القواعد الفقهيّة - ج ١

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-400-030-7
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٣٨٤

وأمّا إذا شكّ في النيّة بمعنى قصد القربة ، فتارة نقول بأنّ قصد القربة شرط شرعي مأخوذ في متعلّق الأمر ولو كان بمتمّم الجعل ، وأخرى نقول بأنّه ليس شرطا شرعيّا ، بل تكون ممّا يعتبره العقل في مقام الامتثال.

فهناك فرق بين قاعدة التجاوز وقاعدة الفراغ ؛ إذ الأولى لا تجري على كلا القولين ؛ لأنّه ليس لها ـ أي النيّة بمعنى قصد القربة ـ محلّ شرعي.

نعم لا بدّ وأن يكون تمام العمل مقرونا بهذه النيّة ، أي قصد القربة وإتيان العمل بداعي محبوبيّته ومطلوبيّته لله تعالى شأنه ، فالعقل يحكم بلزوم هذا القصد من أوّل الشروع في العمل إلى إتمامه ، لا أنّ الشارع عيّن محلا لهذا النيّة.

وقد تقدّم أنّ المراد من التجاوز عن المحلّ هو التجاوز عن المحلّ الشرعي لا المحلّ العادي أو العقلي.

وأمّا قاعدة الفراغ فلا تجري لو قلنا بأنّه شرط عقلي ، فمع الشكّ فيه يكون شكّا في الامتثال ، والمفروض أنّه أمر عقلي فلا ينافي له التعبّد الشرعي. وأمّا لو قلنا بأنّه شرط شرعي لصحّة العمل فقاعدة الفراغ تجري فيها بلا كلام ؛ لأنّ مجرى قاعدة الفراغ هو الشكّ في صحّة العمل بعد الفراغ عنه ، من جهة احتمال وقوع الخلل فيما اعتبر الشارع فيه ، من ترك جزء أو شرط ، أو وجود مانع.

وأمّا القسم الثاني : أي ما كان شرطا شرعيّا للمركّب المأمور به ، كالستر والاستقبال والطهارة للصّلاة مثلا.

ولا فرق في هذا القسم بين أن يكون شرطا للمركّب في حال الاشتغال بالأجزاء ونفس العمل ، أو كان شرطا مطلقا ، أي حتّى في حال السكونات المتخلّلة بين الاجزاء. ففي كلا القسمين إما له محلّ شرعي أو لا؟

فإن لم يكن له محلّ شرعي فلا تجري فيه قاعدة التجاوز ؛ لما ذكرنا من أنّ موضوع هذه القاعدة هو التجاوز عن المحلّ المقرّر شرعا للشي‌ء المشكوك الوجود ،

٣٤١

فإذا لم يكن للشرط محلّ مقرّر شرعا فلا موضوع لهذه القاعدة.

وأمّا قاعدة الفراغ فإذا كان الشكّ بعد الفراغ عن المشروط ـ أي المركّب المأمور به ـ فتجري ؛ لأنّه شكّ في صحّة العمل المركّب الذي أوجده ، من جهة احتمال وقوع الخلل فيه من ناحية فقدان شرطه.

وأمّا إذا كان الشكّ في أثناء العمل المشروط كالصلاة مثلا ، فإن كان الجزء أو الأجزاء الماضية عملا مستقلا عند العرف ـ كما أنّه في أفعال الحجّ ربما يكون كذلك ، فالإحرام ، والطواف والسعي وصلاة الطواف والوقوفان كلّ واحد منها يعدّ عملا مستقلاّ عندهم ولو قلنا بأنّ الحجّ شرعا عمل واحد وعبادة واحدة ارتباطيّة كالصلاة ـ فتجري قاعدة الفراغ في الأثناء بالنسبة إلى ذلك الجزء المستقلّ عند العرف أيضا ؛ لتحقّق موضوعها ، وهو الفراغ عن ذلك الجزء مع الشكّ في صحّته.

وأمّا إن لم تكن الأجزاء الماضية عملا مستقلاّ عندهم ، فلا وجه لجريان قاعدة الفراغ أيضا ؛ لعدم تحقّق موضوعه.

هذا كلّه فيما إذا لم يكن للشرط محلّ شرعي.

وأمّا إذا كان له محلّ شرعي كالطهارة الحدثيّة ، وكصلاة الظهر لصلاة العصر ، والمغرب لصلاة العشاء ـ حيث أنّ محلّ الطهارة الحدثيّة قبل الصلاة بقوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) الآية ، ومحلّ صلاة الظهر والمغرب قبل العصر وقبل العشاء ؛ لقوله عليه‌السلام « إلاّ أنّ هذه قبل هذه » (١) ـ ففي جريان قاعدة التجاوز في الشرط المشكوك الوجود وعدمه وجهان.

