القواعد الفقهيّة - ج ١

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-400-030-7
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٣٨٤

محذور.

أمّا إن كان غير ركن ، كما لو نسي فاتحة الكتاب وتذكر قبل أن يدخل في الركوع بعد قراءة السورة أو بعد القنوت في الركعة الثانية مثلا فيرجع ويتدارك ، ثمَّ يأتي بما بعدها ؛ كلّ ذلك امتثالا لأوامرها المتعلّقة بالأجزاء والشرائط.

ولا يتوهّم أنّه يلزم زيادة بعض الأجزاء غير الركني إذا أتى بما بعد المنسي ممّا أتى بها قبلا في حال نسيان فاتحة الكتاب في المفروض ، ويلزم النقيصة إن لم يأت بها ثانيا ؛ لوقوع ما أتى بها قبلا في غير محلّها.

لأنّه يجب عليه أن يأتي بها ثانيا ولا يلزم محذور أصلا ؛ لأنّ الإتيان بها ثانيا بواسطة بقاء أمرها وعدم سقوطه بالإتيان السابق لعدم إتيانها في محالّها ، فلم يحصل الامتثال ، ولم يسقط الأمر ، فيجب أن يأتي بها ثانيا. وأمّا ما أتى بها أوّلا فلا يضرّ زيادتها ؛ لأنّها زيادة سهويّة ومشمول للعقد المستثنى منه ، فالتدارك لا يوجب الإعادة فلم يفت منه شي‌ء.

وأما بعد الدخول في الركن فيلزم أحد المحذورين : أمّا نقيصة الركن إن لم يأت به بعد تدارك المنسي ، ومعلوم أنّه يوجب البطلان ، أو زيادته إن أتى به ثانيا. ولا يمكن أن يقال في هذا الفرض ما قلنا في الفرض الأوّل أنّ ما أتى به زيادة سهويّة فيشمله الحديث ولا يجب الإعادة ؛ لأنّ المفروض أنّ ما أتى به أوّلا ركن فداخل في عقد المستثنى لا المستثنى منه ، فعلى كلا التقديرين تبطل الصلاة.

وهكذا الكلام فيما إذا كان الجزء المنسي ركنا ، فلو تذكر قبل الدخول في الركن الذي بعده يأتي بالركن المنسي ، فلو نسي السجدتين من الركعة الثانية وتذكر قبل أن يدخل في ركوع الركعة الثالثة يأتي بهما وبما بعدهما ، ولا يلزم محذور كما عرفت في الجزء غير الركني حرفا بحرف.

وأمّا إن تذكر بعد الدخول في الركن الذي بعده ، كما أنّه في المثال المذكور لو تذكر‌

١٠١

نسيان السجدتين من الركعة الثانية بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة ، فتدارك السجدتين موجب للبطلان على كلّ حال ؛ لأنّه إن لم يأت بركوع الركعة الثالثة بعد إتيانه بالسجدتين فيكون من نقيصة الركن ؛ لأنّ ما أتى به كان في غير محله فهو في حكم العدم. وإن أتى به يكون من زيادة الركن ، وزيادة الركن ولو كان سهوا موجب للبطلان كما عرفت.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ نسيان الجزء ، ركنا كان أو غيره يكون مشمولا لحديث « لا تعاد » بالدخول في ركن آخر ، غاية الأمر إن كان الجزء المنسي ركنا يكون داخلا في المستثنى ، وإن كان غير ركن يكون داخلا في المستثنى منه.

وأمّا نسيان الجزء مطلقا ـ ركنا أو غير ركن مع عدم الدخول في الركن الذي بعده ـ فليس مشمولا لحديث « لا تعاد » بل يجب تداركه ، وليس بداخل في المستثنى منه إن كان غير ركن حتّى لا يوجب الإعادة ولا يجب تداركه ، ولا في عقد المستثنى إن كان ركنا حتّى توجب الإعادة. نعم بعد تجاوز المحلّ أي الدخول في الركن الذي بعده لا يمكن التدارك ، فإن كان ركنا يكون داخلا في المستثنى وتجب الإعادة ، وإن كان غير ركن لا تجب الإعادة بل لا يجب شي‌ء أصلا ، ووجوب القضاء أو سجدة السهو لنسيان بعض الأجزاء شي‌ء آخر بدليل آخر.

والحاصل : أنّ الركوع والسجود وإن كانا من الخمسة المستثناة ولكن لا يشملها عقد المستثنى إذا نسي المصلّي عنهما ، إلاّ إذا كان تذكره لنسيانهما بعد الصلاة أو بعد الدخول في الركن المتأخر عنهما.

ثمَّ لا يخفى أنّه لو كان المنسي هو الركوع فالدخول في الركن المتأخّر عنه الذي هو عبارة عن السجدتين ليس بالدخول في السجدة الأولى ؛ لأنّ المحذور الذي ذكرناه لا يلزم في هذا الفرض ، والمحذور كان عبارة عن أحد أمرين : إمّا نقيصة الركن عمدا ، أو زيادته سهوا. وكلاهما موجب للبطلان ؛ لأنّ السجدة الواحدة لا زيادتها زيادة‌

١٠٢

الركن ، ولا نقيصتها نقيصة الركن ، فلا يحصل الدخول في الركن إلاّ بالدخول في السجدة الثانية ، فحينئذ يكون التدارك مستلزما لأحد المحذورين.

ومنها : أنّ كون الركوع والسجود من الخمسة المستثناة باعتبار نفس الركوع والسجود وحقيقتهما وماهيّتهما ، وأمّا شرائطهما ـ والواجبات التي فيهما الخارجة عن حقيقتهما وماهيّتها ـ فهي داخلة في المستثنى منه كسائر الأجزاء والشرائط للصلاة ؛ وذلك من جهة أنّ الحكم في جانب عقد المستثنى على نفس هذه العناوين الخمسة ، فلا يشمل ما هو خارج عن حقيقتهما إلاّ بدليل خاصّ آخر.

وأمّا عقد المستثنى منه فهو عامّ يشمل كلّ ما هو من أجزاء الصلاة أو شرائطها إذا لم يكن من هذه الخمسة ، فواجبات الركوع أو السجود والشرائط التي لهما ما لم يكن لها دخل في تحقّق حقيقتهما تكون خارجة عن عقد المستثنى وداخلة في عقد المستثنى منه.

