أقول : القرب من الطاعة العقليّة والبعد من المعصية هما القرب إلى الله سبحانه ، فتندرج هذه في الغايات الأولى ، لكن اعتبر في القرب إلى الله واسطة هي القرب من طاعته ، وأسقطها هناك ، وهذا القرب هو المعبّر عنه باللطف ؛ لأنّهم أطلقوه على كلّ ما قرّب من طاعة أو بعّد من معصية.
قوله : وهذه الغاية : يعني القرب من العقليّات. حاصلة بامتثال السمعيّات :
يعني بفعل السمعيّات.
وقوله : لا العقليّات : يعني أنّ الواجبات العقليّة ليست غاية في نفسها ؛ لأنّ الشيء موقوف على غايته التي هي الغرض في الأمر به ، فلو كان شيئا غاية لنفسه لتوقّف على نفسه ، وهو محال.
وأقول : يمكن أن يكون العقليّ غاية في عقليّ آخر ؛ فإنّ العقل قد يقتضي بشيء يقرب إلى عقلي آخر ، كما أنّ السمعيّ كذلك ، فإنّه يقضي بالقدرة والعلم لله سبحانه ، ولزمهما الوجود والحياة ، فقد قربا إلى ذلك واستلزماه ، وهذا النوع كثير.
قال : ( الرابعة : الفوز بتعظيم المكلّف سبحانه ، والثناء عليه ، والاعتراف بنعمه ، وهو المعبّر عنه بالشكر. وهاتان الغايتان تصلحان لما عدا المباح ).
أقول : معنى الفوز قد عرفته في صدر الكتاب.
والتعظيم هنا إشارة إلى كبر الباري سبحانه في نفس عبده ، والخضوع له في تصرّفاته وأحواله ، والثناء عليه بجميل أفعاله ، والاعتراف له بجزيل نواله.
وهذه الأمور تحصل بملازمة التكليف ، وقد أشار في ذلك إلى محالّه الثلاثة ، فإلى خضوع الأركان بالتعظيم ، وإلى اللسان بالذكر الجسيم ، وإلى القلب بالاعتراف بالنعيم ، وهذه الغاية عبّروا عنها بالشكر. وفيها أيضا نوع رجوع إلى اللطف ؛ فإنّ الامتثال لمّا استلزمها كان لطفا لها.
وقوله : وهاتان الغايتان تصلحان لما عدا المباح. يعني بهما غايتي القرب والفوز ، وهما الثالثة والرابعة ، والمباح لمّا خلا عن الرجحان والمرجوحيّة لم يصلح شيء منهما غاية له.