خلافة الرسول صلّى الله عليه وآله بين الشورى والنصّ

الدكتور صائب عبد الحميد

خلافة الرسول صلّى الله عليه وآله بين الشورى والنصّ

المؤلف:

الدكتور صائب عبد الحميد


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8629-50-1
الصفحات: ١٣٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ـ وأيّام الخندق ذاتها ؛ أراد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يفتّ في عضد الاحزاب ويفرّق شملهم ليخفّف علىٰ أهل المدينة ضنك الحصار ، بأن يصالح كبير غطفان عيينة بن حصن علىٰ سهم من ثمر المدينة لينسحب بمن معه من غطفان وهوازن ويخذل الأحزاب ، فدعا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك الأمر سيّدي الأوس والخزرج من الأنصار : سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، فاستشارهما في ذلك ، فقالا : يا رسول الله ، إن كنت اُمرتَ بشيء فافعله وامضِ له ، وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلاّ السيف.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لم اُؤمر بشيء ، ولو اُمرت بشيء ما شاورتكما.. بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلاّ لأنّني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، وكالبوكم من كلِّ جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلىٰ أمرٍ ما ». وسُرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقولهما ، فقال لعيينة بن حصن ، ورفع صوته بها « ارجع ، فليس بيننا وبينكم إلاّ السيف » (١).

وفي هذا كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد اختبر صبر الانصار وثباتهم وصدق إيمانهم.

كما كشف هذا الحوار صراحةً أنّه لا محلّ للشورىٰ في ما كان عن أمر من الله ورسوله.

ـ وفي حدثٍ ثالث كان المستشار علي عليه‌السلام وزيد بن حارثة ، ذلك حين كان حديث الإفك.

ـ وفي حدثٍ رابع استمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلىٰ مشورة امرأة واحدة ، هي اُمّ

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ : ٢٣٤ ، الاستيعاب ٢ : ٣٧ ، تاريخ الطبري ٢ : ٥٧٣ عن الزهري.

٢١

المؤمنين اُمّ سَلَمة ، ذلك يوم الحديبية ، بعد إمضاء الصلح ، إذ أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه أن ينحروا ما معهم من الهدي الذي ساقوه ، فلم ينحر أحد ، فبان الغضب بوجه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاد إلىٰ خيمته ، فقالت له اُمّ سَلَمة ، لو نحرتَ يا رسول الله ، لنحروا بعدك.. فنحر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هديه ، فنحروا بعده (١).

هذه هي أشهر نماذج الشورىٰ التي يعرضها التاريخ ، بغضّ النظر عن صحّة أسانيدها أو ضعفها ، منذ نزلت آية الشورىٰ هذه حتّىٰ قُبض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.. فليس هناك شيء أكثر ممّا كان قبل نزولها.. وليس هناك نظام محدّد ، ولا أشخاص معيّنون.. ليس هناك أثر لما دعاه البعض ( هيئة العشرة )..

تلك هيئة ليس لها أثر أيّام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّها ، ولا استطاع مدّعيها (٢) أن يأتي بشاهد تاريخي واحد علىٰ وجودها في أيام النبيّ ، ولا يستطيع أن يأتي بشاهد واحد يؤيّدها من حياة أبي بكر كلّها وحياة عمر كلّها ، حتّىٰ اختياره الستة المعروفين لشورىٰ الخلافة !

وأضعف من هذه الدعوىٰ ما جاء في محاولة البرهنة عليها من أشياء متكلَّفة ، واُخرىٰ لا واقع لها ، واُخرىٰ تفيد نفيها بدلاً من إثباتها !

ومن أنكر وأغرب ما استدلّ به ، وهو يراه أقوىٰ أدلّة الإثبات ، ثلاثة أشياء ، هي :

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ : ٦٣٧ عن الزهري.

(٢) محمد عمارة ، الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية : ٥٤.

٢٢

الأول : قوله : يتحدّث سعيد بن جبير عن هذه الحقيقة الهامّة ، فيقول : ( وكان مقام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبدالرحمن بن عوف وسعيد بن زيد ، كانوا أمام رسول الله في القتال ووراءه في الصلاة ). ثم يستنتج من هذا القول أنّ هؤلاء العشرة لم يكونوا فقط وزراء الرسول ومجلس شوراه ، وانّما كانوا يديمون الوقوف خلفه مباشرة في الصلاة ، كما يلتزمون الوقوف أمامه عند الحرب والقتال (١) !!

