الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة وعقيدة الشيعة الإماميّة

السيّد علي الحسيني الميلاني

الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة وعقيدة الشيعة الإماميّة

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

خفّةً ، فخرج يهادى بين رجلين ورجلاه تخطّان في الأرض ».

أقول : هنا نقاط نلفت إليها الأنظار على ضوء هذه الأخبار :

١ ـ متى خرج أبوبكر إلى الصلاة؟

إنّه خرج إليها والنبي في حال غشوةٍ ، لأنّه لمّا وجد في نفسه خفّةً خرج معتمداً على رجلين ...

٢ ـ متى خرج رسول الله؟

إنّه خرج عند دخول أبي بكر في الصلاة ، فهل كانت الخفّة التي وجدها في نفسه في تلك اللحظات صدفةً ، بأنْ رأى نفسه متمكّناً من الخروج فخرج على عادته أو أنّه خرج عندما علم بصلاة أبي بكر إمّا بإخبار مخبر ، أو بسماع صوت أبي بكر؟ إنّه لا فرق بين الوجهين من حيث النتيجة ، فإنّه لو كان قد أمر أبابكر بالصلاة في مقامه لَما بادر إلى الخروج وهو على الحال التي وصفتها الأخبار!

٣ ـ كيف خرج رسول الله؟

لم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقادر على المشي بنفسه ، ولا كان يكفيه الرجل الواحد بل خرج معتمداً على رجلين ، بل إنّهما أيضاً لم يكفياه ، فرجلاه كانتا تخطّان في الأرض ، وإنّ خروجاً ـ كهذا ـ ليس إلاّ لأمرٍ يهمّ الإسلام والمسلمين ، وإلاّ فقد كان معذوراً عن الخروج للصلاة جماعةً ، كما هو واضح ... فإن كان خروج أبي بكر إلى الصلاة بأمرٍ منه فقد جاء ليعزله ، كما كان في قضيّة إبلاغ سورة التوبة حيث أمر أبابكر بذلك ثمّ أمر بعزله وذاك من القضايا الثابتة المتّفق عليها ، لكنّه لم يكن بأمرٍ منه للوجوه التي ذكرناها ...

٣٤١

٤ ـ على من كان معتمداً؟

واختلفت الألفاظ التي ذكرناها فيمن كان معتمداً عليه ـ مع الاتّفاق على كونهما أثنين ـ فمنها : « رجلين أحدهما العبّاس » ومنها : « رجلين » ومنها : « فقال : انظروا لي من أتّكى عليه ، فجاءت بريرة ، ورجل آخر فاتّكأ عليهما ». وهناك روايات فيها أسماء أشخاص آخرين ...

ومن هنا اضطربت كلمات الشرّاح ...

فقال النووي بشرح « فخرج بين رجلين أحدهما العبّاس » :

وفسّر ابن عبّاس الآخر بعليّ بن أبي طالب. وفي الطريق الآخر : فخرج ويد له على رجلٍ آخر ، وجاء في غير مسلم : بين رجلين أحدهما أسامة بن زيد : وطريق الجمع بين هذا كلّه : إنّهم كانوا يتناوبون الأخذ بيده الكريمة تارةً هذا وتارةً ذاك وذاك ، ويتنافسون في ذلك. وأكرموا العبّاس باختصاصه بيد واستمرارها له ، لما له من السنّ والعمومة وغيرها ، ولهذا ذكرته عائشة مسمّئ وأبهمت الرجل الآخر ، إذ لم يكن أحد الثلاثة الباقين ملازماً في جميع الطريق ولا معظمه ، بخلاف العبّاس ، والله أعلم » (١).

وفي خبر آخر عند ابن خزيمة عن سالم بن عبيد : « فجاءوا ببريرة ورجل آخر فاعتمد علهيما ثم خرج إلى الصلاة » (٢).

ترى أنّ « الرجل الآخر » في جميع هذه الطرق غير مذكور ، فاضطرّ النووي إلى ذكر توجيه لذلك ، بعد أن ذكر طريق الجمع بين ذلك كلّه ، لئلاً يسقط شيء منها عن الاعتبار!! بعد أن كانت القضيّة واحدة ...

وروى أبو حاتم أنّه خرج بين جاريتين ، فجمع بين الخبرين بأنّه « خرج بين

__________________

(١) المنهاج شرح مسلم هامش إرشاد الساري ٣/٥٧.

(٢) عمدة القاري ٥/١٨٧.

٣٤٢

الجاريتين إلى الباب ، ومن الباب أخذه العبّاس وعليّ ، حتّى دخلا به المسجد » (١).

