الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف - ج ١

الشيخ جعفر السبحاني

الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-047-9
الصفحات: ٥٨٤

الوضوء هي المسح لا الغسل ، فلو كانت الروايات ناظرة إلى العصر الأوّل من البعثة ، فهل يمكن أن يغفل عنها الصحابة الأجلاّء والتابعون لهم بإحسان؟ وقد شارك في الروايات ثلّة من الصحابة والتابعين.

التأمّل الثالث : إنّ أحاديث المسح ، انّما هي وضوء من لم يحدث ، وقد اعتمد عليه ابن كثير في تفسيره. (١) وسار على ضوئه المتأخرون ، كالآلوسي في « روح المعاني ». (٢) وأخيرا الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري (٣).

يلاحظ عليه : النقاط التالية :

١. أنّ لفيفا من الروايات الدالّة على المسح وردت في وضوء المحدث ، لا في الوضوء بعد الوضوء ، فكيف يمكن حملها على وضوء من لم يحدث؟ كرواية النزال ابن سبرة ، حيث يحكي وضوء عليّ بعد البول.

٢. أنّ أكثر هذه الروايات الدالّة على المسح ، تحكي وضوء رسول الله ، والمتبادر منه هو وضوؤه بعد الحدث ، لا قبله. فحمل هذه الروايات الكثيرة ، على الوضوء بعد الوضوء ، تفسير بالرأي ، حفظا للمذهب وانتصارا له.

٣. لو سلّمنا أنّ ما ورد من الروايات في المسح على الرجلين ، بأنّه وضوء من لم يحدث ، لكنّها لا تشير إلى أنّ المسح على الرجلين فقط وضوء من لم يحدث ، وإنّما تشير إلى أنّ الاكتفاء بكفّ من الماء في غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين ، وضوء من لم يحدث.

__________________

١. تفسير القرآن العظيم : ٢ / ٢٧.

٢. روح المعاني : ٦ / ٧٧.

٣. مجلة الفيصل ، العدد : ٢٣٥ ص ٤٨.

٦١

فكم فرق بين أن يرجع اسم الإشارة إلى أنّ المسح على الرجلين هو وضوء من لم يحدث ، وبين أن ترجع إلى مجموع ما ورد في الرواية من الغسل والمسح بكفّ من الماء؟! وإن كنت في شكّ من ذلك فنتلو عليك نصوص تلك الروايات :

١. ما رواه الحافظ البيهقي حيث قال : أخبرنا أبو علي الروذباري ، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محويه العسكري ، حدثنا جعفر بن محمد القلانسي ، حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، حدثنا عبد الملك بن ميسرة ، سمعت النزال بن سبرة يحدث عن علي بن أبي طالب أنّه صلّى الظهر ، ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حتى حضرت صلاة العصر ، ثم أتي بكوز من ماء ، فأخذ منه حفنة واحدة ، فمسح بها وجهه ويديه ورأسه ورجليه ، ثم قام فشرب فضله وهو قائم ، ثم قال : إنّ ناسا يكرهون الشرب قائماً ، وإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صنع كما صنعت ، وقال : هذا وضوء من لم يحدث. رواه البخاري في الصحيح عن آدم بن أبي إياس ببعض معناه (١).

٢. عن إبراهيم قال : كان علي إذا حضرت الصلاة دعا بماء ، فأخذ كفّا من ماء ، فتمضمض منه واستنشق منه ، ومسح بفضلة وجهه وذراعيه رأسه ورجليه ، ثم قال : هذا وضوء من لم يحدث (٢).

ترى أنّ الإمام اكتفى في الوضوء بكف ماء وحفنة منه مع أنّه غير كاف في الوضوء الواجب باتفاق الأمّة ، ولأجل ذلك نبّه المخاطب بأنّه وضوء من لم يحدث ، وإلا فعلى المحدث أن يسبغ ماء الوضوء بأكف وحفنات ، فمحور المذاكرة بين

__________________

١. سنن البيهقي : ١ / ٧٥ ، دار الفكر ، بيروت. ولاحظ كنز العمال : ٩ / ٤٧٤ ، الحديث ٢٧٠٣٠ ، مسند أحمد بن حنبل : ١ / ١٦٤ ، الحديث ٧٩٩.

٢. كنز العمال : ٩ / ٤٥٦ ، الحديث ٢٦٩٤٩.

٦٢

الإمام ومخاطبة هو الاكتفاء بماء قليل لا المسح على الرجلين.

