الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة وعقيدة الشيعة الإماميّة

السيّد علي الحسيني الميلاني

الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة وعقيدة الشيعة الإماميّة

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

الإنسية » (١).

وعن الزهري ، عنهما ، عن أبيهما ، عن عليّ ... « يوم حنين » (٢).

وعن الزهري ، عن عبدالله بن محمّد بن عليّ ، عن أبيه ، عن عليّ :

« إنّ النبي نهى عنها في غزوة تبوك » (٣).

وعن ... محمّد بن الحنفيّة أنّه قال عليه‌السلام لابن عبّاس :

« إنّك رجل تائه ، إنّ رسول الله نهى عن متعة النساء في حجّة الوداع » (٤).

وعن الشافعي عن مالك بإسناده عن عليّ :

« إنّ رسول الله نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية » ولم يزد على ذلك ، وسكت عن قصّة المتعة » (٥).

فهذه أخبارهم بالسند الواحد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام حول أمر واحدٍ ...!!

فإن قلت : ليس كلّها بصحيحٍ عندهم.

قلت : أمّا الأول فقد اتّفقوا على صحّته واستندوا إليه في بحوثهم.

وأمّا الثاني فهو عند النسائي وكتابه من صحاحهم.

وأمّا الرابع الذي رواه الطبراني فقد أورده الهيثمي وقال : « رجاله رجال الصحيح » (٦).

نعم ، الثالث ذكره النووي ثم قال نقلاً عن القاضي عياض : « لم يتابعه أحد على هذا وهو غلط » (٧).

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ـ هامش القسطلاني ـ ٦/١٢٩.

(٢) سنن النسائي ٦/١٢٦.

(٣) المنهاج في شرح مسلم ـ هامش القسطلاني ـ ٦/١٣٠.

(٤) مجمع الزوائد ٤/٢٦٥.

(٥) عمدة القاري ـ شرح البخاري.

(٦) مجمع الزوائد ٤/٢٦٥.

(٧) المنهاج ـ شرح صحيح مسلم ـ ٦/١٣١.

٤٤١

وقال ابن حجر : « وأغرب من ذلك رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عنه بلفظ : نهي عن غزوة تبوك عن نكاح المتعة وهو خطأ أيضاً » (١).

أمّا الخامس فتتعلق به نقاط :

إنّه لو كان قد ثبت عنده نهي عن المتعة يوم خيبر لما سكت عن القصّة ، لأنّه تدليس قبيح كما لا يخفى.

لكنّ الشافعيّ نفسه ممّن يرى أنّ التحريم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي يوم خيبر (٢).

مضافاً إلى أنّ الحديث عن مالك ، وهو يروي في الموطّأ : عن الزهري ، عن عبدالله والحسن ، عن أبيهما محمد بن الحنفية ، عن أبيه علي أنّه قال : « نادى منادي رسول الله ، نادى يوم خيبر : ألا إنّ الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ينهاكم عن المتعة » (٣).

٢ ـ تلاعب القوم في لفظ حديث خيبر :

وإذ عرفت أنّ الصحيح عندهم ممّا رووا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في هذا الباب حديث التحريم يوم خيبر وعمدته حديث الزهري عن ابني محمد بن الحنفية عنه عليه‌السلام ... فلا بأس بأن تعلم القوم رووه بألفاظ مختلفة :

قال ابن تيميّة : « رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري ، عن عبدالله ، والحسن ابني محمد بن الحنفيّة عن أبيهما محمد بن الحنفيّة ، عن عليّ بن أبي طالب أنّه قال لابن عبّاس لمّا أباح المتعة : إنّك امرؤ تائه! إنّ رسول الله حرّم المتعة ولحوم الحمر الأهلية عام خيبر. رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسُنّة

__________________

(١) فتح الباري/١٣٧.

(٢) زاد المعاد في هدي خير العباد.

(٣) الموطّأ ٢/٧٤ بشرح السيوطي.

