الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-171-0
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٦٤

وألحق أيضا ما إذا دخل في الفريضة بقصد الإتمام وتجاوز عن الركعتين بالدخول في الثالثة أو الرابعة وبدا له قبل الإتمام (١) ، للنهي عن إبطال العمل.

وفيه : أنّه ربما كان العمل بطل بنفسه ، بل هذا هو الظاهر من الأصل والقاعدة ومدلول صحيحة أبي ولاّد التي هي الأصل في هذا الباب ، فتدبّر.

قوله : وقال ابن بابويه. ( ٤ : ٤٦٧ ).

يظهر من صحيحة علي بن مهزيار أنّ رأي الصدوق كان رأيا مشهورا عند فقهاء أصحاب الأئمّة عليه‌السلام وفي عصرهم ، وربما يظهر ذلك من غيرها من الأخبار أيضا ، فلاحظ وتأمّل.

( وفي كامل الزيارة : أنّ سعد بن [ عبد الله ] (٢) سأل أيّوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه الأماكن الأربعة والذي روي فيها ، فقال : أنا أقصّر وكان صفوان يقصّر وابن أبي عمير وجميع أصحابنا يقصّرون (٣). انتهى ) (٤).

قوله : والمعتمد الأوّل. ( ٤ : ٤٦٧ ).

لا يخفى أنّ حمل ما دل على تحتّم الإتمام على التخيير ـ مع ما فيه من البعد ـ لعله لا بأس به في مقام الجمع ، أمّا ما دل على تحتّم التقصير على مرجوحيته ففي غاية البعد وشدّة المخالفة للظاهر لا يرضى به خصوصا عند الشارح ، كما صرّح به مرارا غير عديدة.

__________________

(١) انظر المختلف : ١٦٩ ، والتحرير ١ : ٥٦ ، ونهاية الأحكام ٢ : ١٨٥.

(٢) في النسخ : عمّار ، والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٣) كامل الزيارات : ٢٤٨ ، المستدرك ٦ : ٥٤٥ أبواب صلاة المسافر ب ١٨ ح ٣.

(٤) ما بين القوسين ليس في « أ ».

٤٢١

مع أنّه وقع التصريح في بعض الأخبار بأنّ أمرهم عليه‌السلام بالإتمام ما كان إلاّ لجهة التقيّة ، وهو صحيحة معاوية بن وهب أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن التقصير في الحرمين والتمام ، قال : « لا تتمّ حتى تجمع على مقام عشرة أيّام » فقلت : إنّ أصحابنا رووا عنك أنّك أمرتهم بالتمام ، فقال : « إنّ [ أصحابك ] (١) كانوا يدخلون المسجد فيصلّون ويأخذون نعالهم ويخرجون والناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلاة ، فأمرتهم بالتمام » (٢).

( وفي العلل في الصحيح عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له : مكّة والمدينة كسائر البلدان؟ قال : « نعم » قلت : روى عنك بعض أصحابنا أنّك قلت لهم : « أتمّوا بالمدينة لخمس » فقال : « إنّ أصحابكم كانوا يقدمون فيخرجون من المسجد عند الصلاة فكرهت ذلك لهم ، فلهذا قلته » (٣) (٤).

ويعضده أنّ عمدة أسباب اختلاف الأحكام منهم عليه‌السلام التقيّة ، بل كاد أن يكون السبب هي لا غير ، كما ورد في النصوص (٥) ، ويظهر من التتبّع فيها وفي الآثار ، ويشهد عليه الاعتبار.

مع أنّ كلاّ من الحرمين مشهد عامّ فيناسبه الأمر بالتمام أو الإفتاء بالتخيير مع أولوية التمام ، كما هو رأي العامّة في السفر.

ويؤيّده أيضا استشمام التشويش في مقالتهم ، وفي التعليل عند‌

__________________

(١) في النسخ : أصحابنا ، وما أثبتناه من المصادر.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٢٨ / ١٤٨٥ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٢ / ١١٨١ ، الوسائل ٨ : ٥٣٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٣٤.

(٣) علل الشرائع : ٤٥٤ / ١٠ ، الوسائل ٨ : ٥٣١ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٢٧.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٥) الوسائل ١ : ٤٤٣ أبواب الوضوء ب ٣٢.

٤٢٢

حكمهم بالإتمام ، فلاحظ وتأمّل.

ويؤيّده أيضا اشتهار الفتوى بالقصر عند فقهاء أصحابهم عليه‌السلام ، كما أشرنا ، فإنّهم أبصر بمواقع التقيّة وعلل الاختلاف.

وأيضا ما دل على القصر موافق للأخبار المتواترة في لزوم القصر على المسافر والتوبيخ والتقريع على من يتمّ ، مع ورودها من أهل الحرمين في نفس الحرمين ، وكذا بالنسبة إلى أهلهما وأهل الكوفة غالبا ، من دون إشعار باستثناء لأهل مورد صدور الحكم ولا لأهل الكوفة ، مع أنّ عمدة موضع الصلاة المساجد الثلاثة ، مع أنّ الشارح استقرب الإتمام في جميع مكة والمدينة ، وكذا أكثر الأصحاب.

مع أنّ ما دل على لزوم القصر على المسافر في غاية ظهور الشمول لأهل البلدين ، فليلاحظ وليتأمّل. ومرادي من الأهل المسافر الذي هو فيها ومن توطّن.