إننا بغضّ النظر عن صحّة نسبة مثل هذا القول إلىٰ سعيد بن جبير ، أو عدمها ، لو سألنا الباحث أن يكتشف لنا حرباً واحدةً فقط من حروب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف فيها هؤلاء العشرة أمام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقت القتال ، لعاد بعد بحث طويل في خيبة أمل !

الثاني : قوله : هؤلاء العشرة فيهم أوّل ثمانية دخلوا في دين الإسلام ، فهم أوّلون في الإسلام ، ومهاجرون (٢).. وهذا كلام مع ما فيه من تهافت فهو دعوىٰ غير صحيحة أيضاً.. فهل كان سبق الثمانية إلىٰ الإسلام هو الذي رفع الاثنين الآخرين ؟!

ثمّ أين هذا السبق ، وكلّهم ـ ما خلا عليّ ـ مسبوق ؟! إنّهم ، غير علي ، مسبوقون إلىٰ الإسلام ، سبقتهم خديجة ، وجعفر بن أبي طالب ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وأخوه عثمان ، وسبقهم زيد بن حارثة ، وسبقهم أبو ذرّ الغفاري خامس الإسلام ، وسبقهم آخرون (٣).

__________________

(١) الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية : ٥٧.

(٢) الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية : ٥٨.

(٣) اُنظر : البداية والنهاية ٣ : ٣٤ ـ ٣٨ ، ترجمة أبي ذرّ في : الاستيعاب ، اُسد الغابة ، الاصابة ، سِيَر أعلام النبلاء.

٢٣

الثالث : وهو أكثرها نكارة ، ما نقله عن المستشرق فان فلوتن ، بعد أن قدّم له بسؤال مثير ، فقال : ( ولكن هل خرجت الشورىٰ علىٰ عهد رسول الله من النطاق الفردي غير المنظّم ، إلىٰ نطاق التنظيم المحكوم بمؤسّسة من المؤسّسات ) ؟

فلمّا لم يجد لهذا التساؤل الهام جواباً من التاريخ ، تعلّق بالخطأ الذي وقع فيه فان فلوتن لسوء فهمه لمفردات العربية ، فحين قرأ عن أصحاب الصفّة وهم المقيمون في المسجد علىٰ صفّة كبيرة فيه ، والبالغ عددهم سبعين رجلاً ، ظن أنّ الصفّة تعني ( الصفوة ) ! فظنّ أنّ صفوة الصحابة كانوا سبعين رجلاً لا يفارقون المسجد كمؤسّسة استشارية تتّخذ من المسجد مقرّاً لها ، ولم يفهم أنّ أصحاب الصفة هؤلاء هم أضعف المسلمين حالاً ، لا يملكون مأوىً لهم فاتخذوا المسجد مأوىٰ !!

وليس هذا بمستغرب من مستشرق لا يتقن العربية ، ولا تعنيه فداحة الخطأ العلمي بقدر ما يعنيه الادلاء برأيه.. لكنّ المستغرب أن يأتي باحث كبير كالشيخ محمد عمارة فيعتمد هذا الخطأ العلمي مصدراً لتثبيت قضية هامّة كهذه ، قائلاً : ( نعم ، فهناك ما يشير إلىٰ وجود مجلس للشورىٰ في عهد الرسول كان عدد أعضائه سبعين عضواً ) ويصرّح أن مصدره فان فلوتن (١) !

أنتم أعلم باُمور دنياكم !

هذا وجه آخر من وجوه تفسير مشاورة الرسول أصحابه : إنّ علوم الخلق متناهية ، فلابدّ أن يخطر ببال إنسان من وجوه المصالح مالا يخطر

__________________

(١) الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية : ٥٣.

٢٤

بباله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا سيّما في ما يُفعل من اُمور الدنيا ، ولذلك قال : « أنتم أعلم بأمور دنياكم » (١) !

لكنّ هذا وجه مردود من أوّل نظرة ، حتىٰ علىٰ فرض صحّة الحديث « أنتم أعلم بأمور دنياكم ».. ذلك أنّ هذا كان في واقعة محدّدة ، هي قضية تأبير النخل في عام من الأعوام ، وقضية مثل هذه لا تدخل في شؤون النبوّة ولا في شؤون القيادة السياسة والاجتماعية ، فلم يكن قائد من قوّاد الاُمم مسؤولاً عن نظام تأبير النخل ! أو عن إصلاح شؤون بيوت الناس من ترتيب أثاثها وترميم قديمها ! أو كيفية خياطة الثياب ! أو طريقة رصف السلع في الأسواق !