لكنّ خبر خروجه بين جاريتين وهم صدر من الذهبي أيضاً (٢)

وذكر العيني الجمع الذي اختاره النووي قائلاً : « وزعم بعض الناس » ثمّ أشكل عليه بقوله : « فإن قلت : ليس بين المسجد وبيته مسافة تقتضي التناوب ... » فأجاب بقوله : « قلت : يحتمل أن يكون ذلك لزيادةٍ في إكرامه أو لالتماس البركة من يده » (٣).

وأنت تستشمّ من عبارته « وزعم بعض الناس » ثمّ من الإشكال والجواب عدم ارتضائه لما قاله النووي ، وكذلك ابن حجر ردّ ـ كما ستعلم ـ على ما ذكره النووي فيما جاء في رواية معمر : « ولكنّ عائشة لا تطيب نفساً له بخير » ورواية الزهري : « ولكنّها لا تقدر على أنْ تذكره بخير ».

والتحقيق : إنّ القضيّة واحدة ، و« الرجل الآخر » هو عليّ عليه‌السلام « ولكن عائشة ... » أمّا ما ذكره النووي فقد عرفت ما فيه ، وقد أورد العيني ما في رواية معمر والزهري ثمّ قال : « وقال بعضهم : وفي هذا ردّ على من زعم أنها أبهمت الثاني لكونه لم يتعيّن في جميع المسافة ولا معظمها » قال العيني : « أشار بهذا إلى الردّ على النووي ولكنّه ما صرّح باسمه لاعتنائه به ومحاماته له » (٤).

قلت : والعيني أيضاً لم يذكر اسم القائل وهو ابن حجر ، ولا نصّ عبارته لشدّتها ، ولنذكرها كاملةً ، فإنّه كما لم يصرّح باسم النووي كذلك لم يصرّح باسم الكرماني الذي اكتفى هنا بأنْ قال : « لم يكن تحقيراً أو عداوةً ، حاشاها من ذلك » (٥) وهي هذه بعد روايتي معمر والزهري :

__________________

(١) عمدة القاري ٥/١٨٧.

(٢) عمدة القاري ٥/١٩٠.

(٣) عمدة القاري ٥/١٨٧.

(٤) عمدة القاري ٥/١٩١.

(٥) الكواكب الدراري ٥/٥٢.

٣٤٣

« وفي هذا ردّ على من تنطّع فقال : لا يجوز أنْ يظنّ ذلك بعائشة ، وردّ من زعم أنّها أبهمت الثاني لكونه لم يتعيّن في جميع المسافة ... وفي جميع ذلك الرجل الآخر هوالعبّاس ، واختصّ بذلك إكراماً له. وهذا توهّم ممّن قاله ، والواقع خلافه ، لأنّ ابن عبّاس في جميع الروايات الصحيحة جازم بأنّ المبهم عليّ فهو المعتمد » (١).

إلاّ أنّ من القوم من حملته العصبيّة لعائشة على أن ينكر ما جاء في رواية معمر والزهري ، وقد أجاب عن ذلك ابن حجر حاملاً الإنكار على الصحّة فقال : « ولم يقف الكرماني على هذه الزيادة فعبّر عنها بعبارة شنيعة » (٢).

٨ ـ حديث صلاته خلف أبي بكر :

وحديث أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أئتمّ في تلك الصلاة بأبي بكر ـ بالإضافة إلى أنّه في نفسه كذب كما سيأتي ـ دليل آخر على أنّ أصل القضية ـ أعني أمره أبابكر بالصلاة ـ كذب ... وبيان ذلك في الوجوه الآتية.

٩ ـ وجوب تقديم الأقرأ :

هذا ، وينافي حديث الأمر بالصلاة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما ثبت عنه من وجوب تقديم الأقرأ في الإمامة إذا استووا في القراءة ، وفي الصحاح أحاديث متعدّدة دالّة على ذلك ، وقد عقد البخاري « باب إذا استووا في القراءة فليؤمّهم أكبرهم » (٣).

وذلك ، لأنّ أبابكر لم يكن الأقرأ بالإجماع ... وهذا أيضاً من المواضع

__________________

(١) فتح الباري ٢/١٢٣.

(٢) فتح الباري ٢/١٢٣.

(٣) صحيح البخاري بشرح العيني ٥/٢١٢.

٣٤٤

المشكلة التي اضطربت فيها كلماتهم :

قال العيني : « اختلف العلماء فيمن هو أولى بالإمامة فقالت طائفة : الأفقه ، وقال آخرون : الأقرأ » فأجاب عن الإشكال بعدم التعارض : « لأنّه لا يكاد يوجد إذ ذاك قارئ إلاّ وهو فقيه : « وأجاب بعضهم بأنّ تقديم الأقرأ كان في صدر الإسلام » (١).

