الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة وعقيدة الشيعة الإماميّة

السيّد علي الحسيني الميلاني

الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة وعقيدة الشيعة الإماميّة

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

أحاديث أخرى

قال ( ٢٧٦) :

( الرابع النصوص الجليّة ... والجواب : ما مرّ أنّها أخبار آحاد في مقابلة الاجماع ، وأنّها لو صحّت لما خفيت على الصحابة والتّابعين ... ولو سلّم فغايته إثبات خلافته لا نفي خلافة الآخرين ).

أقول :

لم يمنع السّعد بصراحةٍ أسانيد هذه الأحاديث تبعاً لشيخه العضد ، وإنّما أجاب عنها بكونها آحاداً في مقابلة الاجماع ، وقد عرفت ما فيه.

وأمّا دلالة فكلامه تكرار لما سبق ، وقد عرفت جوابه أيضاً. وأمّا قوله : ( ولو سلّم ... ).

ففيه : أوّلاً : أنّه خلاف ظاهر هذه الأحاديث ، خصوصاً المشتمل منها على كلمة من بعدي : وثانياً : أنّه موقوف على ثبوت خلافة الآخرين وهي لا تثبت إلاّ بالنصّ أو الإجماع ، أمّا الأول فمفقود وأمّا الثاني فغير حاصل. وثالثاً : إن كان الذين من قبله مؤمنين متّقين فهو وليّهم وأميرهم وإمامهم ، وإن لم يكونوا مؤمنين متّقين فهو وليّهم وأميرهم وإمامهم بالأولوية القطعية.

وأمّا ضبط كلمة « ديني » بـ « كسر الدال » فلم نفهم وجهه ... لا سيّما وفي بعض الألفاظ : « يقضي ديني » (١) فإنّه بفتح الدال قطعاً ، ولا بأس بنقل الحديث كاملاً عن ( مجمع الزوائد ).

« عن سلمان رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله إنّ لكلّ نبيّ وصيّاً فمن وصيّك؟ فسكت عني. فلمّا كان بعد أن رآني قال : يا سلمان فأسرعت إليه قلت : لبّيك. قال : تعلم من وصيّ موسى؟ قال : نعم ، يوشع بن نون. قال : لم؟ قلت :

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩/١١٣ ، الرياض النضرة ٢/٢٧٩ منتخب كنز العمال ـ هامش أحمد ـ ٥/٣٢.

٢٢١

لأنّه كان أعلمهم يومئذ. قال : فإنّ وصيّي وموضع سرّي وخير من أترك بعدي ينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب ».

قلت : ومن عمدة ما في الباب الحديث : « إنّ عليّاً مني وأنا من علي وهو ولي كلّ مؤمن من بعدي » الذي أخرجه أبو داود الطيّالسي وأحمد والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم والطبري وابن حجر العسقلاني ... وغيرهم.

من موارد القدح في إمامة الآخرين

قال (٢٧٨) :

( الخامس : القدح في إمامة الآخرين ... أمّا إجمالاً فلظلمهم لسبق كفرهم ، لقوله تعالى : ( والكافرون هم الظّالمون ) والظالم لا يكون إماماً لفوله : ( لا ينال عهدي الظالمين ) والجواب ... ).

أقول :

قد تقدّم تقرير الاستدلال بالآية وأن العهد هو الإمامة حتّى عند المفسرّين من أهل السّنة...

قضية فدك

قال ( ٢٧٨) :

( وأمّا تفصيلاً فممّا يقدح في إمامة أبي بكر أنه خالف كتاب الله تعالى في منع إرث النّبي بخبرٍ رواه ... ومنها أنّه منع فاطمة فدك ... والجواب ... ).

أقول :

لا يخفى الفرق الكبير والاختلاف الكثير بين ما ذكره السّعد وما ذكره شيخه العضد ، تقريراً وجواباً ... فراجع ، والملاحظ :

١ ـ إنّ السّعد لم ينكر تفرّد أبي بكر بما نسبه إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة.

٢٢٢

٢ ـ إنّه لم ينكر أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهب فاطمة عليها‌السلام فدكاً.

٣ ـ إنّه لم ينكر تصديق أبي بكر أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ادّعاء الحجرة لهنّ من غير شاهد ، ولم يجب عن هذا النقض بشيء أصلاً.

٤ ـ إنّه لم ينكر كون فدك بيد الزهراء عليها‌السلام منذ حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل أثبت ذلك بقوله : « ثمّ ردّها عمر بن عبدالعزيز أيّام خلافته إلى ما كانت عليه ».

وخلاصة كلام أصحابنا في هذا المقام هو :

إنّ أبابكر انتزع من فاطمة فدكاً (١) ـ وهي غير خيبر وليست قرية منها ـ فطالبت فاطمة عليها‌السلام منه رفع الاستيلاء على هذا الملك الحاصل لها هبةً من والدها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) واذا كان السّعد لا ينكرها هاتين المقدّمتين فلماذا لا يعترف بالحقّ صراحة؟ وإن كان منكراً لكلتيهما أو إحداهما فلماذا لم يصرّح بالانكار ولم يدافع عن أبي بكر؟ إنّ الشيء الذي قاله هو :

( والجواب : إنّه لو سلّم صحة ما ذكر فليس على الحاكم أن يحكم بشهادة رجل وامرأة وإنْ فرض عصمة المدعي والشاهد ، وله الحكم بما علمه يقيناً وانْ لم يشهد به شاهد ).

