أربع رسائل كلاميّة

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

أربع رسائل كلاميّة

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-964-X
الصفحات: ٣٢٨

ثمّ سلّم المصنّف قبحه شاهدا تسليم جدل ، ومنعه غائبا ليبطل القياس بإظهار الفرق ، وهو الثواب الجزيل الذي هو أنفع من العوض ، فلا يقبح.

ثمّ أكّد المصنّف عدم قبحه بأنّ الله أمر به في كتابه ، والأمر حقيقة في الوجوب ، والقبيح لا يأمر به لحكمته ، ينتج في الشكل الثاني الأمر بالشكر ليس بقبيح ، وهو المطلوب.

قال : ( واحتجّ أصحاب الشكر بثلاثة أوجه : الأوّل : أنّ نعم الله سبحانه لا تحصى ، كما قال تعالى : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها ) (١). فيجب أبلغ أقسام الشكر ، والعبادة صالحة لذلك ، فصرفها إليه أولى ).

أقول : لمّا فرغ المصنّف رحمه‌الله من تقرير حجّة أصحاب اللّطف واعتراضهم على المذاهب الباقية وإيراداته على ذلك ما قد عرفته ، شرع في الحجّة لمذهب الشكر ، وقد أوردها عنهم من ثلاثة أوجه :

الأوّل : الله منعم بأجلّ النعم ، وهو ظاهر فيجب شكره بأبلغ الشكر ، وهو ضروريّ ، والعبادة صالحة لذلك فتصرف إليه.

قال : ( الثاني : أنّ العبادة ـ فعالة ـ من التعبّد الذي هو الخضوع ، وهو معنى الشكر ).

أقول : العبادة : هي الذلّة والخضوع ومنه طريق معبّد إذا كان مذلّلا بكثرة الوطء ، وبعير معبّد إذا كان مطليّا بالقطران.

وتقرير هذا الوجه : أنّ العبادة هي الخضوع ، والخضوع هو الشكر ، فالعبادة هي الشكر.

قال : ( الثالث : ما اشتهر من قول كثير من المتكلّمين : إنّ العبادة كيفيّة في الشكر ).

__________________

(١) إبراهيم (١٤) : ٣٤.

١٨١

أقول : يعنون أنّ كيفيّة الشيء تفصيله ، والحال التي يقع عليها ، فهي جزء منه ، فهي شكر أو جزء شكر.

قال المصنّف : ( وأجيب بتسليم مقدّمات الأولى ، ولا يلزم صرف العبادة إليه ؛ ولأنّه لو وجب الأبلغ لم يقف على حدّ العبادة ، لإمكان ما هو أبلغ منها ).

أقول : هذا جواب أورده المصنّف على الوجه الأوّل من وجوه الشكر ، فقال : إنّ ما ذكرتم من النعمة وكثرتها ووجوب الشكر عليها صحيح ، لكنّ صرف العبادة إليه غير لازم. غايته أنّه أولى على ما ذكرت ، والأولويّة قد لا تبلغ اللزوم ؛ ولأنّه لو وجب الأبلغ من الشكر لوجبت الزيادة على العبادة الواقعة الآن ، فإنّه يمكن زيادة الفرائض وأيّام الصوم إلى غير ذلك ، ويلزم أيضا رفع الرخص من التكاليف.

قال : ( ونمنع كون الخضوع شكرا وإن اشتمل عليه اشتمال العامّ على الخاصّ ، فلا يكون مسمّى العبادة شكرا وإن كان الشكر واقعا فيها. وفي التحقيق : الخضوع للمعبود شرط صحّة العبادة ، والشرط قبل المشروط في الوجود ، والعلّة الغائيّة قبله في التصوّر وبعده في الوجود ، فلا يكون أحدهما عين الآخر ).

أقول : هذا جواب أورده المصنّف على الوجه الثاني من وجوه الشكر ؛ لأنّه لمّا قال صاحب الشكر : العبادة هي الخضوع الذي هو الشكر ، منع ذلك المصنّف بأنّا لا نسلّم كون الخضوع والشكر متّحدين لا متساويين حتّى لا يلزم من وجود أيّهما كان وجود الآخر ومن عدمه عدمه ، بل نقول : العبادة أعمّ من الشكر ، فلا يلزم من وجودها وجوده ؛ لعدم استلزام العامّ الخاصّ.

وأنا أقول : كون العبادة أعمّ من الشكر نظر ، بل الأمر بالعكس ، فإنّ من محالّ الشكر الاعتقاد القلبي ، وهو غير داخل في مسمّى العبادة ، ومن استقرأ أفراد العبادة

١٨٢

وجدها غير منعكسة عنه. نعم ، إلزام الدور متّجه ، وهو ما ذكره من قوله : والتحقيق إلى آخره.

بيانه : أنّ الخضوع متقدّم على العبادة لكونه شرطا لها ، وهي متقدّمة على الشكر الذي هو الوجه ، فإنّ الوجه هو الغاية ، وهي لا تحصل في الوجود إلاّ بعد المغيّا ، فتتوقّف الصلاة على الشرط ، فلو جعلناه في الوجود الغاية لتوقّف عليها ، وذلك دور ظاهر.

إن قلت : نمنع شرطيّة الخضوع ، ولهذا لو دخل الإنسان في الصلاة ثمّ عزب قلبه عنها فأتمّها كذلك صحّت ، ولو كان شرطا بطلت.