٤٤٢

وأحفظهم لها ، أئمّة الإسلام في زمنهم ، مثل : مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وغيرهما ممّن اتّفق على علمهم وعدالتهم وحفظهم ، ولم يختلف أهل العلم بالحديث في أنّ هذا حديث صحيح يتلقّى بالقبول ، ليس في أهل العلم من طعن فيه » (١).

وفي البخاري ومسلم والترمذي وأحمد عن الزهري : « أخبرني الحسن بن محمد بن عليّ وأخوه عبدالله ، عن أبيهما أنّ عليّاً قال لابن عبّاس : إنّ النبي نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهليّة زمن خيبر ».

وفي مسلم : « سمع عليّ بن أبي طالب يقول لفلان : إنّك رجل تائه ».

وفيه : « سمع ابن عبّاس يلين في المتعة فقال : مهلاً يا ابن عبّاس ».

وفي النسائي : « عن أبيهما أنّ عليّاً بلغة أنّ رجلاً لا يرى بالمتعة بأساً فقال : إنّك تائه ، إنّه نهاني رسول الله عنها وعن لحوم الحمر الأهليّة يوم خيبر ».

أّمّا الشافعي فروى حديث خيبرٍ ، لكن سكت عن قصّة المتعة لما علم فيها من الاختلاف!

وأمّا الطبراني فروى الحديث بلفظ : « تكلّم عليّ وابن عبّاس في متعة النساء فقال له عليّ : إنّك رجل تائه ، إنّ رسول الله نهى عن متعة النساء في حجّة الوداع » فروى الحديث لكن جعل زمن التحريم حجّة الوداع!

٣ ـ نظرات في دلالة حديث خيبر :

ثمّ إنّ هذا الحديث في متنه ودلالته صريح في الأمور التالية :

أوّلا : إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يرى حرمة نكاح المتعة ، حتى أنّه خاطب ابن عبّاس القائل بالحليّة بقوله : « إنّك رجل تائه ».

وهذا كذب ، فالكلّ يعلم أنّ الإمام عليه‌السلام كان على رأس المنكرين

__________________

(١) منهاج السُنّة ٢/١٥٦.

٤٤٣

لتحريم نكاح المتعة ، كما كان على رأس المنكرين لتحريم متعة الحجّ ، ولكن لا غرابة في وضع القوم الحديث على لسانه في باب نكاح المتعة كما وضعوه في باب متعة الحجّ ... وهو أيضاً عن لسان ولديّ محمد عن أبيهما عنه ... فقد روى البيهقي : « عن عبدالله والحسن ابنيّ محمد بن عليّ عن أبيهما : أنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : يا بني أفرد بالحجّ فإنّه أفضل » (١).

وثانياً : إنّ تحريم متعة النساء كان يوم خيبر ... وهذا ما غلّطه وكذّبه كبار الحفّاظ ، ثمّ حاروا في توجيهه :

قال ابن حجر بشرحه عن السهيلي : « ويتّصل بهذا الحديث تنبيه على إشكال ، لأنّ فيه النهى عن نكاح المتعة يوم خيبر ، وهذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر » (٢).

وقال العيني بشرحه : « قال عبدالبرّ : وذكر النهي عن المتعة يوم خيبر غلط » (٣).

وقال القسطلاني بشرحه : « قال البيهقي : لا يعرفه أحد من أهل السير » (٤).

وقال ابن القيّم : « قصّة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتّعون باليهوديّات ، ولا استأذنوا في ذلك رسول الله ، ولا نقله أحد قطّ في هذه الغزوة ، ولا كان للمتعة فيها ذكر ألبتّة لا فعلاً ولا تحريماً » (٥).

وقال ابن كثير : « قد حاول بعض العلماء أن يجيب عن حديث عليّ بأنّه وقع فيه تقديم وتأخير. وإلى هذا التقرير كان ميل شيخنا أبي الحجّاج المزي. ومن هذا

__________________

(١) سنن البيهقي ٥/٥.

(٢) فتح الباري ـ شرح البخاري ٩/١٣٨.

(٣) عمدة القاري ـ شرح البخاري ١٧/٢٤٦.