مثلا لو قلنا بأنّ وضع الكفّين على الركبتين واجب في الركوع وليس من محقّقاته ومتمّماته ، فإذا نسي المصلي ولم يضع كفه على ركبتيه فلا تجب عليه الإعادة بحكم « لا تعاد » وكذلك الأمر في سائر الواجبات ، كالذكر الواجب ، والطمأنينة ، بل ورفع الرأس ، والانتصاب بعده.

وكذلك الأمر في السجود ، فما هو محقّق لحقيقة السجدة كوضع الجبهة مثلا حاله في الركنيّة حال أصل السجود ؛ لأنّ السجود كما بيّنّا عبارة عن الهيئة الحاصلة لجسم الإنسان بواسطة نسبة أجزائه بعضها إلى بعض ونسبة المجموع إلى الخارج ، فإذا لم يكن بذلك الوضع الخاصّ لا يتحقّق السجود.

وأمّا سائر واجباته التي ليست داخلة في حقيقة السجدة كوضع اليدين والركبتين وأنامل إبهامي الرجلين فهي أمور واجبة في حال السجود ، وهي خارجة عن حقيقته وليست بركن.

١٠٣

وصرّح بذلك السيد الطباطبائي بحر العلوم قدس‌سره في منظومته :

وواجب السجود وضع الجبهة

وأنّه الركن بغير شبهة

ووضعه للستّة الأطراف

فإنّه فرض بلا خلاف (١)

ولا يخفى أنّ في قوله : « وواجب السجود وضع الجبهة » نحو تسامح ، حيث يظهر منه عدم وجوب باقي السبعة. وعلى كلّ حال فمثل الذكر الواجب فيه والطمأنينة والجلوس بعده مطمئنا كلّها لو نسيها المصلّي تكون داخلة في عقد المستثنى منه لا المستثنى ، فلا تجب الإعادة بتركها سهوا ونسيانا ، وقد عرفت وجهه.

[ الجهة ] الثانية : في أنّ الظاهر من عقد المستثنى انحصار الأركان في هذه الخمسة ، وأنّها فقط هي التي توجب تركها أو زيادتها ـ وإن كان سهوا ـ الإعادة.

ولكن هناك أركان أخر وهي من المسلّمات عند الفقهاء ، وهي النيّة ، وتكبيرة الإحرام ، والقيام حالها ، والقيام المتّصل بالركوع ؛ فهذه الأربعة أيضا عندهم أركان يوجب الإخلال بها الإعادة ولو كان سهوا ، فيكون الدليل الدالّ على ركنيّة هذه الأربعة مخصّصا آخر ـ مثل استثناء الخمسة ـ لعموم عقد المستثنى منه ؛ لأنّ مفاد العموم ـ كما ـ تقدّم ـ عدم وجوب الإعادة بوقوع الإخلال سهوا من ناحية جميع أجزاء الصلاة وشرائطها ، وكما خصّص هذا العموم بواسطة استثناء الخمسة بما عداها ، كذلك خصّص بواسطة تلك الأدلّة الدالّة على ركنيّة هذه الأربعة بما عداها ، فالخارج عن تحت عموم المستثنى منه تسعة لا خمسة : الخمسة المستثناة وهذه الأربعة ، فخروج هذه الأربعة بدليل خاصّ ومخصّص آخر ، كما هو الشأن في أغلب العمومات حيث ترد عليها مخصّصات متعدّدة.

مع أنّه يمكن أن يقال بالنسبة إلى القيام المتّصل بالركوع لا يحتاج إثبات وجوب الإعادة بتركه مطلقا ـ ولو كان سهوا ـ إلى دليل منفصل ؛ لأنّ تركه ولو كان سهوا‌

__________________

(١) « الدرّة النجفيّة » ص ١٢٦.

١٠٤

موجب لترك الركوع ؛ لما قيل من أنّ حقيقة الركوع عبارة عن الانحناء عن القيام ، وبعبارة أخرى : الهوى من القيام إلى حدّ الركوع داخل في حقيقة الركوع ، فعدم القيام ملازم مع عدم الركوع.

ولكن قد عرفت أنّ الركوع والسجود هما هيئتان حاصلتان للجسم بواسطة الوضع الخاصّ ، كالقيام والقعود ، فالهوى من القيام واجب آخر ويكون من مقدّمات الركوع وليس داخلا في حقيقته ، فلو دلّ دليل على أنّ القيام المتّصل بالركوع ركن فهو ، وإلاّ فالاستثناء في الحديث لا يشمله.

فالحقّ في المقام أن يقال : بأنّ أركان الصلاة ـ أي الأجزاء والشرائط التي تكون تركها سهوا أيضا توجب بطلان الصلاة ـ تسعه ، خمسة منها هي الخمسة المستثناة في هذا الحديث ، وأربعة منها وهي النية وتكبيرة الإحرام والقيام حال التكبيرة والقيام المتصل بالركوع ، تستفاد ركنيّتها من أدلّة أخرى.

[ الجهة ] الثالثة : فيما إذا كان المنسي هو الركوع ، فدخل في السجدة الثانية فلا شكّ في أنّه إذا تذكر بعد الدخول في السجدة الثانية فتجاوز عن محلّ التدارك ولا يمكن تداركه ؛ لما ذكرنا من لزوم أحد المحذورين : إمّا زيادة الركن إن أتى بالسجدتين بعد تدارك الركوع ، وإمّا نقيصته إن لم يأت بهما ؛ لأنّ إتيانهما قبل تدارك الركوع حيث كان في غير محلّه كان لغوا وبلا فائدة.

وأمّا لو تذكر قبل أن يدخل في السجدة الثانية فمحلّ التدارك باق وإن تمّت السجدة الأولى ؛ وذلك لعدم محذور في أن يتدارك الركوع ثمَّ يأتي بالسجدتين ، ولا يلزم منه إلاّ زيادة سجدة واحدة ولا يضرّ ذلك ؛ لعدم كون السجدة الواحدة ركنا ، وإن كان ظاهر الاستثناء ركنيّتها ؛ وذلك من جهة حكومة لا تعاد الصغير ، أعني قوله عليه‌السلام في خبر منصور بن حازم ، عن الصادق عليه‌السلام في رجل استيقن أنّه زاد سجدة ،

١٠٥

قال عليه‌السلام : « لا يعيد الصلاة من سجدة ، ويعيدها من ركعة » (١) فيقيّد لا يعيد عن السجدة الواحدة ـ الذي في هذا الخبر وجوب الإعادة عن السجود الذي هو مستفاد من الاستثناء في الحديث ـ بغير السجدة الواحدة ، أي يكون المراد ممّا في الاستثناء وجوب الإعادة عن السجدتين لا السجدة الواحدة.