وعلى تقدير الجريان ، فهل يثبت بها وجود الشرط مطلقا حتّى بالنسبة إلى مشروط آخر ، فلا تجب الطهارة حتّى بالنسبة إلى صلاة أخرى غير هذه التي بيده ما‌

__________________

(١) « الكافي ج ٣ ، ص ٢٨١ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح ١٦ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ٢٦٠ ، ح ١٠٣٧ ، باب المواقيت ، ح ٧٤ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٣ ، ص ٩٥ ، أبواب المواقيت ، باب ٤ ، ح ٢٠.

٣٤٢

لم يوجد حدث جديد. وفي مثال الظهر والمغرب إذا شكّ فيهما في أثناء العصر والعشاء فيثبت بقاعدة التجاوز وجودهما مطلقا ، فلا يجب الإتيان بهما حتّى بعد الفراغ عن العصر والعشاء ، أو لا تثبت بها تلك الشروط إلاّ من حيث شرطيّتها لتلك المذكورات ، فلا بدّ من تحصيل الطهارة للصلوات الأخر ، وإتيان الظهر والمغرب بعد الإتيان بالعصر والعشاء وإتمامهما.

وهناك احتمال آخر وهو إثبات الشرط بالنسبة إلى الأجزاء الماضية فقط ، وأمّا بالنسبة إلى الأجزاء الباقية من المركّب التي لم يأت بها بعد فيجب تحصيل الشرط إن كان ممكنا ، وإلاّ فيبطل العمل إذا كان المركّب الواجب ارتباطيّا.

فنقول : أمّا بالنسبة إلى جريان قاعدة التجاوز في هذا المفروض فلا وجه للإشكال فيه ؛ لأنّه لا فرق بين الجزء المشكوك والشرط المشكوك الوجود ، فكما أنّها تجري في الجزء فكذلك تجري في الشرط ؛ لأنّ مناط الجريان فيهما واحد ، وهو أنّ صحّة العمل متوقّف على وجود الجزء أو الشرط المشكوك وجودهما بعد التجاوز عن محلّهما المقرّر لهما شرعا ، فلا تفاوت بينهما.

وأمّا بالنسبة إلى الوجهين أو الوجوه التي ذكرناها على تقدير الجريان ، ففرق بين أن نقول بأنّها أمارة أو أصل ، إذ على تقدير كونها أمارة يثبت وجود الشرط ، بناء على أنّ جعل الأمارة حجّة عبارة عن تتميم كشفها في عالم الاعتبار ، فيكون كما إذا قامت البيّنة على وجود الشرط فيترتّب عليه جميع آثار وجود الشرط واقعا ، فلا يجب عليه تحصيل الطهارة ولو للصلوات الأخر ، ولا إتيان صلاة الظهر والمغرب بعد إتمام العصر والعشاء ، كلّ ذلك من جهة إثبات الأمارة ـ أعني قاعدة التجاوز ـ وجود الشرط واقعا ، أي الطهارة لو شكّ في أثناء الصّلاة في وجودها ، وصلاة الظهر لو شكّ في وجودها في أثناء العصر ، وصلاة المغرب لو شكّ في وجودها في أثناء العشاء.

وأمّا إذا قلنا بأنّها من الأصول التنزيليّة ، إذ احتمال كونها من الأصول غير‌

٣٤٣

التنزيليّة بعيد وسخيف جدّا ، فيكون مفادها ترتيب آثار وجود الشرط من حيث كونه شرطا لهذا العمل الذي بيده وشكّ في وجود الشرط في أثنائه ، فيجب معاملة وجود صلاة الظهر مثلا من حيث شرطيّته لصحّة صلاة العصر لا مطلقا.

وأمّا الإشكال على جريان قاعدة التجاوز بأنّ التجاوز الذي هو موضوع القاعدة لم يتحقّق بالنسبة إلى الأجزاء الباقية التي لم يأت بها بعد ، فلا أثر لجريان القاعدة في الأثناء بحيث يثبت بها صحّة العمل من ناحية احتمال فقد الشرط.

ففيه : أن ما هو الشرط لمجموع العمل وجود الظهر مثلا قبل العصر ، فبمحض دخوله في صلاة العصر تجاوز عن محلّ الشرط.

نعم ربما يؤيّد هذا الإشكال ـ كما نبّه عليه الشيخ الأعظم الأنصاري قدس‌سره (١) ـ بصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يكون على وضوء ثمَّ يشكّ على وضوئه هو أم لا؟ قال عليه‌السلام : « إذا ذكرها وهو في صلاته انصرف وأعادها ، وإن ذكرها وقد فرغ من صلاته أجزاء ذلك » (٢) فتأمّل.

وأمّا [ القسم ] الثالث (٣) أي إذا كان شرطا عقليّا للجزء كالموالاة بين حروف الكلمة ، فتجري قاعدة التجاوز بلا إشكال ؛ لأنّ مرجع هذا الشكّ إلى الشكّ في وجود الجزء الذي هو الكلمة بعد التجاوز عن محلّه كما هو المفروض في المقام ؛ لأنّ المفروض أنّ الشرط شرط عقلي للجزء ، فالشكّ فيه مستلزم للشكّ في المشروط أعني الجزء.

