٨
القصر
في السفر
هل القصر في السفر
عزيمة أو رخصة؟
اتّفق المسلمون تبعا للكتاب العزيز والسنّة النبوية على مشروعية القصر في السفر وإن لم يكن معه خوف.
إنّما الكلام في أنّ القصر في السفر عزيمة ، أو سنّة مؤكدة ، أو رخصة؟!
هنا أقوال ثلاثة نشير إليها بالتفصيل :
ذهبت الإمامية والحنفية إلى أنّها عزيمة ، وإنّ فرض المسافر في كلّ صلاة رباعية ركعتان.
وقالت المالكية : القصر سنّة مؤكدة لفعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنّه لم ير منه في أسفاره أنّه أتمّ الصلاة.
اخرج الشيخان عن ابن عمر انّه قال : صحبت النبي فكان لا يزيد في السفر على ركعتين ، وأبو بكر وعمر وعثمان كذلك. (١)
وقالت الشافعية والحنابلة : القصر رخصة على سبيل التخيير ، فللمسافر أن يتمّ أو يقصر.
__________________
١. شرح صحيح مسلم للنووي : ٥ / ٢٠٥ ، باب صلاة المسافرين وقصرها من كتاب الصلاة برقم ٨.
قال الشيخ الطوسي في « الخلاف » : التقصير في السفر فرض وعزيمة ، والواجب في هذه الصلوات الثلاث : الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتان ، فإن صلّى أربعا مع العلم وجب عليه الإعادة.
وقال أبو حنيفة مثل قولنا : إلاّ أنّه قال : إن زاد على ركعتين ، فإن كان تشهد في الثانية صحّت صلاته وما زاد على اثنتين يكون نافلة إلاّ أن يأتم بمقيم فيصلي أربعا فيكون الكل فريضة أسقط بها الفرض.
والقول بأنّ التقصير عزيمة مذهب علي عليهالسلام وعمر ، وفي الفقهاء مذهب أبي حنيفة وأصحابه.
وقال الشافعي : هو بالخيار بين أن يصلّي صلاة السفر ركعتين وبين أن يصلّي صلاة الحضر أربعا ، فيسقط بذلك الفرض عنه.
وقال الشافعي : التقصير أفضل.
وقال المزني : والإتمام أفضل ، وبمذهبه قال في الصحابة : عثمان وعبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص وعائشة ، وفي الفقهاء : الأوزاعي وأبو ثور. (١)
هذه هي الأقوال.
ثمّ إنّ البحث في صلاة المسافر واسع المجال ، فيبحث فيها تارة عن المسافة التي يجوز فيها القصر ، وأخرى عن نوع السفر وانّه هل يختص القصر بالسفر المباح أم يعم سفر المعصية أيضا؟ وثالثة في الموضع الذي يبدأ منه المسافر بالقصر ؛ ورابعة في مقدار الزمان الذي يتمّ فيه المسافر إذا أقام في موضع ، فهناك من يقول يكفي نيّة إقامة أربعة أيام كالمالكية والشافعية (٢) ، وهناك من يقول بأنّه
__________________
١. الخلاف : ١ / ٥٦٩ ، كتاب الصلاة ، المسألة ٣٢١.
٢. الفقه الإسلامي وأدلّته : ٢ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩ ، نقلا عن الشرح الكبير ومغني المحتاج.
يقصر إلاّ إذا نوى إقامة عشرة أيّام كما عليه الإمامية ، إلى غير ذلك من المباحث الراجعة إلى صلاة المسافر ، ونحن نركز على موضع آخر وهو كون القصر عزيمة أو سنّة مؤكّدة أو رخصة. ولا ندخل في المواضع الأربعة كما لا ندخل في مبحث شروط القصر التي ذكرها الفقهاء ، فان البحث في هاتيك المواضيع يحوجنا إلى تأليف كتاب مفرد وقد قمنا بتحريرها في كتاب « ضياء الناظر في صلاة المسافر » المطبوع.