٣. أخرج أحمد بسنده عن عبد الله ، قال : حدثني أبو خيثمة ، حدثنا إسحاق ابن إسماعيل ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن عبد الملك ، عن النزال بن سبرة قال : صلّينا مع علي ( رض ) الظهر ، فانطلق إلى مجلس له يجلسه في الرحبة ، فقعد وقعدنا حوله ، ثم حضرت العصر ، فأتى بإناء فأخذ منه كفا ، فتمضمض واستنشق ومسح بوجهه وذراعيه ومسح برأسه ورجليه ، ثم قال : إني رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل كما فعلت (١).

وعلى ذلك تحمل الرواية التالية :

٤. عن عبد خير قال : رأيت عليا ( رض ) دعا بماء ليتوضّأ ، فتمسح بها تمسحا ومسح على ظهر قدميه ، ثم قال : هذا وضوء من لم يحدث ، ثم قال : لو لا إني رأيت رسول الله مسح على ظهر قدميه رأيت أنّ بطونهما أحقّ ، ثم شرب فضلة وضوئه وهو قائم (٢).

فإنّ الظاهر أنّ الإمام قام بمجموع العمل بكف ماء واحد ، ويحتمل اتحاد الحديث مع الحديث الأوّل ، فاسم الإشارة في قوله : « هذا » ليس إشارة إلى مسح القدمين ، بل إلى مجموع ما أتى به من الأعمال من مسح الوجه والأيدي وغيرهما بالماء ، فإنّ الواجب فيهما الغسل ، والاكتفاء بالمسح لخلوه من الحدث.

عثرة لا تقال :

قد عرفت أنّ مجموعة كبيرة من الروايات الدالّة على المسح رواها ابن جرير

__________________

١. مسند أحمد بن حنبل : ١ / ٢٥٦ ، الحديث ١٣٧٠.

٢. مسند أحمد بن حنبل : ١ / ١٨٧ ، الحديث ٩٤٦.

٦٣

الطبري صاحب التفسير والتأريخ ، الغني عن الإطراء والبيان ، ولما كان ذلك الأمر ثقيلا على من يرى الغسل في الوضوء عاد يتحمل لتكذيب تلك الروايات بأنّه لم ينقلها ابن جرير الطبري السنّي وانّما رواها ابن جرير الشيعي ، وهي من غرائب الأمور كما سيوافيك ، وممّن التجأ إلى هذا العذر ابن القيم قائلاً :

إنّ حكاية المسح عن ابن جرير غلط بيّن ، فهذه كتبه وتفسيره كلّها تكذّب هذا النقل عنه ، وإنّما دخلت الشبهة ، لأنّ ابن جرير القائل بهذه المقالة رجل آخر من الشيعة يوافقه في اسمه واسم أبيه ، وقد رأيت له مؤلفات في أصول مذهب الشيعة وفروعهم (١).

وقد تبعه في هذه العثرة الآلوسي في تفسيره ، قال : وقد نشر رواة الشيعة هذه الأكاذيب المختلقة ، ورواها بعض أهل السنّة ممن لم يميّز الصحيح والسقيم من الأخبار بلا تحقّق ولا سند ، واتسع الخرق على الراقع ، ولعل محمد بن جرير القائل بالتخيير هو محمد بن جرير بن رستم الشيعي صاحب « الإيضاح للمسترشد في الإمامة » ، لا أبو جعفر محمد بن جرير بن غالب الطبري الشافعي الذي هو من أعلام أهل السنّة ، والمذكور في تفسير هذا هو الغسل فقط لا المسح ، ولا الجمع ، ولا التخيير الذي نسبه الشيعة إليه (٢).

وممن تنبّه إلى عثرة ابن قيم والآلوسي ، صاحب المنار حيث إنّه بعد ما نقل عبارة الآلوسي أعقبه بقوله : « إنّ في كلامه ـ عفا الله عنه ـ تحاملا على الشيعة وتكذيبا لهم في نقل وجد مثله في كتب أهل السنّة. والظاهر أنّه لم يطّلع على تفسير ابن جرير الطبري » (٣).

__________________

١. ابن القيم : في هامش سنن أبي داود : ١ / ٩٧ ـ ٩٨.

٢. روح المعاني : ٦ / ٧٧.

٣. تفسير المنار : ٦ / ٢٣٣.

٦٤

أقول : قد نقل أيضا غير واحد أنّ ابن جرير قال بالتخيير بين المسح والغسل ، ولكن اللاّئح من عبارته هو الجمع بينهما ، فمن أمعن النظر في تفسير ابن جرير يقف على أمور ثلاثة :

الأوّل : أنّه رجّح قراءة الجرّ على النصب وقال : وأعجب القراءتين إليّ أن أقرأها قراءة من قرأ ذلك خفضا ، لما وصفت من جمع المسح المعنيين اللّذين وصفت ، ولأنّه بعد قوله ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) فالعطف على الرءوس مع قربه منه أولى من العطف به على الأيدي ، وقد حيل بينه وبينها بقوله ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) (١).