وسمّي هذا الخبر بـ « لا تعاد الصغير » لأنّ الحكم بعدم وجوب الإعادة فيه مخصوص بالخلل في السجدة الواحدة ولا يشمل غيرها ، بخلاف « لا تعاد الكبير » فإنّ الحكم بعدم وجوب الإعادة عامّ يشمل جميع أجزاء الصلاة وشرائطها بل وموانعها ، ما عدا الخمسة المستثناة.

وربّما يقال : بأنّ مورد هذا الخبر ومفاده عدم وجوب الإعادة عن نسيان سجدة واحدة فيما إذا كان نفس السجدة الواحدة متعلّقة للسهو والنسيان ابتداء ، لا أنّ السهو تعلّق بشي‌ء آخر ابتداء وأوّلا بالذات كما في المقام ، فإنّ المفروض أنّ المصلّي سها عن الركوع ابتداء ، وأتى بالسجدة الواحدة عمدا واختيارا ، فإذا قلنا أتى بها سهوا ونسيانا في غير محلّه يكون معناه أنّ إتيانه بها في غير محلّها الذي هو عبارة عن لزوم كونها بعد الركوع بواسطة نسيان الركوع ، فإسناد السهو والنسيان إلى السجدة في المفروض من قبيل الوصف بحال متعلّق الموصوف ويكون إسنادا مجازيّا فلا يشمله الخبر الذي نسمّيه بـ « لا تعاد الصغير » حتّى يكون حاكما أو مخصّصا للعموم الذي يستفاد من المستثنى في « لا تعاد الكبير » فبناء على هذا تجب الإعادة في المفروض كما ذهب إليها المشهور.

وفيه : أنّ سهو الركوع في المفروض من قبيل الواسطة في الثبوت لا الواسطة في العروض ، بمعنى أنّ سهو الركوع صار سببا لنسيان محلّ السجدة ؛ لأنّ محلّها بعد الركوع ، وحيث أنّه غافل عن إتيان الركوع ، أو تخيّل إتيانه فيتخيّل أنّه محلّ إتيان‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ١ ، ص ٣٤٦ ، باب أحكام السهو والشكّ ، ح ١٠٠٩ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٥٦ ، ح ٦١٠ ، باب تفصيل ما تقدّم ذكره. ، ح ٦٨ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٤ ، ص ٩٨٣ ، أبواب الركوع ، باب ١٤ ، ح ٢.

١٠٦

السجدة ، وهذا هو السهو والنسيان عن محلّ السجدة حقيقة وواقعا. نعم ذات السجدة في هذا الفرض ليست منسيّة.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ رواية منصور بن حازم ظاهرها أن تكون ذات السجدة منسيّة لا محلّها ، فيكون فتوى المشهور بلزوم الإعادة في محلّها فتأمّل.

[ الجهة ] الرابعة : وقع الخلاف في أنّه لو سجد على أرض نجسة نسيانا وسهوا ، هل تجب عليه إعادة الصلاة لعدم إتيانه بالسجدة الصحيحة لأنّها مشروطة بطهارة محلّها ، أو لا تجب لأنّ طهارة المحلّ من شرائط صحة السجدة وليست من مقوّماتها ، فليست داخلة في المستثنى ، فيشملها عموم المستثنى منه؟

والأظهر عدم وجوب الإعادة بناء على كون المراد من الطهور في عقد المستثنى هي الطهارة الحدثيّة ، لا الأعمّ منها ومن الطهارة الخبثيّة ؛ إذ حينئذ تكون طهارة محلّ السجدة من شرائط الركن الذي هو عبارة في المقام عن السجدتين ، وحال شرائط الركن حال شرائط نفس الصلاة التي تقدّم أنّها داخلة في عموم المستثنى منه في الحديث ما لم تكن من الخمسة ، فلا تجب إعادة الصلاة.

وإن شئت قلت : إنّ شرائط الأركان على قسمين : ركنيّ ، بمعنى أنّ بتركها ينعدم الركن ، إذ هي من مقوّمات الركن ، أو جاء الدليل على بطلان ذلك الركن بترك ذلك الشرط. وقسم آخر : غير ركنيّ ، فلا ينعدم الركن بانعدامه.

والقسم الأوّل حيث أنّ الخلل فيه موجب لوقوع الخلل في نفس الركن ، فلا يكون مشمولا لعموم المستثنى منه في الحديث.

وأمّا القسم الثاني فلا مانع من شمول العقد المستثنى منه له ؛ إذا ليس داخلا في المستثنى ولا من مقوّمات ما هو داخل في المستثنى ، فلا مانع من شمول المستثنى منه له.

وما نحن فيه ـ أي طهارة محلّ السجدة ـ من القسم الثاني ، وهذا أمر واضح.

[ الجهة ] الخامسة : في ذكر بعض الفروعات ، والموارد التي ينطبق الحديث عليها‌

١٠٧

بحسب عقد المستثنى منه أو المستثنى ، واستخراج حكمها منه.

فنقول : بعد ما عرفت أنّ مفاد الحديث هو عدم وجوب الإعادة بوقوع خلل فيها من ناحية جميع الأجزاء والشرائط والموانع سهوا ، ما لم يكن من الخمسة المذكورة في المستثنى ، ووجوب الإعادة بوقوع الخلل من ناحية تلك الخمسة وإن كان الخلل بالزيادة أو النقيصة سهوا ، أنّ :

ها هنا فروع كثيرة نذكر جملة منها‌

الأوّل : أنّ الخلل العمدي وان كان بسبب عدم إخراج حرف من مخرجها ، بحيث يكون الخارج حرفا آخر في نظر عرف العرب ، مثل أن ينطق بالضاد زاء أو ذالا أو ظاء ، أو كان بتبديل حركة من الأعاريب إلى غيرها ولم يكن على طبقها قراءة من القراءات السبعة.