سلّمنا شرطيّته لكن نمنع تقدّمه ، بل هو مقارن ، واشتراط صحّة العبادة اشتراط معيّة ، كاشتراط صحّة بعض أجزاء الصلاة ببعض.

قلت : أمّا شرطيته فلا شكّ فيها ويكفي حضوره في بعض العبارة وأقلّه النيّة ، ونلتزم هنا بالبطلان ولو لم يخطر الشرط ، وأمّا جعله من شروط المعيّة فلا يضرّ ؛ لأنّ الخضوع إذا كان مصاحبا للعبادة المتقدّمة على الغاية كان متقدّما ؛ لوجوب تقدّم المصاحب للمتقدّم ، فإن كانت الغاية ـ التي هي الشكر ـ هي الخضوع لزم تقدّم الشيء على نفسه.

قال : ( والشهرة ممنوعة ، ولو سلّمت فليست حجّة ، ولو سلّمت حجّيّتها فإطلاق اسم العبادة على الشكر لاشتمالها عليه كما مرّ ، والمجاز يصار إليه للقرينة. وإنّما يطلق عليه اسم العبادة عند بلوغه الغاية ؛ لأجل بلوغ النعمة الغاية ، ومن ثمّ لم يطلق على شكر بعض نعمه بعض اسم العبادة ؛ لعدم بلوغ الإنعام الغاية ).

أقول : منع المصنّف الشهرة بين المتكلّمين من أنّ العبادة كيفيّة في الشكر ، وحقّ له ذلك ، ثمّ سلّمها جدلا ، وقال : إنّها ليست حجّة ، ولم يأت على ذلك هنا بدليل.

ونحن نقول : إنّ أشياء كثيرة تشتهر في العالم مع عدم مطابقتها لنفس الأمر

١٨٣

كمذاهب الخلاف ، مع أنّ القياس المركّب من مشهورات لا تفيد يقينا بل جدلا.

ثمّ سلّم المصنّف كون الشهرة حجّة ، وقال : إنّما أطلق المتكلّمون اسم العبادة على الشكر ؛ لأنّها مشتملة عليه. وقد مرّ ذلك منه في جوابه عن الوجه الثاني في قوله : وإن كان الشكر واقعا فيها.

قوله : والمجاز يصار إليه للقرينة. جواب سؤال مقدّر ، تقديره : أنّ ما ذكرت من إطلاق اسم العبادة على الشكر لأجل اشتمالها عليه مجاز من باب تسمية الكلّ باسم الجزء كتسمية الزنجي أسود ، والمجاز خلاف الأصل فلا يصار إليه.

فأجاب بأنّه لا يصار إليه إذا أمكن الحمل على الحقيقة ، أمّا إذا [ لم يمكن ] فلا.

والمانع ما ذكر من الأدلّة ، وهي القرينة الموجبة للحمل على المجاز.

ونحن نقول : ما ذكره المتكلّمون معارض بأشهر منه وهو أنّ الشكر هو الاعتراف القلبي ، فإن كان في الشهرة حجّة فهي لنا ، وإلاّ سقط كلامهم.

فإن قالوا : كون الاعتراف شكرا لا يمنع من كون العبادة شكرا.

قلنا : فالشكر إمّا حقيقته فيهما ويلزم الاشتراك ، أو في أحدهما ويلزم المجاز.

نعم يتمشّى إذا جعل للقدر المشترك ، وهو مطلق الرجحان فلا اشتراك ولا مجاز.

وقوله : إنّما يطلق اسم العبادة عند بلوغه الغاية إلى آخره. يريد بهذا الكلام : أنّ الشكر لا يسمّى عبادة إلاّ إذا بلغ الغاية لأجل بلوغ النعمة إليها.

واستدلّ على أنّ الشكر لا يسمّى عبادة قبل البلوغ المذكور ، بأنّ شكر بعض النعم لم يطلق عليه بعض اسم ، كالشكر على كلّ نعمة تصل إليه على يد غيره ونحو ذلك.

وغاية ذلك أنّ إطلاقهم اسم العبادة إنّما هو على بعض أجزاء الشكر ، فيكون أعمّ منها ، إذا نظرنا إلى التسمية التي احتجّوا بها.

قال : ( واعلم أنّ تجويز كلّ من الوجوه قائم ، ولا قاطع هنا على التعيين وإن كان مذهب اللطف قريبا. وكذا مذهب اللطف في الشكر ).

أقول : هذا ظاهر من الأدلّة السالفة ، يعلم من تدبّرها.

١٨٤

قال : ( ولا يمتنع أن يكون اللطف والشكر علّة تامّة في الوجوب. إمّا باعتبار كون كلّ واحد منهما جزءا ، أو باعتبار كون أحدهما شرطا للآخر ).

أقول : كونها علّة تقتضي أن يكون كلّ منهما جزءا.

أمّا إذا كان أحدهما شرطا فلا يطلق عليه اسم العلّة عرفا.

نعم ، إذا فسّرنا العلّة بكلّ ما يتوقّف المعلول عليه دخل الشرط فيهما.

إن قلت : لم لا يمكن أن يكون كلّ واحد من اللطف والشكر علّة تامّة؟ فإذا قيل : يلزم اجتماع علّتين تامّتين على معلول شخصي ، وهو محال كما تبيّن في الأصول.

قلت : ذلك في العلل المؤثّرات محال ، أمّا المعرّفات فلا ؛ لجواز اجتماع معرّفين وأكثر على واحد ، وعلل الشريعة معرّفات.