قال ابن حجر بشرح عنوان البخاري المذكور :

« هذه الترجمة منتزعة من حديث أخرجه مسلم من رواية أبي مسعود الأنصاري وقد نقل ابن أبي حاتم عن أبيه أنّ شعبة كان يتوقّف في صحّة هذا الحديث. ولكن هو في الجملة يصلح للاحتجاج به عند البخاري. قيل : المراد به الأفقه. وقيل : هو على ظاهره.

وبحسب ذلك اختلف الفقهاء قال النووي قال أصحابنا : الأفقه مقدّم على الأقرأ ، ولهذا قدّم النبي أبابكر في الصلاة على الباقين ، مع أنّه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم نصَّ على أنّ غيره أقرأ منه ـ كأنّه عنى حديث : أقرؤكم أُبي ـ قال : وأجابوا عن الحديث بأنّ الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه ».

قال ابن حجر : « قلت : وهذا الجواب يلزم منه أنّ من نصّ النبي على أنّه أقرأ من أبي بكر كان أفقه من أبي بكر ، فيفسد الاحتجاج بأنّ تقديم أبي بكر كان لأنّه الأفقه ».

قال : « ثمّ قال النووي بعد ذلك : إنّ قوله في حديث أبي مسعود : فإنْ كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة ، فإن كانوا في السُنّة سواء فأقدمهم في الهجرة. يدلّ على تقديم الأقرأ مطلقاً. إنتهى ».

قال ابن حجر : « وهو واضح للمغايرة » (٢).

__________________

(١) عمدة القاري ٥/٢٠٣.

(٢) فتح الباري ٢/١٣٥.

٣٤٥

أقول : فانظر إلى اضطراباتهم وتمحّلاتهم في الباب ، وما ذلك كلّه إلاّ دليلاً على عجزهم عن حلّ الإشكال ، وإلاّ فأيّ وجهٍ لحمل حديث تقديم الأقرأ على « صدر الإسلام » فقط؟ أو حمله على أنّ المراد هو « الأفقه »؟! وهل كان أبوبكر الأفقه حقّاً؟!

وأمّا الوجه الآخر الذي نسبه النووي إلى أصحابه فقد ردّ عليه ابن حجر ... وتراهم بالتالي يعترفون بوجوب تقديم الأقرأ أو يسكتون!!

إنّ المتّفق عليه في كتابي البخاري ومسلم أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان هو الإمام في تلك الصلاة. وكذا جاء في حديث غيرهما ... فهذه طائفة من الأخبار صريحة في ذلك ...

وطائفة أُخرى فيها بعض الإجمال ... كالحديث عند النسائي : « وكان النبي بين يدي أبي بكر ، فصلّى قاعداً ، وأبوبكر يصلّي بالناس ، والناس خلف أبي بكر ». والآخر عند ابن ماجة : « ثمّ جاء رسول الله حتّى جلس إلى جنب أبي بكر حتّى قضى أبوبكر صلاته ».

وطائفة ثالثة ظاهرة أو صريحة في صلاته خلف أبي بكر ، كالحديث عند النسائي وأحمد : « إنّ أبابكر صلّى للناس ورسول الله في الصفّ » والحديث عند أحمد : « صلّى رسول الله خلف أبي بكر قاعداً » وعنده أيضاً « وصلّى النبي خلفه قاعداً ».

ومن هنا كان هذا الموضع من المواضع المشكلة عند الشرّاح ، حيث اضطربت كلماتهم واختلفت أقوالهم فيه ... قال ابن حجر : « وهو اختلاف شديد » (١).

فابن الجوزي وجماعة اسقطوا ما أفاد صلاة رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم خلف أبي بكر عن الإعتبار ، بالنظر إلى ضعف سنده ، وإعراض البخاري

__________________

(١) فتح الباري ٢/١٢٠.

٣٤٦

ومسلم عن إخراجه (١) قال ابن عبدالبرّ : « الآثار الصحاح على أنّ النبي هو الإمام » (٢) وقال النووي : « كان بعض العلماء زعم أنّ أبابكر كان هو الإمام والنبي مقتدٍ به ، لكنّ الصواب أنّ النبي كان هو الإمام وقد ذكره مسلم » (٣).

لكن فيه : أنّه إن كان دليل الردّ ضعف السند ، فقد عرفت أنّ جميع ما دلّ على أمره أبابكر بالصلاة ضعيف ، وإن كان دليل الردّ إعراض الشيخين فقد ثبت لدى المحقّقين أنّ إعراضهما عن حديث لا يوهنه ، كما أنّ إخراجهما لحديث لا يوجب قبوله. نعم ، خصوم ابن الجوزي وجماعته ملتزمون بذلك.

