المرأة في ظلّ الإسلام

السّيدة مريم نور الدّين فضل الله

المرأة في ظلّ الإسلام

المؤلف:

السّيدة مريم نور الدّين فضل الله


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٥

إن أبا طالب كان يصنع الصنيع وتكون له المأدبة ، وكان يجمعنا على طعامه ، فكانت هذه المرأة تفضل منه كله نصيباً فأعود فيه.

روى صاحب أعلام النساء : أن فاطمة بنت أسد لما توفيت بالمدينة ، ألبسها رسول الله (ص) قميصه ، واضطجع معها في قبرها ، فقالوا : ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه ؟

فقال : إنه لم يكن أحد بعد ابي طالب أبر بي منها ، إنما ألبستها قميصي لتكتسي من حلل الجنة ، وأضطجعت معها ليهون عليها الحساب (١).

أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بن هاشم :

كانت أروى مثال المرأة المسلمة ، جاهدت في سبيل الله بلسانها وبيانها ، في كل دور من أدوار الإسلام الذي مرَّ عليها ، ولم تأل جهداً في أداء النصيحة وإرشاد الناس الى سلوك طريق العدل والانصاف ، وإرجاع كل ذي حق حقه ، بكل ما تقدر عليه ، غير هيابة ولا وجلة ، لا تأخذها في الله لومة لائم.

ولا غرابة فقد كانت السيدة أروى فريدة زمانها ، وبليغة عصرها إذا خطبت أعجزت ، وإن تكلمت أوجزت لانها إبنة البلاغة ومعدن الفصاحة.

ومن جملة نصحها للإسلام ، وإرجاع الحق الى أهله ، دخولها على معاوية بن أبي سفيان وهو في أبهة سلطانه ، وشموخه بأنفه بين أعوانه.

__________________

(١) ذكر صنيع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اكثر المؤرخين وأصحاب السير ، كالسيد الامين في ايمان الشيعة وعمر رضا كحالة في أعلام النساء والسيد علي فضل الله الحسني في كتابه الاخلاق الاسلامية وغيرهم.

٢٤١

دخلت عليه تؤنبه وتقرعه لتنكبه جادة الحق ، وسلوكه طريق الباطل واغتصابه الخلافة من أهلها الشرعيين.

حديث اروى بنت الحارث بن عبد المطلب مع معاوية :

ذكر ابن طيفور مروياً عن أنس بن مالك قال :

« دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب ، على معاوية بن أبي سفيان بالموسم ، وهي عجوز كبيرة ، فلما رآها قال : مرحباً بك يا عمة قالت :

كيف أنت يا ابن أخي ، لقد كفرت بعدي بالنعمة ، وأسأت لابن عمك الصحبة ، وتسميت بغير اسمك. وأخذت غير حقك ، بغير بلاء كان منك ولا من آبائك في الإسلام.

ولقد كفرتم بما جاء به محمد (ص) ، فأتعس الله منكم الجدود ، وأسعر منكم الخدود ، حتى رد الله الحق الى أهله ، وكانت كلمة الله هي العليا ونبينا محمد (ص) هو المنصور على من ناواه ولو كره المشركون.

فكنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظاً ونصيباً وقدراً حتى قبض الله نبيه (ص) مغفوراً ذنبه مرفوعاً درجته شريفاً عند الله مرضياً ، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم.

وصار ابن عم سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى حيث يقول : « يا ابن ام إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني » ولم يجمع بعد رسول الله (ص) لنا شمل ، ولم يسهل لنا وعر ، وغايتنا الجنة ، وغايتكم النار.

قال عمرو بن العاص : أيتها العجوز الضالة أقصري من قولك وغضي من

٢٤٢

طرفك ، قالت : ومن أنت لا أمَّ لك قال : عمرو بن العاص. قالت : يا ابن اللخناء النابغة ، اتكلمني ..! اربع على ظلعك ، وأعن بشأن نفسك ، فوالله مما أنت من قريش في اللباب من حسبها ، ولا كريم منصبها ، ولقد ادعاك ستة من قريش كلهم يزعم أنه ابوك ، ولقد رأيت امك أيام منى مع كل عبد عاهر ( أي فاجر ) فأتمَّ بهم فإنك بهم أشبه.