الثاني : أنّه يروي روايات المسح بصدر رحب ولا يتضايق كما نقل روايات الغسل.

الثالث : أنّه قائل بالجمع بين المسح والغسل ، ومراده منه ليس هو التوضّؤ مرتين تارة بالغسل وأخرى بالمسح بالنداوة المتبقّية على اليد ، بل بغسلهما باليد ومسح الرجل بها ، وإليك نص عبارته قال :

« والصواب من القول عندنا في ذلك أنّ الله أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء ، كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمّم ، فإذا فعل ذلك بهما المتوضّي كان مستحقّا اسم ماسح غاسل ، لأنّ غسلهما ، إمرار الماء عليهما أو إصابتهما بالماء ، ومسحهما إمرار اليد أو ما قام مقام اليد عليه ، فإذا فعل ذلك بهما فاعل فهو غاسل ماسح » (٢).

والعجب عن عدّة من الباحثين حيث نسبوا إلى الطبري القول بالتخيير ،

__________________

١ و ٢. تفسير الطبري : ٦ / ٨٣.

٦٥

منهم : نظام الدين النيسابوري في تفسيره غرائب القرآن (١) والقرطبي (٢) والشوكاني (٣) والشعراني (٤).

والعجب أيضا انّ الآلوسي نسب إلى ابن جرير القول بالغسل فقط لا المسح ولا الجمع ولا التخيير (٥).

( وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً

لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ ). (٦)

__________________

١. تفسير غرائب القرآن بهامش تفسير الطبري : ٦ / ٧٤ ونسبه إلى الحسن البصري أيضا.

٢. الجامع لأحكام القرآن : ٦ / ٩٢.

٣. نيل الأوطار : ١ / ١٦٨.

٤. ميزان الشعراني : ١ / ١٩ ، ط عام ١٣١٨ ه‍.

٥. روح المعاني : ٦ / ٧٨.

٦. النحل : ٨٩.

٦٦

١٥

وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

عن لسان أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام

إنّ أئمّة أهل البيت هم المرجع الثاني للمسلمين بعد كتاب الله فيما اختلفوا فيه ، فإنّهم حفظة سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعيبة علمه ، فقد نصّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ذلك في حديث الثقلين الذي اتّفق المسلمون على نقله وصحته وقال :

« إنّي تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي ». (١)

__________________

١. حديث متّفق عليه رواه أصحاب الصحاح والمسانيد.

ـ أخرجه الترمذي عن زيد بن أرقم وهو الحديث ٨٧٣ من أحاديث كنز العمال : ١ / ١٧٣.

ـ أخرجه الإمام أحمد من حديث زيد بن ثابت في الجزء الخامس من مسنده : ٤٩٢.

ـ أخرجه الطبراني في الكبير عن زيد بن ثابت أيضا وهو الحديث ٨٧٣ من أحاديث الكنز : ١ / ١٧٣.

ـ أخرجه الحاكم في الجزء الثالث من المستدرك : ١٤٨ ، ثم قال : هذا حديث صحيح الاسناد على شرط الشيخين.

ـ أخرجه الذهبي في تلخيص المستدرك : ٣ / ١٤٨. معترفا بصحته على شرط الشيخين.

ـ أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري في الجزء الثالث من مسنده : ٣٩٤ ، الحديث ١٠٧٤٧.

ـ أخرجه ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد عن أبي سعيد وهو الحديث ٩٤٥ من أحاديث الكنز :

٦٧

فإذا كانت هذه مكانة أهل البيت ، فلنرجع إليهم في كيفيّة وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّهم ارتشفوا من عذب معين ، وحفظوا سنّة الرسول بنقل كابر عن كابر ، وإليك ما رووه :

١. عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وأبي داود جميعا ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن داود بن فرقد ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إنّ أبي كان يقول : إنّ للوضوء حدّا من تعدّاه لم يؤجر ، وكان أبي يقول : إنّما يتلدّد ، فقال له رجل : وما حدّه؟ قال : تغسل وجهك ويديك ، وتمسح رأسك ورجليك. (١)

٢. علي ، عن أبيه ، ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « ألا أحكي لكم وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ » فقلنا : بلى ، فدعا بقعب فيه شيء من ماء ، ثم وضعه بين يديه ، ثم حسر عن ذراعيه ، ثم غمس فيه كفّه اليمنى ، ثم قال : هكذا إذا كانت الكفّ طاهرة ، ثم غرف فملأها ماء فوضعها على جبينه ، ثم قال : « بسم الله » وسدله على أطراف لحيته ، ثم أمرّ يده على وجهه وظاهر جبينه مرة واحدة ، ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ، ثم وضعه على مرفقه اليمنى وأمرّ كفّه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ، ثم غرف بيمينه ملأها ، فوضعه على مرفقه اليسرى ، وأمرّ كفّه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ، ومسح مقدم رأسه وظهر قدميه ببلّة يساره وبقية بلّة يمناه.