لكن فيه :

أوّلاً : إنّ أبابكر لم يكن حاكماً في القضية بل كان خصماً.

وثانياً : إنّ الزهراء عليها‌السلام كانت صاحبة اليد فلم يكن له أن يطالبها بالشهود ، بل كا عليه إقامة البيّنة ليجوز له الاستيلاء على ملكها.

وثالثاً : إذا أقام المدعي البيّنة وجب على الحاكم أن ينظر فيها ، فإن وجدها

__________________

(١) لاحظ : الدر المنثور ٤/١٧٧.

(٢) الصواعق المحرقة : ٣١.

٢٢٣

معتبرة ولا معارض وجب عليه الحكم على طبقها ، وليس له الحكم بعلمه حتى النبي ، فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصرّح بذلك حيث يقول في الحديث المتفق عليه : « إنّما أنا بشر وإنّكم تختصمون إليّ ، ولعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعض ، فاقضي نحو ما أسمع ، فمن قضيت له بحقّ أخيه فإنّما أقطع له قطعةً من النار » (١).

ورابعاً : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى باليمين مع الشاهد الواحد (٢) فهلاّ طلب أبوبكر من الزهراء اليمين وقد شهد لها علي عليه‌السلام؟

وخامساً : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى بالشاهد الواحد وهو عبدالله بن عمر (٣) ، فهلاّ قضى أبوبكر بأمير المؤمنين عليه‌السلام وحده؟ وهل كان عنده أقل من عبدالله بن عمر؟‍‍!

وسادساً : هذا كلّه بغض النظر عن عصمة الزهراء عليها‌السلام ، وعصمة أمير المؤمنين والحسنين ( ولم يذكرهما السّعد ) وبغض النظر عن كون أم أيمن مشهوداً لها بالجنة كما في ترجمتها من ( الإصابة ) وغيرها.

ثم إنّها سلام الله عليها ـ بعد أنْ لم يصدّق أبوبكر علياً والحسنين وأم أيمن ، مع أنّه صدّق أزواج النبي في ادّعائهنّ من غير شاهد ـ جاءت تطالب بفدك وغير فدك من إرثها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أخرج البخاري ومسلم عن عائشة واللفظ للأوّل قالت : « إنّ فاطمة عليها‌السلام بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر. فقال أبوبكر : إنّ رسول الله قال : لا نورّث ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإنّي والله لا أغيّر شيئاً من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ، ولأعملنّ فيها بما عمل

__________________

(١) جامع الأصول ١٠/٥٥٣ أخرجه البخاري ومسلم ومالك والترمذي وأبو داود والنسائي.

(٢) جامع الأصول ١٠/٥٥٥ أخرجه مالك ومسلم وأبو داود والترمذي ...

(٣) جامع الأصول ١٠/٥٥٧ أخرجه البخاري.

٢٢٤

به رسول الله ، فأبي أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً.

فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت.

وعاشت بعد النبي ستة أشهر.

فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبابكر وصلّى عليها.

وكان لعليّ من الناس وجه حياة فاطمة » (١).

لكنّ الكلام في الحديث الذي ادّعاه ، فإنّ القوم لم يتمكنوا من إثبات تماميته سنداً ودلالة ، أمّا سنداً فإنّ ما ذكره السّعد في الجواب من ( أن الخبر المسموع من فم رسول الله إن لم يكن فوق التواتر فلا خفاء في كونه بمنزلته ، فيجوز للسامع المجتهد أن يخصص به عام الكتاب ) مشتمل على ثلاثة دعاو :

١ ـ إنّ أبابكر سمع الحديث من فم رسول الله ...

٢ ـ إنّ أبابكر مجتهد ...

٣ ـ إنّ للسامع المجتهد أن يخصّص به عام الكتاب.

وهذه الدعاوى لابدّ لها من إثبات ، فإنّها أوّل الكلام ، ولو أنّا تيقّنا بأنّ أبابكر سمع الحديث من فم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما كان كلّ هذا البحث ... لكنّ أبابكر متهم في هذا الموضع فهو خصم لا حكم ، واطلاعه هو وحده بهذا الحديث ، بحيث لم يسمعه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد من أهله وذويه ، يورث الشك في روايته ، بل لم يسمع أحد من أبي بكر هذا الحديث عن النبي حتى تلك الساعة ، بل ادعاء الأزواج إرثهنّ من رسول الله تكذيب له ... كما كان تصديقه لهنّ في ادعّاء الحجرة يكشف عن غرض له في نفسه مع الزهراء وأهل البيت!

هذا كلّه بناءً على ثبوت دعوى أبي بكر سماع ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وأمّا بناءً على وضع هذا الحديث بعد ذلك تبريراً وتوجيهاً لمنع أبي

__________________

(١) صحيح البخاري : باب غزوة خيبر. صحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير.

٢٢٥

بكر فاطمة عليها‌السلام حقّها ، كما عليه الحافظ البارع الناقد ابن خراش البغدادي المتوفى سنة ٢٨٣ (١). سقوط تلك الدّعاوى والتوجيهات في غاية الوضوح. وعلى كلّ تقدير فالحديث باطل.