فقال مروان بن الحكم : أيتها العجوز الضالة ، ساخ بصرك مع ذهاب عقلك ، فلا تجوز شهادتك ، قالت : يا بني أتتكلم ! فوالله لأنت إلى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم ، وإنك لشبهه في زرقة عينيك وحمرة شعرك مع قصر قامته ، وظاهر دمامته ، لقد رأيت الحكم ماد القامة ظاهر اللامة سبط الشعر ، وما بينكما من قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرب ، فاسأل امك عما ذكرت لك فإنها تخبرك بشأن ابيك إن صدقت.

ثم التفتت إلى معاوية فقالت : والله ما عرضني لهؤلاء غيرك ، وإن أمك القائلة في يوم أحد في قتل حمزة رحمة الله عليه :

نحن جزيناكم بيوم بدر

والحرب يوم الحرب ذات سعر

ما كان عن عتبة لي من صبر

أبي وعمي وأخي وصهري

شفيت وحشي غليل صدري

شفيت نفسي وقضيت نذري

فشكر وحشي علي عمري

حتى تغيب أعظمي في قبري

فأجبتها بقولي :

يا بنت رقّاع عظيم الكفر

خزيت في بدر وغير بدر

صبحك الله قبيل الفجر

بالهاشميين الطوال الزهر

بكل قطاع حسام يفري

حمزة ليثي وعلي صقري

٢٤٣

إذ رام شبيب وأبوك غدر

أعطيت وحشياً ضمير الصدر

هتَّكَ وحشي حجاب الستر

ما للبغايا بعدها من فخر

فقال معاوية لمروان وعمرو : ويلكما أنتما عرضتماني لها ، وأسمعتماني ما أكره.

ثم قال لها : يا عمة اقصدي قصد حاجتك ، ودعي عنك أساطير النساء. قالت : تأمر لي بألفي دينار ، وألفي دينار ، وألفي دينار.

قال : ما تصنعين يا عمة بألفي دينار ؟ قالت : أشتري بها عيناً خرخارة ، في أرض خوارة تكون لولد الحارث بن عبد المطلب.

قال : نعم الموضع وضعتها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت : ازوج بها فتيان عبد المطلب من أكفائهم ...

قال : نعم الموضع وضعتها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟

قالت: أستعين بها على عسر المدينة ، وزيارة بيت الله الحرام.

قال : نعم الموضع وضعتها ، هي لك نعم وكرامة.

ثم قال : أما والله لو كان علي ما أمر لك بها ...

قالت : صدقت إن علياً أدَّى الأمانة ، وعمل بأمر الله وأخذ به ، وأنت ضيعت أمانتك وخنت الله في ماله ، فأعطيت مال الله من لا يستحقه وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها ، وبينها فلم تأخذ ، ودعانا ( أي علي ) الى أخذ حقنا الذي فرض الله لنا. فشغل بحربك عن وضع الامور مواضعها ، وما سألتك من مالك شيئاً فتمنَّ به ، إنما سألتك من حقنا ، ولا نرى أخذ شيء غير حقنا.

أتذكر علياً فضَّ الله فاك ... وأجهد بلاءك ، ثم علا بكاؤها وقالت :

٢٤٤

ألا يا عين ويحك أسعدينا

ألا وابكي أمير المؤمنينا

رزينا خير من ركب المطايا

وفارسها ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال او احتذاها

ومن قرأ المثاني والمئينا

إذا استقبلت وجه ابي حسين

رأيت البدر راع الناظرينا

ولا والله لا أنسى علياً

وحسن صلاته في الراكعينا

أفي الشهر الحرام فجعتمونا

بخير الناس طرّاً أجمعينا (١)

وفي رواية : قال لها معاوية : عفا الله عما سلف يا خالة ، هاتِ حاجتك.

