الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-171-0
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٦٤

وذكرها الشارح (١).

وكذا في صحيحة زرارة وحسنته عن الباقر عليه‌السلام قال : « إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ، ثمّ اركع وقل : اللهم لك ركعت » إلى آخر قوله : « ولا مستحسر ، سبحان ربّي العظيم وبحمده ، ثلاث مرّات » ، الحديث ، ورواها كذلك في التهذيب ، والصدوق روى بالمضمون المذكور بتفاوت في الذكر قبل التسبيح المذكور (٢).

وفي الموثّق كالصحيح عن ابن بكير عن حمزة بن حمران والحسن ابن زياد ، قالا : دخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام وعنده قوم فصلّى بهم العصر فعددنا في ركوعه « سبحان ربّي العظيم » أربعا أو ثلاثا وثلاثين مرّة ، وقال أحدهما في حديثه : « وبحمده » في الركوع والسجود سواء (٣).

ويظهر من هذه وجه الجمع بين الأخبار الكثيرة الصريحة في وجود لفظ وبحمده ، ونادر من الأخبار الذي لم يذكر فيه اللفظ صريحا ، وهو المسامحة في ترك تتمة الذكر تخفيفا للتعبير عنه ، اتّكالا على الظهور من الخارج ، كما نقول : بسم الله ، ونريد : بسم الله الرحمن الرحيم ، وأمثال ذلك ، إذ لا شكّ في أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول هذا اللفظ في ركوعه وسجوده ، والمسلمون تابعوه في ذلك ، وشاع وذاع في الأعصار والأمصار إلى أن ادعى الإجماع من ادعى واتفق فتاوى الكلّ على ذلك.

وعرفت أنّ وجه ذكر الرسول إيّاه لهما أنّ الله أمره بذلك حين علّمه‌

__________________

(١) المدارك ٣ : ٣٩٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٩ / ١ ، الفقيه ١ : ٢٠٥ ، التهذيب ٢ : ٧٧ / ٢٨٩ ، الوسائل ٦ : ٢٩٥ أبواب الركوع ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢٩ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٠٠ / ١٢١٠ ، الوسائل ٦ : ٣٠٤ أبواب الركوع ب ٦ ح ٢.

٨١

كيفية الصلاة في العرش ، فصنعه وجعله سنّة جارية إلى يوم القيامة ، وكذلك كان الأئمّة عليه‌السلام بعده ، كانوا يذكرون ويدامون.

وتظافر الأخبار بذلك ، كما أشرنا إلى بعضها ، مع أنّ بعضه هو المشهور المعروف المتداول بين جميع الفقهاء ، المذكور في أكثر الكتب المعتبرة ، مثل صحيحة حماد وصحيحة زرارة وما مثلهما ، وبعضها بطرق صحاح في غاية المتانة ، مع القرائن الكثيرة مثل صحيحة ابن أذينة ، مع أنّها في كلّ جزء جزء من الصلاة بيّن العلة في اعتباره في الصلاة ، والكلّ معتبر عند الكلّ.

والعجب أنّ الشارح باعتبار هذين الخبرين يقول : كثير من الأخبار خال عنه ، مع ما عرفت من وهن الدلالة على الخلوّ ، بل بالتأمّل في ما ذكرنا ظهر لك عدم الخلوّ.

وممّا يؤيّد أنّ صحيحة الحبلى في مقام ذكر المستحبات ، فكيف يترك أهمّ المستحبات وأشدّها لو فرض استحبابه؟ وليس ذكر الواجب إلاّ نادرا غاية الندرة في جنب باقي الأذكار ، وقريب منه الكلام في رواية هشام ، لعدم مقصوديتها في الذكر الواجب ، بل واجبه ، قليل. مع أنّ استحباب قول : سمع الله لمن حمده ، عند رفع الرأس وشدّة استحبابه يشهد على ذكر : وبحمده ، في الركوع على سبيل التعارف.

وممّا يشهد على ما ذكرنا أنّ العلاّمة في المنتهى عند ذكر وجوب الذكر في الركوع والسجود وقدر ذلك الذكر نقل من العامّة روايتهم عن ابن مسعود أنّ النبي صلّى الله عليه قال : « إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرّات‌

٨٢

سبحان ربّي العظيم وبحمده » (١) ، وعن حذيفة بعد أنّه سمع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا ركع يقول : « سبحان ربّي العظيم وبحمده » (٢).

ثمّ قال : اتفق الموجبون للتسبيح من علمائنا على أنّ الواجب من ذلك سبحة كبرى وصورتها : سبحان ربّي العظيم وبحمده ، أو ثلاث صغريات صورتها : سبحان الله ، هذا مع الاختيار ، ومع الاضطرار يجزي الواحدة من الصغرى.

ثم استدل على إجزاء الواحدة الكبرى للمختار برواية هشام بن سالم التي ذكرها الشارح ، واستدل على إجزاء ثلاث من الصغرى بصحيحة معاوية بن عمار بن الصادق عليه‌السلام الاجتزاء بواحدة من الصغرى مستفاد من الإجماع.

ثم قال : ويستحب أن يقول في ركوعه : سبحان ربّي العظيم وبحمده ، وفي سجوده : سبحان ربّي الأعلى وبحمده ، ذهب إليه علماؤنا أجمع.

