شرح الأصول من الحلقة الثانية - ج ١

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

شرح الأصول من الحلقة الثانية - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: ثامن الحجج
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

وهكذا سائر الأمارات.

إذا اتضح هذا فنقول : إنّ الحكم الظاهري في مورد الأمارة هو الحجية المجعولة من الشارع على الأمارة لأمارتيها.

وبعبارة أخرى هو الحكم الذي يكون موضوعه الدليل الظني الذي له نحو كاشفية ـ عن واقع ـ ناقصة ، ولكن بشرط أن يكون المنشأ والملاك من جعله هو كاشفية ودليليّة موضوعه ، فجعل الحكم الظاهري ـ الحجية ـ لخبر الثقة مثلا إنّما هو لكونه دليلا وكاشفا ظنيا ، فالواسطة والعلّة الوحيدة في إثبات الحكم الظاهري والحجية للأمارة هو كونها غالبا ما تكون كاشفة عن الواقع ، نعم لا يشترط لهذا الدليل الظني المجعول له الحجية أن يفيد الظن الفعلي دائما بحيث كلمّا قام هذا الدليل أورث الظن عند جميع أهل المحاورة بل يكفي أن يكون موجبا لحصول الظن عند نوع أهل المحاورة وغالبيتهم.

القسم الثاني :

من الأحكام الظاهرية هي : ما اصطلح عليها بالأصول العملية ، وهذا النوع من الأحكام لوحظ في جعلها نوع الحكم الواقعي المشكوك ، فالبراءة مثلا لوحظ في جعلها الشك في الوجوب وعدمه ، وأصالة الحلّ لوحظ في جعلها الشك في الحليّة وعدمها ، وأصالة الطهارة لوحظ في جعلها الشك في الطهارة وعدمها.

فلمّا كانت الأحكام الواقعية في مورد هذه الأصول مجهولة للمكلّف ولا يتمكّن من تشخيصها فحتما سيقع في مخالفة الواقع لفرض جهله بالواقع ، ولمّا لم يكن هناك سبيل لرفع الجهل ـ وذلك لفقد الأدلّة أو إجمالها ـ

٤١

يلاحظ المولى ما هو الأهم من هذه الأحكام في نظره فيجعل الوظيفة على طبق الحكم الأهم في نظره لغرض المحافظة عليه وإن كان سيؤول إلى الوقوع في مخالفة بعض الأحكام الواقعية ولكنّ هذا حاصل على أيّ حال لفرض الجهل بالأحكام الواقعية ، فالغرض من جعل الحجية لهذا النوع من الحكم دون غيره هو أهميّته على غيره من الأحكام في نظر المولى ، فمثلا المولى حينما يجعل البراءة في موارد الشك في الوجوب وعدمه يكون قد لاحظ أهمية الترخيص والسعة وإطلاق العنان ـ للمكلّف ـ على الأحكام الوجوبية فهو وإن كان سيؤدي ذلك إلى الوقوع في مخالفة الواقع وترك بعض الواجبات ولكن ذلك أهون في نظر المولى من تفويت مصلحة الترخيص والتسهيل على العباد.

وهكذا الكلام في أصالة الطهارة وأصالة الحل.

نعم قد يلاحظ المولى في مقام جعل الأصل العملي شيئا آخر بالإضافة إلى نوع الحكم المشكوك وأهميته وهو كون هذا الأصل له نحو كشف وإن كانت هذه الكاشفية ليست هي الملاك التام لجعله بل هي بالإضافة إلى نوع الحكم المشكوك وأهميته ، ومثال ذلك قاعدة الفراغ ـ الحاكمة بصحة العمل المفروغ عنه في ظرف الشك في صحته ـ فإنّ منشأ جعلها شيئان كل واحد منهما يمثل جزء الملاك.

الأول : كاشفية الفراغ عن العمل على الإتيان به صحيحا ، إذ غالبا ما يكون المكلف ملتفتا أثناء ممارسته لعمله ، وهذا يقتضي الإتيان به على وجهه ، وهذا ما يعبّر عنه بأصالة الالتفات والأذكرية التي تشير إليها

٤٢

الرواية الشريفة « هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك » (١).

الثاني : كون المشكوك وهو العمل الصحيح قد تمّ الفراغ عنه ، فالصحة المشكوكة التي تم الفراغ عن متعلقها « مثل الصلاة » هي المنشأ والملاك الآخر لجعل قاعدة الفراغ إذ أن الحكم بالصحة في موارد الفراغ من العمل هو الحكم الأهم بنظر المولى وإن كان الحكم بالصحة سيؤدي للوقوع في مخالفة الواقع في بعض الأحيان إلا أن المولى قد تنازل عن ذلك لأهمية الحكم بالصحة بعد الفراغ على الحكم بالبطلان.

