان على الغاصب مثل الأصل وقيمة الصنعة وإن زاد ) بذلك ( عن الأصل ربويا كان أو غير ربوي ، لأن للصنعة قيمة تظهر لو أزيلت عدوانا ولو من غير غصب ) فلا يكون من الربا الذي هو الزيادة في أحد العوضين ، كما صرح بذلك كله في محكي المبسوط والسرائر والتحرير والإرشاد وموضع من التذكرة.

لكن أشكله في الدروس بعموم الربا ، وزاد في المسالك « أنه لم يخرج بالصنعة عن أصله ، وإنما اشتمل على وصف زائد ، وقد صرحوا في باب الربا بأنه لا فرق بين المصنوع وغيره في المنع من المعاوضة عليه بزيادة ، وهذا أقوى ، فضمانها بالقيمة أظهر ، مع أنا نمنع من بقائه مثليا بعد الصنعة ، لأن أجزاءه ليست متفقة القيمة ، إذ لو انفصلت نقصت قيمتها عنها ».

قلت : قد عرفت البحث في باب الربا عن الصفات الحاصلة للربوي بالعمل ونحوه ، كما أنك عرفت هنا قوة احتمال منع الربا في الغرامات.

١٠٩

بل مما ذكرنا يعلم الحال في المغصوب ذي الصنعة إذا كان من النقدين وكان نقد البلد الذي هو قيمة له موافقا له في الحس ومختلفا معه في الوزن ، فان كونه قيميا لا يدفع احتمال الربا عنه ، بل لا بد من تقويمه بغير الجنس حينئذ ، إلا بناء على ما ذكرناه من عدم جريان الربا في الغرامات.

وعلى كل حال فقد ظهر لك أن المعروف بين من تعرض للمسألة كون المفروض مثلي الأصل قيمي الصنعة ، وعن موضع من التذكرة أنه قيمي ، وفي المسالك أنه أظهر ، للمنع من بقائه مثليا بعد الصنعة ، لأن أجزاءه ليست متفقة القيمة ، إذ لو انفصلت نقصت قيمتها متصلة كما لا يخفى.

وفيه أن ذلك ليس ضابطا للمثلي كما عرفته ، بل هو تساوي الأجزاء على حالها بالمعنى الذي ذكرناه سابقا.

ومنه ينقدح قوة احتمال كون المصنوع مثليا مع صنعته ، كما احتمله في الدروس وإن استبعده في المسالك ، بل لعل جزمهم به في الدراهم والدنانير يؤيد ذلك ، ضرورة اشتراك الجميع في أن لعقلاء العرف طريقا للحكم بالمساواة في الصنف ، هذا كله لو تلف المغصوب المصنوع.

أما لو تلفت الصنعة فقط فإنه يضمنها ، ولا حجر في كون ضمانها من جنس جوهر الإناء ، لانتفاء الربا ، إذ لا معاوضة بين جنسين لا حقيقية ولا حكمية كما هو واضح.

وظاهرهم الاتفاق على كونها حينئذ قيمية ، فليس للمالك الإلزام بعودها ، كما أنه ليس عليه قبول ذلك لو بذله الجاني ، وفرق واضح بين المقام وبين الإلزام بتسوية الحفر في الأرض الذي هو من قبيل رد المغصوب إلى محله ، والله العالم.

( وإن كانت الصنعة محرمة ) كما في آنية الذهب والفضة والصنم‌

١١٠

والصليب وغيرها ( لم يضمنها ) سواء أتلفها خاصة أو مع ذيها ، بلا خلاف أجده فيه ، بل في الكفاية نسبته إلى قطع الأصحاب ، لأن الغصب لا يصير ما لا قيمة له شرعا ذا قيمة ، ولا يجعل ما هو محرم ـ يجب إتلافه على جميع المكلفين من غير فرق بين الغاصب وغيره ـ قيميا محترما.