لعل مراده استحباب اختيار الأولى في الركوع ، والثانية في السجود ، وإن جاز العكس ، أو كون المستحب كون ذلك ثلاث مرّات ، وسقط هذا في ما سيجي‌ء.

قال : وتوقّف أحمد في زيادة : وبحمده ، وأنكرها الشافعي وأبو حنيفة ، لنا ما رواه الجمهور عن حذيفة أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول في ركوعه : « سبحان ربّي العظيم وبحمده » ، وفي سجوده : « سبحان ربّي الأعلى وبحمده ».

__________________

(١) سنن الدار قطني ١ : ٣٤١ / ١.

(٢) سنن الدار قطني ١ : ٣٤١ / ٢.

٨٣

ثمّ قال : ويستحب للإمام التخفيف في التسبيح ، وقال الثوري : ينبغي للإمام أن يقول خمسا ليدرك المأموم ثلاثا ، لنا ما رواه الجمهور عن عتبة بن عمار قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا ركع قال : « سبحان ربّي العظيم » ثلاثا ، وإذا سجد قال : « سبحان ربّي الأعلى » ثلاثا ، ومن طريق الخاصّة (١).

إلى آخر ما قال ، فتدبّر ، فإنّ فيه شواهد على ما ذكر وفوائد متعدّدة.

قوله : ومقتضى ذلك الاستحباب وبه قطع في المعتبر. ( ٣ : ٣٩٣ ).

ويحتمل أن يكون إشارة إلى التامّة المعهودة ، كما تعارف الآن التعبير بها كذلك اختصارا ، وربما يؤيّده أنّه ورد في بعضها : أنّها التامّة (٢) ، يعني سبحان ربّي العظيم (٣) وسبحان ربّي الأعلى ، فتأمّل.

والأحوط مراعاة مذهب الشيخ في التهذيب ، وإنّ المثلّث التامّ ربما يكون فيها احتياط مّا ، فتأمّل.

قوله : تفسير : معنى سبحان ربّي. ( ٣ : ٣٩٣ ).

في صحيحة هشام بن الحكم أنّه سأل الصادق عليه‌السلام : ما معنى سبحان الله؟ قال : « أنفة لله » (٤) ألا ترى أنّ الرجل إذا أعجب من الشي‌ء قال : سبحان الله؟ فتأمّل.

ويظهر من هذا أنّ أعاظم الأصحاب ربما كانوا لا يعرفون المعنى مع‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٨٣ ـ ٢٨٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٦ / ٢٨٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ / ١٢٠٥ ، الوسائل ٦ : ٢٩٩ أبواب الركوع ب ٤ ح ٢.

(٣) في « ج » و « د » زيادة : وبحمده.

(٤) الكافي ١ : ١٨٨ / ١٠ ، التوحيد : ٣١٢ / ٢ ، معاني الأخبار : ٩ / ١ ، البحار ٩٠ : ١٧٦.

٨٤

أنّهم من الفحول من العرب.

قوله (١) : قال : « تكبيرة واحدة ». ( ٣ : ٣٩٤ ).

وفي علل الفضل بن شاذان ذكر مرّتين : ـ مرّة في علّة رفع اليد في التكبيرات ، و [ مرّة في ] (٢) علّة كون صلاة الميّت خمس تكبيرات ـ عنهم عليه‌السلام : أنّ التكبير المفروض في الصلاة ليس إلاّ واحدة (٣). ويستفاد من الروايتين المنجبرتين بالشهرة العظيمة أنّ سائر التكبيرات مستحبة وإن ورد الأمر بها.

قوله : ولا ريب في الجواز. ( ٣ : ٣٩٥ ).

لا يخلو من تأمّل ، نعم ببالي أنّ بعض الروايات ورد كذلك (٤) ، إلاّ أنّه ضعيف.

قوله : فهو قول معظم الأصحاب. ( ٣ : ٣٩٥ ).

بل قال الصدوق رحمه‌الله في أماليه : من دين الإماميّة الإقرار بأنّه يستحبّ رفع اليدين في كلّ تكبيرة في الصلاة (٥).

قوله (٦) : بوجوب رفع اليدين في تكبيرات الصلاة كلها. ( ٣ : ٣٩٥ ).

ربما كان مراده بالوجوب ما ذكره الشيخ : أنّ الوجوب عندنا على ضربين : ضرب على تركه العقاب ، وضرب على تركه العتاب (٧). بل هذا‌

__________________

(١) هذه التعليقة ليست في « أ ».

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٣) علل الشرائع : ٢٦٤ ، و ٢٦٧.

(٤) انظر الوسائل ٦ : ٢٩٦ أبواب الركوع ب ٢.

(٥) أمالي الصدوق : ٥١١.

(٦) هذه التعليقة ليست في « ا ».

(٧) التهذيب ١ : ١١٢ و ٤ : ١٨.

٨٥

هو الظاهر ، لعدم قائل من الإماميّة بالوجوب ، فضلا عن إجماعهم عليه.

قوله : كما هو مذهب ابني بابويه. ( ٣ : ٣٩٦ ).

