إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام

الشيخ محمد بن طاهر السماوي

إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام

المؤلف:

الشيخ محمد بن طاهر السماوي


المحقق: الشيخ محمّد جعفر الطبسي
الموضوع : التراجم
الناشر: مركز الدراسات الإسلامية لحرس الثورة
المطبعة: حرس الثورة الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٢

قاتله؟ قال : نعم ، فبقى عند هاني ، وأصبح عبيد الله فبعث عينا له من مواليه يتوصل إلى مسلم ، وعاد شريك بن الأعور فلم يحب مسلم قتله حتّى ظهر من تلويحات شريك لعبيد الله ، فنهض ومات شريك وأخبره عينه أنّ مسلما عند هاني فبعث على هاني وحبسه ، فجمع مسلم أصحابه وعقد لعبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة ، وقال له سر أمامي في الخيل. وعقد لمسلم بن عوسجة على ربع مذحج وأسد وقال : انزل في الرجال ، وعقد لأبي ثمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان ، وعقد للعبّاس بن جعدة الجدلي على ربع المدينة ، ثمّ أقبل نحو القصر فأحاطوا به حتّى أمر عبيد الله بسدّ الأبواب ، فأشرف من القصر أشراف الكوفة يخذّلون الناس بالترغيب والترهيب ، فما أمسى المساء إلاّ وقد انفضّ الجمع من حول مسلم ، وخرج شبث بن ربعي ، والقعقاع بن شور الذهلي ، وحجّار بن أبجر العجلي ، وشمر بن ذي الجوشن الكلابي يخذّلون الناس ، وخرج كثير بن شهاب بن الحصين الحارثي في عدد للقبض على من رآه يريد مسلما ، فقبض على جماعة فحبسهم عبيد الله.

ثمّ إنّ مسلما خرج من المسجد منفردا لا يدري أين يتوجّه ، فمرّ بدار امرأة يقال لها ( طوعة ) كانت تحت الأشعث بن قيس (١) ثمّ تزوّجها أسيد الحضرمي فولدت منه بلالا ومات أسيد عنه (٢) ، فاستسقاها فسقته وشرب فوقف ، فقالت له : ما وقوفك؟ فاستضافها فأضافته وعرفته فأخفته ببيت لها ، فاسترابها بلال ابنها بكثرة الدخول والخروج لذلك البيت فاستخبرها فما كادت تخبره حتّى استحلفته

__________________

(١) قال ابن حجر : الأشعث بن قيس بن معد يكرب الكندي ، أبو محمّد الصحابي نزل الكوفة ، مات سنة أربعين أو إحدى وأربعين وهو ابن ثلاث وستين. راجع تقريب التهذيب : ١ / ٨٠ ، الرقم ٦٠٨.

(٢) هكذا في الأصل ، والصحيح : عنها.

٨١

وأخبرته ، فخرج صبحا للقصر ، فرأى ابن زياد وعنده أشراف الناس وهو يتفحص عن مسلم فأسرّ لمحمّد بن الأشعث بخبره ، فقال ابن زياد : وما قال لك؟ فأخبره ، فنخسه بالقضيب في جنبه ثمّ قال : قم فاتني به الساعة. فخرج ومعه عمرو بن عبيد الله بن العبّاس السلمي في جماعة من قيس حتّى أتوا الدار ، فسمع مسلم حوافر الخيل فخرج وبيده سيفه ، فقاتل القوم قتالا شديدا ، وكان أيّدا ، ربما أخذ الرجل ورمى به على السطح ، فجعلوا يوقدون أطنان القصب ويرمونها عليه ويرضخونه بالحجارة من السطوح ، وهو لا يزال يضرب فيهم بسيفه ويقول في خلال ذلك متحمسا :

أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا

وإن رأيت الموت شيئا نكرا

كلّ امرئ يوما ملاق شرّا

أو يخلط البارد سخنا مرّا

رد شعاع النفس فاستقرّا

أخاف أن أكذب أو أغرّا

ثمّ اختلف هو وبكير بن حمران الأحمري بضربتين فضرب بكير فمّ مسلم فقطع شفته العليا ، وأسرع السيف في السفلى ، ونصلت لها ثنيتان ، فضربه مسلم ضربة منكرة في رأسه وثنّى بأخرى على حبل عاتقه كادت تأتي على جوفه فاستنقذه أصحابه. وعاد مسلم ينشد شعره ، فقال له محمّد بن الأشعث : لك الأمان يا فتى ، لا تقتل نفسك ، إنّك لا تكذب ولا تخدع ولا تغر ، إنّ القوم بنو عمّك وليسوا بقاتليك ولا ضاربيك ، فلمّا رأى مسلم أنّه قد أثخن بالحجارة وأضرّت به أطنان القصب المحرق وأنّه قد انبهر أسند ظهره إلى جنب تلك الدار فكرّر عليه محمّد الأمان ودنا منه ، فقال : آمن أنا؟ قال : نعم. وصاح القوم : أنت آمن. سوى عمرو بن عبيد الله بن العبّاس السلمي فإنّه قال : لا ناقة لي في هذا ولا جمل وتنحّى ، فقال مسلم : أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم. ثمّ أتي ببغلة فحمل عليها وطافوا حوله فانتزعوا سيفه من عنقه ، فكأنّه آيس من نفسه فدمعت عيناه ، وقال : هذا أوّل الغدر ،