وكذا ما دل على القصر موافق لما دل على اتحاد حكم الصلاة والصوم ، وكذا ما دل على انّ التمام إنّما يكون بنيّة الإقامة ، وغير ذلك من الأحكام الكثيرة ، بل كثير منها نصّ بالنسبة إلى أهل البلدان الثلاثة من السكنة والواردين ، مثل صحيحة أبي ولاّد السابقة عند قول المصنّف رحمه‌الله : ولو نوى الإقامة ثمّ بدا له ، فإنّها مع صحتها وصراحتها هي الأصل في الحكم المجمع عليه على ما اعترف به (١). مع أنّ الثابت من الأخبار والمستفاد منها كون الإتمام في مجموع مكّة والمدينة ، كما ستعرف.

مع أنّه على فرض القول بأنّ الإتمام في نفس المسجدين دلالة‌

__________________

(١) انظر المدارك ٤ : ٤٦٣.

٤٢٣

الصحيحة على ما ذكرناه أيضا ظاهرة ، لأنّ المعصوم عليه‌السلام حكم بالقصر على الإطلاق من غير تقييد بخارج المسجدين. مع [ أنّ ] وقوع الصلاة في الخارج عنهما في غاية الندرة بالنسبة إلى الغرباء الذين يسافرون إلى المدينة لأجل العبادة والطاعة ، بل ومطلقا ، فتدبّر.

( وما دل على لزوم التمام مخالف للكل ، وكذا الموافقة والمخالفة بالنسبة إلى علل القصر والإتمام.

على أنّه لقائل أن يقول : حمل ما دل على التمام على البناء على الإقامة ثمّ التمام ـ كما فعله الصدوق ـ ليس بأضعف ممّا ذكره رحمه‌الله ، بل يمنع كونه أولى والسند قاصر ، فتدبّر ) (١).

قوله : وصحيحة على بن مهزيار. ( ٤ : ٤٦٧ ).

في الاستدلال بهذه الصحيحة إشكال ، لأنّها هكذا : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : أنّ الرواية قد اختلفت عن آبائك عليهم‌السلام في الإتمام والتقصير في الحرمين ، فمنها : بأنّ يتمّ ولو صلاة واحدة ، ومنها : أن يقصّر ما لم ينو مقام عشرة ، ولم أزل على الإتمام فيها إلى أن صدرنا من حجّنا في عامنا هذا ، فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا علىّ بالتقصير إذا كنت لا أنوي المقام عشرة أيّام ، فصرت إلى التقصير وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك ، فكتب بخطه : « يرحمك الله ، قد علمت فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما ، فأنا أحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر وتكثر فيهما من الصلاة » إلى آخر ما ذكره الشارح. وفي التهذيب بعد هذا : « ومتى إذا توجّهت من منى فقصّر الصلاة ، فإذا انصرفت من عرفات إلى منى وزرت‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

٤٢٤

البيت ورجعت إلى منى فأتمّ الصلاة تلك الثلاثة أيّام » وقال بإصبعه ثلاثا ، إذ جواب المعصوم يحتمل أن يكون تكذيب فقهاء أصحابه وتصديق ما ورد من أنّه يتمّ الصلاة ولو واحدة ، كما فهمه الشارح رحمه‌الله.

لكن على هذا لا يبقى لقوله رحمه‌الله : « ومتى توجّهت. » معنى ولا وجه له ، لأنّ المسافر إذا أتمّ الصلاة من غير نيّة الإقامة بل بمحض أنّ له التخيير كيف يتمّ الصلاة في رجوعه إلى منى؟ فإنّ منى غير داخلة في مكّة ، ومع ذلك كيف يتمّ في رجوعه إليها خاصّة؟ مع أنّ الأخبار صريحة في وجوب القصر في منى على أهل عرفات (١).

ويبعّد هذا أيضا أنّه عليه‌السلام كيف كان يكذّب فقهاء أصحابه بالتعليل الذي ذكره؟ إذ ليس ذلك علّة واستدلالا. فيحتمل أيضا أن يكون مراده عليه‌السلام تصديق فقهاء أصحابه ، وأنّ مراده أنّه يتمّ الصلاة بأن ينوي الإقامة ، ولذا قال : « قد علمت فضل الصلاة فيهما فأحبّ لك أن لا تقصّر » إذ يظهر من التعليل أنّ الإتمام باختيارك وأنت تعلم هذا المعنى فأحبّ لك أن تختاره ، فلو كان مراده ما ذكره الشارح رحمه‌الله كان المناسب أن يقول : الحق مع تلك الرواية والفقهاء أخطأوا ، وأين هذا من ذلك الجواب؟ ويصح على هذا أيضا الإتمام بمنى حال الرجوع إليها ، لأنّها من توابع مكّة ، ومكّة موضع الإقامة ، ومن نوى الإقامة في موضع يتمّ الصلاة في توابعه أيضا ، على ما سيجي‌ء ، فلاحظ وتأمّل جدّا.

وربما يظهر ممّا ذكر وجه التوجيه للصدوق رحمه‌الله فتأمّل.

( على أنّ ظاهر هذه الصحيحة استحباب الإتمام ، لقوله عليه‌السلام : « قد‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٦٣ أبواب صلاة المسافر ب ٣.

٤٢٥

علمت فضل الصلاة في الحرمين » وقوله : « فأنا أحبّ لك أن لا تقصّر » فيكون من القسم الثاني ، يعني الدال على التخيير صريحا.