وهذا ولكن في القواعد « لو أتلف آنية الذهب ففي ضمان الزائد بالصنعة إشكال ينشأ من مساواة الغاصب غيره وعدمها » مع أنه قال فيها قبل ذلك : « وإذا كسرت آلات الملاهي فلا ضمان ، فإن أحرقت ضمن قيمة الرضاض ، وكذا الصليب » بل صرح به غيره ، بل في الكفاية نسبة ذلك كله إلى قطع الأصحاب.

نعم للعامة خلاف في الحد المشروع لإبطالها على وجهين : أحدهما أنها تكسر حتى تنتهي إلى حد لا يمكن اتخاذ آلة محرمة منها لا الأولى ولا غيرها ، وعن الكركي أنه ليس ببعيد ، لأنه أزجر لمن هي له.

وفيه أنه تعد عن الاذن في التصرف في مال الغير ، ومن هنا كان الأظهر عند العامة أنها لا تكسر الكسر الفاحش لكنها تفصل ، ولكن في حد التفصيل عندهم وجهان : أحدهما أنها تفصل مقدارا لا تصلح لاستعمال الحرام ، فإذا رفع وجه البربط وترك على شكل قصعة كفى ، والثاني تفصل إلى حد لو فرض اتخاذ آلة محرمة من مفصلها لوصل إلى الصانع التعب ، ولا ريب في أن الأظهر منهما الأول ، اقتصارا في حرمة التصرف في مال الغير على مقدار الاذن ، بل لا يبعد الضمان على من تجاوز الحد المزبور ، فيضمن حينئذ التفاوت بين قيمتها مكسورة إلى الحد المشروع وبين قيمتها منتهية إلى الحد الذي أتى به.

كما أنه لا خلاف أجده هنا في ضمان قيمة الرضاض ، وهو الذي‌

١١١

يبقى بعد الكسر ، بل الكفاية نسبته الى قطع الأصحاب ، لأنه مال مملوك محترم ، لكن عن ظاهر جماعة في باب المكاسب أن آلات اللهو لا تعد مالا ، وأنها غير مملوكة ، للخبر (١) والقاعدة ، وقولهم بعدم ضمان المتلف لها قيمتها ، بل قيل : إن الأمر في الصلبان والأصنام واضح ، ولا قائل بالفرق ، وأنه ربما جمع بين كلامهم في المقامين بإرادة ملك المادة دون الصورة ، وعدم ضمان المادة لو توقف إتلاف الصورة عليها ، أو لا تملك مطلقا ولكنها غير الرضاض بعد الكسر.

قلت : قد تقدم ما عندنا في باب المكاسب (٢) ومنه يعلم الحال في المقام فلاحظ وتأمل ، وعلى كل حال فإشكال الفاضل في غير محله ، والله العالم.

( ولو كان المغصوب دابة فجنى عليها الغاصب أو غيره ) بما لا مقدر فيه في الإنسان ( أو عابت من قبل الله سبحانه ردها مع أرش النقصان ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى عموم الأدلة وخصوص صحيح أبي ولاد (٣) السابق.

( وتتساوى بهيمة القاضي وغيره في الأرش ) عندنا ، لإطلاق الأدلة ، ولأن المدار على تفاوت المال لا مالكه.

خلافا للمحكي عن مالك واحمد في إحدى الروايتين من أن في قطع ذنب بهيمة القاضي تمام القيمة ، لأنها لا تصلح له بعد ذلك.

وفيه ما عرفت من أن النظر في الضمان الى نفس المال لا إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١ والباب ـ ١٠٣ ـ منها الحديث ٤.

(٢) راجع ج ٢٣ ص ٢٥ ـ ٢٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الغصب الحديث ١.

١١٢

غرض المالك ، ولذا كان في وطء الولد جارية الأب بالشبهة مهر المثل كما في وطء الأجنبي ، وإن حرمت بالأول على الأب ، كما هو واضح.