(٤) إرشاد الساري ـ شرح البخاري٦/٥٣٦ و ٨/٤١ ...

(٥) زاد المعاد في هدي خير العباد ٢/١٨٤.

٤٤٤

ما رجع ابن عبّاس عمّا كان يذهب إليه من إباحتها » (١).

وثالثاً : إنّ عبّاس كان على خلاف أمير المؤمنين عليه‌السلام في مثل هذه المسألة.

وهذا ممّا لا نصدّقه ، فإبن عبّاس كان تبعاً لأمير المؤمنين عليه‌السلام لا سيّما في مثل هذه المسألة التي تعدّ من ضروريّات الدين الحنيف.

ولو تنزّلنا عن ذلك ، فهل يصدّق بقاؤه على رأيه بعد أن بلّغه الإمام عليه‌السلام حكم الله ورسوله في المسألة؟!

كلاّ والله ، ولذا اضطرّ الكذّابون إلى وضع حديث يحكي رجوعه ... قال ابن تيميّة : « وروي عن ابن عبّاس أنّه رجع عن ذلك لمّا بلغه حديث النهي » (٢).

لكنّه خبر مكذوب عليه ، قال ابن حجر العسقلاني عن ابن بطّال : « وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة » (٣) ولذا قال ابن كثير : « ... ومع هذا ما رجع ابن عبّاس عمّا كان يذهب إليه من إباحتها ».

نعم ، لم يرجع ابن عبّاس حتى آخر لحظةٍ من حياته :

أخرج مسلم عن عروة بن الزبير أنّ عبدالله بن الزبير قام بمكّة فقال : « إنّ أُناساً أعمى الله قلوبهم ـ كما أعمى أبصارهم ـ يفتون بالمتعة ، يعرّض برجلٍ. فناداه فقال : إنّك لجلف جاف ، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتّقين ـ يريد رسول الله ـ. فقال له ابن الزبير : فجرّب بنفسك (٤) ، فوالله لئن فعلتها لأرجمنّك بأحجارك » (٥).

وابن عبّاس هو الرجل المعرَّض به ، وقد كان قد كُفّ بصره ، فلذا قال :

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ٤/١٩٣.

(٢) منهاج السُنّة ٢/١٥٦.

(٣) فتح الباري ٩/١٣٩.

(٤) رواه بعضهم بلفظ : « فجرت نفسك ».

(٥) صحيح مسلم. كتاب النكاح باب المتعة. بشرح النووي ٦/١٣٣.

٤٤٥

« اعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم ». وقد وقع التصريح باسمه في حديث أبي نضرة الذي أخرجه مسلم أيضاً وأحمد.

فهذا حال ابن عبّاس وحكمه في زمن ابن الزبير بمكّة ... فابن عبّاسٍ كان مستمرّ القول على جواز المتعة ، وتبعه فقهاء مكّة كما عرفت ، ومن الواضح عدم جواز نسبة القول بما يخالف الله ورسوله والوصيّ إلى ابن عبّاس ، لو كان النبّي قد حرّم المتعة وأبلغة الإمام به حقّاً؟

٤ ـ نظراتٌ في سند ما روي عن عليّ عليه‌السلام :

هذا ، وقد رأيت أنّ الأحاديث المتعارضة المرويّة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في تحريم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نكاح المتعة مروية كلّها بسند واحد ... فكلّها عن الزهري عن ابنيّ محمد عن أبيه ...

وبغضّ النظر عمّا ذكروا بترجمة عبدالله والحسن ابني محمد بن الحنفيّة ...

وعمّا جاء في خبر الحسن بن محمّد عن سلمة بن الأكوع وجابر بن عبدالله من « أنّ رسول الله أتانا فأذن لنا في المتعة » (١) من الدلالة على عدم قولهما بالحرمة ، إذ لا يعقل أن يروي الرجل عن هذين الصحابيين حكم التحليل ولا يروي عنهما ـ أو لم يخبراه ـ النسخ بالتحريم لو كان :

بغض النظر عن ذلك ...