قالت : مالي إليك حاجة ، وخرجت عنه.

فقال معاوية لأصحابه : والله لو كلمها من في مجلسي جميعاً ، لأجابت كل واحد بغير ما تجيب به الآخر. وإن نساء بني هاشم لأفصح من رجال غيرهم.

__________________

(١) بلاغات النساء لابن طيفور والعقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي وغيرهما.

٢٤٥

مساهمة المرأة في نصرة الاسلام

لقد سارعت المرأة إلى نصرة الاسلام ، مندفعة بكل ما تملكه من شجاعة وإقدام وتضحية في سبيل الدين والعقيدة.

ولا بأس بأن نذكر بعض النساء اللواتي ساهمن مساهمة فعالة ، في نصرة الحق والدفاع عنه ، بما يتلاءم مع كيانهن وطبيعتهن ، وذلك ضمن نطاق الحشمة والأدب والشرع الشريف.

أم رعلة القشيرية :

« سيدة من ربات الفصاحة والبلاغة. وفدت على النبي (ص) فقالت : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ... أنا من ذوات الخدور ، ومحل ازر البعول ، ومربيات الأولاد ، وممهدات المهاد ، ولا حظّ لنا في الجيش الأعظم ، فعلمنا شيئاً يقربنا من الله عز وجل.

فقال لها النبي (ص) : عليكن بذكر الله عز وجل آناء الليل وأطراف النهار ، وغض البصر وخفض الصوت.

ثم أقبلت بعد وفاة النبي (ص) الى المدينة فحزنت عليه حزناً شديداً وأخذت بالحسن والحسين تطوف بهما بأزقة المدينة ، وهي تبكي بكاءً مراً ، وترثيه برثاءٍ مؤلم منه :

٢٤٦

يا دار فاطمة المعمور ساحتها

هيجت لي حزناً حييت من دار

فهاجت المدينة لمأتمها ، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وأهلها يبكون (١).

ام ورقة بنت عبد الله بن الحارث الانصارية :

كانت من فواضل نساء عصرها ، وكان رسول الله (ص) يزورها ويسميها الشهيدة. ولما غزا رسول الله بدراً قالت له : إِيذن لي أن اخرج معكم ، أداوي جراحكم ، وأمرض مرضاكم ، لعل الله يهدي إلي الشهادة.

فقال لها رسول الله (ص) : إن الله يهديك الشهادة ، وقري في بيتك فإنك شهيدة ...

وكانت جمعت القرآن فأمرها النبي (ص) أن تؤم أهل دارها ، وكان لها مؤذن ... وكانت تؤم أهل دارها ، حتى قتلت ... فقالوا : صدق رسول الله ... إنها شهيدة (٢).

سبيعة بنت الحرث الاسلمية :

قال ابن عباس : (٣) صالح رسول الله (ص) بالحديبية مشركي مكة ، على من اتاه من اهل مكة ، رده عليهم ، ومن اتى اهل مكة من اصحاب رسول الله (ص) فهو لهم ، ولم يردوه عليه. وكتبوا بذلك كتاباً ، وختموا عليه.

فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية ، مسلمة بعد الفراغ من الكتاب ،

__________________

(١) الاصابة لابن حجر ـ وأعلام النساء لعمر رضا كحالة وغيرهما.

(٢) طبقات ابن سعد الكبرى ـ تهذيب التهذيب لابن حجر.

(٣) عن مجمع البيان في تفسير القرآن ـ للطبرسي.

٢٤٧

والنبي (ص) بالحديبية ، فأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم قال مقاتل هو « صيف بن الراهب » في طلبها وكان كافراً فقال :

يا محمد اردد على امرأتي ... فإِنك قد شرطت لنا ، ان ترد علينا من اتاك منا ، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد ... فنزلت الآية :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (١).

قال ابن عباس : إِذا جاءكم المؤمنات مهاجرات من دار الكفار ، الى دار الإسلام ، فامتحنوهن ... امتحانهن أن يستحلفن ، ما خرجت من بغض زوج ، ولا رغبة عن ارض الى ارض ، ولا التماس دنيا ، وما خرجت إلا حباً لله ورسوله.