قلت : هذا الاحتمال ساقط ؛ لأنّ الدليل الذي يأتي ذكره لجواز الجمع يقتضي عدم الاجتزاء بأحدهما ، والمعرّفات يجتزأ بأحدهما ، فالناتج من الشكل الثاني عدم كون اللطف والشكر معرّفين ، فلا يكون كلّ منهما علّة تامّة ، ولو جاز ذلك لكان رجوعا إلى التخيير لا إلى الجمع.

قال : ( لأنّ مجرّد اللطف إذا علم أمكن أن يقال : يجوز قيام غيره مقامه ، ومجرّد الشكر إذا لم يشتمل على لطف يمكن إجزاء بعض أفراده عن بعض.

أمّا إذا اشتمل اللطف على الشكر ولم يكن في غيره من الألطاف ذلك ، أو اشتمل الشكر على اللطف ولم يكن في مجرّد الاعتراف ذلك ، أمكن استناد الوجوب إليهما ).

أقول : هذا شروع منه في الاستدلال على جواز جمع المذهبين. لأنّ اللطف وحده يمكن أن يقال بقيام غيره مقامه ، والشكر وحده يمكن أن يقال بإجزاء بعض أفراده عن بعض.

وأمّا إذا اشتمل اللطف على الشكر ولم يكن في غيره من الألطاف شكر تعيّن للطفيّة فلم يقم غيره مقامه ، وإذا اشتمل الشكر على اللطف ولم يكن في غيره من أفراد

١٨٥

الشكر لطف تعيّن لكونه شكرا ، ولم يقم بعض أفراده مقام بعض.

قال : ( ولو قدّر أنّ أحدا من المكلّفين اعتقد واحدا من الأمور الأربعة لموجب لم يكن مخطئا ).

أقول : الموجب هنا إمّا الدليل للمجتهد أو التقليد لأهله (١).

وفي قوله : لم يكن مخطئا التزام بشيئين أو أحدهما ، إمّا يكون كلّ مجتهد مصيبا ، أو بكون الجميع حقّا ؛ لما تقدّم في الماضي من جواز الجمع بينهما ، ولكن لم يقل به أحد ، ولعلّه قصد بنفي الخطإ نفي المؤاخذة ، وإلاّ فهو أجلّ من أن يخفى عليه ما يظهر لنا ، فهو أعلم بما قال منّا.

قال : ( ولو قدّر أنّه فعل الواجب لوجوبه مثلا ، وترك الحرام لقبحه معرضا عن النظر في الوجه لم يكن مؤاخذا إن شاء الله تعالى ؛ فإنّها مسألة دقيقة يعسر على العوام تحقيق الحال فيها ، فتكليفهم بها نوع عسر منفيّ ؛ لقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (٢) والله الموفّق ).

أقول : قد سلف عنه ذكر التلازم بين الوجه وذي الوجه.

وما ذكر هنا فيه نوع التفات إليه ، بل هو أبلغ منه ؛ لأنّ السالف فيه اعتبار التلازم ، وهذا فيه الإعراض عن كلّ ما سوى الوجوب والتحريم. وقد قدّمنا أمام الفصل الثالث بلا فصل كلاما فيه تحقيق ذلك لا نرى عليه فريدا ، فليراجع من ثمّة ؛ فإنّه يعثر الناظر فيه على محض الحقّ ويرويه ، ويعبر الخاطر إلى عين الصدق ويرويه.

واعلم أنّ ذكر المشيئة لله تارة يكون للتبرّك ومنه : ( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ ) (٣) وتارة يكون للشرط والتوقّف.

ومنه : لأدخلنّ إلاّ ان يشاء الله ، وعلى هذين يتفرّع جواز قول المسلم : أنا مسلم

__________________

(١) في هامش المخطوطة حاشية مبتورة هي : « قولنا : لأهله ، نوع استخدام فإنّ أهل التقليد يطّلعون على عدول العلماء ... ».

(٢) البقرة (٢) : ١٨٥.

(٣) الفتح (٤٨) : ٢٧.

١٨٦

إن شاء الله. والأخير مقصود المصنّف ؛ لأنّه لا معنى للتبرّك في عدم المؤاخذة على رأيه. ويدلّ على التوقّف. قوله فيما مضى : تجويز كلّ من الوجوه قائم ولا قاطع هنا على التعيين.

وأقول : قد عرفت من تعارض الأدلّة عسر تحقيق الحال على العلماء العاقلين فضلا عن الجهلاء الغافلين. والعسر منفيّ بالآية والرواية (١) ، فينتفي ملزومه ، وبالله العصمة من الغواية ، وله الحمد على الهداية.

وهذا آخر ما اغتنينا بجمعه واعتنينا في وضعه متنكّبين من الإكثار سننه ، ومتنكّبين من الاختصار سننه.

ويتلو ذلك فصلا الترغيب والترهيب ، وليس فيهما موضوع بحث إلاّ الشاذّ النادر ، فلا بدّ من إيرادهما ؛ ليتنبّه على ذلك فيهما ، ولئلاّ يخلو الكتاب منهما ، فلا تعمّ فائدته العاملين كما عمّت فائدة ما تقدّم العالمين.

__________________

(١) على سبيل المثال راجع علل الشرائع ١ : ٣٠٧ ضمن الحديث ٧ ، باب ١٨٢.

١٨٧
١٨٨

[ الفصل الرابع

في الترغيب ]

قال : ( الفصل الرابع في الترغيب ).