لكن في التذكرة « لو غصب شيئا تتفاوت قيمته بالنسبة إلى أربابه كما لو غصب حجة إنسان بدين أو ملك فالأقرب ضمان التفاوت بالنسبة إلى ربه إن غصبه منه ، وإن غصبه من غيره لم يضمن بالزيادة ، بل بما يساوي قيمته بالنسبة الى ذلك الغير » وجعل الشأن في الخاتم والنعل بالنسبة إلى كبر الإصبع وغيره كذلك ، ولم أجده لغيره كما أنه لا وجه له واضح ، ضرورة عدم ثبوت مالية للشي‌ء في نفسه عرفا بذلك.

بل ظاهر كلام الأصحاب خلافه ، بل في الدروس « أن مركوب القاضي كغيره وإن صيره أبتر » وكذا لو أتلف وثيقة خيال ( جمال خ ل ) أو خفا لا يصلح إلا لواحد ، والله العالم.

( و ) كذا لو كان ذلك فيما له مقدر في الإنسان منها إذ ( لا تقدير في قيمة شي‌ء من أعضاء الدابة ) عند المشهور ، بل لا أجد فيه خلافا إلا ممن ستعرفه ( بل ) نسبه بعض إلى الندرة ، فـ ( ـيرجع ) فيه ( إلى الأرش السوقي ) كغيره من الأموال من غير فرق بين الفرس والبقرة وغيرهما وبين ما ينتفع بظهرها ولحمها أو أحدهما أو بغيرهما وغيرها ، خلافا لأحمد بن حنبل في الأولين ( و ) لأبي حنيفة في الثلاثة الأخيرة.

نعم ( روى ) عاصم بن حميد (١) عن الباقر عليه‌السلام ومسمع (٢) عن الصادق عليه‌السلام « أن عليا عليه‌السلام

__________________

(١) لم نجد لعاصم بن حميد رواية بهذا اللفظ وانما روى في المقام عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام ما سيذكره ( قده ) في الجواهر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٤ من كتاب الديات.

١١٣

قضى ( في عين الدابة ) ب ( ربع ) ثمنها » أي ( قيمتها ) كما‌ روى أبو العباس (١) عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « من فقأ عين دابة فعليه ربع ثمنها ».

وفي‌ صحيح عمر بن أذينة (٢) المروي في التهذيب « كتبت الى أبي عبد الله عليه‌السلام أسأله عن رواية الحسن البصري يرويها عن علي عليه‌السلام في عين ذات الأربع قوائم إذا فقئت ربع ثمنها ؛ فقال : صدق الحسن ، قال علي عليه‌السلام ذلك ».

كما أنه‌ روى فيه صحيحا عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قضى علي عليه‌السلام في عين فرس فقئت ربع ثمنها ». قيل رواه في الكافي (٤) حسنا بإبراهيم بل قيل هو صحيح في زيادات حدود الفقيه (٥) :

ومنه يعلم ما في المسالك وغيرها من الطعن في السند ، نعم لم نجد بها عاملا سوى ما عن النهاية والوسيلة من أنه في فق‌ء عين البهيمة ربع قيمتها بعد الحكم فيهما أيضا أن الجناية على أعضائها بحسب قيمتها ، ولولا ندرة القائل بذلك لكان العمل بها في خصوص العين متجها ، بل يمكن القول بعدم العلم بالاعراض عنها بعد احتمال عدم العثور عليها فان الشهيد في غاية المراد مع سعة باعه قال : « لم أعثر على غير الأخبار الثلاثة ».

نعم إن علم الاعراض عنها فلا محيص عن طرحها أو حملها على ما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٢ من كتاب الديات.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٣ من كتاب الديات.

(٤) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٣ وذكره في الكافي ج ٧ ص ٣٦٧.

(٥) الفقيه ج ٤ ص ١٢٧ ( باب نوادر الديات ).

١١٤

كان الأرش فيه ذلك ، خصوصا ( و ) قد ( حكى الشيخ رحمه‌الله في المبسوط والخلاف عن الأصحاب في عين الدابة نصف قيمتها ، وفي العينين كمال قيمتها ، وكذا كل ما في البدن منه اثنان ).

