الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف - ج ١

الشيخ جعفر السبحاني

الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-047-9
الصفحات: ٥٨٤

وشرائطها وأحكامها ، وعندئذ يتجلّى الحقّ بأجلى مظاهرة ، ولا يبقى شكّ في أنّ نكاح المتعة ، لا يفترق عن النكاح الدائم في الماهية والحقيقة وإن كانا يفترقان في بعض الأحكام ، نظير نكاح الإماء ، الذي ندب إليه الوحي ، بقوله ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ. ). (١) فنكاح الإماء لا يفترق عن نكاح الحرائر جوهرا وحقيقة ، وإن افترقا في بعض الأحكام الشرعية.

ولو انّ الكاتب أمعن في أحكام المتعة التي تقدم الحديث عنها في صدر الرسالة ، لأذعن بأنّ بين نكاح المتعة والسفاح فرقا شاسعا فان متعة النكاح من المسائل الفقهية الفرعية التي اختلفت أنظار الفقهاء في استمرار حلّيتها لا أصلها كسائر المسائل الفقهية المختلف فيها ، فعندئذ يطرح هذا السؤال وهو : ما هذا الصخب الذي أثير حول هذه المسألة ، وما هو السبب لرشق السهام في حلبة القائلين بالحلية؟ أو ليس من الأفضل أن نمرّ على هذه المسألة كسائر المسائل الفقهية من دون تفسيق وتكفير ، ومع الأسف الشديد صارت المسألة من المسائل التي تشهّر بها طائفة من المسلمين ويطعن عليها لقولهم بحليّتها ، وليس القول بحليتها من خصائص تلك الطائفة فحسب ، بل سبقهم إليه لفيف من الصحابة والتابعين في عصر تضاربت فيه الأقوال ، وقد تقدّمت أسماؤهم.

وأظن ـ وظن الألمعي صواب ـ انّ وراء هذا الهياج والضوضاء ، خلفيات سياسية تتلخص في تبرير عمل الخليفة الثاني الذي قام بتحريم متعة النكاح كمتعة الحج ، فحرّم ما أحله الله تبارك وتعالى.

__________________

١. النساء : ٢٥.

٥٢١

ولما كان هذا الأمر ثقيلا في ميزان العدل ، راح رجال من هنا وهناك بنحت شبهات حول الحلية ليسهل تعاطي الحرمة التي فرضها الخليفة على مثل هذا النكاح.

هب انّهم برروا عمل الخليفة وموقفه حيال هذه المسألة فبما ذا يبررون العديد من المواقف التي اتّخذها الخليفة قبال النص؟! مثلا : حكم على الطلاق ثلاثا في مجلس واحد بلا تخلّل العدة والرجوع ، بأنّها تحسب تطليقات ثلاث خلافا لنصّ الكتاب والسنّة ، وقد وقف الخليفة على مضاعفات عمله بعد ما بلغ السيل الزبى.

والفقيه الموضوعي يجعل الكتاب والسنّة قدوة لفتياه من دون أن يتّخذ موقفا مسبقا في مسألة حتّى يسهل له الوصول إلى الحق.

٥٢٢

الشبهة السادسة

المتمتع يقصد السفح لا الإحصان

إنّ المتمتّع في النكاح المؤقت لا يقصد الإحصان دون المسافحة ، بل يكون قصده مسافحة ، فإن كان هناك نوع ما من إحصان نفسه ومنعها من التنقّل في دمن الزنا ، فإنّه لا يكون فيه شيء ما من إحصان المرأة التي تؤجر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل فتكون كما قيل :

كرة حذفت بصوالجة

فتلقّفها رجل رجل (١)

يلاحظ عليه : أنّه من أين وقف على أنّ الإحصان في النكاح المؤقّت يختص بالرجل دون المرأة ، فإنّا إذا افترضنا كون العقد شرعيا ، فكل واحد من الطرفين يحصن نفسه من هذا الطريق ، وإلاّ فلا محيص عن التنقل في دمن الزنا. والذي يصون الفتى والفتاة عن البغي أحد الأمور الثلاثة :

١. النكاح الدائم ، ٢. النكاح المؤقّت بالشروط الماضية ، ٣. كبت الشهوة الجنسية.