وأمّا دلالة ففي الحديث المزعوم احتمالات كما ذكر العضد (٢) ولم يشر إلى ذلك السّعد ، والحاصل أنّه كما يحتمل أن تكون كلمة « صدقة » مرفوعة على الإخبار به عن « ما » الموصولة في « ما تركناه » كذلك يتحمل أن يكون « ما » منصوبةً محلاً على المفعولية لـ « تركناه » وتكون « صدقة » حالاً من « ما » فما المثبت للاحتمال الأوّل؟ بل المتعيّن ـ إن صح الحديث ـ هو الثاني لتكذيب علي والزهراء والحسنين وأهل البيت والعبّاس وأزواج النبي وسائر المسلمين ... هذا الحديث أو عدم سماعهم إيّاه من رسول الله ... بل إنّ ردّ عمر بن عبدالعزيز فدكاً إلى أولاد فاطمة ـ وهو عند جماعة من أعلامهم خامس الخلفاء الراشدين ـ تكذيب صريح ، بل إنّ أبابكر كذّب نفسه في أواخر حياته ، حيث تمنّى أن كان قد سأل النبّي (٣) عن حقّ أهل البيت في الخلافة ، فإنّ هذا ـ وإن تضليلاً ـ دليل على ندمه على تصدّي الأمر وما ترتّب عليه من أفعال وتروك.

وبعد فإنّ السّعد لم يجب عن هذه القضية جواباً ، وإنّما قال كلاماً أساسه حسن الظنّ بأبي بكر والتعصّب على الشيعة ... ثمّ إنه صرّح بهذا بقوله :

( ولعمري إنّ قصّة فدك على ما يرويه الروافض من بيّن الشواهد على أنهماكهم في الضلالة وافترائهم على الصحابة ... ) إلى آخر ما قال ممّا لا يليق بنا الجواب عنه ...

__________________

(١) لاحظ : تذكرة الحفاظ ٢/٦٧٤ ، ميزان الاعتدال ٢/٦٠٠ ، لسان الميزان ٣/٤٤٤ ، طبقات الحفاظ : ٢٩٧ وقد ذكرنا تفصيل ذلك في ( الطرائف )

(٢) شرح المواقف في علم الكلام ٨/٣٥٥.

(٣) تاريخ الطبري ٤/٥٢ وغيره.

٢٢٦

استخلاف عمر

قال (٢٧٩) :

( ومنها : إنّه خالف رسول الله في الاستخلاف ... والجواب : إنّا لا نسلم أنّه لم يستخلف أحداً بل أستخلف إجماعاً ، أما عندنا فأبابكر وأما عندكم فعليّاً ... ).

أقول :

إن اراد من استخلافه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبابكر النصّ عليه ، فهو مع كونه خلاف الواقع خلاف ما نصّ عليه سابقاً ولا حقاً. وإنْ أراد أن بيعة عمر لأبي بكر ثم متابعة أكثر الناس في ذلك استخلاف من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا افتراء على الله ورسوله ...

وقوله : ( لا نسلّم أنّه عزل عمر بل انقضى توليته ... ) تأويل بلا دليل.

وقول : ( ولا نسلّم أن مجرّد فعل ما لم يفعله النبي مخالفة له وترك لاتّباعه ... ) مغالطة ، لأنّ المفروض عندهم أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستخلف ، مع كونه أعرف بالمصالح والمفاسد وأوفر شفقة على الأمّة ... فكانت المصلحة والشفقة في عدم الاستخلاف ، فيكون الاستخلاف مخالفةً له وتركاً لاتّباعه ... فيكون قادحاً في استحقاق الإمامة.

جهل أبي بكر

قال (٢٨٠) :

( ومنها : إنّه لم يكن عارفاً بالأحكام حتى قطع يد سارق من الكوع لا يمينه ، وقال لجدةٍ سألته عن ارثها ... ولم يعرف الكلالة ... ).

أقول :

هذه من موارد جهل أبي بكر بأوضح الأحكام الشرعيّة والألفاظ القرآنية ...

٢٢٧

وسيأتي كلام الغزالي الذي أورده السّعد في أن الفضل للعلم والتقوى ...

وهو لم يجب عن هذه الموارد إلاّ أنْ قال :

( والجواب ـ بعد التسليم ـ إنّ هذا لا يقدح في الاجتهاد ، فكم مثله للمجتهدين ).

أمّا قوله « من التسليم » فلم نفهم وجهه؟ إنْ كان يشكّك في ثبوتها فلماذا لم يصرّح ولم يبيّن؟ إنّه لا حاجة إلى إيراد أخبار تلك الموارد بعد إذعان الكلّ بها حتّى شيخه العضد ، فإنّه بعد أن ذكر قضية إحراق الفجائة ، وقطع يسار السارق ، والجهل بميراث الجدّة ... (١) لم يناقش في ثبوتها ...