فإذن الملاك في جعل قاعدة الفراغ ليس هو كاشفية الفراغ عن عدم الغفلة فقط ، وإلاّ للزم التعبّد بأصالة عدم الغفلة والنسيان في غير موارد الفراغ ، مثلا الشك في الإتيان بالصلاة في الوقت لا تجري فيه أصالة عدم النسيان والغفلة بل لا بدّ من الاعتناء بهذا الشك والإتيان بالصلاة.

وبهذا يتّضح أن الأصول العملية على قسمين :

الأول : الأصول العملية غير المحرزة ، وهي التي لوحظ فيها نوع الحكم المشكوك وأهميّته مثل أصالة البراءة وأصالة الحل وأصالة الطهارة ، وسميت بغير المحرزة لعدم وجود أيّ كشف فيها وإنما هي محض وظيفة عمليّة قرّرت للمكلّف في ظرف الشك في الحكم الواقعي.

الثاني : الأصول العملية المحرزة ، وهي التي لوحظ فيها نوع الحكم وأهميته بالإضافة إلى اشتمالها على نحو من الكشف والمحرزيّة للواقع ، وهذه مثل أصالة الاستصحاب وقاعدة الفراغ وتسمّى أيضا بالأصول

__________________

(١) معتبرة بكير بن أعين ، وسائل الشيعة : الباب ٤٢ من أبواب الوضوء الحديث ٧

٤٣

التنزيلية لأنّ لسان جعلها هو تنزيل المشكوك منزلة الواقع فمثلا قول الإمام عليه‌السلام ـ في مقام جعل قاعدة التجاوز أو الفراغ ـ بناء على اتحادهما ـ « بلى قد ركعت » (١) ـ حينما سئل عن رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لا؟ فقوله : « بلى قد ركعت » تنزيل للمشكوك ـ وهو وقوع الركوع ـ منزلة الواقع وأنه قد ركع تعبّدا وتنزيلا.

وكذلك قول الإمام عليه‌السلام في مقام جعل الاستصحاب في مورد الشك في انتقاض الوضوء بعد اليقين به « فإنّه على يقين من وضوئه » (٢) ، فإنه نزّل الوضوء المشكوك منزلة الوضوء المتيقّن.

إذن الأصول العملية التنزيلية هي ما كان لسان جعلها تنزيل المشكوك منزلة المتيقّن.

اجتماع الحكم الواقعي والظاهري :

قلنا في بحث التضاد بين الأحكام التكليفيّة إنّ العلاقة بين هذه الأحكام هي علاقة التضاد ، فلذلك يستحيل اجتماع حكمين متغايرين من هذه الأحكام على موضوع واحد ، وذلك لاستحالة اجتماع الضدّين ، وقلنا أيضا باستحالة اجتماع حكمين متسانخين على موضوع واحد كاجتماع وجوبين على فعل واحد ، وذلك لاستحالة اجتماع المثلين ، ومن هنا نواجه مشكلة في كيفيّة الجمع بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري ، إذ أنّ كلا

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ١٣ من أبواب الركوع الحديث ٣ ، معتبرة الفضيل بن يسار

(٢) وسائل الشيعة : الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء الحديث ١ ، معتبرة زرارة بن أعين

٤٤

الحكمين يعرضان موضوعا واحدا ، فمثلا لو كان الحكم الواقعي « لأكل لحم الأرنب » هو الحليّة وكان الحكم الظاهري لأكل لحم الأرنب هو الحرمة بمقتضى خبر الثقة مثلا ، فهذا يعني اجتماع حكمين متضادين على موضوع واحد وهو أكل لحم الأرنب ، وكذلك لو كان الحكم الواقعي للعصير التمري هو الحليّة ، وكان الحكم الظاهري ـ بمقضى أصالة الحل ـ هو الحليّة أيضا ، فهذا يعني اجتماع حكمين متماثلين على موضوع واحد وهو مستحيل كما قلنا لاستحالة اجتماع المثلين.

وعلاج هذه المشكلة يتّضح بما بيّنّاه من معنى الحكم الواقعي والحكم الظاهري ، حيث قلنا هناك إنّ الحكم الظاهري إنما هو في طول الحكم الواقعي ومتأخّر عنه تأخر الحكم عن موضوعه ، فليس للحكم الظاهري وجود مع العلم بالحكم الواقعي إذ أنّ عدم العلم بالحكم الواقعي مأخوذ في موضوع الحكم الظاهري ، ومع إحراز الحكم الواقعي لا موضوع للحكم الظاهري ، وبالتالي لا وجود للحكم الظاهري ، إذ أن الأحكام كما قلنا تابعة لموضوعاتها وجودا وعدما ، أما مع عدم العلم بالحكم الواقعي ، فالحكم الظاهري موجود ومتحقق لوجود موضوعه إلاّ أنّ هذا لا يلزم منه محذور اجتماع الضدين أو المثلين ؛ وذلك لأنه وإن كان هناك حكمان قد عرضا على موضوع واحد ولكن لمّا لم يكونا من طبيعة واحدة وفي عرض واحد فلا مانع من اجتماعهما بعد أن كان أحدهما واقعيّا والآخر ظاهريّا.

