الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-171-0
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٦٤

قوله : نعم يمكن الاستدلال على اعتبار الظنّ في الأوّلتين. ( ٤ : ٢٦٣ ).

الاستدلال بها يتوقّف على عموم المفهوم ، والشارح رحمه‌الله لا يقول به ، وإن كان الظاهر بل المحقّق الثابت هو عمومه ، كما حقّقنا ومرّ الإشارة في كتاب الطهارة في مبحث المياه (١) ، فراجع وتأمّل.

ويمكن الاستدلال بالأخبار الواردة في رجوع كلّ واحد من المأموم والإمام إلى الآخر عند شكّه (٢) ، لشمولها الأوليين أيضا ، والظاهر أنّه إجماعي أيضا. والتقييد بما إذا حصل العلم فيه ما فيه ( إذ كيف يحصل العلم بأنّه حقّ؟ وإن حصل للآخر ، مع أنّه أيضا محلّ تأمّل ، فتأمّل ) (٣).

وبرواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه‌السلام : قال : « إذا ذهب وهمك إلى التمام أبدا في كلّ صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع ، أفهمت؟ » قال : نعم (٤). والضعف منجبر بالشهرة ، والسجدة محمولة على الاستحباب.

وفي الكافي عقيب كالصحيح الحلبي إلى الحدّ الذي رواه في الفقيه : « وإن كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا » إلى أن قال « فإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهّد وسلّم ثم اسجد سجدتي السهو » انتهى.

وهو رأيه كما هو الظاهر ، فتأمّل.

ورواية أبي بصير : قال رجل للصادق عليه‌السلام : إنّي رجل كثير السهو في الصلاة ، فقال : « فهل يسلم منه أحد؟ » إلى أن قال : « يا أبا محمد إنّ العبد‌

__________________

(١) انظر ج ١ : ٤٩ ـ ٥٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٤) التهذيب ٢ : ١٨٣ / ٧٣٠ ، الوسائل ٨ : ٢١١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٧ ح ٢.

٣٠١

يرفع له ثلث صلاته ونصفها وثلاثة أرباعها وأقلّ وأكثر على قدر سهوه فيها ، لكنّه يتم له من النوافل » (١) فتأمّل.

وصحيحة ابن مسلم في الذي يذكر أنّه لم يكبّر في أوّل صلاته ، فقال : « إذا استيقن أنّه لم يكبّر فليعد ، ولكن كيف يستيقن؟ » (٢) وكذا ما يؤدّي معناها في نسيان التكبير (٣).

وصحيحة الفضيل : أستتمّ قائما فلا أدري ركعت أم لا؟ قال : « بلى قد ركعت فامض ، فإنّ ذلك من الشيطان » (٤) فإنّ الظاهر ظنّ حصوله ، لأنّه قال : أستتمّ قائما.

وفي الموثّق كالصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال : في من أهوى إلى السجود وشكّ في الركوع ، قال : « قد ركع » (٥) فإنّ ظاهرها البناء على الظاهر ، وترجيحه على الأصل في المقام ، كحكاية التكبير ، فتأمّل.

ويمكن الاستدلال لابن إدريس برواية ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام في من لا يدري واحدة صلّى أو اثنتين ، قال : « يستقبل حتى يستيقن » (٦)

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٣ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٤٢ / ١٤١٦ ، الوسائل ٤ : ٧١ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٧ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٣ / ٥٥٨ ، الاستبصار ١ : ٣٥١ / ١٣٢٧ ، الوسائل ٦ : ١٣ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٢.

(٣) المستدرك ٤ : ١٣٧ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥١ / ٥٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ / ١٣٥٤ ، الوسائل ٦ : ٣١٧ أبواب الركوع ب ١٣ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥١ / ٥٩٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ / ١٣٥٨ ، الوسائل ٦ : ٣١٨ أبواب الركوع ب ١٣ ح ٦.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥١ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٩ / ٧١٥ ، الاستبصار ١ : ٣٦٥ / ١٣٩١ ، الوسائل ٨ : ١٨٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٧.

٣٠٢

وغيرها ممّا يؤدّي مؤدّاها (١).

ويمكن الجمع بحمل اليقين على عدم الشك ، لوقوعه في مقابله ، ولأنّه في الاستقبال يحصل اليقين غالبا ، ولهذا قال كذا ، فتأمّل.

نعم يومئ إلى ما ذكره وقوع الاستفصال في الشكّ في الثالثة والرابعة وعدم وقوعه في الشكّ في الأوليين بالمرّة مع كثرته.

وممّا يؤيّد المشهور أيضا ما ورد من أنّه لا يعيد الصلاة فقيه ، بل يحتال لها حتى يصحّحها (٢) ، وأنّ المدار في الأعصار والأمصار كان على الظنّ غالبا ، لعسر اليقين كما هو المشاهد ، فتأمّل.

قوله : وإذا ثبت ذلك ثبت اعتبارهما في أفعالهما بطريق أولى. ( ٤ : ٢٦٤ ).

لا يخفى أنّ الامتثال العرفي لو تحقّق بالظنّ فلا يحتاج إلى هذا الاستدلال ، وإن لم يتحقّق به ، بل لا بدّ من العلم ، فإذا ثبت من الشرع الاكتفاء بالظنّ في مجموع الفعل ثبت اكتفاؤه في أبعاضه بطريق أولى.