__________________

١ / ١٨٦.

ـ أخرجه ابن حجر في أواخر الفصل ٢ من الباب ٩ من الصواعق المحرقة : ٧٥.

١. الكافي : ج ٣ / ٢١ ، كتاب الطهارة ، باب مقدار الماء الذي يجزي للوضوء والغسل ومن تعدّى في الوضوء ، الحديث ٣.

٦٨

قال : وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « إنّ الله وتر يحب الوتر ، فقد يجزئك من الوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجه واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلة يمناك ناصيتك وما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى » ، قال زرارة : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « سأل رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحكى له مثل ذلك ». (١)

٣. علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة وبكير أنّهما سألا أبا جعفر عليه‌السلام عن وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعا بطست أو تور فيه ماء ، فغمس يده اليمنى فغرف بها غرفة فصبّها على وجهه فغسل بها وجهه ، ثم غمس كفّه اليسرى فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكفّ لا يردها إلى المرفق ، ثم غمس كفّه اليمنى فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق وصنع بها مثل ما صنع باليمنى ، ثم مسح رأسه وقدميه ببلل كفه ، لم يحدث لهما ماء جديدا ، ثم قال : ولا يدخل أصابعه تحت الشراك ، قال : ثم قال : إنّ الله عزّ وجلّ يقول :

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ). (٢)

فليس له أن يدع شيئا من يديه إلى المرفقين إلاّ غسله ، لأنّ الله يقول : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) ثم قال ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه.

قال : فقلنا : أين الكعبان؟ قال : هاهنا ، يعني : المفصل دون عظم الساق ،

__________________

١. الكافي : ج ٣ / ٢٥ ، كتاب الطهارة ، باب صفة الوضوء ، الحديث ٤.

٢. المائدة : ٦.

٦٩

فقلنا : هذا ما هو؟

فقال : هذا من عظم الساق ، والكعب أسفل من ذلك.

فقلنا : أصلحك الله فالغرفة الواحدة تجزي للوجه وغرفة للذراع؟ قال : نعم إذا بالغت فيها والثنتان تأتيان على ذلك كلّه (١).

٤. عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن داود بن النعمان ، عن أبي أيوب ، عن بكير ابن أعين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ألا أحكي لكم وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخذ بكفّه اليمنى كفّا من ماء فغسل به وجهه ، ثم أخذ بيده اليسرى كفّا من ماء فغسل به يده اليمنى ، ثم أخذ بيده اليمنى كفّا من ماء فغسل به يده اليسرى ، ثم مسح بفضل يديه رأسه ورجليه. (٢)

( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ). (٣)

__________________

١. الكافي : ٣ / ٢٥ ، كتاب الطهارة ، باب صفة الوضوء ، الحديث ٥.

٢. المصدر نفسه : الحديث ٢.

٣. الأحزاب : ٣٣.

٧٠

١٦

نظرة عامّة في أخبار الغسل

قد تعرّفت على قضايا الكتاب ، والسنّة النبويّة الصحيحة ، في حكم الأرجل ، وأنّهما قد أطبقا على المسح ، من غير مرية ولا شكّ ، لكن بقي الكلام في المأثورات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي تعرب عن كون حكمها هو الغسل ، فلا محيص عن دراستها وتحليلها. فنقول : إنّها على قسمين :

أ ـ ما روي بسند صحيح ، رواه الشيخان البخاري ومسلم.

ب ـ ما روي بسند ضعيف.

١. أخرج مسلم ، عن أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح ، وحرملة بن يحيى التجيبي ، قالا : أخبرنا ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، أنّ عطاء بن يزيد الليثي أخبره ، أنّ حمران مولى عثمان أخبره ، أنّ عثمان بن عفان دعا بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاث مرات ، ثم مضمض واستنثر ، ثم غسل وجهه ثلاث مرات ، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك ، ثم مسح رأسه ، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ، ثم غسل اليسرى مثل ذلك ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضّأ نحو

٧١

وضوئي هذا ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من توضّأ نحو وضوئي هذا ، ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيها نفسه غفر له ما تقدّم من ذنبه. (١)

٢. أخرج البخاري ، عن موسى قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن يوسف بن ماهك ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : تخلّف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنّا في سفرة سافرناها ، فأدركنا وقد أرهقنا العصر ، فجعلنا نتوضّأ ونمسح على أرجلنا ، فنادى بأعلى صوته : ويل للأعقاب من النار ، مرتين أو ثلاثا (٢).

