شرح الأصول من الحلقة الثانية - ج ١

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

شرح الأصول من الحلقة الثانية - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: ثامن الحجج
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

تمهيد

ويقع الكلام فيه عن أنحاء الدلالة للدليل الشرعي ، والنتائج المترتّبة على التفاوت في أنحاء الدلالة :

النحو الأوّل : أن تكون دلالة الدليل الشرعي على الحكم الشرعي دلالة بيّنة لا يشوبها شيء من الغموض والشكّ بحيث يحصل اليقين أو الاطمئنان بتطابق المستفاد من الدليل مع ما هو المراد جدا للشارع.

وهذا النحو من الدلالة ينشأ عادة من أحد أمور ثلاثة :

الأوّل : ـ وهو مختص بالدليل الشرعي اللفظي ـ وهو أن تكون الألفاظ المستعملة في الكشف عن الحكم الشرعي واضحة ومعلوم وضعها لمعانيها وليس هناك ما يوجب صرفها عن معانيها الموضوعة لها. ومن هنا لا ينقدح أي احتمال ـ ولو بمستوى ضئيل ـ أن المعاني المستفادة من تلك الألفاظ ليست مرادة وهذا ما يعبّر عنه بالنص ، كما أنّه قد تنشأ النصوصية عن طريق احتفاف الدليل بقرائن لفظية موجبة للقطع أو الاطمئنان بالمراد.

الثاني : ـ وهو مختص أيضا بالدليل اللفظي ـ وهو أن تكون الألفاظ والصياغة المستعملة في الكشف عن الحكم الشرعي غير دالّة على الحكم الشرعي بنحو النصوصيّة بنفسها إلاّ أنّه يحصل القطع أو الاطمئنان بتطابق المستفاد مع الواقع بواسطة انضمام قرائن حاليّة أو عقلية مع الدليل الشرعي اللفظي.

الثالث : أن يكون منشأ اليقين أو الاطمئنان بالدلالة هو قرينة عقلية

٤٢١

توجب الانتقال ممّا هو محرز بالوجدان إلى الحكم الشرعي بنحو الدليل الإنّي.

ومثاله ـ كما اتّضح ممّا تقدّم في بحوث سابقة ـ ترك المعصوم عليه‌السلام لفعل أو ممارسة المعصوم عليه‌السلام لفعل ، فإنّ الأول يدلّ بلا أدنى ريب على عدم والوجوب والثاني يدلّ على عدم الحرمة.

وبما ذكرناه يتّضح أنّ المناشئ الثلاثة من هذا النحو من الدلالة تشترك في ترتّب اليقين أو الاطمئنان بالمدلول. ومن هنا تثبت الحجيّة لهذا المدلول.

النحو الثاني : أن تكون دلالة الدليل محتملة لأكثر من معنى بحيث تكون المحتملات الناشئة من الدليل متساوية من حيث درجة احتمال إرادتها. وهذا النحو من الأدلّة يعبّر عنه بالدليل المجمل.

ويمكن أن يتصوّر له ثلاث حالات :

الحالة الأولى : أن تكون المحتملات الناشئة عن الدليل المجمل مشتركة في جامع قابل للتنجيز ، كما لو كان مفاد الدليل المجمل ظاهرا في الحرمة إلاّ أنّ متعلّق الحرمة مردد بين شيئين بحيث لا يمكن استظهار أحدهما من الدليل.

ففي حالة من هذا القبيل يتنجّز الجامع وهو أحدهما ، فلا يجوز ارتكابهما معا. وهذا هو معنى أنّ المجمل حجة في الجامع.

وهذا المقدار من الحجيّة هو الثابت للمجمل ، أمّا المحتملات الناشئة عن الدليل المجمل فلا حجيّة لها بعد عدم إحراز إرادتها بأحد أنحاء الإحراز كاليقين أو الاطمئنان أو الظهور.

الحالة الثانية : أن يكون أحد المحتملات الناشئة عن الدليل له ما يعيّنه

٤٢٢

من الخارج كقرينة عقلية أو لفظية منفصلة ، وفي حالة من هذا القبيل يتنجّز ذلك المحتمل من غير فرق بين أن يكون للدليل المجمل جامع قابل للتنجيز أو غير قابل للتنجيز ، فإنّ المنجّز في مثل هذا الدليل هو المحتمل الذي قامت القرينة على تعيّنه.

الحالة الثالثة : أن لا يكون للمحتملات الناشئة عن الدليل المجمل جامع قابل للتنجيز كما أنّه ليس هناك ما يعيّن أحد المحتملات من قرائن خارجية. وفي مثل هذه الحالة لا يكون للدليل المجمل أيّة حجيّة.