فالأوّل ربّما يكون غير ميسور خصوصا للطالب والطالبة اللّذين يعيشان بمنح ورواتب مختصرة يجريها عليهما الوالدان أو الحكومة ، والثالث أي كبت الشهوة الجنسية أمر شاق لا يتحمّله إلاّ الأمثل فالأمثل من الشباب ، والمثلي من النساء ، وهم قليلون ، فلم يبق إلاّ الطريق الثاني ، فيحصنان نفسهما عن التنقّل في

__________________

١. تفسير المنار : ٥ / ١٣.

٥٢٣

بيوت الدعارة.

إنّ الدين الإسلامي هو الدين الخاتم ، ونبيّه خاتم الأنبياء ، وكتابه خاتم الكتب ، وشريعته خاتمة الشرائع ، فلا بدّ أن يضع لكل مشكلة اجتماعية حلولا شرعية ، يصون بها كرامة المؤمن والمؤمنة ، وما المشكلة الجنسية عند الرجل والمرأة إلاّ إحدى هذه النواحي التي لا يمكن للدين الإسلامي أن يهملها ، وعندئذ يطرح هذا السؤال نفسه :

ما ذا يفعل هؤلاء الطلبة والطالبات الذين لا يستطيعون القيام بالنكاح الدائم ، وتمنعهم كرامتهم ودينهم عن التنقّل في بيوت الدعارة والفساد ، والحياة المادية بجمالها تؤجّج نار الشهوة في نفوسهم؟ فمن المستحيل عادة أن يصون نفسه أحد إلاّ من عصمه الله ، فلم يبق طريق إلاّ زواج المتعة ، الذي يشكّل الحل الأنجح لتلافي الوقوع في الزنا ، وتبقى كلمة الإمام علي بن أبي طالب ترنّ في الآذان محذّرة من تفاقم هذا الأمر عند إهمال العلاج الذي وصفه المشرّع الحكيم له ، حيث قال عليه‌السلام : « لو لا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلاّ شقي أو شقيّة ».

وأمّا تشبيه المتعة بما جاء في الشعر فهو يعرب عن جهل الشاعر ومن استشهد به بحقيقة نكاح المتعة وحدودها ، فإنّ ما جاء فيه هي المتعة الدورية التي ينسبها الرجل (١) إلى الشيعة ، وهم براء من هذا الإفك ، إذ يجب على المتمتّع بها بعد انتهاء المدّة الاعتداد على ما ذكرنا ، فكيف يمكن أن تؤجّر نفسها كلّ طائفة من الزمن لرجل؟! سبحان الله ما أجرأهم على الكذب على الشيعة والفرية عليهم ، وما مضمون الشعر إلاّ إطاحة بالوحي والتشريع الإلهي ، وقد اتّفقت كلمة المحدّثين والمفسّرين على التشريع ، وأنّه لو كان هناك نهي أو نسخ فإنّما هو بعد التشريع والعمل.

__________________

١. لاحظ كتابه : السنّة والشيعة : ٦٥ ـ ٦٦.

٥٢٤

الشبهة السابعة

نسخ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلية المتعة (١)

لقد وقفت على دلالة الكتاب في تحليل المتعة ومكانتها في السنّة النبوية ، وذهاب جمع من الصحابة إلى حليتها بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا منتدح إلاّ الأخذ بما ورد في الكتاب والسنّة كما وقفت على شبهاتهم مهلهلة النسج لا أساس لها في الواقع والتي حيكت لأغراض خاصة.

بقيت هنا شبهة أخرى وهي العمدة في تحريمها عند الفقهاء حيث قالوا : إنّ حلّية المتعة منسوخة نسخها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستدلّين بأحاديث تصل إلى لفيف من الصحابة ، منهم :

١. سلمة بن الأكوع

أخرج مسلم عن إياس بن سلمة ، عن أبيه قال : رخّص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثمّ نهى عنها. (٢) وعام أوطاس هو عام الفتح ( السنة الثامنة من الهجرة ) وأوطاس واد بديار هوازن.

__________________

١. لمّا كان القائلون بالتحريم يعرّجون على تلك الشبهة أكثر من سائر الشّبه ، بسطنا الكلام في دحضها بوجوه سبعة على نحو لا يبقى لمشكّك شك ولا لمرتاب ريب في عدم صدور أيّ تحريم من النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢. صحيح مسلم : ٤ / ١٣١ ، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.