ويمكن تنظير ذلك ـ للتوضيح فقط ـ بالأحكام الأوليّة والأحكام الثانوية ، فأكل الميتة مثلا حرام بالحكم الأولي ولكنّه حلال بالحكم الثانوي أي في ظرف الاضطرار ، فأكل الميتة صار معروضا لحكمين وهما الحرمة

٤٥

والحليّة وليس هذا من التضاد المستحيل ؛ وذلك لأن الحرمة من سنخ الأحكام الأولية والحلية من سنخ الأحكام الثانوية.

وبعبارة أخرى يشترط في تحقق التضاد بين الأشياء أن تكون من طبيعة وحيثيّة واحدة ، أما إذا كانت من طبائع وحيثيّات مختلفة فلا محذور في الاجتماع ولا يكون من اجتماع الضدين أو المثلين ونذكر لذلك مثالا ـ توضيحيّا وليس دقيقا ـ وهو « إن زيدا قويّ النفس وضعيف البدن » فزيد صار موضوعا لعنوانين وهما الضعف والقوة وليس في هذا محذور إذ أنه ليس من التضاد المستحيل بعد أن كان العنوانان من طبيعتين مختلفتين.

القضية الحقيقة والقضية الخارجية :

القضيّة الحمليّة هي كل موضوع ثبت له حكم ويمكن تقسيمها باعتبار طبيعة موضوعها إلى ثلاثة أقسام :

الأول : القضايا الذهنية وهي ما كان موضوعها ذهنيّا وليس لها ما بإزاء في الخارج مثل الضدين لا يجتمعان ، واجتماع النقيضين مستحيل ، فإنّ موضوع هاتين القضيتين ذهني ، وهذا خارج عن محل الكلام.

الثاني : القضايا الخارجيّة وهي ما كان موضوعها موجود في الخارج فعلا بحيث يمكن الإشارة إليه.

وبعبارة أخرى : القضايا الخارجيّة هي ما كانت موضوعاتها موجودة في الخارج حين إنشاء القضية وتأليفها وهذا يستدعي إحراز المؤلّف للقضية الخارجية للموضوع وأنّه موجود فعلا ، ومن ثمّ يجعل عليه الحكم ، ومثال ذلك أن يقال : « إنّ عدد المسلمين أقلّ من عدد الكفّار في

٤٦

هذه الأيام » فإنّ المؤلّف لهذه القضية أحصى أولا عدد المسلمين ونسبهم إلى عدد الكفّار ثم جعل الحكم على هذا الموضوع المحقق الوجود حين تأليف القضية.

الثالث : القضايا الحقيقية ، وهي ما كانت موضوعاتها مقدّرة الوجود بمعنى أنه لا يلزم إحراز موضوع القضية الحقيقية خارجا حين تأليف القضية بل يكفي تقديره ، وهذا لا يعني كون أفراد الموضوع بأكملها مقدّرة الوجود إذ لا مانع من كون بعض الأفراد متحققا في الخارج إذ أنّ المناط في صدق القضية الحقيقية أن المؤلّف ليس له أي نظر إلى الموضوع من حيث تحققه في الخارج أو عدم تحققه ، وإنما يفترضه افتراضا ويجعل الحكم عليه ، ومثال ذلك « الفقراء يستحقون العطف » فإنّ موضوع هذه القضية « وهو الفقراء » افترض محقق الوجود ومن ثمّ جعل عليه الحكم وهو استحقاق العطف ، وهذه القضية صادقة حتى لو لم يكن هناك أيّ فقير في الخارج ، إذ أنّ الموضوع في هذه القضية هو المقدّر الموجود ، فكلّما وجد فقير في الخارج فهو مشمول للحكم وهو استحقاق العطف.

إذا اتضح هذا فنقول : إن الأحكام الشرعية قد تجعل على نهج القضية الخارجيّة وقد تجعل على نهج القضية الحقيقية ، ومثال جعل الحكم على نهج القضية الخارجية أن يلاحظ المولى جيرانه ويشخّصهم ويحصيهم ثم يأمر عبده بإكرامهم فيقول : « أكرم جيراني » ، فهذا الحكم وهو وجوب الإكرام قد جعل على موضوع متحقق الوجود خارجا ، إذ أنّ المولى بعد أن لاحظ الجيران وأحصاهم وأحرز وجودهم حكم بوجوب إكرامهم ، فهذه القضية في قوة تعداد أسماء الجيران والحكم بوجوب إكرامهم ، فكأنّما المولى

٤٧

قال « جاري زيد أكرمه » و « جاري عمرو أكرمه » و « جاري صالح أكرمه » فهي تنحلّ إلى قضايا بعدد أفراد الجيران ، فلو كان الجيران خمسة فعندنا في الواقع خمس قضايا ، موضوع كل قضيّة فرد من أفراد الجيران ومحمولها وجوب الإكرام.