وبغّض النظر عن التكاذب والتعارض الموجود فيما بينها ...

فإنّ مدار هذه الأحاديث على « الزهري ».

__________________

(١) أخرجه البخاري ومسلم في باب المتعة. وأحمد في المسند ٤/٥١.

٤٤٦

موجز ترجمة الزهري :

وهذا موجز من ترجمة « الزهري » الذي وضع الأحاديث المختلفة المتعارضة على مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام.

١ ـ كان من أشهر المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان يجالس عروة بن الزبير فينالان منه.

٢ ـ كان يرى الرواية عن عمر بن سعد بن أبي وقّاص ، قاتل الإمام الحسين بن عليّ عليهما‌السلام.

٣ ـ كان من عمال الحكومة الأمويّة ومشيدّي أركانها ، حتّى أنكر عليه كبار العلماء ذلك.

٤ ـ قدح فيه الإمام يحيى بن معين حين قارن بينه وبين الأعمش.

٥ ـ كتب إليه الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام يوبّخه ويؤنّبه على كونه في قصور الظلمة ... ولكن لم ينفعه ذلك!!

وإنْ شئت التفصيل فراجع رسالتنا حول صلاة أبي بكر ؛

نتيجة البحث في نكاح المتعة :

ويتخلّص البحث في خصوص نكاح المتعة في خطوط :

١ ـ إنّه مع أحكام الإسلام الضرورية بالكتاب والسنّة والإجماع ، وكان على ذلك المسلمون قولاً وفعلاً.

٢ ـ وإنّ عمر بن الخطاب حرّمه بعد شطرٍ من خلافته.

٣ ـ واختلف القوم ـ بعد الإقرار بالأمرين المذكورين ـ واضطربوا في توجيه تحريم عمر :

فمنهم من قال بأن النسخ كان من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يعلم

٤٤٧

به غير عمر ، وهذا من البطلان بمكان.

ومنهم من قال بأنّ التحريم كان من عمر نفسه لكن يجب اتّباعه ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين ». ولكن هذا الحديث من أحاديث سلسلتنا!!

ومنهم من قال بأنّ المحرّم هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ... ثمّ اختلفوا في وقت هذا التحريم على أقوالٍ ، واستندوا إلى أحاديث ... لكنّها أحاديث موضوعة ...

٤ ـ وإذا كانت حليّة المتعة من أحكام الإسلام ، والأحاديث في تحريم النبي موضوعة ، وإنّ عمر هو الذي حرّم ، وأنّ الحديث المستدلّ به لوجوب اتّباعه يشكّل الحلقة السادسة من سلسلتنا ...

فما هو إلاّ « حدث » وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إيّاكم ومحدّثات الأمور ... ».

أقول :

هذا ما توصّلت إليه في البحث الوجيز الذي وضعته في حدود الأحاديث والأقوال الواردة فيه ، من غير تعرّض للأبعاد المختلفة والجوانب المتعدّدة التي طرحها الباحثون من فقهاء ومتكلّمين في كتبهم المفصّلة المطوّلة ...

والله أسأل أن يوفّقنا لتحقيق الحقّ واتّباعه ، وأن يجعل أعمالنا خالصةّ لوجهه الكريم ، وأن يحشرنا في زمرة محمد وآله وأشياعه ، إنّه هو البرّ الرحيم.

٤٤٨
٤٤٩

رسالة

في حديث « سيّدا كهول أهل الجنّة »

٤٥٠
٤٥١

بسم الله الرحمن الرحيم

* قال الترمذي : « حدّثنا الحسن بن الصباح البزّار ، حدّثنا محمد بن كثير العبدي ، عن الأوزاعي ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر : هذان سيّدا كهول أهل الجنّة من الأولين والآخرين إلاّ النبييّن والمرسلين.

قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

حدّثنا عليّ بن حجر ، أخبرنا الوليد بن محمد الموقري ، عن الزهري ، عن عليّ بن الحسين ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال : كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ طلع أبوبكر وعمر ، فقال رسول الله عليه وسلّم : هذان سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين إلاّ النبيّين والمرسلين ؛ يا عليّ لا تخبرهما.