٥٢٥

٢. سبرة بن معد الجهني

أخرج مسلم عن سبرة انّه قال : أذن لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمتعة فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر كأنّها بكرة عيطاء فعرضنا عليها أنفسنا فقالت : ما تعطي؟ فقلت : ردائي وقال صاحبي : ردائي ، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي ، وكنت أشبّ منه ، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها وإذا نظرت إليّ أعجبتها ، ثمّ قالت : أنت ورداؤك يكفيني ، فمكثت معها ثلاثا ، ثمّ إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع فليخلّ سبيلها. (١)

وقد أخرج مسلم عن الربيع بن سبرة عن أبيه سبرة هذا الحديث بألفاظ مختلفة تصل طرقها إلى عشرة ، وربما يظن الغافل انّها روايات عشر مع أنّها رواية واحدة بطرق مختلفة تصل إلى شخص واحد وهو سبرة بن معد الجهني ، وسيوافيك وجود الاختلاف فيما روي عنه على نحو يسقطها عن الاعتبار.

٣. ابن مسعود

أخرج عبد الرزاق وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود ، قال : المتعة منسوخة نسخها الطلاق والصدقة والعدة والميراث. (٢)

والرواية مكذوبة على لسان ابن مسعود ، وقد مرّ انّه أحد القائلين بحلية المتعة مستشهدا بآية تحريم الطيبات (٣) ثمّ كيف خفي عليه انّ انتفاء بعض الأحكام في مورد المتعة يعد تخصيصا للعموم ولا يعد الثاني نسخا لحلية المتعة؟ ثم كيف تنسخها آية العدّة مع أنّ على المتمتع بها ، عدة الفراق والوفاة كما سلف.

__________________

١. صحيح مسلم : ٤ / ١٣١ ، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.

٢. الدر المنثور : ٢ / ٤٨٦.

٣. لاحظ ص ٤٨٦ من هذا الكتاب.

٥٢٦

٤. أبو ذر

أخرج البيهقي عن أبي ذر ، قال : إنّما أحلت لأصحاب رسول الله متعة النساء ثلاثة أيّام نهى عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (١)

٥. ابن عباس

أخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والنحاس من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) قال : نسختها ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ ) ، ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) ، ( وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ). (٢)

إنّ حبر الأمّة ، تلميذ الإمام علي عليه‌السلام أعرف بكتاب الله وسنّة رسوله وكيف تنسخ ما شرعه كتابه سبحانه ، بهذه الآيات ، مع أنّ التمتع بها ممّن كتب عليها العدة؟!

٦. علي بن أبي طالب

أخرج مسلم عن يحيى بن يحيى بسند يتصل إلى عبد الله والحسن ابني محمد بن علي ( الحنفية ) ، عن أبيهما ، عن علي بن أبي طالب انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية. (٣)

أخرج مسلم بهذا السند عن علي انّه سمع ابن عباس يليّن في متعة النساء ،

__________________

١. الدر المنثور : ٢ / ٤٨٦.

٢. الدر المنثور : ٢ / ٤٨٥.

٣. صحيح مسلم : ٤ / ١٣٤ ، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.

٥٢٧

فقال : مهلا يا بن عباس فان رسول الله نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية. (١) والحديثان مكذوبان على الإمام ، كيف وهو وبيته الرفيع ممّن ينادون باستمرار الحلية وقد خلا الخافقين كلامه : لو لا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلاّ شقي؟!

٧. عمر بن الخطاب

أخرج البيهقي عن عمر انّه خطب فقال : ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها ، لا أوتى بأحد نكحها إلاّ رجمته. (٢)

يلاحظ على هذه الشبهة ـ وراء ما عرفت في ضمن النقل ـ بأمور :

الأوّل : وجود التعارض بين الروايات

لو افترضنا صحّة الاحتجاج بهذه الروايات على أنّها نسخت نكاح المتعة لكن هناك روايات صحيحة رواها مسلم في صحيحه تدلّ على استمرار الحلية تصل إلى بعض الصحابة ، منهم :

١. جابر بن عبد الله

١. أخرج مسلم عن أبي الزبير قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث. (٣)

٢. أخرج مسلم عن ابن نضرة قال : كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت

__________________

١. صحيح مسلم : ٤ / ١٣٥ ، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.