ومع إشكال آخر وهو : أنّ التخيير وأفضلية الإتمام لو كان من الله تعالى فأيّ معنى لقوله عليه‌السلام : أحبّ لك ( أن تختار خصوص الإتمام في المسألة ) (١) فأيّ معنى لذلك القول؟ إلاّ أن يكون المراد أنّك تعلم أنّك مخيّر بين القصر والإتمام فأنا أحبّ لك أن تختار خصوص الإتمام في الحرمين ، فتصير الرواية بحسب ظاهرها على طريقة العامّة.

قال جدّي رحمه‌الله : إنّ التوقيعات كثيرا ما كانت غير خالية عن اضطراب أو موافقة للتقيّة خوفا من أن يقع التوقيع بيد عدوّهم (٢). فمن هذا ظهر وهن آخر في الاحتجاج مضافا إلى ما سيأتي.

وجعل المعنى أنّك قد علمت التخيير في خصوص الحرمين فأحبّ لك. فيه ما فيه ) (٣).

قوله : كصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع. ( ٤ : ٤٦٧ ).

هذه الصحيحة مستند الصدوق ، ويدل على مذهبه أيضا صحيحة معاوية بن وهب التي ذكرناها ( وصحيحة أبي ولاّد التي أشرنا إليها ) (٤) وصحيحة معاوية بن عمار أنّه قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن الرجل قدم مكّة فأقام على إحرامه قال : « فليقصّر الصلاة ما دام محرما » (٥) والظاهر أنّ‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ب » و « ج » و « د » : أن تتمّ ، بل الله أحبّه ، وإلاّ فإنّك له.

(٢) انظر روضة المتقين ٢ : ١٥٦.

(٣) ما بين القوسين ليس في « أ ».

(٤) ما بين القوسين ليس في « ج ».

(٥) التهذيب ٥ : ٤٧٤ / ١٦٦٨ ، الوسائل ٨ : ٥٢٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٣.

٤٢٦

مراده أنّه يريد الذهاب إلى عرفات ولذا أقام على إحرامه ، ففرض النائي التمتّع ، والمتمتّع يتمّ العمرة ويتحلّل ثمّ يحرم بالحجّ ، إلاّ أن يتضيّق الوقت عن إتمام العمرة فيعدل إلى الإفراد ويذهب إلى عرفات.

وصحيحة علي بن مهزيار عن محمد بن إبراهيم الحضيني ، قال : استأمرت أبا جعفر عليه‌السلام في الإتمام والتقصير ، قال : « إذا دخلت الحرمين فانو مقام عشرة وأتمّ الصلاة » فقال : إنّي أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة ، قال : « انو مقام عشرة أيّام وأتمّ الصلاة » (١) يعني أنّ التمام ما يمكن إلاّ بنيّة عشرة أيّام ، إن أمكنك المقام فأتمّ ، وإلاّ فلا ، وفيها من التأكيد ما لا يخفى.

ورواية علي بن حديد أنّه قال للرضا عليه‌السلام : أصحابنا اختلفوا في الحرمين ، فبعضهم يتمّ وبعضهم يقصّر ، وأنا ممّن يتمّ لرواية رواها أصحابنا ، وذكرت عبد الله بن جندب أنّه كان يتمّ ، قال : « رحم الله ابن جندب » ثمّ قال : « لا يكون الإتمام إلاّ أن يجمع على مقام عشرة أيّام » الحديث (٢).

هذا مضافا إلى ظاهر الآية والعمومات المتواترة والمؤيّدات التي أشرنا إليها.

وورد أخبار معتبرة متعدّدة في أنّ أهل عرفات إذا رجعوا إلى مكّة لزيارة البيت يقصّرون في مكّة وفي المسجد الحرام ، كما هو الظاهر منها ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٢٧ / ١٤٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٢ / ١١٨٠ ، الوسائل ٨ : ٥٢٨ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٢٦ / ١٤٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٣١ / ١١٧٩ ، الوسائل ٨ : ٥٣٣ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٣٣.

٤٢٧

إلاّ أن يدخلوا منازلهم ، فلاحظ.

ومستنده أيضا رواية حمزة بن عبد الله الجعفري ، قال : لمّا أن نفرت من منى نويت المقام بمكّة فأتممت الصلاة حتى جاءني خبر من المنزل ، فلم أجد بدّا من المصير ، فقصصت على أبي الحسن عليه‌السلام القصّة ، فقال : « ارجع إلى التقصير » (١) والرواية صحيحة عنده.

وروى الشيخ في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يدخل مكّة من سفره وقد دخل وقت الصلاة ، قال : « يصلّي ركعتين » الحديث (٢).

وفي الحسن كالصحيح عن الصادق عليه‌السلام : « إنّ أهل مكّة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتمّوا ، وإن لم يدخلوا منازلهم قصّروا » (٣).

وقريب منه ما في الحسن كالصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : « إنّ أهل مكة إذا خرجوا حجّاجا قصّروا ، وإذا زاروا البيت ورجعوا إلى منازلهم أتمّوا » (٤) فلاحظ.

قوله : ويدل على التخيير. ( ٤ : ٤٦٨ ).