وبعبارة أخرى : إذا ثبت اكتفاؤه بالظنّ في كلّ واحد من الأبعاض مع ظنّيّة باقي الأبعاض فمع علميتها بطريق أولى.

والظاهر أنّ ذلك من باب مفهوم الموافقة ، وذلك لأنّ السيد إذا قال لعبده : ايتني بألف عدد من شي‌ء ، ثم قال : يكفيك ظنّك بإتيان هذا الألف ، ليحكم أهل العرف بأنّه يكفيه الظنّ بواحد من هذا الألف مع القطع بالبواقي قطعا ، بل يحكمون بأنّه يكفيه الظنّ لكلّ واحد واحد من هذا الألف البتّة ، لأنّ الألف ليس إلاّ كلّ واحد واحد منها جميعا ، وكلّ واحد واحد منها‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٨٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٤٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٩ ح ١.

٣٠٣

جميعا صرّح باكتفائه فيه بالظنّ فيه.

وأيضا إذا صرّح بكفاية الظنّ بتحقّق الركعة يكون تصريحه قرينة واضحة على أنّ المراد من الركعة الركعة المظنونة ، أي ما يكتفي فيه بالظنّ ، فيلزم من ذلك أن يكون أجزاء تلك الركعة ـ ومنها الهيئة التركيبية ، إذ هي أيضا جزء منها ـ مظنونة بهذا المعنى ، إذ لا معنى لكون الكلّ مظنونا والجزء مقطوعا ، إلاّ أن يكون وقع في الجزء طلب سوى مطلوبيته في ضمن الكلّ.

فإن قلت : غاية ما ثبت ممّا ذكرت أنّ المطلوب الركعة المظنونة في صورة خاصّة لا مطلقا ، وهي ما إذا تعلّق الظنّ بنفس الركعة ، وأمّا إذا تعلّق بجزئها خاصّة فلا ، بل المطلوب حينئذ الركعة المقطوع بها ، وذلك لأنّ مقتضى ما دل على وجوبها تحصيل اليقين بإتيانها مطلقا ، خرج منه الصورة الخاصّة المذكورة وبقي الباقي تحت الإطلاق.

قلت : قد عرفت من المفهوم الموافق الاكتفاء بالظنّ فيما إذا تعلّق بالجزء خاصّة بطريق أولى ، ولو ضايقت عن ذلك نقول : اقتضاء (١) ما دل على الوجوب تحصيل اليقين لعله محلّ تأمّل بعد ملاحظة أمور ، وهي أنّ الشارع جوّز الاكتفاء بالظنّ مطلقا ، أي سواء أمكن تحصيل البراءة اليقينية أم لا ، وسواء وقع الاهتمام التام في تحصيل اليقين وتحفّظ النفس في الضبط أم لا ، كما هو ظاهر النص والفتاوى ، وأنّ الركعة المطلوبة تكون على ضربين : قطعي وظنّي ، ويتخيّر المكلف بينهما مطلقا إلاّ إذا اتفق تعلّق الظنّ بجزء منها ، فتعيّن حينئذ القطعي ، ولا يخفى أنّه بعيد غاية البعد ، مع أنّ تحصيل القطع غير ممكن ، لأنّه إن أتى بالمظنون يلزم زيادة جزء في‌

__________________

(١) في « أ » و « و » : أقصى.

٣٠٤

الصلاة ، مع أنّ المطلوب عدم الزيادة مثل الركوع والسجدتين وغيرهما ، ولو أبطل الصلاة واستأنف لم يكن المطلوب منه حينئذ خصوص القطعي بل يكون مخيّرا.

وأيضا جوّز الشارع الاكتفاء بالشكّ في فعل إذا وقع الشكّ بعد الدخول في فعل آخر ، واللازم من ذلك الاكتفاء بالظنّ بطريق أولى ، فإنّه إذا شكّ أنّه فعل يبني على الصحة ، قطعا ، فإذا ظنّ أنّه قد فعل فلا شكّ في البناء على الصحة حينئذ ، بل هو أولى وأولى ، وهذا أيضا كالسابق في التعميم ، بأنّه أعمّ من أن يكون تحصيل البراءة اليقينية ممكنا.

وأيضا لا شكّ في أنّه إذا كثر السهو يبنى على الصحة قطعا ، فإذا كثر الظنّ بأنّه قد فعل فهو أولى بالبناء على الصحة وأولى قطعا ، ومعلوم أنّ غالب المكلفين كثير الظنّ ، إذ قلّما يتحقّق القطع بجميع أجزاء الصلاة ، بل إلزام تحصيل القطع بالجميع ربما يوجب العسر والحرج المنفيّين بالنسبة إلى الغالب.

وأيضا جوّز الشرع رجوع كل واحد من المأموم والإمام إلى الآخر مطلقا ، وقد أشرنا إلى حكمه باكتفاء الظنّ في الركوع ، وربما يظهر من بعض الأخبار ذلك بالنسبة إلى التكبيرة (١) أيضا.

وأيضا الرواية النبوية مطلقة تشمل الركعات والأبعاض ، ولعل ضعفها منجبر بعمل الفقهاء ، فتأمّل ، والله يعلم.