إذا عرفت ذلك فلندخل في صلب الموضوع فنقول :
أمّا الكتاب فقد قال سبحانه : ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً ). (١)
تفسير مفردات الآية
١. الضرب في الأرض كناية عن السفر ، أي إذا سرتم فيها فليس عليكم جناح ـ يعني : حرج ـ ولا إثم أن تقصروا من الصلاة ـ يعني : من عددها ـ فتصلّوا الرباعيات ركعتين. (٢)
وبهذا أيضا فسر القرطبي في « الجامع لأحكام القرآن » (٣) ويؤيد ذلك استعمال الضرب في الأرض في غير واحد من الآيات كقوله سبحانه ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ). (٤)
__________________
١. النساء : ١٠١.
٢. التبيان في تفسير القرآن : ٣ / ٣٠٧.
٣. الجامع لأحكام القرآن : ٥ / ٣٥١.
٤. النساء : ٩٤.
وقال سبحانه ( إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ). (١)
وقال سبحانه ( إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا ). (٢)
٢. وأمّا الجناح فهو بمعنى الإثم كما تقدّم في عبارة الشيخ في « التبيان » ، وقد تضافر استعماله في الإثم في آيات كثيرة.
يقول سبحانه ( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ). (٣)
وقد ورد لفظة « جناح » في الكتاب العزيز ٢٥ مرة ، والمقصود في الجميع هو ما ذكرنا.
٣. انّ قوله ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ) جزاء للشرط المتأخر ، فكأنّه قال سبحانه : « إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ».
٤. المراد من القصر هو تخفيف عدد الركعات من أربع ركعات إلى ركعتين ، وربما يفسر بتخفيف كيفية الصلاة ووصفها من تبدّل الركوع والسجود إلى الإيماء أو الإتيان بالصلاة راكبا أو ماشيا حسب ما تقتضيه الظروف ، كما ورد في صلاة الخوف والمطاردة والمسايرة.
نسب ذلك المعنى في بعض الروايات إلى ابن عباس وابن جريح عن ابن طاوس عن أبيه ، ومال إليه أبو بكر الجصاص في تفسيره. (٤)
__________________
١. المائدة : ١٠٦.
٢. آل عمران : ١٥٦.
٣. البقرة : ١٥٨.
٤. أحكام القرآن : ٢ / ٢٥٩.
وربما يظهر من السيد المرتضى في « انتصاره » (١) والقطب الراوندي في « فقه القرآن ». (٢)
ولكن المعروف بين المفسرين وعليه روايات أئمّة أهل البيت عليهمالسلام هو انّ المراد من القصر هو تخفيف ركعات الصلوات الرباعية ، وعلى ذلك فلفظة « من » في قوله : « من الصلاة » تبعيضية أي شيئا من الصلاة.
وأمّا جعل من زائدة حسب ما نقله أبو البقاء عن الأخفش القائل بزيادتها في الإثبات فهو غير لائق بالكتاب العزيز. (٣)
ثمّ إنّ الآية تخصّ القصر بالسفر المرافق للخوف ، وظاهرها انّ السفر ليس موضوعا مستقلا ، بل الموضوع هو السفر المرافق للخوف ، لكنّ السنّة فسرت الآية وأعطت للسفر استقلالا للتقصير.
فإنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقصر في حالتي الخوف والأمن كما ستوافيك رواياته ، وأمّا تعليق القصر على الخوف في الآية كأنّه كان لتقرير الحالة الواقعة ، لأنّ غالب أسفار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم تخلو منه.
وبعبارة أخرى : انّ القيد في الآية قيد غالبي بالنسبة إلى الظروف التي نزلت الآية فيها ، فمن حاول أن يحصر التقصير بسفر الخوف دون سفر الأمن ، فقد أخذ بظاهر الآية وترك السنّة النبوية واتّفاق المسلمين وفي مقدمهم أئمّة أهل البيت عليهمالسلام الذين عرّفهم الرسول بكونهم أعدال القرآن وقرناء الكتاب.
ثمّ إنّ من زعم انّ القصر رخصة تمسّك بظاهر الآية وهو قوله سبحانه :
__________________
١. الانتصار : ٥٣.
٢. فقه القرآن : ٤ / ٥١٦.
٣. نقله عن أبي البقاء الآلوسي في روح المعاني : ٥ / ١٣١.
( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ) ، ولكنّه غفل عن أنّ هذا التعبير لا يدلّ على مقصوده ، لأنّ الآية وردت في مقام رفع توهم الحظر ، فكأنّ المخاطب يتصوّر انّ القصر إيجاد نقص في الصلاة وهو أمر محظور ، فنزلت الآية لدفع هذا التوهم ، لتطيب النفس بالقصر وتطمئن إليه. (١)
وليس ذلك بغريب فقد ورد مثله في قوله سبحانه ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ ). (٢)
فان المسلمين لمّا أرادوا الطواف بين الصفا والمروة في عمرة القضاء شاهدوا وجود الأصنام فوق الصفا والمروة ، فتحرّج المسلمون من الطواف بينهما ، فنزل قوله سبحانه ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ).
يقول الطبرسي : كان على الصفا صنم يقال له : إساف وعلى المروة صنم يقال له : نائلة ، وكان المشركون إذا كانوا بهما مسحوهما ، فتحرّج المسلمون عن الطواف بهما لأجل الصنمين ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وهو منقول عن الشعبي وكثير من العلماء ، فرجع رفع الجناح عن الطواف بهما إلى تحرّجهم عن الطواف بهما لأجل الصنمين لا إلى عين الطواف ، كما لو كان الإنسان محبوسا في موضع لا يمكنه الصلاة إلاّ بالتوجه إلى ما يكره التوجه إليه من المخرج وغيره ، فيقال له : لا جناح عليك في الصلاة إلى ذلك المكان ، فلا يرجع رفع الجناح إلى عين الصلاة ، لأنّ عين الصلاة واجبة وإنّما يرجع التوجّه إلى ذلك المكان.
ورويت رواية أخرى عن أبي عبد الله عليهالسلام انّه كان ذلك في عمرة القضاء ،
__________________
١. الكشاف : ١ / ٢٩٤ ، ط دار المعرفة.
٢. البقرة : ١٥٨.
وذلك انّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام ، فتشاغل رجل من أصحابه حتى أعيدت الأصنام ، فجاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقيل له : إنّ فلانا لم يطف وقد أعيدت الأصنام ، فنزلت هذه الآية ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) أي والأصنام عليهما ، قال : فكان الناس يسعون والأصنام على حالها. (١)
ويجري نفس هذا الكلام في المقام ، فان قصر الصلاة وتبديلها إلى ركعتين من الأمور التي يتحرّج به المسلم ويتصوّر انّه ترك للفريضة ، ففي هذه الظروف يقول سبحانه ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ).
وعلى ضوء هذا فالآية لا تدلّ على العزيمة ولا على الرخصة ، بل هي ساكتة عن هذا الجانب.
إلى هنا تبين انّ الآية لا تدلّ على أحد الأقوال ، فلا محيص من الرجوع إلى السنّة.
أدلّة القول بأنّ القصر عزيمة
دلّت السنّة المتضافرة المبثوثة في الصحاح والسنن والمسانيد على أنّ القصر عزيمة ، وكان النبي يقصر في عامّة أسفاره ، فنذكر من الكثير ما يلي :
١. أخرج مسلم عن عائشة زوجة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم انّها قالت : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرّت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر. (٢)
قال الشوكاني : وهو دليل ناهض على الوجوب ، لأنّ صلاة السفر إذا كانت مفروضة ركعتين لم تجز الزيادة عليها كما أنّها لا تجوز الزيادة على الأربع في الحضر.
__________________
١. مجمع البيان : ١ / ٢٤٠ في تفسير الآية.
٢. شرح صحيح مسلم للنووي : ٥ / ٢٠١ ؛ وصحيح البخاري : ٢ / ٥٥ ، باب يقصر إذا خرج من موضعه من كتاب الصلاة.
ثمّ إنّ بعض من يحاول إخضاع الرواية على فقه إمام مذهبه ناقش فيها بوجوه واهية ، نقلها الشوكاني في كتابه ، وإليك نصها :
أ. انّ الحديث من قول عائشة غير مرفوع ، وانّها لم تشهد زمان فرض الصلاة وانّه لو كان ثابتا لنقل تواترا.
يلاحظ عليه : بأنّ مقتضى عدالة الراوي هو انّه سمع الحديث من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو من عدل آخر سمعه منه.