وأمّا إذا كان شرطا شرعيّا للجزء ـ وهو القسم الرابع (٤) من الأقسام التي ذكرناها للشروط ، وذلك كالجهر والإخفات بناء على كونهما شرطين للقراءة لا للصلاة في حال القراءة ـ فجريان قاعدة التجاوز فيه لا يخلو عن إشكال ؛ لأنّ الشرط حيث أنّه‌

__________________

(١) « فرائد الأصول » ج ٢ ، ص ٧١٥.

(٢) « وسائل الشيعة » ج ١ ، ص ٣٣٣ ، أبواب الوضوء ، باب ٤٤ ، ح ٢.

(٣) لم يذكر هذا القسم ، في الصفحة ٣٣٩.

(٤) هذا هو القسم الثالث من الأقسام في الصفحة ٣٣٩.

٣٤٤

ليس له وجود مستقلّ فلا يقال إنّه قد تجاوز عنه. وأمّا نفس المشروط فلا شكّ في وجوده حتّى تجري فيه قاعدة التجاوز ؛ لأنّه موجود قطعا.

ولكن الأظهر جريان قاعدة التجاوز في الشرط والمشروط ، أمّا في الشرط المشكوك الوجود فلأنّ الجهر وكذلك الإخفات شي‌ء شكّ في وجوده بعد التجاوز عن محلّه ، وعدم كونه جوهرا ومستقلّ الوجود لا ينافي مع كونه شيئا كما هو واضح وأمّا في المشروط فلأنّ المشروط بوصف كونه صحيحا مشكوك الوجود ، فلا فرق بين الشرط العقلي وبين الشرط الشرعي لما هو جزء.

المبحث الثامن‌

في أنّه يعتبر في جريان قاعدتي التجاوز والفراغ أن يكون المكلّف محرزا ـ بإحراز وجداني أو تعبّدي ـ جميع أجزاء المركّب المأمور به ، وشرائطه وموانعه ، وأنّ متعلّق التكليف عبارة عن المركّب من هذه الأمور ، وإنّما الشكّ يكون بعد العمل وفي مقام انطباق المأتي به ، على ما هو المأمور به ، فلا يتحقّق مثل هذا الشكّ إلاّ بعد العمل ؛ لأنّه لا بدّ وأن يكون عمل في البين كي تشكّ في أنّه مطابق مع المأمور به أم لا؟ فمركز الشكّ في هاتين القاعدتين هو انطباق العمل المأتي به على المأمور به.

وأمّا إذا كان شكّه في صحّة العمل من جهة احتمال اعتبار شي‌ء في العمل ـ شرطا أو جزء ، أو احتمال اعتبار عدمه كي يكون مانعا ـ فهذا غير مربوط بالقاعدتين ، بل لا بدّ من المراجعة إلى الأمارات ، وعند فقدها إلى الأصول العمليّة لعلاج هذا الشكّ ، ولا ربط له بمفاد القاعدتين.

وبعبارة أخرى : هاتان القاعدتان من الأصول المستعملة في مقام الامتثال وإسقاط التكليف ، لا في مقام إثبات التكليف ، فلا بدّ في جريان القاعدتين من صدور عمل عن المكلّف والشكّ في مطابقته لما هو المأمور به. فإن كان حصول هذا الشكّ في‌

٣٤٥

أثناء العمل فهذا يكون مورد قاعدة التجاوز ، وإن كان بعد الفراغ عن العمل فيكون مورد قاعدة الفراغ.

إذا عرفت ما ذكرنا فلنذكر صورا من فروع هذه المسألة لكي ترى هل أنّها من موارد الشكّ في الانطباق حتّى يكون من موارد القاعدتين ، أم لا فلا؟

الصورة الأولى : أن يشكّ مع التفاته حين العمل إلى الأجزاء والشرائط والموانع في صحّة العمل وفساده بواسطة احتمال طروّ غفلة أو سهو أو نسيان ، فإن كان هذا الشكّ حصل له في أثناء العمل بعد التجاوز عن المحلّ المقرّر شرعا عن جزء المشكوك الوجود ، أو عن الشرط المشكوك الوجود فيكون مجرى قاعدة التجاوز. وإن كان حصول هذا الشكّ بعد الفراغ عن العمل يكون مجرى قاعدة الفراغ.

ويمكن أيضا جريان قاعدة التجاوز في بعض الصور ، بناء على ما هو الصحيح من عدم اشتراط اتّصال زمان حصول الشكّ بزمان ذلك الجزء المشكوك الوجود ، أو ذلك الشرط المشكوك.

وهذه الصورة هو القدر المتيقّن من صور جريان قاعدة التجاوز والفراغ ؛ لاجتماع شرائط جريانهما فيها.