النحو الثالث : أن تكون دلالة الدليل الشرعي تحتمل أكثر من معنى أيضا إلاّ أن أحد تلك المعاني هو المنصرف إليه من ذلك الدليل وهذا هو المعبّر عنه بالظهور. فالظهور إذن هو انسباق أحد المعاني المحتملة من الدليل بحيث ينقدح في الذهن خصوص ذلك المعنى من الدليل اللفظي ، ثمّ تستقر النفس على أنّ ذلك هو المراد الجدّي من الدليل. وهذا هو معنى قول المصنّف رحمه‌الله إنّ الظهور هو انسباق الذهن إلى أحد المعاني تصوّرا وتصديقا ، إذ أنّ الظهور قد يكون على مستوى الدلالة التصوريّة فحسب ويكون الظهور على مستوى الدلالة التصديقيّة في معنى آخر أو لا يكون هناك ظهور في مرحلة المدلول التصديقي ، فهنا إذن ثلاث حالات :

الأولى : تطابق الظهورين في مرحلتي الدلالة التصوّريّة والدلالة التصديقيّة على معنى واحد ، كما لو قال المولى « صلّ » فإنّ المدلول الوضعي التصوري لصيغة الأمر هو الوجوب ، فلو استظهرنا من حال المتكلّم أنّه جاد فيما أفاد فهذا هو التطابق بين الظهورين.

الثانية : أن يكون المنصرف من الدليل بحسب الأوضاع اللغويّة معنى معيّن إلا أنّنا نعلم أنّ المتكلّم غير مريد لذلك المعنى وإنّما يريد معنى آخر غير

٤٢٣

المعنى الموضوع له اللفظ كما لو دلّت القرينة الحاليّة للمتكلم على ذلك.

فلو قال المتكلّم مثلا « رأيت أسدا » وعلمنا بواسطة القرينة الحاليّة إرادة المتكلّم للرجل الشجاع. فهنا لم يتطابق الظهور في المعنى الوضعي التصوري مع المراد الجدي للمتكلم.

الحالة الثالثة : أن تكون للدليل دلالة تصوّريّة إلاّ أنه لم ينعقد ظهور لحال المتكلم في إرادة ذلك المدلول التصوري كما لو قال المتكلم « رأيت أسدا » ولم يعلم أنّ المتكلّم كان ملتفتا أو ذاهلا واتفق عدم وجود وسيلة لتعيين أحد الاحتمالين ، فهنا لا ينعقد الظهور التصديقي رغم انعقاد الظهور التصوري.

والحالة الأولى لا إشكال في ثبوت الحجيّة لمدلول الدليل فيها وذلك لحجيّة الظهور كما سيتّضح فيما بعد.

والحالة الثانية تثبت الحجيّة لمدلول الدليل ، إلاّ أنّها إنما تثبت للظهور في المدلول التصديقي دون الظهور في المدلول التصوري ، إذ أنّ الظهور الذي دلّ الدليل على حجيّته هو الظهور المعيّن للمراد وهو إنّما يناسب المدلول التصديقي إذ هو المعيّن للمراد.

وبهذا يتّضح عدم حجيّة الدليل في الحالة الثالثة ؛ إذ لا تعيين فيه للمراد بعد أن كان الظهور في خصوص المدلول التصوري الوضعي.

وكيف كان فالحجيّة الثابتة للظهور لم تنشأ عن إفادته للعلم بمطابقة المستفاد من الدليل مع المراد الجدّي للمتكلّم ؛ إذ أنّ الظهور ـ كما اتّضح ـ لا يولّد العلم.

ومن هنا نحتاج لإثبات الحجيّة للظهور إلى دليل شرعي وهذا ما سيتمّ بحثه.

٤٢٤

الاستدلال على حجيّة الظهور

وقد استدلّ على حجيّة الظهور بالسيرة العقلائيّة والسيرة المتشرعيّة.