لكن المحقّق في المعتبر ادّعى أنّ مذهب علمائنا عدم الاستحباب (١) ، والشهيد في الذكرى استقرب استحبابه ، ومع ذلك قال : وعليه جماعة من العامة (٢). فيظهر من كلامهما ومن الأخبار الظاهرة في عدم استحبابه مثل صحيحتي زرارة وحمّاد ورود هذين الصحيحين على التقيّة ، ومرادي من صحيحة زرارة ما سيذكرها الشارح ، فإنّها مع استجماعها لجميع الآداب والمستحبّات لم يذكر فيها هذا الرفع ، بل ذكر الرفع حال إرادة السجود والهويّ خاصّة ، وكذا الحال في صحيحة حماد ، بل دلالتها أظهر ، كما لا يخفى.

ويدل عليه أيضا صحيحة زرارة الطويلة في مجموع آداب الصلاة (٣) ، لكن دلالتها أضعف ، وتتقوى الدلالات بفتاوى المعظم والإجماع المنقول.

قوله (٤) : إنّ السبع نهاية الكمال. ( ٣ : ٣٩٧ ).

وفي الرضوي : أو تسعا (٥) أيضا ، كما أقرّ به بعض الفقهاء.

قوله : وروى الكليني. ( ٣ : ٣٩ ).

بل في بعض الأخبار أنّ الصادق عليه‌السلام سبّح في سجود في الصلاة خمسمائة تسبيحة (٦).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٩٩.

(٢) الذكرى : ١٩٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٤ / ١ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

(٤) هذه الحاشية ليست في « ا ».

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٠٦ ، المستدرك ٤ : ٤٢٣ أبواب الركوع ب ٤ ح ٢.

(٦) الكافي ٨ : ١٤٣ / ١١١ ، الوسائل ٦ : ٣٧٩ أبواب السجود ب ٢٣ ح ٦.

٨٦

قوله : ربّنا لك الحمد. ( ٣ : ٣٩٩ ).

« وإن كان وحده إماما أو غيره قال : سمع الله لمن حمده ، الحمد لله ربّ العالمين » (١) انتهى.

قوله : ويشهد لهما أيضا. ( ٣ : ٤٠٢ ).

في الاستشهاد بالروايتين تأمّل.

قوله (٢) : إذ لا قائل بوجوبه. ( ٣ : ٤٠٥ ).

نسب إلى ابن الجنيد القول بوجوبه في المفاتيح (٣) ولم نعرف مأخذه.

قوله : يخرج بذلك عن الهيئة المنقولة عن صاحب الشرع.

( ٣ : ٤٠٧ ).

إن أراد أنّ الظاهر المنقول عن صاحب الشرع الاستواء العرفي ، ففيه بعد التسليم ينافي فتواهم وما نقل عن الشيخ. وإن أراد غير ذلك ، ففيه أيضا ما فيه ، لأنّه حوالة على أمر مجهول غير ثابت ، فما فعله في المنتهى أصوب.

قوله : وهو مشترك بين جماعة. ( ٣ : ٤٠٧ ).

الظاهر أنّه الهيثم بن أبي مسروق الفاضل (٤) ، بقرينة رواية ابن محبوب عنه ، فالحديث من الحسان التي هي حجّة ، كما حقّق ، مع أنّه منجبر بعمل الأصحاب ، والصحيح مهجور أو محمول على الاستحباب.

__________________

(١) تتمّة رواية محمد بن مسلم.

(٢) هذه الحاشية ليست في « ا ».

(٣) المفاتيح ١ : ١٤٣.

(٤) انظر رجال الكشي ٢ : ٦٧٠.

٨٧

قوله (١) : روايتا حريز وزرارة. ( ٣ : ٤٠٩ ).

لعلّه توهّم.

قوله : وهو بعيد جدّا. ( ٣ : ٤١٠ ).

لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، وما لا يدرك.

قوله : وروى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام. ( ٣ : ٤١١ ).

قال الصدوق في أماليه : من دين الإمامية أنّه لا يجوز وضع الركبتين على الأرض قبل اليدين (٢).

وكذا يظهر من الشيخ في التهذيب (٣) ، فتأمّل.

قوله (٤) : وأقلّ مراتب الأمر الاستحباب. ( ٣ : ٤١١ ).

لأنّه إذا تعذّر الحقيقة فالحمل على أقرب المجازات متعيّن.

قوله : وقد أجمع علماؤنا. ( ٣ : ٤١١ ).

لا يخفى أنّ الإرغام سنّة ، ووضع الأنف على ما يصح السجود سنّة مؤكّدة ، والأوّل أفضل ، ويؤدّى الأخير بالأوّل.

قوله : وهو معارض بما رواه الشيخ عن زرارة. ( ٣ : ٤١٣ ).

ربما يظهر من بعض الأخبار أنّ عدم الجلوس لأجل التقيّة ، وهو رواية أصبغ بن نباتة : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئنّ ثم يقوم ، فقيل له : يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر‌

__________________

(١) هذه الحاشية والتي بعدها ليست في « ا ».

(٢) أمالي الصدوق : ٥١٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٨ و ٧٩.

(٤) هذه الحاشية ليست في « أ ».

٨٨

وعمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما ينهض الإبل ، فقال عليه‌السلام : « إنّما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس ، إنّ هذا من توقير الصلاة » (١) فكيف يصحّ أن يكونا من أهل الجفاء؟

ويشهد على ذلك رواية رحيم أنّه قال للرضا عليه‌السلام : أراك إذا رفعت رأسك من السجود تستوي جالسا ثم تقوم ، فنصنع كما تصنع؟ فقال : « لا تنظروا إلى ما أصنع أنا ، اصنعوا ما تؤمرون » (٢) وجه الشهادة ظاهر على المتأمّل.