وعبد المغيث بن زهير وجماعة قالوا : كان أبوبكر هوالإمام أخذاً بالأحاديث الصريحة في ذلك ، قال الضياء المقدسي وابن ناصر : « صحّ وثبت أنّه صلّى خلفه مقتدياً به في مرضه الذي توفّي فيه ثلاث مرّات ، ولا ينكر ذلك إلاّ جاهل لا علم له بالرواية » (٤).

لكن فيه : أنّها أحاديث ضعيفة جدّاً ، ومن عمدتها ما رواه شبابة بن سوار المدلّس المجروح عند المحقّقين ... على أنّ قولهما : « ثلاث مرّات » معارض بقول بعضهم « كان مرّتين » وبه جزم ابن حبّان (٥) وأمّا رمي المنكرين بالجهل فتعصّب ...

والعيني وجماعة على الجمع بتعدّد الواقعة ، قال العيني : « روي حديث عائشة بطرقٍ كثيرة في الصحيحين وغيرهما ، وفيه اضطراب غير قادح.

وقال البيهقي : لا تعارض في أحاديثها ، فإنّ الصلاة التي كان فيها النبي

__________________

(١) لابن الجوزي رسالة في هذا الباب أسماها « آفة أصحاب الحديث » نشرناها لأول مرّة بمقدّمة وتعاليق هامّة سنة ١٣٩٨ هـ.

(٢) عمدة القاري ٥/١٩١.

(٣) المنهاج ، شرح صحيح مسلم ٣/٥٢.

(٤) عمدة القاري ٥/١٩١ ، لعبد المغيث رسالة في هذا الباب ، ردّ عليها ابن الجوزي برسالته المذكورة.

(٥) عمدة القاري ٥/١٩١.

٣٤٧

إماماً هي صلاة الظهر يوم السبت أو يوم الأحد ، والتي كان فيها مأموماً هي صلاة الصبح من يوم الاثنين وهي آخر صلاهٍ صلاّها حتّى خرج من الدنيا.

وقال نعيم بن أبي هند : الأخبار التي وردت في هذه القصة كلها صحيحة وليس فيها تعارض ، فإنّ النبي صلّى في مرضه الذي مات فيه صلاتين في المسجد ، في إحداهما كان إماماً وفي الأخرى كان مأموماً » (١).

قلت :

أوّلاً : إنّ كلام البيهقي في الجمع أيضاً مضطرب ، فهو لا يدري الصلاة التي كان فيها إماماً أهي صلاة الظهر يوم السبت أو يوم الأحد!؟ وكأنّ المهمّ عنده أن يجعل الصلاة الأخيرة ـ يوم الأثنين ـ صلاته مأموماً كي تثبت الإمامة العظمى لأبي بكر بالإمامة الصغرى!!

وثانياً : إنّ نعيم بن أبي هند ـ الذي حكم بصحّة كلّ الأخبار ، وجمع كالبيهقي بالتعدّد لكن من غير تعيين ، لجهله بواقع الأمر! ـ رجل مقدوح مجروح لا يعتمد على كلامه كما تقدّم في محلّه.

وثالثاً : إنّه اعترف بوجود الاضطراب في حديث عائشة ، وكذا اعترف بذلك ابن حجر ، ثمّ ذكر الاختلاف ، وظاهره ترك المطلب على حاله من دون اختيار ، ثمّ أضاف أنّه « اختلف النقل عن الصحابة غير عائشة ، فحديث ابن عبّاس فيه : أنّ أبابكر كان مأموماً وحديث أنس فيه : أنّ أبابكر كان إماماً. أخرجه الترمذي وغيره » (٢).

__________________

(١) عمدة القاري ٥/١٩١.

(٢) فتح الباري ٢/١٢٠.

٣٤٨

والتحقيق :

إنّ القصّة واحدة لا متعدّدة ، فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج في تلك الوقعة إلى المسجد ونحّى أبابكر عن المحراب ، وصلّى بالناس بنفسه وكان هو الإمام وصار أبوبكر ماموماً ...

هذا هو التحقيق بالنظر إلى الوجوه المذكورة ، وفي متون الأخبار ، وفي تناقضات القوم ، وفي ملابسات القصّة ... ثمّ وجدنا إمام الشافعيّة يصرّح بهذا الذي انتهينا إليه ... قال ابن حجر :

« صرّح الشافعي بأنّه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم لم يصل بالناس في مرض موته في المسجد إلاّ مرّة واحدة ، وهي هذه التي صلّى فيها قاعداً ، وكان أبوبكر فيها أوّلاً إماماً ثمّ صار مأموماً يُسمع الناس التكبير » (١).