٨٢

فقال محمّد : أرجو أن لا يكون عليك بأس ، فقال : ما هو إلاّ الرجاء ، أين أمانكم؟! إنّا لله وإنّا إليه راجعون وبكى ، فقال عمرو السلمي : إنّ من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك ، فقال : إنّي والله ما لنفسي أبكي ولا لها من القتل أرثي ، وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا ، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إليّ ، أبكي لحسين وآل حسين. ثمّ قال لمحمّد بن الأشعث : يا عبد الله إنّي أراك ستعجز عن أماني ، فهل عندك خير؟ أتستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني يبلغ حسينا ، فإنّي لأراه قد خرج إليكم اليوم مقبلا أو هو خارج غدا وأهل بيته معه ، وإن ما ترى من جزعي لذلك ، فيقول : إنّ مسلما بعثني إليك وهو في أيدي القوم أسير لا يرى أن يمسي حتّى يقتل وهو يقول : ارجع بأهل بيتك ولا يغرّك أهل الكوفة فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل ، إنّ أهل الكوفة قد كذّبوك وكذّبوني ، وليس لمكذوب رأي ، فقال محمّد : والله لأفعلن ولأعلمن ابن زياد إنّي قد آمنتك.

قال جعفر بن حذيفة الطائي : فبعث محمّد إياس بن العتل الطائي من بني مالك ابن عمرو بن ثمامة وزوّده وجهّزه ومتّع عياله ، وأرسله للحسين فاستقبله بزبالة (١) لأربع ليال بقين من الشهر ، وكان عبيد الله بن زياد بعث رئيس الشرطة الحصين بن تميم التميمي في نحو من ألفي فارس فأطافوا بالطف ونظموا المسالح ومنعوا الداخل والخارج ، فهم على خط واحد فلم تحصل له فرصة إلاّ ذلك الزمن.

قال أبو مخنف : ثمّ أقبل محمّد بن الأشعث بمسلم إلى باب القصر فاستأذن فأذن له ، فأخبر عبيد الله بخبر مسلم وضرب بكير إيّاه ، فقال : بعدا له ، فأخبره بأمانه ، فقال : ما أرسلناك لتؤمنه إنّما أرسلناك لتأتي به. فسكت. وانتهى مسلم إلى باب القصر وهو عطشان ، وعلى باب القصر أناس ينتظرون الإذن منهم : عمارة بن عقبة بن أبي معيط ،

__________________

(١) زبالة : منزل بطريق مكّة من الكوفة. معجم البلدان : ٣ / ١٢٩.

٨٣

وعمرو بن حريث ، ومسلم بن عمرو الباهلي ، وكثير بن شهاب ، فاستسقى مسلم وقد رأى قلّة موضوعة على الباب ، فقال مسلم الباهلي : أتراها ما أبردها! لا والله لا تذوق منها قطرة حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم! فقال له : ويحك من أنت؟ قال : أنا ابن من عرف الحقّ إذ أنكرته ونصح لإمامه إذ غششته ، وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفته ، أنا مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال : لأمّك الثكل! ما أجفاك وما أفظّك ، وأقسى قلبك وأغلظك! أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنّم منّي ، ثم تساند وجلس إلى الحائط ، فبعث عمرو بن حريث مولاه سليمان فجاءه بقلّة ، وبعث عمارة غلامه قيسا فجاءه بقلّة عليها منديل فصبّ له ماء بقدح ، فأخذ كلّما شرب امتلأ القدح دما من فمه ، حتّى إذا كانت الثالثة سقطت ثنيتاه في القدح ، فقال : الحمد لله لو كان من الرزق المقسوم لي لشربته. ثمّ أدخل مسلم فلم يسلّم بالإمرة على عبيد الله ، فاعترضه الحرسي بذلك ، فقال عبيد الله : دعه فإنّه مقتول ، فقال له مسلم : أكذلك؟ قال : نعم ، قال : فدعني أوص إلى بعض قومي. فنظر إلى جلساء عبيد الله فإذا عمر بن سعد فيهم ، فقال : يا عمر ، إنّ بيني وبينك قرابة ، ولي إليك حاجة ، وقد يجب عليك نجح حاجتي ، وهو سرّ. فأبى أن يمكّنه من ذكرها ، فقال له عبيد الله : لا تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمّك ، فقام معه وجلس بحيث ينظر إليه ابن زياد ، فقال : إنّ عليّ بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم ، فاقضها عنّي ببيع لامتي ، واستوهب جثّتي من ابن زياد فوارها ، وابعث إلى الحسين عليه‌السلام من يردّه ، فإنّي كتبت إليه أعلمه أنّ الناس معه ، ولا أراه إلاّ مقبلا. فقال عمر لابن زياد : أتدري ما قال لي؟ إنّه قال كذا وكذا ، فقال ابن زياد : ما خانك الأمين ولكن ائتمنت الخائن ، أمّا ماله فهو لك فاصنع به ما شئت ، وأمّا جثّته فلن نبالي إذا قتلناه ما يصنع بها ، أو قال : فلن نشفعك فيها فإنّه ليس بأهل منّا لذلك قد جاهدنا وجهد على هلاكنا ، وأمّا حسين فإن لم يردنا لم نرده وإن أرادنا فلن نكفّ عنه ، ثمّ قال : إيه يا بن عقيل أتيت