ولو اقتصرنا في الأخذ بروايات عائشة على زمن ملازمتها للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لسقط قسط كبير من رواياتها عن الاعتبار ، فإنّها كثيرا ما تروي حوادث لم تشاهدها ، ونذكر في المقام كنموذج رواية كيفية نزول الوحي على النبي ، نقلها البخاري في صحيحه على وجه التفصيل.
كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يجاور في حراء من كلّ سنة شهرا حتّى إذا كان الشهر الذي بعثه الله سبحانه فيه خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى حراء حتّى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ، جاءه جبرئيل بأمر الله ، ولنترك وصف ذلك إلى ما ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله :
« فجاءني جبرئيل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال : اقرأ؟ قلت : ما اقرأ؟
فغتني به حتى ظننت انّه الموت ثمّ أرسلني فقال : اقرأ؟ قال : قلت : ما أقرأ؟
قال : فغتني به حتى ظننت انّه الموت ثمّ أرسلني فقال : اقرأ؟ قال : قلت : ما ذا أقرأ. (١)
ترى أنّها كيف ترسل كيفية نزول الوحي على الرسول مع أنّها لم
__________________
١. صحيح البخاري : ١ / ٣ و ٣ / ١٧٣ في تفسير سورة العلق.
تولد يوم ذلك.
ب. انّ المراد بقولها : فرضت ، أي قدرت.
ج. المراد من قولها : فرضت ، يعني : لمن أراد الاقتصار عليها ، فزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتم وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار. (١)
يلاحظ عليهما : أنّ كلا من الوجهين صرف للدليل عن وجهه ، وهو تفسير بالرأي ، وهو أمر مرفوض من غير فرق بين تفسير كلام الله سبحانه أو كلام نبيه أو كلام غيره.
٢. أخرج مسلم عن عائشة أنّ الصلاة أوّل ما فرضت ركعتين فأقرّت صلاة السفر وأتمّت صلاة الحضر. قال الزهري : فقلت لعروة : ما بال عائشة تتمّ في السفر؟ قال : إنّها تأوّلت كما تأوّل عثمان. (٢)
وسيوافيك الكلام في إتمام عائشة في السفر.
٣. أخرج مسلم عن ابن عباس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيّكم صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة.
٤. أخرج مسلم عن موسى بن سلمة الهذلي ، قال : سألت ابن عباس كيف أصلّي إذا كنت بمكة إذا لم أصلّ مع الإمام؟
فقال : ركعتين ، سنّة أبي القاسم.
٥. أخرج مسلم عن عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه قال : صحبت ابن عمر في طريق مكة ، قال : فصلّى لنا الظهر ركعتين.
__________________
١. نيل الأوطار : ٣ / ٢٠١.
٢. شرح صحيح مسلم للنووي : ٥ / ٢٠١.
إلى أن قال : إنّي صحبت رسول الله في السفر فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه الله ، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه الله ، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه الله ، ثمّ صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه الله ، فقد قال الله ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ).
٦. أخرج مسلم عن أنس انّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صلّى الظهر بالمدينة أربعا ، وصلّى العصر بذي الحليفة ركعتين.
٧. أخرج مسلم عن يحيى بن يزيد الهنائي قال : سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة؟ فقال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ « شعبة الشاك » صلّى ركعتين.
وظاهر الحديث انّ مبدأ القصر بعد الخروج مسيرة ثلاثة أميال ، والمشهور على خلافه.
قال النووي : هذا ليس على سبيل الاشتراط وإنّما وقع بحسب الحاجة ، لأنّ الظاهر من أسفاره انّه ما كان يسافر سفرا طويلا فيخرج عند حضور فريضة مقصورة ويترك قصرها بقرب المدينة ويتمّها ، وإنّما كان يسافر بعيدا من وقت المقصورة فتدركه على ثلاثة أميال أو أكثر أو نحو ذلك فيصلّيها حينئذ ، والأحاديث المطلقة مع ظاهر القرآن متعاضدات على جواز القصر من حين يخرج من البلد فإنّه حينئذ يسمّى مسافرا. (١)
٨. أخرج مسلم عن جبير بن نفير قال : خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلا ، فصلّى ركعتين ، فقلت له فقال :
__________________
١. شرح صحيح مسلم للنووي : ٥ / ٢٠٧.