ومثال جعل الحكم على نهج القضية الحقيقية أن يقدّر المولى موضوعا مثل العلماء ثم يحكم بوجوب إكرامهم فيقول : « أكرم العلماء » ، فإنّ موضوع هذه القضية « وهو العلماء » مقدّر الوجود بغضّ النظر عن وجود بعض أفراده أو عدم وجوده ، وهذه القضية تنحلّ أيضا إلى قضايا موضوعها فرد من أفراد العلماء إلاّ أنّ هذا الفرد الذي ينحلّ إليه الموضوع العام هو الأعم من المتحقّق والمقدّر الوجود فلا يكون لهذه القضية حصر لأفراد مخصوصة بل إنّه كلّما وجد فرد من الموضوع فإنّه يشكّل قضية يكون هو موضوعها ويكون محمولها وجوب الإكرام.

إذن الثمرة المترتبة على الفرق بين القضيّتين الحقيقية والخارجية هي أنه إذا جعل الحكم على نهج القضية الحقيقية فإنّه بالإمكان ترتيب الحكم حتى على الأفراد المعدومة في زمن تأليف القضية ، فلنا أن نتمسّك بالقضية لإثبات الحكم للأفراد التي تجدّدت بعد تأليف القضية فنحكم بوجوب الإكرام لأفراد العلماء الذين وجدوا بعد هذا الخطاب ، وهذا بخلاف الحكم على نهج القضية الخارجية فإنّه لا يمكن التعدّي من أفراد موضوعها إلى أفراد أخرى تجدّدت بعد تأليف القضية الخارجية ، فلو اتّفق تحقق جار جديد في مثالنا لما أمكن أن نتمسّك بالقضية الخارجية لإثبات وجوب إكرامه إذ أنّه لم يقع موضوعا لتلك القضية.

٤٨

تنويع البحث

والبحث في المقام عن فهرسة وتبويب المباحث الأصولية التي سيتعرّض لها المصنّف في الكتاب ، وقد طرح المصنّف هنا طريقة جديدة غير التي اعتاد عليها الأصوليّون في تبويب علم الأصول ، حيث إنهم بعد بيان المبادئ التصوّرية لهذا العلم ـ من بيان تعريفه وبيان موضوعه وفائدته ـ يشرعون في مباحث الألفاظ كبحث المشتق والأوامر والمفاهيم والعام والخاص والإطلاق والتقييد.

وبعد أن ينتهوا من بيان تمام مباحث الألفاظ يشرعون في مباحث القطع كحجية القطع وأقسامه وبحث الموافقة الالتزامية وبحث التجرّي وهكذا.

وبعد الانتهاء من هذه البحوث يشرعون في مباحث الظنون كالبحث عن حجية الظواهر وخبر الواحد والسيرة المتشرعيّة والعقلائية والإجماع المنقول بخبر الواحد.

ثم يدخلون في مباحث الشك وهي الأصول العملية ، مثل البراءة والاشتغال والاستصحاب والتخيير.

وبعد الانتهاء من كل ذلك يبحثون في الخاتمة عن تعارض الأدلة « التعادل والتراجيح » وهذا البحث يتكفّل بمعالجة الأدلّة المتعارضة مثل كيفية معالجة التعارض بين الخبرين الموثّقين.

٤٩

إلاّ أنّ المصنّف رحمه‌الله قد عدل عن هذا التبويب ؛ لأنه إنما يناسب كون علم الأصول علما مستقلا كسائر العلوم ، في حين أن علم الأصول هو علم أصول الفقه فلا بدّ إذن من أن يساير هذا العلم الفقيه في المراحل والخطوات التي يسير على طبقها في مقام استنباطه للأحكام الشرعية من أدلتها ، فالفقيه عندما يريد أن يستنبط حكما يبحث أولا عن الأدلة التي لها كشف عن الحكم الشرعي ، فإذا تعذّر عليه الحصول على الدليل الكاشف عن الحكم الشرعي لجأ إلى الأدلة التي تحدّد الوظيفة العمليّة للجاهل بالأحكام الواقعية وهي المعبّر عنها بالأصول العملية ، وباعتبار أن هذا العلم قد جعل لغرض تبيين الوسائل التي يستفيد منها الفقيه في عملية الاستنباط للحكم الشرعي فلا بدّ من أن تبوّب هذه الوسائل بطريقة تناسب المراحل التي يمرّ عليها الفقيه في عملية الاستنباط.