٢. الدر المنثور : ٢ / ٤٨٦.

٣. صحيح مسلم : ٤ / ١٣١ ، باب نكاح المتعة.

٥٢٨

فقال ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما. (١)

٢. عبد الله بن مسعود

كنّا نغزو مع رسول الله وليس معنا نساؤنا فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ورخّص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل ، ثمّ قرأ عبد الله ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ). (٢)

٣. عبد الله بن عمر

أخرج الترمذي : انّ رجلا من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء ، فقال : هي حلال ، فقال : إنّ أباك قد نهى عنها ، فقال ابن عمر : أرأيت إن كان أبي قد نهى عنها وقد سنّها رسول الله ، أنترك السنة ونتبع قول أبي؟! (٣)

٤. عبد الله بن العباس

وقد مضت رواياته وسيوافيك بعض من تمتع من الصحابة في عصر الخليفة غير مبال لتهديده وتخويفه. (٤)

إلى غير ذلك من صحاح الروايات التي مرت ومع وجود هذا التعارض تسقط الروايات من كلا الجانبين ويكون المرجع هو كتاب الله العزيز فهو راسخ كالجبل الشامخ فما لم يثبت النسخ فعلى الفقيه الرجوع إلى كتاب الله لحسم الموقف.

__________________

١. صحيح مسلم : ٤ / ١٣١ ، باب نكاح المتعة.

٢. الدر المنثور : ٢ / ٤٨٥.

٣. سنن الترمذي : ٣ / ١٨٦ برقم ٨٢٤.

٤. لاحظ ص ٥٤١ ـ ٥٤٢ من هذا الكتاب.

٥٢٩

الثاني : التعارض في الروايات الحاكية للتحريم

إنّ في نفس الروايات الحاكية للتحريم تعارضا في زمان التحريم ومكانه وعدده واضطرابا شديدا ولأجل إيقاف القارئ على وجوه الاضطراب نذكر ما ورد في ذلك.

أ. التحريم في خيبر

أخرج مالك وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن علي انّ رسول الله نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية. (١)

ب. التحريم في أرض هوازن

أخرج مسلم عن إياس بن سلمة عن أبيه قال : رخص لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثمّ نهى عنها. (٢) وقد أقام النبي في مكة المكرمة العشر الأواخر من شهر رمضان وأياما من شهر شوال ثمّ غادر مكة إلى هوازن ، وعلى ذلك فقد استغرق التحليل والتحريم بعد الفتح ثلاثة أيّام في أرض أوطاس ، وهو واد بديار هوازن ولم يكن أي تحليل وتحريم في أرض مكة.

ج. التحريم في أرض مكة

أخرج مسلم عن سبرة انّه غزا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتح مكة قال : فأقمنا بها خمس عشرة ( ثلاثين بين ليلة ويوم ) فأذن لنا رسول الله في متعة النساء فخرجت أنا ورجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال وهو قريب من الدمامة ، إلى أن قال :

__________________

١. الدر المنثور : ٢ / ٤٨٦.

٢. صحيح مسلم : ٤ / ١٣١ ، باب نكاح المتعة.

٥٣٠

حتّى إذا كنّا بأسفل مكة أو بأعلاها فتلقتنا فتاة مثل البكرة ـ إلى أن قال : ـ ثمّ استمتعت منها فلم أخرج حتّى حرمها رسول الله.

وفي رواية أخرى عنه : أمرنا رسول الله بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثمّ لم نخرج منها حتّى نهانا عنها. (١)

فأين التحريم في غزوة خيبر التي وقعت في أوائل السنة السابعة من الهجرة من التحريم في أرض أوطاس في الغزوة التي وقعت في العشر الثاني من شهر شوال من العام الثامن أو من التحريم في أرض مكة التي دخلها رسول الله في الثامن عشر من شهر رمضان وخرج منها بعد مضي قرابة عشرين يوما.

فلا يمكن الركون إلى هذه الروايات المتعارضة.