قال في الأول منهما بعد أن حكم بضمان الأرش في الأعضاء : « وروى أصحابنا في عين الدابة نصف قيمتها ، وفي العينين كمال قيمتها ، وكذلك قالوا في سائر الأطراف مما في البدن منه اثنان ففيه كمال القيمة ».

وقال في الثاني : « إذا قلع عين دابة كان عليه نصف قيمتها ، وفي العينين جميع قيمتها ، وكذا كل ما كان في البدن منه اثنان ففي الاثنين جميع القيمة ، وفي الواحد نصف قيمتها ، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارها » مع أن المحكي عنه فيه في آخر المسألة التاسعة من الغصب الحكم بالأرش ، والحكم أيضا به في ذنب حمار القاضي لا القيمة باعتبار كونه واحدا. اللهم إلا أن يريد بالأرش هو ما ذكره فيه من النصف والكل.

كما أنه لم نجد ما ذكره من الرواية ، كما اعترف به في السرائر وغيرها ، بل قد عرفت أنه نفسه روى في التهذيب ما سمعت.

وفي المختلف « يمكن حمل الرواية والإجماع الذي ادعاه الشيخ على غير الغاصب في إحدى العينين بشرط نقص المقدر عن الأرش ».

وهو كما ترى انما يتم ذلك في العبد كما ستعرف من أن جناية غير الغاصب عليه مضمونة بالمقدر من قيمته ، وإذا تجاوزت دية الحر ردت إليها ، وكلام الشيخ وما ادعاه من الأخبار والإجماع في الدابة.

ومن الغريب ما في الرياض حيث حكى عن الشيخ أولا القول المزبور في الغاصب ، مع أن الشيخ لم يفرق بين الغاصب وغيره في المسألة.

وثانيا قال في مسألة العبد : « ولذا حمل الفاضل في المختلف كلام الشيخ عليه » مع أن كلا من كلام الحامل والمحمول خال عن ذكر العبد ،

١١٥

على أن قوله : « في إحدى العينين » لا وجه له اللهم إلا أن يكون عدم تصور نقص المقدر فيه عن الأرش بعد أن كان الواجب تمام القيمة ، وبالجملة لا وجه للحمل المزبور.

وأغرب منه ما في المسالك ، حيث إنه بعد أن روى الأخبار الثلاثة الأول وذكر حمل المختلف قال : « وهذا الحمل حسن لو صحت الرواية ، ومع ذلك فمدلولها خلاف ما ادعاه » ضرورة عدم الحسن فيه ، بل قد عرفت صحة الرواية ولكن هجرها مع فرضه ومعارضتها بما سمعت منع من العمل بها ، كما أنه منع من العمل بما حكاه الشيخ من الإجماع والأخبار أنه لم نعرف ذلك لأحد ممن تقدمه لا فتوى ولا رواية ، بل فتواه نفسه وروايته بخلافه.

( و ) بذلك كله ظهر لك أن ما عليه المشهور من ( الرجوع إلى الأرش السوقي ) مطلقا ( أشبه ) بأصول المذهب وقواعده ، لأنه مال كغيره من الأموال ، ولا يقاس على الإنسان في ذلك ، كما لا يقاس على العبد في الرجوع إلى دية الحر مع التجاوز ، فتؤخذ القيمة حينئذ مع تلفه وإن تجاوزت دية الحر ، والله العالم.

( ولو غصب عبدا أو أمة فقتله أو قتله قاتل ضمن قيمته ما لم تتجاوز دية الحر ، ولو تجاوزت لم يضمن الزيادة ).

قال في الخلاف في باب الغصب : « إذا قتل عبدا كان عليه قيمته ما لم تتجاوز قيمته دية الحر عشرة آلاف درهم ، وكذا إن كانت أمة ما لم تتجاوز قيمتها خمسة آلاف درهم دية الحرة ـ إلى أن قال ـ : دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم » وظاهر ذكره ذلك في الباب المزبور أن الغاصب حكمه ذلك.