هذه هي أمور دنيا الناس التي يباشرونها بأذواقهم وبخبراتهم الخاصة الخاضعة لظروفها الزمانية والمكانية.

أمّا أن يقال إنّ من الناس من هو أعلم من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشؤون سياسة الدولة ، وأقدر منه علىٰ تقدير مصالحها وحفظها ، فهذا من الفكر الشاذّ الذي لا يستقيم ومبادئ الإسلام.

فمن المستنكر جدّا أن يستفاد من حديث « أنتم أعلم باُمور دنياكم » انّهم أعلم منه بسياسة البلاد وبتخطيط النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية !

إنّه لا يتجاوز في معانيه تلك الأمثلة المتقدّمة في شؤون الناس الخاصّة التي يتعاهدونها بأنفسهم ، وليس القائد ـ نبيّاً أو غيره ـ بمسؤول عن

__________________

(١) تفسير الرازي ٩ : ٦٦.

٢٥

تنظيمها.

إذن فخلاصة ما وقفنا عليه في هذا البعد الأول : أنّ الشورىٰ التي اُمر بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزاولها إنّما هي شورىٰ الحاكم ، القائد ، يشاور من يشاء من أهل الخبرة أو أهل الصلة المباشرة بالأمر ، وليس هناك ما يشير من قريب أو بعيد إلىٰ اعتماد الشورىٰ في تعيين رأس النظام السياسي والاجتماعي في الإسلام ، هذا حتّىٰ لو تحقّق في التاريخ وقوع مشاورة في ما يتّصل بخطط سياسية أو اجتماعية.

البعد الثاني :

ثمّة بُعد ثانٍ للشورىٰ هو أبعد من الأوّل عن شؤون النظام السياسي ؛ إنّه البعد الاجتماعي ، المتمثّل بمزاولة الناس للشورىٰ في شؤونهم الخاصّة ، ولم نقل إنّها ذات بعد شخصي فقط ، ذلك لأنّها علاقة بين طرفين ، المشير والمستشار ، وعلىٰ الثاني مسؤوليته في النصح والصدق والأمانة ، فعادت علاقة اجتماعية ، ذات أثر اجتماعي هامّ.

ـ فقد روىٰ ابن عباس أنّه لما نزلت ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) (١) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أما إنّ الله ورسوله لغنيّان عنها ، ولكن جعلها الله تعالىٰ رحمةً لاُمّتي ، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ، ومن تركها لم يعدم غيّا » (٢).

فلم يكن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محتاجاً إلىٰ الشورىٰ في اُمور الدنيا ليستنير برأيٍ ويهتدي إلىٰ صواب ، بل كان غنيّاً عن ذلك ، وإنّما هي رحمة للعباد لئلاّ يركبوا رؤوسهم في شؤونهم وأعمالهم ويتمادوا بالغطرسة والاعتداد

__________________

(١) آل عمران ٣ : ١٥٩.

(٢) الدر المنثور ٢ : ٣٥٩.

٢٦

بالرأي الذي يوردهم المهالك ! ويوضّحه الحديث الشريف : « ما تشاور قوم قط إلاّ هدوا وأرشدَ أمرُهم » (١).

والحديث الشريف : « استرشدوا العاقل ترشدوا ، ولا تعصوه فتندموا » (٢).

وقد ورد حديث كثير في الحثّ علىٰ المشورة بهذا المعنىٰ ، وحديث يخاطب المستشار بمسؤوليته : « المستشار مؤتمن » (٣).

« من استشاره أخوه فأشار عليه بغير رشده فقد خانه » (٤).

هذا البعد الاجتماعي للشورىٰ هو الذي يبرز في خطاب النصّ الثالث من نصوصها..

النصّ الثالث :

قوله تعالىٰ : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) (٥).

جاءت هذه الآية الكريمة ضمن سياق عام يتحدّث عن خصائص المجتمع الأمثل ، قال تعالىٰ :

( ... وَمَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *

__________________

(١) أخرجه عبد بن حميد ، والبخاري في الأدب المفرد ، الدر المنثور ٧ : ٣٥٧.