قال : هذا الحديث غريب من هذا الوجه. والوليد بن محمد الموقري يضعَّف في الحديث ، ولم يسمع عليّ بن الحسين من عليّ بن أبي طالب.

وقد روي هذا الحديث عن عليّ من غير هذا الوجه.

٤٥٢

وفي الباب عن أنس وابن عبّاس.

حدّثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، حدّثنا سفيان بن عيينة ، قال : ذكر داود ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن عليّ ، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين ما خلا النبيّين والمرسلين ؛ لا تخبرهما يا عليّ » (١).

وقال ابن ماجة : « حدّثنا هشام بن عمّار ، ثنا سفيان ، عن الحسن بن عمارة ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن عليّ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين إلاّ النبيّين والمرسلين ؛ لا تخبرهما يا عليّ ما داما حيّين » (٢).

وقال : « حدّثنا أبو شعيب صالح بن الهيثم الواسطي ، ثنا عبد القدّوس بن بكر بن خنيس ، ثنا مالك بن مغول ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أبوبكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين إلاّ النبيّين والمرسلين » (٣).

وقال عبدالله بن أحمد : « حدّثني وهب بن بقية الواسطي ، ثنا عمر بن يونس ـ يعني اليمامي ـ عن عبدالله بن عمر اليمامي ـ عن الحسن بن زيد بن الحسن ، حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن عليّ رضي الله عنه ، قال : كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل أبوبكر وعمر رضي الله عنهم ، فقال : يا عليّ ، هذان سيّدا كهول أهل الجنّة وشبابها بعد النبيّين والمرسلين » (٤).

__________________

(١) صحيح الترمذي ٥/٥٧٠.

(٢) سنن ابن ماجة ١/٣٦.

(٣) سنن ابن ماجة ١/٣٨.

(٤) المسند ١/٨٠.

٤٥٣

نظرات في سنده :

أقول : قد ذكرنا أهمّ أسانيد هذا الحديث في أهمّ كتبهم ، فالترمذي يرويه بسنده عن أنس بن مالك ، وهو وابن ماجة وعبدالله بن أحمد يروونه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام .. وابن ماجة يرويه عن أبي جحيفة .. وربّما روي في خارج الصحاح عن بعض الصحابة لكنّ بأسانيد اعترفوا بعدم اعتبارها (١).

وأوّل ما في هذا الحديث إعراض البخاري ومسلم عنه ، فإنّهما لم يخرجاه في كتابيهما ، وقد تقرّر عند كثير من العلماء ردّ ما اتّفقا على تركه ، بل إنّ أحمد بن حنبل لم يخرجه في مسنده أيضاً ، وإنّما أورده ابنه عبدالله في زوائده (٢) ، وقد نصّ أحمد على أنّ ما ليس في المسند فليس بحجّة حيث قال في وصف كتابه : « إنّ هذا كتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً ، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله فارجعوا إليه ، فإنّ كان فيه وإلاّ فليس بحجّةٍ :

ثم إنّه : بجميع طرقه المذكورة ساقط عن الأعتبار :

أمّا الحديث عن عليّ عليه‌السلام :

فقد رواه عنه الترمذي بطريقين ، وعبدالله بن أحمد بطريقٍ ثالث.

أمّا الطريق الأول فقد نبّه على ضعفه الترمذي :

أولاّ : بأنّ عليّ بن الحسين لم يسمع من عليّ بن أبي طالب ، والواسطة بينهما غير مذكور ، وهذا قادح على مذهب أهل السُنّة.

__________________

(١) مجمع الزوائد ١/٨٩.

(٢) لم يذكر في مادة « كهل » من معجم ألفاظ الحديث النبوي إلاّ هذا المورد ، وهو من حديث عبدالله بن أحمد وليس لأحمد نفسه.

(٣) لاحظ ترجمة أحمد في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي.

٤٥٤

وثانياً : بأنّ الوليد بن محمد الموقري يُضعَّف في الحديث.