٣. أخرج مسلم ، عن زهير بن حرب ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي ، عن ابن شهاب ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن حمران مولى عثمان : أنّه رأى عثمان ، دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرّات فغسلهما ، ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق ، ثم غسل وجهه ثلاث مرات ، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات ، ثم مسح برأسه ، ثم غسل رجليه ثلاث مرات ، ثم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

من توضّأ نحو وضوئي هذا ، ثم صلّى ركعتين ، لا يحدث فيها نفسه غفر له ما تقدّم من ذنبه (٣).

٤. عن بشر بن المفضل ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء ، قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأتينا ، فحدثتنا أنّه ، قال : اسكبي لي وضوءا ـ فذكرت وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قالت فيه : فغسل كفّيه ثلاثا ، ووضأ وجهه

__________________

١. صحيح مسلم : ٣ / ١٠٧ ، كتاب الطهارة ، الحديث برقم ٢٢٦ ؛ أخرجه البخاري أيضا بسنده : ١ / ٥١ ، باب الوضوء ثلاثا ثلاثا ؛ سنن النسائي : ١ / ٨٠ ، كتاب الطهارة ، باب حدّ الغسل ؛ جامع الأصول : ٧ / ١٥٤ ؛ سنن الترمذي برقم ٤٨ ، ٤٩ في الطهارة ؛ مجمع الزوائد : ١ / ٢٢٩.

٢. صحيح البخاري : ١ / ٥٢ ، باب غسل الرجلين.

٣. صحيح مسلم : ٣ / ١١١ ، الحديث برقم ٤ ، باب صفة الوضوء وكماله.

٧٢

ثلاثا ، ومضمض واستنشق مرة ، ووضأ يديه ثلاثا ثلاثا ، ومسح برأسه مرّتين ، بدأ بمؤخّر رأسه ، ثم بمقدمه ، وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما ، ووضأ رجليه ثلاثا ثلاثا (١).

٥. حدثنا موسى قال : حدثنا وهيب ، عن عمرو ، عن أبيه قال : شهدت عمرو بن أبي حسن ، سأل عبد الله بن زيد عن وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعا بتور من ماء ، فتوضّأ لهم وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأكفأ على يده من التور فغسل يديه ثلاثا ، ثم أدخل يده في التور فمضمض واستنشق واستنثر ثلاث غرفات ، ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثا ، ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين ، ثم أدخل يده فمسح رأسه فأقبل به وأدبر مرة واحدة ، ثم غسل رجليه إلى الكعبين (٢).

إنّ هذه الروايات وان نقلت بسند صحيح ، لكنّ الاختلاف والتهافت في المضمون مريب جدا ومسقط لها عن الحجّية ، وكلّها تحكي وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ الاختلاف والتهافت فيها من جوانب أربعة :

١. الاختلاف في عدد غسل اليدين.

٢. الاختلاف في مقدار المسح.

٣. الاختلاف في كيفيّة المسح من جهة التقديم والتأخير.

٤. الاختلاف في عدد مسح الرأس.

وإليك البيان :

أمّا الأوّل : ففي رواية حمران مولى عثمان أنّه غسل يده اليمنى إلى المرفقين

__________________

١. جامع الأصول : ٧ / ١٦٤ برقم ٥١٤٩ ، سنن الترمذي : ١ / ٤٨ برقم ٣٣ في الطهارة.

٢. صحيح البخاري : ١ / ٨١ برقم ١٨٦.

٧٣

ثلاث مرات ، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك. ( أنظر الحديث ١ ).

وفي رواية عبد الله بن زيد : ثم غسل يده مرتين إلى المرفقين. ( أنظر الحديث ٥ ).

وأمّا الثاني : ففي رواية الصحابية الربيع بنت معوذ بن عفراء : بأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما. ( أنظر الحديث ٤ ) مع أنّ المذكور في غير هذه الرواية أنّه مسح رأسه دون أذنيه ظهورهما وبطونهما. ( أنظر الحديث ٥ ).

وأمّا الثالث : ففي رواية الصحابيّة أنّه بدأ بمؤخّر رأسه ثم بمقدّمه ، ولكن في رواية عبد الله بن زيد : فمسح رأسه فأقبل بها وأدبر مرة واحدة. ( أنظر الحديث ٥ ).

وأمّا الرابع : ففي رواية الصحابيّة أنّه مسح برأسه مرتين. ( أنظر الحديث ٤ ) مع أنّ المذكور في غيرها أنّه مسح رأسه. الظاهر في كونه مرّة واحدة إذ لو كان متعددا لم يغفل الراوي عن نقله.