فاستحلفها رسول الله (ص) : ما خرجت بغضاً لزوجها ، ولا عشقاً لرجل منا ، ولا خرجت إلا رغبة في الإسلام.

فحلفت ... بالله الذي لا إله إلا هو ... على ذلك فأعطى رسول الله (ص) زوجها مهرها ، وما أنفق عليها ، ولم يردها عليه.

ام كلثوم بنت عقبة :

قال الجبائي : (٢) إن ام كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، جاءت مسلمة ،

__________________

(١) سورة الممتحنة ـ آية ـ ١٠.

(٢) مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي.

٢٤٨

مهاجرة من مكة ، فجاء اخواها الوليد ... وعمارة ، الى المدينة فسألا رسول الله ردها عليهما.

فقال رسول الله (ص) ان الشرط بيننا في الرجال لا في النساء. فلم يردها عليهما.

قال الجبائي : وإنما لم يجر هذا الشرط في النساء ، لأن المرأة إذا اسلمت ، لم تحل لزوجها الكافر !! فكيف ترد عليه وقد وقعت الفرقة بينهما.

زينب بنت رسول الله (ص) :

قال الشعبي : (١) كانت زينب بنت رسول الله (ص) امرأة أبي العاص بن الربيع ، فأسلمت ، ولحقت بالنبي (ص) في المدينة.

وأقام ابو العاص مشركاً بمكة ، ثم أتى الى المدينة فأمنته زينب ، ثم أسلم فردها عليه رسول الله (ص).

وقال الجبائي : لم يدخل في شرط صلح الحديبية ، إلا رد الرجال دون النساء المسلمات ، ولحقن بالرسول (ص) ، أمثال : أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وأميمة بنت بشر وغيرهن كثيرات مما يضيق المجال عن ذكرهن.

ام رميثة بنت عمر بن هاشم بن عبد المطلب :

مجاهدة جليلة ، وسيدة عاقلة ، اسلمت ، وبايعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشهدت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتح خيبر ، وأطعمها رسول الله أربعين وسقاً تمراً وخمسة اوسق شعير (٢).

__________________

(١) مجمع البيان في تفسير القرآن ـ للطبرسي.

(٢) سيرة ابن هشام ـ تاريخ الطبري ـ الإصابة لابن حجر.

٢٤٩

ام حكيم بنت الحارث المخزومية :

مجاهدة جليلة ، أسلمت يوم الفتح ، واستأمنت لزوجها عكرمة بن ابي جهل ، فأمنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخرجت في طلبه وقد هرب الى اليمن فأدركته في ساحل من سواحل تهامة وقد ركب البحر. فجعلت تصيح إليه وتقول :

يا ابن عم ، جئتك من أوصل الناس ، وأبر الناس ، وخير الناس ، لا تهلك نفسك ، وقد استأمنت لك منه ، فأمنك. فقال : أنتِ فعلت ذلك ؟ قالت : نعم أنا كلمته فأمنك. فرجع معها.

ولما وصل عكرمة ، وانتهى الى باب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزوجته معه ، فسبقته ، فاستأذنت على الرسول ، فدخلت وأخبرت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقدوم عكرمة ، فدخل عكرمة وأسلم.

وشهدت أم حكيم وقعة اليرموك (١) وأبلت فيها بلاءً حسناً فقاتلت فيها أشد القتال.

وفي وقعة مرج الصغر ، خرجت بعمود الفسطاط ، فقتلت سبعة من الروم (٢).

ام حبيب بنت العاص القرشية :

مجاهدة جليلة ، أدركت عصر النبي ، ولها صحبة ، وشهدت اليرموك ، وحرضت الرجال على القتال ، لما شدَّ طرف من الروم على عمرو بن العاص ، فانكشف هو وأصحابه ، حتى دخلوا أول المعسكر وهم في ذلك يقاتلون ويشدون.