فهذا هو المبرّر لابتكار تبويب جديد لعلم الأصول.

إذا اتّضح هذا فلنشرع في بيان هذا التبويب الذي اختاره المصنّف ، فنقول : إن العناصر المشتركة والأدلة العامة ـ التي يمكن الاستفادة منها في استنباط كثير من الأحكام الشرعيّة من مختلف الأبواب الفقهيّة ـ يمكن تصنيفها إلى قسمين :

القسم الأوّل : هي الأدلة التي يكون منشأ جعلها الكشف عن الأحكام الشرعية وهي الأدلة الظنية المعبّر عنها بالأمارات كخبر الثقة والظهورات العرفية في بحثيها :

الصغروي : وهي التي يبحث فيها عمّا هو ظاهر وما هو غير ظاهر كالبحث عن ظهور صيغة الأمر في الوجوب وهذه هي التي يعبّر عنها علماء

٥٠

الأصول بمباحث الألفاظ.

والكبروي : وهو البحث عن حجية هذا الظهور بعد تحقق الظهور ، فكلا هذين البحثين يبحثان تحت عنوان القسم الأوّل والذي اصطلح عليه بالأدلّة المحرزة لكونها بصغراها وكبراها مما يحرز بها الحكم ويستكشف.

القسم الثاني : وهي الأدلّة العامّة التي جعلت لغرض تحديد الوظيفة العملية في ظرف الشك والجهل بالحكم الشرعي وهي المعبّر عنها بالأصول العملية مثل البراءة والاستصحاب.

وكلا هذين القسمين يمثّلان مجموع الأدلة العامة والعناصر المشتركة ، فكلما يحتاجه الفقيه في عملية الاستنباط لا يخرج عن أحد هذين القسمين ، إلاّ أنّ الفقيه يبدأ في عملية الاستنباط بالبحث عن الأدلّة العامة من القسم الأول ، فإن وجد ما يمكن أن يعتمد عليه لإثبات الحكم الشرعي اكتفى به ولم ينظر إلى القسم الثاني ليحدّد به الوظيفة العملية إذ لا تصل النوبة إليه إلاّ بعد فقدان القسم الأوّل من الأدلة ، وهذا ما سيتم إثباته في مباحث لا حقة إن شاء الله.

ومن هذا يتّضح أنّ الفقيه لو لم يجد ـ ما يعتمد عليه في عملية الاستنباط ـ دليلا من القسم الأوّل يلجأ إلى الأدلّة من القسم الثاني لغرض تحديد الوظيفة العملية.

وبعد اتضاح الترتّب المرحلي في الأدلّة العامّة والعناصر المشتركة نقول : إنّ المصنّف رحمه‌الله سار على وفق هذا الترتيب في تبويبه لمباحث الأصول ، فأولا يقع البحث عن الأدلة المحرزة ، ثم عن الأصول العملية ، وبعد بحث هذين النوعين من الأدلة العامة يقع البحث عن التعارض ،

٥١

ومبرّر جعل هذا البحث في خاتمة المباحث الأصولية أنّ الفقيه بعد تحديد الأدلّة العامة بقسميها يواجه في بعض الأحيان مشكلة وهي تعارض هذه الأدلّة ، فلا بدّ من البحث عن كيفية علاج هذه المشكلة.

والتعارض بين هذه الأدلّة على أنحاء ، فقد يكون التعارض بين دليلين من القسم الأول كالتعارض بين خبر ثقة وظهور آية ، أو بين دليلين من القسم الثاني كالتعارض بين أصالة البراءة وأصالة الاستصحاب.

فلا بدّ للفقيه من معالجة هذه المشكلة ، ومن الواضح أن هذه المشكلة لا تواجه الفقيه إلا بعد تحديد الأدلة وتنقيحها ، لذلك جعلها المصنّف رحمه‌الله في خاتمة المباحث الأصولية.

إذن فالطريقة التي سوف يسير عليها المصنّف رحمه‌الله في عرضه لمباحث الأصول يمكن إجمالها في بحثين وخاتمة.

الأوّل : البحث عن الأدلّة المحرزة.

الثاني : البحث عن الأصول العمليّة.

والخاتمة : في علاج التعارض بين الأدلّة.

إلاّ أن المصنّف رحمه‌الله ـ وقبل الشروع في عرض هذه المباحث ـ قدّم مقدّمة بحث فيها عن حجيّة القطع ، وقبل بيان المبرّر لذلك لا بدّ من إجمال معنى حجية القطع وإن كان سيقع الحديث عنه مفصلا فيما بعد.

المراد من القطع هو : الانكشاف التام الذي لا يبقى معه أي احتمال للخلاف.