٨٤

الناس وأمرهم جميع وكلمتهم واحدة ، لتشتتهم وتحمل بعضهم على بعض؟ قال : كلاّ ، ما أتيت لذلك ولكنّ أهل المصر زعموا أنّ أباك قتل خيارهم ، وسفك دماءهم ، وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر ، فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعوا إلى حكم الكتاب. قال : وما أنت وذاك يا فاسق ، أو لم نكن نعمل بذاك فيهم إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر؟ قال : أنا أشرب الخمر؟! والله إنّ الله يعلم أنّك غير صادق ، وإنّك قلت بغير علم ، وأنّي لست كما ذكرت ، وإنّ أحقّ بشرب الخمر منّي من يلغ في دماء المسلمين ولغا ، فيقتل النفس التي حرّم الله قتلها ، ويقتل النفس بغير النفس ، ويسفك الدم الحرام ، ويقتل على الغضب والعداوة وسوء الظن ، وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا. فقال ابن زياد : يا فاسق إنّ نفسك تمنّيك ما حال الله دونه ولم يرك أهله ، قال : فمن أهله يا ابن زياد؟ قال : أمير المؤمنين يزيد. قال : الحمد لله رضينا بالله حكما بيننا وبينكم. قال : كأنّك تظنّ أنّ لكم في الأمر شيئا؟ قال : ما هو الظن ولكنّه اليقين ، قال : قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام! قال : أما إنّك أحقّ من أحدث في الإسلام حدثا لم يكن منه ، أما إنّك لا تدع سوء القتلة ، وقبح المثلة ، وخبث السريرة ، ولؤم الغلبة لأحد أحق بها منك ، فأخذ ابن زياد يشتمه ويشتم عليّا وحسينا وعقيلا ، وأخذ مسلم بالسكوت والإعراض عنه ، فقال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر ، وادعوا بكير بن حمران الأحمري الذي ضربه مسلم ، فصعدوا به ، وأحضر بكير فأمره أن يضرب عنقه ويتبع برأسه جسده من أعلى القصر ، فصاح مسلم بمحمّد بن الأشعث : قم بسيفك دوني فقد أخفرت ذمتك ، أما والله لو لا أمانك ما استسلمت. فأعرض محمّد ، وجعل مسلم يسبّح الله ويقدسه ويكبّره ويستغفره ، ويصلّي على أنبياء الله وملائكته ويقول : اللهمّ احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذّبونا وأذلّونا ، فأشرف به من على القصر ، فضربت عنقه واتبع جسده رأسه ، ونزل بكير فقال له ابن زياد : وما كان يقول؟ قال : إنّه كان يسبّح ويستغفر ، فلمّا أدنيته قلت :

٨٥

الحمد لله الذي أقادني منك. وضربته ضربة لم تغن شيئا ، فقال لي : أما ترى في خدش تخدشنيه وفا من دمك أيّها العبد؟ فقال ابن زياد : أو فخرا عند الموت؟ ثمّ قال : إيه. قال : وضربته الثانية فقتلته ، ثمّ أمر ابن زياد فقتل هاني وجملة من المحبوسين ، وجرت جثتا مسلم وهاني بحبلين في الأسواق (١).

وقتل مسلم في اليوم الثامن من ذي الحجّة يوم خروج الحسين عليه‌السلام من مكّة.

قال أبو مخنف : وحدّث عبد الله بن سليم والمذريّ بن المشمعل الأسديين قالا : لمّا قضينا حجّنا لم يكن لنا همّة إلاّ اللحاق بالحسين في الطريق لننظر ما يكون من أمره وشأنه ، فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتّى لحقناه بزرود (٢) ، فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين ، قالا : فوقف الحسين كأنّه يريده ، ثمّ تركه ومضى ، فقال أحدنا لصاحبه : امض بنا إليه لنسأله عن خبر الكوفة ، فانتهينا إليه وسلّمنا وانتسبنا ، فإذا هو بكير بن المثعبة الأسدي فاستخبرناه عن الكوفة فقال : ما خرجت حتّى رأيت مسلما وهانيا قتيلين يجرّان بأرجلهما في السوق. ففارقناه ولحقنا بالحسين ، فسلّمنا عليه وسايرناه ، حتّى نزل الثعلبيّة ممسيا فدخلنا عليه وقلنا له : يرحمك الله إنّ عندنا خبرا إن شئت حدّثناك به علانية وإن شئت سرّا. فنظر إلى أصحابه وقال : ما دون هؤلاء سرّ. فقلنا : أرأيت الراكب الذي استقبلك عشاء أمس؟ قال : نعم ، وقد أردت مسألته. فقلنا قد استبرأنا لك خبره ، وكفيناك مسألته وهو امرؤ من أسد منّا ذو رأي وصدق وفضل وعقل ، وإنّه حدّثنا بكيت وكيت. فاسترجع وقال : رحمة الله عليهما وكررها مرارا. فقلنا ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلاّ انصرفت فإنّه ليس لك بالكوفة ناصر ، بل نتخوّف أن

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٢٩١.

(٢) زرود : موضع على طريق حاج الكوفة بين الثعلبيّة والخزيميّة. معجم البلدان : ٣ / ١٣٩.

٨٦

يكونوا عليك فاعترضته بنو عقيل بأننا لا نترك ثأرنا ، فالتفت إلينا الحسين وقال : « لا خير في العيش بعد هؤلاء » ، فعلمنا أنّه عزم على المسير ، فقلنا له : خار الله لك. فدعا لنا ، فقال له أصحابه : إنّك والله ما أنت مثل مسلم ، ولو قدمت الكوفة كان الناس إليك أسرع (١).

