تقريب المعارف

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي

تقريب المعارف

المؤلف:

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي


المحقق: الشيخ فارس تبريزيان « الحسّون »
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المحقّق
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠

نكير عبد الرحمن بن عوف

وذكر الثقفي في تاريخه ، عن الحسين بن عيسى بن زيد ، عن أبيه قال : كثر الكلام بين عبد الرحمن بن عوف وبين عثمان حتّى قال عبد الرحمن : أما والله لئن بقيت لك لأخرجنّك من هذا الأمر كما أدخلتك فيه ، وما غررتني (١) إلاّ بالله.

وذكر الثقفي ، عن الحكم قال : كان بين عبد الرحمن بن عوف وبين عثمان كلام ، فقال له عبد الرحمن : والله ما شهدت بدرا ، ولا بايعت تحت الشجرة ، وفررت يوم حنين ، فقال له عثمان : وأنت والله دعوتني إلى اليهوديّة.

وعنه ، عن طارق بن شهاب قال : رأيت ابن عوف يقول : يا أيّها الناس إنّ عثمان أبى أن يقيم فيكم كتاب الله ، فقيل له : أنت أوّل من بايعه وأوّل من عقد له ، قال : إنه نقض ، وليس لناقض عهد.

وعنه ، عن أبى إسحاق قال : ضجّ الناس يوما حين صلّوا الفجر في خلافة عثمان ، فنادوا بعبد الرحمن بن عوف ، فحوّل وجهه إليهم واستدبر القبلة ، ثم خلع قميصه من جنبه (٢) فقال : [ يا معشر أصحاب محمد ] (٣) ، يا معشر المسلمين ، أشهد الله وأشهدكم أنّي قد خلعت عثمان من الخلافة كما خلعت سربالي هذا ، فأجابه مجيب من الصفّ الأول : ( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) (٤) ، فنظروا من الرجل ، فإذا هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

وعنه قال : أوصى عبد الرحمن أن يدفن سرّا ، لئلاّ يصلّي عليه عثمان.

وذكر الواقدي في تاريخه ، عن عثمان بن السريد قال : دخلت على عبد الرحمن بن عوف في شكواه الّذي مات فيه أعوده ، فذكر عنده عثمان ، فقال : عاجلوا طاغيتكم هذا قبل أن يتمادى في ملكه ، قالوا : فأنت وليته ، قال : لا عهد لناقض.

__________________

(١) كذا في البحار ، وفي النسخة : « وما غزر نبي ».

(٢) في البحار : « من جيبه ».

(٣) من البحار.

(٤) يونس ١٠ : ٩١.

٢٨١

وذكر الثقفي في تاريخه ، عن بلال بن الحارث قال : كنت مع عبد الرحمن جالسا ، فطلع عثمان حتّى صعد المنبر ، فقال عبد الرحمن : فقدت أكثرك شعرا.

وذكر فيه : أنّ عثمان أنفد المسور بن مخرمة (١) إلى عبد الرحمن يسأله الكفّ عن التحريض عليه ، فقال له عبد الرحمن : أنا أقول هذا القول وحدي! ولكن الناس يقولون جميعا : إنّه غيّر وبدّل ، قال المسور : قلت : فإن كان الناس يقولون فدع أنت ما تقول فيه ، فقال عبد الرحمن : لا والله ما أجده يسعني أن أسكت عنه ، ثم قال له : قل له يقول لك خالي : اتّق الله وحده لا شريك له في أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما أعطيتني من العهد والميثاق : لتعملنّ بكتاب الله وسنّة صاحبيك ، فلم تف.

وذكر فيه : أنّ ابن مسعود قال لعبد الرحمن في أحداث عثمان : هذا ممّا عملت! فقال عبد الرحمن : قد أخذت إليكم بالوثيقة ، فأمركم إليكم.

وذكر فيه قال : قال علي عليه‌السلام لعبد الرحمن بن عوف : هذا عملك! فقال عبد الرحمن : فإذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي.

نكير عمرو بن العاص

وذكر الثقفي في تاريخه ، عن لوط بن يحيى الأزدي قال : جاء عمرو بن العاص فقال لعثمان : إنّك ركبت من هذه الأمّة النّهابير (٢) وركبوها (٣) بك ، فاتق الله وتب إليه ، فقال : يا بن النابغة قد تبت إلى الله وأنا أتوب إليه ، أما إنّك ممن يولب علي (٤) ويسعى في الساعين ، قد لعمري أضرمتها ، فأسعر (٥) وأضرم ما بدا لك ، فخرج عمرو حتّى نزل في أداني الشام.

__________________

(١) في النسخة : « محرمة » ، وفي البحار : « المسود بن مخرمة ».

(٢) في النسخة : « التهايين » ، وفي البحار : « النهاير ».

(٣) في النسخة : « وركوبها » ، والمثبت من البحار.

(٤) في النسخة : « يولب علي عليه‌السلام » ، وهو سهو واضح.

(٥) في النسخة : « فأشعر ».

٢٨٢

وذكر فيه ، عن الزهري قال : إنّ عمرو بن العاص ذكر عثمان فقال : إنه استأثر بالفيء فأساء الإثرة ، واستعمل أقواما لم يكونوا بأهل العمل من قرابته وآثرهم على غيرهم ، فكان في ذلك سفك في دمه وانتهاك حرمته.

وعنه فيه قال : قام عمرو إلى عثمان فقال : اتّق الله يا عثمان ، إمّا أن تعدل وإمّا أن تعتزل ، فلمّا أن نشب الناس في أمر عثمان تنحّى عن المدينة وخلّف ثلاثة غلمة له ليأتوه بالخبر ، فجاء اثنان بحصر عثمان ، فقال : إنّي إذا نكأت قرحة (١) أدميتها ، وجاء الثالث بقتل عثمان وولاية علي عليه‌السلام ، فقال : وا عثماناه ، ولحق بالشام.