الثالث : خلو حديث الرسول عن التحريم في المواقف المذكورة

إنّ من تتبع كلمات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المواقف المذكورة لم يجد أيّ أثر للتحريم ، امّا غزوة خيبر فقد كان مسير الرسول إليها في شهر محرم الحرام ولا نجد في كتب السيرة أي تصريح للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حول المتعة ، على أنّ المتعة تختص بالحرائر وأمّا سبايا خيبر فمقتضى الحال انّهم كانوا إماء للمسلمين فكيف يحلّل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التمتع بالإماء اللواتي هن ملك يمين؟! يقول سبحانه ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ). (٢)

ومن سبر كتب السير لم يجد في كلمات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي أثر من تحريم المتعة.

وإليك بعض كلامه في خيبر :

روى ابن إسحاق عن حنش الصنعاني ، قال : غزونا مع رويفع بن ثابت

__________________

١. صحيح مسلم : ٤ / ١٣٣ ، باب نكاح المتعة.

٢. المؤمنون : ٥ ـ ٦.

٥٣١

الأنصاري المغرب فافتتح قرية من قرى المغرب يقال لها جربة ، فقام فينا خطيبا ، فقال : يا أيّها الناس إنّي لا أقول فيكم إلاّ ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوله فينا يوم خيبر ، قام فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال :

لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماؤه زرع غيره ، يعني إتيان الحبالى من السبايا حتّى يستبرئها ، ولا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي حتّى يستبرئها ، ولا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتّى يقسم ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتّى إذا أعجفها ردها فيه ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتّى إذا أخلقه رده فيه. (١)

والمكان المناسب لتحريم المتعة هو هذا الموضع من كلامه ولا نرى فيه أثرا لتحريم المتعة.

يقول ابن القيم : « وقصة خيبر لم يكن الصحابة يتمتعون باليهوديات ، ولا استأذنوا في ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة ، ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة لا فعلا ولا تحريما ، فان خيبر لم يكن فيها مسلمات وإنّما كنّ يهوديّات ، وإباحة نساء أهل الكتاب لم يكن ثبت بعد. وإنّما ابحن بعد. (٢)

وأمّا فتح مكة فقد ذكر أهل السير خطبة النبي وانّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام على باب الكعبة فقال : لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده إلى آخر الخطبة التي جاء في آخرها : اذهبوا فأنتم الطلقاء. (٣) فأين حلّل المتعة وأين حرّمها؟! أو ليس جديرا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول على رءوس الاشهاد بأنّ ما حلله صار

__________________

١. سيرة ابن هشام : ٢ / ٣٣١.

٢. زاد المعاد : ٢ / ١٥٨ و ٢٠٤.

٣. سيرة ابن هشام : ٢ / ٤١٢.

٥٣٢

حراما وأفضل المواقف لهذه الأمور حين إلقاء الخطب.

والعجب انّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب في حجّة الوداع وذكر فيها النساء ولم يذكر شيئا لا من تحريم المتعة ولا تحليها : فقال : أمّا بعد ، أيّها الناس فان لكم على نسائكم حقا ولهن عليكم حقّا ، لكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن فان الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، واستوصوا بالنساء خيرا فإنّهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا ، وإنّكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله ، فاعقلوا أيّها الناس قولي فإنّي قد بلغت. (١)

الرابع : اضطراب كلماتهم في زمان التحريم

ما ذكر من التعارض في زمان التحليل والتحريم ومكانهما يرجع إلى خصوص ما رواه مسلم في صحيحه وأمّا اختلاف فقهاء السنة في تحليها وتحريمها عددا وزمانا ومكانا فحدّث عنه ولا حرج فقد ذكر النووي تفصيلها ونحن نذكر ملخصه :

١. أحلت وحرّمت في غزوة خيبر. رووه عن علي عليه‌السلام.

٢. ما حلّت إلاّ في عمرة القضاء وهو المروي عن الحسن البصري. وروى هذا عن سبرة الجهني.

٣. أحلّت وحرمت يوم الفتح وهو المروي عن سبرة الجهني أيضا.

٤. نهى عنها النبي في غزوة تبوك كما في رواية إسحاق بن راشد عن الزهري.

__________________

١. سيرة ابن هشام : ٢ / ٦٠٤.