__________________

(١) اليرموك : وادٍ بناحية الغور ـ ومرج الصغر واقع بنواحي دمشق.

(٢) تاريخ الطبري ـ طبقات ابن سعد ـ سيرة ابن هشام.

٢٥٠

عند ذلك نزل النساء من التل ، بعمد الحديد يضربن وجوه الرجال.

وقادت ام حبيب الناس قائلة : قبح الله رجلاً يفر عن حليلته ... وقبح الله رجلاً يفر عن كريمته ... فتراد المسلمون ، فزحف عمرو واصحابه حتى عادوا الى قريب مواقفهم (١).

بركة بنت ثعلبة ام ايمن :

هذه المهاجرة ، هي مولاة النبي (ص) ، وحاضنته ، وكانت من المهاجرات الاول :

هاجرت الهجرتين الى ارض الحبشة ـ والى المدينة ، وقد شهدت أم ايمن حنيناً ... واحداً ... وخيبراً ... وكانت في أحد تسقي الماء (٢).

بما انني ما زلت في صدد ذكر بعض المسلمات المجاهدات اللواتي رافقن الرسالة النبوية الشريفة ، وما قمن به من خدمات جليلة ، وما ادّين من واجبات نحو الاسلام والمسلمين وهن كثيرات منهن.

حمنة بنت جحش :

مهاجرة جليلة ، جاهدت مع رسول الله (ص) وشهدت أحداً ، فكانت تسقي العطاش.

وقد اطعمها رسول الله (ص) في خيبر ثلاثين وسقاً ... مثل الرجل (٣).

__________________

(١) الاستيعاب لابن عبد البر ـ اعلام النساء لعمر رضا كحالة.

(٢) طبقات ابن اسعد ـ تاريخ الطبري.

(٣) طبقات ابن اسعد ـ تاريخ الطبري.

٢٥١

ليلى الغفارية :

مجاهدة وغازية ، كانت تخرج مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مغازيه ، وكان يسهم لها.

ولما خرج علي بن ابي طالب الى البصرة ، خرجت معه ، وأتت عائشة ام المؤمنين فقالت لها : هل سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضيلة في علي ؟

قالت : نعم ... دخل علي على رسول الله وهو معي ، وعليه جرد قطيفة ، فجلس بيننا ، فقلت : أما وجدت مكاناً هو أوسع لك من هذا ؟ ...

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عائشة ... دعي لي اخي فإنه أول الناس اسلاماً ، وآخر الناس بي عهداً ، وأول الناس لي لقياً يوم القيامة (١).

ام ذر الغفاري :

هي زوجة ابي ذر الغفاري رضي‌الله‌عنه ، الصحابي الجليل الذي ذكره الرسول الكريم بقوله : « ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر ».

كانت شاعرة من شواعر العرب ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد أن يبتسم قال لأبي ذر : يا أبا ذر ... حدثني عن بدء إسلامك ؟

قال أبو ذر : كان لنا صنم يقال له « نهم » فأتيته فصببت له لبناً ، ووليت فحانت مني التفاتة ، فإذا كلب يشرب ذلك اللبن فلما فرغ ، رفع رجله فبال على الصنم ، فأنشأت أقول :

__________________

(١) الاستيعاب لابن عبد البر ـ أعلام النساء لعمر رضا كحالة.

٢٥٢

ألا يأنهم اني قد بدا لي

مدى شرف يبعد منك قربا

رأيت الكلب سامك حط خسف

فلم يمنع قفاك اليوم كلبا

فسمعتني أم ذر فقالت :

لقد اتيت جرماً ، وأبت عظماً ، حين هجرت نهماً ؟!

فلما أخبرتها الخبر ... فقالت :

ألا فابغنا رباً كريما

جواداً في الفضائل يا وهب

فما من سامه كلب حقير

فلم يمنع يداه لنا برب

فما عبد الحجارة غير غاوٍ

ركيك العقل ليس بذي لب

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صدقت ام ذر ... « فما عبد الحجارة غير غاوٍ » (١).