وما ذكر ربما يؤيّد كلام السيد رحمه‌الله ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ رواية أصبغ ظاهرة في الاستحباب ، ومثل هذا الإجماع من السيد لا وثوق به ، والاحتياط عدم الترك بلا شبهة.

قوله (٣) : وقال المفيد رحمه‌الله. ( ٣ : ٤١٤ ).

مستند المفيد ما في الاحتجاج للطبرسي ، عن الصاحب عليه‌السلام : « إنّ في القيام من التشهّد الأوّل حديثين ، أمّا أحدهما : فإنّه إذا انتقل من حالة إلى حالة اخرى فعليه التكبير ، وأمّا الآخر : فإنّه روى إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام تكبير ، وكذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى ، فبأيّهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا » (٤).

قوله : عن معاوية بن عمار ومحمد بن مسلم. ( ٣ : ٤١٥ ).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٤ / ١٢٧٧ ، الوسائل ٦ : ٣٤٧ ، أبواب السجود ب ٥ ح ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٨٢ / ٣٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ / ١٢٣٠ ، الوسائل ٦ : ٣٤٧ أبواب السجود ب ٥ ح ٦.

(٣) هذه الحاشية ليست في « ا ».

(٤) الاحتجاج : ٤٨٣ ، الوسائل ٦ : ٣٦٢ أبواب السجود ب ١٣ ح ٨.

٨٩

لعل مرادهما إقعاء الكلب ، كما رويا ، فتأمّل.

قوله : « لا تقع في الصلاة بين السجدتين كإقعاء الكلب ». ( ٣ : ٤١٥ ، ٤١٦ ).

لا يخفى ما في الاستدلال بهذه ، ويمكن حمل الموثق أيضا على إقعاء الكلب لهذه الصحيحة ، ولعدم مناسبة التأكيد بقوله : « إقعاء » وكذا الوحدة ، فيكون المراد نوعا منها ، وللجمع بين هذه الصحيحة وصحيحة الحلبي ، سيّما والراوي في الروايتين واحد ، فتأمّل.

لكن يمكن الحمل على النوع ، ويكون المراد نفي جميع الأنواع ، لكونه نكرة في سياق النفي.

ويمكن الحمل على التأكيد ، ويكون المراد تأكيد النهي ، فتأمّل ، إذ الظاهر منه أنّه الذي ذكره الفقهاء لفهمهم ، ويحصل منه الظنّ البتّة ، مضافا إلى دعواهم الإجماع ، وأنّ العامّة لا يعدّونه مكروها ، بل يرتكبونه ، وإن كانوا نقلوا عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنع عن الإقعاء ، لأنّهم يحملونه على إقعاء الكلب (١) ، وهذا أيضا من المؤيّدات ، فإنّ الأئمّة عليه‌السلام كانوا يأمرون بمخالفتهم مهما تيسّر ، وهم يخالفون الشيعة مهما أمكنهم.

ويؤيّده أيضا أنّ إقعاء الكلب بين السجدتين في غاية الصعوبة بحيث لا يكاد يرتكبه أحد حتى يحتاج إلى المنع منه ، سيّما والتأكيد في المنع ، بخلاف ما ذكره الفقهاء ، فإنّه في غاية السهولة ، سيّما في مقام العجلة يرتكبونه ، وخصوصا العامّة ، لما عرفت ، مع أنّ الحمل على التأكيد غير مناسب على أيّ حال ، فالأظهر أنّ النهي عن جميع الأفراد ، مع أنّ النكرة‌

__________________

(١) انظر سنن الترمذي ١ : ١٧٤ ، ١٧٥ ، وسنن البيهقي ٢ : ١١٩ ، ١٢٠ ، وبداية المجتهد ٢ : ١٤٢ ، ١٤٣.

٩٠

في سياق النفي تفيد العموم. على أنّ المطلق ينصرف إلى الأفراد الشائعة ، فكيف يصرف إلى ما لا يتحقّق؟

فظهر أنّ الإقعاء بمعنييه مكروه ، كما يظهر من ابن الجنيد (١) بل الفقهاء أيضا ، وعدم تصريحهم لعله لما ذكرناه من عدم الارتكاب حتى يحتاج إلى المنع.

قوله : « إيّاك والقعود على قدميك. » ( ٣ : ٤١٦ ).

غير معلوم كون المراد منه الإقعاء ، وكذا جريان العلّة ، وهي عدم الصبر في غير التشهّد الطويل ، نعم دلالته على المنع من الإقعاء في التشهّد الطويل ظاهرة.

قوله : « لا بأس بالإقعاء بين السجدتين ». ( ٣ : ٤١٦ ).

الأظهر أنّه الذي ذكره الفقهاء فتأمّل.

قوله : واحتجّ عليه في المعتبر. ( ٣ : ٤١٧ ).

في هذا الاحتجاج ما لا يخفى ، نعم يصلح كونها مؤيّدة للدليل ، وهو الإجماع.