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اجتهدوا في العمل فإن قصّر بكم ضعف فكفّوا عن المعاصي » (١).

وروينا عن محمّد بن يعقوب بإسناده إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها ، وأحبّها بقلبه ، وباشرها بجسده ، وتفرّغ لها ، وهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أو يسر » (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام قال : « جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله ما حقّ العلم؟ قال : الإنصات. قال : ثمّ مه يا رسول الله؟ قال : الاستماع له. قال ثمّ مه يا رسول الله؟ قال : الحفظ. قال : ثمّ مه يا رسول الله؟ قال : العمل به قال : ثمّ مه يا رسول الله؟ قال : نشره » (٣).

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٤ : ١٧١ ، نقلا عن كنز الكراجكي.

(٢) الكافي ٢ : ٨٣ / ٣ ، باب العبادة.

(٣) الكافي ١ : ٤٨ / ٤ ، باب النوادر من كتاب فضل العلم.

١٨٩

روينا عن الصدوق أبي جعفر محمد بن بابويه رحمه‌الله بإسناده إلى يونس بن ظبيان عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام أنّه قال : « الاشتهار بالعبادة ريبة. إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عليهم الصلاة والسلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أعبد الناس من أقام الفرائض ، وأسخى الناس من أدّى زكاة ماله ، وأزهد الناس من اجتنب الحرام ، وأتقى الناس من قال الحقّ فيما له وعليه ، وأعدل الناس من رضي للناس ما يرضى لنفسه وكره لهم ما يكره لنفسه ، وأكيس الناس من كان أشدّ ذكرا للموت ، وأغبط الناس من كان تحت التراب قد أمن العقاب ويرجو الثواب ، وأغفل الناس من لم يتّعظ بتغيّر الدنيا من حال إلى حال ، وأعظم الناس في الدنيا خطرا من لم يجعل للدنيا عنده خطرا ، وأعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه وأشجع الناس من غلب هواه ، وأكثر الناس قيمة أكثرهم علما ، وأقلّ الناس قيمة أقلّهم علما ، وأقلّ الناس لذّة الحسود ، وأقلّ الناس راحة البخيل ، وأبخل الناس من بخل بما افترض الله عزّ وجلّ عليه ، وأولى الناس بالحقّ أعلمهم به ، وأقلّ الناس حرمة الفاسق ، وأقلّ الناس وفاء الملوك ، وأقلّ الناس صديقا الملك ، وأفقر الناس الطامع ، وأغنى الناس من لم يكن للحرص أسيرا ، وأفضل الناس إيمانا أحسنهم خلقا ، وأكرم الناس أتقاهم ، وأعظم الناس قدرا من ترك ما لا يعنيه ، وأورع الناس من ترك المراء وإن كان محقّا ، وأقلّ الناس مروءة من كان كاذبا ، وأشقى الناس الملوك ، وأمقت الناس المتكبّرون ، وأشدّ الناس اجتهادا من ترك الذنوب ، وأحكم الناس من فرّ من جهّال الناس ، وأسعد الناس من خالط كرام الناس ، وأعقل الناس أشدّهم مداراة للناس ، وأولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة ، وأعتى الناس من قتل غير قاتله وضرب غير ضاربه ، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأحقّ الناس بالذنب السفيه المغتاب ، وأذلّ الناس من أهان الناس ، وأحزم الناس أكظمهم للغيظ ، وأصلح الناس أصلحهم للناس ، وخير الناس من انتفع به الناس » (١).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٨١ ـ ٢٨٢ / ٨٣٦.

١٩٠

باب :

وبإسناده إلى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : « كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس معهنّ رابعة : من كانت الآخرة همّه كفاه الله همّه من الدنيا والآخرة ، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن أصلح فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ أصلح الله فيما بينه وبين الناس » (١).

وعنه عليه‌السلام : « ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلاّ قال له ذلك اليوم : أنا يوم جديد ، وأنا عليك شهيد ، فقل واعمل فيّ خيرا ، أشهد لك به يوم القيامة ، فإنّك لن تراني بعدها أبدا » (٢).

وروى عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « أشرف أمّتي حملة القرآن وأصحاب الليل » (٣).

وبإسناده عن الصادق عليه‌السلام : « ما ضعف البدن عمّا قويت عليه النفس » (٤).

وعنه عليه‌السلام : « أوحى الله عزّ وجلّ إلى آدم عليه‌السلام : يا آدم ، إنّي أجمع لك الخير كلّه في أربع كلمات : واحدة لي ، وواحدة لك ، وواحدة فيما بيني وبينك ، وواحدة فيما بينك وبين الناس. فأمّا التي لي فتعبدني ولا تشرك بي شيئا ، وأمّا التي لك فأجازيك بعملك أحوج ما تكون إليه ، وأمّا التي فيما بيني وبينك فعليك الدعاء وعليّ الإجابة ، وأمّا التي فيما بينك وبين النّاس فترضى للناس ما ترضى لنفسك » (٥).

قلت : قوله : واحدة لي ، لا يدلّ على احتياجه إلى العبادة ؛ لما ثبت من غنائه الذاتي ، بل المعنى أن تتقرّب بالعبادة إليّ لا إلى غيري ليكون جزاءك منّي ولا إليّ مع غيري ؛ لقوله : « أنا خير شريك ، ما شوركت في شيء إلاّ تركته لشريكي » (٦).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٨٣ / ٨٤١.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٨٤ / ٨٤٥.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٨٥ / ٨٥١.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٨٦ / ٨٥٥ ، وفيه « النيّة » بدل « النفس ».