وقال ابن المديني : ضعيف لا يكتب حديثه.

وقال الجوزجاني : كان غير ثقة ، يروي عن الزهري عدّة أحاديث ليس لها أُصول.

وقال أبو زرعة الرازي : لينّ الحديث.

وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث.

وقال النسائي : ليس بثقة ، منكر الحديث.

وقال ابن خزيمة : لا يحتّج به.

وقال ابن حبّان : روى عن الزهري أشياء موضوعة.

بل قال ابن معين ـ في رواية عنه ـ : كذّاب. وكذا قال غيره (١).

قلت :

وهذا الحديث عن الزهري!!

وأمّا « الزهري » ، فقد ترجمنا له في بعض بحوثنا السابقة فلا نعيد.

وأمّا الطريق الثاني :

فهو عن الشعبي عن الحارث عن علي ... عند الترمذي ...

أمّا الشعبي ، فقد ترجمنا له في بعض البحوث السابقة.

وأمّا الحارث ، وهو « الحارث بن عبدالله الأعور » فإليك بعض كلماتهم فيه :

أبو زرعة : لا يحتجّ بحديثه.

ابو حاتم : ليس بقويّ ولا ممّن يحتجّ بحديثه.

النسائي : ليس بالقويّ.

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١١/١٣١.

٤٥٥

الدار قطني : ضعيف.

ابن عديّ : عامّة ما يرويه غير محفوظ.

بل وصفه غير واحدٍ منهم بالكذب!

بل عن الشعبي ـ الراوي عنه ـ : كان كذّاباً!! وقد وقع هذا عندهم موقع الإشكال! كيف يكذّبه ثم يروي عنه؟! إنّ هذا يوجب القدح في الشعبي نفسه!

فقيل : إنّه كان يكذّب حكاياته لا في الحديث. وإنّما نقم عليه إفراطه في حبّ عليّ! (١).

قلت : إن كان كذلك فقد ثبت القدح للشعبي ، إذ الإفراط في حبّ عليّ لا يوجب القدح ولا يجوّز وصفه بالكذب ، ومن صفا هنا ترى أنّ غير واحدٍ ينصّ على وثاقة الحارث ...

هذا ، ولا حاجة إلى النظر في حال رجال السندين حتى الشعبي ، وإلاّ فإنّ « الحسن بن عمارة » عند ابن ماجة :

قال الطيالسي : قال شعبة : ائت جرير بن حازم فقل له : لا يحلّ لك أن تروي عن الحسن بن عمارة فإنّه يكذب ...

وقال ابن المبارك : جرحه عندي شعبة وسفيان ، فبقولهما تركت حديثه.

وقال أبو المروزي عن أحمد : متروك الحديث.

وقال عبدالله بن المديني عن أبيه : كان يضع.

وقال أبو حاتم ومسلم والنسائي الدار قطني : متروك الحديث.

وقال الساجي : ضعيف متروك ، أجمع أهل الحديث على ترك حديثه.

وقال الجوزجاني : ساقط.

وقال ابن المبارك عن ابن عيينة : كنت إذا سمعت الحسن بن عمارة يحدّث عن الزهري جعلت إصبعيّ في أذنيّ.

__________________

(١) لاحظ ذلك كلّه بترجمة الحارث من تهذيب التهذيب ٢/١٢٦.

٤٥٦

وقال ابن سعد : كان ضعيفاً في الحديث.

وقال السهيلي : ضعيف بإجماع منهم (١).

قلت : فهذا حال هذا الرجل الذي روي عنه ابن ماجة! وروى عنه سفيان مع علمه بهذه الحال! وإذا كان سفيان جارحاً له فكيف يروي عنه؟! ألا يوجب ذلك القدح في سفيان كذلك وسقوط جميع رواياته عنه؟! وهذا الحديث من ذلك!

وأمّا الطريق الثالث :

وهو رواية عبدالله ، ففيه :

أوّلاً : إنّه ممّا أعرض عنه أحمد بناءً على ما تقدّم.