رأيت عمر صلّى بذي الحليفة ركعتين ، فقلت له فقال : إنّما أفعل كما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يفعل.
والحديث دالّ على أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقصر في السفر دائما ، وانّما الاختلاف في أنّ مبدأ القصر هو الخروج عن البلد كما جرى عليه عمر أو بعد الخروج مسيرة ثمانية عشر ميلا.
قال النووي : أمّا قوله : « قصر شرحبيل على رأس ١٧ ميلا أو ١٨ ميلا » فلا حجة فيه ، لأنّه تابعي فعل شيئا يخالف الجمهور ، أو يتأوّل على أنّها كانت في أثناء سفره لا انّها غايته ، وهذا التأويل ظاهر. (١)
وعلى كلّ تقدير فما هو موضع الخلاف خارج عن إطار بحثنا.
٩. أخرج مسلم عن أنس بن مالك قال : خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من المدينة إلى مكة فصلّى ركعتين ركعتين حتّى رجع ، قلت : كم أقام بمكة؟ قال : عشرا.
ثمّ إنّ قصر النبي في مكة مع إقامته فيها عشرة أيّام وإن كان يوافق بعض المذاهب لكنّه يخالف مذهب الإمام مالك ، كما يخالف مذهب الإمامية ، فإنّ نية العشرة قاطعة للسفر موجبة للإتمام ، ولعلّ الإقامة لم تكن عشرة كاملة بالضبط بل كانت عشرة عرفية وربما تنقص عن العشرة التامة.
هذه الأحاديث التسعة نقلها مسلم في صحيحه ، وإليك بعض ما نقله غيره.
١٠. أخرج أبو داود عن عمران بن الحصين ، قال : غزوت مع رسول الله
__________________
١. شرح صحيح مسلم للنووي : ٥ / ٢٠٨.
وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ١٨ ليلة لا يصلي إلاّ ركعتين ، ويقول : يا أهل البلد صلّوا أربعا فانّا قوم سفر. (١)
ويؤخذ من الحديث صدره ، وأمّا ما نسب إلى النبي أنّه أقام ١٨ ليلة لا يصلّي إلاّ ركعتين ، فهو معارض مع ما نقله أنس من أنّه أقام بمكة ١٠ أيام.
وعلى كلّ تقدير انّ تأكيد النبي على القصر في مكة المكرمة طول إقامته فيها ـ مع أنّه كان بصدد تعليم أحكام الصلاة لأهل مكة الذين كانوا يدخلون في دين الله أفواجا ـ دليل على كون القصر عزيمة ، وإلاّ لأتمّ الصلاة ، لكونه أوفق في مقام التعليم ، لأجل وحدة الإمام مع صلاة المأموم في الكم والكيف.
١١. أخرج ابن ماجة في سننه عن عمر أنّه قال : صلاة السفر وصلاة الجمعة ركعتان ، والفطر والأضحى ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم. (٢)
١٢. أخرج الطبراني عن ابن عباس قال : افترض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ركعتين في السفر كما افترض في الحضر أربعا. (٣)
وهناك آثار مبثوثة في الكتب الفقهية ، وإليك نصّها :
١٣. روي عن صفوان بن محرز انّه سأل ابن عمر عن الصلاة في السفر ، فقال : ركعتان فمن خالف السنّة كفر. (٤)
١٤. وروي عن ابن عمر قال : إنّ رسول الله أتانا ونحن ضلال فعلّمنا ، فكان فيما علّمنا أنّ الله عزّ وجل أمرنا أن نصلّي ركعتين في السفر. (٥)
__________________
١. سنن أبي داود : ٢ / ١٠ ، برقم ١٢٢٩ ؛ وسنن الترمذي : ٢ / ٤٣٠ برقم ٥٤٥.
٢. سنن ابن ماجة : ١ / ٣٣٨ ، برقم ١٠٣٦.
٣. نصب الراية : ٢ / ١٨٩.
٤. المغني : ٢ / ١٠٧.
٥. نيل الأوطار : ٣ / ٢٠٤ ، قال : رواه النسائي.