وفي الفقه الرضوي : « فإن كان على جبهتك علّة لا تقدر على السجود فاسجد على قرنك الأيمن ، فإن تعذّر فعلى قرنك الأيسر ، فإن لم تقدر فاسجد على ظهر كفّك ، فإن لم تقدر فاسجد على ذقنك » (٢) ثمّ استشهد بالآية (٣).

ولعلّ قوله : « فإن لم تقدر فاستجد على ظهر كفّك » من غلط النسخة ،

__________________

(١) انظر الذكرى : ٢٠٢.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٤ ، المستدرك ٤ : ٤٥٩ أبواب السجود ب ١٠ ح ١.

(٣) الإسراء : ١٠٧.

٩١

أو يكون عليلا من علّة أخرى ، ولذا لم يفت بها إلاّ في شدّة الحرّ. نعم أفتى به الصدوقان حيث قالا : يحفر الحفيرة من في جبهته دمل ، فإن كان علّة تمنعه عن السجدة سجد على قرنه الأيمن ، فإن عجز فعلى قرنه الأيسر ، فإن عجز سجد على ظهر كفّه ، وإن لم يقدر فعلى ذقنه (١). ولا يخفى أنّ مستند الصدوقين هو عبارة الفقه الرضوي.

قوله (٢) : ولم أقف فيه على نص يعتدّ به. ( ٣ : ٤١٩ ).

رواية أبي بصير ظاهرة فيه ، إذ لا معنى للإباحة في ما هو من العبادات ، فتدبّر.

قوله : فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد. ( ٣ : ٤١٩ ).

لا يخفى ظهوره في صورة الاستماع ، مع أنّ المعلّمين حالة التعليم يسمعون البتّة ، فلا وجه لاستدلاله لصورة السماع. وموثقة أبي عبيدة صحيحة أيضا بسند آخر رواه الكليني (٣).

قوله : وقد نقل الصدوق عن شيخه ابن الوليد. ( ٣ : ٤٢٠ ).

قد ذكرنا مكرّرا أنّ هذا من ابن الوليد لا يقتضي طعنا على الثقتين الجليلين ، وباقي القميين طعنوا على ابن الوليد ، كما نقله هنا ، ونقله أهل الرجال أيضا (٤) ، ويؤيّد هذه الرواية الأصل.

قوله : لعدم دليل يدل على الاشتراط. ( ٣ : ٤٢٠ ).

هذا بناء على كون لفظ العبادة اسما للأعمّ من الصحيحة والفاسدة ، أو‌

__________________

(١) انظر الفقيه ١٧٥٦١ ، والمقنع : ٢٦.

(٢) هذه التعليقة والتي بعدها ليست في « ا ».

(٣) الكافي ٣ : ١٠٦ / ٣ ، الوسائل ٢ : ٣٤٠. بواب الحيض ب ٣٦ ح ١.

(٤) انظر رجلا النجاشي : ٣٣٣ / ٨٩٦ و : ٣٤٨ / ٩٣٩ ورجال ابن داود : ٢٧٥ / ٤٧٤ والخلاصة ١٤٢٦ / ٢٢.

٩٢

يكون اسما للصحيحة لكن يتمسّك لعدم شرط بأصالة العدم ، وأمّا لو قيل بعدم التمسّك فيتعيّن الستر والاستقبال ، وأمّا الطهارة من الحدث والخبث فلا ، لما دل على أن الحائض تسجد (١). ( لكن عرفت عدم الوجوب عليها (٢) ، فلعلّ استحبابها اقتضى عدم لزوم الطهارة ، فتأمّل ) (٣).

قوله : وفي اشتراط وضع الجبهة. نظر. ( ٣ : ٤٢٠ ).

هذا بناء على توقّفه في جريان أصل العدم في ثبوت ماهية العبادة ، لأنّ الأمور المذكورة إن كانت ثابتة تكون أجزاء للعبادة داخلة في ماهيتها ، أو يحتمل أن تكون (٤) أجزاءها وإن احتمل الشرطية في جميعها أو بعضها ، وكيف كان ، توقّف هنا في جريان أصل العدم في ثبوت الماهية وأجزائها وحكم بالجريان في الشرط الخارج ، وإن كان في بعض المقامات يحكم بالجريان في الماهية أيضا ، وربما يتوقّف في الشرط أيضا ، فتأمّل.

وعلى أيّ حال ، الأحوط مراعاة الجميع إلاّ ما ثبت عدم وجوب مراعاته ، للإشكال في جريان الأصل في العبادات ، والإشكال في كون أساميها أسامي الأعمّ ، وشغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية أو العرفية.

قوله (٥) : لعدم التوقيت. ( ٣ : ٤٢١ ).

هذا هو الأظهر ، لأنّ الفورية لا تستلزم التوقيت بلا تأمّل ، فإنّها أعمّ ، فإذا ظهر أنّ بعد فوات وقت وجود السبب لا بدّ من الإتيان ظهر عدم‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢ : ٣٤٠ أبواب الحيض ب ٣٦.

(٢) راجع ج ١ : ٣٨٦.

(٣) ما بين القوسين ليس في « أ ».

(٤) في « أ » و « و » زيادة : العبادة.

(٥) هذه التعليقة ليست في « ا ».

٩٣

التوقيت ، ولذا لم يقل المعصوم عليه‌السلام : فليقضها ، وقال : « يسجد ».

قوله : انحصار الواجب من التشهّد في ما ذكره المصنّف. ( ٣ : ٤٢٦ ).