وذكر الواقدي في تاريخه : أنّ عثمان عزل عمرو بن العاص عن مصر واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فقدم عمرو المدينة ، فجعل يأتي عليّا عليه‌السلام فيؤلبه على عثمان ، ويأتي الزبير ويأتي طلحة ، وي [ ت ] لقّى الركبان يخبرهم بأحداث عثمان ، فلمّا حصر عثمان الحصار الأول خرج إلى أرض فلسطين ، فلم يزل بها حتّى جاءه خبر قتله ، فقال : أنا أبو عبد الله ، إني إذا أحل قرحة نكأتها ، إنّي كنت لأحرّض عليه ، حتّى أني لأحرّض عليه الراعي (٢) في غنمه ، فلمّا بلغه بيعة الناس عليّا عليه‌السلام كره ذلك وتربّص حتّى قتل طلحة والزبير ، ثم لحق بمعاوية.

نكير محمد بن مسلمة الأنصاري

وذكر الثقفي في تاريخه ، عن داود بن الحصين الأنصاري : أنّ محمد بن مسلمة الأنصاري قال يوم قتل عثمان : ما رأيت يوما قطّ أقرّ للعيون ولا أشبه بيوم بدر من هذا اليوم.

وروى فيه ، عن أبي سفيان مولى آل أحمد قال : أتيت محمد بن مسلمة الأنصاري

__________________

(١) في البحار : « قرحته ».

(٢) في النسخة والبحار : « لأحرص عليه حتّى أنّي لأحرص الراعي ».

٢٨٣

فقلت : قتلتم عثمان فقال : نعم وايم الله ما (١) وجدت رائحة هي أشبه برائحة يوم بدر منها.

وقد ذكر الواقدي في تاريخه ، عن محمد بن مسلمة : مثل ما ذكره الثقفي.

نكير أبي موسى

وذكر الواقدي في تاريخه قال : لمّا ولّى عثمان عبد الله بن عامر بن كريز البصرة ، قام أبو موسى الأشعرى خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : قد أتاكم رجل كثير العمّات والخالات في قريش ، يبسط المال فيهم بسطا ، وقد كنت قبضته عنكم.

نكير جبلّة بن عمرو الساعدي

وذكر الواقدي في تاريخه ، عن عامر بن سعد قال : أول من اجترأ على عثمان بالنطق (٢) السيّئ جبلّة بن عمرو الساعدي ، مرّ به عثمان وهو جالس في نادي قومه وفي يد جبلّة بن عمرو جامعة ، فسلّم ، فردّ القوم ، فقال جبلّة : لم تردّون على رجل فعل كذا وكذا ، قال : ثم أقبل على عثمان فقال : والله لأطرحنّ هذه الجامعة في عنقك أو لتتركنّ بطانتك هذه ، قال عثمان : أي بطانة فو الله إني لأتخيّر الناس ، فقال : مروان تخيّرته ، ومعاوية تخيّرته ، وعبد الله بن عامر بن كريز تخيّرته ، وعبد الله بن سعد تخيّرته ، منهم من نزل القرآن بذمّه ، وأباح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دمه (٣) ، فانصرف عثمان ، فما زال الناس مجترون (٤) عليه.

وذكر فيه ، عن عثمان بن السريد قال : [ مرّ عثمان ] (٥) على جبلّة بن عمرو الساعدي وهو على باب داره ومعه جامعة ، فقال : يا نعثل والله لأقتلنّك أو لأحملنّك على

__________________

(١) في البحار : « أما ».

(٢) في البحار : « بالمنطق ».

(٣) في النسخة : « بدمه » والمثبت من البحار.

(٤) كذا.

(٥) من البحار.

٢٨٤

جرباء ولأخرجنّك إلى حرّة النار ، ثم جاءه مرّة أخرى وهو على المنبر فأنزله عنه.

وذكر فيه : أنّ زيد بن ثابت مشى إلى جبلّة ومعه ابن عمّه أبو أسيد الساعدي ، فسألاه الكفّ عن عثمان ، فقال : والله لا أقصر عنه أبدا ، ولا ألقى الله فأقول : ( أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ) (١).

نكير جهجاه (٢) بن عمرو الغاري

وذكر الواقدي في تاريخه ، عن عروة قال : خرج عثمان إلى المسجد ومعه ناس من مواليه ، فنجد (٣) الناس ينتابونه يمينا وشمالا ، فناداه بعضهم : يا نعثل (٤) ، وبعضهم غير ذلك ، فلم يكلّمهم حتّى صعد المنبر ، فشتموه ، فسكت حتّى سكتوا ، ثم قال : أيّها الناس اتقوا واسمعوا وأطيعوا ، فإنّ السامع المطيع لا حجّة عليه ، والسامع العاصي لا حجّة له ، فناداه بعضهم : أنت أنت السامع العاصي ، فقام إليه جهجاه بن عمرو الغفاري ـ وكان ممّن بايع تحت الشجرة ـ فقال : هلمّ إلى ما ندعوك إليه ، قال : وما هو قال : نحملك على شارف جرباء فنلحقك بجبل الدخان ، قال عثمان : لست هناك لا أمّ لك ، وتناول ابن جهجاه الغفاري عصا في يد عثمان ـ وهي عصاة (٥) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فكسرها على ركبته ، ودخل عثمان داره ، فصلّى بالناس سهل بن حنيف.

وذكر فيه ـ عن موسى بن عقبة ، عن أبي حبيبة ـ الحديث ، وقال فيه : إنّ عثمان قال له : قبّحك الله وقبّح ما جئت به ، قال أبو حبيبة : ولم يكن ذلك إلاّ عن ملاء من الناس ، وقام إلى عثمان شيعته من بني أميّة فحملوه فأدخلوه الدار ، وكان آخر يوم رأيته فيه.

__________________

(١) الأحزاب ٣٣ : ٦٧.