ثمّ إنّ هذا الذي صرّح به الشافعي من أنّ أبابكر « صار مأموماً يُسمع الناس التكبير » ممّا شقّ على كثيرٍ من القوم التصريح به ، فجعلوا يتّبعون أهواءهم في رواية الخبر وحكاية الحال ، فانظر إلى الفرق بين عبارة الشافعي وما جاء مشابهاً لها في بعض الأخبار ، وعبارة من قال :

« فكان أبوبكر يصلّي بصلاة رسول الله وهو جالس ، وكان الناس يصلّون بصلاة أبي بكر ».

ومن قال :

« فكان أبوبكر يصلّي قائماً ، وكان رسول الله يصلّي قاعداً ، يقتدي أبوبكر بصلاة رسول الله ، والناس مقتدون بصلاة أبي بكر ».

ومن قال :

« فصلّى قاعداً وأبوبكر يصلّي بالناس ، والناس خلف أبي بكر ».

__________________

(١) فتح الباري ٢/١٣٨.

٣٤٩

ومن قال :

« فكان أبوبكر يأتمّ بالنبي والناس يأتمون بأبي بكر ».

ومن قال :

« جاء رسول الله حتى جلس إلى جنب أبي بكر حتّى قضى أبوبكر صلاته ».

إنّهم يقولون هكذا كي يوهموا ثبوت نوع إمامة لأبي بكر!! وتكون حينئذٍ كلماتهم مضطربة مشوّشة بطبيعة الحال!! وبالفعل فقد وقع التوهمّ ... واختلف الشرّاح في القضيّة وتوهّم بعضهم فروعاً فقهيّة ، كقولهم بصحّة الصلاة بإمامين!! :

فقد عقد البخاري : « باب الرجل يأتمّ بالإمام ويأتمّ الناس بالمأموم » وذكر فيه الحديث عن عائشة الذي فيه : « وكان رسول الله يصلّي قاعداً ، ويقتدي أبوبكر بصلاة رسول الله ، والناس مقتدون بصلاة أبي بكر » (١).

وقال العيني بعد الحديث : « قيل للأعمش : وكان النبي يصلّي وأبوبكر يصلي بصلاته والناس يصلّون بصلاة أبي بكر؟ فقال برأسه : نعم! ».

قال : « استدلّ به الشعبي على جواز ائتمام بعض المأمومين ببعضٍ وهو مختار الطبري أيضاً ، وأشار إليه البخاري ـ كما يأتي إن شاء الله تعالى ـ.

وردّ بأنّ أبابكر كان مبلّغاً ، وعلى هذا فمعنى الاقتداء اقتداؤه بصوته ، والدليل عليه أنّه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم كان جالساً وأبوبكر كان قائماً ، فكانت بعض أفعاله تخفى على بعض المأمومين ، فلأجل ذلك كان أبوبكر كالإمام في حقهم » (٢).

أقول : ولذا شرح السيوطي الحديث في الموطّأ بقوله :

__________________

(١) صحيح البخاري ـ بشرح العيني ـ ٥/٢٥٠.

(٢) عمدة القاري ٥/١٩٠.

٣٥٠

« أي يتعرّفون به ما كان النبيّ يفعله لضعف صوته عن أن يسمع الناس تكبير الانتقال ، فكان أبوبكر يسمعهم ذلك » (١).

ويشهد بذلك الحديث المتقدّم عن جابر : « اشتكى رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم فصلّينا وراءه وهو قاعد ، وأبوبكر يُسْمع الناس تكبيره ».

بل لقد عقد البخاري نفسه : « باب من أسمع الناس تكبير الإمام » أخرج الحديث تحته (٢)!!

١٠ ـ لا يجوز لأحد التقدّم على النبيّ :

هذا كلّه بغضّ النظر عن أنّه لا يجوز لأحد أن يتقدّم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمّا بالنظر إلى هذه القاعدة المسلّمة كتاباً وسنّةً فجميع أحاديث المسألة باطلة ، ولقد نصّ على تلك القاعدة كبار الفقهاء ، منهم : إمام المالكية وأتباعه ، وعن القاضي عياض إنّه مشهور عن مالك وجماعة أصحابه ، قال : وهو أوْلى الأقاويل (٣) وقال الحلبي بعد حديث تراجع أبي بكر عن مقامه : « وهذا استدلّ به القاضي عياض على أنّه لا يجوز لأحدٍ أن يؤمّه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، لأنّه لا يصحّ التقدّم بين يديه ، في الصلاة ولا في غيرها ، لا لعذرٍ ولا لغيره ، ولقد نهى الله المؤمنين عن ذلك ، ولا يكون أحد شافعاً له ، وقد قال : أئمّتكم شفعاؤكم. وحينئذٍ يحتاج للجواب عن صلاته خلف عبدالرحمن بن عوف ركعةً ، وسيأتي الجواب عن ذلك » (٤).