(٥) الفقيه ٤ : ٢٩٠ / ٨٧٣.

(٦) فقه الرضا : ٣٨١ ، باب التفكّر ... ؛ وقريب منه في عدّة الداعي : ٢٠٣ ؛ وكنز العمّال ٣ : ٤٧٨ ـ ٤٧٩ / ٧٥١١ ـ ٧٥١٢.

١٩١

وبإسناده إلى الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، قال : « ألا إنّ أحبّكم إلى الله أحسنكم عملا ، وإنّ أعظمكم عند الله حظّا أعظمكم فيما عند الله رغبة ، وإنّ أنجى الناس من عذاب الله أشدّهم لله خشية ، وإنّ أقربكم من الله أوسعكم خلقا ، وإنّ أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله ، وإنّ أكرمكم عند الله أتقاكم » (١).

وبإسناده أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصى عليّا عليه الصلاة والسلام : « يا عليّ ، سبعة من كنّ فيه فقد استكمل حقيقة الإيمان ، وأبواب الجنّة مفتّحة له : من أسبغ وضوءه ، وأحسن صلاته ، وأدّى زكاة ماله ، وكفّ غضبه ، وسجن لسانه ، واستغفر الله لذنبه ، وأدّى النصيحة لأهل بيتي (٢).

يا عليّ ، سر سنتين برّ والديك ، سر سنة صل رحمك ، سر ميلا عد مريضا ، سر ميلين شيّع جنازة ، سر ثلاثة أميال أجب دعوة ، سر أربعة أميال زر أخا في الله ، سر خمسة أميال أجب الملهوف ، سر ستّة أميال انصر المظلوم (٣).

يا عليّ ، الإسلام عريان فلباسه الحياء ، وزينته الوفاء ، ومروءته العمل الصالح ، وعماده الورع ، ولكلّ شيء أساس وأساس الإسلام حبّنا أهل البيت » (٤).

قلت : إذا أبغض الإنسان محمّدا وآله الذين أتوا بالإسلام. ومن أبغض شيئا أبغض عمله ، والإسلام عملهم عليهم‌السلام ؛ ينتج أنّ من أبغضهم من الناس فقد رام بناء من غير أساس.

باب :

« يا عليّ ، السواك من السنّة ، ومطهرة للفمّ ، ويجلو البصر ، ويرضي الرحمن ، ويبيّض الأسنان ، ويذهب بالحفر ، ويشدّ اللثة ، ويشهّي الطعام ، ويذهب بالبلغم ، ويزيد في الحفظ ، ويضاعف الحسنات ، وتفرح به الملائكة » (٥).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٩٢ / ٨٨١.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٥٩ / ٨٢٤.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٦٠ / ٨٢٤.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٦٣ / ٨٢٤.

(٥) الفقيه ٤ : ٢٦٤ / ٨٢٤.

١٩٢

قلت : كونه مطهرة للفمّ محمول على الطهارة اللغوية ، أي منظفة للفمّ ؛ لعدم قبول الفم النجاسة الشرعيّة.

وجلاء البصر : لذهابه بالبخار الموجب للغشاوة.

والحفر : بسكون العين وفتحها وقال الخليل : هو سلاق يوجد في أصول الأسنان (١). وقال شارح الفصيح : هو صفرة تركب الأسنان فإن ركبتها خضرة فهي القلح (٢).

واللثة : بتخفيف الثاء المثلّثة لحم الأسنان.

وفرح الملائكة : لأجل مجاورتهم ذلك المكان.

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما زال جبرئيل عليه‌السلام يوصيني بالسواك حتّى خشيت أن أحفى أو أدرد » (٣).

قلت : الحفى هنا ، التلطيف ، أي رقّة الأسنان. وقد يقال : الحفى بمعنى العلم ، ومنه : ( إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا ) (٤). وحفي فلان بفلان إذا برّه.

والدرد : سقوط الأسنان. والله أعلم.

وعن الصادق والباقر عليهما‌السلام : « صلاة ركعتين بسواك أفضل عند الله من سبعين ركعة بغير سواك » (٥).

باب :

وبإسناده إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : « من توضّأ لصلاة الصبح كان وضوؤه ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلاّ الكبائر ، ومن توضّأ للمغرب كان ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في نهاره خلا الكبائر » (٦).

__________________

(١) العين ٣ : ٢١٢ ، « ح. ف. ر ».

(٢) لسان العرب ٤ : ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، « ح. ف. ر ».

(٣) الفقيه ١ : ٣٢ / ١٠٨ ؛ الكافي ٣ : ٢٣ / ٣ ، باب السواك ، و ٦ : ٤٩٥ / ٣ ، باب السواك.

(٤) مريم (١٩) : ٤٧.

(٥) الفقيه ٤ : ٣٣ / ١١٨ ؛ الكافي ٣ : ٢٢ / ١ ، باب السواك.

(٦) الفقيه ١ : ٣١ / ١٠٣ ؛ الكافي ٣ : ٧٠ / ٥ ، باب النوادر من كتاب الطهارة.

١٩٣

باب :

وعن الصادق عليه‌السلام : « من اغتسل للجمعة فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، واجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين كان ذلك طهورا من الجمعة إلى الجمعة » (١).