(٢) في النسخة : « جهجهاه » ، وكذا فيما يأتي ، وما أثبتناه من البحار : ٣٤٠ ، نقلا عن تقريب المعارف.

(٣) كذا في النسخة والبحار.

(٤) في النسخة : « يا نعثك ».

(٥) في النسخة : « عصاي ».

٢٨٥

نكير عائشة

وذكر الطبري في تاريخه والثقفي في تاريخه قال : جاءت عائشة إلى عثمان ، فقالت : أعطني ما كان يعطيني أبي وعمر ، قال : لا أجد له موضعا في الكتاب ولا في السنّة ، ولكن كان أبوك وعمر يعطيانك عن طيبة أنفسهما وأنا لا أفعل ، قالت : فأعطني ميراثي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : أولم تجيء فاطمة عليها‌السلام تطلب ميراثها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فشهدت أنت ومالك بن أوس البصري : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يورّث ، وأبطلت حقّ فاطمة عليها‌السلام ، وجئت تطلبينه!! لا أفعل.

وزاد الطبري : وكان عثمان متّكئا ، فاستوى جالسا وقال : ستعلم فاطمة أيّ ابن عمّ لها منّي اليوم ، ألست وأعرابي يتوضّأ ببوله شهدت عند أبيك!

قالا جميعا في تاريخهما : فكان إذا خرج عثمان إلى الصلاة أخرجت قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتنادي : إنّه قد خالف صاحب هذا القميص.

وزاد الطبري يقول : هذا قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يبل وقد غيّر عثمان سنّته ، اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا.

وذكر الثقفي في تاريخه ، عن موسى التغلبي (١) ، عن عمّه قال : دخلت مسجد المدينة فإذا الناس مجتمعون ، وإذا كفّ مرتفعة وصاحب الكف يقول : يا أيّها الناس العهد حديث ، هاتان نعلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقميصه ، إنّ فيكم فرعون أو مثله ، فاذا هي عائشة تعني عثمان ، وهو يقول : اسكتي ، إنما هذه امرأة رأيها رأي المرأة وعقلها عقل المرأة.

وذكر في تاريخه ، عن الحسن بن سعيد قال : رفعت عائشة ورقات من ورق المصحف بين عودين من وراء حجابها وعثمان على المنبر ، فقالت : يا عثمان أقم ما في كتاب الله ، إن تصاحب تصاحب غادرا وإن تفارق تفارق عن قلى ، فقال عثمان : أما والله

__________________

(١) في البحار : « الثعلبي ».

٢٨٦

لتنتهينّ أو لأدخلنّ عليك حمران الرجال وسودانها (١) ، قالت عائشة : أمّا والله إن فعلت لقد لعنك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم ما استغفر لك حتّى مات.

وذكر ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : أخرجت عائشة قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لها عثمان : لئن لم تسكتي لاملأنّها عليك حبشانا ، قالت : يا غادر يا فاجر أخربت أمانتك ومزّقت كتاب الله ، ثم قالت : والله ما ائتمنه رجل قطّ إلاّ خانه ، ولا صحبه رجل قطّ إلاّ فارقه عن قلى.

وذكر فيه قال : نظرت عائشة إلى عثمان فقالت : ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ).

وذكر فيه ، عن عكرمة : أنّ عثمان صعد المنبر ، فأطلعت عائشة ومعها قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قالت : يا عثمان أشهد أنّك بريء من صاحب هذا القميص ، فقال عثمان : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) الآية (٢).

وذكر فيه ، عن أبي عامر مولى ثابت قال : كنت في المسجد فمرّ عثمان ، فنادته عائشة : يا غادر يا فاجر أخربت أمانتك وضيّعت رعيتك ، ولو لا الصلوات الخمس لمشى إليك رجال حتّى يذبحوك ذبح الشاة ، فقال لها عثمان : ( امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ) الآية (٣).

وذكر فيه : أنّ عثمان صعد المنبر ، فنادت عائشة ورفعت القميص فقالت : لقد خالفت صاحب هذا ، فقال عثمان : إنّ هذه الزعراء عدوة الله ، ضرب الله مثلها ومثل صاحبتها حفصة في الكتاب : ( امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ) (٤) الآية ، فقالت له : يا نعثل يا عدوّ الله إنّما سمّاك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله باسم نعثل اليهودي الّذي باليمن ، ولاعنته ولاعنها.

__________________

(١) في النسخة : « وسوادنها ».

(٢) التحريم ٦٦ : ١٠.

(٣) التحريم ٦٦ : ١٠.

(٤) التحريم ٦٦ : ١٠.

٢٨٧

وذكر فيه ، عن القاسم بن مصعب العبدي قال : قام عثمان ذات يوم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : نسوة تكتبن (١) في الآفاق لتنكث بيعتي ويهراق دمي ، والله لو شئت أن أملأ عليهنّ حجراتهن رجالا سودا وبيضا لفعلت ، ألست ختن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ابنتيه ، ألست جهّزت جيش العسرة (٢) ، ألم آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أهل مكة ، قال إذ تكلّمت امرأة من وراء الحجاب ، قال : فجعل يبدو لنا خمارها أحيانا ، فقالت : صدقت ، لقد كنت ختن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ابنتيه ، فكان منك فيهما ما قد علمت ، وجهّزت جيش العسرة ، وقد قال الله تعالى : ( فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ) (٣) ، وكتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أهل مكّة فيك عن بيعة الرضوان إنّك (٤) لم تكن لها أهلا ، قال : فانتهرها عثمان ، فقالت : أمّا أنا فأشهد أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ لكلّ أمّة فرعون ، وإنّك فرعون هذه الأمّة.