وأمّا قوله ( إنّ هذا لا يقدح في الاجتهاد فكم مثله للمجتهدين ). ففيه : أيّ اجتهاد هذا؟ إن قلنا : كيف طرح نصّ الكتاب بخبر واحد مفروض اختص به؟ قالوا : اجتهد. وإنْ قلنا : كيف خالف الشرع في قطع يد السارق؟ قالوا : اجتهد وإنْ قلنا : كيف يكون إماماً وهو يجهل حكم الإرث ومعنى لفظ الأب؟ قالوا : انه مجتهد ، والجهل لا يقدح في الاجتهاد ، فكم مثله للمجتهدين؟

ولو سلّم أنّ « الجهل » غير قادح ، فهلاّ توقف عن الحكم في قطع يد السّارق ـ كما توقف عن الجواب عن الارث حتى وجد الحكم عند المغيرة بن شعبة اللّعين ، وعن معنى الأب ـ فلم يقطع حتى يسأل؟ وهل الاجتهاد عذر؟ لو كان عذراً فلماذا أوقع الذنب على الجلاّد؟ أو وجّهوا الحكم بـ « لعلّه ... ولعلّه ... » كما لا يخفى على من راجع ( المواقف ) و ( الصواعق )؟ حتى اضطرّ بعضهم في ( حواشيه على شرح العقائد النسفيّة ) إلى أن يقول : « قد قطع يسار السارق وهو خلاف الشرع ، والظاهر أنّ القضاء بغير علم ذنب ، وما كان هو معصوماً »!

لكنّ عليّاً عليه‌السلام ما خالف الكتاب والسنة في مورد ، وما جهل بحكم ولا لفظ ، بل ادعى الأعلميّة ـ وهو الصادق المصدّق ـ واعترف له بذلك كبار

__________________

(١) شرح المواقف ٨/٣٥٧.

٢٢٨

الصحابة ، ورجوعهم إليه في المعضلات والمشكلات ، واعترافهم أمامه بالجهل ... مشهور ... فيكون هو الامام دون غيره ... وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من استعمل عاملاً من المسلمين وهو يعلم أن فيهم أولى بذلك منه وأعلم بكتاب الله وسنّة نبيّه فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين » (١).

تمنّيه لو سأل النبي

قال (٢٨٠) :

( ومنها : إنه شك عند موته ... والجواب : إن هذا على تقدير صحّته لا يدلّ على الشك بل على عدم النّص ... ).

أقول :

هذا الخبر وراه سعيد بن منصور والطبري وأبو عبيد وابن قتيبة والعقيلي والطبراني وابن عساكر وابن عبد ربّه وغيرهم (٢) فإن كان هؤلاء كلّهم ـ وهم من كبار الأئمّة الحفّاظ منهم ـ كاذبين على أبي بكر فما ذنبنا؟

وهو يدل على الشك ، سلّمنا أنه يدلّ على عدم النّص فهل كان يرى ضرورة النصّ في الإمامة؟ إنْ قالوا : نعم بطلت خلافته واستخلافه لعمر لعدم النصّ ، وإنْ قالوا : لا بل كان يرى إمامته حقاً لأنها « كانت بالبيعة والاختيار » فلماذا تمنّى النّص؟

قول عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتة

قال (٢٨٠) :

( ومنها : إن عمر مع كونه وليّه وناصره قال : كانت بيعة ... والجواب :

__________________

(١) مجمع الزوائد ٥/٢١١.

(٢) تاريخ الطبري ٤/٥٢ ، العقد الفريد ٣/٦٨ كنز العمّال ٣/١٣٥.

٢٢٩

إن المعنى كانت فجأةً وبغتة ... ).

أقول :

لا يخفى أنّه لم يذكر إلاّ هذا المورد ، أمّا شيخه العضد فقد ذكر خالد ابن الوليد مع مالك بن نويرة ، وغيرها ... كما لا يخفى أنّه لم يناقش في ثبوت هذا الكلام عن عمر ...

ومعنى لفظة « الفلته » بفتح الفاء : « الفتنة » كما في ( المواقف ) وغيرها. أو « الفجأة والبغتة » كما في الكتاب ، أو « ما يندم عليه » كما عن بعض المحدّثين واللغويين.

وهي ـ بأيّ معنى كانت ـ تفيد الذمّ ، ويؤكّد ذلك قوله : « وقى الله شرّها » فلولم تكن ذات شر لم يقل ذلك ، وأمّا أنّ الله وقى شرها أو بقي فهذا أمر آخر يجب أن ينظر فيه.

هذا ، ويشهد بدلالة الكلام على ذم أبي بكر وخلافته إنكار بعضهم كابن روزبهان الخبر من أصله.

ويشهد به أيضاً قول السّعد : ( وكيف يتصوّر منه القدح في امامة أبي بكر ... ) فلولا دلالة الكلام عليه لما احتاج إلى هذه الكلمات المشتملة على الأباطيل والافتراءات ... على أنّ عمر بن الخطاب قد صدر منه ما هو فوق ذلك بالنسبة إلى شخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف لا يمكن صدور هذا منه في أبي بكر وخلافته؟!

جهل عمر

قال (٢٨١) :

( قدحوا في امامة عمر بوجوه : منها ـ أنه لم يكن عارفاً بالأحكام ... والجواب ـ بعد تسليم القصة ... ).

أقول :

٢٣٠

أما قوله : « بعد تسليم القصة » فتشكيك في البديهيّات ، فإنّ خبريّ أمره برجم الحامل والمجنونة موجودان في كتبهم المعتبرة المشهورة ، فراجع : ( صحيح البخاري ) باب لا يرجم المجنون والمجنونة من كتاب المحاربين ، و ( المستدرك على الصحيحين ٤/٣٨٩ ) كتاب الحدود حيث صحّحه وأقرّه الذهبي على ذلك ، و ( الاستيعاب ) بترجمة أمير المؤمنين ، و ( كنز العمّال ) في كتاب المحاربين عن : عبد الرزاق الصنعاني وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي ... وهو في السنن لأبي داود وابن ماجة ...