قلت : يشير بقوله : « وقد نهى الله المؤمنين عن ذلك » إلى قوله عزّ وجلّ :

__________________

(١) تنوير الحوالك ـ شرح موطأ مالك ١/١٥٦.

(٢) فتح الباري ٢/١٦٢.

(٣) نيل الأوطار ٣/١٩٥.

(٤) السيرة الحلبية ٣/٣٦٥.

٣٥١

( يا أيّها الّذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله ) (١) وقد تبع في ذلك إمامه مالك بن أنس كما في فتح الباري (٢) لكن من الغريب جدّاً قول ابن العربي المالكي : « قوله تعالى ( لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله ) أصلّ في ترك التعرّض لأقوال النبي ، وإيجاب أتّباعه والاقتداء به ، ولذلك قال النبي في مرضه : مروا أبابكر فليصلّ بالناس. فقالت عائشة لحفصة : قولي له : إنّ أبابكر رجل أسيف ، وإنّه متى يقم مقامك لا يسمع الناس من البكاء ، فمر عليّاً (٣) فليصلّ بالناس ، فقال النبي : إنّكنّ لأنتنّ صواحب يوسف ، مروا أبابكر فليصلّ بالناس.

يعني بقوله : صواحب يوسف الفتنة بالردّ عن الجائز إلى غير الجائز» (٤).

أقول : إنّ الرجل يعلم جيّداً بأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتمثّل بقوله : « إنّكنّ صواحب يوسف » إلاّ لوجود فتنةٍ من المرأتين ، فحرّف الحديث من « فمر عمر » إلى « فمر عليّاً » ليتمّ تشبيه النبي المرأتين بصويحبات يوسف ، لأنّ المرأتين أرادتا الردّ عن الجائز « وهو صلاة أبي بكر! » إلى غير الجائز « وهو صلاة عليّ! ».

إذن ، جميع أحاديث المسألة باطلة.

____________

(١) سورة الحجرات ٤٩ : ١.

(٢) فتح الباري ٣/١٣٩.

(٣) فكان الحديث بثلاثة ألفاظ ١ ـ « فمر غيره » ٢ ـ « فمر عمر » ٣ ـ « فمر علّياً » وهذا من جملة التعارضات الكثيرة الموجودة بين ألفاظ هذه القضيّة الواحدة!! لكنّا نغضّ النظر عن التعرّض له خوفاً من الإطالة ... إلاّ أنّه لا مناص من ذكر الأمر الأغرب من هذا الرجل! وهو التناقض والتعارض الموجود بين هذا الذي نقلناه عن كتابه ( أحكام القرآن ) وبين الموجود في كتابه الآخر ( العواصم من القواصم : ١٩٢) حيث يقول في سياق ردّه وطعنه على الإماميّة!! : « ولا تستغربوا هذا من قولهم ، فهم يقولون إن النبي كان مدارياً لهم معيناً لهم على نفاقٍ وتقية وأين أنت من قول النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم حين سمع قول عائشة : مروا عمر فليصل بالناس ـ : انكن لأنتنّ صواحب يوسف ، مروا أبابكر فليصلّ بالناس ».

(٤) أحكام القرآن ٤/١٤٥.

٣٥٢

أمّا التي دلّت على الصلاة النبي خلف أبي بكر فواضح جدّاً.

وأمّا الّتي دلّت على أنّه كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الإمام فلاشتمالها على استمرار أبي بكر في الصلاة ، وقد صحّ عنه أنّه في صلاته بالمسلمين عندما ذهب رسول الله إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم ... لمّا حضر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في الصلاة « استأخر » ثمّ قال : « ما كان لابن أبي قحافة أن يصلّي بين يدي رسول الله » ...

وهذا نصّ الحديث عن سهل بن سعد الساعدي :

« إنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة ، فجاء المؤذّن إلى أبي بكر فقال : أتصلّي للناس فأقيم؟ قال : نعم. فصلّى أبوبكر. فجاء رسول الله والناس في الصلاة ، فتخلّص حتّى وقف في الصفّ ، فصفّق الناس ، وكان أبوبكر لا يلتفت في صلاته.

فلمّا أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، فأشار إليه رسول الله أن امكث مكانك. فرفع أبوبكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله من ذلك ، ثمّ استأخر أبوبكر حتى استوى في الصفّ ؛ وتقدّم رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم فصلّى.

فلمّا انصرف قال : يا أبابكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ فقال أبوبكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يصلّي بين يدي رسول الله ... ».

وقد التفت ابن حجر إلى هذا التعارض فقال بشرح الحديث :

« فصلّى أبوبكر. أي : دخل في الصلاة ، ولفظ عبدالعزيز المذكور : وتقدّم أبوبكر فكبّر. وفي رواية المسعودي عن أبي حازم : فاستفتح أبو بكر الصّلاة وهي عند الطبراني.