وذكر فيه من عدّة طرق قال : لمّا اشتدّ الحصار على عثمان تجهّزت عائشة للحج (٥) ، فجاءها مروان وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ، فسألاها الإقامة والدفع عنه ، فقالت : قد عريت (٦) غرائري (٧) ، وأدنيت ركابي ، وفرضت على نفسي الحج ، فلست بالّتي أقيم فنهضا (٨) ، ومروان يتمثل :

فحرق قيس على البلاد

حتّى (٩) إذا اشتعلت (١٠) أجذما (١١)

__________________

(١) كذا في النسخة ، وفي البحار : « يكتبن » ، ويحتمل : « يكبتن ».

(٢) في النسخة : « العشرة ».

(٣) الأنفال ٨ : ٣٦.

(٤) في البحار : « غيبك عن بيعة الرضوان لأنّك ».

(٥) في النسخة : « الحج » ، والمثبت من البحار.

(٦) في البحار : « عزيت » ، وفي حاشية البحار : « غررت ».

(٧) في النسخة : « عزايري » ، والمثبت من البحار.

(٨) في النسخة : « فيهضا » والمثبت من البحار.

(٩) في النسخة : « وحتّى » ، والمثبت من البحار.

(١٠) في النسخة : « اشتغلت ».

(١١) في النسخة : « وأجذما ».

٢٨٨

فقالت : أيّها المتمثّل بالشعر ارجع ، فرجع ، فقالت : لعلّ ترى أنّي إنّما قلت هذا الّذي قلته شكّا في صاحبك ، فو الله لوددت أنّ عثمان مخيط عليه في بعض غرائري. (١) حتّى أكون أقذفه في اليمّ ، ثم ارتحلت حتّى نزلت بعض الطريق ، فلحقها ابن عباس أميرا على الحجّ ، فقالت له : يا بن عبّاس إن الله قد أعطاك لسانا وعلما ، فأنشدك الله أن تخذل عن قتل هذا الطاغية غدا ، ثم انطلقت ، فلمّا قضت نسكها بلغها أنّ عثمان قتل ، فقالت : أبعده الله بما قدم يداه ، الحمد لله الّذي قتله ، وبلغها أنّ طلحة ولي بعده ، فقالت : أيهن ذا الاصبع (٢) ، فلمّا بلغها أنّ عليا عليه‌السلام بويع ، قالت : وددت أنّ هذه وقعت على هذه.

وذكر الواقدي في تاريخه كثيرا ممّا ذكره الثقفي ، وزاد في حديث مروان ومجيئه إلى عائشة ، أنّ زيد بن ثابت كان معه ، وأنّها قالت : وددت والله أنّك وصاحبك هذا الّذي يعنيك أمره في رجل كلّ واحد منكما رحا وأنّه في البحر ، وأمّا أنت يا زيد فما أقلّ والله من له مثل ما لك من عضدان العجوة.

وذكر من طريق آخر : أنّ المكلّم لها في الإقامة مع مروان عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ، قالت : لا والله ولا ساعة (٣) ، إنّ عثمان غيّر فغيّر الله به ، آثركم والله وترك أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وزاد في خطابها لابن عباس : إنّك قد أعطيت لسانا وجدلا وعقلا وبيانا ، وقد رأيت ما صنع ابن عفّان ، اتّخذ عباد الله خولا ، فقال : يا أمّه دعيه (٤) وما هو فيه ، لا ينفرجون عنه حتّى يقتلوه ، قالت : أبعده الله.

ومن طريق آخر : إيّاك أن ترد الناس عن هذا الطاغية ، فإنّ المصريين قاتلوه.

__________________

(١) في النسخة والبحار : « غزايري ».

(٢) في النسخة : « الأصبغ ».

(٣) في النسخة : « ولا سراعة » ، والمثبت من البحار.

(٤) في النسخة : « دعيته ».

٢٨٩

وروي عن ابن عباس قال ، دخلت عليها بالبصرة فذكّرتها هذا الحديث ، فقالت : ذلك المنطق الّذي تكلّمت به يومئذ هو الّذي أخرجني ، لم أر لي توبة إلاّ الطلب بدم عثمان ، ورأيت أنّه قتل مظلوما ، قال : فقلت لها : فأنت قتلتيه بلسانك ، فأين تخرجين! توبي وأنت في بيتك ، أو أرضي ولاة دم عثمان ولده ، قالت : [ دعنا من جدالك فليس من الباطل في شيء.

وذكر الواقدي عن عائشة بنت قدامة قالت : ] (١) سمعت عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تقول ـ وعثمان محصور قد حيل بينه وبين الماء ـ : أحسن أبو محمد حين حال بينه وبين الماء ، فقالت لها : يا أمّه على عثمان فقالت : إن عثمان غيّر سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسنّة الخليفتين من قبله ، فحلّ دمه.

وذكر الواقدي في تاريخه ، عن كريمة بنت المقداد قالت : دخلت على عائشة فقالت : إنّ عثمان أرسل إليّ أن أرسل إلى طلحة فأبيت ، وأرسل إليّ أن أقيمي ولا تخرجي إلى مكة ، فقلت : قد جليت (٢) ظهري وعريت (٣) غرائري (٤) وإنّي خارجة غدا إن شاء الله ، ولا والله ما أراني أرجع حتّى يقتل ، قالت (٥) : بما قدّمت يداه ، كان أبي ـ تعني : المقداد ـ ينصح له فيأبى إلاّ تقريب مروان وسعيد بن عامر ، قالت عائشة : حبّهم والله صنع به ما ترين ، حمل إلى سعيد بن العاص مائة ألف ، وإلى عبد الله بن خالد بن أسيد ثمانمائة ألف ، وإلى الحارث بن الحكم مائة ألف ، وأعطى مروان خمس إفريقية لا يدري بكم (٦) هو ، فلم يكن الله ليدع عثمان.

وذكر في تاريخه ، عن علقمة بن أبي علقمة ، عن أبيه ، عن عائشة أنها كانت أشدّ

__________________

(١) من البحار.

(٢) في النسخة : « جلت » ، والمثبت من البحار.