وبعبارة أخرى : القطع هو : العلم ووضوح الرؤية لمتعلقه ، فمعنى القطع بوقوع حادثة معيّنة ـ التي هي متعلّق القطع ـ أن وقوع هذه الحادثة

٥٢

محل جزم ويقين للقاطع بها بحيث لا يحتمل ـ ولو بمستوى ضئيل ـ أنّها لم تقع.

وأما معنى الحجية فهي : المنجّزيّة والمعذّريّة.

والمراد من المنجزيّة هو : جعل المسؤولية على عهدة المكلّف تجاه المقطوع به ، بحيث يكون المكلّف ملزما بامتثاله وللمولى أن يعاقبه إذا خالف ، ويحتجّ عليه بقطعه.

وأما المراد من المعذريّة فهي : نفي المسؤولية عن المكلّف لو اتفق مخالفة قطعه للواقع ، فلو قطع بالإباحة واتفق أنّ الواقع هو الحرمة لما صحّ عقابه وإدانته وكان له أن يحتج لنفسه على المولى بكونه قاطعا بالإباحة.

إذا اتضح ما أردنا إجماله من معنى ( القطع ) ومعنى ( حجيّته ) نصل لبيان المبرّر من تصدير المصنّف رحمه‌الله هذه المباحث بالبحث حول حجية القطع.

فنقول : إن حجيّة القطع هو المرجع الذي تؤول إليه حجية الأدلّة العامة والعناصر المشتركة سواء كانت من قبيل الأدلّة المحرزة أو من قبيل الأصول العملية ، وكذلك هو المرجع في تشخيص موضوعات هذه الأدلّة إذ أنه لا بدّ من أن نحرز ونقطع أن هذا ظاهر مثلا وأن هذا خبر ثقة وأن موضوع البراءة ـ وهو الشك ـ متحقق.

وبدون القطع بحجية هذا الدليل أو ذاك لا يمكن التعويل عليه وجعله واسطة في إثبات الأحكام الشرعية إذ أنّ الدليل لا يكون حجة إلا إذا قام الدليل القطعي على حجيّته ، وكذلك الكلام في تشخيص موضوعات هذه الأدلّة فإنه لا بدّ من القطع بتحقق الموضوع لكي نتمكّن من ترتيب الحكم

٥٣

عليه.

فإذا كان للقطع هذه الأهمية فلا بدّ من تحريره وبيان حجيّته في مرحلة سابقة عن بحث الأدلة العامة والعناصر المشتركة التي نستعملها كوسائل لإثبات الأحكام الشرعية إذ أنّ هذه الأدلّة لمّا كانت ظنية فهي تحتاج لإثبات دليليتها وحجّيتها إلى مثبت قطعي وإلاّ تعذّر إثبات دليليتها إذ أنّ الاستدلال على القضايا الظنية بما هو ظني يلزم منه التسلسل المستحيل.

وبهذا يتّضح المبرّر من تصدير المصنّف المباحث الثلاثة ببحث حجّية القطع.

٥٤

حجّيّة القطع

ويمكن تصنيف البحث إلى مجموعة من المباحث :

المبحث الأوّل

المراد من معنى القطع :

القطع هو عبارة عن الانكشاف التام للمقطوع ـ وهو متعلّق القطع ـ بحيث لا يبقى معه أيّ احتمال ـ ولو بمستوى ضئيل ـ للمخالفة فحينما نقطع بموت زيد فهذا يعني بأنّ موت زيد من الوضوح بحيث لا نحتمل ولو بمرتبة ضعيفة عدم تحقّقه ، فلذلك نرتب تمام الآثار ، المترتبة على موته بدون تردد.

والكاشفية الثابتة للقطع ذاتية بمعنى أنّها عين القطع ، فالقطع هو الكاشفية كما أنّ الكاشفية هي القطع وليس القطع شيئا ثبتت له الكاشفية.

ولتوضيح هذا المطلب لا بدّ من بيان معنى الذاتي.

المراد من الذاتي في المقام هو الذاتي في باب الكليّات الخمسة « الإيساغوجي » وهو عبارة عن مقوّم الماهيّة بحيث تثبت بثبوته وتنتفي بانتفائه.

وبعبارة أخرى : الذاتي من كل شيء ما يكون به قوامه بحيث يكون

٥٥

ذلك الذاتي هو حقيقة ذلك الشيء أو هو مع غيره حقيقة لذلك الشيء ، ومثال ذلك الإنسان هو الحيوان الناطق ، فالحيوان الناطق ذاتي للإنسان إذ هو المقوّم للإنسان بحيث إذا انتفت الحيوانية الناطقية انتفت إنسانيته فهو عين الإنسان وحقيقته.