قوله : ولا ريب أنّ اعتبار ذلك أولى وأحوط. ( ٤ : ٢٦٤ ).

لا يخفى أنّ المكلفين في جميع أفعال الصلاة وأجزائها ليسوا‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٣ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٢.

٣٠٥

بمتفطّنين مستحضرين ، بل في الغالب يكونون غافلين غير مستحضرين ، بل لا يمكنهم عادة التحفّظ والاستحضار حين الفعل بالنسبة إلى كلّ واحد واحد من الأجزاء ، فلو التفتوا إليها يحصل لهم الشكّ بدارا ومن أوّل الأمر ، ولا يكون لهم العلم الحضوري ، نعم بعد التروّي وقليل من التأمّل يظهر لهم حقيقة الحال أو يحصل لهم الظنّ بالحال أو يبقى شكّهم على حاله ويستقرّ ، ولعل المتبادر من الأخبار هو هذا الشكّ أي الباقي على حاله المستقرّ ، لا الذي عرض غفلة وبدارا ومن أوّل الأمر ، وفي الغالب يتبدّل ويتغيّر بتوجّه النفس والتفاتها وتأمّلها.

مع أنّه لو كان هذا معتبرا يلزم الحرج والعسر في الدين ، لو لم نقل بلزوم تكليف ما لا يطاق.

( وأيضا على هذا ربما يلزم أن يكون كلّ المكلفين كثيري الشكّ ، وأنّه يجب عليهم العمل بمقتضى كثرة الشكّ.

وأيضا إذا كان المكلف يعلم بحسب العادة أنّ هذا الشكّ العارض بدارا يزول في الغالب ويظهر عليه حقيقة الحال أو الظنّ به المعلوم حكمه فكيف يجي‌ء ويسأل المعصوم عن حكمه وعن العلاج فيه؟ مع أنّ العلاج غالبا يكون بيده ، ورفع الشكّ يحصل منه من دون حصول سكوت طويل يخرج عن الصلاة ، إذ ظاهر أنّ سؤاله من جهة تحصيل العلاج ) (١).

وأيضا إذا كان يدري أنّه بعد هذا الشكّ يظهر الحال في الغالب فكيف يبنى على أحكام الشكّ من إبطال الصلاة وهو حرام إلاّ في ما لا علاج ، أو أصل العدم فيفعل؟ مع أنّه ربما كان ركنا فيبطل صلاته ، أو‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ا ».

٣٠٦

غير ركن وغير ظاهر أنّ زيادته مع إمكان العلاج وتيسّره مغتفر ، فكيف يكون هذا احتياطا؟ بل لعله داخل في العامد ، بل الظاهر أنّه كذلك ، وكذا الحال في غيرهما من الأحكام ، ولعله لما ذكرنا حكموا بالتروّي ويكون مرادهم منه القدر الذي يخرج الشكّ من الشكّ الذي يعرض بدارا وغفلة وذهولا ، فتأمّل.

قوله : لا يقتضي صيرورته جزءا من الصلاة. ( ٤ : ٢٦٦ ).

لا يخفى أنّ شرعيته لأنّ يكون معرضا لتمامية الصلاة حيث قالوا : فإن كان صلّى ثلاثا أو اثنتين كانت هاتان تمام الأربع ، ولا يصير تماما له إلاّ أن يكون جزءا في صورة النقص ، ولذا لو ذكر النقص بعد ذلك تكون صلاته صحيحة ، كما هو ظاهر الأخبار ، بل روى في التهذيب بسنده عن عمار قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن شي‌ء من السهو في الصلاة ، فقال : « ألا أعلّمك شيئا إذا فعلت ثم ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء؟ إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا سلّمت فقم وصلّ ما ظننت أنّك نقصت ، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي‌ء ، وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت » (١) مع أنّ هذا مسلّم عند الفقهاء.

مع أنّ الأخبار متواترة في أنّ الفريضة خمسة وأنّ الصلاة في اليوم والليلة خمسة ، إلى غير ذلك ممّا يتضمّن هذا المعنى فيكون الاحتياط إمّا جزءا أو نافلة ، كما نطقت به الأخبار ، واعتبار الانفصال بالأمور الثلاثة للضرورة ، لاحتمال أن يكون ما فعله تماما ، فيكون صلّى ما هي أربع‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٩ / ١٤٤٨ ، الوسائل ٨ : ٢١٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

٣٠٧

خمسا أو ستّا أو سبعا أو ثمان.

وبالجملة : المحذور دائر بين محذورين رجّح أحدهما على الآخر ، قال في الوافي : لأنّه مع الفصل إذا ذكر بعد ذلك ما فعل وكانت صلاته مع الاحتياط مشتملة على الزيادة فلا يحتاج إلى الإعادة بخلاف ما إذا وصل (١) ، انتهى. والسيد في الانتصار علّل بعلّة أخرى (٢) ، فليلاحظ. وعلى قول الصدوق (٣) يجوز المحذور الآخر أيضا.

نعم يدل ذلك على وجوب التسليم والاضطرار إليه أيضا ، لأنّ الخروج عن الصلاة إنّما يتحقّق به.