(٣) في حاشية البحار : « وغررت ».

(٤) في النسخة : « غزايري ».

(٥) في البحار : « قالت قلت ».

(٦) في البحار : « كم ».

٢٩٠

الناس على عثمان ، تحرّض الناس عليه وتؤلّب حتّى قتل ، فلمّا قتل وبويع علي عليه‌السلام طلبت بدمه.

وأمثال هذه الأقوال وأضعافها المتضمّنة للنكير على عثمان من الصحابة والتابعين (١) المنقولة في جميع التواريخ.

وإنّما اقتصرنا على تاريخي الثقفي والواقدي لأن لنا إليهما طريقا ، ولأن لا يطول الكتاب.

وفيما ذكرناه كفاية ، ومن أراد العلم بمطابقة التواريخ لما أوردناه في هذين التاريخين فليتأمّلها يجدها موافقة.

[ حصر عثمان فى داره وما جرى عليه ]

ثم أطبق أهل الأمصار وقطّان المدينة من المهاجرين والأنصار ـ إلاّ النفر الّذين اختصّهم عثمان لنفسه وآثرهم بالأموال ، كزيد بن ثابت ، وحسّان ، وسعيد بن العاص ، وعبد الله بن الزبير ، ومروان ، وعبد الله بن عمر ـ على حصره في الدار ، ومطالبته بخلع نفسه من الخلافة أو قتله ، إلى أن قتلوه على الإصرار على ما أنكروا عليه ومن ظفروا به في الحال من أعوانه ، وأقام ثلاثا لا يتجاسر أحد من ذويه أن يصلّي عليه ولا يدفنه خوفا من المسلمين ، إلى أن شفعوا إلى علي عليه‌السلام في دفنه ، فأذن في ذلك على شرط أن لا يدفنوه في مقابر المسلمين ، فحمل إلى حش كوكب مقبرة اليهود ، ولمّا أراد النفر الّذين حملوه الصلاة عليه منعهم من ذلك المسلمون ورجموهم بالأحجار ، فدفن بغير صلاة ، ولم يزل قبره منفردا عن (٢) مقابر المسلمين ، إلى أن ولي معاوية ، فأمر بأن يدفن الناس [ من ] (٣) حوله ، حتّى اتصل الدفن بمقابر المسلمين ، ولم يسأل عنه أحد من بعد

__________________

(١) في البحار : « أو التابعين ».

(٢) في البحار : « من ».

(٣) من البحار.

٢٩١

القتل من وجوه المهاجرين والأنصار ـ كعليّ عليه‌السلام ، وعمّار ، ومحمد بن أبي بكر ، وغيرهم ، وأماثل التابعين ـ إلاّ قال : قتلناه كافرا.

وهذا الذي ذكرناه من نكير الصحابة والتابعين على عثمان موجود في جميع التواريخ وكتب الأخبار ، ولا يختلف في صحّته مخالط لأهل السير والآثار ، وإنّ أحسن الناس كان فيه رأيا من أمسك عن نصرته ومعونة المطالبين له بالخلع ، وكفّ عن النكير عنه وعنهم ، كمن ذكرناه من مواليه وبني أميّة ، ومن عداهم بين قاتل ومعاون بلسانه أو يده (١) أو بهما.

و [ معلوم ] (٢) تخصّص قاتليه بولاية علي عليه‌السلام ، وكونهم بطانة له وخواصّا ـ كمحمد بن أبي بكر ، وعمّار بن ياسر ، والأشتر ، وغيرهم من المهاجرين والأنصار وأهل الأمصار ـ وتولي الكافّة لهم تولّي الصالحين ، والمنع منهم بالأنفس والأموال وإراقة الدماء في نصرتهم ، والذبّ عنهم ، ورضاهم بعلي عليه‌السلام ، مع علمهم برأيه في عثمان والتأليب عليه ، وتولّي الصلاة وهو محصور بغير أمره ، واتخاذه مفاتح لبيوت الأموال ، واتخاذ قتلته (٣) أولياء [ و ] خاصّته أصفياء ، وإطباقهم على اختياره ، وقتالهم معه ، والدفاع عنه وعنهم ، واستفراغ الوسع في ذلك ، وعدم نكير من أحد من الصحابة أو التابعين يعتدّ بنكيره.

[ تكفير عثمان ]

ثم اشتهر التدين بتكفير عثمان بعد قتله ، وكفر من تولاّه من علي عليه‌السلام وذرّيته وشيعته ووجوه الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا ، وحفظ عنهم التصريح بذلك ، المستغني عنه بمعلوم القصود منهم ، غير أنّ (٤) في ذكره [ إيناسا ] (٥) للبعيد عن سماع العلم

__________________

(١) في البحار : « أو بيده ».

(٢) من البحار.

(٣) في النسخة : « قبلته ».

(٤) في البحار : « التصريح بذلك بحيث لا يحتاج إلى ذكره غير أنّ ».

(٥) من البحار.

٢٩٢

وتنبيها للغافل (١) من شبه (٢) الجهل.

فمن ذلك ما رووه من طرقهم : أنّ عليا عليه‌السلام خطب الناس بعد قتل عثمان ، فذكر أشياء قد مضى بيانها.

من جملتها : قوله عليه‌السلام : سبق الرجلان ، وقام الثالث كالغراب ، همّته بطنه وفرجه ، ويله لو قصّ جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له ، شغل عن الجنة ، والنار أمامه.

ورووا عن علي بن حزور ، عن الأصبغ بن نباتة قال : سأل رجل عليّا عليه‌السلام عن عثمان فقال : وما سؤالك عن عثمان ، إنّ لعثمان ثلاث كفرات ، وثلاث غدرات ، ومحلّ ثلاث لعنات ، وصاحب بليّات ، لم يكن بقديم الإيمان ، ولا ثابت الهجرة ، وما زال النفاق في قلبه ، وهو الّذي صدّ الناس يوم أحد ، الحديث طويل.