قال أهل السير : ولمّا ورد الحسين زبالة (٢) أخرج كتابا لأصحابه فقرأه عليهم وفيه : أمّا بعد فقد أتانا خبر فظيع إنّه قتل مسلم وهاني وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلنا شيعتنا ، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منّا ذمام ، فتفرّق الناس عنه يمينا وشمالا إلاّ صفوته (٣).

وروى بعض المؤرخين : أنّ الحسين لمّا قام من مجلسه بالثعلبيّة (٤) توجّه نحو النساء وانعطف على ابنة لمسلم صغيرة ، فجعل يمسح على رأسها فكأنّها أحسّت ، فقالت ما فعل أبي ، فقال يا بنيّة أنا أبوك ، ودمعت عينه ، فبكت البنت وبكت النساء لذلك.

قال أهل السير : ثمّ إنّ ابن زياد بعث برأسي مسلم وهاني إلى يزيد مع هاني بن أبي حيّة الوادعي والزبير بن الأروح التميمي (٥) ، واستوهبت الناس الجثث فدفنوها عند القصر حيث تزار اليوم ، وقبراهما كلّ على حدة.

وإنّي لأستحسن كثيرا قول السيّد الباقر بن السيّد محمّد الهندي فيه :

سقتك دما يا ابن عمّ الحسين

مدامع شيعتك السافحة

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٢ ، راجع الإرشاد : ٢ / ٧٣.

(٢) زبالة : منزل بطريق مكّة من الكوفة. معجم البلدان : ٣ / ١٢٩.

(٣) الإرشاد : ٢ / ٧٥.

(٤) الثعلبيّة : موضع بطريق مكّة.

(٥) راجع الإرشاد : ٢ / ٦٥.

٨٧

ولا برحت هاطلات الدموع

تحييك غادية رائحه

لأنّك لم ترو من شربة

ثناياك فيها غدت طائحه

رموك من القصر إذ أوثقوك

فهل سلمت فيك من جارحه

تجر بأسواقهم في الحبال

ألست أميرهم البارحه

أتقضي ولم تبكك الباكيات

أما لك في المصر من نائحه

لئن تقض نحبا فكم في زرود

عليك العشية من صائحه

ولي في ذلك :

نزفت دموعي ثمّ أسلمني الجوى

لقارعة ما كان فيها بمسلم

أجيل وجوه الفكر كيف تخاذلت

بنو مضر الحمراء عن نصر مسلم

أما كان في الأرباع شخص بمؤمن

وما كان في الأحياء حي بمسلم

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( عليّة ) : بضم العين وفتح اللام وتشديد الياء المثناة تحت.

( يتساقط ) : أي يقيم المكان بعد المكان من المرض.

( القعقاع ) : بالقاف المفتوحة والعين المهملة الساكنة والقاف والعين بينهما ألف ، ابن شور بالشين المضمومة والراء المهملة ، له شرف وسمعة ويضرب به المثل في المجالسة ، فيقال جليس القعقاع بن شور ، لأنّه دخل مجلس معاوية وقد ضاق فقام رجل وأعطاه مكانه فجلس فيه ثمّ أمر له معاوية بشيء ، فقال : أين من قام عن مجلسه لي؟ فقال : ها أنا ذا ، فقال : خذ ما نلته بمكانك مكافأة لقيامك.

( أطنان ) : جمع طن وهو : الحزمة من القصب.

( رد شعاع النفس ) : الشعاع المتفرّق من الشيء تفرّقا دقيقا يقال : مارت نفسه شعاعا أي تفرّقت من الخوف.

٨٨

قال الشاعر :

أقول لها وقد طارت شعاعا

من الأبطال ويحك لا تراعي

فالمعنى في الرجز أنّ النفس استقرّت بعد ما تفرّقت ، ويمضى في جملة من الكتب شعاع الشمس وهو غلط وتصحيف ، صحفه من لم يفهم شعاع النفس فرأى أنّ الشعاع بالشمس أليق.

( القلّة ) : بالضم إناء للماء كالكوز الصغير.

( إيه ) : بكسر الهمزة والهاء تنوّن ولا تنوّن فإن نوّنت الهاء كانت كلمة استنطاق وإن سكنت الهاء كانت كلمة استكفاف ، فمعنى الأولى تكلم ومعنى الثانية اسكت.

( لؤم الغلبة ) : إذا غلب اللئيم تبجح وظهر عليه التجبر ، وإذا غلب الكريم استحيا وصغرت له همّته ما فعل ، فلؤم الغلبة التبجح والاستعلاء وكرمها التصاغر والاستحياء.

( مسلم ) : الأوّل اسم فاعل من أسلمه إلى الشيء بمعنى أعطاه إيّاه وخذله ، والثاني العلم المترجم ، والثالث اسم فاعل من أسلم خلاف كفر.

( الأرباع ) : أرباع الكوفة وهي المدينة وكندة ومذحج وتميم ، وتدخل ربيعة مع كندة ، وأسد مع مذحج ، وهمدان مع تميم ، وتنضم غيرهم إليهم في الجميع ، يقال : أرباع الكوفة وأخماس البصرة ، وقد تقدّم ذلك.

عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب ( رضوان الله عليهم )

أمّه رقيّة بنت أمير المؤمنين ، وأمّها الصهباء أمّ حبيب بنت عبّاد بن ربيعة بن يحيى العبد بن علقمة التغلبيّة. قيل : بيعت لأمير المؤمنين من سبي اليمامة (١) ، وقيل :

__________________

(١) قال ابن منظور : وهي الصّقع المعروف شرقيّ الحجاز ... راجع لسان العرب : ١٥ / ٤٥ ، ـ

٨٩

من سبي عين التمر (١) ، فأولدها علي عليه‌السلام عمر الأطرف ورقيّة.

قال السروي : تقدّم عبد الله بن مسلم إلى الحرب فحمل على القوم وهو يقول :

اليوم ألقى مسلما وهو أبي

وعصبة بادوا على دين النبي

حتّى قتل ثمانية وتسعين رجلا بثلاث حملات ، ثمّ رماه عمرو بن صبيح الصدائي بسهم (٢).

قال حميد بن مسلم : رمى عمرو عبد الله بسهم وهو مقبل عليه ، فأراد جبهته فوضع عبد الله يده على جبهته يتقى بها السهم فسمر السهم يده على جبهته فأراد تحريكها فلم يستطع ثمّ انتحى له بسهم آخر ففلق قلبه فوقع صريعا (٣).

وكانت قتلته بعد علي بن الحسين فيما ذكره أبو مخنف والمدائني وأبو الفرج دون غيرهم (٤).

محمّد بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليهم السلام

وأمّه أمّ ولد ، قال أبو جعفر : حمل بنو أبي طالب بعد قتل عبد الله حملة واحدة ، فصاح بهم الحسين عليه‌السلام : صبرا على الموت يا بني عمومتي ، فوقع فيهم محمّد بن

__________________

مراصد الاطلاع : ٣ / ١٤٨٣.

(١) قال الحموي : عين التمر بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة. راجع معجم البلدان : ٤ / ١٩٩.

(٢) المناقب : ٤ / ١٠٥ ، وفيه : قتله عمرو بن صبيح وأسد بن مالك. وفي الأخبار الطوال : عمرو بن صبح. راجع الإرشاد : ٢ / ١٠٧. وعمرو هذا كان ممّن انتدب على جسد الحسين عليه‌السلام ، راجع اللهوف للسيد ابن طاوس : ١٨٢.

(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٤٣ ، راجع مقاتل الطالبيين : ٩٨ ، والإرشاد : ٢ / ١٠٧ ، وذكر الدينوري قتله بعد علي بن الحسين عليه‌السلام ، راجع الأخبار الطوال : ٢٥٧.

(٤) الكامل : ٤ / ٧٤.

٩٠

مسلم ، قتله أبو مرهم الأزدي ولقيط بن إياس الجهني (١).

محمّد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب عليهم السلام

أمّه أمّ ولد. قال أهل السير نقلا عن حميد بن مسلم الأزدي أنّه قال : لمّا صرع الحسين خرج غلام مذعورا يلتفت يمينا وشمالا ، فشدّ عليه فارس فضربه ، فسألت عن الغلام؟ فقيل : محمّد بن أبي سعيد ، وعن الفارس فقيل : لقيط بن إياس الجهني (٢).

وقال هشام الكلبي : حدّث هاني بن ثبيت الحضرمي قال : كنت ممّن شهد قتل الحسين عليه‌السلام ، فو الله إنّي لواقف عاشر عشرة ليس منّا رجل إلاّ على فرس ، وقد جالت الخيل وتضعضعت إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية عليه إزار وقميص ، وهو مذعور ، يتلفّت يمينا وشمالا ، فكأنّي أنظر إلى درّتين في أذنيه يتذبذبان كلّما التفت ، إذ أقبل رجل يركض حتّى إذا دنا منه مال عن فرسه ، ثمّ اقتصد الغلام فقطعه بالسيف.

قال هشام الكلبي : هاني بن ثبيت الحضرمي هو صاحب الغلام ، وكنّى عن نفسه استحياء أو خوفا (٣).

عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب عليهم السلام

امّه أم ولد. قال ابن شهرآشوب : تقدّم في حملة آل أبي طالب بعد الأنصار وهو

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٩٧.

(٢) راجع بحار الأنوار : ٤٥ / ٣٣.

(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٣٢ بتفاوت ، لاحظ مقاتل الطالبيين : ١٨٨.

٩١

يقول :

أبي عقيل فاعرفوا مكاني

من هاشم وهاشم إخواني

فقاتل حتّى قتل سبعة عشر فارسا ، ثمّ احتوشوه فتولّى قتله عثمان بن خالد بن أشيم الجهني ، وبشر بن حوط الهمداني ثمّ القابضي بطن منهم (١).

جعفر بن عقيل بن أبي طالب عليهم السلام

امّه الحوصاء بنت عمرو المعروف بالثغر بن عامر بن الهصان بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب العامري ، وأمّها أودة بنت حنظلة بن خالد بن كعب بن عبد بن أبي بكر المذكور ، وأمّها ريطة بنت عبد بن أبي بكر المذكور ، وأمّها أمّ البنين بنت معاوية ابن خالد بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وأمّها حميدة بنت عتبة بن سمرة بن عتبة ابن عامر (٢).

قال السروي : تقدّم إلى القتال فجالد القوم يضرب فيهم بسيفه قدما وهو يقول :

أنا الغلام الأبطحي الطالبي

من معشر في هاشم من غالب

ونحن حقا سادة الذوائب

فقتل خمسة عشر رجلا ، ثمّ قتله بشر بن حوط قاتل أخيه عبد الرحمن (٣).