الصورة الثانية : هي عين هذه الصورة ولكن فيما إذا كان احتمال تركه للجزء أو الشرط عن عمد واختيار لا عن غفلة ونسيان ، والظاهر عدم جريان القاعدتين في هذه الصورة ؛ لأنّه لو كان المدرك لهما بناء العقلاء فليس لهم في مثل هذا المورد بناء على وجود الجزء أو الشرط المشكوك الوجود ، إذ منشأ بنائهم على ذلك أصالة عدم الغفلة والسهو والنسيان ، كما أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم. ففي مورد احتمال الترك عن عمد لا مورد لهذه الأصول العدميّة العقلائيّة.

وكذلك الأمر لو كان المدرك لهما الأخبار ؛ لأنّه ليس مفاد الأخبار حكما تعبديا صرفا في ظرف الشكّ في وجود جزء أو شرط ، بل باعتبار أنّ المكلّف إذا أراد إتيان‌

٣٤٦

عبادة مركّبة من أجزاء وشرائط ، يكون ما يأتي به على طبق ما أراد ، وألقى الشارع احتمال الغفلة والسهو والنسيان لا احتمال الترك عمدا.

ويدلّ على ما ذكرنا تعليقه عليه‌السلام للمضي وعدم الاعتناء بالشكّ في بعض الأخبار بقوله عليه‌السلام : « هو حين ما يتوضّأ أذكر » (١) وظهور هذا التعليل في كون منشأ الترك هي الغفلة أو السهو والنسيان لا العمد ممّا لا ينكر ؛ لأنّ الترك العمدي لا ينافي مع كونه حين الوضوء أذكر.

نعم الترك عن غفلة أو عن سهو ونسيان بعيد ؛ مع كونه ذلك الوقت أذكر ؛ ولذلك قالوا : من شرائط جريان القاعدتين أن لا يكون احتمال الترك عن عمد ، فليس لروايات الباب إطلاق تشمل صورة كون احتمال الترك عن عمد.

الصورة الثالثة : أن لا يكون ملتفتا إلى الأجزاء والشرائط حال الاشتغال بالمركّب المأمور به ، بمعنى أنّه لا معرفة له بتمام أجزاء المركّب وجميع شرائطه وموانعه ، مثلا حال الاشتغال بالعمل لم يعلم أنّ هذا المشكوك الوجود ـ جزء كان أو شرطا ـ جزء أو شرط ، سواء أكان جهله من ناحية الشبهة الحكميّة أو الموضوعيّة.

فالأوّل مثل أنّه لم يعلم أنّ السورة جزء للصلاة. والثاني مثل أنّه يعلم أنّ الاستقبال شرط للصلاة ، ولكن لم يعلم أنّ هذه الجهة التي صلّى إليها قبلة أم لا؟ وبعد حصول الشكّ يعلم بصورة العمل الذي صدر منه ، ويحتمل أن تكون الجهة التي صلّى إليها قبلة من باب الاتّفاق.

والظاهر عدم جريان القاعدة في هذه الصورة أيضا ؛ لأنّ مطابقته للواقع لو كانت فهي من باب الاتّفاق ، فلا تشملها الأخبار ولا بناء العقلاء ؛ لما ذكرنا في الصورة السابقة من بناء العقلاء باعتبار أنّ المكلّف إذا أراد أن يأتي بالمأمور به يكون المأتي به‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ١٠١ ، ح ٢٦٥ ، باب صفة الوضوء والفرض منه والسنّة ، ح ١١٤ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١ ، ص ٣٣١ ، أبواب الوضوء ، باب ٤٢ ، ح ٧.

٣٤٧

طبق المأمور به ، واحتمال السهو والغفلة ملقى عند العقلاء ، وأخبار الباب أيضا ناظرة إلى هذا المعنى.

وهذا فيما إذا كان عالما بالأجزاء والشرائط حال العمل ، حتّى يكون عدم مطابقة المأتي به مع المأمور به مستندا إلى الغفلة أو السهو والنسيان ، ولم تكن له شبهة حكميّة ولا موضوعيّة. وأمّا فيما لم يكن كذلك ، وكانت له شبهة حكميّة أو موضوعيّة ـ واحتمال مطابقة المأتي به مع المأمور به كان بصرف الاتّفاق ـ فغير مربوط بمفاد كلتا القاعدتين.

الصورة الرابعة : أنّ يشكّ في الصحّة بعد العمل ، أو في أثنائه ولكن بعد التجاوز عن محلّ المشكوك شرعا ، وكان هذا الشكّ له قبل أن يدخل في العمل أيضا ولكن كان له الدخول في العمل شرعا مع وجود هذا الشكّ. وذلك كما إذا كان شاكّا في بقاء طهارته من الحدث ، فلا محالة يكون شاكّا في صحّة الصلاة التي يريد أن يدخل فيها بتلك الحالة ؛ لأنّ الطهارة الواقعيّة شرط للصلاة لا إحراز الطهارة ، فالشكّ فيها ملازم مع الشكّ في صحّة الصلاة ، ولكن مع ذلك يجوز له الدخول فيها بواسطة استصحاب الطهارة ، وبعد الصلاة في الفرض إذا زال الاستصحاب وانقلب إلى الشكّ الساري لزوال اليقين السابق في الظرف الذي كان موجودا ، فالآن ليس استصحاب في البين حتّى نقول بأنّ الشرط موجود تعبدا.