فوجوه الاختلاف هذه تعرب عن اضطراب الحديث وعدم إمكان الأخذ به ، وتصوّر أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضأ بكيفيّات مختلفة ، وإنّ كلّ واحد يروي ما رآه من الكيفيّة بعيد جدا خاصّة وأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما يتوضّأ بأفضل الكيفيّات ما لم تكن هناك ضرورة على ترك الأفضل.

وأمّا رواية عبد الله بن عمر فهي على الخلاف أدلّ ، لأنّها تعرب أنّ عبد الله ابن عمر ورهطه كانوا يمسحون الأرجل طيلة أعوام ، ومن البعيد أن يكون مثله غافلا عما هو الواجب.

فليس في الرواية أذن أي دلالة على غسل الأرجل ، وإنّما توهم من توهم

٧٤

ذلك ، لأنّ البخاري ذكرها تحت عنوان باب غسل الرجلين ، ومن المعلوم أنّ تبويب المحدّث وذكر الحديث تحت عنوان لا يثبت ظهورا له فيه ، فعلى المجتهد بذل الجهد في فهم الرواية.

بقي الكلام في أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما ذا دعا بالويل للأعقاب من النار؟ فيه وجوه واحتمالات أرجحها أنّه كان قوم من طغام العرب يمشون حفاة ولا يبالون من تلبيس الأرجل بأي نجاسة ، وكانوا يتوضّئون ويمسحون أرجلهم دون غسلها قبل الوضوء من آثار النجاسة ، فتوعّدهم النبي بما قال.

على أنّ النبي من أفصح العرب وأفضل من نطق بالضاد ، فلو أراد بكلمته هذه التنبيه على وجوب غسل الأرجل لأتى بكلمة واضحة الدلالة ، ترشد المكلّف إلى وظيفته لا أن يتوصل بكلمة غامضة لإفادة مراده ، أعني قوله : « ويل للأعقاب من النار ».

وهذه هي حال الصحاح من الروايات ، وإليك ما نقل في ذلك المجال من ضعافها ، وحسبك ما نذكره فيما يلي :

١. عن ابن أبي مليكة قال : رأيت عثمان بن عفان يسأل عن الوضوء؟ فدعا بماء فأتى بميضاة ، فأصغى على يده اليمنى ، ثم أدخلها في الماء فتمضمض ثلاثا واستنثر ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا ، ثم غسل يده اليمنى ثلاثا وغسل يده اليسرى ثلاثا أدخل يده فأخذ ماء فمسح برأسه وأذنيه فغسل بطونهما وظهورهما مرّة واحدة ، ثم غسل رجليه ، ثم قال : أين السائلون عن الوضوء؟ هكذا رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضّأ (١).

__________________

١. جامع الأصول : ٧ / ١٥٥.

٧٥

وفي سنده ابن أبي مليكة ، قال عنه البخاري وأحمد : منكر الحديث. (١) وقال ابن سعد : له أحاديث (٢) ، وقال ابن معين : ضعيف ، وقال النسائي : متروك (٣).

٢. أخرج ابن ماجة بسنده عن هشام بن عمار ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن حريز بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن ميسرة ، عن المقدام بن معديكرب أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضّأ فغسل رجليه ثلاثا ثلاثا (٤).

وفي سنده عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي ، قال عنه ابن المديني : مجهول لم يرو عنه غير حريز بن عثمان (٥).

٣. أخبرنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرني أبو جعفر المدني ، قال : سمعت ابن عثمان بن حنيف ـ يعني : عمارة ـ قال : حدثنا القيس ، قال : إنّه كان مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر فأتى بماء فقال على يديه من الإناء فغسلهما مرة ، وغسل وجهه وذراعيه مرة مرة وغسل رجليه بيمينه كلتيهما (٦).

وفي سنده عمارة بن عثمان بن حنيف وهو مجهول ، فعن خزيمة بن ثابت أنّه لا يعرف (٧).

٤. عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه : أنّ رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

١. التأريخ الكبير : ٥ / ٢٦٠.

٢. الطبقات الكبرى : ٥ / ٣٦٤.

٣. الميزان : ٢ / ٥٥٠.

٤. سنن ابن ماجة : ١ / ١٥٦ ، الحديث ٤٥٧.

٥. ميزان الاعتدال : ٢ / ٥٩٤ ، برقم ٤٩٨٦ ؛ الطبقات الكبرى : ٧ / ٤٥٧ ، الجرح والتعديل : ٥ ، الترجمة ١٣٦٢.

٦. جامع الأصول : ٧ / ١٦٥ برقم ٥١٥٠ ؛ : سنن النسائي : ١ / ٧٩ في الطهارة.