وقد يكون الذاتي جزء المقوّم لا تمام المقوّم مثل الحيوان بالنسبة للإنسان ، وكذلك الناطق بالنسبة للإنسان ، فالحيوانية والناطقية كلّ منهما يمثل الجزء المقوّم للإنسان ويكفي في انتفاء الإنسانية انتفاء الجزء المقوّم لها مثل الحيوانية.

فإذا اتضح هذا يتّضح معنى قول الأصوليّين أنّ القطع كاشف بذاته أو أنّ الكاشفية ذاتية للقطع إذ أنّ هذا الكلام يعني أنّ الكاشفية هي مقوّم القطع وحقيقته ، فإذن الكاشفية هي عين القطع لا أنّ القطع شيء ثبتت له الكاشفية ، إذ يستحيل ثبوت الشيء لنفسه وذاته فلا يقال : الإنسان شيء ثبتت له الحيوانية الناطقية ، إذ أنّ هذا يؤول إلى أنّ الإنسان غير الحيوانية الناطقية وإنّما هي شيء عارض عليه وهذا خلف ذاتية الحيوانية الناطقية للإنسان.

وبهذا يتّضح عدم إمكان جعل الكاشفية للقطع إذ أنّ جعل شيء لشيء فرع تغايرهما وقد قلنا إنهما حقيقة واحدة وإنما التغاير في التعبير ، وبه يتّضح دعوى المصنّف من أن الخصوصية الأولى للقطع ـ وهي الكاشفية ـ بديهة ، إذ أنّ ثبوت الشيء لنفسه بديهي ، فالإنسان إنسان بالبداهة فكذلك القطع قطع أي كاشف بالبداهة.

٥٦

المبحث الثاني

محركيّة القطع :

والمراد من محركية القطع : أن القطع يساهم في تحرّك وانبعاث القاطع نحو مقطوعه أي نحو الشيء الذي قطع به. وقلنا إنه يساهم في التحريك والبعث لأنه ليس السبب الوحيد في التحريك والبعث بل هناك سبب آخر إذا انضمّ إلى القطع يتولّد عن مجموعهما التحرّك والانبعاث ، وهذا السبب الآخر هو الغرض والحاجة فمثلا إذا قطع العطشان بوجود الماء في مكان معين فإنّه يتحرّك لتحصيل الماء ، والذي حرّكه نحو تحصيل الماء من المكان المعيّن أمران ، الأول : القطع بوجوده في ذلك المكان ، والثاني : تعلّق غرضه بتحصيله وهو الارتواء ، فلو فقد الغرض مثلا فلا يكون القطع محرّكا ، فغير العطشان لو قطع بوجود الماء في مكان معيّن فلا يكون ذلك القطع محرّكا له إذ ليس عنده داع وغرض لتحصيل الماء ، وكذلك لو كان عطشانا والماء موجود بالقرب منه ولكنه لا يعلم به فإنّ تعلّق إرادته بتحصيل الماء لا تحرّكه نحو ذلك المكان فلذلك قالوا : « إنّ الإنسان قد يموت عطشا والماء في رحله ».

ما المراد من أنّ المحركيّة أثر تكويني للقطع؟

المراد هو : أنّ المحركيّة لازم ذاتي للقطع والمقصود من اللازم الذاتي هو المحمول الخارج عن الذات اللازم لها بحيث يستحيل انفكاكه عن الذات ، واللازم الذاتي غير الذاتي في باب الكليّات الذي تقدم بيانه حيث إنّ المراد

٥٧

منه كما تقدم المقوّم للذات أما اللازم الذاتي فهو غير الذات وليس مقوّما لها ، فلا هو جنس للذات ولا هو فصل لها ، وإنّما هو شيء خارج عنها محمول عليها ، ومثال ذلك الزوجية للأربعة والفردية للثلاثة ، فالزوجية ليست عين الأربعة ولا هي مقوّم لها وإنما هي لازم يستحيل انفكاكه عنها ، وكذلك الحرارة بالنسبة إلى النار ، فالنار غير الحرارة وإنما هي شيء متّصف بالحرارة ، والحرارة بالنسبة لها لازم ذاتي يستحيل أن يتخلّف عنها.

وبهذا يتّضح معنى كون المحركيّة أثرا تكوينيا للقطع ولازما ذاتيا له حيث إنّ طبيعة القطع أنّ له المحركية بحيث يستحيل تخلّفها عنه ، كما نقول إنّ الحرارة أثر تكويني للنار ولازم ذاتي لها ، وذلك في مقابل المحمول المفارق حيث لا يستحيل تخلّفه عن الذات كالحركة بالنسبة للفلك فإنه وإن كانت الحركة تعرض للفلك ولكنه يمكن أن تتخلّف عنه.