في أمالي الصدوق ، أنّه قال : من دين الإمامية الإقرار بأنّه يجزئ في التشهّد الشهادتان والصلاة على النبي وآله ، فما زاد تعبّد (١). والمحقق أيضا نقل الإجماع على وجوب الصلاة على النبي وآله (٢).

فما ذكره في الفقيه لعله بناء على ظهور الحال في أنّ الناس يصلّون عقيب اسم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنه يظهر الجواب عمّا ورد في الأخبار ، جمعا بينها وبين الإجماع المنقول والأخبار المتضمّنة لها ، فتأمّل.

قوله : وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه. ( ٣ : ٤٢٦ ).

في الكافي في الحديث الصحيح في بحث الأذان : « بسم الله وبالله ، ولا إله إلاّ الله ، والأسماء الحسنى كلّها لله » (٣) مستحب في التشهّد مطلقا.

قوله : وقال الشيخان. ( ٣ : ٤٢٩ ).

قال المفيد في المقنعة في صلاة الوتر : إنّ التسليم في ركعتيه لا يجوز تركه (٤). وقال في التهذيب عند ذكره ذلك : عندنا أنّ من قال : السلام علينا ، في التشهد فقد انقطعت صلاته ، فإن قال بعد ذلك : السلام عليكم ، جاز ، وإن لم يقل جاز (٥). وبه جمع بين ما دل على وجوب التسليم فيهما وما دل على التخيير. وهذا إشارة إلى أنّ العامّة لا يجعلون : السلام علينا ،

__________________

(١) انظر أمالي الصدوق : ٥١٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٢٦.

(٣) انظر الكافي ٣ : ٤٨٦.

(٤) لم نعثر عليه في المقنعة ، وهو موجود في التهذيب ٢ ، ١٢٧.

(٥) التهذيب ٢ ، ١٢٩.

٩٤

مخرجا (١) ، ويظهر ذلك من الخارج ومن الأخبار الأخر (٢) أيضا ، ولذا ترى العامّة يذكرونه في التشهد الأوّل أيضا ، والخاصّة يتركونه فيه ، مع أنّه لم يعهد من الشيعة اختصاص ما ذكر بالوتر ، وكذا العامّة ، بل ظاهر أنّ الأمر ليس كذلك ، وظاهر عبارة الشيخ أيضا عدم الاختصاص ، وأنّ مراده القاعدة في الصلاة من حيث هي هي.

وسيجي‌ء في الشرح الآتي بعد هذا الشرح ما يتمّ التوضيح ، وسيظهر لك أنّ المعهود عند الخاصّة والعامّة في ما سبق أنّهم إذا قالوا : التسليم ، يريدون منه : السلام عليكم ، وأنّه الظاهر من الأخبار ، ووجهه أنّ العامة لمّا كانوا قائلين بأنّ : السلام علينا ، من أجزاء التشهّد وليس بتسليم شاع وذاع ذلك منهم بحيث تحقّق الاصطلاح ، كما هو الحال عندنا الآن في : السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته ، ليس بسلام بل من تتمّة التشهّد ، ولمّا كان الحكم مخالفا للحق أظهر الأئمّة عليه‌السلام ذلك بأنّ من قال : السلام علينا ، يخرج من الصلاة البتّة ، ومع ذلك ربما لم يتعرّضوا لفساد الاصطلاح ، بل وتابعوا ذلك الاصطلاح في تعبيرهم ، إمّا تقيّة ، كما يحتمل في بعض المواضع ، أو مماشاة وبناء على أنّه لا مشاحّة في الاصطلاح بعد ما يعلم أنّ الخروج يتحقّق ب : السلام علينا ، فلذا نبّهوا على الخروج به وأطلقوا التسليم على خصوص : السلام عليكم ، تبعا للاصطلاح ، وإن كان في بعض صرّحوا بأنّ التسليم هو : السلام علينا ، كما ستعرف.

ولعلّه من هذا وقع التوهّم في كون التسليم مستحبا ، أو واجبا خارجا ، أو مستحبا خارجا ، فتأمّل.

__________________

(١) انظر المجموع للنووي ٣ : ٣٥٥.

(٢) انظر الوسائل ٦ : ٤٠٩ أبواب التشهّد ب ١٢.

٩٥

والصدوق في أماليه قال : من دين الإمامية الإقرار بأنّ التسليم في الصلاة يجزئ مرّة واحدة مستقبل القبلة ويميل بعينه إلى يمينه ، ومن كان في جمع من أهل الخلاف يسلّم تسليمتين : تسليمة عن يمينه ، وتسليمة عن يساره كما يفعلون ، للتقيّة (١). انتهى.

قوله : وما رواه الشيخ. ( ٣ : ٤٣٠ ).