فهل يمكن في هذه الصورة تصحيح العمل بقاعدة الفراغ أم لا؟

والظاهر عدم جريان قاعدة الفراغ في هذه الصورة أيضا ؛ لأنّ الشكّ ليس متمحّضا في انطباق المأتي به على المأمور به ؛ لأنّ الاستصحاب الذي كان محرز للشرط لم يبق وزال ، بل تبيّن بعد العمل أنّ وجود الاستصحاب كان وجودا خياليّا لا واقعيّة له ، فكأنّه صلّى بدون إحراز شرطه.

ولا شكّ في أنّ الصلاة بدون إحراز شرطها ومع الشكّ فيه باطلة ، فلا يبقى مجال‌

٣٤٨

لجريان قاعدة الفراغ ، لما قلنا أنّ قاعدة الفراغ والتجاوز موردهما هو الشكّ في صحّة العمل من جهة وجود خلل في المأتي به غفلة أو سهوا أو نسيانا ، وما نحن فيه ليس الأمر كذلك ، لأنّ المصلّي في المفروض لم يغفل ولم يسه عن جزء أو شرط ، بل دخل في الصلاة باستصحاب زائل لا ثبات له ، بل ربما يكون دخوله بشهادة رجلين يتخيّل عدالتهما ثمَّ يتبيّن فسقهما حال الشهادة ، فيكون الدخول مستندا إلى تخيّل البيّنة ، لا البيّنة الواقعيّة.

وممّا ذكرنا يظهر الحال في الصورة الخامسة ، وهي عيّن الصورة السابقة باستثناء جواز الدخول فيه ـ أي في المركّب المأمور به ـ فالمفروض في هذه الصورة عدم جواز الدخول ، بخلاف الصورة السابقة. مثلا لو شكّ قبل الصلاة في أنّه محدث ولم يكن استصحاب الطهارة في البين ، فلا يجوز له أن يدخل في الصلاة ؛ للزوم إحراز الشرط ، أي الطهارة ، فلو غفل وصلّى فلا شكّ في أنّه بعد الصلاة يشكّ في صحّة عمله ، فتارة يحتمل أنّه بعد ما شكّ في الحدث توضّأ مثلا ، وأخرى لا يحتمل.

أما في الصورة الأولى فلا شكّ في شمول القاعدتين ؛ لأنّ حال الشكّ في الحدث ليس بأعظم من القطع بالحدث ، ومع القطع بالحدث لو غفل ودخل في الصلاة ولكن بعد الصلاة يحتمل أنّه توضّأ بعد ذلك القطع فتشمل القاعدتان مثل هذا المورد ، ففي مورد الشكّ يكون شمولهما له بطريق أولي.

وأمّا إذا لا يحتمل الوضوء بعد ذلك القطع ، فالظاهر عدم شمول القاعدة له ؛ لما ذكرنا من أنّ قاعدة التجاوز والفراغ مفادهما إلقاء احتمال ترك جزء أو شرط ، غفلة أو سهوا أو نسيانا.

وفيما نحن فيه المفروض أنّه دخل في الصلاة غفلة عن كونه شاكّا في كونه محدثا ، وإلاّ لو لم يكن غافلا لما كان يجوز له أن يدخل في الصلاة ، فمع فرض دخوله فيها غفلة عن كونه شاكّا في وجود الشرط كيف يمكن أن يقال بأنّ مقتضى قاعدة الفراغ أو‌

٣٤٩

التجاوز عدم غفلته عن إيجاد الشرط وأنّه لم يترك.

والحاصل : أنّ صور هذه المسألة كثيرة.

والضابط في جريان القاعدتين وعدم جريانهما هو أنّه لو كان حدوث الشكّ بعد العمل ، أو في الأثناء بعد التجاوز عن المحلّ المقرّر للمشكوك ، وكان الشكّ متمحّضا في انطباق المأتي به مع المأمور به ، ولم يكن هذا الشكّ مسبوقا بالشكّ في صحّة المركّب المأمور به قبل أن يشرع في العمل لاحتمال فقد شرط أو وجود مانع ، فحينئذ يكون مورد جريان القاعدة.

مثلا لو احتمل أن يكون جنبا ، ثمَّ غفل ودخل في الصلاة ، أو دخل باستصحاب عدم الحدث ثمَّ زال الاستصحاب ، فلا مجال لجريان قاعدة الفراغ بعد العمل ، أو التجاوز في أثنائه بعد التجاوز عن المحلّ المقرّر شرعا للمشكوك ؛ لأنّ الشكّ في صحّة العمل بعده مسبوق بالشكّ فيها قبله ، فيجب على الفقيه مراعاة هذا الضابط في مقام إجراء هاتين القاعدتين.