أما تقريب الاستدلال بالسيرة العقلائيّة :

فهو أنّه لا ريب في تباني العقلاء على التوسّل بالظهور للتعرّف على مرادات المتكلّمين والجري على مقتضياتها دون توقّف لغرض التأكد من تلك المفادات الحاصلة بواسطة الظهور ؛ ولذلك نراهم يحتجّون على المتكلّم بظاهر كلامه كما ويحتج المتكلّم بظاهر كلامه على المخاطب دون أن يعترض المتكلّم على المخاطب بأنّه لم يكن مريدا لذلك المعنى الظاهر أو يعترض المخاطب على المتكلّم بأنّه احتمل إرادة معنى آخر غير المعنى الظاهر. كلّ ذلك يعبّر عن ترسّخ هذه السيرة وتجذّرها في جبلّة العقلاء ، وبطبيعة الحال يكون ذلك موجبا لامتداد هذه السيرة للقضايا الشرعية ؛ إذ أنّ ذلك هو مقتضى تجذّر السيرة ، وإذا كان كذلك فهي تهدّد أغراض الشريعة لو لم تكن مرضيّة من قبل الشارع المقدّس ، وهذا ما يكشف عن الإمضاء في حال عدم الردع.

وقد ذكرنا في بحث دليليّة السكوت على الدليل الشرعي وجهين لإثبات تلك الدليليّة أحدهما عقلي وله تقريبان والآخر استظهاري.

٤٢٥

أمّا الدليل العقلي بتقريبيه فهو صالح لتطبيقه هنا كما يتضح ذلك بالمراجعة.

وأمّا الوجه الاستظهاري فلا يمكن تطبيقه في المقام لاستلزام تطبيقه هنا للدور المستحيل ؛ لأنّنا في مقام الاستدلال على حجيّة الظهور ، فإذا كان الدليل على إمضاء السيرة العقلائية هو ظهور حال المعصوم عليه‌السلام في الإمضاء فهذا معناه إثبات حجيّة الظهور بالظهور.

وأمّا تقريب الاستدلال بالسيرة المتشرّعيّة :

فهو أن الفقهاء والرواة المعاصرين لزمن المعصوم كانت سيرتهم جارية على العمل بظهورات الأدلّة الشرعيّة في مقام فهم واستنباط الأحكام الشرعيّة ، وهذا ما يعبّر عن تلقيهم ذلك عن الشارع ؛ إذ أنّ ذلك هو مقتضى كونهم متشرّعة وملتزمين بمناهج الشريعة في أمورهم الشخصية فضلا عن الأمور الخطيرة التي لو تبرّعوا فيها بسلوك من عند أنفسهم لكان من المحتمل قويا أن يكون ذلك موجبا لتفويت أغراض الشريعة والحال أنّهم أحرص الناس على التحفّظ عليها.

ومن هنا نستكشف بطريق الإن أنّ سيرتهم متلقاة أو ممضاة من قبل الشارع المقدّس دون أن نحتاج إلى الاستعانة بالسكوت لإثبات الإمضاء إذ أنّ الذي يحتاج إلى ذلك هو السيرة العقلائية كما اتّضح ذلك ممّا تقدّم.

نعم نحتاج إلى إثبات وجود هذه السيرة في زمن المعصوم عليه‌السلام وقد ذكرنا طرقا خمسة لإثبات معاصرة السيرة للمعصوم عليه‌السلام.

والطريق الذي يمكن الاستفادة منه في المقام هو الطريق الرابع ، ويمكن

٤٢٦

الاستفادة من غيره ، وهذا يتّضح بمراجعة تلك الطرق.

أدلّة نفي الحجيّة عن الظهور :

وقد استدل على نفي الحجيّة عن الظهور بنفس الأدلّة التي استدلّ بها على نفي الحجيّة عن خبر الواحد ، وهو أنّ السيرة لو كانت فهي مردوع عنها بالأدلّة الناهية عن العمل بالظن وكذلك بالإطلاق في أدلّة الأصول كما اتّضح ممّا تقدّم. والجواب هناك هو الجواب في المقام ، ويمكن أن يختص المقام بجواب آخر.

وهو أن الأدلّة النّاهية عن العمل بالظنّ إنّما تشمل المقام بواسطة الإطلاق ، والإطلاق أحد مصاديق الظهور ، فيكون نفيها للحجيّة عن الظهور نفيا لحجيّة نفسها ؛ إذ لا نحتمل اختصاصها بالحجيّة دون سائر الظهورات. ومن هنا يكون ثبوت الحجيّة لها في نفي الحجيّة عن الظهور نفيا لحجيّة نفسها ؛ إذ أنها تنفي الحجيّة عن الظهور ودلالتها على نفي الحجيّة إنّما هو بالظهور فإذا ثبت نفيها للحجيّة فهذا يعني أنّها تنفي الحجيّة عن نفسها.

وكلّ شيء يلزم من ثبوت حجيّته نفي الحجيّة عن نفسه يستحيل التعويل عليه ، إذ كل شيء يلزم من وجوده عدمه فهو مستحيل.