__________________

(١) اعلام النساء : عمر رضا كحالة.

٢٥٣

انتعاش المرأة اجتماعياً في صدر الاسلام

تتطور أخلاق الناس بتطور أفكارهم ومقاييسهم وتتأثر بالبيئة ... والمجتمع.

وفي صدر الإسلام ، لما اتيح للمرأة الحرية ... وشعرت بمكانتها وشخصيتها ، وما انعم عليها الباري سبحانه وتعالى من الخير ، وما اوجب لها الإسلام من الحقوق ، أصابها ما يصيب الناس الذين ينتقلون فجأة من حال إلى حال.

لقد انتقلت المرأة بفضل تعاليم الاسلام وتشريعاته من الذل والهوان ... الى العزة والكرامة ... من الحرمان والاضطهاد ... الى الحرية والنور واحترام الشخصية والعطاء ... من الجهل والانزواء ، والجهالة العمياء ... الى الدين والتقى والورع والانطلاق ، والتحرر من العادات والتقاليد الظالمة والطقوس المشينة.

انتعشت المرأة ، وانطلق كل من الرجال والنساء على قدم المساواة كل فرد بحسب طبيعته وعلى قدر استطاعته ، وفق القوانين الإسلامية والتعاليم النبوية الشريفة.

ولقد كان الحافز إلى النهضة والتفاني بالجهاد ، الايمان بالله العظيم ورسالة النبي الكريم بالإضافة الى حلاوة الإسلام ، وزهو النصر المؤيد من الله رب العالمين. وكان من بين النساء التقيات الورعات ، المجاهدات ذوات العقل والدين المتحدثات بكل جرأة وأدب وانطلاق يبدين الرأي ، ويتحدثن بتفهم وروية ...

٢٥٤

جزلات بأجوبتهن ، المسكتة ، وأحاديثهن الممتعة وعلى سبيل المثال نذكر قصة قيلة بنت مخرمة مع حريث بن حسان وافد بكر بن وائل الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قيلة بنت مخرمة

ذكر ابن طيفور في كتاب بلاغات النساء « قيلة بن مخرمة » من ربات الفصاحة والبلاغة ، أسلمت قديماً ولها صحبة ، قدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسمعت منه وصلت معه ، ولها حديث طريف قالت (١).

« لقد انطلقت الى اخت لي في بني شيبان ، أبتغي الصحابة الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبينما أنا عندها ذات ليلة تحسب اني نائمة إذ جاء زوجها من السامر فقال : وأبيك لقد اصبت لقيلة صاحب صدق ، قالت : من هو ؟ قال : هو حريث ابن حسان ، غادياً ذات صباح وافد بكر بن وائل الى رسول الله (ص).

قالت : يا ويلها ، لا تخبر بهذا اختي ، فتتبع أخا بكر بن وائل بين سمع الأرض وبصرها ، ليس معها من قومها رجل. قال : لا تذكريه ، فإني لست ذاكره لها.

فلما أصبحت ، وقد سمعت ما قالا : شددت على جملي فانطلقت إلى حريث ابن حسان ، فسألت عنه فإذا به وركابه مناخة فسألته الصحابة الى رسول الله (ص) فقال : فقال : نعم ... وكرامة.

فخرجت معه ، صاحب صدق ، حتى قدمنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فدخلنا المسجد حين شق الفجر ، وقد اقيمت الصلاة فصلى والنجوم شابكه ، والرجال

__________________

(١) بلاغات النساء لابن طيفور ـ أعلام النساء لعمر رضا كحالة وغيرهم.

٢٥٥

لا تكاد تعارف من ظلمة الليل ، فصففت مع الرجال وكنت امرأة وحديثة عهد بالجاهلية فقال لي رجل جنبي : امرأة أنت أم رجل ؟

قلت : امرأة : قال : « كدت تفتنيني ، عليك بالنساء وراءك ». فإذا صف من النساء قد حدث عند الحجرات ، لم أكن رأيته حين دخلت ، فصففت معهن.