كلّ ذلك في قراءة فاتحة الكتاب ، بل وفي قراءة السورة الواجبة ، بل في الأذكار الواجبة يكون مبطلا.

وذلك من جهة أنّ امتثال المركّب بإتيانه بجميع أجزائه وشرائطه تامّة كاملة كما أخذت فيه ، فإن وقع إخلال عمدي في بعض تلك الأجزاء أو الشرائط ـ سواء كانت شرائط نفس الصلاة ، أو شرائط أجزائها ، أو شرائط شرائطها ـ فلا يقع الامتثال ، وتجب الإعادة بمقتضى أدلّة اعتبار تلك الأجزاء والشرائط.

وحديث « لا تعاد » تقدّم أنّه لا يشمل الإخلال العمدي ، بل قلنا أنّه لا يعقل أن يشمل بعد الفراغ عن كونها أجزاء وشرائط. ولا فرق في البطلان بين أن يكون إخلال العمدي بالنسبة إلى الأركان ، أو كان بالنسبة إلى غيرها.

الثاني : إذا ترك جزء من الصلاة ، أو أتى به بوجه غير صحيح لوجود خلل فيه ، وإن كان الخلل بسبب عدم خروج حروف ذلك الجزء من مخارجها إذا كان ذلك‌

١٠٨

الجزء قراءة أو ذكرا واجبا ، أو كان الخلل بسبب لحن في الأعاريب ـ أي الحركات والسكنات ـ فيما إذا كانت خارجة عن موازين اللغة العربيّة ، أو ترك شرطا من شرائط الصلاة ، أو شرائط أجزائها ، أو شرائط شروطها على أنواعها وأقسامها ، سواء كانت الأجزاء والشرائط ركنا كالأركان التسعة ـ أي الخمسة المستثناة في الحديث مع النية ، وتكبيرة الإحرام ، والقيام حالهما ، والقيام المتّصل بالركوع ـ أو أتى بمانع من الموانع ، كأن صلّى في الذهب أو الحرير أو غير المأكول جهلا بالحكم قصورا أو تقصيرا ، على كلام تقدّم في الجاهل القاصر ، ففي جميع ذلك تبطل الصلاة وتجب الإعادة.

وأيضا لا فرق في البطلان بالإخلال جهلا بالحكم قصورا أو تقصيرا بين أن يكون الإخلال بالزيادة أو كان بالنقيصة ؛ ووجه ذلك أنّ حديث « لا تعاد » لا تشمل موارد الجهل بالحكم بكلا قسميه ، على كلام في الجهل قصورا وقد تقدّم جميع ذلك.

ومقتضى أدلّة الأجزاء والشرائط والموانع وجوب الإعادة بفقد أيّ جزء أو شرط ، وبوجود أيّ مانع. وحيث أنّ الجهل ليس مانعا عن توجّه الخطاب ، بل هو مانع عن تنجّزه إذا كان بعد الفحص أو كان عن قصور ، وإلاّ فليس بمانع حتّى عن التنجز واستحقاق العقاب على مخالفة الواقع وإن كان جاهلا ، فتجب الإعادة.

نعم إذا جاء دليل خاصّ أو عامّ على الأجزاء ، وعدم وجوب الإعادة فيما إذا وقع الإخلال جهلا بالحكم قصورا أو تقصيرا بنحو يكون حاكما أو مخصصا يؤخذ به ، والمفروض أنّ حديث « لا تعاد » لا يشمل صورة الجهل لما ذكرنا مفصلا وليس هناك دليل آخر إلاّ في بعض الموارد ، كباب الجهر والإخفات والإتمام في موضع القصر ، وكذلك في بعض الأجزاء والشرائط في الحجّ ممّا هو مذكور في الكتب الفقهيّة.

الثالث : لو أخلّ بالصلاة سهوا ونسيانا فالإخلال إمّا بالزيادة أو بالنقيصة ، وكلّ واحدة منهما إمّا في الأجزاء والشرائط الركنيّة وإمّا في غيرها مما ليس بركن.

١٠٩

فإن كان بالنقيصة وكان من الأجزاء أو الشرائط الركنيّة فإمّا أن يلتفت إلى سهوه بعد الفراغ من الصلاة وإتيان المنافي فتجب عليه الإعادة قطعا بمقتضى الأدلّة الأوّليّة التي يبيّن الأجزاء والشرائط ، وبالنسبة إلى الخمسة المذكورة في المستثنى نفس عقد المستثنى يدلّ على وجوب الإعادة ، مضافا إلى أدلّة الأجزاء والشرائط.

هذا إذا كان التفاته إلى جزئيّة المسهو أو شرطيّته بعد الفراغ عن الصلاة.

وأمّا إن كان التفاته في أثناء الصلاة فإن لم يتجاوز محلّ المنسي يأتي به بعد الالتفات وبالإجزاء التي بعده وكان قد أتى بها نسيانا ، فلا شي‌ء عليه ، لما ذكرنا مفصّلا. وأمّا إن كان تجاوز المحلّ بدخوله في الركن الذي بعد المنسي ، فيكون حاله حال الالتفات إليه بعد الصلاة فتجب عليه الإعادة لأنّه لا يمكن التدارك ؛ لما ذكرنا من لزوم أحد المحذورين : إمّا نقص الركن ، وإمّا زيادته ، وكلاهما مبطلان.

فبناء على هذا لو نسي النيّة بناء على إمكان نسيانها حتّى كبّر تكبيرة الإحرام. فالتفت إلى نسيانها بعد تكبيرة الإحرام يجب عليه الإعادة ؛ لأنّ التدارك لا يمكن للزوم أحد المحذورين.

وكذلك لو نسي التكبيرة حتّى دخل في الركوع يجب عليه الإعادة أيضا لعين ما ذكرنا.

وكذلك يجب عليه الإعادة لو نسي القيام حال التكبيرة بناء على كونه ركنا ؛ لعين ما ذكرنا لأنّ تداركه مستلزم لزيادة التكبيرة.

ولا يخفي أنّ نسيان تكبيرة الإحرام والنيّة يرجع إلى عدم دخوله في الصلاة ، فعلى فرض إمكان نسيان النيّة ـ بناء على أنّها عبارة عن الخطور بالبال ـ لو نسي النية فلم تنعقد الصلاة ؛ لأنّه لا فرق بين الصلاة وبين سائر الحركات اللغويّة والألعاب إلاّ بها.