(٢) أخرجه الخطيب في ( رواة مالك ) ، الدر المنثور ٧ : ٣٥٧.

(٣) مسند أحمد ٥ : ٢٧٤.

(٤) مسند أحمد ٢ : ٣٢١.

(٥) الشورىٰ ٤٢ : ٣٨.

٢٧

وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ *

وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ ) (١).

فهي ناظرة إلىٰ ظواهر يتميّز بها المجتمع الإسلامي التي تمثّل أهداف الإسلام وآدابه ، فمع ما يتحلّون به من الايمان ، وحسن التوكّل علىٰ الله تعالىٰ ، واجتناب الكبائر والفواحش ، والعفو والمسامحة ، والاستجابة لأمر ربّهم ، واحياء الصلاة ، وردّ البغي والعدوان ، فهم أيضاً ( شأنهم المشاورة بينهم.. ففيه الإشارة إلىٰ أنّهم أهل الرشد واصابة الواقع ، يمعنون في استخراج صواب الرأي بمراجعة العقول. فالآية قريبة المعنىٰ من قوله تعالىٰ : ( يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) ) (٢).

وعلىٰ هذا انطلق المفسّرون في ظلال هذا النصّ يتحدّثون عن استحباب مشاورة الناس لمن أهمّه أمر ، والاسترشاد بعقول الآخرين وآرائهم الناضجة ، دائرين في دائرة ذلك البعد الاجتماعي الذي تقدّم آنفاً..

« ما تشاور قوم قطّ إلاّ هُدوا وأرشد أمرهم ».

« استرشدوا العاقل ترشدوا ، ولا تعصوه فتندموا ».

« من أراد أمرا فشاور فيه ، اهتدىٰ لأرشد الاُمور » (٣).

__________________

(١) الشورىٰ ٤٢ : ٣٦ ـ ٣٩.

(٢) الميزان في تفسير القرآن ١٨ : ٦٥.

(٣) الدر المنثور ٧ : ٣٥٧.

٢٨

شورىٰ الحاكم أيضاً :

في حديث واحد ممّا قيل في ظلال هذا النصّ ، أخرجه السيوطي ، منسوب إلىٰ عليّ عليه‌السلام قال : « قلتُ : يا رسول الله ، الأمر ينزل بنا بعدك ، لم ينزل فيه قرآن ، ولم يُسمَع منك فيه شيء ؟

قال : اجمعوا له العابد من اُمّتي ، واجعلوه بينكم شورىٰ ، ولا تقضوه برأي واحد » (١).

والبحث فيه علىٰ فرض صحّته ، علماً أنّه لم يرد في شيء من مصادر الحديث المعتمدة..

فهو حديث عن أمر لم ينزل فيه قرآن ، ولم يرد فيه شيء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ممّا قد يستجدّ بعده من اُمور لم يكن لها موضوع ، أو ضرورة تدعوه لطرقها وتقديم الإرشاد فيها.. وهذا موضوع عام لسائر مستجدّات الحياة المدنية والاجتماعية والتنظيمية..

ثمّ يأتي جواب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه موجّها إلىٰ جهة تتولّىٰ مهامّ القيادة ، وتقع عليها مسؤولية الحكم : « اجمعوا له العابد من اُمّتي » فهناك جهة مسؤولة هي التي تتولّىٰ مهمّة جمع الصالحين من المؤمنين للمشاورة.

أمّا إذا كان الأمر قد ورد فيه شيء عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقوله نافذ ، ولا محلّ للشورىٰ والرأي فيه.

والبحث في هذا الحديث انما كان علىٰ فرض صحته ، والثابت أنّه لم

__________________

(١) الدر المنثور ٧ : ٣٥٧ ، وقال : أخرجه الخطيب في ( رواة مالك ).

٢٩

يصحّ وليس له أصل ، قال فيه ابن عبد البر : هذا حديث لا أصل له ! وقال الدارقطني : لا يصحّ ! وقال الخطيب : لا يثبت عن مالك (١) !

__________________

(١) لسان الميزان ٣ : ٧٨ / ٢٨٣ ترجمة سليمان بن بزيع.

٣٠



الشورىٰ في التاريخ والفقه السياسي

الذي يتركّز عليه البحث في التاريخ وفي الفقه السياسي هو موضوع الشورىٰ في اختيار الحاكم ( خليفة الرسول ).