وبهذا يتّضح عدم صلاحيّة الأدلّة الناهيّة عن الظنّ للردع عن السيرة الجارية على العمل بالظهورات.

موضوع الحجيّة :

والغرض من هذا البحث هو تحديد دائرة الموضوع الذي ثبتت له الحجيّة ، وهل أنّ الحجيّة ثابتة في حال تطابق الظهورين في معنى واحد فحسب؟ أو أنّ موضوع الحجيّة هو الظهور في مرحلة المدلول التصديقي

٤٢٧

سواء طابق الظهور في المدلول التصوري أو لم يطابقه؟ أو أنّ الحجيّة تتسع لتشمل الظهور التصوري ولكن في حال عدم انعقاد أيّ ظهور في المدلول التصديقي.

فهنا ثلاثة احتمالات لموضوع الحجيّة ، وقبل بيانها لا بأس بإعادة بيان الفرق بين الظهور على مستوى المدلول التصوري والظهور على مستوى المدلول التصديقي.

أمّا الظهور على مستوى المدلول التصوري :

فهو انسباق أحد المعاني المحتملة إلى الذهن من إطلاق اللفظ ، ويكون منشأ ذلك الانسباق هو الوضع ، وقد قلنا إن الظهور لا يأبى عن بقاء المحتملات الأخرى إلاّ أنّها لا تكافئ المعنى المنسبق إلى الذهن من حيث استقراره وركون النفس بتعيّنه ، إذ أنّ لانسباقه واستقراره مبرّرا وهو الوضع بخلاف سائر المحتملات إذ أن مبرّراتها لا تكون منتظمة ومطّردة.

وأما الظهور على مستوى المدلول التصديقي :

فهو لا يتّصل بالأوضاع اللغويّة وإنّما هو معنى ينسبق إلى الذهن ومنشؤه معرفة حال المتكلم ، ودوره الكشف عن مراده الجدّي ، فالظهور التصديقي إذن هو ما يكشف عن مراد المتكلّم من خلال ملاحظة حاله ، وهذا النحو من الظهور لا ينافي وجود محتملات أخرى وأنّها هي المرادة واقعا ، إلاّ أنّ هذه المحتملات لا اعتداد بها عند العقلاء بعد أن لم يكن لها مبرّر سوى أنّ الظهور لا يوجب العلم.

وبعد اتّضاح الفرق بين الظهور التصوري والظهور التصديقي نصل لبيان تحديد الموضوع الذي ثبتت له الحجيّة ، وقد قلنا إنّ فيه ثلاثة

٤٢٨

احتمالات :

الاحتمال الأوّل : أنّ دائرة موضوع الحجيّة تختصّ بمورد تطابق الظهورين على معنى واحد كما لو كان مقتضى المدلول الوضعي يطابق ما هو مقتضى المدلول الجدّي للمتكلّم.

والصحيح هو عدم اختصاص الحجيّة بهذا المورد ، فهو وإن كان القدر المتيقّن من موضوع الحجيّة إلاّ أنّه لمّا كان منشأ ثبوت الحجيّة لهذا المورد هو الظهور التصديقي فهذا يقتضي عدم اختصاصه بالحجيّة.

وبيان ذلك : أنّ الحجيّة إنّما تثبت للظهور الكاشف عن مراد المتكلّم ؛ إذ هو المصحح للاحتجاج لا ما ينسبق إلى الذهن بسبب الأوضاع اللغويّة.

كما أنّ الذي يحكم العقل بوجوب تحصيله وامتثاله هو إرادة المولى ، ومن الواضح أن الذي يكشف عن إرادة المولى إنما هو الظهور التصديقي المستفاد من معرفة حال المتكلّم ، أمّا الظهور التصوري فليس أكثر من انقداح معان خاصة في الذهن بسبب استعمال ألفاظها الموضوعة لإفادتها.

ومن البديهي أنّ الألفاظ لا تكشف وحدها عن المراد ، نعم الدلالة الوضعيّة التصوريّة كثيرا ما تساهم في التعرّف على المراد الجدّي والظهور التصديقي إلاّ أنّ هذا إنّما يقتضي كون الدلالة التصوريّة وسيلة من وسائل الوصول إلى مرحلة الظهور في المدلول التصديقي. ومنشأ مساهمتها هو أصالة التطابق بين الدلالة التصوريّة الناشئة عن الأوضاع اللغويّة وبين الدلالة التصديقيّة والتي تعني أنّ ما يفيده المتكلّم بواسطة الألفاظ فهو يريده جدّا وواقعا. وقد أوضحنا ذلك فيما سبق.