وخبر نهيه عن المغالاة في الصّداق رواه المفسّرون كالقرطبي والزمخشري وابن كثير والسيوطي والنيسابوري والخازن وغيرهم بتفسير الآية المباركة ( وآتيتم احداهن قنطارا ) (١) وهو في كتب الحديث والمعتبرة ، فقد رواه : عبدالرزاق وسعيد ابن منصور وأبو يعلى الموصلي وابن المنذر وعبد بن حميد كما في ( الدر المنثور ) (٢) وأحمد والطّبراني وابن حبان كما في ( الدرر المنتثرة ) ورواه البيهقي (٣) والحاكم (٤) والقسطلاني (٥) والمتّقي الهندي عن جماعة (٦).

وكذا التشكيك في علمه بالحمل والجنون ، فإنّه غير مجد بل مضرّ ، لأنّه حينئذٍ يدلّ على تجرّيه وعدم مبالاته بأحكام الله ونفوس المسلمين ...

وكذا التشكيك في ظهور كلامه في التّحريم فالذي أخرجه البيهقي هو : « خطب عمر بن الخطّاب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال : ألا لا تغلوا في صداق النّساء فإنّه لا يبلغني عن أحدٍ ساق أكثر من شىء ساقه رسول الله أو سيق

__________________

(١) سورة النساء : ٢٠.

(٢) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢/١٣٣.

(٣) السنن الكبرى ٧/٢٣٣.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٢/١٧٧.

(٥) إرشاد الساري ٨/٥٧.

(٦) كنز العمّال ٨/٢٩٨.

٢٣١

إليه إلاّ جعلت فضل ذلك في بيت المال ثم نزل ، عرضت له امرأة من قريش فقالت : يا أمير المؤمنين أكتاب الله تعالى أحقّ أن يتّبع أو قولك؟ قال : بل كتاب الله تعالى ، فما ذاك؟ قالت : نهيت الناس آنفاً أن يغالوا في صداق النّساء ، والله تعالى يقول فيه كتابه : وآتيتم إحداهنّ قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً ، فقال عمر رضي الله عنه ، كل أحدٍ أفقه من عمر ـ مرّتين أو ثلاثاً ـ » فأيّ معنى لجعل المهر في بيت المال إن لم يكن المقصود هو المنع التحريمي؟

وأمّا قوله : ( إنّ الخطأ في مسألةٍ أكثر لا ينافي الاجتهاد ولا يقدح في الامامة ) ففيه : إن من شئون مقام الإمامة ووظائفها حفظ الشّريعة وتعليمها للناس بالفعل والبيان ، فكيف لا يكون الجهل قادحاً؟ وأيّ وقع في النفوس لامام تذكّره النساء أولى الأحكام الشرعيّة وأوضح الآيات القرآنية؟ وهل كان جهل عمر بمسألةٍ أو مسألتين أو عشرات من المسائل؟

وأمّا قوله : ( والاعتراف بالنقصان هضم للنفس ودليل على الكمال ) فاعتراف بنقصانه من الكلّ « حتّى المخدّرات » ، ومن كان كذلك كيف يليق لإمامة الكلّ؟

إنكاره موت النبي

قال (٢٨٢) :

( ومنها : إنّه لم يكن عالماً بالقرآن حتى شك في موت النبي ... فالجواب : إنّ ذلك كان ... ).

أقول :

لابدّ للسّعد ـ كغيره ـ من الاعتذار له بكلّ وجه ، فتراه يذكر له عذرين بينهما بعد المشرقين ، لأنّ حاصل الأوّل كون السبب لإنكاره موت النبي ـ خروجه عن حال الفهم والمعرفة لتشوّش باله واضطراب حاله. وحاصل الثاني : كون إنكاره لذلك عن فهمٍ للقرآن وتأمّلٍ في آياته! لكن كليهما بارد باطل.

٢٣٢

أمّا الأوّل فلأنّه لو كان تشوش باله واضطراب حاله بمجرّد سماع قولهم مات النبي ، للزم يزول عقله بالكليّة لمّا تحقّق عنده موت النّبي بقول أبي بكر ، لكنه بادر إلى السقيفة مرتاح البال ، وجعل يزوّر في نفسه كلاماً ليقوله للأنصار فيخصمهم به ، ثم حضرها وفعل هناك ثم خارجها ما فعل حتّى أتمّ الأمر لأبي بكر.

ثمّ إنّ السّعد لم يذكر السبب « لتشوش البال واضطراب الحال والذّهول عن جليّات الأحوال » فإنْ كان السبب محبّة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتألّم من فقده ، كان اللازم أنْ يكون من جملة الذين تولّوا تجهيز النّبي ودفنه ، لا المعرضين عن ذلك ، الغاصبين لتراثه ...

وأيضاً : لو كان السبب في الإنكار ما ذكر لما جعل القوم كلام أبي بكر له دليلاً على أعلميته كما في كلام الكرماني في شرح الحديث في ( الكواكب الدراري ) : « وفيه فضيلة عظيمة لأبي بكر ورجحان علمه على عمر وغيره ».