٥٣٣

٥. أباحها يوم أوطاس.

٦. أباحها يوم حجة الوداع.

هذه الأقوال نقلها النووي في شرحه على صحيح مسلم وناقش في بعضها ثمّ قال : إنّ الذي جرى في حجّة الوداع مجرّد النهي كما جاء في غير رواية ويكون تجديده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النهي عنها يومئذ لاجتماع الناس وليبلغ الشاهد الغائب ولتمام الدين وتقرر الشريعة كما قرر غير شيء وبين الحلال والحرام يومئذ وبتّ تحريم المتعة حينئذ لقوله إلى يوم القيامة. (١)

وقد عزب عن النووي انّه لو صحّ ما ذكره أخيرا كان الأنسب أن ينهى عن هذا الأمر إلهام عند إيراد الخطبة في حجّة الوداع في ذلك المحتشد العظيم الذي لم ير مثله إلاّ في الغدير عند ما أوصى بالنساء وقال : فان لكم على نسائكم حقّا.

وقد عرفت أنّه ليس هناك أيّ أثر من التحريم في ذلك الموقف العظيم.

وقال ابن قدامة : اختلف أهل العلم في الجمع بين هذين الخبرين ـ تحريم المتعة يوم خيبر وفي فتح مكة ـ فقال قوم في حديث علي ( نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية ) تقديم وتأخير ، وتقديره : انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، ونهى عن متعة النساء ولم يذكر ميقات النهي عنها ، وقد بيّنه الربيع بن سبرة حديثه انّه كان في حجة الوداع ، لأنّه قال : اشهد على أبي انّه حدّث أنّ النبي نهى عن المتعة في حجة الوداع.

وقال الشافعي : لا أعلم شيئا أحلّ الله ثمّ حرمه ، ثمّ أحلّه ، ثمّ حرمة ، إلاّ المتعة فحمل الأمر على ظاهره ، وانّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرمها يوم خيبر ثمّ أباحها في حجة الوداع ثلاثة أيام ثم حرمها. (٢)

__________________

١. شرح صحيح مسلم : ٩ / ١٩١.

٢. المغني : ٧ / ٥٧٢.

٥٣٤

أنّ التشريع بهذا المنوال ، أشبه بتقنين إنسان غير عالم بعواقب الأمور ، غير محيط بمصالحها ومفاسدها ، فيحكم وينقض من دون تروّ وتفكير ، ونبيّ الإسلام هو نبيّ العظمة والقداسة قد أوتي من العلم ما لم يؤت أحد من العالمين قال سبحانه ( وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) (١) ونجلّ ساحته من التشريع الأشبه بالتلاعب بالأحكام.

وقال ابن حجر في « فتح الباري » : قال السهيلي : وقد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة ، فأغرب ما روي في ذلك ، رواية من قال في غزوة تبوك ، ثمّ رواية الحسن انّ ذلك كان في عمرة القضاء ، والمشهور في تحريمها إنّ ذلك كان في غزوة الفتح كما أخرجه مسلم من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه ، وفي رواية عن الربيع أخرجها أبو داود انّه كان حجّة الوداع ، قال : ومن قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح.

ثمّ قال ابن حجر : فتحصّل ممّا أشار إليه ستة مواطن : خيبر ، ثمّ عمرة القضاء ، ثمّ الفتح ، ثمّ أوطاس ، ثمّ تبوك ، ثمّ حجّة الوداع ، إلى أن قال : ومن قال لا مخالفة بين أوطاس والفتح لأنّ الفتح كان في رمضان ثمّ خرجوا إلى أوطاس في شوال.

ثمّ أخذ ابن حجر بالنقض والإبرام بما لا يسعنا نقله. (٢)

وعلى كلّ حال فهذا الاختلاف الكبير يجرّ الباحث إلى التشكيك في أصل التحريم ، وإلاّ فكيف خفي زمان التحريم ومكانه على المسلمين حتّى صاروا طوائف ست لا سيما في مسألة كمسألة المتعة التي يبتلى بها الناس في حلّهم

__________________

١. النساء : ١١٣.

٢. فتح الباري : ٩ / ١٧٠.

٥٣٥

وترحالهم ، فلا يمكن نسخ القرآن الكريم بهذه الأخبار المشوّشة المضطربة.