فلما صلينا جعلت أرمي ببصري الرجل ذا الرداء والفثرد لأرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى دنا رجل فقال : السلام عليك يا رسول الله.

فإذا هو جالس القرفصاء ، ضام ركبتيه الى صدره ، عليه اسمال ملسين ، كانتا مصبوغتين بزعفران فنعصا ، وبيده عسيب مقشور غير خوصتين من أعلاه فقال : وعليك السلام ورحمة الله.

فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتخشع في مجلسه أرعدت من الفرق ، فقال له جليسه : يا رسول الله ... أرعدت المسكينة (١).

فقال بيده : « يا مسكينة عليك السكينة » فذهب عني ما كنت اجد من الرعب.

قالت : فتقدم صاحبي أول من تقدم ، فبايعه على الإسلام ... وعلى قومه ، ثم قال :

يا رسول الله ، اكتب لنا بالدهناء ، لا يجاوزها من تميم إلينا إلا مسافر ... او مجاور ...

فقال : يا غلام اكتب له الدهناء.

__________________

(١) أرعد الرجل من الخوف : أنزل به الرعدة ـ صيره يرتعد ! ارتعد : اضطرب واهتر ـ ترجرج ـ المنجد في اللغة.

٢٥٦

قالت : فلما رأيت ذلك شخص بي وهي داري ... ووطني.

فقلت : يا رسول الله إنه لم يسلك السوية من الأمر ، هذه الدهناء عندك مقيد الجمل ، ومرعى الغنم ، ونساء تميم وأبناؤها وراء ذلك.

قال : صدقتِ ... امسك يا غلام ... المسلم أخو المسلم يسعهم الماء والشجر يتعاونان على الفتان كذا ...

قالت : فلما رأى حريث وقد حيل دون كتابه ، صفق بإحدى يديه على الاخرى ثم قال :

كنت أنا وأنتِ كما قال الأول : « حتفها حملت ضان بأظلافها ».

قالت : فقلت أما والله لقد كنت دليلاً في الليلة الظلماء ، جواداً لدى الرحل ، عفيفاً عن الرفيقة ، صاحب صدق ، حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. عليَّ أسأل حظي ... إذا سألت حظك.

قال : وما حظك من الدهناء لا أباً لك ؟ قالت : قلت مقيد جملي ... سله لجمل امرأتك.

قالت : فقال : اما اني اشهد رسول الله صلى الله عليه ، اني لكِ أخ ما حييت إذ أثنيت هذا عليَّ عنده ».

هذه قيلة بنت مخرمة وغيرها كثيرات من النساء ، ذوات الفهم والتعقل ، قد أمدها الإسلام بالجرأة والإقدام.

وقفت في بادئ الأمر ترتعد خوفاً ... ورهبة من هيبة الرسول حتى طمأنها عليه الصلاة والسلام بقوله ( يا مسكينة ... عليك السكينة ).

سكنت ... واطمأنت عندما شاهدت النبي العظيم بتواضعه وأخلاقه

٢٥٧

السامية وحلمه وسعة صدره وشريعته السمحاء.

أقدمت على المطالبة بحقها وحق قومها ، غير هيابة ولا وجلة ، فلا مداهنة ولا تدجيل ، ولا رياء ... أليس حرية الرأي والصدق والصراحة والديمقراطية من بنود شريعة محمد ؟

ثم نراها تثني على صاحبها ودليلها « حريث بن حسان وافد بكر بن وائل » مع وقوفها قبل برهة أمامه موقف الخصم ( ولكن الحق يعلو ولا يعلو عليه شيء ).

ومما لا شك فيه من أن المرأة المسلمة عندما استنشقت روح الحرية ، وتذوقت معنى الكرامة وسمعت قول الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يوصي بالنساء خيراً ، سارعت الى مساعدة الرجل المسلم الصحيح ، وأخذت بعضده ، وسارت معه بكل إخلاص وإيمان لسلوك الصراط المستقيم.