استدلاله بهذا الخبر وأمثاله في عدم وجوب التسليم في غاية الغرابة ، بل هو غفلة ، لأنّه عليه‌السلام قال : « ثم ينصرف » ، ولم يقل : انصرفت ، والظاهر من الأوّل أنّه طلب منّا الإتيان بالانصراف وتحصيله لو لم نقل بدلالته على وجوب الإتيان به ، لأنّ الجملة الخبرية في أمثال المقام بمعنى الأمر ، كما اعترف به الشارح مرارا (٢) ، ودلالتها على الطلب لا تأمّل فيه ، فإذا طلب منّا تحصيل الانصراف وإيجاد ماهيته فلا جرم يكون الانصراف غير حاصل وغير موجود ما لم يوجد ويحصل ، لاستحالة تحصيل الحاصل ، فعلى هذا يكون الخبر صريحا في عدم خروجنا عن الصلاة بعد التشهّد ، وبقائنا فيها حتى نأتي بالمخرج ، فلم نخرج إلاّ بالتسليم ، إذا لا مخرج بعده غيره وفاقا ، ولا يظهر من الأخبار أيضا غيره.

على أنّه سنذكر الأخبار الدالة على أنّ المراد من الانصراف التسليم.

على أنّا نقول : لا شكّ في أنّ المراد من الانصراف ليس الانتقال من موضع الصلاة إلى غيره ، بل إمّا الفراغ والخروج أو الإتيان بالتسليم ، والثاني مثبت للمطلوب ، والأوّل لا يصير مكلّفا به ومطلبوبا إلاّ بفعل اختياري ، وهو إمّا بالتسليم فيثبت المطلوب أيضا ، أو بغيره فيلزم خلاف الإجماع بل‌

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٢.

(٢) انظر المدارك ١ : ٢١١ و ٢ : ٨٤.

٩٦

ضروري الدين ، إذ السلام مطلوب بالضرورة من الدين ، فكيف يؤمر المكلف بتركه ويطلب منه الخروج بغيره معيّنا؟ فتعيّن أن يكون المراد الخروج (١) ( بالتسليم ).

على أنّ الذي يظهر من الأخبار أنّ الانصراف عنها يكون بالتسليم ، كما أنّ افتتاحها يكون بالتكبير ، فالظاهر من « انصرف » هو الظاهر من « افتتح ».

ويعضده أنّ المدار في الأعصار والأمصار كان على التسليم في الانصراف ، فإنّه كان ذلك طريقة الرسول والأئمّة عليه‌السلام والمعروف من الأمّة من ابتداء الشرع إلى زمان صدور الرواية.

ويعضده أيضا أنّ بالتسليم يصدق الانصراف ، قطعا ، ويقال لمن سلّم : إنّه انصرف إجماعا ، كما هو الحال في الافتتاح بالتكبير على النحو المعهود الذي ذكر في مبحث التكبير ، بخلاف من لم يسلّم وأتى بما ينافي الصلاة عوض التسليم ، إذ لم يظهر بعد أنّه يقال له : انصرف عن الصلاة ، بعنوان الحقيقة ، أو إنّه أفسد الصلاة ، وقد عرفت أنّها عبادة توقيفية لا طريق للعرف ولا للّغة ولا غيرهما إليها ، فلئن سلّمنا أنّه يقال عرفا : إنّه انصرف عنها ، على سبيل الحقيقة لم يظهر بعد نفعه ، فضلا عن أنّه لم يظهر أصلا ، لو لم نقل بظهور خلافه لتوقيفية العبادة ، وقد عرفت ثمرتها ، كما أنّ من قال : « الله أعظم » أو « خدا بزرگتر » ، أو كبّر لا بالنحو المعهود لم يظهر أنّه افتتح الصلاة ، بل صلاته فاسدة ، كما اعترف به الشارح في مبحث التكبير (٢) وغيره.

__________________

(١) من هنا إلى قوله : المعصوم عليه‌السلام في ص ٩٨ ، ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٢) المدارك ٣ : ٣١٩.

٩٧

على أنّك عرفت أنّ الانصراف بعنوان التسليم كان هو المشهور المتعارف قطعا ، والإطلاق ينصرف إلى المتعارف جزما ، وهو مسلّم عند الشارح ومن وافقه ، بل الكلّ ، كما حقّق ، ولا شكّ في أنّه عليه‌السلام أمر بالانصراف المطلق ، وقد عرفت أنّه أعمّ من كونه بالتسليم وبغيره ـ لو لم نقل بالاختصاص بالتسليم ، كما ظهر وجهه وسيظهر أيضا ـ فكيف يدل على كون المراد هو الانصراف لا بالتسليم؟ لأنّ العامّ لا يدل على الخاصّ جزما ، مع ما عرفت من الفساد القطعي في إرادة لا بالتسليم ، هذا حال الرواية في نفسها ، فكيف إذا صارت [ معارضة ] (١) للأدلّة الكثيرة الدالة على وجوب التسليم وكون الانصراف والتحليل به؟ كما ستعرف بعضها ، ووجه الجمع يظهر من صريح كلام المعصوم عليه‌السلام ).

وحمل قوله عليه‌السلام : « ثمّ تنصرف » و : « ينصرف » على مجرّد الإخبار بالخروج بنفس الفراغ من التشهد بعيد يأباه الذوق السليم ، ( وكون الأصل في الألفاظ الحمل على الحقيقة والظاهر ) (٢) ، سيّما بعد ملاحظة كلمة « ثمّ » في الأوّل ، وقوله عليه‌السلام : « ويدع الإمام » بل و : « يتشهّد » أيضا في الثاني ، ولو سلّمنا عدم البعد فكونه أقرب محلّ منع ، سيّما بعد ملاحظة ما ذكرنا وما سنذكر ، فتأمّل جدّا.