وأمّا بالنسبة إلى التكبيرة فلقول الصادق عليه‌السلام في رجل سها خلف الإمام ، فلم‌

١١٠

يفتتح الصلاة قال عليه‌السلام : « يعيد الصلاة ولا صلاة بغير افتتاح » (١).

وعلى كلّ حال لا شكّ في أنّ النيّة ركن من أركان الصلاة ، فإن أمكن وقوع السهو فيها فتجب الإعادة ، ولا تشملها عقد المستثنى منه من حديث « لا تعاد » لأنّها وإن لم تكن مذكورة في عقد المستثنى إلاّ أنّها داخلة حكما ؛ للأدلّة الدالّة على ركنيّتها ، فتخصّص تلك الأدلّة عقد المستثنى منه كالاستثناء.

وكذلك تكبيرة الافتتاح وإن لم تكن مذكورة في الحديث في عقد المستثنى إلاّ أنّ أدلّة ركنيّتها تجعلها بحكم المستثنى في تخصيصها لعقد المستثنى منه.

والحاصل أنّه لو نسي النيّة والتكبيرة يجب عليه استئناف الصلاة متى تذكر ، سواء دخل في الركن الذي بعدهما أي الركوع أم لا ، والقيام حال التكبيرة بحكم التكبيرة ، وأمّا القيام حال النيّة فتابع للقول بركنيّته وعدمه.

وأمّا لو نسي الركوع قبل تجاوز المحلّ ـ أي قبل الدخول في السجدة الثانية ـ فيرجع ويأتي به وبما بعده ؛ لما ذكرنا من عدم لزوم محذور في البين. وإن نسيه بعد تجاوز محلّه ـ وبيّنّا أنّ تجاوز محلّه بدخول السجدة الثانية لما ذكرنا من أنّ زيادة سجدة واحدة سهوا لا توجب الإعادة ، كما تدلّ عليه رواية منصور بن حازم ، فإنّ فيها قول الصادق عليه‌السلام : « لا يعيد الصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة » (٢) فلا يلزم محذور من تدارك الركوع ما لم يدخل في السجدة الثانية وإن أتمّ السجدة الأولى ورفع رأسه عنها واستقرّ.

وعلى كلّ حال فلو تذكر نسيان الركوع بعد تجاوز محلّه الذي لا يمكن تداركه فيجب عليه الإعادة ، كما أنّه لو تذكر بعد الصلاة. والمناط فيهما واحد وهو عدم إمكان التدارك في الصورتين.

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ٣٥٣ ، ح ١٤٦٦ ، باب أحكام السهو ، ح ٥٤ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٤ ، ص ٧١٦ ، أبواب تكبيرة الإحرام ، باب ٢ ، ح ٧.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٠٦.

١١١

نعم ها هنا روايات :

منها : صحيح ابن مسلم يدلّ على عدم بطلان الصلاة بترك الركوع نسيانا ولو تذكر بعد تجاوز المحلّ أي بعد الفراغ عن السجدتين ، والصحيح هو المروي عن أحدهما عليهما‌السلام في رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع قال عليه‌السلام : « فإن استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبني على صلاته على التمام ، وإن كان لم يستيقن إلاّ بعد ما فرغ وانصرف فليقم وليصلّ ركعة وسجدتين ولا شي‌ء عليه » (١).

ومن جهة اختلاف الأخبار نشأت في المسألة أقوال وتفاصيل مذكورة في الكتب الفقهيّة لا حاجة إلى ذكرها بعد ما عرفت أنّ حديث « لا تعاد » وأخبار أخر تدلّ على وجوب الإعادة ، وقد عمل بها الأصحاب ، وعليه فتوى المشهور ؛ فالصحيح هو ما ذكرنا من التدارك بإتيان الركوع وما بعده ممّا أتى به لو لم يدخل في السجدة الثانية وإن كان أتمّ السجدة الأولى. وأمّا إن كان تذكره بعد الفراغ من الصلاة ، أو بعد تجاوز المحلّ بأن يكون دخل في السجدة الثانية فيجب عليه الإعادة.

وأمّا لو كان المنسي قيام المتّصل بالركوع ـ وقد عرفت أنّه ركن ـ وحيث أنّه لا يمكن تداركه إلاّ بإتيان الركوع ثانيا ، وإلاّ لا يكون قيام المتّصل بالركوع فيكون مبطلا مطلقا ، سواء تذكر قبل تجاوز محلّ تدارك الركوع ـ أي قبل الدخول في السجدة الثانية ـ أو بعده ، أو بعد الفراغ عن الصلاة ؛ لأنّه في جميع الأحوال تداركه مستلزم لزيادة الركن أي الركوع.

ولا يخفي أنّ في جميع موارد إمكان تدارك ما فات سهوا إذا كان مستلزما للزيادة السهويّة يجب سجدة السهو لكل زيادة.

هذا كلّه في نسيان الركوع ، أو القيام المتّصل بالركوع.

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٤٩ ، ح ٥٨٥ ، باب تفصيل ما تقدّم ذكره. ، ح ٤٣ ؛ « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٥٦ ، ح ١٣٤٨ ، باب من نسي الركوع ، ح ٦ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٤ ، ص ٩٣٤ ، أبواب الركوع ، باب ١١ ، ح ٢.

١١٢

وأمّا لو نسي السجدتين فإمّا أن يكون تذكره بعد تجاوز محلّهما أي بعد الدخول في ركوع الركعة التالية ، وإمّا أن يتذكّر قبله ، أي يكون تذكره قبل الدخول في ركوع الركعة التالية.

فإن كان الأوّل فتكون صلاته باطلة وتجب عليه الإعادة ؛ لما ذكرنا من لزوم أحد المحذورين في التدارك ، ومع عدم التدارك بطلانها وفسادها واضحة لفوات الركن.

وإن كان الثاني ـ أي كان تذكره قبل الدخول في ركوع الركعة ـ فيرجع ويأتي بهما وبما بعدهما مما أتى بها في غير محلّها ؛ لأنّ إتيانها قبلا حيث كان في غير محلّها كان في حكم العدم ، والزيادة التي تحصل في الصلاة من إتيان تلك الأجزاء مرّتين لا تضرّ بصحّة الصلاة ؛ لأنّها زيادة سهوية في غير الأركان.