٧. تهذيب الكمال : ٢١ / ٢٥٤ برقم ٤١٩١ ؛ ميزان الاعتدال : ٣ ، الترجمة ٦٠٣٢.

٧٦

فقال : يا رسول الله ، كيف الطهور؟ ، فدعا بماء في إناء ، فغسل كفيه ثلاثا ، ثم غسل وجهه ثلاثا ، ثم غسل ذراعيه ثلاثا ، ثم مسح برأسه ، فأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه ، وبالسباحتين باطن أذنيه ، ثم غسل رجليه ثلاثا ثلاثا ، ثم قال : هكذا الوضوء ، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم (١).

وفي سنده عمرو بن شعيب ، قال عنه أحمد بن حنبل : له أشياء مناكير وإنّما نكتب حديثه نعتبر به فأمّا أن يكون حجة ، فلا (٢).

٥. أخرج النسائي ، أخبرنا محمّد بن آدم ، عن ابن أبي زائدة ، قال : حدثني أبي وغيره ، عن أبي إسحاق ، عن أبي حية الوادعي ، قال : رأيت عليا توضأ فغسل كفّيه حتى أنقاهما ، ثم تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وغسل ذراعيه ثلاثا ، ثم مسح برأسه ، ثم غسل قدميه إلى الكعبين ، ثم قام ، فأخذ فضل طهوره فشرب وهو قائم ثم قال : أحببت أن أريكم كيف كان طهور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

وهذا الحديث ساقط بسقوط سنده من عدة جهات :

الأولى : أنّ إباحيّة راوي هذا الحديث نكرة من أبهم النكرات ، وقد أورده الذهبي في الكنى من ميزانه ، فنصّ على أنّه لا يعرف ، ثم نقل عن ابن المديني وأبي الوليد الفرضي النصّ على أنّه مجهول ، وقال أبو زرعة : لا يسمّى (٤).

الثانية : أنّ هذا الحديث تفرّد به أبو إسحاق وقد شاخ ونسي واختلط ، فتركه

__________________

١. جامع الأصول : ٧ / ١٦١ برقم ٥١٤٧ ؛ سنن أبي داود : برقم ١٢٢ في الطهارة.

٢. سير أعلام النبلاء : ٥ / ١٦٥ ؛ ميزان الاعتدال : ٣ / ٢٦٣ ؛ لسان الميزان : ٧ / ٣٢٥.

٣. جامع الأصول : ٧ / ١٥٣ ؛ سنن النسائي : ١ / ٧٩ ، سنن الترمذي : ١ / ٦٧ برقم ٤٨ ؛ سنن ابن ماجة : ١ / ١٥٥ الحديث ٤٥٦ ؛ مسند أحمد بن حنبل : ١ / ٢٥٩ ، الحديث ١٣٨٣.

٤. ميزان الاعتدال : ٤ / ٥١٩ برقم ١٠١٣٨ ؛ تهذيب الكمال : ٣٣ / ٢٦٩ برقم ٧٣٣٤.

٧٧

الناس ولم يروه عنه إلاّ أبو الأحوص وزهير بن معاوية الجعفي ، فعابهم الناس بذلك ، قال أبو زرعة : إنّه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط (١).

الثالثة : أنّ هذا الحديث يعارض الأحاديث الثابتة عن أمير المؤمنين وعن أبنائه الميامين ، أهل بيت النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي والتنزيل ، ويخالف كتاب الله ، فليضرب به عرض الجدار.

٦. عن عبد الرحمن بن عباد بن يحيى بن خلاد الزرقي ، قال : دخلنا على عبد الله بن أنيس ، فقال : ألا أريكم كيف توضّأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكيف صلّى؟ قلنا : بلى.

فغسل يديه ثلاثا ثلاثا ومسح برأسه مقبلا ومدبرا وأمس أذنيه وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا ، ثم أخذ ثوبا فاشتمل به وصلّى ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضّأ ويصلّي. رواه الطبراني في الأوسط (٢).

وفي سنده عبد الرحمن بن عباد بن يحيى بن خلاد الزرقي ، وهو مجهول لم أجد من ترجم له (٣).

٧. عن خالد بن معدان ، عن بعض أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى رجلا يصلّي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء ، فأمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة (٤).

وفي سنده بقية بن الوليد ، وهو كثير التدليس عن الضعفاء ، وقال عبد الحق : بقية لا يحتج به (٥).

__________________

١. ميزان الاعتدال : ٢ / ٨٦ ، ترجمة زهير بن معاوية برقم ٢٩٢١.

٢. مجمع الزوائد : ١ / ٢٣٣.

٣. مجمع الزوائد : ١ / ٢٣٣.

٤. جامع الأصول : ٧ / ١٦٨ ؛ سنن أبي داود ، الحديث ١٧٥.