يمكن أن يقال : إنّ الحديث وارد في مقام التقيّة ، لموافقة حكمه لمذاهب العامّة ، وعلي بن يقطين كان وزير الخليفة ، والكاظم عليه‌السلام كانت التقيّة في زمانه أشدّ ، وصحيحة ابن بزيع وما يؤدّي مؤدّاها لا تقبل التقيّة أصلا ، كما هو الظاهر (٥).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٢١ / ٥٥٤ ، الاستبصار ١ : ٢٣٩ / ٨٥٢ ، الوسائل ٨ : ٥٠٩ أبواب صلاة المسافر ب ١٨ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣ / ٢٨.

(٣) الكافي ٤ : ٥١٨ / ١ ، الوسائل ٨ : ٤٦٤ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ٧.

(٤) الكافي ٤ : ٥١٨ / ٢ ، الوسائل ٨ : ٤٦٥ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ٨.

(٥) من هنا إلى نهاية التعليقة ليس في « أ ».

٤٢٨

وورد في الأخبار التي كادت تبلغ التواتر أنّ كلّ حديث وافق العامّة فاتركوه ، خذوا بما خالفهم فإنّ الرشد في خلافهم ، وعند تعارض الأخبار عيّنوا لنا ذلك ، وما أجازوا لنا غير ذلك حاجة (١) أمروا بالأخذ بما اشتهر بين الأصحاب ، ولا شكّ في أنّ وجوب القصر في هذه الأماكن مخالف للعامّة ، فالرشد فيه ويجب علينا الأخذ به ، كما أنّ التخيير هو عين مذهبهم ، والتخيير في هذه الأماكن فرد من التخيير الذي يقولون ، وما يظهر منه الاختصاص سيجي‌ء الجواب عنه ، مع أنّه أوفق بمذهبهم قطعا.

وأيضا أمرونا بأخذ ما وافق كتاب الله وترك ما خالفه ، وعلمت أنّ كتاب الله يدل على وجوب القصر بنصّ أهل البيت ، وترك غير المشهور ، ومعلوم أنّ المعتبر هو المشهور بين أصحاب الراوي والمعصوم عليه‌السلام لا المتأخّرين ، إلاّ أن يدل دليل على أنّ الشهرة بين المتأخّرين هي الشهرة بين أصحاب الراوي ، وعرفت في المقام أنّ أصحاب الراوي والمعصوم كلّهم كانوا يقصّرون.

وأيضا أمروا بالأخذ بالحديث الذي وافق سائر أحكامهم ، ومعلوم أنّ المستفاد من الآية والأخبار المتواترة أنّ المسافر يجب عليه القصر.

وأيضا أمروا بالأخذ بما وافق السنّة ، ومعلوم أنّ الرسول كان يقصّر ، كما يظهر من الأخبار (٢).

وأيضا أمروا بالعرض على سائر أحاديثهم والأخذ بما وافقها ، وأحاديثهم متواترة في وجوب القصر والمبالغة فيه وردّ التخيير والإصرار‌

__________________

(١) كذا.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٥٢ ، ٤٥٤ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ٤ ، ١٢ ، وص ٤٧٢ ب ٦ ح ٤.

٤٢٩

فيه.

وأيضا ما ورد في علّة التقصير يشمل المقام ، وما ورد من أنّ الله تصدّق بالركعتين ولا يرضى بأن يردّ صدقته (١). إلى غير ذلك.

مضافا إلى تصريحهم بأنّ الأمر بالتمام إنّما هو اتّقاء على الشيعة ، كما عرفت. مضافا إلى شهادة الاعتبار وغير ذلك بما عرفت وستعرف.

وأيضا المسافر يقصّر قطعا قبل الوصول إلى هذه ، فهو مستصحب حتى يحصل اليقين بخلافه ، لقولهم : « لا تنقض اليقين إلاّ بيقين » (٢) وغير ذلك. مضافا إلى تصريحهم في خصوص المقام بأنّ الإتمام الذي ورد منّا إنّما ورد تقيّة.

وممّا ذكر ظهر الكلام في الأخبار التي أمروا بالإتمام ، إذ عرفت أن كان تقيّة ، والعامّة أيضا يأمرون بالإتمام وإن كانوا يجوّزون القصر ، ويجعلون القصر شعار الشيعة.

فإن قلت : ما ورد من أنّ الإتمام في أربعة مواطن (٣) من مخزون علم الله تعالى لا يمكن حمله على التقيّة.

قلت : الموانع الأخر تكفي لرفع اليد عنه والأخذ بما خالفه ، فإنّ الأئمّة عليه‌السلام أمرونا بطرح ما خالف الكتاب وضربه على الحائط وأنّه باطل (٤) إلى غير ذلك من أمثال هذه العبارات.

وكذا الحال في الشهرة بين أصحاب الراوي وغير ذلك ممّا ذكرت ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٧ / ٢ ، الوسائل ٨ : ٥١٩ أبواب صلاة المسافر ب ٢٢ ح ٧.

(٢) الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٥٢٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥.

(٤) المحاسن ١ : ٢٢١ ح ١٢٩ ، الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩.

٤٣٠

فإنّهم عليه‌السلام جعلوا كلّ واحد منها حجّة مستقلّة برأسها وأمرونا باتباعه واعتباره ، وما جوّزوا لنا رفع اليد عنه ، وكلّها مجتمعة في ما ذكر من الحديث أيضا ، وواحد منها يكفي ، والمدار في الفقه على ذلك.

مع أنّ وجوب القصر مخالف لرأي العامة جزما ، والرشد في خلافهم على ما صرّحوا به وأمرونا باتباعه والأخذ به.