وذكر الثقفي في تاريخه ، عن عبد المؤمن ، عن رجل من عبد القيس قال : أتيت عليا عليه‌السلام في الرحبة فقلت : يا أمير المؤمنين حدّثنا عن عثمان ، قال : ادن ، فدنوت ، قال : ارفع صوتك ، فرفعت صوتي ، قال : كان ذا ثلاث كفرات ، وثلاث غدرات ، وفعل ثلاث لعنات ، وصاحب بليّات ، ما كان بقديم الإيمان ، ولا حديث النفاق ، يجزي بالحسنة السيّئة ، في حديث طويل.

وذكر في تاريخه ، عن حكيم بن جبير ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، وكان قد أدرك عليّا عليه‌السلام قال : ما يزن عثمان عند الله ذبابا ، فقال : ذبابا! فقال : ولا جناح ذباب ، ثم قال : ولا ( [ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ) (٣).

وذكر فيه ، عن أبي سعيد التيمي قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول : أنا يعسوب المؤمنين ، وعثمان يعسوب الكافرين.

__________________

(١) في النسخة : « وتنبّها الغافل » ، والمثبت من البحار.

(٢) في البحار : « سنّة ».

(٣) الكهف ١٨ : ١٠٥.

٢٩٣

وعن أبي الطفيل : وعثمان يعسوب (١) المنافقين.

وذكر فيه ، عن هبيرة بن ميرم (٢) قال : كنّا جلوسا عند علي عليه‌السلام ، فدعا ابنه عثمان ، فقال له : يا عثمان ، ثم قال : إنّي لم أسمّه باسم عثمان الشيخ الكافر ، إنّما سمّيته باسم عثمان بن مظعون.

وذكر في تاريخه من عدّة طرق : أنّ عليّا عليه‌السلام كان يستنفر الناس ويقول :

انفروا إلى أئمّة الكفر وبقيّة الأحزاب وأولياء الشيطان ، انفروا إلى من يقول : كذب الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، انفروا إلى من يقاتل على دم حمّال الخطايا ، والله إنّه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة ، لا ينقص من أوزارهم شيء.

وذكر فيه ، عن عمر بن هند ، عن علي عليه‌السلام أنه قال : لا يجتمع حبّي وحبّ عثمان في قلب رجل إلاّ اقتلع أحدهما صاحبه.

وروي فيه من طرق : أنّ جيفة عثمان بقيت ثلاثة أيام لا يدفن ، فسأل عليّا عليه‌السلام رجال من قريش في دفنه ، فأذن لهم على أن لا يدفن مع المسلمين في مقابرهم ولا يصلّى عليه ، فلمّا علم الناس بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة ، فخرجوا به يريدون (٣) حش كوكب مقبرة اليهود ، فلمّا انتهوا به إليهم رجموا سريره.

وروي فيه من طرق ، عن علي عليه‌السلام أنه قال : من كان سائلا عن دم عثمان فانّ الله قتله وأنا معه.

وروي فيه ، عن مالك بن خالد الأسدي ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن آبائه قال : كان الحسن بن علي عليهما‌السلام يقول : [ معشر ] (٤) الشيعة علّموا أولادكم بغض عثمان ، فإنّه من كان في قلبه حبّ لعثمان فأدرك الدجال آمن به ، فان لم يدركه آمن به (٥) في

__________________

(١) في النسخة : « ويعسوب ».

(٢) في النسخة : « مريم ».

(٣) في البحار : « يريدون به ».

(٤) من البحار.

(٥) في النسخة : « من » ، والمثبت من البحار.

٢٩٤

قبره.

ورووا فيه ، عن بكر بن أيمن ، عن الحسين بن علي عليهما‌السلام قال : إنّا وبنو أميّة تعادينا في الله ، فنحن وهم كذلك إلى يوم القيامة ، فجاء جبرئيل عليه‌السلام براية الحقّ فركزها بين أظهرنا ، وجاء إبليس براية الباطل فركزها (١) بين أظهرهم ، وإنّ أوّل قطرة سقطت على وجه الأرض من دم المنافقين دم عثمان بن عفان.

وروي فيه ، عن الحسين عليه‌السلام : أنّ عثمان جيفة على الصراط ، من أقام عليها أقام على أهل النار ، ومن جاوزه جاوز (٢) إلى الجنّة.

وروي فيه ، عن حكيم بن جبير يرفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّ عثمان جيفة على الصراط ، يعطف عليه من أحبّه ويجاوزه عدوّه.

وروي فيه ، عن محمد بن بشير قال : سمعت محمد بن الحنفية يلعن عثمان ويقول : كانت أبواب الضلالة مغلقة حتّى فتحها عثمان.

وروي فيه ، عن عبد الله بن شريك ، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليهما‌السلام أنه قال : لا تكن حرب سالمة حتّى يبعث قائمنا ثلاثة أراكيب في الأرض : ركب يعتقون مماليك أهل الذمّة ، وركب يردّون المظالم ، وركب يلعنون عثمان في جزيرة العرب.

وروى قتيبة ، عن أبي سعيد التيمي قال : سمعت عمّار بن ياسر يقول : ثلاث يشهدن على عثمان بالكفر وأنا الرابع.

وقد ذكرنا هذا الحديث وشهادة عمار عليه بالكفر في مقام بعد مقام.

وروي فيه ، عن يحيى بن جعدة قال : قلت لزيد بن أرقم : بأيّ شيء كفّرتم عثمان قال : بثلاث : جعل المال ( دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ ) ، وجعل المهاجرين بمنزلة من حارب الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمل بغير كتاب الله.

__________________

(١) في النسخة : « فركزهم » ، والمثبت من البحار.

(٢) في النسخة : « جاوزه » ، والمثبت من البحار.

