أولاً : إنّه لو كان عادة العرب في ذلك ما ذكر فلماذا خالفها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بإرسال أبي بكر؟ أكان جاهلاً بتلك العادة أم كان عالماً بها فخالفها عمداً تساهلاً بتنفيذ حكم الله عزّ وجلّ؟
وثانياً : لو كان السبب ذلك ، فلماذا جاء أبوبكر يبكي مخالفة أن يكون قد نزل فيه شيء؟ أكان جاهلاً بتلك العادة أم ماذا؟
فتلخص : إنه لم يكن بعث أبي بكر لإمارة الحج ، وإنما لإبلاغ البراءة ، والنبي أرسل علياً عليهالسلام خلفه بأمر من الله ، ليأخذ ذلك منه ، فيكون قائماً مقام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في أداء تلك الوظيفة ... فيظهر أنّه الصالح لذلك ...
ولذا كانت هذا القضية خصيصة من خصائصه الدالة على إمامته وخلافته ، وعن بعض أكابر الصحابة أنّهم كانوا يتمنّون أن تكون لهم هذه المنقبة العظيمة والخصيصة الرفيعة ، فهذا سعد بن أبي وقاص ... قال الحارث بن مالك : « خرجت إلى مكة فلقيت سعد بن مالك فقلت له : هل سمعت لعلي منقبة؟ قال : شهدت له أربعاً لئن يكون لي إحداهنّ أحبّ إلي من الدنيا ، أعمّر فيها ما عمّر نوح : إنّ رسول الله بعث أبابكر ببراءة من مشركي قريش فسار بها يوماً وليلة ثم قال لعلي : إلحق أبابكر فخذها منه فبلّغها وردّ عليّ أبابكر ، فرجع أبوبكر فقال : يا رسول الله هل نزل فيّ شيء؟ ... » (١).
ويظهر أيضاً : أنّ أبابكر غير صالح للقيام مقام النبي في ذلك ، ومن لم يصلح للقيام مقامه لأداء آيات كيف يصلح للقيام مقامه في الرياسة العامة الإلهية ...
__________________
(١) كنز العمال : ٢/٤١٧.