ثمّ إنّ ابن القيم ممن حاول أن يجتهد في المسألة ويجمع بين المتعارضين فأورد السؤال بما هذا لفظه :

فإن قيل : فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر حتّى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث ، وفيما ثبت عن عمر انّه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا أنهى عنهما : متعة النساء ومتعة الحجّ.

ثمّ أجاب وقال : إنّ الناس في هذا طائفتان :

١. طائفة تقول انّ عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها وقد أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون ، ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح ، فإنّه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جدّه وقد تكلّم فيه ابن معين ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة إليه وكونه أصلا من أصول الإسلام.

ولو صحّ عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به ، قالوا : ولو صحّ حديث سبرة لم يخف على ابن مسعود حتّى يروي انّهم فعلوها ويحتج بالآية. وأيضا ولو صحّ لم يقل عمر انّها كانت على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهى عنها وأعاقب عليها ، بل كان يقول : انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرّمها ونهى عنها ، قالوا : ولو صحّ لم تفعل على عهد الصديق وهو عهد خلافة النبوة حقّا.

والطائفة الثانية : رأت صحة حديث سبرة ، ولو لم يصحّ فقد صحّ حديث علي عليه‌السلام انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرم متعة النساء فوجب حمل حديث جابر على أنّ الذي

٥٣٦

أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم ، ولم يكن قد اشتهر حتّى كان زمن عمر ، فلمّا وقع فيها النزاع ظهر تحريمها واشتهر وبهذا تألف الأحاديث الواردة فيها. (١)

ولا يخفى على الباحث قوة منطق الطائفة الأولى ، وأمّا ما نقله عن الطائفة الثانية فيتلخص في الأمور التالية :

١. صحّة حديث سبرة.

٢. صحّة الحديث عن علي انّ رسول الله حرم المتعة.

٣. انّ جابر بن عبد الله لم يبلغه التحريم.

أمّا الأوّل فقد عرفت وجود التعارض في حديث سبرة على وجه يسقطه عن الاحتجاج به وانّ البخاري لم يخرّجه.

وأمّا الثاني أي المنقول عن علي فهو مكذوب على لسانه ، لأنّ عليّا وبيته الرفيع اشتهروا بالقول بجواز المتعة وهو القائل : لو لا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلاّ شقي.

وأمّا الثالث وهو عدم بلوغ التحريم إلى صحابي عظيم كجابر بن عبد الله الأنصاري إلى أن اشتهر الحكم في زمان عمر فهو أمر غريب ، لأنّ المسألة ليست من المسائل المغفول عنها حتّى لا يبلغه التحريم على أنّك عرفت انّه نسب جابر التحريم إلى نفس الخليفة دون النبي.

الخامس : نقل أحاديث متعارضة عن راو واحد

وانّ أغرب ما في الباب هو أن ينسب إلى علي روايتين متعارضتين ، فقد أخرج مسلم عن محمد الحنفية بن علي بن أبي طالب انّه سمع علي بن أبي طالب

__________________

١. زاد المعاد : ٢ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦.

٥٣٧

يقول لابن عباس نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية. (١) مع أنّه اشتهر عن علي قوله : « لو لا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلاّ شقي ». (٢)

وقال الرازي : وأمّا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فالشيعة يروون عنه إباحة المتعة وروى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام انّه قال : « لو لا انّ عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلاّ شقي ». (٣)

وأغرب من ذلك انّهم يروون عن ابن عباس تحريم المتعة.

أخرج البخاري عن أبي جمرة قال : سئل ابن عباس عن متعة النساء فرخّص فيها ، فقال له مولى له : إنّما كان ذلك وفي النساء قلة والحال شديد! فقال ابن عباس : نعم. (٤) مع أنّ ابن عباس قد اشتهر بالفتيا بحلية المتعة.

أخرج مسلم عن عروة بن الزبير انّ عبد الله بن الزبير قام بمكة ، فقال : إنّ ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرّض برجل ، فناداه فقال : أنت لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين ـ يريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فقال له ابن الزبير : فجرب بنفسك فو الله لئن فعلتها لأرجمنّك بأحجارك.

