تذنيب : وقوله : يشير بهما إلى قصر ، يريد أنّه يشير إليهما ، أي إلى إبطالهما ، فكلامه رحمهالله يشتمل على إيجاز الحذف ك ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) (١) ، وعلى القلب كقول بعضهم :
وإذا انبذت به الحصاة رأيته |
|
ينزو لوقعتها ، طمور الأخيل (٢) |
قال : ( المذهب الرابع لبعض المعتزلة ، أنّ الوجه هو ما يتضمّن ترك الفعل من المفسدة ، وترك القبيح من المصلحة ؛ وذلك لأنّ ترك العبادات مقرّب إلى المعاصي ، ومبعّد من الطاعات العقليّة ، ولا نعني بالمفسدة إلاّ ذلك. وترك القبيح بالعكس ، وهو معنى المصلحة. ولمّا كان الترك مستلزما للمفسدة ، وترك المفسدة واجب ، ولا يتمّ إلاّ بزوال الترك الحاصل بالفعل أو عند الفعل ، وجب الفعل. وكذلك نقول : ترك القبيح لطف ، وكلّ لطف واجب ، فيكون الترك واجبا ، فيلزمه تحريم الفعل ؛ لأنّه لا يحصل الترك الواجب عنده ، لتنافيهما ).
أقول : هذا كلام مبين مستغن أكثره عن مبيّن. وإنّما قال : ولا يتمّ إلاّ بزوال الترك الحاصل بالفعل ، أو عند الفعل ؛ لأنّ حصول زوال الترك قد يكون مسبّبا عن الفعل كفعل العلّة الذي يلزمه المعلول ، وقد يحصل عنده ولم يكن سببه ـ كأحد المعلولين الحاصل عند الآخر ـ وليس سببا له ، وهنا زوال الترك حاصل بالفعل ، أو عند الفعل.
والمعنى أنّ ترك المفسدة لا يقع إلاّ بزوال ترك الفعل ، وزوال الترك لا يقع إلاّ بالفعل فيجب. وكذا الكلام في ترك القبيح ، فإنّه لمّا كان واجبا لكونه لطفا حرم نقيضه وهو الفعل.
قال : ( وهو في الحقيقة ضغث من المذهب الأوّل ، إلاّ أنّه لم يجعل نفس
__________________
(١) يوسف (١٢) : ٨٢.
(٢) لسان العرب ٤ : ٥٠٢ ، « ط. م. ر ».