قوله : ثمّ تنصرف ( ٣ : ٤٣٠ ).

لا يخفى أن المراد بالانصراف هو الإتيان بالسلام ، كما يظهر من الأخبار ، منها : صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : « كلّ ما ذكرت الله عزّ وجلّ والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو من الصلاة ، فإن قلت : السلام علينا وعلى عباد الله‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

٩٨

الصالحين ، فقد انصرفت » (١) ورواية أبي كهمس ، عنه عليه‌السلام أنّه سأله عن : السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته ، انصراف هو؟ قال : « لا ، ولكن إذا قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فهو انصراف » (٢).

على أنّ السلام مستحب بلا شبهة ، بل ومن وكيد السنن ، إن لم يكن واجبا ، و « تنصرف » جملة خبرية بمعنى الأمر ، عطف على قوله صلوات الله عليه : « قل : اشهد. » فكيف يأمر المعصوم عليه‌السلام بترك التسليم؟ فلا شكّ في أنّ المراد هو ما ذكرناه.

ويشهد أيضا صحيحة الفضلاء ، ولعل المراد منها صلاة المأموم خلف الإمام ، كما يظهر من الأخبار (٣) ، أو أنّ المراد من مضي الصلاة مضي معظمها ، بحيث كأنّه لم يبق شي‌ء منها ، يعني لا يحتاج في حال الاستعجال إلى قوله : السلام عليك ، أو الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ممّا قال القائل بوجوبه ، أو أنّ السلام واجب خارج عن الصلاة ، كما قال صاحب البشرى (٤) وغيره ، فتأمّل.

وأمثال هذه الأحاديث تدل على وجوب [ السلام ] (٥) كما ستعرف.

وممّا يؤيّد ما ورد في الأخبار : « إذا انصرفت من الصلاة فانصرف عن يمينك » (٦) والوارد في الأخبار وكلام الفقهاء استحباب ذلك في السلام‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٧ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ / ١٢٩٣ ، الوسائل ٦ : ٤٢٦ أبواب التسليم ب ٤ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٩ / ١٠١٤ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ / ١٢٩٢ ، الوسائل ٦ : ٤٢٦ أبواب التسليم ب ٤ ح ٢.

(٣) ولعل الشيخ فهم كما ذكرنا ، لأنّه روى بعد هذه الرواية المتضمّنة لما ذكرناه صريحا. ( منه قدس‌سره ) انظر التهذيب ٢ : ٣١٧ / ١٢٩٩.

(٤) حكاه عنه في الذكرى : ٢٠٨.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : السورة ، والظاهر ما أثبتناه.

(٦) الفقيه ١ : ٢٤٥ / ١٠٩٠ ، الوسائل ٦ : ٥٠٠ أبواب التعقيب ب ٣٨.

٩٩

لا غير ، فتأمّل.

وممّا يشهد على ما ذكرنا أنّ محمد بن مسلم سأل المعصوم عليه‌السلام ـ بعد ما قاله ـ إنّ التحيات. كيف حالها؟ فأجاب بأنّها « لطف من الدعاء يلطف العبد ربّه » (١) فلو كان فهم عدم وجوب التسليم أيضا لكان هو أولى بالسؤال بأنّ الناس لم يسلّمون ويلتزمون التسليم؟ لأنّ التزامهم به أشدّ ، واحتمال الوجوب فيه آكد ، فتأمّل.

قوله (٢) : وفي الصحيح عن الفضيل وزرارة. ( ٣ : ٤٣٠ ).

لا يخفى أنّ هذه الصحيحة من الفضلاء ظاهرة في وجوب التسليم ، فإن الإجزاء ظاهر في أقلّ الواجب ، كما اعترف به الشارح رحمه‌الله واستدل به مرارا ، سيّما في المقام ، لتعليقه على شرط الاستعجال في أمر يخاف فوته ، إذ مع هذا الشرط وفي هذا الحال يقول : يجزئك السلام.

وأمّا صدر الرواية فلا ضرر أصلا على القول بوجوب التسليم وخروجه عن الصلاة ، وأمّا على شرط الاستعجال في أمر يخاف فوته ، إذ مع هذه الشرط وفي هذا الحال يقول : يجزئك السلام.

وأمّا صدر الرواية فلا ضرر أصلا على القول بوجوب التسليم وخروجه عن الصلاة ، وأمّا على القول بالدخول فلا بدّ من التأويل إمّا على أنّ المراد مضي الواجبات لا المستحبات ، أو مضي معظم الصلاة ، فكأنّه لم يبق شي‌ء إلاّ : السلام عليكم ، وهذا في جنب أفعال الصلاة ليس بشي‌ء.

والثاني أرجح ، لبقاء الصلاة على محمد وآله بعد ، وللزوم التدافع في الأوّل ، والحاجة إلى رفعه بارتكاب التكلّف زيادة على ما ذكر ، بل تكلّف بعيد ، ولأنّه إذا كان غرض المعصوم إظهار استحباب السلام كان المناسب إظهار عدم وجوبه ، بأنّه لا بأس بترك السلام مطلقا ، لا أن يقول : إن كان‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٠١ / ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ / ١٢٨٩ ، الوسائل ٦ : ٣٩٧ أبواب التشهد ب ٤ ح ٤.

(٢) هذه التعليقة ليست في « ب » و « ج » و « د ».

١٠٠