__________________

(١) المناقب : ٤ / ١٠٦ ، وليس فيه بشر بن حوط الهمداني. راجع الإرشاد : ٢ / ١٠٧ ، ومقاتل الطالبيين : ٩٦.

(٢) قال أبو الفرج : وجعفر بن عقيل بن أبي طالب ، وأمّه أم الثغر بنت عامر بنت الهصان العامري من بني كلاب. قتله عروة بن عبد الله الخثعمي فيما رويناه عن أبي جعفر محمّد بن علي ابن الحسين ، وعن حميد بن مسلم. ويقال : أمّه الخوصاء بنت الثغرية ، واسمه عمرو بن عامر بن الهصان بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب العامري. راجع مقاتل الطالبيين : ٩٧.

(٣) المناقب : ٤ / ١٠٥ ، وفيه : بشر بن سوط الهمداني.

٩٢

عبد الله بن يقطر الحميري ( رضيع الحسين عليه السلام )

كانت أمّه حاضنة للحسين كأمّ قيس بن ذريح للحسن ، ولم يكن رضع عندها ولكنّه يسمّى رضيعا له لحضانة أمّه له. وأمّ الفضل بن العبّاس لبابة كانت مربية للحسين عليه‌السلام ولم ترضعه أيضا كما صحّ في الأخبار أنّه لم يرضع من غير ثدي أمّه فاطمة ( صلوات الله عليها ) وإبهام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) تارة ، وريقه تارة أخرى.

قال ابن حجر في الإصابة : إنّه كان صحابيّا لأنّه لدة الحسين عليه‌السلام (٢).

وقال أهل السير : إنّه سرحه الحسين عليه‌السلام إلى مسلم بن عقيل بعد خروجه من مكّة في جواب كتاب مسلم إلى الحسين عليه‌السلام يسأله القدوم ويخبره باجتماع الناس ، فقبض عليه الحصين بن تميم (٣) بالقادسيّة (٤) وأرسله إلى عبيد الله بن زياد فسأله عن حاله فلم يخبره ، فقال له : اصعد القصر والعن الكذّاب بن الكذّاب ثمّ انزل حتّى أرى فيك رأيي ، فصعد القصر فلمّا أشرف على الناس قال : أيّها الناس ، أنا رسول الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليكم لتنصروه وتوازروه على ابن مرجانة وابن سميّة الدعيّ ابن الدعيّ ، فأمر به عبيد الله فألقي من فوق القصر إلى الأرض فتكسرت عظامه وبقي به رمق ، فأتاه عبد الملك بن عمير اللخمي ( قاضي الكوفة وفقيهها ) فذبحه بمدية ، فلمّا عيب عليه ، قال : إنّي أردت أن أريحه (٥).

__________________

(١) راجع الكافي : ١ / ٤٦٥ ، ح ٤ ، البحار : ٤٤ / ١٩٨ ، ح ١٤ ، وفي ٢٣٣ ذيل حديث ١٧ عن كامل الزيارات : ٥٧ ، ح ٤.

(٢) الإصابة : ٤ / ٥٩ ، وفيه : عبد الله بن يقظة ، والظاهر أنّه تصحيف في طبعات الإصابة الجديدة.

(٣) في الإرشاد والأخبار الطوال : الحصين بن نمير. وكان من أشدّ الناس في قتال علي عليه‌السلام. راجع الكامل : ٢ / ٤٥٢.

(٤) القادسيّة : قرية قريبة من الكوفة من جهة البر. راجع معجم البلدان : ٤ / ٢١٩.

(٥) الإرشاد : ٢ / ٧١ ، تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٣.

٩٣

قالوا : ولمّا ورد خبره وخبر مسلم وهاني إلى الحسين عليه‌السلام بزبالة (١) نعاه إلى أصحابه وقال : « أمّا بعد ، فقد أتانا خبر فظيع ، قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلنا شيعتنا » إلى آخر ما ذكرناه آنفا (٢).

وقال ابن قتيبة وابن مسكويه : إنّ الذي أرسله الحسين قيس بن مسهّر كما يأتي ، وإنّ عبد الله بن يقطر بعثه الحسين عليه‌السلام مع مسلم ، فلمّا أن رأى مسلم الخذلان قبل أن يتم عليه ما تمّ بعث عبد الله إلى الحسين يخبره بالأمر الذي انتهى ، فقبض عليه الحصين وصار ما صار عليه من الأمر الذي ذكرناه.

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( يقطر ) : بالياء المثنّاة تحت والقاف والطاء والراء المهملتين. وضبطه الجزري في الكامل بالباء الموحدة (٣). لكن مشيختنا ضبطوه بالياء المثناة تحت.

( لدة ) : اللدّة الذي ولد مع الإنسان في زمن واحد.

( مدية ) : بضم الميم السكين والجمع مدى.

سليمان بن رزين مولى الحسين بن علي بن أبي طالب

كان سليمان هذا من موالي الحسين عليه‌السلام أرسله بكتب إلى رؤساء الأخماس بالبصرة حين كان بمكّة.

__________________

(١) زبالة : منزل بطريق مكّة من الكوفة. راجع معجم البلدان : ٣ / ١٢٩.

(٢) راجع الإرشاد : ٢ / ٧٥.

(٣) الكامل : ٤ / ٤٢. وكذا في الطبري : ٣ / ٣٠٣.