وأيضاً : لو كان ما ذكر هو السبب فلماذا لم يكذّب خبر موته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أحد؟ قال السّيوطي : « أخرج ابن جرير عن القاسم بن عبدالرحمن ابن رافع أخي بني عدي بني النجار قال : إنتهى أنس بن النصر عم أنس بن مالك إلى عمر وطلحة بن عبيدالله في رجالٍ من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا ما بأيديهم فقال : ما يجلسكم؟ قالوا : قتل محمد رسول الله. قال : فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ، واستقبل القوم فقائل حتى قتل » (١).

وأمّا الثاني فلأنّ المعنى الذي يزعم أنّه فهمه من الآيات لا ينافيه الآية : ( انّك ميّت وانّهم ميّتون ) فلماذا سكن حين تلاها أبوبكر عليه ولم يقل له : لا دلالة في الآية على من جوّز بالآيات الموت عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المستقبل وأنكره في هذه الحال؟

__________________

(١) الدر المنثور ٢/٨١.

٢٣٣

تصرّفه في بيت المال

قال (٢٨٢) :

( ومنها : إنّه تصرّف في بيت المال بغير حق ... والجواب ... ).

أقول :

إنّ الإشكال هو : تصرّفه في بيت المال بغير الحق وإعطاؤه منه ما لا يجوز وما ذكر من إطائه كذا وكذا ، ومن تفضيله لبعض الناس على بعض ، جملة من موارد تلك التصرّفات ... وقد عكس الأمر بالنسبة إلى أهل البيت حتّى منعهم خمسهم الذي هو ذوي القربى ، ومنع فاطمة عليها‌السلام إرثها ونحلتها التي وهبها رسول الله لها.

وقد جعل السّعد « التفضيل » في مقابل « التصرّف » ثم أوجز الكلام في الجواب فقال :

( إنّ حديث التصّرف في الأموال محض افتراء ).

فإنْ أراد حديث إعطاء عائشة وحفصة فهذا ما رواه الحاكم (١) والطبري (٢) وابن الأثير (٣) وغيرهم من محدّثين ومؤرّخين ... فإن كانوا مفترين فما ذنبنا؟ وإنْ أراد حديث استقراضه من بيت المال ، فهو في كتب الحديث والتاريخ أيضاً ... (٤) فإنْ كانوا مفترين عليه فما ذنبنا؟

وقال : ( وأمّا التفضيل فله ذلك بحسب ما يرى من المصلحة ) فجوّز التفضيل في العطاء من بيت المال لبعض الناس على البعض الآخر « بحسب ما يرى من المصلحة » ولم يبيّن المراد من المصلحة ، فهل المراد منها مصلحة الإسلام

__________________

(١) المستدرك ٤/٨.

(٢) تاريخ الطبري ٤/١٦٢.

(٣) الكامل في التاريخ ٢/٢٤٧.

(٤) تاريخ الطبري ٥/٢٢ ، الكامل ٣/٢٩ ، كنز العمّال ٦/٣٦٢ ـ ٣٦٣.

٢٣٤

والمسلمين؟ أو مصلحته الشّخصيّة؟

وأجاب عن منع أهل البيت خمسهم بما حاصله « أنّه اجتهد ».

فيقال له : أيّ اجتهادٍ هذا يؤدّي إلى مخالفة حكم الكتاب بمنع أهل البيت حقّهم ، في الوقت الذي يؤدّي إلى إعطاء كلٍ من عائشة وحفصة عشرات الآلاف من أموال المسلمين.

منعه عن المتعتين

قال (٢٨٣) :

( ومنها : إنه منع متعة النكاح ... ومتعة الحج ... والجواب ).

أقول :

لم ينكر أصل تحريم المتعتين كما فعل بعضهم مكابرةً ... قال عمر : « متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما » رواه : الطحاوي في شرح معاني الآثار ٣٧٤ ، والبيهقي في سننه ٧/٢٠٦ ، وابن رشد في البداية ١/٣٤٦ والرازي في تفسيره ٢/١٦٧ وابن حزم في المحلّى ٧/١٠٧ والجصّاص في أحكام القرآن ١/٢٧٩ والقرطبي في تفسيره ٢/٣٧٠ وابن قدامة في المغني ٧/٥٢٧ وابن القيّم في زاد المعاد ٢/٢٠٥ والسرخسي في المبسوط ٥/١٥٣ وابن خلكان في الوفيات ٥/١٩٧ والسيّوطي في الدرّ المنثور ٢/١٤١ والمتقي في كنز العمّال ٨/٢٩٣.

فعمر ينسب التحريم إلى نفسه ويتوعّد المخالف ، فلا يدّعي النّسخ في حياة النبي ، ولا قيام الدليل عنده على ذلك ، فهو ليس إلاّ بدعة أو اجتهاداً في مقابل النصّ ، وكلاهما محرّم قطعاً ، فهذا جواب قوله : ( إن هذه مسائل اجتهادية ) وقوله : ومعنى أحرمهنّ : أحكم بحرمتهنّ وأعتقد ذلك لقيام الدليل كما يقال : حرّم المثلّث الشّافعي وأباحه أبو حنيفة ).

وأمّا قوله : ( وقد ثبت نسخ إباحة متعة النساء بالآثار المشهورة ، إجماعاً من الصّحابة على ما روى محمد بن الحنفية عن علي : إن منادي رسول الله نادى يوم

٢٣٥

خيبر ... ) ففيه :

أوّلاً :

ثبوت النسخ موقوف على دليل قاطع وهو غير موجود ولا أثر مشهور بذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو كان لما كان الإختلاف بين الصحابة وعامة المسلمين حتّى اليوم.