وقد ثبت في البحث المتقدّم أنّ شيئاً ما لم يرد عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا يمكن أن يُلتمس منه ايكال أمر اختيار خليفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلىٰ الشورىٰ ، بل الأدلة المتقنة من الكتاب والسُنّة قائمة علىٰ عدم إيكاله إلىٰ أحدٍ من الأُمة مطلقا. ومما يشهد بذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما عرض الإسلام علىٰ القبائل اشترط عليه بعضهم أن يكون الأمر لهم من بعده ، فرفض في تلك الظروف الصعبة هذا الشرط قائلاً : « إنَّ الأمر لله يضعه حيثُ يشاء » (١).

وعدم ورود شيء عن النبيّ في هذا الموضوع ، قضية مفروغ منها ، متّفق عليها ، لا نزاع فيها.. فمتىٰ ولد التفكير في اسناد هذا الامر إلىٰ الشورى ؟

أول ظهور لمبدأ الشورىٰ

هذا أمر اثبته أصحاب التاريخ وأصحاب الحديث ، بلا نزاع فيه ولا خلاف.. اتفقوا علىٰ أنّ ذلك مبدأ سنّه عمر بن الخطاب قبل وفاته ، وليس

__________________

(١) ذكرهُ أصحاب السيرة ، اُنظر منها : انسان العيون ٢ : ١٥٤.

٣١

له قبل هذا التاريخ أثر..

قال القرطبي ، بعد كلام في استحباب الشورىٰ : ( وقد جعل عمر بن الخطاب الخلافةَ ـ وهي أعظم النوازل ـ شورىٰ ) (١).

وقال ابن كثير : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) أي لا يبرمون أمرا حتّىٰ يتشاوروا فيه ، ليتساعدوا بآرائهم ، في مثل الحروب وما جرىٰ مجراها ، كما قال تبارك وتعالىٰ : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ولهذا كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشاورهم في الحروب ونحوها ليطيّب بذلك قلوبهم. وهكذا لمّا حضرت عمر بن الخطاب الوفاة حين طعن جعل الأمر بعده شورىٰ (٢).

فانظر إلىٰ هذا التحوّل الكبير في المدىٰ الذي حدث قبل وفاة عمر ، ولم يكن له قبلها أثر ! أمّا كيف حدث هذا التحوّل الكبير ؟ وتحت أيّ دافع ؟

فهذا سؤال هام أجاب عنه عمر بن الخطاب بنفسه في ذات الوقت الذي جعل فيه الخلافة شورىٰ ، ذلك في خطبته الشهيرة التي ذكر فيها السقيفة وأخبارها ، ثم قال : ( لا يغترنّ أمرؤ أن يقول إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت ، ألا إنّها قد كانت كذلك ، ولكن وقىٰ الله شرّها ! فمن بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه ، تغرّةً أن يُقتلا ) (٣).

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١٦١ ـ ١٦٢.

(٢) تفسير ابن كثير ٤ : ١١٩.

(٣) صحيح البخاري ـ كتاب الحدود ـ باب رجم الحبلىٰ من الزنا / ٦٤٤٢ ، مسند أحمد ١ : ٥٦ ، سيرة ابن هشام ٤ : ٣٠٨ ، تاريخ الطبري ٣ : ٢٠٠.

٣٢

أمّا سبب هذه الخطبة التي أفرزت ( الشورىٰ ) مبدءاً في اختيار الخليفة لأوّل مرّة ، فيحدّثنا عنه القسطلاني وهو يفكَ ألغازها..

فبعد أن يأتي باسنادها الذي أورده البخاري عن ابن عباس ، وفيه أنّ عبدالرحمن بن عوف جاء إلىٰ ابن عباس في موسم الحجّ وكان يتعلّم عنده القرآن ، فقال له : لو سمعت ما قاله أمير المؤمنين ـ يعني عمر بن الخطاب ـ إذ بلغه أنّ " فلاناً " قال : لو قد مات عمر لبايعت " فلاناً " فما كانت بيعة أبي بكر إلاّ فلتة ، فهمّ عمر أن يخطب الناس ردّاً علىٰ هذا القول ، فنهيته لاجتماع الناس كلّهم في الحج وقلت له إذا عدت المدينة فقل هناك ما تريد ، فإنّه أبعد عن اثارة الشغب.. فلمّا رجعوا من الحجّ إلىٰ المدينة قام عمر في خطبته المذكورة..