على أنّا نقول : مرادنا من التقيّة هي الاتّقاء ، قالوا كذلك لأجل أنّ الشيعة إذا كانوا في تلك الأربعة أتمّوا الصلاة ، ولذا ذكروا ذلك في إتمام الصلاة خاصّة ، والعامّة إذا رأوا أنّهم أتمّوا لا يؤذونهم ، بخلاف ما إذا رأوهم يقصّرون ، وما كانوا يدورون مع الشيعة حتى يرونهم يقصّرون ، مع أنّهم لو وجدوهم يقصّرون لكانوا يؤذونهم البتة.

ووجه تخصيص هذه الأربعة بالاتقاء لكونها مشهد مجمع أهل السنّة مع الشيعة بعنوان الكثرة والازدحام سيّما الحرمين ، ولذا أكثر الأخبار ورد في الحرمين ، بل بعضها ظاهر في اختصاصهما به ، مثل ما ورد في بعضها : أنّ أبي كان يرى للحرمين ما لا يراه لغيرهما (١) ، وزيارة الحسين عليه‌السلام لم يكن من خصائص الشيعة ، إذ لو كان كذلك لعرفوا وقتلوا ، لأنّ السلاطين في غاية بذل جهدهم في تحصيل معرفة الشيعة ، وهم في غاية بذل الجهد في إخفاء أنفسهم ، فكان يؤدّي ذلك إلى ترك زيارة الحسين عليه‌السلام ومنع الأئمّة إيّاهم من الزيارة ، مع أنّ أمرهم بزيارته بلغ حدّ التواتر ، والمتوكّل منع الناس عن زيارته ، فلمّا منعوا وكان يقع الكثرة والازدحام في زيارته وربما صار منعه [ سببا لـ ] (٢) زيادة الازدحام عليها فلذا أمر بمحو آثار‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٢٤ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٤٢٦ / ١٤٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٠ / ١١٧٤ ، الوسائل ٨ : ٥٢٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٢.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

٤٣١

قبره عليه‌السلام ، ومع ذلك ازدحام الشيعة وأهل السنة في زيارته إلى الآن باق على حاله.

وعلى فرض البعد يقدّر بقصد الإقامة ، وبعد ذلك ليس بأزيد من حمل أخبار وجوب القصر على مرجوحيته ، إذ أقلّ مراتب الأمر الرجحان ، سيّما مع ما في بعضها من القرائن الدالة على إرادة التقصير وطلبه على سبيل التعيّن ، والدلالة أيضا منتفية.

مع أنّك عرفت أنّ الواجب علينا مراعاة المرجّحات من موافقة الكتاب والشهرة بين الأصحاب ومخالفة العامّة وغير ذلك ، وأيضا ستعرف أنّ بين الأخبار التي هي مستند المشهور اختلافا شتّى ، مضافا إلى ما ذكرنا من الإيرادات ، وهذه أيضا يضعف التمسّك بها.

قوله : فلا يبعد أن يكون. ( ٤ : ٤٦٨ ).

سيّما بعد ملاحظة ما نبّهنا عليه ، بل لولا الشهرة العظيمة لكان مذهب الصدوق متعيّنا بحسب ما يظهر من الأخبار والأصل بعد الآية ، والله يعلم.

قوله : ولأنّ الأخبار الواردة بالإتمام. ( ٤ : ٤٦٨ ).

وأمّا مذهب ابن الجنيد والمرتضى فلا احتياط من جهتهما ، لكونهما خلاف الآية والأخبار المتواترة والأصول وطريقة الشيعة بل المسلمين في الأعصار والأمصار.

قوله (١) : ولم نقف لهما على مأخذ في ذلك. ( ٤ : ٤٧١ ).

لا يخفى أنّ قوله في صحيحة علي بن مهزيار : « قد علمت فضل الصلاة » في مقام التعليل لأمره بالإتمام ، وقياس منصوص العلّة حجّة عنه‌

__________________

(١) هذه التعليقة والتي بعدها ليست في « ا ».

٤٣٢

الشارح (١) رحمه‌الله والمشهور ، فمقتضاه أن كلّ موضع يكون للصلاة فيه [ فضل ] يكون الإتمام فيه مأمورا به ، وخروج غير (٢) المشاهد للأئمّة عنه لعله للإجماع أو غيره ، فتأمّل.

ومثل صحيحة علي بن مهزيار صحيحة البزنطي عن إبراهيم بن شيبة ، إذ فيها : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحبّ إكثار الصلاة في الحرمين ، فأكثر فيهما وأتمّ » (٣).

لكن الأخبار الدالة على أنّ موضع الإتمام أربعة تعارضه وتغلب عليه ، لكون دلالتها أقوى وكونها معمولا بها عند المعظم ، وغير ذلك من المرجّحات التي أشرنا إليها في ترجيح رأي الصدوق. وما ذكر يضعّف [ بأنّ ] أفرادا كثيرة من المواضع التي للصلاة فيها فضل لا يتمّ الصلاة فيها إجماعا ، كما أنّ كثيرا من مواضع الإتمام ليس فيها فضل إجماعا ، فيضعف الاحتجاج بمثل صحيحة علي بن مهزيار.