وثانياً : إنّ فيه الحسن بن زيد ... قال ابن معين : ضعيف. وقال ابن عديّ : « أحاديثه عن أبيه أنكر ممّا روى عن عكرمة » (٢).

قلت : وهذا الحديث من ذاك!

وثالثاً : إنّ لفظه يشتمل على « وشبابها » وهذا يختصّ بهذا السند وهو كذب قطعاً.

وأمّا الحديث عن أنس :

وهو الذي أخرجه الترمذي ، ففيه :

« قتادة » وكان مدلِّساً ، يرمى بالقدر ، رأساً في بدعةٍ يدعو إليها ، حاطب ليل ، حدّث عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم ... إلى غير ذلك ممّا قيل فيه (٣).

و « أنس بن مالك » نفسه لايجوز الاعتماد عليه ، لا سيّما في مثل هذا

__________________

(١) لاحظ هذه الكلمات وغيرها بترجمته من تهذيب التهذيب ٢/٢٦٣.

(٢) تهذيب التهذيب ٢/٢٤٣.

(٣) لاحظ ترجمته في تهذيب التهذيب ٨/٣١٧.

٤٥٧

الحديث ، فقد ثبت كذبه في حديث الطائر المشويّ (١) وكتمه للشهادة بالحقّ حتى دعا عليه عليُّ عليه‌السلام ، وهو مع الحقّ (٢).

وأمّا حديث أبي جحيفة :

وهو الذي أخرجه ابن ماجة ، ففيه :

« عبد القدّوس بن بكر بن خنيس » قال ابن حجر : « ذكر محمود بن غيلان عن أحمد وابن معين وأبي خيثمة أنّهم ضربوا على حديثه » (٣).

تتمّة :

إنّه لا يخفى اختلاف لفظ آخر الحديث عن عليّ ، ففي لفظ : « لا تخبرهما يا علّي » وفي آخر « لا تخبرههما يا عليّ ما داما حيّين » وفي ثالث لم يذكر هذا الذيل أصلاً ...!

أمّا في الحديث عن أنس فلا يوجد أصلاً ...

ولماذا نهى عليّاً من أنْ يخبرهما؟! ولماذا لم ينه أنس عن ذلك ، بل بالعكس أمره بأن يبشّرهما ـ وعثمان ـ في حديثٍ يروونه عنه.

__________________

(١) حديث الطائر المشويّ من أشهر الأحاديث الدالّة على أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام وخلافته ، أخرجه عشرات الأئمّة والعلماء الأعلام في كتبهم ، منهم : الترمذي والحاكم والطبراني وأبو نعيم والخطيب وابن عساكر وابن الأثير ... راجع منها المستدرك ٣/١٣٠.

(٢) كان ذلك في قضيّة مناشدة أمير المؤمنين عليه‌السلام الناس في رحبة الكوفة بأنّ من شهد منهم غدير خمّ فليقم ويشهد ، فشهد جماعة من الحاضرين وامتنع أنس في نفر منهم ... فدعا عليهم الإمام عليه‌السلام ... روى ذلك : ابن قتيبة والبلاذري وابن عساكر وآخرون ... راجع كتاب الغدير ١/١٩٢.

(٣) تهذيب التهذيب ٦/٣٢٩.

٤٥٨

لم أجد ـ في ما بيدي من المصادر ـ لذلك وجهاً ... إلاّ عند ابن العربي المالكي ... فإنّه قال : « قال ذلك لعليّ ليقرّر عند تقدّمهما عليه »!! وأنّه « نهاه أن يخبرهما لئلاّ يعلما قرب موتهما في حال الكهولة »!! (١).

وهل كان يحتاج عليّ إلى الإقرار إن كان تقدّمهما عليه بحقّ؟!

وهل كان يضرّهما العلم بقرب موتهما في حال الكهولة؟! وهل كانا يخافان الموت؟! ولماذا؟!

* * *

__________________

(١) عارضة الأحوذي ١٣/١٣١.

٤٥٩

رسالة

في حديث « أصحابي كالنُّجومِ »

٤٦٠