المبحث التاسع

في وجه عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء

بل في الغسل والتيمم أيضا‌

فنقول : أمّا بناء على مسلك شيخنا الأستاذ قدس‌سره عليه‌السلام من اختصاص قاعدة التجاوز بالصلاة فقط ، (١) فلا إشكال في البين حتّى يحتاج إلى بيان الوجه.

وأمّا بناء على ما ذكرنا من وحدة الكبرى المجعولة في القاعدتين ، وأنّ عموم‌

__________________

(١) « فوائد الأصول » ج ٤ ، ص ٦٢٦.

٣٥٠

« الشي‌ء » في قوله عليه‌السلام « إنّما الشكّ في شي‌ء لم تجزه » في موثّقة ابن أبي يعفور (١) وأمثاله في سائر الروايات يشمل الشكّ في الجزء والكلّ بلا عناية أمر آخر ، فلا بدّ حينئذ من التماس وجه ودليل لتخصيص قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الوضوء ، حيث أنّ بناءهم على عدم إجراء قاعدة التجاوز ، بل ربما يلحقون به التيمّم بل الغسل أيضا.

فنقول : أمّا بالنسبة إلى الوضوء فمضافا إلى الإجماع على عدم جريان القاعدة صحيحة زرارة « إذا كنت قاعدا في وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا ، فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله ممّا سمّى الله تعالى ما دمت في حال الوضوء ، فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وصرت في حالة أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى الله تعالى ممّا أوجب الله عليك لا شي‌ء عليك » (٢). فإنّها صريحة في عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء وجريان قاعدة الفراغ فيه. وقد ألحقوا به الغسل والتيمم.

وإلحاق التيمّم بالوضوء يمكن أن يوجّه بأنّ البدل بحسب المتفاهم العرفي في حكم المبدل عنه ، وإن كان لا يخلو عن إشكال.

وأمّا إلحاق الغسل فلا وجه له أصلا. اللهمّ إلاّ أن يدّعي الإجماع على الإلحاق ، أو على عدم جريان قاعدة التجاوز ابتداء فيه من دون كونه بعنوان الإلحاق ، وعلى كلّ حال ثبوت هذا الحكم ـ أي عدم جريان قاعدة التجاوز فيه ـ في غاية الإشكال ، بل وفي التيمم أيضا مشكل.

وأمّا ما أورده شيخنا الأعظم الأنصاري قدس‌سره في هذا المقام وجها لعدم جريان القاعدة في الوضوء بأنّه عمل واحد أثره ، وبهذا الاعتبار ليس له أجزاء بحيث يكون‌

__________________

(١) تقدّم ذكره في ص ٣٢٧ ، رقم (٢).

(٢) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٣ ، باب الجبائر والقروح والجراحات ، ح ٢ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ١٠٠ ، ح ٢٦١ ، باب صفة الوضوء والفرض منه والسنّة ، ح ١١٠ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١ ، ص ٣٣٠ ، أبواب الوضوء ، باب ٢ ، ح ١.

٣٥١

كلّ واحد من تلك الأجزاء مصداقا لمفهوم « الشي‌ء » حتّى يشمله عموم « إنّما الشكّ في شي‌ء لم تجزه » (١) ، قد تقدّم جوابه ، من إمكان أن يكون الجامع بين الكلّ والجزء هو المراد من لفظ « الشي‌ء » في أخبار الباب ، ووحدة الأثر وبساطته لا يوجب بساطة السبب المؤثر.

كيف وكثير من العبادات المركّبة ذات الأجزاء ، آثارها لها وحدة وبساطة ومع ذلك لها أجزاء ، وكلّ جزء من أجزائها يطلق عليه « الشي‌ء » ، والوضوء أيضا كذلك له أجزاء متميّزة بعضها عن بعض ، فغسل الوجه غير غسل اليدين ، وهما غير مسح الرأس والرجلين وإن كان أثر جميع تلك الأجزاء المسمّاة بالوضوء أمر واحد بسيط ، وهي النورانيّة النفسانيّة ، وقد أشار إلى ذلك بقوله عليه‌السلام « الوضوء نور ، والوضوء على الوضوء نور على نور » (٢).

هذا ، مضافا إلى ما في رواية ابن أبي يعفور قوله عليه‌السلام : « إذا شككت في شي‌ء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء » (٣).