مع أنّ الأخبار التي هي مستند المشهور بينها اختلاف بحسب الظاهر ، إذ بعضها يظهر منه أنّ كل موضع يكون للصلاة [ فيه ] فضل يتمّ ، وبعضها يدل على الاختصاص بالأربعة المعهودة ، وبعضها ظاهر في اختصاص الحكم بالحرمين ، مثل كالصحيح عن مسمع ، عن الكاظم عليه‌السلام وأنّه قال : « كان أبي يرى لهذين الحرمين ما لا يراه لغيرهما ويقول : الإتمام فيهما من الأمر المذخور » (٤) ومثلها صحيحة علي بن مهزيار وإبراهيم بن شيبة ، ومنها‌

__________________

(١) انظر المدارك ١ : ٣٢.

(٢) ليس في « ب » و « د » و « و ».

(٣) الكافي ٤ : ٥٢٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ٤٢٥ / ١٤٧٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٠ / ١١٧٢ ، الوسائل ٨ : ٥٢٩ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٢٦ / ١٤٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٠ / ١١٧٤ ، الوسائل ٨ : ٥٢٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٢.

٤٣٣

[ ما ] يدل على ثلاثة أماكن : المدينة ومكّة وعند قبر الحسين عليه‌السلام ، وهو رواية حسين عن الصادق عليه‌السلام (١) ، ومنها [ ما ] يدل على الحرمين ، ومنها [ ما ] يدل على خصوص المسجدين. إلى غير ذلك من الاختلافات الظاهرة فيها ، مثل أنّ بعضها ظاهر في وجوب التمام وبعضها في أفضليته ، وبعضها في تساويه مع القصر ، وبعضها بالحرم ، وبعضه بالحائر ، وبعضها عند القبر ، إلى غير ذلك ، وهذه الاختلافات ممّا يضعف التمسّك بها. مع أنّ مجرّد فضل الصلاة كيف ( كان مستحب ، فكيف يغيّر الواجب ويصير منشأ ) (٢) لتغيّر الحكم الواجبي؟!.

قوله : في التذكرة. ( ٤ : ٤٧١ ).

والمرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ في الانتصار أيضا ادعى الإجماع عليه (٣).

قوله : ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي. ( ٤ : ٤٧١ ).

حمل هذه الصحيحة على صورة العلم والعمد لعله بعيد ، بل وعلى الأعم أيضا ، فالحمل على النسيان لعله أقرب. فتأمّل.

قوله : أو فعل ما به يحصل كالتسليم. ( ٤ : ٤٧١ ).

فيه : أنّه على هذا يخرج الأخبار التي استدلوا بها على استحباب التسليم عن الحجّية ، لأنّ استدلالهم بها ليس إلاّ من جهة أنّ مقتضاها خروج المصلّي عن الصلاة بمجرّد التشهّد ليس إلاّ ، فإذا بني على أنّه لا بدّ‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٨٦ / ٤ ، كامل الزيارات : ٢٤٩ ، الوسائل ٨ : ٥٣٠ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٢٢.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ب » و « ج » و « د » : فإن المستحب كيف يغير الواجب منشأ ، وفي « و » : كان مستحب فكيف يصير الواجب منشأ. والظاهر ما أثبتناه.

(٣) الانتصار : ٥٢.

٤٣٤

من مخرج سوى التشهّد لم يبق تلك الأخبار على ظواهرها ، لأنّ التقدير واجب ، فيتعيّن تقدير التسليم حتى توافق الأخبار الدالة على وجوب التسليم وكونه مخرجا لا غير ، وتكون هذه الأخبار خالية عن المعارض ، لأنّ المجمل لا يعارض المبيّن والمفصّل.

مع أنّ هذه الأخبار على ما ذكره يكون مقتضاها لزوم أحد الأمرين : إمّا التسليم أو نيّة الخروج ، ومقتضى تلك الأخبار لزوم خصوص التسليم ، فالجمع متعيّن بحمل أحدهما على خصوص التسليم ، فتدبّر.

قوله : إنّ الصلاة المقصورة إنّما تبطل بالإتمام. ( ٤ : ٤٧٢ ).

فيه : أنّ هذا مناف لما صرّح به في مسألة من توضّأ ثلاثا ثلاثا ، ومسألة التكفير في الصلاة ، ومسألة قول آمين فيها ، وغيرها من أمثال هذه المسائل من أنّ الصلاة والوضوء صحيحتان ، لأنّ النهي تعلّق بأمر خارج (١).

ومع ذلك مقتضى هذه الأخبار وما ورد في أنّ الناسي أيضا يعيد أنّهما يعيدان مطلقا ، وكذلك فتاوى الأصحاب ، فلا وجه للتقييد الذي ذكره ، وهذا كلّه دليل على وجوب التسليم ، فتدبّر.

قوله : إذا وقعت ابتداء على ذلك الوجه. ( ٤ : ٤٧٢ ).

كون قصد الإتمام مضرّا محلّ تأمّل ومخالف لما صرّح به مرارا ، وسيجي‌ء تمام الكلام في مسألة الناسي ، فلاحظ.

قوله : ويدل عليه قوله عليه‌السلام. ( ٤ : ٤٧٢ ).

ولو علم بالحال في أثناء الصلاة فإن أمكنه العدول إلى القصر قصّر ، وإلاّ بأن تعدّى موضعه مثل أن دخل في الركوع في الركعة الثالثة أعادها بأن‌

__________________

(١) انظر المدارك ١ : ٢٣٤ ، ٣ : ٣٧٣ ، ٤٦١.