وبهذا يجاب عن الفرق بين المقامين ، حيث امتنع أبوبكر هنا أن يستمر إماماً وحيث استمرّ في مرض موته صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم حين صلّى خلفه الركعة الثانية من الصبح كما صرّح به موسى بن عقبة في المغازي. فكأنّه لمّا أن مضى

٣٥٣

معظم الصلاة حسن الاستمرار ، ولمّا أن لم يمض منها إلاّ اليسير لم يستمرّ» (١).

وهذا عجيب من ابن حجر!!

فقد جاء في الأحاديث المتقدّمة : « فصلّى » كما في هذا الحديث الذي فسّره بـ « أي : دخل في الصلاة » : فانظر منها الحديث الأوّل والحديث السابع من الأحاديث المنقولة عن صحيح البخاري.

بل جاء في بعضها : « فلمّا دخل في الصلاة وجد رسول الله في نفسه خفّة » فانظر الحديث الثامن من أحاديث البخاري.

لكنّ بعض الكذّابين روى في هذا الحديث أيضاً : « فصلّى رسول الله خلف أبي بكر » قال الهيثمي : « رواه الطبراني وفي إسناده عبدالله بن جعفر بن نجيح وهو ؛ ضعيف جدّاً » (٢).

فظهر أن لا فرق ... ولا يجوز لأبي بكر ولا لغيره من أفراد الأمّة التقدّم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا في الصلاة ولا في غيرها ...

١١ ـ خطبته صلّى الله عليه وسلّم بعد الصلاة :

ثمّ إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام معتمداً على علي والفضل حتى جلس على المنبر وعليه عصابة فحمدالله وأثنى عليه وأوصاهم بالكتاب وعترته أهل بيته ونهاهم عن التفافس والتباغض وودّعهم (٣).

__________________

(١) فتح الباري ٢/١٣٣.

(٢) مجمع الزوائد ٥/١٨١.

(٣) جواهر العقدين : ١٦٨. مخطوط.

٣٥٤

١٢ ـ رأي أمير المؤمنين عليه‌السلام في القضيّة :

وبعد أن لاحظنا متون الأخبار ومداليلها ، ووجدنا التعارض والتكاذب فيما بينها ، بحيث لا طريق صحيح للجمع بينها بعد كون القضيّة واحدة ... واستخلصنا أنّ صلاة أبي بكر في مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تكن بأمر منه قطعاً ... فلنرجع إلى مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام لنرى رأيهُ في أصل القضيّة فيكون شاهداً على ما استنتجناه ، ولنرى أيضاً أنّ صلاة أبي بكر بأمر من كانت؟؟

لقد حكى ابن أبي الحديد المعتزلي عن شيخه أبي يعقوب بن إسماعيل اللمعاني حول ما كان بين أمير المؤمنين وعائشة ، جاء فيه :

« فلمّا ثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه ، أنفذ جيش أُسامة وجعل فيه أبابكر وغيره من أعلام المهاجرين والأنصار ، فكان عليّ عليه‌السلام حينئذٍ بوصوله إلى الأمر ـ إنْ حدث برسول الله حدث ـ أوثق ، وتغلّب على ظنّه أنّ المدينة ـ لو مات ـ لخلت من منازع ينازعه الأمر بالكليّة ، فيأخذه صفواً عفواً ، وتتمّ له البيعة فلا يتهيّأ فسخها لو رام ضدٌّ منازعته عليها. فكان من عود أبي بكر من جيش أُسامة بإرسالها إليه وإعلامه بأنّ رسول الله يموت ما كان ، ومن حديث الصلاة بالناس ما عرف.

فنسب عليّ عليه‌السلام إلى عائشة أنّها أمرت بلالاً ـ مولى أبيها ـ أن يأمره فليصلّ بالناس ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما روي قال : « ليصلّ بهم أحدهم » ولم يعيّن ، وكانت صلاة الصبح ، فخرج رسول الله وهو في آخر رمق يتهادي بين عليّ والفضل بن العبّاس ، حتّى قام في المحراب ـ كما ورد في الخبر ـ ثمّ دخل ، فمات ارتفاع الضحى ، فجعل يوم صلاته حجّةً في صرف الأمر إليه ، وقال : أيّكم يطيب نفساً أنْ يتقدّم قدمين قدّمهما رسول الله في الصلاة؟! ولم يحملوا خروج رسول الله إلى الصلاة لصرفه عنها ، بل لمحافظته على الصلاة مهما أمكن.

٣٥٥

فبويع على هذه النكتة التي اتّهمها عليّ عليه‌السلام على إنّها ابتدأت منها.