قيل : وأظهر منها في ذلك عبارة المبسوط قال : « وإن كان عبدا‌

١١٦

نظرت. فان قتله ففيه قيمته ، وإن زادت على دية الحر لم يلزمه أكثر من ذلك ».

بل قيل : إنه قد طفحت بذلك عباراتهم في باب القصاص والديات فيما يكاد يزيد على عشرين موضعا من دون تعرض من أحد منهم لاستثناء الغاصب إلا الشهيد الثاني وكاشف اللثام ، إلا أنه يمكن أن يقال : إن ذلك منهم من حيث الجناية لا الغصب ، بل يمكن إرادة الشيخ ذلك فيما سمعته من خلافه.

بل في المختلف « الظاهر أن مراد الشيخ بقوله في المبسوط :ـ إنه لا يلزم القاتل الزيادة عن دية الحر ـ الجاني دون الغاصب ، لأنه أشار في المبسوط الى ما اخترناه من لزوم الزائد ، لأنه قال : إذا غصب عبدا فقطع آخر يده فان رجع السيد على الغاصب رجع بأكثر الأمرين مما نقص وأرش الجناية ، وإن رجع على القاطع رجع بالأرش ، وهو نصف القيمة ، والزائد في مال الغاصب ، لاختصاص ذلك بالجاني ، فلا يتعدى إلى الغاصب ، لما فيه من مخالفة الأصل ، فإن العبد مال » وإن كان قد يقال بإمكان فرق الشيخ بين الطرف والنفس ، بل هو مقتضى الجمع بين كلاميه.

وعلى كل حال ففي المتن ( ولو قيل : يضمن ) الغاصب ( الزائد بسبب الغصب كان حسنا ) بل عن ابن إدريس والفاضل وولده والشهيدين والكركي وغيرهم الجزم بذلك ، ولذا نسبه في المسالك وغيرها إلى أكثر المتأخرين. بل فيها أنه « يرتفع الخلاف » بناء على ما سمعته من المختلف ، بمعنى اتفاق الجميع على ضمان الغاصب تمام القيمة وإن تجاوزت دية الحر ، وذلك لأنه مال فيضمن بقيمته ، وإنما اقتصرنا في غير الغاصب على الدية عملا بالاتفاق ، فيبقى ما عداه على الأصل.

١١٧

على أن الرجوع إلى دية الحر مع التجاوز إنما هو من حيث الجناية التي لا تنافي وجود سبب آخر للضمان ، وهو الغصب الذي لا رجوع فيه ، كما لو مات في يده ، فإنه يضمن قيمته وإن تجاوزت بلا خلاف محقق أجده فيه كما ستعرف ، بل لعل غيره من أسباب الضمان كالقبض بالسوم والعارية المضمونة كذلك ، كل ذلك مضافا الى تكليف الغاصب بأشق الأحوال.

هذا ولكن قد يناقش بإطلاق ما دل على الرجوع مع التجاوز ، من غير فرق بين الغاصب وغيره ، ففي‌ الصحيح (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « دية العبد قيمته ، وإن كان نفيسا فأفضل قيمته عشرة آلاف درهم ، ولا يتجاوز دية الحر ».

وفي‌ صحيح ابن رئاب (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا قتل الحر العبد غرم قيمته وأدب ، قيل : وإن كانت قيمته عشرين ألف درهم؟ قال : لا يتجاوز قيمة العبد دية الأحرار ».

ونحوه خبر أبي الورد (٣).

وفي‌ المرسل في الإيضاح (٤) « إن العبد لا يتجاوز بقيمته دية مولاه ».

وظاهره عدم الفرق بين الغاصب وغيره ، بل ظاهر المرسل منها عدم الفرق بين الموت والقتل ، بل قد يؤيده الصحيح الأول ، إلا أن الإجماع على خلافه ، بل لعل‌ قوله عليه‌السلام في الصحيح الأول :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ٢ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ٣ من كتاب الديات عن ابن رئاب عن الحلبي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

(٤) ج ٤ ص ٥٨٣.