٩٤

قال الطبري : كتب الحسين عليه‌السلام إلى رؤساء الأخماس بالبصرة وإلى الأشراف كمالك بن مسمع البكري ، والأحنف بن قيس التميمي ، والمنذر بن الجارود العبدي ، ومسعود بن عمرو الأزدي ، وقيس بن الهيثم ، وعمرو بن عبيد الله (١) بن معمر ، فجاء الكتاب بنسخة واحدة « أمّا بعد : فإنّ الله اصطفى محمّدا على خلقه وأكرمه بنبوّته ، واختاره لرسالته ، ثمّ قبضه الله إليه وقد نصح لعباده ، وبلّغ ما أرسل فيه ، وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ الناس بمقامه في الناس ، فاستأثر علينا قومنا بذلك ، فرضينا وكرهنا الفرقة ، وأحببنا لكم العافية ، ونحن نعلم أنّا أحق بذلك الحقّ المستحقّ علينا ممّن تولاّه ، وقد بعثت إليكم رسولي بهذا الكتاب ، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه ، فإنّ السنّة قد أميتت وإنّ البدعة قد أحييت ، فإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد » (٢). فكتم بعض الخبر وأجاب بالاعتذار أو بالطاعة والوعد ، وظنّ المنذر بن الجارود أنّه دسيس من عبيد الله ، وكان صهره فإنّ بحريّة بنت الجارود تحت عبيد الله ، فأخذ الكتاب والرسول فقدّمهما إلى عبيد الله بن زياد في العشيّة التي عزم على السفر إلى الكوفة صبيحتها ، فلمّا قرأ الكتاب قدّم الرسول سليمان وضرب عنقه ، وصعد المنبر صباحا وتوعد الناس وتهدّدهم ، ثمّ خرج إلى الكوفة ليسبق الحسين عليه‌السلام.

أسلم بن عمرو مولى الحسين بن علي عليه السلام

كان أسلم من موالي الحسين ، وكان أبوه تركيا ، وكان ولده أسلم كاتبا.

قال بعض أهل السير والمقاتل : إنّه خرج إلى القتال وهو يقول :

__________________

(١) في الكامل : عمر بن عبد الله.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٢٨٠ ، بتفاوت وسقط في بعض الكلمات.

٩٥

أميري حسين ونعم الأمير

سرور فؤاد البشير النذير

فقاتل حتّى قتل ، فلمّا صرع مشى إليه الحسين عليه‌السلام فرآه وبه رمق يومي إلى الحسين عليه‌السلام ، فاعتنقه الحسين ووضع خدّه على خدّه ، فتبسّم وقال : من مثلي وابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضع خدّه على خدّي ، ثمّ فاضت نفسه ( رضوان الله عليه ).

قارب بن عبد الله الدئلي مولى الحسين بن علي عليهما السّلام

أمّه جارية للحسين عليه‌السلام تزوّجها عبد الله الدئلي فولدت منه قاربا هذا ، فهو مولى للحسين عليه‌السلام ، خرج معه من المدينة إلى مكّة ثمّ إلى كربلا ، وقتل في الحملة الأولى التي هي قبل الظهر بساعة.

منجح بن سهم مولى الحسن بن علي عليهما السّلام

كان منجح من موالي الحسن عليه‌السلام ، خرج من المدينة مع ولد الحسن عليه‌السلام في صحبة الحسين عليه‌السلام فأنجح سهمه بالسعادة وفاز بالشهادة ، ولمّا تبارز الفريقان في كربلا قاتل القوم قتال الأبطال.

قال صاحب الحديقة الورديّة : فعطف عليه حسّان بن بكر الحنظلي فقتله ، وذلك في أوائل القتال (١).

سعد بن الحرث مولى علي بن أبي طالب عليه السلام

كان سعد مولى لعلي عليه‌السلام فانضمّ بعده إلى الحسن عليه‌السلام ثمّ إلى الحسين عليه‌السلام ، فلمّا خرج من المدينة خرج معه إلى مكّة ثمّ إلى كربلا فقتل بها في الحملة الأولى ، ذكره

__________________

(١) الحديقة الورديّة : ١٢١.

٩٦

ابن شهرآشوب في المناقب وغيره من المؤرخين (١).

نصر بن أبي نيزر مولى علي بن أبي طالب عليه السلام

كان أبو نيزر من ولد بعض ملوك العجم أو من ولد النجاشي. قال المبرّد في الكامل : صحّ عندي أنّه من ولد النجاشي ، رغب في الإسلام صغيرا فأتي به رسول الله فأسلم وربّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا توفي صار مع فاطمة وولدها (٢). وقال غيره : إنّه من أبناء ملوك العجم أهدي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ صار إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان يعمل له في نخله ، وهو صاحب الحديث المشهور الذي ينقله عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في استخراج العين ووقفها أو حبسها ، كما ذكره المبرد في الكامل وملخصه : أنّ أبا نيزر قال : جاءني علي عليه‌السلام وأنا أقوم بالضيعتين عين أبي نيزر والبغيبغة ، فقال لي : هل عندك من طعام؟ فقلت : طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين قرع من قرع الضيعة صنعته بإهالة سنخة. فقال : عليّ به ، فقام إلى الربيع [ وهو جدول ] فغسل يده وأصاب منه ثمّ رجع إلى الربيع وغسل يديه بالرمل حتّى نقّاهما ثمّ مسح على بطنه ، وقال : من أدخله بطنه النار فأبعده الله. ثمّ أخذ المعول وانحدر في العين وجعل يضرب فأبطأ الماء ، فخرج وقد عرق جبينه فانتكفه ، ثمّ عاد وجعل يهمهم فانثالت عين كأنّها عنق جزور ، فخرج مسرعا فقال : أشهد الله أنّها صدقة ، ثمّ كتب : « هذا ما تصدّق به عبد الله علي أمير المؤمنين ، تصدّق بالضيعتين على فقراء المدينة ، إلاّ أن يحتاج إليهما