٥. ميزان الاعتدال : ١ / ٢٣١ برقم ١٢٥٠.

٧٨

٨. عن ابن عباس قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يتطهّر وبين يديه إناء قدر المدّ وإن زاد فقلّ ما زاد ، وإن نقص فقلّ ما نقص ، فغسل يديه وتمضمض واستنشق ثلاثا ثلاثا ، وغسل وجهه ثلاثا وخلّل لحيته ، وغسل ذراعيه ثلاثا ، ومسح برأسه وأذنيه مرتين مرتين ، وغسل رجليه حتى أنقاهما ، فقلت : يا رسول الله هكذا التطهّر؟ قال : هكذا أمرني ربي عزّ وجلّ (١).

وفي سنده نافع أبو هرمز ، ضعّفه أحمد وجماعة ، وكذّبه ابن معين ، وقال أبو حاتم : متروك ذاهب الحديث ، وقال النسائي : ليس بثقة (٢).

٩. عن أبي النضر : أنّ عثمان دعا بالوضوء وعنده الزبير وطلحة وعلي وسعد ، فتوضّأ وهم ينظرون ، فغسل وجهه ثلاث مرات ، ثم أفرغ على يمينه ثلاث مرات وعلى شماله ثلاث مرات ، ومسح برأسه ورشّ على رجله اليمنى ثلاث مرات ثمّ غسلها ، ثم رشّ على رجله اليسرى ثم غسلها ثلاث مرات ، ثم قال للّذين حضروا : أناشدكم الله عزّ وجلّ أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتوضّأ كما توضّأت الآن؟ قالوا : نعم وذلك لشيء بلغه (٣).

وفي سنده غسان ابن الربيع ، ضعّفه الدارقطني ، وقال عنه الذهبي : ليس بحجّة في الحديث (٤).

١٠. عن وائل بن حجر قال : حضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أتى بإناء فيه ماء ، فأكفأ على يمينه ثلاثا ، غمس يمينه في الإناء فأفاض بها على اليسرى ثلاثا ، ثم

__________________

١. مجمع الزوائد : ١ / ٢٣٢.

٢. ميزان الاعتدال : ٤ / ٢٤٣ برقم ٩٠٠٠.

٣. مجمع الزوائد : ١ / ٢٢٩.

٤. ميزان الاعتدال : ٣ / ٣٣٤ برقم ٦٦٥٩.

٧٩

غمس اليمنى فحفن حفنة من ماء فتمضمض بها واستنشق واستنثر ثلاثا ، ثم أدخل كفّيه في الإناء فحمل بهما ماء فغسل وجهه ثلاثا ، ثم خلّل لحيته ومسح باطن أذنيه وأدخل خنصره في داخل أذنه ليبلغ الماء ، ثم مسح رقبته وباطن لحيته من فضل ماء الوجه وغسل ذراعه اليمنى ثلاثا حتى جاوز المرفق وغسل اليسرى مثل ذلك باليمنى حتى جاوز المرفق ، ثم مسح على رأسه ثلاثا ومسح ظاهر أذنيه ومسح رقبته وباطن لحيته بفضل ماء الرأس ، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثا وخلّل أصابعها وجاوز بالماء الكعب ورفع في الساق الماء ، ثم فعل في اليسرى مثل ذلك ، ثم أخذ حفنة من الماء بيده اليمنى فوضعه على رأسه حتى انحدر من جوانب رأسه ، وقال : هذا تمام الوضوء ، فدخل محرابه ، وصفّ الناس خلفه. رواه الطبراني في الكبير (١).

وفي سنده سعيد بن عبد الجبار ، قال عنه محمد بن مخلد الرعيني : لا يعرف (٢).

وفي سنده أيضا محمد بن حجر ، قال عنه الزهري : مجهول (٣).

١١. عن أنس بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إذا توضّأ أحدكم فليمضمض ثلاثا فإنّ الخطايا تخرج من وجهه ، ويغسل يديه ثلاثا ، ويمسح برأسه ثلاثا ، ثم يدخل يديه في أذنيه ، ثم يفرغ على رجليه ثلاثا. رواه الطبراني في الأوسط (٤).

وفي سنده أبو موسى الحناط ، وهو متروك (٥).

__________________

١. مجمع الزوائد : ١ / ٢٣٢.

٢. ميزان الاعتدال : ٢ / ١٤٧ برقم ٣٢٢٤ ، تهذيب الكمال : ١٠ / ٥٢٣ برقم ٢٣٠٧.

٣. ميزان الاعتدال : ٣ / ٥١١ برقم ٧٣٦٠.

٤. مجمع الزوائد : ١ / ٢٣٣.

٥. المصدر السابق.

٨٠