وثانياً : قد اشتهر القول بحلّية المتعة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وأهل البيت وابن عباس ، وجماعة من الصحابة ، منهم : ابن مسعود وجابر بن عبدالله وأبو سعيد الخدري وسلمة بن أمية ومعبد بن أميّة وعمرو بن حريث ومعاوية وأسماء بنت أبي بكر ، ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله ومدّة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر. وعليه من التابعين : طاووس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكة أعزّها الله (١) وذكر القرطبي من الصّحابة عمران بن حصين وأضاف عن ابن عبدالبر : « أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالاً على مذهب ابن عباس » (٢) ومن أشهرهم الامام ابن جريج المكي المتوفى سنة ١٤٩ وهو فقيه كبير ومحدّث ثقة من رجال الصحيحين ، فقد ذكروا بترجمته أنه تزوّج من تسعين امرأة بنكاح المتعة.

وثالثاً : الخبر الذي ذكره عن محمد بن الحنفية عن أبيه كذب من وجوه :

الأول : إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان على رأس المنكرين لتحريم نكاح المتعة.

والثاني : إنّه معارض بما وضعوه على لسانه بنفس السند وأنّ التحريم كان

__________________

(١) المحلّى ٩/٥١٩.

(٢) تفسير القرطبي ٥/١٣٣.

٢٣٦

يوم حنين (١) وآخر أنّه كان في غزوة تبوك (٢) وثالث أنّه كان في حجّة الوداع (٣).

والثالث : إنه قد روي هذا الحديث بنفس السند ولم يذكر فيه إلاّ تحريم الحمر الإنسية في يوم خيبر (٤).

والرابع : إن تحريم متعة النساء يوم خيبر « شيء لا يعرفه أحد من أهل السّير ورواة الأثر » كما نصّ عليه كبار الأئمّة كالسهيلي وابن عبدالبر والبيهقي وابن حجر والقسطلاني وابن القيّم والعيني وابن كثير (٥).

والخامس : إنّ الرّاوي للخبر عن « محمد بن الحنفية » هو « محمد بن شهاب الزهري » وهو من الوضّاعين على أهل البيت.

وأمّا دعوى رجوع ابن عباس عن قوله في المتعة فمن أعاجيب الأكاذيب أيضاً. فقد عرفت مذهب ابن عباس وأنّ فقهاء مكة واليمن على مذهبه ، بل في صحيح مسلم باب نكاح المتعة : إنه كان يفتي بها في حكومة عبدالله بن الزبير بمكة وأن ابن الزبير هدّده بالرّجم ... وقال ابن حجر العسقلاني : « روي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة » (٦) وقال ابن كثير : « ما رجع ابن عباس عمّا كان يذهب اليه من إباحتها » (٧).

فالعجب من السّعد؟ إنْ كان روى حديثاً ورآى محدّثاً فما هذه الأباطيل؟ وإلاّ فلماذا الدخول في هذه التفاصيل؟

__________________

(١) سنن النسائي ٦/١٢٦.

(٢) المنهاج في شرح مسلم هامش القسطلاني ٦/١٣٠.

(٣) مجمع الزوائد ٤/٢٦٥.

(٤) عمدة القاري شرح البخاري ـ كتاب المتعة.

(٥) لاحظ : زاد المعاد ٢/١٨٤ تاريخ ابن كثير ٤/١٩٣ فتح الباري ٩/١٣٨ عمدة القاري ١٧/٢٤٦ إرشاد الساري ٦/٥٣٦.

(٦) فتح الباري ٩/١٣٩.

(٧) تاريخ ابن كثير ٤/١٩٣.

٢٣٧

هذا وقد حققنا الموضوع في رسالة منفردة مطبوعة *

جعله الخلافة شورى

قال (٢٨٤) :

( ومنها : إنه جعل الخلافة شورى بين ستة ... والجواب ... ).

أقول :

قال العلامة الحلي رحمه‌الله :

« ومنها : قصّة الشورى ، وقد أبدع فيها أموراً ، فإنّه خرج بها عن الاختيار والنصّ جميعاً وحصرها في ستة ، وذمّ كلّ واحد منهم بأن ذكر فيه طعناً لا يصلح معه للامامة ثم أهّله بعد أن طعن فيه ، وجعل الأمر إلى ستّة ثم إلى أربعة ثم إلى واحد وصفه بالضّعف والقصور ، وقال : إنْ اجتمع علي وعثمان فالقول ما قالاه ، وإنْ صاروا ثلاثة وثلاثة فالقول للّذين فيهم عبدالرحمن ، وذلك لعلمه ، بأنّ علياً وعثمان لا يجتمعان ، وأن عبدالرحمن لا يكاد يعدل بالأمر عن ختنه وابن عمه ، وأنه أمر بضرب أعناقهم إن تأخّروا عن البيعة فوق ثلاثة أيام ، وأنه أمر بقتل من يخالف الأربعة منهم أو الذين ليس فيهم عبدالرحمن.

وروى الجمهور إنّ عمر لمّا نظر إليهم قال : قد جاءني كلّ واحد منهم يهزّ عفريته يرجو أن يكون خليفة.