الاحتمال الثاني : أنّ دائرة موضوع الحجيّة تتّسع لتشمل الظهور

٤٢٩

التصديقي حتى في مورد منافاته لما هو مقتضى الظهور في المدلول التصوري.

وقد اتّضح ممّا تقدم ثبوت الحجيّة للظهور في المدلول التصديقي ، إذ أنّه هو الكاشف عن المراد ، ويبقى الظهور التصوري عاريا عن الحجيّة إذ لا كشف له عن المراد كما لا مساهمة له في تنقيح الظهور التصديقي. وهذا ما يوضح أنّ الحجيّة ثابتة للظهور التصديقي حتى في موارد عدم وجود دلالة تصوريّة لفظيّة كما هو الحال في الظهور التصديقي الناشيء عن الفعل الصامت.

الاحتمال الثالث : أن دائرة موضوع الحجيّة لا تختص بالظهور التصديقي بل لو لم يكن هناك ظهور تصديقي وكان هناك ظهور تصوري فإنّ الحجيّة تثبت له.

وهذا الاحتمال اتّضح حاله ممّا تقدّم وأنّه لا يمكن البناء على أنّ الظهور التصوري مشمول لموضوع الحجيّة ؛ وذلك لعدم كاشفيّته عن المراد فهو مجرّد تصوّر ينشأ عن الأوضاع اللغويّة ؛ ولذلك يحصل هذا الظهور من كلام متكلّم غير عاقل كما لو اتّفق صدوه من البهيمة.

ومن أجل أن يتضح هذا الاحتمال أكثر نقول :

إنّ المتكلّم قد يأتي بكلام له ظهور في مرحلة المدلول التصوري إلاّ أنّه نصب قرينة على إرادة معنى آخر غير المعنى المستفاد من الدلالة الوضعية التصوريّة ، كأن يقول « رأيت أسدا » ثم يأتي بما يدلّ على إرادة الرجل الشجاع ، وقد اتّضح الحال من هذه الصورة في الاحتمال الثاني وأنّ الحجيّة إنّما تثبت للمدلول التصديقي فحسب.

وقد يأتي بكلام له ظهور تصوري إلاّ أنّه من المحتمل أنّه نصب قرينة

٤٣٠

على عدم إرادة الظهور التصوري جدا ، ومناشئ الاحتمال كثيرة ، منها إحرازنا لوقوع الغفلة عن متابعة المتكلّم إلى أن انتهى من كلامه فإنّه في مثل هذه الحالة وإن كان يمكن إجراء أصالة عدم الغفلة للمتكلّم إلاّ أنّ هذا الأصل العقلائي لا يجري في حقّنا لإحراز وقوع الغفلة منّا عن متابعة المتكلّم إلى آخر كلامه ، فلعلّه في أثناء غفلتنا نصب قرينة على إرادة معنى آخر غير المعنى المفاد بواسطة الدلالة الوضعيّة التصوريّة ، وهذا الاحتمال لا دافع له بعد إحراز الغفلة.

ومن هنا لا ينعقد ظهور تصديقي للكلام ، فلا وسيلة لنا للكشف عن مراد المتكلّم.

فتكون نتيجة هذا الاحتمال تساوق القطع بوجود القرينة المنافية لمقتضى الظهور التصوري ، وبهذا يتّضح هذا الاحتمال وأنّه هل تثبت الحجيّة للمدلول التصوري بعد أن لم يكن هناك ظهور في المدلول التصديقي. وقد عرفت عدم ثبوت الحجيّة له لعدم كاشفيّته عن مراد المتكلّم.

٤٣١
٤٣٢

ظواهر الكتاب الكريم

اتّضح ممّا تقدّم حجيّة الظهور وأنّ موضوع الحجيّة هو الظهور في مرحلة المدلول التصديقي. ومقتضى أدلّة حجيّة الظهور هو حجيّته بنحو مطلق من غير فرق بين متكلّم وآخر وبين السنّة الشريفة والقرآن الكريم ، إلاّ أنّ عددا من العلماء استثنوا ظواهر الكتاب الكريم من الحجيّة اعتمادا على أدلّة تقتضي في نظرهم حرمة التعويل على ما ينفهم من القرآن الكريم بواسطة الضوابط المقرّرة عند أهل المحاورة وأن فهم القرآن الكريم مختص بمن خوطب به وهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيت عليهم‌السلام ، فلذلك تكون الوسيلة الوحيدة للتعرّف على مرادات القرآن الكريم هو ما يرد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام ، أو أن تكون دلالة القرآن الكريم على المعنى بنحو النصوصيّة.