وعنه عليه‌السلام : « غسل يوم الجمعة طهور وكفّارة لما بينهما من الذنوب من الجمعة إلى الجمعة » (٢).

قلت : المراد بالطهر هنا : الطهر من الذنوب. إمّا على معنى أنّ الله يلطف به فيتركها ، أو أنّه إن اقترفها عفا عنها.

وعنه عليه‌السلام : « غسل الرأس بالخطمي ينفي الفقر ، ويزيد في الرزق » (٣).

و « في كلّ جمعة أمان من البرص والجنون » (٤).

« اغسلوا رءوسكم بورق السدر ؛ فإنّه قدّسه كلّ ملك مقرّب ، وكلّ نبيّ مرسل.

ومن غسل رأسه بورق السدر صرف الله عنه وسوسة الشيطان سبعين يوما ، ومن صرف الله عنه وسوسة الشيطان سبعين يوما لم يعص الله ، ومن لم يعص الله دخل الجنّة » (٥).

قلت : ينتج من هذا القياس الناتج المنفصل ، أنّ من غسل رأسه به دخل الجنّة.

والخطمي : نبت مشهور له نور أحمر ، وقد يكون أبيض. قال ابن سينا : يطلى به البهق بالخلّ ، ويجلس في الشمس ينفع نفعا بيّنا (٦).

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اغتمّ ، فأمره جبرئيل عليه‌السلام بغسل رأسه بالسدر ، وكان ذلك السدر من سدرة المنتهى » (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٦١ / ٢٢٨ ؛ التهذيب ٣ : ١٠ / ٣١.

(٢) الفقيه ١ : ٦١ ـ ٦٢ / ٢٢٩.

(٣) الفقيه ١ : ٧١ / ٢٩١ ؛ الكافي ٦ : ٥٠٤ / ١ ، باب غسل الرأس.

(٤) الفقيه ١ : ٧١ / ٢٩٠ ؛ الكافي ٦ : ٥٠٤ / ٢ ، باب غسل الرأس.

(٥) الفقيه ١ : ٧٢ / ٢٩٦.

(٦) القانون في الطبّ ١ : ٤٥٣.

(٧) الفقيه ١ : ٧٢ / ٢٩٤.

١٩٤

قلت : السدرة عن يمين العرش ، انتهى إليها علم كلّ أحد ، عن الكلبي ، وعن غيره أقوال أخر ، وهي فوق السماء السابعة. وقيل : السادسة (١).

وفي جواب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لابن سلام : « إنّ عليها ألف ألف غصن ، وعلى كلّ غصن ألوف فرع ، تحت كلّ فرع ألوف من كراديس الملائكة ، كلّ كردوس ألوف ألوف » (٢).

وعن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : « من أخذ من أظفاره وشاربه كلّ جمعة ، وقال حين يأخذه : باسم الله وبالله وعلى سنّة رسول الله محمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم ، لم تسقط منه قلامة ولا جزازة إلاّ كتب الله عزّ وجلّ له بها عتق نسمة ، ولم يمرض إلاّ مرضه الذي يموت فيه » (٣).

وعنه عليه‌السلام : « من أخذ من أظفاره كلّ خميس لم يرمد ولده » (٤).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من قلّم أظفاره يوم السبت ويوم الخميس ، وأخذ من شاربه ، عوفي من وجع الضرس ووجع العين » (٥).

باب الفرائض

وبإسناده إلى الصادق عليه‌السلام لمّا سأله سليمان بن خالد عن الفرائض فقال : « شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحجّ البيت ، وصيام شهر رمضان ، والولاية ، فمن أقامهنّ وسدّد وقارب واجتنب كلّ منكر دخل الجنّة » (٦).

قلت : السديد ، العدل وإبانة الحقّ ، وهو السليم من خلل الفساد ، والمقصود هنا

__________________

(١) مجمع البيان ٩ : ١٧٥ ذيل الآية ١٥ من النجم (٥٣).

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) الفقيه ١ : ٧٣ / ٣٠٤ ؛ الكافي ٦ : ٤٩١ / ٩ ، باب قصّ الأظفار ؛ التهذيب ٣ : ٢٣٧ / ٦٢٧.

(٤) الفقيه ١ : ٧٤ / ٣١٢ ؛ ورواه في الكافي ٦ : ٤٩١ / ١٤ ، باب قصّ الأظفار ، إلاّ أنّ فيه : « لم ترمد عينه » بدل « لم يرمد ولده ».

(٥) الفقيه ١ : ٧٤ / ٣١٣.

(٦) الفقيه ١ : ١٣١ / ٦١٢.

١٩٥

بالتسديد ـ والله أعلم ـ ارتكاب شرائط هذه المذكورات واجتناب موانعها التي هي بصحّتها مخلات ، كما أنّ تسديد المؤذّن الأعمى إرشاده إلى الأوقات.

والمقاربة : القيام بحقوق الله الواجبة ، وذلك ؛ لامتناع اشتراط دخول الجنّة بغير الواجب.

وعنه عليه‌السلام : « إنّ طاعة الله عزّ وجلّ خدمته ، وليس شيء من خدمته يعدل الصلاة » (١).

وعنه عليه‌السلام : « أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصلاة ، وهي آخر وصايا الأنبياء عليهم‌السلام » (٢).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما من صلاة يحضر وقتها إلاّ نادى ملك بين يدي الناس : أيّها النّاس ، قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فاطفئوها بصلاتكم » (٣).