١٥. وقال عمر بن عبد العزيز : الصلاة في السفر ركعتان حتم لا يصلح غيرها. (١)
١٦. وعن عمر بن الخطاب عن النبي قال : صلاة المسافر ركعتان حتّى يئوب إلى أهله أو يموت. (٢)
١٧. عن إبراهيم انّ عمر بن الخطاب صلّى الظهر بمكة ركعتين فلما انصرف قال : يا أهل مكة إنّا قوم سفر ، فمن كان منكم من أهل البلد فليكمل ، فأكمل أهل البلد. (٣)
١٨. عن أبي الكنود عبد الله الأزدي قال : سألت ابن عمر عن صلاة السفر؟ فقال : ركعتان نزلتا من السماء ، فإن شئتم فردّوهما. (٤)
والحديث يكشف عن وجود نزاع قائم على قدم وساق بين التابعين والصحابة.
١٩. عن الصائب بن يزيد الكندي ، قال : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ثمّ زيد في صلاة الحضر وأقرّت صلاة السفر. (٥)
٢٠. عن ابن مسعود قال : من صلّى في السفر أربعا أعاد الصلاة. (٦)
٢١. عن سلمان قال : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فصلاّها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمكّة حتّى قدم المدينة فصلاّها بالمدينة ما شاء الله ، وزيد في صلاة الحضر
__________________
١. المغني : ٢ / ١٠٨ ؛ المحلى : ٤ / ٢٧١.
٢. أحكام القرآن : ٢ / ٢٥٤.
٣. الآثار : ٣٠ و ٧٥ لأبي يوسف كما في الغدير : ٨ / ١١٣.
٤. مجمع الزوائد : ٢ / ١٥٤ ، قال : ورجاله موثقون.
٥. مجمع الزوائد : ٢ / ١٥٥ ، ومرّ نظير هذا الحديث عن عائشة.
٦. مجمع الزوائد : ٢ / ١٥٥.
ركعتين وتركت الصلاة في السفر على حالها. (١)
٢٢. عن جعفر بن عمر قال : انطلق بنا أنس بن مالك إلى الشام إلى عبد الملك ونحن أربعون رجلا من الأنصار ليفرض لنا ، فلمّا رجع وكنّا بفج الناقة صلّى بنا الظهر ركعتين ، ثم دخل فسطاطه وقام القوم يضيفون إلى ركعتيهم ركعتين أخريين ، فقال : قبح الله الوجوه فو الله ما أصابت السنّة ولا قبلت الرخصة ، فاشهد لسمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « إنّ أقواما يتعمّقون في الدين ، يمرقون كما يمرق السهم من الرميّة ». (٢)
٢٣. عن ثمامة بن شراحيل قال : خرجت إلى ابن عمر فقلت : ما صلاة المسافر؟ قال : ركعتين ركعتين إلاّ صلاة المغرب ثلاثا. إلى آخر الحديث. (٣)
٢٤. عن أبي هريرة قال : أيّها الناس إنّ الله عزّ وجلّ فرض لكم على لسان نبيكم صلىاللهعليهوآلهوسلم الصلاة في الحضر أربعا. (٤)
٢٥. عن ابن حرب قال : سألت ابن عمر ، كيف صلاة السفر يا أبا عبد الرحمن؟ قال : إمّا أنتم تتبعون سنّة نبيّكم صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبرتكم ، وإمّا لا تتبعون سنّة نبيّكم فلا أخبركم؟ قلنا : فخير ما اتّبع ، سنة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا خرج من المدينة لم يزد على ركعتين حتّى يرجع إليها. (٥)
٢٦. عن سعيد بن المسيب ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « خياركم من قصّر في السفر وأفطر ». (٦)
__________________
١. المصدر نفسه : ص ١٥٦.
٢. مسند أحمد : ٣ / ١٥٩ ، مجمع الزوائد : ٢ / ١٥٥.
٣. مسند أحمد : ٢ / ١٥٤.
٤. المصدر نفسه : ٢ / ٤٠٠.
٥. مسند أحمد : ٢ / ١٢٤ ، المغني : ٢ / ١١١.
٦. المغني : ٢ / ١١١.