__________________

(١) لم أعثر عليه في المناقب. وفي مستدركات علم رجال الحديث ٤ / ٢٧ : سعد بن حارث الخزاعي مولى أمير المؤمنين عليه‌السلام من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن شرطة الخميس مع أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان واليا من قبله على آذربيجان ثمّ انضمّ إلى الحسن ثمّ إلى الحسين عليهما‌السلام ، وخرج معه إلى مكّة ثمّ إلى كربلاء واستشهد بين يديه يوم عاشوراء.

(٢) الكامل : ٣ / ٢٠٧ ، راجع معجم البلدان : ٤ / ١٧٥.

٩٧

الحسنان فهما طلق لهما دون غيرهما » (١). انتهى ملخصا.

ونصر هذا ولده انضمّ إلى الحسين عليه‌السلام بعد علي والحسن عليهما‌السلام ثمّ خرج معه من المدينة إلى مكّة ثمّ إلى كربلاء فقتل بها. وكان فارسا فعقرت فرسه ثمّ قتل في الحملة الأولى رضي‌الله‌عنه.

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( نيزر ) : بالنون والياء المثناة تحت والزاء المعجمة والراء المهملة على وزن صيقل.

( انتكفه ) : أي نحّاه باصبعه.

الحرث بن نبهان مولى حمزة بن عبد المطلب عليهم السلام

كان نبهان عبدا لحمزة شجاعا فارسا. قال صاحب الحديقة الورديّة : والحرث ابنه انضمّ إلى الحسين عليه‌السلام بعد انضمامه إلى علي بن أبي طالب والحسن عليهم‌السلام فجاء معه إلى كربلا ، وقتل بها في الحملة الأولى (٢).

فهؤلاء تسعة عشر من آل أبي طالب ، الحسين عليه‌السلام وطفله الرضيع ، وسبعة عشر نفرا ، وثمانية من الموالي : عبد الله بن يقطر ، وسبعة نفر صحّ لي قتلهم في كربلا وفي الكوفة وفي البصرة. وذكر جماعة غيره لم يصح لي قتلهم ، وهناك جماعة أخرى من الموالي لم يذكر أحد أسماءهم ولم يعرفوا مقدارا.

__________________

(١) الكامل : ٣ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

(٢) الحديقة الورديّة : ١٢١.

٩٨

المقصد الثاني

في بني أسد بن خزيمة ومواليهم

من أنصار الحسين عليه‌السلام

أنس بن الحرث بن نبيه بن كاهل بن عمرو بن صعب بن أسد بن خزيمة

أنس بن الحرث بن نبيه بن كاهل بن عمرو بن صعب بن أسد بن خزيمة الأسدي الكاهلي ، كان صحابيّا كبيرا ممّن رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمع حديثه. وكان فيما سمع منه وحدّث به ما رواه جمّ غفير من العامّة والخاصّة عنه أنّه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول والحسين بن علي في حجره : « إنّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق ألا فمن شهده فلينصره ». ذكر ذلك الجزري في أسد الغابة (١) وابن حجر في الإصابة (٢) وغيرهما (٣). ولمّا رآه في العراق وشهده ، نصره وقتل معه.

قال الجزري : وعداده في الكوفيين ، وكان جاء إلى الحسين عليه‌السلام عند نزوله كربلا والتقى معه ليلا فيمن أدركته السعادة (٤).

__________________

(١) أسد الغابة : ١ / ١٢٣.

(٢) الإصابة : ١ / ٦٨.

(٣) راجع ذخائر العقبى : ١٤٦.

(٤) أسد الغابة : ١ / ١٢٣.

٩٩

روى أهل السير : أنّه لمّا جاءت نوبته استأذن الحسين عليه‌السلام في القتال فأذن له ـ وكان شيخا كبيرا ـ فبرز وهو يقول :

قد علمت كاهلها ودودان

والخندفيون وقيس عيلان

بأنّ قومي آفة للأقران

ثمّ قاتل حتّى قتل رضي‌الله‌عنه.

وفي حبيب وفيه يقول الكميت بن زيد الأسدي :

سوى عصبة فيهم حبيب معفّر

قضى نحبه والكاهليّ مرمّل (١)

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( كاهل ) : بطن من أسد بن خزيمة.

( دودان ) : بالدال المهملة المضمومة والواو والدال المهملة أيضا والألف والنون بطن من أسد بن خزيمة أيضا ، وستأتي بطون أخر.

حبيب بن مظهّر

هو حبيب بن مظهّر بن رئاب بن الأشتر بن جخوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قيس بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد ، أبو القاسم الأسدي الفقعسي. كان صحابيّا رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ذكره ابن الكلبي (٢) ، وكان ابن عم ربيعة بن حوط بن رئاب المكنّى أبا ثور الشاعر الفارس.

__________________

(١) راجع البحار : ٤٥ / ٢٥.

(٢) جمهرة النسب : ١ / ٢٤١.

١٠٠