قلت : المراد بالنيران هنا ما يوجب النيران من أنواع العصيان ؛ إطلاقا لاسم المسبّب على السبب وإنّما خصّ الظهور بالذكر ؛ لأنّ الحمل غالبا عليها ؛ أو لأنّ الأثقال إنّما تحمل عليها ، قال الله سبحانه : ( وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ ) (٤).

وعن الصادق عليه‌السلام : « صلاة فريضة خير من عشرين حجّة ـ وفي رواية سبعين حجّة (٥) ـ وحجّة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدّق منه حتّى يفنى » (٦).

وروينا بالإسناد المتّصل إلى يونس بن يعقوب قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « حجّة أفضل من الدنيا وما فيها ، وصلاة فريضة أفضل من ألف حجّة » (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٣٣ / ٦٢٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٣٦ / ٦٣٨ ؛ الكافي ٣ : ٢٦٤ / ٢ ، باب فضل الصلاة.

(٣) الفقيه ١ : ١٣٣ / ٦٢٤ ؛ التهذيب ٢ : ٢٣٨ / ٩٤٤ ، وفيه : « بين يدي الله » بدل « بين يدي الناس ».

(٤) الأنعام (٦) : ٣١.

(٥) لم نعثر عليها.

(٦) الفقيه ١ : ١٣٤ / ٦٣٠ ؛ الكافي ٣ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ / ٧ ، باب فضل الصلاة ؛ التهذيب ٢ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧ / ٩٣٥.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٤٠ / ٩٥٣.

١٩٦

قلت : تتوجّه الخيريّة بأنّها خير من ألف حجّة مندوبة إذا لم تكن فيها صلاة ، أو وقعت في غير هذه الملّة ؛ فإنّ تضاعف الأعمال إنّما وقع في ملّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فإذا عورض ذلك بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أفضل الأعمال أحمزها » (١). قلنا : الظاهر أنّه أراد مع اتّحاد نوعها كصلاتين أو حجّتين ، للعلم الضروري بأنّ التلفّظ بالشهادتين أفضل من صلاة ركعتين ، وحينئذ فالصلاة والحجّ المذكوران متغايران فذهب الإشكال.

وعنه عليه‌السلام : « إذا قام العبد إلى الصلاة فخفّف صلاته ، قال الله تعالى لملائكته : أما ترون إلى عبدي كأنّه يرى أنّ قضاء حوائجه بيد غيري؟! أما يعلم أنّ قضاء حوائجه بيديّ؟! » (٢).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة في غيره إلاّ المسجد الحرام ، فإنّ صلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي » (٣).

وروينا عن ابن بابويه رحمه‌الله بإسناده إلى خالد القلانسي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « مكّة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام ، والصلاة فيها بمائة ألف صلاة ، والدرهم فيها بمائة ألف درهم ، والمدينة حرم الله وحرم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرم عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام ، والصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة ، والدرهم فيها بعشرة آلاف درهم ، والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام ، والصلاة فيها بألف صلاة » (٤). وسكت عن الدرهم.

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : « من صلّى في المسجد الحرام صلاة مكتوبة قبل الله منه كلّ صلاة صلاّها منذ يوم وجبت عليه الصلاة ، وكلّ صلاة يصلّيها إلى أن يموت » (٥).

وعنه عليه‌السلام : « المساجد أربعة : المسجد الحرام ، ومسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومسجد

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٩ : ٢٢٩ ؛ النهاية في غريب الحديث والأثر ١ : ٤٤٠ ؛ كشف الخفاء ١ : ١٧٥.

(٢) الكافي ٣ : ٢٦٩ / ١٠ ، باب من حافظ على صلاته أو ضيّعها ؛ التهذيب ٢ : ٢٤٠ / ٩٥٠.

(٣) الفقيه ١ : ١٤٧ / ٦٨١ ؛ التهذيب ٦ : ١٤ ـ ١٥ / ٣٠.

(٤) الفقيه ١ : ١٤٧ / ٦٧٩ ؛ الكافي ٤ : ٥٨٦ / ١ ، باب ـ بدون العنوان ـ من كتاب الحجّ ؛ التهذيب ٦ : ٣١ ـ ٣٢ / ٥٨ ، وفيهما في آخر الحديث : « والدرهم فيها بألف درهم ».

(٥) الفقيه ١ : ١٤٧ / ٦٨٠.

١٩٧

بيت المقدّس ، ومسجد الكوفة ، الفريضة فيها تعدل حجّة ، والنافلة تعدل عمرة » (١).

وعن الصادق عليه‌السلام : « كان مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثة آلاف وستّمائة ذراع مكسّرا » (٢).

قلت : فعلى هذا يكون كلّ واحد من طوله وعرضه ستّون ذراعا والله أعلم.

والراوي عبد الأعلى مولى آل سام عن الإمام عليه‌السلام.

وعن عليّ عليه‌السلام : « صلاة في بيت المقدّس تعدل ألف صلاة ، وصلاة في المسجد الأعظم تعدل مائة ، وصلاة في مسجد القبيلة تعدل خمسا وعشرين صلاة ، وصلاة في مسجد السوق تعدل اثنتي عشرة صلاة ، وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة » (٣).

وروى الصدوق عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : « لا صلاة لمن لا يشهد الصلاة من جيران المسجد إلاّ المريض أو مشغول » (٤).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لقوم : « لتحضرنّ المسجد أو لأحرقنّ عليكم منازلكم » (٥).