أخرج الحافظ ابن أبي شيبة عن نافع : انّ ابن عمر سئل عن المتعة؟ فقال : حرام ، فقيل له : إنّ ابن عباس يفتي بها ، قال : فهلا ترمرم بها ـ تزمزم ـ في زمان عمر. (٥)

__________________

١. صحيح مسلم : ٤ / ١٣٥ ، باب نكاح المتعة.

٢. تفسير الطبري : ٣ / ٢٠٠ ؛ الدر المنثور : ٢ / ٤٨٦.

٣. تفسير الرازي : ١٠ / ٥٠.

٤. الدر المنثور : ٢ / ٤٨٦.

٥. الدر المنثور : ٢ / ٤٨٧.

٥٣٨

السادس : استناد التحريم إلى نفس الخليفة

قد تضافرت الروايات على نسبة التحريم إلى الخليفة نفسه وانّه هو الذي حرمها وأوعد مرتكبيها بالرجم ، ولا يسعنا نقل ما ذكره أهل السير والتأريخ في ذلك الموقف فنقتصر بالقليل عن الكثير :

١. قال عمران بن حصين : نزلت آية المتعة في كتاب الله وأمرنا بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى مات ، قال رجل برأيه بعد ما شاء. (١)

٢. قال عمران بن حصين : نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ، ولم ينه عنها حتّى مات ، قال رجل برأيه ما شاء. (٢)

٣. أخرج مسلم عن أبي الزبير قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث. (٣) وسيوافيك ما ورد في شأن ابن حريث.

٤. أخرج أيضا عن أبي نضرة قال : كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما. (٤)

٥. أخرج مسلم عن أبي نضرة قال : كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنهما ، قال : فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال : على يديّ دار

__________________

١. صحيح مسلم : ٤ / ٤٩ باب جواز التمتع وفي الحديث إشارة إلى كلتا المتعتين.

٢. صحيح البخاري : ٦ / ٣٣.

٣. صحيح مسلم : ٤ / ١٣١ ، باب نكاح المتعة.

٤. المصدر نفسه.

٥٣٩

الحديث تمتعنا مع رسول الله فلما قام عمر ، قال : إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء ، وانّ القرآن قد نزل منازله ، فأتموا الحجّ والعمرة لله كما أمركم الله.

وأبتّوا نكاح هذه النساء فلن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة. (١)

والمقطع الأوّل راجع إلى تحريم التحلل بين العمرة والحجّ ، كما أنّ المقطع الثاني راجع إلى تحريم متعة النساء.

٦. ما تضافر من أنّ عمر بن الخطاب قال على المنبر : متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهى عنهما : متعة الحجّ ، ومتعة النكاح. (٢)

إنّ خطبة عمر من الخطب المتسالم عليها ، وقد اكتفينا من المصادر بالقليل عن الكثير حتّى أنّ المتكلّم الأشعري القوشجي في شرحه على تجريد الاعتقاد حاول تأويله دون أن يناقش سنده ، وإليك نصّه.

٧. قال عمر وهو على المنبر : أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهى عنهنّ وأحرمهنّ وأعاقب عليهنّ : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل. ثمّ اعتذر عنه بقوله : إنّ ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه ، فان مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع. (٣)

٨. قال الراغب في « المحاضرات » ، قال : يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة بمن

__________________

١. صحيح مسلم : ٤ / ٣٨ ، باب في المتعة بالحجّ والعمرة.

٢. تفسير الفخر الرازي : ٥ / ٣٧٠ ؛ زاد المعاد لابن القيم : ٢ / ١٨٤ ؛ سنن البيهقي : ٧ / ٢٠٦ ؛ المبسوط : ٤ / ٣٧ ؛ المغني : ٧ / ٥٧١ ؛ الشرح الكبير : ٧ / ٥٣٧ ؛ المحلى : ٧ / ١٠٧ ؛ بداية المجتهد : ١ / ٢٦٨ ؛ أحكام القرآن للجصاص : ٢ / ١٥٢ ؛ كنز العمال : ١٦ / ٥١٩ برقم ٤٥٧١٥ ـ ٤٥٧٢٢ ؛ مسند أحمد : ٣ / ٣٢٥.

٣. شرح التجريد : ٤٨٤ الطبعة الحجرية.

٥٤٠