ومن الأدلّة التي ذكرت لإثبات هذه الدعوى هي :

الدليل الأوّل :

قوله تعالى ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي

٤٣٣

الْعِلْمِ ) (١).

وتقريب الاستدلال لصالح النافين لحجيّة ظواهر الكتاب : هو أنّ الآية الكريمة صنّفت آيات القرآن الكريم إلى قسمين : الأوّل هو الآيات المحكمة ، وقد فسّروها بالآيات التي تكون دلالتها على المعنى بنحو النصوصيّة.

والقسم الثاني هو الآيات المتشابهة ، وهي كلّ آية لا تكون دلالتها نصا في المعنى ، وبهذا تكون الظواهر من المتشابه ـ الممنوع عن العمل به ـ ؛ وذلك لأنّ الظاهر كالمجمل من حيث إنّه يتحمّل أكثر من معنى ، وكونه يختلف عن المجمل من جهة عدم ككافؤ المحتملات الناشئة عنه لا يخرجه عن حد المتشابه ؛ إذ أنّ المتشابه هو ما يحتمل أكثر من معنى ، كلّ معنى له نحو علاقة مع اللّفظ تكون تلك العلاقة موجبة لاحتمال إرادته ، وبهذا يكون المتشابه صادق على الظاهر ؛ إذ أنّ الظاهر يكون له أكثر من معنى محتمل ، غايته أنّ أحد المعاني يكون هو المنسبق إلى الذهن إلاّ أنّه مع ذلك تبقى المعاني الأخرى محتفظة باحتمال إرادتها.

والجواب على هذا الدليل :

وقد أجاب المصنّف رحمه‌الله على هذا الدليل بثلاثة أجوبة :

الجواب الأوّل : هو نفي كون الظاهر داخلا تحت عنوان المتشابه ؛ وذلك لأنّ الظاهر وإن كان يحتمل أكثر من معنى إلا أنّ المعنى غير المنسبق من اللفظ عند إطلاقه معنى موهوم لا اعتداد له بنظر العقلاء ؛ وذلك لأنّ

__________________

(١) سورة آل عمران آية ٧

٤٣٤

العلقة التي تربطه باللفظ ضعيفة جدا بحيث لا تؤثر على مستوى وثاقة العلاقة بين المعنى الظاهر ولفظه وهذا ما يجعل المعنى الظاهر متعيّنا وواضحا لا تشابه فيه.

وبعبارة أخرى المتشابه هو ما يكون تشابه محتملاته من حيث مستوى علاقتها باللّفظ موجبا لحيرة المخاطب أو السامع وعدم استقراره على معنى من المعاني ؛ وذلك لتساوي احتمال إرادتها.

ومن هنا يكون المراد من المتشابه هو خصوص المجمل.

الجواب الثاني : أن المتشابه حتى لو افترضنا صدقه على الظاهر إلاّ أنّ ذلك لا يثبت دعوى القوم في نفي الحجيّة عن ظواهر الكتاب الكريم ؛ إذ أنّ الآية بصدد النهي عن التوسّل بالمتشابهات وفصلها عن الآيات المحكمة لغرض التعمية وإثارة الشبهات المضلّة ، فكأنّما الآية الشريفة تنهى عن التدليس في النقل والبيان ، إذ أنّ فصل كلام الله عن القرائن المحتفّة به أو عن بعض حيثيّاته ـ التي لها اتّصال بتوضيح مراده ـ موجب للتشويش على ما هو المراد الواقعي للمتكلّم ، وهو من أقبح مصاديق التدليس.

ومن هنا يتّضح أنّ الآية المباركة متصديّة لبيان مطلب آخر غير الذي يروم القوم إثباته.

ويمكن تأييد هذا الفهم للآية بما روي عن الإمام الرضا عليه‌السلام قال « من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم » ثم قال عليه‌السلام « إن في أخبارنا محكما كمحكم القرآن ومتشابها كمتشابه القرآن ، فردّوا

٤٣٥

متشابهها إلى محكمها ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا » (١).