وأمّا الجلوس والركعتان فلوقوع المحذور أيضا بين محذورين : عدم الموافقة إن روعي هيئة الصلاة الصحيحة المستقلّة ، ولذا روعي التكبير والنيّة ، إذ لا صلاة إلاّ بهما وكونهما ركنا ، وأمّا كونها ركعتين وإن لم يكن مثلهما في الركنية وعدم التحقّق إلاّ به ، لكنّ الأصل المقرّر فيها أن يكون كذلك.

وعدم هيئة الصلاة المستقلّة إن روعي الجزئية ، ولذا يترك السورة والقنوت ، ويختار الإخفات والمبادرة بعد السلام وعدم فعل المنافيات عمدا فيما بين ، ويعتدّ به جزءا إن ظهر النقص ، فإمّا أن يعتبر الموافقة كما هو رأي بعض ، أو مقتضى الأصل في الهيئة كما هو رأي بعض وورد في الصحاح ، أو كلاهما كما هو المشهور وورد في الخبر.

وبالجملة : كونه في معرض الجزئية بأن يكون جزءا لو كان ما فعله‌

__________________

(١) الوافي ٨ : ٩٨٠.

(٢) الانتصار : ٤٩.

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٨٢ ، وانظر الفقيه ١ : ٢٣٠ و ٢٣١.

٣٠٨

ناقصا ظاهرا ، وظهور ذلك في مراعاتها مهما أمكن غير خفي ، وثبوت عدم المراعاة بالنسبة إلى خصوص شي‌ء لا يقتضي العدم مطلقا ، إذ لعله لجهة ومصلحة غير منافية لمطلق المراعاة أو مطلقا ، فتأمّل.

على أنّ الصلاة عبادة توقيفية لا يعلم صحتها أو حقيقتها إلاّ من جهة الشرع ، فلا نعلم بعد الإتيان بالمبطل قبله أنّها صحيحة أو صلاة ، وشغل الذمة بها يقيني ، وتحقّق الامتثال بمجرد ما ذكر من الأصل غير معلوم ، إذ لم يعلم بعد حجّيته بحيث ينفع في المقام ، فتأمّل.

وسيّما بعد ورود صحيحة ابن أبي يعفور المتأيّدة برواية أبي بصير المطابقة لما ذكرناه.

وحملها على ما ذكره خلاف الظاهر ، كما لا يخفى ، إذ الظاهر الوقوع بعدها ، وأنّه بعد في حرمة الصلاة ، وارتكاب الحرام سهوا حلال ، بل لا حرام حينئذ ، وعمدا لا ينفع سجود السهو ولا يؤمر به له ، بل نقول : لا خفاء في أنّ سجدة السهو مقرّرة للسهو والشكّ في الصلاة ، أعني المعنى الشامل للشكّ. مع أنّ التحريم يكفي ، لعدم القائل به بخصوصه ، وظهور كون ذلك لحرمة الصلاة ، وظهور ذلك في عدم الخروج بالمرّة. والاتفاق على المبادرة مؤيّد أيضا.

وبالجملة : الامتثال يقتضي الإتيان بجميع الأجزاء بكيفياتها المطلوبة والعلم بالإتيان أو الظنّ المعتبر ، ومع الإخلال الإعادة تحصيلا لها إلاّ أن يأمر الشارع في صورة الإخلال وعدم تحقّق الامتثال بعلاج ، فلا بدّ من الوقوف على علاجه وعدم التعدّي والتصرّف ، فكيف يتأتّى الاستناد إلى الأصل والتمسّك به في تحصيل الامتثال والخروج عن العهدة؟

اللهم إلاّ أن يكون المراد التمسّك به بعد الاستناد إلى إطلاق كلامه في‌

٣٠٩

بيان العلاج.

وفيه : أنّه إن أفاد إطلاقه شمولا لمحلّ النزاع فلا حاجة إلى الأصل ، وإلاّ فلا منفعة له ، لوجوب الاقتصار على القدر الذي يفهم من الإطلاق ، وغير خفي أنّ القلب الغافل السالم عن الشوائب لا ينساق ذهنه من مجرّد سماع هذا الإطلاق إلى صورة تخلّل الأحداث والمنافيات أيضا ، سيّما وأن يثق بشموله لها وظهوره فيها أيضا ، خصوصا بعد ملاحظة ما ذكرنا ، مضافا إلى الصحيحة ورواية أبي بصير ، والاتفاق على وجوب المبادرة وترك السورة والقنوت ، فتأمّل (١).

مضافا إلى ما ستعرف من دلالة الأخبار الصحيحة الكثيرة والمعتبرة الكثيرة على وجوب الإتيان بصلاة الاحتياط على الفور بالتقريب الذي ستعرف.

قوله : ودلالة هذه الفاء على الفورية. ( ٤ : ٢٦٦ ).

لا يخفى أنّ المتبادر من الحديث القيام إلى الركعتين تلك الساعة ، فلا وجه لما ذكره من أنّه لا يلزم من ذلك بطلان الصلاة بتخلّل الحدث ، لأنّه إذا تخلّل لا يمكن المبادرة ، بل لا بدّ من الوضوء أو غيره من الطهارات ، وذلك ينافي المبادرة ، فيصير الإتيان بهما حينئذ إتيانا بالمأمور به على غير وجهه ، فيكون المكلف به داخلا تحت العهدة باقيا فيها ، وهذا معنى البطلان.