هذا ما وقفنا عليه من النصوص عن النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ، وقد أخذ بها لفيف من الصحابة وغيرهم ؛ منهم : عمر بن الخطاب ، وابنه ، وابن عباس ، وجابر ، وجبير بين مطعم ، والحسن ، والقاضي إسماعيل ، وحماد بن أبي سليمان ، وعمر بن عبد العزيز ، وقتادة ، والكوفيون. (١)
أضف إلى ذلك اتّفاق أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، وفقهاء الشيعة من عصر الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام إلى يومنا هذا.
أترى مع هذه الأحاديث مجالا للقول بأنّ القصر في السفر رخصة لا عزيمة؟! ولو كان الإتمام في السفر سائغا لكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعرب عنه بقول أو بفعل ولو بإتيانه في العمر مرّة لبيان جوازه كما يفعل في غير هذا المورد.
أخرج مسلم في صحيحه من حديث بريدة قال : كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يتوضّأ عند كل صلاة فلمّا كان يوم الفتح صلّى صلوات بوضوء واحد. فقال له عمر : إنّك صنعت شيئا لم تكن تصنعه؟ فقال : « عمدا صنعته » أي لبيان الجواز. (٢)
ولو كان هناك ترخيص لما خفي على أكابر الصحابة حتّى نقدوا من أتمّها نقدا مرّا. وبذلك تعلم قيمة تبرير عمل المتمّين بأنّ الإتمام والقصر مسألة اجتهادية اختلف فيها العلماء. (٣)
قصر الصلاة بمنى
تضافرت الروايات على أنّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والخلفاء بعده وحتّى عثمان في سنين
__________________
١. الجامع لأحكام القرآن : ٥ / ٣٥١.
٢. صحيح مسلم : ١ / ١٢٢ ؛ نيل الأوطار : ١ / ٢٥٨.
٣. الرياض النضرة : ٢ / ٢٥١.
من خلافته كانوا يقصرون في منى دون استثناء ، فلمّا أتمّ عثمان بعد ثمانية سنين قامت ضجة عليه ، ولما سمع عبد الله بن مسعود انّ الخليفة أتمّ الصلاة في منى استرجع ، أي قال ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، ولا تقال تلك الكلمة إلاّ إذا ألمّت مصيبة ، وهذا يدلّ على أنّ عبد الله بن مسعود تلقّى فعل عثمان مصيبة في الدين ورزءا عظيما.
والناظر في هذه الروايات التي سننقلها تباعا يذعن بأنّ متلقّى الصحابة هو كون القصر عزيمة والتمام غير مشروع ، وإلاّ فلو كان القصر رخصة أو سنّة لما أثارت حفيظة الصحابة والتابعين ضدّ عثمان.
٢٧. أخرج مسلم في صحيحه عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم انّه صلّى صلاة المسافر بمنى (١) وغيره ركعتين وأبو بكر وعمر وعثمان ركعتين صدرا من خلافته ثمّ أتمّها أربعا. (٢)
٢٨. أخرج مسلم عن ابن عمر قال : صلّى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمنى ركعتين ، وأبو بكر بعده ، وعمر بعد أبي بكر ، وعثمان صدرا من خلافته. انّ عثمان صلّى بعد أربعا ، فكان ابن عمر إذا صلّى مع الإمام صلّى أربعا وإذا صلاّها وحده صلّى ركعتين. (٣) وسيأتي انّه كان يعيدها في بيته.
٢٩. أخرج مسلم عن حفص بن عاصم ، عن ابن عمر ، قال : صلّى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بمنى صلاة المسافر وأبو بكر وعمر وعثمان ثمانية سنين أو قال : ست سنين ، قال حفص : وكان ابن عمر يصلّي بمنى ركعتين ثمّ يأتي فراشه ، فقلت : أي عمّ لو
__________________
١. انّ منى تذكر وتؤنث بحسب القصد ، إن قصد الموضع فيذكّر ، وإن قصد البقعة فتؤنّث.
٢ و ٣. شرح صحيح مسلم للنووي : ٥ / ٢٠٩ ، باب قصر الصلاة بمنى من كتاب صلاة المسافرين وقصرها.