نعم يجب عليه لكلّ زيادة من تلك الزيادات السهويّة سجدتان للسهو عنها ، بناء على وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة. ولا يكون وجوبهما مخصوصا بالستّة المعروفة ، أي : الكلام سهوا بكلام الآدميين ، والسّلام في غير محلّه ، ونسيان سجدة واحدة ، ونسيان التشهّد ، والشك بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين ، والقيام في موضع القعود وبالعكس.

وأمّا إن كان نسيان السجدتين من الركعة الأخيرة حيث لا ركن بعدهما حتّى يأتي هذا التقسيم ، أي التذكّر والالتفات إلى سهوه قبل الدخول في الركن الذي بعدهما أو بعد دخوله فيه.

فنقول : تارة يكون الالتفات إلى سهوه وتذكره بعد السّلام وإتيان ما هو المنافي عمدا وسهوا ، فصلاته باطلة يجب عليه الإعادة ؛ ويدلّ عليه عقد المستثنى من هذا الحديث ، لأنّه ؛ ترك الركن ولا يمكن تداركه ؛ لأنّ تذكره بعد السّلام وبعد إتيان ما هو المنافي عمدا وسهوا.

وأمّا لو كان تركه قبل السّلام فلا إشكال في إمكان تداركه ؛ لأنّه ما دخل في‌

١١٣

ركن إذ ليس ركن بعدهما حتّى يستلزم أحد المحذورين الذين تقدّم ذكرهما ، من زيادة الركن أو نقيصته وكلاهما موجب للبطلان ، فيأتي بهما ويعيد ما أتى ممّا بعدهما حسب الجعل الشرعي من الترتيب بين الأجزاء ، ويسجد سجدتي السهو لكلّ جزء من الأجزاء التي أتى بها سهوا في غير محلّها ، بناء على وجوب الإتيان بهما لكل زيادة ونقيصة كما تقدم.

وأمّا لو كان تذكره لنسيانهما بعد السّلام وقبل إتيان المنافي والمبطل ، فالأمر يدور مدار أنّ السّلام مخرج تعبّدا ولو لم يقع في محلّه ـ لأنّ محلّه بعد إتيان الصلاة بتمام أجزائها وشرائطها ، وفي المفروض لم يأت بالركعة الأخيرة بتمامها ؛ إذ المفروض أنّه سهل عن إتيان السجدتين ـ أولا ، بل إنّه مخرج لأنّه الجزء الأخير ، فليس تعبّد من حيث مخرجيّته في البين ، بل كلّ مركّب كان بين أجزائه ترتيب في عالم الإيجاد فإذا أتى بجميع أجزائه على الترتيب المقرّر ، فبإتيان جزئه الأخير قهرا يخرج عن ذلك المركّب.

فإن قلنا بالأوّل فإذا تذكر بعد السّلام تكون صلاته باطلة ، وتجب الإعادة لترك الركن وعدم إمكان التدارك ؛ لأنّ كلّ ما يأتي به بعد السّلام لا يحسب منها ولو كان السّلام في غير محلّه ؛ لأنّه مخرج تعبّدي.

وأمّا إن قلنا بالثاني ـ أي أنّه مخرج لأنّه الجزء الأخير ـ فيمكن التدارك ؛ لأنّه لم يخرج عن الصلاة بعد لعدم وقوع السّلام في محلّه الذي هو مناط الخروج ، فلا تكون الصلاة باطلة ، بل يأتي بالسجدتين وبما بعدهما ممّا أتى بها ويسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة سهويّة صدرت منه قبل أن يتذكّر ، أو لخصوص التشهّد والتسليم ، على التفصيل المتقدّم.

هذا كلّه بحسب مقام الثبوت ، وأمّا في مقام الإثبات فظاهر قوله عليه‌السلام في صحيح الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : « وإن قلت السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد‌

١١٤

انصرفت ». (١) وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر أبي كهمس هو هيثم بن عبد الله أو عبيد : « إذا قلت السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف » وإن كان أنّه خرجت بهذه التسليمة عن الصلاة ولكن هذا الظهور متوقّف على إطلاق هذه الجملة ، أي قوله عليه‌السلام « انصرفت » أو قوله عليه‌السلام « فهو الانصراف » أي سواء وقعت هذه التسليمة في محلّه أو لم تقع ، ومن أين يثبت هذا الإطلاق.

فالإنصاف أنّ الفتوى في هذا المفروض ـ أي فيما إذا كان تذكره لنسيان السجدتين بعد السّلام الواجب وقبل صدور المبطل ببطلان الصلاة ولزوم الإعادة ـ مشكل جدا ، بل لا بأس بأن يقال بلزوم التدارك بإتيان السجدتين ثمَّ يأتي بجميع ما أتى بها حتّى التسليمة ؛ لوقوع ما أتى بها أوّلا في غير محلّها فهو في حكم العدم. نعم يجب عليه سجدتا السهو لكلّ زيادة سهويّة من تلك الزيادات على التفصيل المتقدّم ، ولا أقلّ من الاحتياط بالجمع بين التدارك على التفصيل المذكور والإعادة ، لا الحكم بالبطلان والإعادة فقط.

هذا كلّه فيما إذا نسي السجدتين من الركعة الأخيرة.

وأمّا لو نسي تمام الركعة الأخيرة من القيام وذكرها وركوعها وسجدتيها فأيضا له صور ثلاث :

الأولى : أن يتذكّر ويلتفت إلى نسيانه قبل التسليم وبعد التشهّد.

الثانية : أن يكون تذكّره بعد التسليم ولكن قبل إتيان المنافي المبطل.

الثالثة : أن يكون تذكّره بعد إتيان المنافي المبطل.

أمّا الصورة الأولى : فالأمر فيها واضح ، فإنّه يقوم ويأتي بها ويسجد سجدتي السهو للتشهّد الذي صدر عنه سهوا في غير محلّه الذي يكون ذلك الإتيان بحكم‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٣٧ ، باب التشهّد في الركعتين الأولتين و. ، ح ٦ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ٣١٦ ، ح ١٢٩٣ ، باب كيفيّة الصلاة وصفتها ، ح ١٤٩ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٤ ، ص ١٠١٢ ، أبواب التسليم ، باب ٤ ، ح ١.