نعم إن ثبت من دليل أقوى ممّا ذكر نرفع اليد عنه ، ونعمل بذلك الدليل ، وأين هو؟ فتأمّل جدّا.

__________________

(١) ليس في « ب » و « ج » و « د ».

٣١٠

والرواية صحيحة كما حقّق في محلّه ، مع أنّها إلى حماد صحيحة ، وهو ممّن أجمعت العصابة.

على أنّه ورد أخبار كثيرة صحيحة بهذا المضمون ، فلا وجه للاستناد إلى خصوص هذه الرواية. مع أنّ رواية عمار (١) التي هي مستند القوم في البناء على الأكثر مطلقا على ما عرفت إنّما هي بهذا المضمون.

مع أنّ المحقّق في الأصول أنّ المأمور به إذا كان مأمورا به على سبيل الفور فبزوال الفور يفوت المأمور به ، ولم يبق مطلوب أصلا ، كالموقّت ، سيّما في المقام ، فإنّ المكلّف لم يخرج عن عهدة الفريضة اليومية ولم يمتثل ، لأنّه أوقع فيها خللا ، والشارع قال : علاج الخلل فعل الاحتياط فورا ، فتأمّل جدّا.

قوله : وكونها بدلا. ( ٤ : ٢٦٧ ).

لا يخفى أنّ الشارح رحمه‌الله كثيرا ما يستدل بأنّ البدل يساوي المبدل ، لأنّه مقتضى البدلية ، منها ما مرّ في مباحث خطبة صلاة الجمعة (٢).

ومع ذلك غير خفي أنّ صلاة الاحتياط ليست بدلا ، بل تفعل لأنّها معرضة للإتمام ، فإنّ الصلاة لو كانت تامّة تكون هذه نافلة ، وإلاّ تكون تتمّة الصلاة وجزءها ، لا أنّها بدل عن الجزء ، بل هي هو على ذلك ، وكون الجزء في بعض يفعل بعد التسليم لا يقتضي الخروج عن الجزئية ، كما في تدارك أبعاض الصلاة ، فتدبّر.

قوله : ولا ينافي ذلك تبعية الجزء في بعض الأحكام. ( ٤ : ٢٦٧ ).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١ ، ٣ ، ٤.

(٢) المدارك ٤ : ٣٦ ، ٣٨.

٣١١

لا خفاء في عدم اندفاعه ، لأنّ البدلية لو اقتضت المساواة في كلّ حكم إلاّ أن يثبت من الخارج عدمه فلا وجه للحكم بعدم البطلان ، وإن لم يقتض فلا وجه للحكم ببقاء التخيير من جهة البدلية.

قوله (١) : لو ثبتت التبعية. ( ٤ : ٢٦٧ ).

لا يخفى أنّ ابن إدريس قائل بالتخيير من جهة البدلية ، فالاعتراض لا يندفع أصلا وإن ثبتت من الخارج.

قوله : وهو ضعيف. ( ٤ : ٢٦٧ ).

لا يخفى ما في تضعيفه ، لأنّ الخروج عنها بالنسبة إلى ما ذكر لا يقتضي الخروج محضا وكونه غير جزء يتدارك بعد الصلاة ، بل يكون من قبيل الأجنبي مثل سجود السهو وجب الإتيان بها بعد الصلاة مثله ، فتأمّل.

قوله : على فعل المشكوك فيه. ( ٤ : ٢٦٨ ).

بل يبنى على المصحح ، إذ ربما كان الشكّ في الزيادة ، وما علّل به أوّلا لا يقتضي انحصار السهو ، لأنّ الدليل ربما يكون أخصّ من المدعى ، ويتمّ المدعى به وبدليل آخر ، مع أنّ ما ذكره ليس علّة حقيقية ، بل نكتة لعدم اعتبار الشرع ، وإلاّ فالدليل هو الخبر ، فتأمّل.

قوله : وأكثر هذه الأحكام مطابق لمقتضى الأصل. ( ٤ : ٢٦٩ ).

لا يخفى أنّ السهو والشكّ خللان في الصلاة مانعان عن تحقّق الامتثال والإتيان بالمأمور به على وجهه ، إلاّ أن ( يثبت من الشارع عدم ضررهما ، أو ) (٢) يثبت منه تدارك لهما ، وإن لم يثبت شي‌ء منهما فلا بدّ من‌

__________________

(١) هذه التعليقة ليست في « د ».

(٢) ما بين القوسين ليس في « ا ».

٣١٢

الإعادة حتى يتحقّق المأمور به على وجهه ، فكيف يكون أكثر هذه الأحكام مطابقا لمقتضى الأصل؟ لأنّ الغرض تصحيح الصلاة.

نعم لو كان الخلل أمرا خارجا عن حقيقة الصلاة أمكن أن يقال : الأصل صحتها وعدم ضرر من جهته بالنسبة إلى ماهية الصلاة ، هذا على القول بأن الصلاة اسم للأعمّ لا خصوص الصحيحة شرعا ، إذ على التقدير الثاني لا يمكن التمسّك بالأصل في هذا الخلل أيضا ، فتأمّل جدّا.

قوله : لكونه سببا فيه. ( ٤ : ٢٦٩ ).