الجواب الثالث : أنّه لو سلّمنا أنّ الظاهر من قسم المتشابه وأنّ الآية في صدد نفي الحجيّة عن المتشابه إلاّ أنّه لا يمكن التسليم بأنّ الآية المباركة نص في ذلك وبالتالي تكون دلالتها على نفي الحجيّة ـ على أحسن الأحوال ـ بنحو الظهور ، وإذا كان كذلك فيستحيل صلوحها لنفي الحجيّة ؛ إذ أنّ نفيها لحجيّة ظواهر الكتاب مستوجب لنفي الحجيّة عن نفسها بعد أن لم تكن دالّة على نفي الحجيّة بأكثر من الظهور. وكلّ شيء يلزم من حجيّته نفي الحجيّة عن نفسه يستحيل التعويل عليه في النفي والردع ؛ إذ كلّ شيء يلزم من وجوده عدمه فهو مستحيل.

الدليل الثاني :

هو ما ورد عن أهل البيت عليهم‌السلام من النهي عن العمل بظواهر الكتاب. وهي على ثلاث طوائف.

الطائفة الأولى : ما ورد من أن القرآن الكريم لا يفهمه إلاّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام وذلك لاشتماله على معان رفيعة لا يمكن أن تدركها عقول الرجال ، وأنّ الله عزّ وجلّ جعل فهمه مختصّا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيت عليهم‌السلام لتشتدّ حاجة الناس إليهم.

ومن الروايات ما رواه جابر قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام « يا جابر إنّ للقرآن بطنا وللبطن ظهرا وليس شيء أبعد عن عقول الرجال منه ، إنّ

__________________

(١) الوسائل باب ٩ من أبواب صفات القاضي ح ٢٢

٤٣٦

الآية لينزل أوّلها في شيء وأوسطها في شيء وآخرها في شيء ، وهو كلام متصرّف على وجوه » (١).

ومنها : ما رواه إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه‌السلام قال « إنّ الله بعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... وأنزل عليه كتابا فختم به الكتب فلا كتاب بعده ... فجعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علما باقيا في أوصيائه فتركهم الناس وهم الشهداء على كلّ زمان .. ثمّ ذكر كلاما طويلا في تقسيم القرآن إلى أن قال : إن كلام الباري سبحانه لا يشبه كلام الخلق ... ولهذه العلّة وأشباهها لا يبلغ كنه معنى حقيقة تفسير كتاب الله تعالى إلاّ نبيّه وأوصياؤه عليهم‌السلام » (٢).

ومنها : ما عن سعيد بن طريف عن أبي جعفر عليه‌السلام « .. فإنّما على الناس أن يقرؤوا القرآن كما أنزل فإذا احتاجوا إلى تفسيره فالاهتداء بنا وإلينا » (٣).

ومنها : ما رواه المعلّى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ... ولذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه ليس شيء أبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن ... وإنّما أراد الله بتعميته في ذلك ... وينتهوا في قوله إلى طاعة القوّام بكتابه والناطقين عن أمره ... » (٤).

والجواب عن هذه الطائفة :

ذكر المصنّف رحمه‌الله في مقام الجواب عن هذه الطائفة وجهين :

__________________

(١) الوسائل باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ح ٧٤

(٢) الوسائل باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ح ٦٢

(٣) الوسائل باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ح ٦٤

(٤) الوسائل باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ح ٣٨

٤٣٧

الوجه الأوّل :

هو أنّ روايات هذه الطائفة غير معتبرة سندا ؛ وذلك لأنّها لا تخلو إمّا أن تكون مرسلة ، وإمّا أن يكون سندها مشتملا على رواة قد ثبت ضعفهم أو لم تثبت وثاقتهم.

وبهذا تسقط هذه الطائفة عن الحجيّة ولا يصح التعويل عليها لنفي الحجيّة عن ظواهر الكتاب الكريم ، على أنّه يمكن دعوى الوثوق والاطمئنان بكذب هذه الطائفة من الروايات ، وذلك إذا ما حصل التوجه إلى مقدّمتين :

المقدّمة الأولى :

إنّ أغلب روايات هذه الطائفة مشتملة أسنادها على من ثبت ضعفه أو فساد مذهبه وميله إلى الغلوّ وسلوكه المسلك الباطني والذي كان يفهم أحكام الشريعة على أساس أنّها مجموعة من المفاهيم الغامضة التي لا يدركها إلاّ الأوحدي من الناس ، وأن كل ظواهر الشريعة ليست مرادة ، وكانوا يضعون لتلك الظواهر تفسيرات غريبة أشبه بالخرافات التي يعتقدها المعقّدون من الناس ، وكانوا يبرّرون غرابتها بأنّ فهم ذلك ليس ميسورا لكلّ أحد ، وأنّ تلك المعاني لا تدرك بالعقول ، ومن هنا لا بدّ من تلقّيها بالتسليم والقبول ؛ إذ أنّ ذلك هو مقتضى الإيمان الحقيقي ، ولهذا لا تعرض هذه المفاهيم إلا على من محض الإيمان.