وكان عليّ يذكر هذا لأصحابه في خلواته ويقول : إنّه لم يقل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّكنّ لصويحبات يوسف إلاّ إنكاراً لهذه الحلال وغضباً منها ، لأنّها وحفصة تبادرتا إلى تعيين أبويهما ، وإنّه استدركها بخروجه وصرفه عن المحراب ، فلم يجد ذلك ولا أثّر ، مع قوّة الداعي الذي كان يدعو إلى أبي بكر ويمهّد له قاعدة الأمر تقرّر حاله في نفوس الناس ومن اتّبعه على ذلك من أعيان المهاجرين والأنصار ...

فقلت له رحمه‌الله : أفتقول أنت : إنّ عائشة عيّنت أباها للصلاة ورسول الله لم يعيّنه؟!

فقال : أمّا أنا فلا أقول ذلك ، ولكنّ عليّاً كان يقوله ، وتكليفي غير تكليفه ، كان حاضراً ولم أكن حاضراً ... » (١).

نتيجة البحث :

لقد استعرضنا أهمّ أحاديث القضيّة ، وأصحهّا ، ونظرنا أوّلاً في أسانيدها ، فلم نجد حديثاً منها يمكن قبوله والركون إليه في مثل هذه القضية ، فرواة الأحاديث بين « ضعيف » و« مدلّس » و« عثماني » و« خارجيّ » ... وكونها في الصحاح لا يجدي ، وتلقّي الكلّ إياها بالقبول لا ينفع ...

ثمّ نظرنا في متونها ومداليلها بغضّ النظر عن أسانيدها ، فوجدناها متناقضة متضاربةً يكذّب بعضها بعضاً ... بحيث لا يمكن الجمع بينها بوجه ... بعد أنْ كانت القضيّة واحدة ، كما نصّ عليه الشافعي ومن قال بقوله من أعلام الفقه والحديث ...

ثمّ رأينا أنّ الأدلّة والشواهد الخارجيّة القويمة تؤكّد على استحالة أنْ يكون

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٩/١٩٦ ـ ١٩٨.

٣٥٦

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي أمر أبابكر بالصلاة في مقامه.

وخلاصة الأمر الواقع : أنّ النبي لمّا مرض كان أبوبكر غائباً بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث كان مع أُسامة بن زيد في جيشه ، وكان النبي يصلّي بالمسلمين بنفسه ، حتّى إذا كانت الصلاة الأخيرة حيث غلبه الضعف واشتدّ به المرض طلب عليّاً فلم يُدعَ له ، فأمر بأن يصلّي بالناس أحدهم ، فلمّا التفت بأنّ المصلّي بهم أبوبكر خرج معتمداً على أمير المؤمنين ورجل آخر ـ وهو في آخر رمقٍ من حياته ـ لأن يصرفه عن المحراب ويصلّي بالمسلمين بنفسه ـ لا أن يقتدي بأبي بكر! ـ ويعلن بأنّ صلاته لم تكن بأمر منه ، بل من غيره!!.

ثمّ رأينا أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يرى أنّ الأمر كان من عائشة و « عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ » (١).

وصلّى الله على رسوله الأمين ، وعلى أمير المؤمنين والأئمة المعصومين ، والحمد الله ربّ العالمين.

__________________

(١) كما في الأحاديث الكثيرة المتفق عليها بين المسلمين ، أنظر من مصادر أهل السنّة العتبرة : صحيح الترمذي ٣/١٦٦ ، المستدرك ٣/١٢٤ ، جامع الأصول ٩/٢٠ ، مجمع الزوائد ٧/٢٣٣ وغيرها.

٣٥٧

رسالة

في حديث الأقتداء بالشّيخين

٣٥٨
٣٥٩

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين.

وبعد ، فلا يخفى أنّ السنّة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي عند المسلمين ـ وإن وقع الخلاف بينهم في طريقها ـ فمنها ـ بعد القرآن الكريم ـ تستخرج الأحكام الإلهية ، وأصول العقائد الدينية ، والمعارف الفذّة ، والأخلاق الكريمة ، بل فيها بيان ما أجمله الكتاب ، وتفسير ما أبهمه ، وتقييد ما أطلقه ، وإيضاح ما أغلقه ...

فنحن مأمورون باتّباع السنّة والعمل بما ثبت منها ، ومحتاجون إليها في جميع الشؤون ومناحي الحياة ، الفردية والاجتماعيّة ...

إلاّ أنّ الأيدي الأثيمه تلاعبت بالسنّة الشريفة حسب أهوائها وأهدافها ... وهذا أمر ثابت يعترف به الكلّ ...

ولهذا وذاك ... انبرى علماء الحديث لتمييز الصحيح من السقيم ، والحقّ من الباطل ... فكانت كتب ( الصحاح ) وكتب ( الموضوعات ) ...

٣٦٠