أي لعلاقة السببية ، وللقرينة ، وهي كون الظاهر أنّ المراد من السهو ... والحاصل : أنّ المجاز محتاج إلى العلاقة والقرينة وكلتاهما هنا موجودة.

لا يقال : إنّ القرينة تقتضي كون المراد من السهو الشكّ لا ما يتناوله.

لأنّا نقول : إذا تعذّر الحقيقة فالحمل على أقرب المجازات متعيّن ، والقرينة هنا لا تأبى عن المجاز العامّ ، وهو أقرب من الشكّ الذي بينه وبين السهو تباين كلّي ، فتأمّل.

والأولى أنّ السهو هو الزوال عن القوّة الذاكرة ، أعمّ من أن يجي‌ء بعد في الخاطر أنّه زال عن الذاكرة أو لم يجي‌ء [ بل ] (١) يصير متردّدا في أنّ الأمر كيف صار أوّلا؟ خرج من قوله : « ولا على الإمام سهو ولا على من خلف الإمام » ما إذا [ وقع ] (٢) منهما سهو يجب عليهما التدارك البتّة ويبقى الباقي ، أو يكون تقدير : مع حفظ الآخر ، قرينة على استعمال الكلّي في الفرد فيهما خاصّة إن ثبت التقدير ، فتأمّل جدّا.

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

٣١٣

وأمّا تقدير الموجب في الثاني مع كونه خلاف الأصل فلكونه أظهر في إفادة الحكم والثمرة في المقام ، فتأمّل.

ثم لا يخفى أنّ قول المنتهى : لا سهو في السهو ، ليس مضمون حديث ، إذ الوارد في حسنة حفص : « ولا على السهو سهو » ولا جائز أن يكون المراد نفس السهو في الموضعين ، إذ لا معنى لأن يقال : ليس على نفس السهو نفس السهو ، إلاّ بتقدير حكم نفس السهو فيصير كذبا ، ولا جائز أيضا أن يكون المراد من الأوّل نفس السهو ومن الثاني موجبه أو تداركه أو حكمه وما يؤدّي هذا المعنى ، إذ يصير كذبا قطعا ، فتعيّن أن يكون المراد فيهما معا الموجب والتدارك ، ولا جائز أن يكون المراد في الأوّل الموجب وفي الثاني نفس السهو إلاّ بتأويل يرجع إلى المتقدّم.

وأمّا مرسلة يونس الآتية فهكذا : « ولا سهو في سهو ، وليس في المغرب والفجر سهو ، ولا في الركعتين الأولتين من كل صلاة ، ولا في نافلة » الحديث. هذا بعد القدر الذي نقله الشارح رحمه‌الله ويظهر من السياق أنّ المراد من السهو الأوّل موجبة وتداركه ، فيكون المراد من الثاني أيضا الموجب والتدارك موافقا لما في الحسنة. ولا جائز أن يكون المراد في الثاني نفس السهو ، إذ يصير كذبا إلاّ بتأويل يرجع إلى المتقدّم.

فالحقّ ما ذكره العلاّمة لا القائل المذكور ، لأنّه ليس مفاد عبارة الحديث ، ولا كلام ، بل مفاد عبارة أخرى ، وهي أنّه : لا سهو في السهو الكائن في السهو ، فتأمّل.

ويظهر من مرسلة يونس ظهورا تامّا أنّ المراد من السهو هو الشكّ أو الأعمّ بالتقريب الذي ذكر ، فتأمّل ، والأحوط قصر الحكم في الشكّ ، والله يعلم.

٣١٤

ثم اعلم أنّ قوله عليه‌السلام : « ولا على الإعادة إعادة » إنّما هو بالنسبة إلى كثير السهو ، كما سيجي‌ء ، لأنّ الغالب أنّه يسهو في الإعادة وأمّا غيره فقلّما يسهو في الإعادة أيضا ، وإطلاق الأخبار محمول على الغالب لا النادر ، وسيجي‌ء في مسألة كثير السهو ما يظهر منه أنّ من لم يكثر سهوه يعتبر سهوه ويتدارك ، للأخبار المعتبرة المعمول بها عند الفقهاء ، وربما يتحقّق الكثرة بمرّتين لهذا الخبر ، وضعفه ظاهر ، لما عرفته ، وربما حمل على أنّ المراد عدم استحباب الإعادة ثانيا في صورة استحباب الإعادة (١) ، وهو بعيد.

قوله : وإطلاق النص. ( ٤ : ٢٧٠ ).

شموله لصورة عدم حصول المظنّة أصلا محلّ تأمّل ، لأنّ الغالب المتعارف حصول المظنّة ، وإطلاقات الأخبار محمولة عليه ، فلعل حال ما نحن فيه وحال غير المأموم واحدة ، ومفهوم اللقب ليس بحجّة ، سيّما مع الورود مورد الغالب ، فتأمّل.

قوله : كذا يرجع الظانّ إلى المتيقّن. ( ٤ : ٢٧٠ ).

لا دليل على ذلك لا من جهة النص ولا من القاعدة ، بل القاعدة تقتضي كون الظانّ يرجع إلى ظنّه ، وهو الذي كلّف به ، كما تقدّم ، فكيف بالرجوع إلى غيره؟ إذ غاية ما يحصل منه الظنّ التقليدي ، والظنّ الاجتهادي لو لم يكن أقوى من التقليدي لم يكن أضعف ...