ومن أصحاب هذا المسلك هو جابر بن يزيد الجعفي أو لا أقلّ أنّ أصحاب هذا المسلك قد استفادوا من بعض روايات جابر وأضافوا عليها من عند أنفسهم لغرض تشييد هذا المذهب الباطل ، ولعلّ هذا هو الذي يشير إليه النجاشي في ترجمة جابر حيث قال « روى عنه جماعة غمّز فيهم

٤٣٨

ضعّفوا ، منهم عمرو بن شمر ومفضل بن صالح ومنخّل بن جميل ويوسف بن يعقوب وكان في نفسه مختلطا وكان شيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد النعمان رحمه‌الله ينشد أشعارا كثيرة في معناه تدلّ على الاختلاط » (١) أي تدلّ على اختلاط جابر.

وقد ذكر الكشي في ترجمة جابر رواية وصلتنا بواسطة عمرو بن شمر أنّ جابر قال : دخلت على الإمام أبي جعفر عليه‌السلام وأنا شابّ ... قال : دفع إليّ كتابا .. ثم دفع إليّ كتابا آخر ثم قال عليه‌السلام « وهاك هذا فإنّ حدثت بشيء منه أبدا فعليك لعنتي » (٢).

وذكر الكشي أيضا رواية منقولة عن أبي جميلة المفضّل بن صالح عن جابر الجعفي قال : حدّثني أبو جعفر تسعين ألف حديث لم أحدّث به أحدا قط ولا أحدّث به أحدا. قال جابر : فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام جعلت فداك ، إنّك حملتني وقرا عظيما حدثتني به من سرّكم الذي لا أحدّث به أحدا فربّما جاش صدري حتى يأخذني منه شبه الجنون. قال عليه‌السلام : « يا جابر فإذا كان ذلك فاخرج إلى الجبال واحفر حفيرة ودلّ رأسك فيها ثم قل حدثني محمّد بن علي بكذا وكذا » (٣).

ومن أصحاب هذا المسلك ـ المعبّر عنهم بأصحاب الأسرار ـ هو سعيد بن طريف أو ظريف وهو أيضا ممن يروي المناكير والغرائب وقد عبّر عنه النجاشي بأنّه « يعرف وينكر » (٤) وهو الذي روى لنا في مقام تفسير

__________________

(١) رجال النجاشي ص ١٢٨

(٢) اختيار معرفة الرجال ، الشيخ الطوسي ج ٢ ص ٤٣٨

(٣) خاتمة المستدرك ج ٤ ص ٢٠٤

(٤) رجال النجاشي ص ٤٦٨

٤٣٩

قوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (١) أنّ الصلاة تتكلّم وأنّ الفحشاء رجل والمنكر رجل. (٢)

أمثال هؤلاء هم الواقعون في أسناد هذه الطائفة من الروايات.

المقدّمة الثانية :

إنّه لو كان حقّا عدم حجيّة ظواهر الكتاب وأنّ أهل البيت عليهم‌السلام قد عرّفوا الناس بذلك فلماذا لم يصل إلينا نفي الحجيّة عن ظواهر الكتاب إلاّ عبر أصحاب هذا المسلك الذي هو ليس محل قبول عند أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام وعند فقهاء الطائفة؟ رغم أنّ هذه المسألة على درجة كبيرة من الخطورة ؛ إذ أنّه لو كان نظر الشارع هو نفي الحجيّة عن ظواهر الكتاب وأنّ ظواهر الكتاب غير مرادة من قبل الشارع لكان العمل بالظواهر تضييعا لكثير من أغراض الشريعة ، وهذا يقتضي أن يكون التنبيه على نفي الحجيّة متناسبا مع مستوى ما يترتّب على عدم تعرّف الناس على ذلك من ضياع لكثير من أهداف الشريعة خصوصا وأن العمل بالظواهر هو السلوك المتعارف عند العقلاء في مقام استكشاف مرادات المتكلّمين ، وأنّ الطريقة المتّبعة عند المتشرّعة في مقام استنباط الأحكام الشرعيّة من السنّة الشريفة هي الظهور.

كلّ ذلك يؤكد اختلاق أصحاب هذا المسلك لهذه الطائفة من الروايات وإلاّ لاطّلع عليها فقهاء الرواة ، وهذا يقتضي وصولها إلينا

__________________

(١) سورة العنكبوت آية ٨٩

(٢) اصول الكافي كتاب فضل القرآن ح ١

٤٤٠