٢٩٥

ومن طريق آخر قال : كفّرناه بثلاث : مزّق كتاب الله ونبذه في الحشوش (١) وأنزل المهاجرين بمنزلة من حارب الله ورسوله عليه‌السلام ، وجعل المال ( دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ ) ، فمن ثمّ أكفرناه وقتلناه.

وروي فيه ، عن أنس بن عمرو قال : قلت لزبيد الأيامي (٢) : إنّ أبا صادق قال :

والله ما يسرّني أنّ في قلبي مثقال حبّة خردل حبّا لعثمان ولو (٣) أنّ لي أحدا ذهبا ، وهو شرّ عندي من حمار مجدع لطحان ، فقال زبيد : صدق أبو صادق.

وروي فيه عن الحكم بن عيينة قال : حضرنا في موضع فقال طلحة بن مصرف الامامي : يأبى قلبي إلاّ حبّ عثمان ، فحكيت ذلك لإبراهيم النخعي ، فقال : لعن الله قلبه (٤).

ورووا عن إبراهيم أنه قال : إنّ عثمان عندي شر من قارون.

ورووا فيه عن سفيان ، عن الحسن البصري قال : سألت (٥) فقلت : أيّهما أفضل عثمان أم عمر بن عبد العزيز قال : ولا سواء من جاء إلى أمر فاسد فأصلحه خيرا ، ومن جاء إلى أمر صالح فأفسده.

ورووا فيه عن جويبر ، عن الضحّاك قال : قال لي : يا جويبر اعلم أنّ شرّ هذه الأمّة الأشياخ الثلاثة ، قلت من هم قال : عثمان وطلحة والزبير.

ورووا فيه عن الوليد بن زرود الرقي ، عن أبي جارود العبدي قال : أمّا عجل هذه الأمّة فعثمان ، وفرعونها معاوية ، وسامريها أبو موسى الأشعرى وذو الثدية ، وأصحاب النهر ملعونون ، وإمام المتقين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

وروي عن أبي الأرقم قال : سمعت الأعمش يقول : والله لوددت أني كنت وجأت

__________________

(١) في النسخة : « المحسوس » ، والمثبت من البحار.

(٢) في النسخة : « الأنامي ».

(٣) في النسخة : « ولا » ، والمثبت من البحار.

(٤) في النسخة : « قلبيه ».

(٥) في البحار : « سألته ».

٢٩٦

عثمان بخنجر في بطنه فقتلته.

ورووا عن سلمة بن كهيل ، عن سعيد بن جبير (١) ، قال : يرفع عثمان وأصحابه يوم القيامة حتّى يبلغ بهم الثريّا ثم يطرحون على وجوههم.

وروي فيه ، عن أبي عبيدة الذهلي (٢) قال : والله لا تكون الأرض سلما سلما حتّى يلعن عثمان ما بين المشرق والمغرب ، لا ينكر ذلك أحد.

وروي فيه : أن عبد الرحمن بن حنبل الجمحي ـ وكان بدريا ـ قال (٣) :

ذق يا أبا عمرو بسوء الفعل

وذق صنع كافر ذي جهل

لما صددت (٤) باب كلّ عدل

ورمت نقص حقنا بالبطل

غدا عليك أهل كل فضل

بالمشرفيات العصاة (٥) الفصل

فذقت قتلا لك أيّ قتل

كذاك يجزى كلّ عات دغل

في أمثال لهذه (٦) الأقوال المحفوظة عن الصحابة والتابعين ، ذكر جميعها يخرج عن الغرض ، وفي بعض ما ذكرناه كفاية في المقصود ، والمنّة لله.

[ الطلب بثأر عثمان وسببه ]

إن قيل : أفليس قد أنكر ما جرى وطلب بثأر عثمان طلحة والزبير ، وهما صحابيان ، وعائشة وهي زوج النبي عليه‌السلام ، ومعاوية وعمرو بن العاص وهما صحابيان ، ومن كان في حيزهم من المسلمين؟

__________________

(١) في النسخة : « خبير » ، والمثبت من البحار.

(٢) في النسخة غير مقرؤة ، وكأنّها : « الثقفي ».

(٣) في البحار : « قال شعر ».

(٤) في البحار : « سددت ».

(٥) في البحار : « القضاب ».

(٦) في البحار : « هذه ».

٢٩٧

قيل : أوّل ما في هذا أنّ الحال الّتي وقع فيها (١) القتل بعثمان لم يحصل فيها نكير من أحد يعتدّ به ، وهو الوجه المقتضي لحسن الواقع من قتل عثمان ، ولا تأثير لما أظهره القوم المعنيّون من النكير شاما وعراقا ، لوجوب اختصاص النكير لما يتوقع حدوثه ، دون الماضي الّذي يستحيل تأثير الإنكار فيه ، ولم يبق إلاّ أن يقال : إنّ الواقع منهم كان انتصارا ، فيسقط ذلك على مذاهبنا ومذاهبهم ، وإن كان غير نافع لهم في موضع القدح إنكار من ذكروه.

فأمّا سقوطه على مذاهبنا ، فلأنّا نثبت النصّ [ على ] علي عليه‌السلام ، وندين بأنّه كاشف عن عصمته عليه‌السلام ، حسب ما وضح برهانه وقامت حجّته ، وذلك يقتضي صواب فعله عليه‌السلام ، وضلال المنكر عليه والمنتصر منه والخارج عن طاعته ، وسقوط الأحكام المخالفة لحكمه ، والشهادة على جميعها بالقبح.

وعلى أصول الخصوم : أنهم يثبتون إمامته بعد عثمان باختيار الأمّة ، ويقطعون على خطأ الخارج عن طاعته المختار ، وضلال المحارب له من غير حدث ، وعلي عليه‌السلام لم يحدث باتفاق.