اللهم إلاّ أن يحصل من تقليده ظنّ أقوى في نظره من ظنّ نفسه ، فحينئذ يرتفع ظنّه وينحصر في الظنّ التقليدي ، فيكون عاملا بظنّه لا أنّه يرجع إلى المتيقن مطلقا. والوارد في النص ليس إلاّ لفظ « السهو » ولفظ « لا‌

__________________

(١) انظر الذخيرة : ٣٦٩.

٣١٥

يدري » وشمول معناهما للمظنّة في غاية البعد ، بل لا يكاد يستقيم ، سيّما بعد ملاحظة ما ذكرنا ، فتدبّر.

قوله : فإن جمعتهما رابطة رجعا إليها. ( ٤ : ٢٧٠ ).

إذا حصل الظنّ من جهة الرابطة.

قوله : لعدم الوثوق بخبرهم مع الاختلاف. ( ٤ : ٢٧٠ ).

لا يخفى أنّ الاختلاف مختلف ، فربما يرفع الوثوق وربما لا يرفع ، ولذا نعمل بالأخبار والأمارات والظنون مع الاختلاف فيها جلاّ أو كلاّ ، فتأمّل.

قوله : فالظاهر بطلان صلاته. ( ٤ : ٢٧٢ ).

لا أنّ البناء على الوقوع رخصة ، ويدل عليه مضافا إلى ما ذكره الشارح رحمه‌الله أنّه يظهر من الأخبار أنّ الإتيان حينئذ إطاعة الشيطان وهي حرام البتّة ، وورد في هذه الأخبار أيضا النهي عنها.

وممّا ذكرنا يظهر أنّه لو شكّ في كونه كثير الشكّ أم لا يشكل البناء على عدمه بالإتيان ، بل الظاهر أنّ هذه الحالة غالبا تحصل لكثير الشكّ ، وأنّ (١) الكثرة العرفية لا تخفى على أحد ، ولذا لو سئلوا ليقولون في الجواب : نشكّ كثيرا ولا ندري أنّا كثير الشك عرفا أم لا ، وربما يصرّحون بأنّ الشيطان لا يدعنا وأنّ هذه الحالة من الشيطان ، فالواجب عليهم الترك والبناء على الوقوع والمصحّح ، وربما يقولون نحتاط ، ولا شكّ في أنّه ليس باحتياط بل حرام ، فتدبّر.

قوله : السالم من المعارض. ( ٤ : ٢٧٢ ).

__________________

(١) في « أ » و « و » : إلاّ.

٣١٦

فيه نظر ظاهر ، لأنّ عموم قولهم : « إذا كثر عليك السهو. » يشمل ما ذكره كما يشمل غيره ، وكما أنّ ما ذكره له عموم فكذا غيره أيضا من دون تفاوت ، فالفرق تحكّم ، والعموم الأوّل أقوى من الثاني ، بل ربما يكون من قبيل الخاصّ والعامّ ، ولذا قدّم عليه ، بل ربما يتأمّل في شمول الثاني للأوّل ، لكونه فردا غير متبادر منه ، ويدل عليه التعليلات الواردة في الأخبار من أنّه من الشيطان يريد أن يطاع فلا تطيعوه (١) ، إلى غير ذلك ، بل حكم في كثرة الشكّ في الوضوء بعدم الالتفات والمضي بهذه التعليلات (٢) ، فكيف يحكم هنا بوجوب الإتيان تمسّكا بعموم. إلى آخر ما قال؟ فتأمّل.

ثم لا يخفى أنّ مراده من السهو هنا ليس الشكّ ، لأنّ تجاوز المحلّ في الشكّ يوجب عدم الالتفات مطلقا ، وإن لم يكن كثير الشكّ ، فمع كثرة الشكّ بطريق أولى.

فإن كان المراد من السهو في الأخبار الدالة على أنّه لا سهو إذا كثر هو الشكّ ـ كما هو صريح المعتبر (٣) والظاهر من العلاّمة أيضا (٤) ـ فلا وجه لما ذكره من قوله : ولو كثر السهو. لأنّ الكثرة لا عبرة بها حينئذ في السهو مطلقا ، فما دل على حكم السهو من التدارك له وغيره يكون باقيا على حاله من دون مانع أصلا.

وإن كان المراد من السهو فيها معناه الحقيقي وما هو أعمّ من الشكّ‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٨ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٨٨ / ٧٤٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٤ / ١٤٢٢ ، الوسائل ٨ : ٢٢٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٢.

(٢) المدارك ١ : ٢٥٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٣٩٣.

(٤) المنتهى ١ : ٤١١.

٣١٧

والسهو المصطلح في كلام الفقهاء ـ كما هو مقتضى الأصل والظاهر ، وهو الظاهر من كلام الأكثر ـ فلا وجه أيضا لما ذكر من قوله : ولو كثر السهو. أيضا على ما ذكرنا أوّلا ، فتأمّل.

قوله : وعدم الالتفات إلى الشكّ. ( ٤ : ٢٧٢ ).

بل ظاهرها عدم التدارك بسجود السهو أيضا ، ويؤيّده التعليلات ، وكون الأوامر المتضمّنة لسجود السهو شاملة لما نحن فيه محلّ مناقشة ، سيّما بعد ما ذكرنا ، فتأمّل.