فمن هو " فلان " القائل ؟ ومن هو " فلان " الآخر ؟

حين تردّد بعض الشارحين في الكشف عن هذين الاسمين ، استطاع ابن حجر العسقلاني أن يتوصل إلىٰ ذلك بالإسناد الصحيح المعتمد عنده ، والذي ألغىٰ به كل ماقيل من أقوال أثبت ضعفها ووهنها ، فقال : وجدته في الأنساب للبلاذري بإسناد قويّ ، من رواية هشام بن يوسف ، عن معمر ، عن الزهري ، بالاسناد المذكور في الاصل ، ولفظه : ( قال عمر : بلغني أنّ الزبير قال : لو قد مات عمر لبايعنا عليّاً.. ) الحديث (١) !!

فذلك إذن هو السرّ في ثورة عمر !

__________________

(١) مقدمة فتح الباري في شرح البخاري : ٣٣٧. وتبعه القسطلاني في ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري ١٠ : ١٩.

٣٣

وذلك هو السرّ في ولادة مبدأ الشورىٰ في الخلافة !

الشورىٰ التي سنتحدّث عن تفاصيلها وأحكامها وما قيل فيها ، باستيعاب يتناسب مع حجم هذا الكتاب.

٣٤



الشورىٰ في اطارها النظري

إنّ الأساس الذي قامت عليه نظرية الشورىٰ هو أنّ أمر الخلافة متروك إلىٰ الأُمّة.. ومن هنا ابتدأت الأسئلة تنهال علىٰ هذه النظرية ؛ عند البحث عن الدليل الشرعي في تفويض هذا الامر إلىٰ الأُمّة.. وعند محاولة إثبات شرعية الاسلوب الذي سوف تسلكه الأُمّة في الاختيار..

لقد رأوا في قوله تعالىٰ : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) (١) أفضل دليل شرعي يدعم هذه النظرية ، ومن هنا قالوا : إنّ أوّل وجوه انتخاب الخليفة هو الشورىٰ.

لكن ستأتي الصدمة لأوّل وهلة حين نرىٰ أنّ مبدأ الشورىٰ هذا لم يطرق أذهان الصحابة آنذاك.

فانتخاب أوّل الخلفاء كان بمعزل عن هذا المبدأ تماماً ، فإنّما كان " فلتةً " كما وصفه عمر ، وهو الذي ابتدأه وقاد الناس إليه !

ثمّ كان انتخاب ثاني الخلفاء بمعزلٍ أيضاً عن هذا المبدأ !

نعم ، ظهر هذا المبدأ لأوّل مرّة علىٰ لسان عمر في خطبته الشهيرة التي ذكر فيها السقيفة وبيعة أبي بكر فحذّر من العودة إلىٰ مثلها ، فقال : ( فمن بايع رجلاً من غير مشورةٍ من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه ، تغرَّة

__________________

(١) الشورىٰ ٤٢ : ٣٨.

٣٥

أن يُقتلا ) (١). ذلك القول الذي عرفنا قبل قليل أنّه ما قاله إلاّ ليقطع الطريق علىٰ عليّ عليه‌السلام ومن ينوي أن يبايع له !

لكنّه حين أدركته الوفاة أصبح يبحث عن رجل يرتضيه فيعهد إليه بالخلافة بنصّ قاطع بعيداً عن الشورىٰ !

فقال : لو كان أبو عبيدة حيّاً لولّيته (٢).

ثمّ قال : لو كان سالم مولىٰ أبي حذيفة حيّاً لولّيته (٣).

ثمّ قال : لو كان معاذ بن جبل حيّاً لولّيته (٤).

إذن لم يكن عمر يرىٰ أنّ الأصل في هذا الأمر هو الشورىٰ ، وإن كان قد قال بالشورىٰ في خطبته الأخيرة إلاّ أنّه لم يعمل بها إلاّ اضطراراً حين لم يجد من يعهد إليه !

لقد أوضح عن عقيدته التامّة في هذا الأمر حين قال قُبيل نهاية المطاف : ( لو كان سالمٌ حيّاً ماجعلتها شورىٰ ) (٥) !!.

ثمّ كانت الشورىٰ..

وأيّ شورىٰ !!

إنّها شورىٰ محاطة بشرائط عجيبة لا مجال للمناقشة فيها ! وجملتها :

__________________

(١) صحيح البخاري ـ كتاب المحاربين ٦ / ٦٤٤٢ ، مسند أحمد ١ : ٥٦ ، سيرة ابن هشام ٤ : ٣٠٨.