٤٣٥

يستأنفها ، وإن لم يدخل في الركوع فلا يبعد أنّه يهدم القيام ويجلس ويسلّم ، لكونه معذورا لو أتمّ الصلاة أربعا ، ففي المقام بطريق أولى ، ويحتمل عدم المعذورية في المقام اقتصارا على مورد النص والفتوى.

قوله : فيمكن حملها على الناسي. ( ٤ : ٤٧٢ ).

ظاهرها العموم ، لترك الاستفصال في مقام الاحتمال ، لكن يمكن أن يقال بخروج العالم العامد ، لبعد ذلك ، فإنّ الظاهر أنّ المصلّي يصلّي طاعة لله تعالى وعبادة له ، وكذا خروج الجاهل ، لما دل على صحّة صلاته ، بل يتعيّن ذلك ، لأنّه صحيح وصريح ومعمول به عند الأصحاب ، وهذا الصحيح لا صراحة فيه ، لإمكان إرادة الناسي أو الاستحباب.

والحاصل : أنّ غير الصريح لا يعارض الصريح ، سيّما إذا كان الصريح معمولا به عند الجلّ ، والمدار في الفقه على ذلك ، بل ربما كان سياق العبارة له ظهور في النسيان حيث قال أوّلا : صلّى وهو مسافر ، ثمّ فرّع عليه بقوله : فأتمّ الصلاة ، فإنّ فيه إيماء ظاهر ، فتأمّل جدّا.

ويؤيّده أيضا رواية أبي بصير (١) ، إذ بملاحظتها ربما يظهر أنّ مضمون هذه الرواية مضمونها ، فتأمّل.

قوله : وكأنّ المراد أنّه يجوز. ( ٤ : ٤٧٣ ).

الظاهر أنّ مراده عدم وجوب الإعادة ، لأنّه ثبت من الشرع بحيث لا تأمّل فيه ، ولا منافاة بينه وبين عدم معذورية الجاهل بأنّه يؤاخذ ويعاقب مطلقا ، وعليه الإعادة أيضا إذا لم يثبت من الشارع عدم وجوبها ، فتدبّر.

قوله : والاشتراك في العذر. ( ٤ : ٤٧٣ ).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨١ / ١٢٧٥ ، التهذيب ٣ : ١٦٩ / ٣٧٣ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ / ٨٦١ ، الوسائل ٨ : ٥٠٦ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٢.

٤٣٦

لا يخفى أنّ هذا هو القياس الحرام بعينه. مع أنّه لو كانت العلّة هي الجهل لزم معذوريته مطلقا ، ولا يقولون به ، بل هو فاسد. مع أنّ صحة عبادته من جهة الجهل فيه ما فيه.

قوله : فالظاهر الإعادة. ( ٤ : ٤٧٣ ).

الظاهر أنّ هذا الحكم مبني على أنّ الحديث الصحيح المذكور لا يقاوم القاعدة الثابتة حتى يخصّصها ، كما يقول الفقهاء من أنّ النص مخالف للقاعدة في موضع لا يعملون به ، لأنّ شرط تخصيص العامّ مقاومة الخاصّ له ، والمقاومة شرط في جميع المتعارضين إذا حمل أحدهما من جهة الآخر في مقام الإفتاء لا مجرّد الجمع ورفع التناقض.

قوله (١) : هذا هو المشهور بين الأصحاب. ( ٤ : ٤٧٣ ).

بل المرتضى في الانتصار ادعى الإجماع عليه ، وكذا الشيخ في الخلاف ، والحلّي في السرائر ، والعلاّمة في ظاهر التذكرة (٢).

قوله : ويتوجّه على الرواية الأولى أنّها ضعيفة السند. ( ٤ : ٤٧٤ ).

السند صحيح كما حقّق في محلّه ، ومع ذلك منجبر بالشهرة ، والظاهر من اليوم هو بياض النهار ، وعدم مذكورية حكم العشاء غير مضرّ قطعا ، فإنّ الأخبار التي يستدلون بها في الفقه غالبا أخصّ من المدعى ، والمدار في الفقه على ذلك وعلى الإتمام بعدم القول بالفصل أو بغيره من دليل آخر لرواية أو أصل أو غير ذلك ، ومدار الشارح رحمه‌الله أيضا على ذلك. وفي المقام عدم القول بالفصل موجود ، وكذا صحيحة العيص ، والأصل أيضا ،

__________________

(١) هذه التعليقة ليست في « ا ».

(٢) الانتصار : ٥٢ ، ٥٣ ، الخلاف ١ : ٥٨٦ ، السرائر ١ : ٣٢٨ ، التذكرة ١ : ١٩٣.

٤٣٧

لأنّ القضاء فرض جديد ، وشمول دليله له محلّ مناقشة ، وأمّا إذا كان الوقت باقيا وظهر عليه أنّه ما أتى بالصلاة التي أمر بها يجب عليه الإتيان بها قطعا ، فتأمّل.

ويدل على ذلك أيضا صحيحة الحلبي التي ذكرها في إعادة العامد (١) لو قلنا أنّ الإعادة مختصّة بالوقت. ولو قلنا بأنّها أعمّ فهي مستند علي بن بابويه والمبسوط.

قوله : أحدهما : الإعادة مطلقا. ( ٤ : ٤٧٤ ).

يدل عليه إطلاق الأمر بالإعادة في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (٢) وصحيحة الحلبي (٣). ويمكن حملهما على الإعادة في الوقت جمعا بين الأخبار ، أو أنّ المراد غير الناسي ، فتأمّل.