١١٨

« دية العبد » ظاهر في الجناية ، فليس إلا المرسل الذي لا جابر له ، بل قد عرفت أن الموهن له محقق ، أما الجناية المقتضية لكون القيمة بحكم الدية فيبقى الحكم فيها على الإطلاق الذي ينبغي الخروج به عما يقتضي ضمان القيمة وإن تجاوزت ، وليس التعارض بينها من وجه ، بل هو فرد آخر للخاص ، فتأمل جيدا.

وربما يؤيد ذلك ما تسمعه من الشيخ والمصنف في النافع والفاضل في الإرشاد في المسألة الآتية ، وهي الجناية على ما فيه مقدر من الأعضاء ، حيث وافقوا الشيخ فيها على عدم الفرق بين الغاصب وغيره في دفع المقدر ما لم يتجاوز دية الحر في العضو ، والله العالم.

( و ) بذلك كله ظهر لك أنه لا خلاف ولا إشكال في أنه ( لا يضمن القاتل غير الغاصب سوى قيمته ما لم تتجاوز ، ولو تجاوزت دية الحر ردت اليه ) بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى ما سمعته من النصوص (١).

نعم لو قتله غير الغاصب في يد الغاصب مثلا ( فان ) لم تزد قيمته عن دية الحر فلا إشكال ، وإن ( زاد الأرش ) أي القيمة ( عن ) مقدر ( الجناية ) الذي هو دية الحر ( طولب الغاصب بالزيادة دون الجاني ) على قول الأكثر ، وفيه البحث السابق ، ومن الغريب جزم المصنف بذلك هنا وعدمه في الأول الذي هذا من فروعه ، كما هو واضح ، والله العالم.

هذا كله في الجناية.

( أما لو مات في يده ضمن قيمته ولو تجاوزت دية الحر ) كما صرح به غير واحد ، بل في الكفاية لا أعرف خلافا بينهم في ذلك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ديات النفس ـ من كتاب الديات.

١١٩

لكن في الدروس « لو مات لزمته قيمته وإن تجاوزت دية الحر عند المتأخرين ، خلافا للشيخ مدعيا عليه الإجماع » وإن كنا لم نتحققه ، بل المحكي عن الشيخ في الخلاف التصريح بذلك كالسرائر ، بل اقتصر غير واحد على نقل الخلاف عن الشيخ في مسألة القتل كما عرفت.

وعلى تقديره فلا ريب في ضعفه ، لقاعدة ضمان القيمة في المغصوب بالغة ما بلغت المقتصر في الخروج عنها على الجناية لو قلنا بالرجوع إلى دية الحر فيها ، ولا استبعاد في الأحكام الشرعية المبنية على حكم خفية ، والله العالم.

( ولو جنى الغاصب ) أو غيره ( عليه بما دون النفس فان كان تمثيلا ) وتنكيلا ( قال الشيخ : عتق وعليه قيمته ) لقول الصادق عليه‌السلام في مرسل ابن محبوب (١) : « كل عبد مثل به فهو حر » الذي لا ينافيه ذكر المولى في غيره (٢) حتى يحمل عليه ، مؤيدا بأن الحكمة في الانعتاق بتنكيل المولى جبر وهن المنكل ، لما فاته من التكسب.

( و ) لكن ( فيه تردد ينشأ ) مما عرفت و ( من الاقتصار بالعتق في التمثيل ) المخالف للأصل ( على مباشرة المولى ) لأنه المتيقن ، بل لا جابر للمرسل المزبور بالنسبة الى ذلك ، مضافا إلى‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) : « لا عتق إلا في ملك » بناء على انعتاقه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢ وفيه‌ « فيمن نكل بمملوكه أنه حر. » ‌

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢ وفيه‌ « لا عتق إلا بعد ملك ».

١٢٠