على أنّ تأمّل حال الفريقين ، وتتّبع أفعالهم ، وكشف أغراضهم يوضح عن خلاف ما ظنّه السائل من الإنكار لباطل أو الانتصار لحقّ أو طلب ثأر ، ويوضح عن قصدهم التأمير على الناس ، وخلع طاعة المنصوص عليه والمختار ، ليأسهم من بلوغ الأغراض الفاسدة في ولايته ، وحرصهم على نيل الأماني الدنيويّة على أيّ وجه يمكن وبأيّ شيء تمّ من حسن الأفعال وقبيحها.

ومن كانت هذه حاله فلا اعتداد بفعله ، ولا تأثير لما يظهره من النكير المعلوم خلاف غرضه فيه وفساده لو كان مقصودا ، لقبحه ، ونحن ننبّه (٢) على جمل ذلك وما

__________________

(١) في النسخة : « فيهما ».

(٢) في النسخة : « بينه ».

٢٩٨

يقتضيه.

أما عائشة ، فالمعلوم من حالها عداوة عثمان والمجاهرة بالنكير عليه والتأليب إلى أن أحصر ، وخروجها إلى مكّة ، بعد الظن القويّ بهلاكه ، مؤلبة عليه ، وذاكرة إحداثه في الاسلام ، ومخالفته سيرة المتقدّمين عليه في محافل مكّة ، وكاتبة به إلى البلاد ، إلى أن بلغها قتله والإرجاف ببيعة طلحة ، فأظهرت من السرور بالأمرين والذمّ لعثمان والمدح لطلحة ما أجمع عليه الناقلون ، فقد ذكرنا طرفا من ذلك أجمع ، وأعجلت الرحلة مغتبطة بالحالين.

إلى أن صحّ لها في الطريق ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وبيعة الناس له لخلات ، فعادت ناكصة على عقبها ، واجمة من ولايته ، عظيمة الوجد لخلافته ، مظهرة التوجّع لعثمان وما جرى عليه ، مشيدة لقتله مظلوما ، ناشدة دمه في المحافل ، مولبة على علي عليه‌السلام ، معلنة بأنّه قتل عثمان وشيعته مظلوما.

حتّى اجتمع لها أولياء عثمان ، ومبغضوا علي عليه‌السلام ، ومكيدوا الاسلام وأغرار قريش.

وبلغ ذلك طلحة والزبير ، فوافق شحنا (١) في صدورهما ، فاستأذنا عليّا عليه‌السلام في العمرة ، عزما منهما على نكث بيعته ، ورغبة في اللحوق بعائشة ، تأميلا لبلوغ الرئاسة الفانية من جهته ، وطمعا في الدنيا المؤيس منها لديه ، فخوّفهما عليه‌السلام الغدر والنكث ، فجدّدا عهدا ثانيا ، فأذن لهما.

فلمّا وصلا مكّة ناشدا الناس دم عثمان ، وأنّ عليا دسّ عليه حتّى قتل ، وآوى قتلته واتخذهم بطانة ، مع ما نعلم من حالهما في عثمان وحصره ، والمشاركة في قتله ، وبرء أمير المؤمنين عليه‌السلام من ذلك ، ولزومه منزله حتّى قتل.

فاجتمع إليهم القوم الّذين أجابوا عائشة وأمثالهم من الطمّاع وأجلاف الأعراب ، فمضوا جميعا إلى البصرة ناكثين بيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام.

__________________

(١) في النسخة : « سحنا ».

٢٩٩

فلمّا انتهوا إليها دعوا الناس إلى خلع علي عليه‌السلام وبيعتهما وعائشة ، فأجابهم من لا بصيرة له أو من يرغب في الفتنة ، وامتنع حكيم بن جبلّة العبدي في مائتين من صلحاء قومه ، فقتلوه وجماعته ، وغدروا بعثمان بن حنيف ـ وقتلوا السابحة ـ (١) وأرادوا قتله ، فخافوا أخاه سهلا على قومهم بالمدينة ، فنكلوا به ، وفتحوا بيت المال بها ، فأخذوا منه ما شاءوا.

واجتمع إليهم أطراف الناس ، وقوي أمرهم وعظمت فتنتهم.

فلمّا بلغ ذلك عليّا عليه‌السلام ، كانت عمّاله وأمراؤه بحال القوم وإفسادهم في البلاد (٢) ، فسار في المهاجرين والأنصار وذوي السوابق وأولي البصائر ، ليتلافى فارطهم وشغب صدعهم في الاسلام وبريق لمعهم (٣) في الدين.

فلمّا انتهى إليهم دعاهم إلى الله تعالى ، وإلى كتابه ، وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والدخول في الجماعة ، وخوّفهم الفتنة والفرقة.

فأبوا إلاّ القتال ، أو خلع نفسه من الأمر ليولّوه من شاءوا ، أو يسلّم إليهم قتلة عثمان ليروا رأيهم فيهم.

فسألهم ذكر حدث يوجب خلعه ، أو تقصير يمنع من إمامته ، فلم يجيبوه ، فكرّر الأعذار ، وبالغ في النصيحة ، والدعوة إلى كتاب الله والسنة ، والتخويف من الفتنة والفرقة ، على الانفراد بكلّ منهم بنفسه وبرسله ، والاجتماع.

ولا جواب إلاّ قولهم مع الخوف شدّة المطامع ، وسمعنا أنّ هاهنا دنيا جئنا بطلبها ، وظنّ ابن أبي طالب أنّ الأمر قد استوسق له ، وأنّه لا منازع له ، ونحو هذا الكلام.

فكرّر التذكار والوعظ ، فلم يزدهم ذلك إلاّ طغيانا وإصرارا ، فأمسك عن قتالهم واقتصر على الدعاء ، حتّى بدءوه بالحرب ، وقتلوا داعيه بالمصحف إلى ما فيه وهو

__________________

(١) كذا.

(٢) كذا في النسخة ، والظاهر وجود سقط يحتمل : « على علم ».

(٣) في النسخة : « معهم ».

٣٠٠