قوله : اختاره الصدوق في المقنع. ( ٤ : ٤٧٤ و ٤٧٥ ).

الظاهر أنّ فتواه موافق للمشهور ، ومعلوم أنّ فتواه فيه نقل متون الأخبار مفتيا بمضمونها ، فحاله في المقام حاله في غير المقام ، وحال كلامه حال متون الأخبار ، فتأمّل.

قوله : وقد بيّنا. ( ٤ : ٤٧٥ ).

بل الأصحّ أنّ ذلك مبطل للصلاة ، لوجوب التسليم وعدم إتيان المأمور به على وجهه.

قوله : اتّجه القول بالإعادة. ( ٤ : ٤٧٦ ).

أي بنيّة التمام ، وفيه : أنّ كون هذا مضرّا مع عدم تحقّق الإتمام غير‌

__________________

(١) المدارك ٤ : ٤٧١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٧٨ / ١٢٦٦ ، التهذيب ٣ : ٢٢٦ / ٥٧١ ، الوسائل ٨ : ٥٠٦ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤ / ٣٣ ، الوسائل ٨ : ٥٠٧ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٦.

٤٣٨

ظاهر ، إذ ربما كان بنيّة الإتمام إلى آخر التشهّد الأوّل فتفطّن أنّ عليه القصر فسلّم ، فإنّ صلاته صحيحة ، لاستجماعها جميع الواجبات وعدم المانع منها ، لأنّ المعتبر في النيّة قصد القربة ، سيّما عند الشارح ، وقصد التعيين أيضا متحقّق ، لأنّه قصد ما في ذمّته ، غاية ما في الباب أنّه توهّم كونها تماما ، فتفطّن فقصّر ، وهذا القدر من التعيين كاف لتحقّق الامتثال العرفي ، وليس له دليل سواه. وبالجملة : ما ذكره هنا خلاف ما صرّح به مرارا (١) ، فتأمّل.

قوله : لما يجب عليه من ترك نيّة التمام. ( ٤ : ٤٧٦ ).

الظاهر أنّه لا إشكال من جهة نيّة التمام ناسيا ، فإنّه لو تذكّر المصلّي قبل إتمام التشهّد الأوّل ، فسلّم تكون صلاته صحيحة ظاهرا ، بل الإشكال في التسليم ناسيا ، وأنّه لو أتى المكلّف الأمر الذي كلّف به على وجهه على سبيل النسيان هل يكون ممتثلا؟ مع أنّه لم يأت به باختياره بل أتى به سهوا ، ومثل هذا كيف يعدّ امتثالا؟ إذ الامتثال هو أن يأتي به على سبيل الاختيار والشعور والإرادة ، فتأمّل.

قوله : ولو كانت صريحة لأمكن الجمع. ( ٤ : ٤٧٨ ).

ومع الصراحة أيضا يشكل الجمع ، لأنّه بعد التكافؤ ، وما دل على القصر أرجح ، لموافقته العمومات والتأكيد الذي فيه بقوله : « فإن لم تفعل. » ولكونه أشهر على ما ذكره المصنّف ، ولموافقته لصحيحة العيص الآتية ، وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : عن الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة ، قال : « إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل وليتمّ ، وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلّ‌

__________________

(١) انظر المدارك ١ : ١٨٨ ، وج ٣ : ٣١٠ و ٣١١.

٤٣٩

وليقصّر » (١) وقد عرفت أنّ راوي تلك الصحيحة هو راوي هذه الصحيحة ، فالراوي بعينه روى ضدّ ما رواه لو كان المراد ما فهمه المستدل ، فمن هذا يحصل وهن عظيم ، بل ربما كان المراد من تلك الصحيحة مضمون هذه الصحيحة بأنّها خرجت مفسّرة لها ، بل ربما كان التفاوت حصل من نقل أحدهما من الرواة بالمعنى.

ويؤكّد ما ذكرناه أيضا أنّ محمد بن مسلم روى أيضا في الصحيح عن الصادق : الرجل يريد السفر متى يقصّر؟ قال : « إذا توارى من البيوت » قال : قلت : الرجل يريد السفر فيخرج حين زوال الشمس ، قال : « إذا خرجت فقصّر » (٢).

وممّا يؤكّد أيضا ما قال بعض المحققين من أنّ أكثر العامّة قائلون باعتبار حال الوجوب ، فيكون ما دل عليه محمولا على التقيّة ، ويشير إليه صحيحة إسماعيل ، فتأمّل.

نعم ورد في التخيير رواية في سندها محمد بن عبد الحميد عن الصادق عليه‌السلام : « إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل فسار حتى يدخل أهله ، فإن شاء قصّر وإن شاء أتمّ ، والإتمام أحبّ إليّ » (٣) لكن لا تقاوم ما ذكرناه من حيث السند وغيره. وكيف كان الأولى والأحوط اعتبار حال الأداء.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٦٤ / ٣٥٤ ، الوسائل ٨ : ٥١٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٤ / ١ ، الفقيه ١ : ٢٧٩ / ١٢٦٧ ، التهذيب ٢ : ١٢ / ٢٧ ، الوسائل ٨ : ٤٧٠ أبواب صلاة المسافر ب ٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٢٣ / ٥٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ / ٨٥٩ ، الوسائل ٨ : ٥١٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٩.

٤٤٠