وعن الصادق عليه‌السلام : « من مشى إلى المسجد لم يضع رجليه على رطب ولا يابس إلاّ سبّح له إلى الأرض السابعة » (٦).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنس المسجد يوم الخميس ليلة الجمعة ، فأخرج منه ما يذرّ في العين غفر له » (٧).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : « أوّل ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد فيكسّرها ، ويأمر بها

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤٨ / ٦٨٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٤٧ ـ ١٤٨ / ٦٨٢.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٢ / ٧٠٣ ؛ التهذيب ٣ : ٢٥٣ / ٦٩٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٥ / ١٠٩١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ / ١٠٩٢.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٢ / ٧٠٢ ؛ التهذيب ٣ : ٢٥٥ / ٧٠٦.

(٧) الفقيه ١ : ١٥٢ / ٧٠١ ؛ التهذيب ٣ : ٢٥٤ / ٧٠٣.

١٩٨

فيجعل عريشا كعريش موسى » (١).

وعن عليّ عليه‌السلام : « إنّ الله تبارك وتعالى ليريد عذاب أهل الأرض جميعا حتّى لا يحاشي منهم أحدا ، فإذا نظر إلى الشّيب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات والولدان يتعلّمون القرآن أخّر ذلك عنهم » (٢).

قلت : وليس في قوله : « إذا نظر » دليل على غيبة سبقت أو غفلة ، فإنّ النظر قد استعمل في معان ، منها الرحمة والنعمة ، وهي المراد هنا. والمعنى ، أنّه برحمته لهم ونعمته عليهم يؤخّر العذاب عن الباقين وفيه قوله تعالى : ( وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ) (٣) وقول الشاعر :

وانظر إليّ بعين مولى لم يزل

يولي الندى وتلاف قبل تلافي

وعنه عليه‌السلام « إنّ الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يصيب أهل الأرض بعذاب ، قال : لو لا الذين يتحابّون لجلالي ، ويعمرون مساجدي ، ويستغفرون بالأسحار لأنزلت عذابي » (٤).

وروى الصدوق عن مولانا أبي عبد الله عليه‌السلام : « أنّ السجود على طين قبر الحسين عليه‌السلام ينوّر إلى الأرض السابعة ، ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسين عليه‌السلام كتب مسبّحا وإن لم يسبّح بها ، والتسبيح بالأصابع أفضل منه بغيرها ؛ لأنّها مسئولات يوم القيامة » (٥).

باب :

روى الصدوق عن مولانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنّة » (٦).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : « المؤذّن يغفر الله له مدّ بصره ، ومدّ صوته في السماء ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٣ / ٧٠٧.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٥ / ٧٢٣.

(٣) آل عمران (٣) : ٧٧.

(٤) الفقيه ١ : ٣٠٠ / ١٣٧٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٤ / ٨٢٥.

(٦) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٨١ ؛ التهذيب ٢ : ٢٨٣ / ١١٢٦.

١٩٩

ويصدّقه كلّ رطب ويابس يسمعه ، وله من كلّ من يصلّي معه في مسجده سهم ، وله من كلّ من يصلّي بصوته حسنة » (١).

قلت : والمراد ـ والله أعلم ـ بمدّ البصر والصوت ـ فيما لا يحلّ ؛ إذ لا غفران فيما سواه ، قال : إن مدّ بصره أو صوته في المحرّمات غفر له ذلك لأجل أذانه.

والسماء هنا قد يعني به الهواء.

وتصديق الرطب واليابس أعمّ من كونه عاقلا فيكون التصديق حقيقة لفظا أو اعتقادا ، أو غير عاقل فيكون التصديق مجازا بشهادة الحال. والتصديق في الأذان مخصوص بما يقبل التصديق. فتخرج منه الحيعلات الثلاثة ونحوها.

باب :

وروى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من صلّى الصلوات الخمس في جماعة فظنّوا به كلّ خير » (٢).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من صلّى الغداة والعشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمّة الله عزّ وجلّ ، ومن ظلمه فإنّما يظلم الله عزّ وجلّ ، ومن أخفره فإنّما يخفر الله عزّ وجلّ » (٣).

قلت : أخفره ـ بالخاء المعجمة والفاء ـ أي نقض عهده ، يقال : أخفرته إذا نقضت عهده ، أي من نقض عهده فإنّما ينقض عهد الله ؛ لأنّه بصلاته صار في ذمّة الله وجواره.

باب :

وبإسناده إلى الشيخ أبي جعفر الطوسي آجره الله بإسناده إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : « قيام الليل مصحّة البدن ، ورضى الربّ ، وتمسّك بأخلاق النبيّين » (٤).

وإلى أبي عبد الله عليه‌السلام : « صلاة الليل تحسّن الوجه وتذهب بالهمّ وتجلو البصر » (٥).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٥ ـ ١٨٦ / ٨٨٢ ؛ التهذيب ٢ : ٢٨٤ / ١١٣١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٦ / ١٠٩٣ ؛ الكافي ٣ : ٣٧١ / ٣ ، باب فضل الصلاة في الجماعة.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٦ / ١٠٩٨. فيه : « ومن حقّره فإنّما يحقّر الله عزّ وجلّ ».

(٤) التهذيب ٢ : ١٢١ / ٤٥٧.

(٥) التهذيب ٢ : ١٢١ ـ ١٢٢ / ٤٦١.

٢٠٠