وأمّا أنت يا طلحة أفلست القائل : إنْ قبض النبي للنكحنّ أزواجه من بعده ، فما جعل الله محمداً أحق ببنات أعمامنا ، فأنزل الله فيك : ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً ).

وأمّا أنت يا زبير فوالله ما لان قلبك يوماً ولا ليلة وما زلت جلفاً جافياً مؤمن الرّضا كافر الغضب ، يوماً شيطان ويوماً رحمان ، شحيح.

__________________

* وتجدها أيضاً في هذه المجموعة.

٢٣٨

وأمّا أنت يا عثمان لروثة خير منك ، ولئن وليّتها لتحملنّ بني أبي معيط على رقاب الناس ولئن فعلتها لتقتلنّ ، ثلاث مرات.

وأما أنت يا عبدالرحمن فإنّك رجل عاجز تحب قومك جميعاً.

وأمّا أنت يا سعد فصاحب عصبيّة ومقنب وقتال ، لا تقوم بقربة لو حملت أمرها.

وأمر أنت يا علي فوالله لو وزن إيمانك بإيمان أهل الأرض لرجحهم.

فقام علي مولياً يخرج ، فقال عمر : والله إنّي لأعلم مكان الرجل ، لو وليّتموه أمركم حملكم على المحجة البيضاء ، قالوا : من هو؟ قال : هذا المولى عنكم ، إنْ ولّوها الأجلح سلك بكم الطريق المستقيم. قالوا : فما يمنعك من ذلك؟ قال : ليس إلى ذلك سبيل. قال له ابنه عبدالله : فما يمنعك منه؟ قال : أكره أن أتحمّلها حياً وميّتاً ، وفي رواية : لا أجمع لبني هاشم بين النبوة والخلافة.

وكيف وصف كلّ واحد بوصف قبيح كما ترى زعم أنه يمنع من الامامة ، ثم جعل الأمر فيمن له تلك الأوصاف ، وأيّ تقليد أعظم من الحصر في ستة ثم تعيين من أختاره عبدالرحمن ، والأمر بضرب رقاب من يخالف منهم؟

وكيف أمر بضرب أعناقهم أن تأخّروا عن البيعة أكثر من ثلاثة أيّام؟ ومن المعلوم أنّهم لا يستحقّون ذلك ، لأنّهم إن كلّفوا أن يجتهدوا آراءهم في اختيار الامام ، فربما طال زمان الاجتهاد وربما نقص ، بحسب ما يعرض فيه من العوارض ، فكيف يسوغ الأمر والقتل إذا تجاوزت الثلاثة؟ ثم أم بقتل من يخالف الأربعة ، ومن يخالف الذي العدد فيه عبدالرحمن وكل ذلك ممّا لا يستحق به القتل.

ومن العجب اعتذار قاضي القضاء بأنّ المراد القتل إذا تأخّروا على طريق شق العصى وطلبوا الأمر من غير وجهه ، فإنّ هذا مناف لظاهر الخبر ، لأنّهم إذا شقّوا العصى وطلبوا الأمر من غير وجهه أول الأمر وجب قتالهم » (١).

__________________

(١) نهج الحق وكشف الصدق : ٢٨٥ ـ ٢٨٨.

٢٣٩

فكم فرق بين هذا وما ذكره السّعد عن لسان أصحابنا؟ وأيّ جواب يكون له أو لغيره عن هذا الذي ذكره العلامة الحلّي مستنداً إلى أخبار القوم ورواياتهم؟

وأمّا ما أرسله هنا من « أنّه لو كان بعد النبي لكان عمر » و« لو لو يبعث فينا نبياً لبعث عمر » فسيأتي الكلام على ذلك...

قضايا عثمان

قال (٢٨٥) :

( من مطاعنهم في عثمان : إنّه ولّى أمور المسلمين من ظهر منهم الفسق والفساد ... وأنه صرف أموال بيت المال إلى أقاربه ... وأنه حمى لنفسه ... وأنه أحرق مصحف ابن مسعود وضربه ... وضرب عماراً ... وضرب أباذر ونفاه إلى الربذة ، وأنه ردّ الحكم ... وأنه أسقط القود عن عبيدالله بن عمر ... والجواب ... ).

أقول :

لم يذكر ممّا نقم على عثمان إلاّ موارد ، وقد قسّم ما ذكره إلى أقسام :

فبعضها : ما لم يكذّبه إلا أنّه أجاب عنه بأنّه ( لا يقدح في إمامته ، كظهور الفسق والفساد من ولاة بعض البلاد ، إذ لا إطلاع له على السرائر ، وإنّما عليه الأخذ بالظاهر والعزل عند تحقّق الفسق ... ).

أقول : فيه اعتراف بظهور الفسق والفساد من ولاة بعض البلاد ، ولمّا كان بعضهم من الصحابة ، فقد أذعن بوجود الفسّاق والمفسدين فيهم ، وهذا إبطال لقول من قال بعدالة الصحابة كلّهم ...

وقوله : ( لا اطّلاع له على السرائر وإنما عليه الأخذ بالظاهر والعزل عند تحقق الفسق ) مردود بوجهين :

فأوّلاً : إنّ منهم من كان قد ظهر منه الفسق والفساد سابقاً ... فالوليد بن عقبة هو الذي وصفه الله سبحانه في كتابه بالفاسق في قوله عزّ وجلّ : ( أفمن كان

٢٤٠