ولا شكّ في أنّ المراد من قوله عليه‌السلام : « في شي‌ء من الوضوء » أي في جزء من أجزاء الوضوء ، ففرض عليه‌السلام أجزاء للوضوء. وإذ كان المرجع في ضمير « غيره » في كلمة « وقد دخلت في غيره » هو « الشي‌ء » في كلمة « شي‌ء من الوضوء » فهذا يدلّ على أنّ الشارع فرض الوضوء ذا أجزاء وجعل الشكّ في كلّ جزء من تلك الأجزاء ـ بعد الدخول في غير ذلك الجزء ـ ملغى لا يعتنى به ، فيكون مفادها اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء أيضا ، فيكون معارضا لصحيحة زرارة المتقدّمة النافية لاعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء بخلاف قاعدة الفراغ ، حيث أنّها تدلّ على الوضوء‌

__________________

(١) « فرائد الأصول » ج ٢ ، ص ٧١٣.

(٢) « الفقيه » ج ١ ، ص ٤١ ، باب صفة وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ح ٨٢ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١ ، ص ٢٦٥ ، أبواب الوضوء ، باب ٨ ، ح ٨.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٣٢٧ ، رقم (٢).

٣٥٢

حجّيتها فيه ، أي في الوضوء.

وأمّا إن قلنا بأنّ مرجع الضمير هو كلمة « الوضوء » لا كلمة « شي‌ء » فحينئذ وإن كانت لا تدلّ على حجيّة قاعدة التجاوز ويرتفع التعارض ، لكن تدلّ على كلّ حال على أنّ الوضوء ليس أمرا بسيطا ، بل الشكّ في كلّ جزء من أجزائه لا يعتنى به ، إمّا بعد الدخول في غير ذلك الجزء ، أو في غير الوضوء.

فكلام شيخنا الأعظم الأنصاري قدس‌سره من أنّ الوضوء باعتبار وحدة أثره وبساطة ذلك الأثر أمر واحد بسيط لا جزء له (١) لا يخلو عن غرابة.

المبحث العاشر‌

في أنّ المضي وعدم الاعتناء بالشكّ في القاعدتين هل على نحو العزيمة ـ بمعنى أنّه لا يجوز الاعتناء بالشكّ وإتيان المشكوك ثانيا ـ أو لا ، بل على نحو الرخصة؟ بمعنى أنّه يجوز أن تمضي ولا تعتني بالشك ، ويجوز أيضا أن تأتي بالمشكوك بعنوان الاحتياط ورجاء ادراك الواقع.

قال أستاذنا المحقّق قدس‌سره في هذا المقام : الظاهر أنّ حكم الشارع في مورد قاعدة التجاوز بالمضي على نحو العزيمة ؛ لأنّه بعد حكم الشارع بوجوب المضي وعدم الاعتناء بالشكّ وإلغائه لا يجوز إتيان الجزء أو الشرط المشكوك فيه ولو رجاء ، لأنّه لا موضوع له مع هذا الحكم بوجوده ، فيكون الإتيان به حينئذ من الزيادة العمديّة.

أقول : قد عرفت فيما تقدّم أنّ الاحتياط وإتيان المحتمل الآخر غير ما قام عليه الحجّة لا ينافي مع الحجّة حتّى الأمارات فضلا عن الأصول ؛ لأنّ معنى حجيّة الأمارة أو الأصل لزوم الإتيان بمؤدّاهما ، لا عدم الإتيان بالمحتمل الأخر.

__________________

(١) « فرائد الأصول » ج ٢ ، ص ٧١٣.

٣٥٣

وأمّا قوله « مع الحكم بوجوب المشكوك والأمر بالبناء عليه لا موضوع للاحتياط » ففيه : أنّ موضوع وجوب الاحتياط أو جوازه هو احتمال التكليف وفيما نحن فيه احتمال عدم وجود المشكوك ، وهذا أمر وجداني لا يرتفع باعتبار قاعدة التجاوز وحكمه بالمضي وعدم الاعتناء بالشك.

وأمّا قوله « يلزم من الاحتياط الزيادة العمديّة » ففيه أولا : إن كان المراد من الزيادة العمديّة احتمال الزيادة ، فهذا الاحتمال موجود في الشكّ في المحل ؛ لأنّ التجاوز عن المحلّ قلنا إنّه لا يرفع الاحتمال.

ان قلت : إنّ الشكّ في المحلّ والشكّ بعد التجاوز عن المحلّ فرق بينهما ، بأنّ الأوّل محكوم شرعا بالاعتناء وبإتيان المشكوك ، والثاني بإلغاء احتمال عدم الإتيان بالمشكوك ؛ فقياس أحدهما بالآخر لا وجه له.

قلنا : لا فرق بينهما في ما هو محلّ الكلام وهو أنّه في كليهما احتمال الزيادة موجود ، فلو كان احتمال الزيادة مضرّا لا بدّ وأن يكون مضرّا في كلا الموردين. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ أدلّة لزوم الإتيان بالمشكوك في الشكّ في المحلّ ، لها حكومة على أدلّة مبطليّة الزيادة العمديّة في الصلاة ، بمعنى أنّ الشارع حكم بأنّ الزيادة الاحتمالية في مورد الشكّ في المحلّ ليست بزيادة ، كما أنّه قال : إنّ شكّ كثير الشكّ ليس بشكّ. وأنّى لهم بإثبات ذلك.