١١٥

العدم ، ويجب عليه أن يعيد التشهّد.

وأمّا الصورة الثانية : أي لو تذكر بعد التسليم الواجب وقبل فعل المنافي المبطل ، فيأتي فيها جميع ما ذكرنا في الفرع السابق ، أي فيما إذا نسي السجدتين من الركعة الأخيرة من القولين من لزوم التدارك ومن لزوم الإعادة وبطلان ما أتى به ، وبيّنّا احتمال وجوب الاحتياط بالجمع.

هذا بحسب القواعد الأوّليّة ، ولكن وردت روايات تدلّ على عدم بطلان الصلاة بل يقوم ويأتي بالركعة :

كصحيح العيص : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل نسي ركعة من صلاته حتّى فرغ منها ، ثمَّ ذكر أنّه لم يركع ، قال عليه‌السلام : « يقوم فيركع ويسجد سجدتين » (١).

والمراد من قول السائل « ثمَّ ذكر أنّه لم يركع » أي لم يأت بالركعة ، والتعبير عن عدمها بعدم الركوع من جهة أنّ الركوع هو الجزء المقوّم للركعة في نظر العرف ، ولأجل ذلك سمّيت بالركعة ؛ وأيضا لو كان المراد به عدم الركوع فقط وإتيان البقيّة فيكون قوله عليه‌السلام « ويسجد سجدتين » تكرار للسجدتين ، ولا شكّ في أنّ زيادتهما ولو سهوا مبطل ، فهذه أيضا قرينة أخرى على أنّ المراد بقول السائل « لم يركع » عدم الإتيان بالركعة لا الركوع فقط.

وكخبر محمّد بن مسلم في نقصان الركعتين ، عن الباقر عليه‌السلام في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة ، فسلّم وهو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة وتكلّم ، ثمَّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين ، فقال عليه‌السلام : « يتمّ ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه » (٢). وهذه الرواية بإطلاقها‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٣ ، ص ٣٥٠ ، ح ١٤٥١ ، باب أحكام السهو ، ح ٣٩ ؛ وص ١٤٩ ، ح ٥٨٦ ، باب تفصيل ما تقدّم ذكره. ح ٤٤ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٠٩ ، أبواب الخلل في الصلاة باب ٣ ، ح ٨.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٩١ ، ح ٧٥٧ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح ٥٨ ؛ « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٧٩ ، ح ١٤٣٦ ، باب من تكلّم في الصلاة ، ح ٤ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٠٩ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٣ ، ح ٩.

١١٦

تشمل نقصان ركعة أو ركعتين.

وكصحيح زرارة عن الباقر عليه‌السلام أيضا في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلّم ، فقال عليه‌السلام : « يتمّ ما بقي من صلاته ، تكلّم أو لم يتكلّم » (١). بناء على أنّ السّلام في غير محلّه كلام لا يضرّ بالصلاة لو وقع سهوا ، لا أنّه مخرج حتّى لا يمكن التدارك ويكون ما بقي من صلاة من ركعة أو ركعتين خارجا عن الصلاة لو أتى به.

وحاصل الكلام في نقصان الركعة فما زاد أنّه إن قلنا بأنّ السّلام الواقع سهوا في غير محلّه ليس بمخرج ـ كما أنّه هو الصحيح ـ فإن كان تذكر النقصان بعد السّلام ولكن قبل إتيان المبطل ـ أي ما هو المنافي عمدا وسهوا ـ فمقتضى القاعدة هو تدارك ما فات من الركعة أو الركعتين ، ولا شي‌ء عليه إلاّ سجدات السهو لما زاد سهوا من التشهّد والتسليم. وأمّا إن قلنا بأنّه ـ أي السّلام ـ مخرج ، فأيضا يجب تدارك الركعة فما زاد ، لكن للروايات لا للقواعد الأوّليّة.

وأمّا الصورة الثالثة : أي إن كان تذكر النقصان بعد فعل المبطل وما هو المنافي عمدا وسهوا ، كما أنّه لو أحدث وتذكر النقصان ، فلا شكّ في وجوب الإعادة.

والكلام إلى هنا كان في نقيصة الأركان سهوا ، أو نقصان الركعة فما زاد المشتمل على الأركان.

وبعبارة أخرى : كان الكلام في نسيان النيّة بناء على إمكان نسيانها ، أو نسيان تكبيرة الإحرام ، أو القيام حالهما ، أو نسيان الركوع ، أو القيام المتّصل به ، أو نسيان السجدتين ، أو نسيان الركعة أو ما زاد.

وأمّا لو كان المنسي غير الأركان ـ من أجزاء الصلاة وشرائطها ـ فلا تبطل‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٩١ ، ح ٧٥٦ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح ٥٧ ؛ « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٧٨ ، ح ١٤٣٤ ، باب من تكلّم في الصلاة ، ح ٢ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٠٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٣ ، ح ٥.

١١٧

الصلاة على كلّ حال من هذه الجهة ، أي من جهة سهو غير الأركان ، وذلك مفاد صحيحة « لا تعاد » وإن كان هناك أخبار خاصّة أيضا تدلّ على عدم وجوب الإعادة في بعضها ، لكن هذه الصحيحة بمنزلة كبرى كلّيّة في كلا عقديها ، أي عقد المستثنى منه وعقد المستثنى ، لحكم نسيان الأركان الخمسة ، ولحكم ما عدا الأركان الخمسة إذا وقع السهو فيها زيادة ونقيصة.

فنقول : لو نسي جزءا أو شرطا ما عدا الأركان فإمّا أن يكون محلّ تداركه باقيا ، فيجب أن يتدارك ويأتي به وبجميع ما أتى بها سهوا في غير محلّها ممّا هي متأخّرة عن ذلك المنسي ، وقد بيّنّا أنّ بقاء محلّ التدارك في الأجزاء بعدم دخوله في الركن الذي بعد ذلك الجزء المنسي ؛ بعد دخوله فيه يلزم من التدارك أحد المحذورين : إمّا ترك الركن لو لم يأت به بعد تدارك ذلك الجزء المنسي ؛ لأنّ الإتيان به قبلا يكون في حكم العدم لعدم كونه في محلّه ، وإمّا زيادة الركن إن أتى به بعد تدارك المنسي ، وهي مضرّة ولو كانت سهوا.