هل المحركيّة للقطع بديهيّة؟

والجواب : إنّ إثبات كون المحركيّة للقطع بديهية يحتاج إلى إثبات أنّها لازم ذاتي بيّن سواء بالمعنى الأخص أو بالمعنى الأعم ، إذ أن كلا النوعين للاّزم الذاتي البيّن بديهي ، وذلك في مقابل اللازم الذاتي غير البيّن فإنه نظري.

وبيان ذلك : أن اللازم الذاتي تارة يكون بيّنا وتارة يكون غير بيّن ، والبيّن ينقسم إلى قسمين :

الأوّل : اللازم الذاتي البيّن بالمعنى الأخص ، وهو ما يكفي في الإذعان والجزم به تصوّر الذات المحمول عليها ذلك اللازم ، وبعبارة أخرى : اللازم الذاتي هو ما يكون تصوّر الملزوم كافيا في تصوّر لازمه والتصديق

٥٨

والإذعان بالملازمة بينهما ، وذلك مثل الزوجية للأربعة فالأربعة ملزوم والزوجية لازم ذاتي لها ، ومن الواضح أنّه بمجرد أن نتصوّر معنى الأربعة وندرك معناها يحصل لنا تصوّر الزوجية والإذعان بأنّها لازم ذاتي للأربعة.

الثاني : اللازم البيّن بالمعنى الأعم وهو ما يكفي في حصول الجزم والإذعان بالملازمة بين الذاتي ولازمه تصوّر معنى الذات وتصوّر معنى اللازم وتصوّر النسبة بينهما ، فإذا حصلت هذه التصوّرات الثلاثة يحصل الجزم مباشرة بالملازمة ، ومثال ذلك « الاثنين نصف الأربعة » ، فإنّ الجزم بهذه القضيّة وأنّ المحمول لازم للموضوع لا يحتاج لأكثر من تصوّر معنى الاثنين ومعنى الأربعة ومعنى النصف.

إذا اتّضح هذا يتّضح أن الجامع بين هذين القسمين هو أنّ ثبوت الملازمة فيهما والجزم بها لا يحتاج إلى أكثر من التصوّر ، وبعبارة أخرى : الجزم بالملازمة في هذين القسمين لا يحتاج إلى برهنة ودليل نظري ، وهذا بخلاف اللازم الغير البيّن فإنه لا يمكن الجزم فيه بالملازمة إلا عن طريق البرهان مثل القضايا الرياضية المعقّدة ، فإن نتائجها ومحمولاتها لازمة لموضوعاتها ولكنّها تحتاج إلى برهنة.

وبعد اتّضاح هذه المقدّمة يتّضح أنّ المحركية للقطع من قسم اللازم البيّن بالمعنى الأخص الذي هو أحد القسمين البديهيّين اللّذين لا يفتقران إلى برهنة إذ يكفي في الجزم بثبوت المحركية للقطع تصوّر القطع وإدراك معناه ، فالقاطع إذا تعلّق غرضه بالمقطوع تحرّك لا محالة لتحصيله.

إلى هنا ثبت أنّ للقطع خصوصيّتين ، الأولى : الكاشفية وهي ذاتية للقطع ، والثانية : المحركيّة وهي لازم ذاتي وأثر تكويني ، وكلا الخصوصيّتين

٥٩

بديهيّتان إلاّ أنّهما لا تحققان الغرض الذي من أجله يبحث الأصولي مسألة القطع ، إذ أنّ الأصولي يبتغي من وراء بحث مسألة القطع إثبات الحجيّة له وهي شيء آخر غير الخصوصيّتين المذكورتين.

وبعبارة أخرى : إنّ الأصولي في بحث الأصول يبحث عن الأدلة من حيث إنها حجّة ومنجّزة للتكاليف الشرعية أو لا ، فلذلك لا بدّ من بحث مسألة القطع من هذه الحيثية لأنّها هي التي تتناسب مع الغرض الذي من أجله وضع علم الأصول.

المبحث الثالث

حول حجّية القطع :

والبحث فيه يقع في جهات :

الجهة الأولى : في معنى الحجيّة : الحجّة كما ذكر المناطقة هي المعلوم التصديقي الذي يمكن أن يحتجّ به ويكون كبرى في القياس المنطقي لغرض إثبات مجهول تصديقي أو قضية غير مسلّمة.

وبعبارة أخرى : كل قضية معلومة تصلح لإثبات قضية مجهولة أو غير مسلّمة عند الخصم فهذه القضيّة تسمّى حجّة ، ومثال ذلك قولنا : « كل حديد فهو يتمدّد بالحرارة وينكمش بالبرودة » هذه القضية والتي هي معلوم تصديقي يمكن الاحتجاج بها لغرض إثبات مجهول تصديقي ـ مثل أنّ الحديد الصلب هل يتمدّد بالحرارة وينكمش بالبرودة ـ وذلك عن طريق

٦٠