وثانيا : بناء على المختار ليست قاعدة التجاوز مخصوصة بالصلاة ، والزيادة العمديّة مبطلة في خصوص الصلاة ، فهذا الدليل أخص من المدعى.

وثالثا : يمكن الاحتياط بإعادة الصلاة ، لا بإعادة الجزء فقط كي يلزم الزيادة العمديّة.

فالحقّ في المقام أنّ حال قاعدة التجاوز حال سائر الحجج الشرعيّة من الأمارات والأصول ، وليس في موردها في الاحتياط برجاء إدراك الواقع محذور. هذا‌

٣٥٤

تمام الكلام في قاعدتي الفراغ والتجاوز.

والحمد لله أوّلاً وآخراً.

٣٥٥
٣٥٦

١٣ ـ قاعدة

الإعانة على الإثم والعدوان‌

٣٥٧
٣٥٨

قاعدة الإعانة على الإثم والعدوان (*)

ومن جملة القواعد الفقهيّة المشهورة التي يتمسّك بها الفقهاء في مقام الإقتاء في جملة من الفروع الفقهيّة ، ويطبقونها على المسائل الفرعيّة « قاعدة الإعانة على الإثم ».

وتوضيح الحال يقتضي التكلّم فيها عن جهات ثلاث :

[ الجهة ] الأولى

في بيان مدركها ومستندها‌

وهو أمور :

الأوّل : قوله تعالى في سورة المائدة في ضمن الآية الثالثة ( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) (١) ودلالة الجملة الثانية المشتملة على النهي عن التعاون على الإثم والعدوان على حرمة الإعانة على الإثم واضحة ، كما أنّ الجملة الأولى أيضا ظاهرة في وجوب التعاون على البرّ والتقوى.

ولكن حيث نعلم من الخارج عدم وجوب مطلق التعاون على البرّ والتقوى ، فلا بدّ من رفع اليد عن ذلك الظهور والحمل على الاستحباب كما هو الظاهر ، أو الحمل على بعض الموارد التي يكون التعاون واجبا ، كإنقاذ غريق ، أو حريق وأمثال ذلك ممّا‌

__________________

(*) « عوائد الأيّام » ص ٢٦ ؛ « أصول الاستنباط بين الكتاب والسنة » ص ١٣٣ ؛ « القواعد الفقهيّة » ( فاضل اللنكراني ) ج ١ ، ص ٤٢٣.

(١) المائدة (٥) : ٢.

٣٥٩

يكون التعاون لأجل حفظ نفس محترمة مثلا. لكن لا مانع من الأخذ بظهور المجلة الثانية ، بل هو المشهور المعروف ، فلا بدّ من الأخذ به والعمل على طبقه بمقتضى أصالة الظهور.

وأمّا حديث وحدة السياق ولزوم حمل النهي على الكراهة لا الحرمة من تلك الجهة.

ففيه أوّلا : أن وحدة السياق فيما إذا كانت كلّ واحدة من الجملتين مشتملة على الأمر أو النهي ، مثل أن يقول : « اغتسل للجمعة والجنابة » أو يقول مثلا : « لا تشرب الماء قائما ولا تبل في الماء ». وأمّا في مثل المقام ممّا يكون إحدى الجملتين مشتملة على الأمر والأخرى على النهي ـ أي تكون إحديهما مفادها البعث على إيجاد شي‌ء ، والأخرى الزجر عن إيجاد شي‌ء آخر ـ فلا يكون موردا للأخذ بوحدة السياق.

وثانيا : أنّ الجملتين ها هنا كلّ واحدة منها مستقلّة وفي مقام بيان أمر غير ما هو مفاد الأخرى ، وبعبارة أخرى : في كلّ واحدة منهما بصدد بيان مطلب لا ربط له بالمطلب الآخر الذي هو مفاد الجملة الأخرى ، وصرف تتابع الجملتين في الذكر لا يدلّ على أنّ سياقهما واحد.

نعم في مثل حديث الرفع (١) حيث أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصدد بيان رفع الأشياء التي في رفعها امتنان عن هذه الأمّة كرامة له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالمرفوع وإن كان متعدّدا ولكن المسند في جميعها هو الرفع الامتناني ، وهو معنى واحد. ولذلك قالوا بلزوم أن يكون المرفوع في الجميع إمّا هو الحكم وإمّا يكون هو الموضوع ، لا أن يكون في بعضها الحكم وفي بعض الآخر هو الموضوع ؛ لوحدة السياق.

وربما يستشكل في دلالة الآية على حرمة الإعانة على الإثم بأنّ النهي في الآية‌

__________________

(١) « التوحيد » ص ٣٥٣ ، ح ٢٤ ؛ « الخصال » ص ٤١٧ ، ح ٩ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١١ ، ص ٢٩٥ ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، باب ٥٦ ، ح ١.

٣٦٠