(٢) الكامل في التاريخ ٣ : ٦٥ ، صفة الصفوة ١ : ٣٦٧.

(٣) الكامل في التاريخ ٣ : ٦٥ ، صفة الصفوة ١ : ٣٨٣ ، طبقات ابن سعد ٣ : ٣٤٣.

(٤) صفة الصفوة ١ : ٤٩٤.

(٥) طبقات ابن سعد ٣ : ٢٤٨.

٣٦

١ ـ إنّها شورىٰ بين ستّة نفر ، وحسب ، يعيّنهم الخليفة وحده دون الأُمّة !

٢ ـ أن يكون الخليفة المنتخب واحداً من هؤلاء الستّة ، لا من غيرهم !

٣ ـ إذا اتّفق أكثر الستّة علىٰ رجل وعارض الباقون ، ضُربت أعناقهم !

٤ ـ إذا اتّفق اثنان علىٰ رجل ، واثنان علىٰ آخر ، رجّحت الكفّة التي فيها عبد الرحمن بن عوف ـ أحد الستّة ـ وإنْ لم يُسَلّم الباقون ضُربت أعناقهم !

٥ ـ ألاّ تزيد مدّة التشاور علىٰ ثلاثة أيّام ، وإلاّ ضُربت أعناق الستّة أهل الشورىٰ بأجمعهم !!

٦ ـ يتولّىٰ صهيب الرومي مراقبة ذلك في خمسين رجلاً من حَمَلَة السيوف ، علىٰ رأسهم أبو طلحة الأنصاري (١) !

فالحقّ أنّ هذا النظام لم يترك الأمر إلىٰ الأُمّة لتنظر وتعمل بمبدأ الشورىٰ ، بل هو نظام حدّده الخليفة ، ومنحه سمة الأمر النافذ الذي لامحيد عنه ، ولاتغيير فيه ، ولايمكن لصورة كهذه أن تُسمّىٰ شورىٰ بين المسلمين ، ولابين أهل الحلّ والعقد.

لقد كانت تلك الظروف إذن كفيلة بتعطيل أوّل شورىٰ في تاريخ الإسلام عن محتواها ، فطعنت إذن في تلك القاعدة الأساسيّة المفترضة ( قاعدة الشورىٰ ).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ : ٦٦ ـ ٦٧.

٣٧

والحقّ أنّ هذه القاعدة لم يكن لها عين ولا أثر من قبل.. فلم يكن أبو بكر مؤمناً بمبدأ الشورىٰ قاعدةً للنظام السياسي وأصلاً في انتخاب الخليفة ، ولا مارس ذلك بنفسه ، بل غلّق دونها الأبواب حين سلب الأُمّة حقّ الاختيار وممارسة الشورىٰ إذ نصّ علىٰ عمر خليفةً له ، ولم يُصغ إلىٰ ماسمعه من اعتراضات بعض كبار الصحابة علىٰ هذا الاختيار.

علماً أنّ اعتراض هؤلاء الصحابة المعترضين حينذاك لم يكن علىٰ طريقة اختيار الخليفة التي مارسها أبو بكر ، ولا قالوا : إنّ الأمر ينبغي أن يكون شورىٰ بين الأُمّة ، ولا احتجّ أحدهم بقوله تعالىٰ : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) ، وإنّما كان اعتراضهم علىٰ اختياره عمر بالذات ، فقالوا له : استخلفت علىٰ الناس عمر ، وقد رأيت مايلقىٰ الناس منه وأنت معه ، فكيف به إذا خلا بهم ؟! وأنت لاقٍ ربّك فسائلك عن رعيّتك (١) !

بل كان عمر صريحاً كلّ الصراحة في تقديم النصّ علىٰ الشورىٰ ، ذلك حين قال : ( لو كان سالمٌ حيّاً لَما جعلتها شورىٰ ) (٢) !!

إنّ عهداً كهذا ليلغي رأي الأُمّة بالكامل ، وحتىٰ الجماعة التي يُطلق عليها ( أهل الحلّ والعقد ) !

قالوا : إذا عهد الخليفة إلىٰ آخر بالخلافة بعده ، فهل يُشترط في ذلك رضى الأُمّة ؟

فأجابوا : إنّ بيعته منعقدة ، وإنَّ رضى الأُمّة بها غير معتبر ، ودليل

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٢ : ٤٢٥.