فالأظهر ما اختاره في الذكرى ، لا لما ذكره ، بل لما ذكرنا ، نعم ربما يصلح للتأييد.

فالأظهر ما اختاره في الذكرى ، لا لما ذكره ، بل لما ذكرنا ، نعم ربما يصلح للتأييد.

قوله : وأنكر المصنف في المعتبر هذا القول. ( ٤ : ٢٧٣ ).

ونقل في الذكرى القول بتحقّقها بمرّتين من قائل مجهول (١) ، وقد أشرنا في مسألة : لا سهو في سهو (٢).

قوله : في ما لم يرد فيه تقدير من الشارع. ( ٤ : ٢٧٣ ).

ولأنّه يظهر من الأخبار أنّه من الشيطان يريد أن يطيعه الإنسان فيجب عدم الاعتداد به ، ولا شبهة في أنّه يظهر من الكثرة العرفية أنّه من الشيطان وأنّهم يحكمون بذلك.

قوله : وهو كذلك. ( ٤ : ٢٧٤ ).

فيه تأمّل ، فإنّ الحكم بعدم الإعادة لا يستلزم الكثرة ، ولم يقل به أحد.

قوله : من شكّ في النافلة بنى على الأكثر. ( ٤ : ٢٧٤ ).

__________________

(١) الذكرى : ٢٢٣.

(٢) راجع ص ٣١٣ ـ ٣١٥.

٣١٨

قال الشيخ رحمه‌الله في التهذيب : النوافل عندنا لا سهو فيها ، ويبني الإنسان إن شاء على الأقل وإن شاء على الأكثر ، وإن كان البناء على الأقلّ أفضل (١).

ويظهر من هذا الإجماع على ذلك ، وأنّ المراد من نفي السهو في النافلة على ما ورد في صحيحة ابن مسلم (٢) ومرسلة يونس (٣) هو ما ذكره ، وقال في المنتهى ـ على ما نقل ـ : إنّه ـ يعني ما ذكره الشيخ ـ قول علمائنا أجمع إلاّ ابن بابويه فإنّه جوّز البناء على الأقلّ والإعادة (٤).

قلت : لعله رحمه‌الله فهم من نفي السهو في رواية يونس البطلان ، لكن قال في أماليه : من دين الإمامية أن لا سهو في النافلة ، فمن سهى في النافلة فليبن على ما شاء ، وإنّما السهو في الفريضة (٥).

قوله : وأمّا جواز البناء على الأكثر. ( ٤ : ٢٧٤ ).

في الكافي : وروي أنّه « إذا سهى في النافلة بني على الأقل » (٦). وأمّا البناء على الأكثر فلعموم ما دل عليه ، وللإجماع ، وما علّل به الشارح رحمه‌الله ليس علّة للأفضلية بل علّة لتعيين الأقلّ لو كان بناؤها على الاستصحاب ، وإلاّ فلا يصير علّة أصلا ، وأمّا علّة الأفضلية فهي التي أشرنا إليه.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٧٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٤٣ / ١٤٢٢ ، الوسائل ٨ : ٢٣٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٨ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٨ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٥٤ / ١٨٧ ، الوسائل ٨ : ٢٤٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ذيل الحديث ٨.

(٤) لم نعثر عليه.

(٥) أمالي الصدوق : ٥١٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ذيل الحديث ٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٨ ح ٢.

٣١٩

قوله : أنّ وجوب السجود. ( ٤ : ٢٧٥ ).

سنذكر عبارة أمالي الصدوق في المسألة الآتية ، فلاحظ.

قوله : بصحيحة سعيد الأعرج. ( ٤ : ٢٧٦ ).

هذه الصحيحة واردة في مقام التقيّة ، وإلاّ فقد ورد أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يسجد سجدة السهو قط (١) ، وللأدلّة الدالة على عدم سهو النبي ولا إسهائه من الآية مثل قوله تعالى ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى ) (٢).

وما ورد في الآية والأخبار من أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليه‌السلام هداة الخلق ومع الحق لا يفارقونه طرفة عين ، وأنّهم ليسوا بضالّين ، وما ذا بعد الحق إلاّ الضلال ، بل ورد أنّ من تمسّك بقولهم أو اقتدى بهم لن يضلّ أبدا (٣).

وقال الله تعالى ( وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً ) (٤) و : ( مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ ) (٥) وقال ( وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ) (٦) و : ( وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ) (٧) وفسّر بما فسّر (٨).

وورد الأمر بمتابعتهم ، والنهي عن المخالفة والمشاقّة (٩) ، فإذا جاز أن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٠ / ١٤٥٤ ، الوسائل ٨ : ٢٠٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٣.

(٢) يونس : ٣٥.

(٣) الكافي ١ : ١٩١ والبحار ٣٧ : ٨٦ وج ٢٣ : ١٣٢ و ١٣٤.

(٤) الكهف : ١٧.

(٥) الأعراف : ١٨٦.

(٦) الضحى : ٧.

(٧) النساء : ٨٨ ، ١٤٣.

(٨) انظر مجمع البيان ٢ : ٨٦ و ٢ : ١٢٩.

(٩) الوسائل ٢٧ : ٦٢ أبواب صفات القاضي ب ٧.

٣٢٠