وإمّا لو لم يكن محلّ تداركه باقيا فالصلاة صحيحة من ناحية سهو ما عدا الأركان على أيّ حال.

نعم المنسي إذا كان ممّا عدا الأركان وفات محلّ تداركه يكون على ثلاثة أقسام :

قسم يجري فيه « لا تعاد » وبعض الروايات الخاصّة ـ إن كانت ـ وليس عليه شي‌ء مطلقا ، لا سجدة السهو ولا القضاء.

وقسم منها عليه سجدة السهو فقط.

وقسم عليه القضاء أيضا مضافا إلى سجدة السهو.

والقسم الأوّل الذي قلنا أنّه ليس عليه شي‌ء مطلقا لا السجدة ولا القضاء مبني على عدم وجوب سجدة السهو إلاّ للخمسة أو الستّة التي تقدّم ذكرها ، وإلاّ لو قلنا بوجوبهما لكلّ زيادة ونقيصة سهويّتان فليس إلاّ قسمين فقط : أحدهما : ما فيه سجدة‌

١١٨

السهو فقط ، والثاني : قضاؤه أيضا مضافا إلى وجوب سجدة السهو.

فنتعرّض لأجزاء غير الركنيّة على الترتيب.

الأوّل : نسيان القراءة : فإذا تذكر بعد فوات محلّ التدارك ، إمّا لفراغه عن الصلاة ، وإمّا لدخوله في الركن المتأخّر عنها ـ أي الركوع ـ فصلاته صحيحة على كلّ حال من طرف هذا النسيان ، ولا تكون باطلة إلاّ أن يكون فيها خلل آخر ، ولا شي‌ء عليه بناء على اختصاص وجوب سجدتي السهو بسهو الستّة المذكورة ، لا أنّهما تكونان واجبتين لكلّ زيادة ونقيصة.

هذا ، ووردت أخبار خاصّة مضافا إلى صحيحة « لا تعاد » :

كصحيح زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام : « من ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ، ومن نسي فلا شي‌ء عليه ». (١) وخبر محمّد بن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام : « من نسي القراءة فقد تمّت صلاته ولا شي‌ء عليه » (٢) وغيرهما مما هو بهذا المضمون.

ولا يخفى أنّ قولهما عليهما‌السلام في هاتين الروايتين وأمثالهما « فلا شي‌ء عليه » أو « ولا شي‌ء عليه » ظاهر بإطلاقه في نفي وجوب سجدتي السهو أيضا ، مضافا إلى نفي وجوب الإعادة للصلاة ونفي وجوب قضاء القراءة بعد الصلاة ، فتكون هذه الروايات معارضة مع الرواية التي مفادها وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة بناء على عدم حملها على الاستحباب ، والنسبة بينهما عموم من وجه فيتساقطان ، والمرجع هي البراءة ، أو يجمع بينهما بحمل تلك الطائفة على استحباب سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة. ولعلّ هذا هو الجمع العرفي في أمثال المقام.

وأمّا ما تكلّفوا لإثبات أنّ النسبة بينهما عموم وخصوص مطلق ـ وهذه‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ١ ، ص ٣٤٥ ، باب أحكام السهو والشك ، ح ١٠٠٥ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٤٦ ، ح ٥٦٩ ، باب تفصيل ما تقدّم ذكره ، ح ٢٧ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٤ ، ص ٧٦٦ ، أبواب القراءة في الصلاة ، باب ٢٧ ، ح ١.

(٢) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٤٧ ، باب السهو في القراءة ، ح ١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٤ ، ص ٧٦٧ ، أبواب القراءة في الصلاة ، باب ٢٧ ، ح ٢.

١١٩

الروايات أخصّ من تلك الطائفة فتخصّصها بغير القراءة ـ فممّا يأباه الذوق السليم ، ولذلك تركنا ذكره.

وحاصل ما ذكرنا : أنّه إن تذكر لنسيان القراءة قبل أن يركع يأتي بها ، وإن كان تذكره بعد الدخول والوصول إلى حدّ الركوع فيتمّ صلاته ولا شي‌ء عليه ، لا إعادة الصلاة ولا قضاء القراءة بعدها ولا سجدتي السهو. أمّا نفي القضاء وسجدتي السهو فبهذه الروايات ، وأمّا نفي إعادة الصلاة فأيضا بها وبحديث « لا تعاد ».

هذا كلّه فيما إذا كان المنسي نفس القراءة.

وأمّا لو كان المنسي هو الجهر فيها في صلوات الجهريّة ، أو الإخفات فيها في الصلوات الإخفاتيّة ، فبناء على كون كلّ واحد منهما في موضعه شرطا لنفس القراءة لا للصلاة حال القراءة ـ كما هو الظاهر بل الصحيح ـ فحالهما في صدق تجاوز المحلّ وعدم إمكان تداركه ، أو عدم تجاوز المحلّ وإمكان تداركه حال نفس القراءة ؛ وذلك من جهة انعدام المشروط بانعدام شرطه فنسيان كلّ واحد منهما في محلّه يرجع إلى نسيان نفس القراءة وقد عرفت الحال فيه.

وأمّا بناء على كونهما شرطا للصلاة في حال القراءة فالتجاوز عن محلّهما بالتجاوز عن نفس القراءة وان لم يدخل في الركوع المتأخّر عنها ؛ وذلك من جهة أنّه بعد إتيانه القراءة وإن كانت إخفاتا في الجهريّة ، أو كانت جهرا في الإخفاتيّة فقد أتى بها صحيحة ؛ لأنّ الجهر والإخفات لم يكن كلّ واحد منهما في موضعه شرطا لها حتّى تنتفي بانتفائهما ، وبعد الإتيان بها صحيحة لا يبقى محل لتدارك الجهر والإخفات ؛ لأنّه مستلزم للزيادة العمديّة في القراءة لو أعاد القراءة ، وبدون إعادتها لا يمكن تداركهما ؛ هذا بحسب القواعد.

وربما يدلّ على هذا صحيح زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفي فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال عليه‌السلام : « أيّ ذلك فعل متعمّدا فقد‌

١٢٠