فيا ليت فتيات العصر الحاضر ... يلتفتن قليلاً الى الماضي حيث جداتهن القدامي المجاهدات اللواتي لا يزال أريج ذكرهن عابقاً يعطر اجواء التاريخ على مرِّ الليالي والعصور.

ويا ليت فتيات العصر الحاضر ينصفن انفسهن وينظرن بمنظار الحق والعدل ، لتتضح لهن الحقائق. ويرجعن إلى رشدهن ، ويتركن كل ما أزرى بهن من عادات مخلة بالأدب ، وتقاليد مشينة بالأخلاق.

٢٥٨

عقيلة الهاشميين زينب بنت علي (ع)

من المنبت الزاكي والشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.

في بيت تجمعت فيه صفات الإنسانية ، وخصال الرحمة والوفاء.

في المنزل الذي تتهادي في جنباته شمائل الشرف والبطولة والكرم والحياء.

في السنة الخامسة للهجرة ولدت لسيدة النساء فاطمة الزهراء ابنتها عقيلة الهاشميين « زينب ».

في هذا الجو العابق بالتقى والورع والإيمان ، تفتحت هذه الوردة الزكية المنبت ، الكريمة المحتد ، فرأت النور مشرقاً في وجه جدها الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتفتحت عيناها على بسمة أبيها علي (ع) وحنان امها فاطمة سيدة نساء الأنام.

استقبل بيت الرسول الوليدة المباركة ، يفوح عبيرها في المهد ، عبير المنبت الطيب ، سلالة الأشراف ، ويرتسم في قسمات وجهها المضيء ملامح الأجداد الكرام ، والآباء العظام. وتلوح في طلعتها المشرقة هيبة امها الزهراء ، التي حباها الباري سبحانه بمنزلة عالية ... فكانت أحب الناس الى قلب أبيها الرسول ، وأشبههن به خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً ، « فاطمة مني » وميزها سبحانه فكانت الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة ، الأئمة الأطهار.

وقد ذكر المؤرخون وأهل الأخبار : أن ظلالاً حزينة ارتسمت على مهد

٢٥٩

الوليدة تشير الى ما ستلاقيه من المصائب والويلات في حياتها المشحونة بالأحداث.

وتنقل المرويات : عن جدها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وكيف انحنى على الوليدة ، حفيدته الغالية ، يقبلها بقلب حزين وعينين دامعتين ، لأنه كان عالماً بتلك الأيام السوداء التي تنتظر الطفلة في المستقبل القريب.

ويقول أحد الكتاب : (١) « ترى إلى أي مدى كان حزنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين رأى بظهر الغيب ، تلك المذبحة الشنعاء التي تنتظر سبطه الغالي !!

وكم اهتز قلبه الرقيق الحاني وهو يطالع في وجه الوليدة الحلوة ، صورة المصير الفاجع ؟ ».

ويذكر المؤرخون أيضاً : أن سلمان الفارسي أقبل على « علي بن أبي طالب » يهنئه بمولد الطفلة الجديدة ، فوجده واجماً قد ارتسم الحزن على جبينه ، ثم أخذ يتحدث بكل مرارة عما سوف تلقى ابنته من الفواجع في كربلاء.

لقد أخبره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فبكى ولم يتمالك ...

أجل لقد بكى « علي » الفارس الشجاع ، والمقدام الهمام ، وخائض غمرات الحروب ، والملقب بأسد الإسلام الهصور.

وتمر الأيام تطوي الليالي ... بالنهار ، والطفلة المباركة تنمو كالزنبقة العطرة ، مغمورة بالحنان والعطف والدلال تدب في رحاب البيت العلوي الشريف متنقلة كالفراشة من حضن جدها العظيم الى ذراعي أبيها الكريم لترجع وتلوذ بصدر والدتها الحنون.

وتنتقل الحوراء زينب في مدارج صباها ، تحوطها رعاية الإم والسيدات

__________________

(١) الكاتب الهندي ( محمد الحاج سالمين ) في كتابه سيدة زينب Sayyedah Zeinab.

٢٦٠