صلّيت بعدها ركعتين؟ قال : لو فعلت لأتمت الصلاة. (١)
٣٠. اخرج مسلم عن حارث بن وهب الخزاعي ، قال : صلّيت خلف رسول الله بمنى والناس أكثر ما كانوا ، فصلّى ركعتين في حجّة منى. (٢)
٣١. أخرج مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد ، يقول : صلّى بنا عثمان بمنى أربع ركعات ، فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود ، فاسترجع ، ثمّ قال : صلّيت مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمنى ركعتين ، وصلّيت مع أبي بكر الصديق بمنى ركعتين ، وصلّيت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين ، فليت حظي من أربع ركعات ، ركعتان متقبّلتان. (٣)
يقول النووي بعد قوله : ( فليت حظي من أربع ركعات ، ركعتان متقبّلتان ) : إنّ معناه ليت عثمان صلّى ركعتين بدل الأربع كما كان النبي وأبو بكر وعمر وعثمان في صدر خلافته يفعلون.
ولما كانت الرواية صريحة في أنّ متلقّى عبد الله بن مسعود من فعل النبي هو كون القصر عزيمة ، ولذلك استرجع وأردفه بقوله : ( فليت حظي من أربع ركعات ، ركعتان متقبّلتان ) حاول النووي وغيره تأويل الأثر وتخفيف الوطأة وقال : مقصوده كراهة مخالفة ما كان عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وصاحباه ، ومع هذا فابن مسعود ـ رضياللهعنه ـ موافق على جواز الإتمام ، ولهذا كان يصلّي وراء عثمان متمّا ، ولو كان القصر عنده واجبا لما استجاز تركه وراء أحد.
__________________
١ و ٢. شرح صحيح مسلم للنووي : ٥ / ٢٠٩ ، باب قصر الصلاة بمنى من كتاب صلاة المسافرين وقصرها.
٣. صحيح البخاري : ٢ / ٥٣ ، باب ما جاء في التقصير ؛ شرح صحيح مسلم للنووي : ٥ / ٢٠٩ ، باب قصر الصلاة بمنى.
ولا يخفى انّ ما ذكره تعسف ظاهر ، إذ لا معنى للاسترجاع ولا للتمنّي لو كان عمل الخليفة عملا مشروعا سوّغه الشرع وأبلغه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم غير انّه اختار النبي أحد فردي التخيير الأفضل مع عدم نفي العدل الآخر.
ثمّ إنّ ما عزي إلى عبد الله بن مسعود من أنّه أتمّ الصلاة في السفر عند ما صلّى مع عثمان فإنّما كان مراعاة سياسة مقطعية اتّباعا لما رآه عثمان خلافا لرأي نفسه في لزوم القصر ، قال الأعمش : حدّثني معاوية بن قرّة عن أشياخه ، انّ عبد الله صلّى أربعا ، فقيل له : عبت على عثمان ثمّ صليت أربعا؟ قال : الخلاف شر. (١)
ومنه يظهر حال عبد الله بن عمر ، قال ابن حزم : روينا من طريق عبد الرزاق ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر انّه كان إذا صلّى مع الإمام بمنى أربع ركعات ، انصرف إلى منزله فصلّى فيه ركعتين أعادها. (٢)
وهؤلاء كانوا يرون رعاية شئون السياسة الزمنية خوفا من الشر ، وهي عندهم أولى من رعاية حفظ الأحكام كما نزلت من عند الله والوقوف أمام قبولها وتغييرها ، إلاّ أنّ بعض الصحابة يرى خلاف ذلك ، فهذا علي عليهالسلام أبى أن يصلّي أربعا في منى رغم إصرار عثمان وبني أميّة ، حيث قيل له : صلّ بالناس ، فقال : « إن شئتم صلّيت لكم صلاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم » يعني ركعتين ، قالوا : لا إلاّ صلاة أمير المؤمنين ـ يعنون عثمان ـ أربعا ، فأبى عثمان (٣). (٤)
هذا وإنّ بني أميّة قد اتّخذوا من أحدوثة عثمان سنّة مستمرة مقابل سنّة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الأبد وإن لم يكن لهم عذر شرعي للإتمام.
__________________
١. سنن أبي داود : ١ / ٣٠٨ ، كتاب الأم للشافعي : ١ / ١٥٩.
٢. المحلى : ٤ / ٢٧٠. وفي الهامش : في بعض النسخ « أبي » فقط.
٣. هكذا في المطبوع والصحيح : فأبى علي.
٤. المحلى : ٤ / ٢٧٠.