(٢) طبقات ابن سعد ٣ : ٢٤٨.

٣٨

ذلك : أنّ بيعة الصدّيق لعمر لم تتوقّف علىٰ رضىٰ بقيّة الصحابة (١) !

لم يكن إذن لقاعدة الشورىٰ أثر في تعيين الخليفة !!

لعلّ هذه الملاحظات هي التي دفعت ابن حزم إلىٰ تأخير مبدأ الشورىٰ وتقديم النصّ والتعيين الصريح مِن قِبَل الخليفة السابق ، فقال : ( وجدنا عقد الإمامة يصحّ بوجوه ، أوّلها وأصحّها وأفضلها : أن يعهد الإمام الميّت إلىٰ إنسان يختاره إماماً بعد موته ) (٢) !

الشورىٰ أم السيف ؟

لقد أدركنا جيّدا هبوط مبدأ الشورىٰ في الواقع عن المرتبة التي احتلّها في النظريّة ، فتنازلنا عنه تنازلاً صريحاً ـ بعد إقراره ـ حين ذهبنا إلىٰ تصحيح واعتماد كلّ ماحدث علىٰ السّاحة رغم منافاته الصريحة لمبدأ الشورىٰ.

ولم نكتف بهذا ، بل ذهبنا إلىٰ تبرير تلك الوجوه المتناقضة بلا استثناء ، وبدون الرجوع إلىٰ أيّ دليل من الشرع ، ودليلنا الوحيد كان دائماً : ( فعل الصحابة ) رغم أنّنا نعلم علم اليقين أنّ الصحابة لم يجتمعوا علىٰ رأي واحد من تلك الآراء والوجوه.

كما أنّنا نعلم علم اليقين أيضاً أنّ خلاف المخالفين منهم وإنكار المنكرين كان ينهار أمام الحكم الغالب.

ورغم ذلك فقد عمدنا إلىٰ القرار الغالب والنافذ في الواقع ، فمنحناه

__________________

(١) مآثر الإنافة ١ : ٥٢ ، الأحكام السلطانية ـ للماوردي ـ : ١٠ ، الأحكام السلطانية ـ للفرّاء ـ : ٢٥ ـ ٢٦.

(٢) الفصل ٤ : ١٦٩.

٣٩

صبغة الإجماع ، بحجّة أنّه لم يكن لينفذ في عهدهم إلاّ بإجماعهم عليه ، أو إقرارهم إيّاه.

وبهذا تنكّرنا لحقيقة أنّ القرار النافذ كان يبتلع كلَّ ماصادفه من أصوات المخالفين والمنكرين ، ولايلقي لها بالاً ، وهذا هو الغالب علىٰ كلّ مايتّصل بالخلافة والمواقف السياسية الكبرىٰ.

فماذا أغنىٰ اعتراض بني هاشم ومَن معهم مِن المهاجرين والأنصار علىٰ نتائج السقيفة ؟!

وما أغنىٰ إنكار الصحابة علىٰ أبي بكر يوم استخلف عمر ؟!

وما أغنىٰ إنكار الصحابة سياسة عثمان في قضايا كثيرة كتقديمه بني أُميّة علىٰ خيار الصحابة مع ماكان عليه أُولئك من حرص علىٰ الدنيا وبُعدٍ عن الدِين ؟!

ثمّ لم يشتدّ هذا الإنكار ويعلو صداه حتّىٰ تغلّب علىٰ شؤون الأُمّة والخليفة غلمانُ بني أُميّة ممّن اتفق الكل علىٰ أنّهم لم يكن معهم من الدين والورع لا كثير ولا قليل ، كمروان بن الحكم وعبد الله بن سعد بن أبي سرح والوليد بن عقبة ، وعمرو بن العاص ، ومعاوية.

ومع هذا فلم يكن إنكارهم عندنا حجّة ، بل كانوا به ملومين !

فمتىٰ إذن كان إنكار الصحابة حجّة ، ليكون سكوتهم إقراراً ؟!

فإذا كانت الخطوة الأُولىٰ في التراجع عن مبدأ الشورىٰ هي القبول بتسليم الأمر إلىٰ الخليفة القائم ليستخلف بعده من يشاء ، فإنّ الخطوة الثانية كانت خطوة مُرّةً حقّاً.

٤٠